كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

لم يقصد المعاوضة الحقيقية فالبيع غير منعقد ؛ فإن جعل العوض من عين مال غير المخاطب الذي ملّكه المعوّض (١) فقال : «ملّكتك فرسي هذا بحمار عمرو» ، فقال المخاطب : «قبلت» ، لم يقع البيع لخصوص المخاطب ؛ لعدم مفهوم المعاوضة معه ، وفي وقوعه اشتراءً فضوليّاً لعمرو كلامٌ يأتي.

وأمّا ما ذكره من مثال «مَن باع مال نفسه عن غيره» (٢) فلا إشكال في عدم وقوعه عن غيره ، والظاهر وقوعه عن البائع ولغوية قصده عن الغير ؛ لأنّه أمر غير معقول لا يتحقّق القصد إليه حقيقة ، وهو معنى لغويّته ؛ ولذا لو باع مال غيره عن نفسه وقع للغير مع إجازته كما سيجي‌ء ولا يقع عن نفسه أبداً.

نعم ، لو ملكه فأجاز ، قيل بوقوعه له (٣) ، لكن لا من حيث إيقاعه أوّلاً لنفسه ؛ فإنّ القائل به لا يفرّق حينئذٍ بين بيعه عن نفسه أو عن مالكه ، فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائماً ووجوده كعدمه.

إلاّ أن يقال : إنّ وقوع بيع مال نفسه لغيره (٤) إنّما لا يعقل إذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية ، لِمَ لا يجعل هذا قرينة على عدم إرادته‌

__________________

(١) في «ف» و «خ» : العوض.

(٢) راجع الصفحة ٢٩٨.

(٣) الظاهر أنّ القائل به كثير ، منهم : المحقّق القمّي في الغنائم : ٥٥٤ ناسباً إلى الأكثر ، ومنهم : كاشف الغطاء في شرحه على القواعد ، حيث قال في ذيل كلام العلاّمة : «وكذا لو باع مال غيره ثمّ ملكه» : «والأقوى عدم الاشتراط» ، راجع شرح القواعد (مخطوط) : الورقة ٦١.

(٤) في «ف» : بيع مال الغير لغيره.

٣٠١

من البيع المبادلة الحقيقية ، أو على تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكيّة المبيع كما سيأتي أنّ المعاوضة الحقيقيّة (١) في بيع (٢) الغاصب لنفسه لا يتصوّر إلاّ على هذا الوجه؟ وحينئذٍ فيحكم ببطلان المعاملة ؛ لعدم قصد المعاوضة الحقيقيّة مع المالك الحقيقي.

ومن هنا ذكر العلاّمة (٣) وغيره (٤) في عكس المثال المذكور : أنّه لو قال المالك للمرتهن : «بعه لنفسك» بطل ، وكذا لو دفع مالاً إلى من يطلبه الطعام وقال : اشترِ به لنفسك طعاماً.

هذا ، ولكنّ الأقوى صحّة المعاملة المذكورة ولغوية القصد المذكور ؛ لأنّه راجعٌ إلى إرادة إرجاع فائدة البيع إلى الغير ، لا جعله أحد ركنَي المعاوضة.

وأمّا حكمهم ببطلان البيع في مثال الرهن واشتراء الطعام ، فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب ، لا أنّ المخاطب إذا قال : «بعته لنفسي» ، أو «اشتريته لنفسي» لم يقع لمالكه إذا أجازه.

وبالجملة ، فحكمهم بصحّة بيع الفضولي وشرائه لنفسه ، ووقوعه للمالك ، يدلّ على عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك.

ثمّ إنّ ما ذكرنا كلّه حكم وجوب تعيين كلٍّ من البائع والمشتري من يبيع له ويشتري له.

__________________

(١) لم ترد «أو على تنزيل الغير إلى المعاوضة الحقيقية» في «ف».

(٢) في «ف» : فبيع.

(٣) القواعد ١ : ١٥١ و ١٦٦.

(٤) مثل الشهيد في الدروس ٣ : ٢١١ و ٤٠٩.

٣٠٢

هل يعتبر تعيين الموجب للمشتري والقابل للبائع؟

وأمّا تعيين الموجب لخصوص المشتري المخاطب (١) ، والقابل لخصوص البائع ، فيحتمل اعتباره ، إلاّ فيما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب لكلٍّ من المتخاطبين كما في غالب البيوع والإجارات فحينئذٍ يراد من ضمير المخاطب (٢) في قوله : «ملّكتك كذا أو منفعة (٣) كذا بكذا» هو المخاطب بالاعتبار الأعمّ من كونه مالكاً حقيقيّا أو جعليّاً كالمشتري الغاصب أو من هو بمنزلة المالك بإذن أو ولاية.

ويحتمل عدم اعتباره (٤) إلاّ فيما (٥) علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين ، كما في النكاح ، والوقف الخاصّ ، والهبة ، والوكالة ، والوصيّة.

مختار المؤلف ودليله

والأقوى (٦) هو الأوّل ؛ عملاً بظاهر الكلام الدالّ على قصد الخصوصيّة ، وتبعيّة العقود للقصود.

وعلى فرض القول بالثاني (٧) ، فلو صرّح بإرادة خصوص المخاطب اتّبع قصده ، فلا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره.

__________________

(١) كلمة «المخاطب» من «ف» و «ش» ومصحّحة «ن».

(٢) في «ف» : الخطاب.

(٣) في «ف» بدل «منفعة» : بعته.

(٤) العبارة في «ف» هكذا : ويحتمل اعتباره.

(٥) كلمة «فيما» من «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، نعم ورد في مصحّحة «خ» و «ص» بدل «فيما» : إذا.

(٦) في «ن» ، «م» ، «ع» و «ش» : الأقوى.

(٧) كذا في «ف» ، وفي غيرها : الثاني.

٣٠٣

قال في التذكرة : لو باع الفضولي أو اشترى مع جهل الآخر ، فإشكالٌ ، ينشأ من أنّ الآخر إنّما قصد تمليك العاقد (١).

وهذا الإشكال وإن كان ضعيفاً مخالفاً للإجماع والسيرة إلاّ أنّه مبنيّ (٢) على ما ذكرنا من مراعاة ظاهر الكلام.

كلام العلامة في الفرق بين البيع وشبهه وبين النكاح والمناقشة فيه

وقد يقال في الفرق بين البيع وشبهه وبين النكاح : إنّ الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر العقود ، ويختلف الأغراض باختلافهما (٣) ، فلا بدّ من التعيين وتوارد الإيجاب والقبول على أمرٍ واحد ، ولأنّ (٤) معنى قوله : «بعتك كذا بكذا» رضاه بكونه مشترياً للمال المبيع ، والمشتري يطلق على المالك ووكيله ، ومعنى قولها : «زوّجتك نفسي» رضاها بكونه زوجاً ، والزوج لا يطلق على الوكيل (٥) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده العلّامة من الفرق

ويرد على الوجه الأوّل من وجهي الفرق : أنّ كون الزوجين كالعوضين إنّما يصحّ (٦) وجهاً (٧) لوجوب التعيين في النكاح ، لا لعدم وجوبه في البيع ؛ مع أنّ الظاهر أنّ ما ذكرنا من الوقف وإخوته (٨)

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٢) كذا في «خ» ، «ع» و «ص» ، وفي سائر النسخ : «مبنيّة» ، ولا يبعد أن تكون مصحّفة «منبّهٌ» كما في نسخة بدل «ش».

(٣) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : باختلافها.

(٤) في «ن» : وأنّ.

(٥) قاله المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١١٥.

(٦) في مصحّحة «ص» : يصلح.

(٧) كلمة «وجهاً» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٨) أي الهبة والوكالة والوصيّة ، على ما تقدّم في الصفحة السابقة.

٣٠٤

كالنكاح في عدم جواز قصد القابل القبول فيها على وجه النيابة أو الفضولي ، فلا بدّ من وجهٍ مطّردٍ في الكلّ.

وعلى الوجه الثاني : أنّ معنى «بعتك» في لغة العرب كما نصّ عليه فخر المحقّقين وغيره هو ملّكتك بعوض (١) ، ومعناه جعل المخاطب مالكاً ، ومن المعلوم أنّ المالك لا يصدق على الوليّ والوكيل والفضولي.

الأولى في الفرق بين النكاح والبيع

فالأولى في الفرق ما ذكرنا من أنّ الغالب في البيع والإجارة هو قصد المخاطب لا من حيث هو ، بل بالاعتبار الأعمّ من كونه أصالة أو عن الغير ، ولا ينافي ذلك عدم سماع قول المشتري في دعوى كونه غير أصيل فتأمّل بخلاف النكاح وما أشبهه ؛ فإنّ الغالب قصد المتكلّم للمخاطب من حيث إنّه ركن للعقد ، بل ربما يستشكل في صحّة أن يراد من (٢) القرينة المخاطب من حيث قيامه مقام الأصيل (٣) ، كما لو قال : «زوّجتك» مريداً له (٤) باعتبار كونه وكيلاً عن الزوج ، وكذا قوله : «وقفت عليك» و «أوصيت لك» و «وكّلتك» ، ولعلّ الوجه عدم تعارف صدق هذه العنوانات على الوكيل فيها ، فلا يقال للوكيل : الزوج ،

__________________

(١) لم نعثر عليه بعينه ، نعم حكى السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ١٥٢) عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين : «أنّ بعت في لغة العرب بمعنى ملّكت غيري» ، كما تقدّم في الصفحة ١٢ وغيرها.

(٢) في مصحّحة «ن» : مع.

(٣) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : الأصل.

(٤) لم ترد «له» في «ن» و «م».

٣٠٥

ولا الموقوف عليه ، ولا الموصى له ، ولا الوكيل (١) ، بخلاف البائع والمستأجر ، فتأمّل ؛ حتّى لا يتوهّم رجوعه (٢) إلى ما ذكرنا سابقاً (٣) واعترضنا عليه (٤).

__________________

(١) في «ش» : الموكّل.

(٢) ضمير «رجوعه» راجع إلى ما ذكره بقوله : فالأولى في الفرق ما ذكرنا من أنّ الغالب .. إلخ.

(٣) إشارة إلى ما تقدّم في الصفحة ٣٠٤ بقوله : «وقد يقال في الفرق بين البيع وشبهه .. إلخ» ، والمراد من الاعتراض عليه ما تقدّم في الصفحة السابقة من قوله : «وعلى الوجه الثاني : إنّ معنى بعتك .. إلخ».

(٤) جملة «واعترضنا عليه» لم ترد في «ف».

٣٠٦

مسألة

من شرائط المتعاقدين الاختيار

المراد من «الاختيار»

ومن شرائط المتعاقدين : الاختيار ، والمراد به القصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب نفسٍ ، في مقابل الكراهة وعدم طيب النفس ، لا الاختيار في مقابل الجبر.

ويدلّ عليه قبل الإجماع قوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (١).

ما يدل على اشتراط الاختيار

وقوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرئٍ مسلمٍ إلاّ عن طيب نفسه» (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخبر المتّفق عليه بين المسلمين : «رُفع أو وُضع عن أُمّتي تسعة أشياء أو ستّة .. ومنها : ما اكرهوا عليه» (٣).

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩.

(٣) انظر الوسائل ٥ : ٣٤٥ ، الباب ٣٠ من أبواب الخلل ، الحديث ٢ ، و ١١ : ٢٩٥ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث الأوّل ، و ١٦ : ١٤٤ ، الباب ١٦ من أبواب كتاب الأيمان ، الحديث ٣.

٣٠٧

وظاهره وإن كان رفع المؤاخذة ، إلاّ أنّ استشهاد الإمام عليه‌السلام به في رفع بعض الأحكام الوضعيّة يشهد لعموم (١) المؤاخذة فيه لمطلق الإلزام عليه بشي‌ءٍ.

ففي صحيحة البزنطي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : «في الرجل يستكره على اليمين» فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك ، أيلزمه ذلك؟ فقال عليه‌السلام : لا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضع عن أُمّتي ما اكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا ، وما أخطأوا» (٢).

والحلف بالطلاق والعتاق وإن لم يكن صحيحاً عندنا من دون الإكراه أيضاً ، إلاّ أنّ مجرّد استشهاد الإمام عليه‌السلام في عدم وقوع آثار ما حلف به بوضع ما اكرهوا عليه ، يدلّ على أنّ المراد بالنبوي (٣) ليس رفع (٤) خصوص المؤاخذة والعقاب الأُخروي.

هذا كلّه ، مضافاً إلى الأخبار الواردة في طلاق المكره (٥) بضميمة عدم الفرق.

ثمّ إنّه يظهر من جماعة منهم الشهيدان (٦) ـ : أنّ المكره قاصد‌

__________________

(١) في «ف» : بعموم.

(٢) الوسائل ١٦ : ١٣٦ ، الباب ١٢ من أبواب كتاب الأيمان ، الحديث ١٢.

(٣) لم ترد «بالنبوي» في «ف».

(٤) كلمة «رفع» من «ف» فقط.

(٥) انظر الوسائل ١٥ : ٣٣١ ، الباب ٣٧ من أبواب مقدّمات الطلاق ، والصفحة ٢٩٩ ، الباب ١٨ من نفس الأبواب ، الحديث ٦.

(٦) انظر الدروس ٣ : ١٩٢ ، والمسالك ٣ : ١٥٦ ، والروضة البهية ٣ : ٢٢٦ ٢٢٧.

٣٠٨

إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله ، بل يظهر ذلك من بعض كلمات العلاّمة.

وليس مرادهم أنّه لا قصد له إلاّ إلى مجرّد التكلّم ، كيف! والهازل الذي هو دونه في القصد قاصد للمعنى قصداً صورياً ، والخالي عن القصد إلى غير التكلّم هو من يتكلّم تقليداً أو تلقيناً ، كالطفل الجاهل بالمعاني.

المراد من قولهم : «المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله»

فالمراد بعدم قصد المكره : عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج ، وأنّ الداعي له إلى الإنشاء ليس قصد وقوع مضمونه في الخارج (١) ، لا أنّ كلامه الإنشائي مجرّد عن المدلول ، كيف! وهو معلولٌ للكلام (٢) الإنشائي إذا كان مستعملاً غير مهمل.

وهذا الذي ذكرنا لا يكاد يخفى على من له أدنى تأمّلٍ في معنى الإكراه لغةً وعرفاً وأدنى تتبّع فيما ذكره الأصحاب في فروع الإكراه التي لا تستقيم (٣) مع ما توهمه (٤) ، من خلوّ المكرَه عن قصد مفهوم اللفظ (٥) وجعله مقابلاً للقصد ، وحكمهم بعدم وجوب التورية في التفصّي‌

__________________

(١) وردت العبارة في «ف» مختصرة هكذا : فالمراد عدم وقوع مضمونه في الخارج.

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيرها : الكلام.

(٣) في «م» و «ش» : لا يستقيم.

(٤) أي توهمه عبارة الجماعة ، منهم : العلاّمة والشهيدان ، وفي مصحّحة «ن» : توهم.

(٥) لم ترد «التي لا تستقيم إلى مفهوم اللفظ» في «ف».

٣٠٩

عن الإكراه (١) وصحّة بيعه (٢) بعد الرضا (٣) ، واستدلالهم (٤) له بالأخبار الواردة في طلاق المكره وأنّه لا طلاق إلاّ مع إرادة الطلاق (٥) ، حيث إنّ المنفيّ صحّة الطلاق ، لا تحقّق مفهومه لغةً وعرفاً ، وفي ما ورد فيمن طلّق مداراةً بأهله (٦) ، إلى غير ذلك ، وفي أنّ مخالفة بعض العامّة في وقوع الطلاق إكراهاً (٧) ، لا ينبغي أن تحمل على الكلام المجرّد عن قصد المفهوم ، الذي لا يسمّى خبراً ولا إنشاءً وغير ذلك ، ممّا يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو : القصد إلى وقوع أثر العقد ومضمونه في الواقع وعدم طيب النفس به ، لا عدم إرادة المعنى من الكلام.

ويكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني : من أنّ المكره والفضولي قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله (٨) ، نعم ذكر في التحرير والمسالك في‌

__________________

(١) انظر الروضة البهيّة ٦ : ٢١ ، والمسالك ٩ : ٢٢ ، ونهاية المرام : ٢ : ١٢ ، والجواهر ٣٢ : ١٥.

(٢) كما ادّعى الاتّفاق ظاهراً في الحدائق ١٨ : ٣٧٣ ، والرياض ١ : ٥١١. وفي مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٣ ، والجواهر ٢٢ : ٢٦٧ نسبتها إلى المشهور.

(٣) في «ف» زيادة : به.

(٤) كما استدلّ به المحقّق النراقي في المستند ٢ : ٣٦٤.

(٥) راجع الوسائل ١٥ : ٣٣١ ، الباب ٣٧ من أبواب مقدّمات الطلاق.

(٦) الوسائل ١٥ : ٣٣٢ ، الباب ٣٨ من أبواب مقدّمات الطلاق.

(٧) خالف في ذلك أبو حنيفة وأصحابه ، انظر بداية المجتهد ٢ : ٨١ ، والمغني لابن قدامة ٧ : ١١٨.

(٨) كما تقدّم عنه في الصفحة ٢٩٥ و ٣٠٨.

٣١٠

فروع المسألة ما يوهم ذلك (١) ، قال في التحرير : لو اكره على الطلاق فطلّق ناوياً ، فالأقرب وقوع الطلاق ، إذ لا إكراه على القصد (٢) ، انتهى.

وبعض المعاصرين (٣) بنى هذا الفرع على تفسير القصد بما ذكرنا من متوهَّم كلامهم ، فردّ عليهم بفساد المبنى ، وعدم وقوع الطلاق في الفرض المزبور ، لكنّ المتأمّل يقطع بعدم إرادتهم لذلك ، وسيأتي ما يمكن توجيه الفرع المزبور به (٤).

حقيقة الإكراه

ثمّ إنّ حقيقة الإكراه لغةً وعرفاً : حمل الغير على ما يكرهه ، ويعتبر في وقوع الفعل عن (٥) ذلك الحمل : اقترانه بوعيد منه (٦) مظنون الترتّب على ترك (٧) ذلك الفعل ، مضرٍّ بحال الفاعل أو متعلّقه نفساً أو عِرضاً أو مالاً.

فظهر من ذلك : أنّ مجرّد الفعل لدفع الضرر المترتّب على تركه لا يُدخِله في «المكره عليه» ، كيف! والأفعال الصادرة من العقلاء كلّها أو جلّها ناشئة عن دفع الضرر ، وليس دفع مطلق الضرر الحاصل من‌

__________________

(١) انظر المسالك ٩ : ٢٢.

(٢) التحرير ٢ : ٥١.

(٣) انظر الجواهر ٣٢ : ١٥.

(٤) يأتي في الصفحة ٣٢٥.

(٥) في غير «ف» و «ن» : من.

(٦) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : «بتوعيد» ، وصُحّح في «ن» بما أثبتناه ، إلاّ أنّه شطب فيها على «منه».

(٧) لم ترد «ترك» في «ف».

٣١١

إيعاد شخص يوجب صدق «المكره» عليه ، فإنّ من اكره على دفع مالٍ وتوقّف على بيع بعض أمواله ، فالبيع الواقع منه لبعض أمواله وإن كان لدفع الضرر المتوعّد به على عدم دفع ذلك المال ولذا يرتفع التحريم عنه لو فرض حرمته عليه لحلف أو شبهه ـ ، إلاّ أنّه ليس مُكرَهاً عليه (١).

المعيار في صدق الإكراه

فالمعيار في وقوع الفعل مُكرَهاً عليه : سقوط الفاعل من أجل الإكراه المقترن بإيعاد الضرر عن الاستقلال في التصرّف ؛ بحيث لا تطيب نفسه بما يصدر منه ولا يتعمّد (٢) إليه عن رضا وإن كان يختاره لاستقلال العقل بوجوب اختياره ؛ دفعاً للضرر أو ترجيحاً لأقلّ الضررين ، إلاّ أنّ هذا المقدار لا يوجب طيب نفسه به ؛ فإنّ النفس مجبولة على كراهة ما يحمله غيره عليه مع الإيعاد عليه بما يشقّ (٣) تحمّله.

والحاصل : أنّ الفاعل قد يفعل لدفع الضرر ، لكنّه مستقلّ في فعله ومخلّى وطبعه فيه بحيث يطيب نفسه بفعله وإن كان من باب علاج الضرر ، وقد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير على تركه ، وهذا ممّا لا يطيب النفس به ، وذلك معلوم بالوجدان.

هل يعتبر عدم إمكان التفصي عن الضرر بما لا ضرر فيه

ثمّ إنّه هل يعتبر في موضوع الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصّي‌

__________________

(١) عليه» من «ف» فقط.

(٢) في «خ» ، «ع» و «ص» : يعتمد.

(٣) كذا في «ف» و «ش» ، وفي «م» و «ع» : «لا يشقّ» ، وفي «ن» ، «خ» و «ص» محلّ كلمة «لا» بياض.

٣١٢

عن الضرر المتوعّد به بما لا يوجب (١) ضرراً آخر كما حكي عن جماعة (٢) أم لا؟

عدم اعتبار العجز عن التورية

الذي يظهر من النصوص (٣) والفتاوى عدم اعتبار العجز عن التورية ؛ لأنّ حمل عموم رفع الإكراه وخصوص النصوص الواردة في طلاق المكره وعتقه (٤) ومعاقد الإجماعات والشهرات المدّعاة في حكم المكرَه على صورة العجز عن التورية لجهل أو دهشة ، بعيد جدّاً ، بل غير صحيح في بعضها من جهة المورد ، كما لا يخفى على من راجعها ، مع أنّ القدرة على التورية لا يخرج الكلام عن حيّز الإكراه عرفاً.

هل يعتبر العجز عن التخلص بغير التورية

هذا ، وربما يستظهر من بعض الأخبار عدم اعتبار العجز عن التفصّي بوجهٍ آخر غير التورية أيضاً في صدق الإكراه ، مثل رواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يمين (٥) في قطيعة رحم ، ولا في جبر ، ولا في إكراه ، قلت : أصلحك الله! وما الفرق بين الجبر والإكراه؟ قال : الجبر من السلطان ، ويكون الإكراه من الزوجة والأُمّ‌

__________________

(١) في غير «ف» و «ن» زيادة : «به» ، وشطب عليه في «ص».

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٩ : ١٨ ١٩ والمحدّث البحراني في الحدائق ٢٥ : ١٥٩ ، والمحقّق النراقي في المستند ٢ : ٣٦٤.

(٣) منها حديث الرفع المتقدّم في الصفحة ٣٠٧.

(٤) انظر الوسائل ١٥ : ٣٢٧ ، الباب ٣٤ من أبواب مقدّمات الطلاق ، الحديث ٣. والصفحة ٣٣١ ، الباب ٣٧ من نفس الأبواب. و ١٦ : ٢٤ ، الباب ١٩ من أبواب كتاب العتق.

(٥) في المصدر : «لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم».

٣١٣

والأب ، وليس ذلك بشي‌ء (١)» (٢).

ويؤيّده : أنّه لو خرج عن الإكراه عرفاً بالقدرة على التفصّي بغير التورية خرج عنه بالقدرة عليها ؛ لأنّ المناط حينئذٍ انحصار التخلّص عن الضرر المتوعّد به (٣) في فعل المكره عليه ، فلا فرق بين أن يتخلّص عنه (٤) بكلامٍ آخر أو فعلٍ آخر ، أو (٥) بهذا الكلام مع قصد معنىً آخر.

ودعوى : أنّ جريان حكم الإكراه مع القدرة على التورية تعبّديّ لا من جهة صدق حقيقة الإكراه ، كما ترى.

اعتبار العجز عن التخلص بغير التورية

لكنّ الإنصاف : أنّ وقوع الفعل عن (٦) الإكراه لا يتحقّق إلاّ مع العجز عن التفصّي بغير التورية ؛ لأنّه يعتبر فيه أن يكون الداعي عليه هو خوف ترتّب الضرر المتوعّد به على الترك ، ومع القدرة على التفصّي لا يكون الضرر مترتّباً على ترك المكره عليه ، بل على تركه وترك التفصّي معاً ، فدفع الضرر يحصل بأحد الأمرين : من فعل المُكرَه عليه ، والتفصّي ، فهو مختار في كلٍّ منهما ، ولا يصدر كلٌّ منهما إلاّ باختياره ، فلا إكراه.

__________________

(١) في غير «ص» زيادة : «الخبر» ، والظاهر أنّه لا وجه له ؛ لأنّ الحديث مذكور بتمامه.

(٢) الوسائل ١٦ : ١٤٣ ، الباب ١٦ من أبواب كتاب الأيمان ، الحديث الأوّل.

(٣) لم ترد «به» في «ش».

(٤) لم ترد «عنه» في «ش».

(٥) في «ف» بدل «أو» : و.

(٦) في «ف» : من.

٣١٤

وليس التفصّي من الضرر أحد فردَي المكره عليه ، حتّى لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب الإكراه عنهما ، كما لو أكرهه على أحد الأمرين (١) ، حيث يقع كلٌّ منهما حينئذٍ مكرَهاً (٢) ؛ لأنّ الفعل المتفصّى به مسقِط عن المُكرَه عليه ، لا بدلٌ له ؛ ولذا لا يجري أحكام المكره عليه إجماعاً ، فلا يفسد إذا كان عقداً.

وما ذكرناه وإن كان جارياً في التورية ، إلاّ أنّ الشارع رخّص في ترك التورية بعد عدم إمكان التفصّي بوجهٍ آخر ؛ لما ذكرنا من ظهور النصوص والفتاوى ، وبُعدِ حملها على صورة العجز عن التورية ، مع أنّ العجز عنها لو كان معتبراً لأُشير إليها في تلك الأخبار الكثيرة المجوّزة للحلف كاذباً عند الخوف والإكراه (٣) ، خصوصاً في قضيّة عمّار وأبويه ، حيث اكرهوا على الكفر ، فأبى أبواه فقُتلا ، وأظهر لهم عمّار ما أرادوا ، فجاء باكياً إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت الآية (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٤) فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن عادوا عليك فعد» (٥). ولم ينبّهه على التورية ، فإنّ التنبيه في المقام وإن لم يكن واجباً ، إلاّ أنّه لا شكّ في رجحانه ،

__________________

(١) في «ف» : أمرين.

(٢) في «ص» زيادة : «عليه» استدراكاً.

(٣) انظر الوسائل ١٦ : ١٣٤ و ١٤٣ ، الباب ١٢ و ١٦ من أبواب كتاب الأيمان.

(٤) النحل : ١٠٦.

(٥) مجمع البيان ٣ : ٣٨٨ ، والوسائل ١١ : ٤٧٦ ، الباب ٢٩ من أبواب الأمر والنهي ، الحديث ٢.

٣١٥

خصوصاً من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتبار شفقته على عمّار ، وعلمه بكراهة تكلّم عمّار بألفاظ الكفر من دون تورية ، كما لا يخفى.

الفرق بين إمكان التفصي بالتورية وإمكانه بغيرها

هذا (١) ، ولكنّ الأولى : أن يفرّق بين إمكان التفصّي بالتورية وإمكانه بغيرها ، بتحقّق الموضوع في الأوّل دون الثاني ؛ لأنّ الأصحاب (٢) وفاقاً للشيخ في المبسوط (٣) ذكروا من شروط تحقّق الإكراه : أن يعلم أو يظنّ المكرَه بالفتح أنّه لو امتنع ممّا (٤) اكره عليه وقع فيما توعّد عليه ، ومعلوم أنّ المراد ليس امتناعه عنه في الواقع ولو مع اعتقاد المكرِه بالكسر عدم الامتناع ، بل المعيار في وقوع الضرر : اعتقاد المكرِه لامتناع المكرَه ، وهذا المعنى يصدق مع إمكان التورية ، ولا يصدق مع التمكّن من التفصّي بغيرها ؛ لأنّ المفروض تمكّنه من الامتناع مع اطّلاع المُكرَه عليه وعدم وقوع الضرر عليه.

والحاصل : أنّ التلازم بين امتناعه ووقوع الضرر الذي هو المعتبر في صدق الإكراه موجود مع التمكّن بالتورية ، لا مع التمكّن بغيرها ، فافهم (٥).

__________________

(١) لم ترد «هذا» في «ص».

(٢) مثل المحقّق في الشرائع ٣ : ١٣ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ٥١ ، والشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٢٠ ، والسيّد السند في نهاية المرام ٢ : ١١ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ١٩٨.

(٣) المبسوط ٥ : ٥١.

(٤) في «م» و «ع» : ما.

(٥) لم ترد : «هذا ولكن إلى فافهم» في «ف».

٣١٦

عدم اعتبار العجز في الإكراه الرافع لأثر المعاملات

ثمّ إنّ ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصّي إنّما هو في الإكراه المسوِّغ للمحرمات ، ومناطه توقّف دفع ضرر المكرِه على ارتكاب المكرَه عليه ، وأمّا الإكراه الرافع لأثر المعاملات ، فالظاهر أنّ المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة ، وقد يتحقّق مع إمكان التفصّي ، مثلاً من كان قاعداً في مكان خاصّ خالٍ عن الغير متفرّغاً لعبادة أو مطالعة ، فجاءه من أكرهه على بيع شي‌ءٍ ممّا عنده وهو في هذه الحال غير قادرٍ على دفع ضرره وهو كارهٌ للخروج عن ذلك المكان لكن لو خرج كان له في الخارج خَدَمٌ يكفونه شرّ المكرِه ، فالظاهر صدق الإكراه حينئذٍ ، بمعنى عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي‌ء ، بخلاف من كان خَدَمه حاضرين عنده ، وتوقّف دفع ضرر إكراه الشخص على أمر خَدَمه بدفعه وطرده ؛ فإنّ هذا لا يتحقّق في حقّه الإكراه ، ويكذّب لو ادّعاه ، بخلاف الأوّل إذا اعتذر بكراهة الخروج عن ذلك المنزل.

ولو فرض في ذلك المثال إكراهه على محرّمٍ لم يعذر فيه بمجرّد كراهة الخروج عن ذلك المنزل ، وقد (١) تقدّم الفرق بين الجبر والإكراه في رواية ابن سنان (٢).

المراد من الإكراه الرافع لأثر المعاملات

فالإكراه المعتبر في تسويغ المحظورات ، هو : الإكراه بمعنى الجبر المذكور في الرواية (٣) ، والرافع لأثر المعاملات هو (٤) : الإكراه الذي ذكر‌

__________________

(١) في «ش» : فقد.

(٢) تقدّمت في الصفحة ٣١٣.

(٣) عبارة «في الرواية» من «ف» ومصحّحتي «ن» و «خ».

(٤) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : «وهو» ، ومحلّ «و» في «ص» بياض.

٣١٧

فيها (١) أنّه قد يكون من الأب والولد والمرأة ، والمعيار فيه : عدم طيب النفس فيها (٢) ، لا الضرورة والإلجاء وإن كان هو المتبادر من لفظ الإكراه ؛ ولذا يحمل (٣) الإكراه في حديث الرفع (٤) عليه ، فيكون الفرق بينه وبين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير كالجوع والعطش والمرض ، لكنّ الداعي على اعتبار ما ذكرنا في المعاملات هو أنّ العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس ؛ حيث استدلّوا (٥) على ذلك بقوله تعالى (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٦) ، و «لا يحلّ مال امرئٍ مسلم (٧) إلاّ عن طيب نفسه» (٨) ، وعموم اعتبار الإرادة في صحّة الطلاق (٩) ، وخصوص ما ورد في فساد (١٠) طلاق من طلّق للمداراة مع عياله (١١).

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : ذكر في تلك الرواية.

(٢) لم ترد «فيها» في «ف».

(٣) كذا في «ن» ، «ص» و «ش» ، وفي «ف» : «نحمل» ، وفي سائر النسخ : تحمل.

(٤) المتقدّم في الصفحة ٣٠٧.

(٥) انظر مقابس الأنوار : ١١٤ ، والجواهر ٢٢ : ٢٦٥.

(٦) النساء : ٢٩.

(٧) لم ترد «مسلم» في «ف».

(٨) عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩.

(٩) انظر الوسائل ١٥ : ٢٨٥ ، الباب ١١ من أبواب مقدّمات الطلاق.

(١٠) في «ف» بدل «في فساد» : في خصوص.

(١١) انظر الوسائل ١٥ : ٣٣٢ ، الباب ٣٨ من أبواب مقدّمات الطلاق.

٣١٨

الفرق بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية

فقد تلخّص ممّا ذكرنا : أنّ الإكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي أخصّ من الرافع لأثر الحكم الوضعي.

ولو لوحظ ما هو المناط في رفع كلٍّ منهما ، من دون ملاحظة عنوان الإكراه كانت النسبة بينهما (١) العموم من وجه ؛ لأنّ المناط في رفع الحكم التكليفي هو دفع (٢) الضرر ، وفي رفع الحكم الوضعي هو عدم الإرادة وطيب النفس ،

لو أكره الشخص على أحد الأمرين

ومن هنا لم يتأمّل أحدٌ في أنّه إذا أُكره الشخص على أحد الأمرين المحرّمين لا بعينه ، فكلٌّ منهما وقع في الخارج لا يتّصف بالتحريم ؛ لأنّ المعيار في رفع (٣) الحرمة دفع (٤) الضرر المتوقّف على فعل أحدهما ، أمّا لو كانا عقدين أو إيقاعين كما لو اكره على طلاق إحدى زوجتيه ، فقد استشكل غير واحد (٥) في أنّ ما يختاره من الخصوصيّتين (٦) بطيب نفسه ويرجّحه على الآخر (٧) بدواعيه النفسانية الخارجة عن الإكراه (٨) ، مكره عليه باعتبار جنسه ، أم لا؟ بل‌

__________________

(١) كلمة «بينهما» من «ش».

(٢) في «ف» : رفع.

(٣) كذا في «ف» ، وفي غيرها : دفع.

(٤) في «ف» : رفع.

(٥) استشكل فيه العلاّمة في التحرير ٢ : ٥١ ، ولم نعثر على مستشكلٍ غيره ، نعم في المسالك ٩ : ٢١ والحدائق ٢٥ : ١٦٢ ١٦٣ ما يفيد هذا.

(٦) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ش» : الخصوصيّين.

(٧) عبارة «على الآخر» وردت في «ف» و «ص» وهامش «ع» ومصحّحتي «ن» و «خ» ، ولم ترد في غيرها.

(٨) في «ف» : من الإكراه.

٣١٩

أفتى في القواعد بوقوع الطلاق وعدم الإكراه (١) وإن حمله بعضهم (٢) على ما إذا قنع المكره بطلاق إحداهما مبهمة.

لكنّ المسألة عندهم غير صافية عن الإشكال ؛ من جهة مدخليّة طيب النفس في اختيار الخصوصيّة وإن كان الأقوى وفاقاً لكلّ من تعرّض للمسألة (٣) تحقّق الإكراه لغةً وعرفاً ، مع أنّه لو لم يكن هذا مكرهاً عليه لم يتحقّق الإكراه أصلاً ؛ إذ الموجود في الخارج دائماً إحدى خصوصيّات المكره عليه ؛ إذ لا يكاد يتّفق الإكراه بجزئيّ حقيقيّ من جميع الجهات.

نعم ، هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصيّة ، وإن كان مكرهاً عليه من حيث القدر المشترك ، بمعنى أنّ وجوده الخارجيّ ناشٍ عن إكراهٍ واختيار ؛ ولذا لا يستحقّ المدح أو الذمّ باعتبار أصل الفعل ، ويستحقّه باعتبار الخصوصيّة.

وتظهر الثمرة فيما لو ترتّب أثر على خصوصيّة المعاملة الموجودة ؛ فإنّه لا يرتفع بالإكراه على القدر المشترك ، مثلاً لو أكرهه على شرب الماء أو شرب الخمر ، لم يرتفع تحريم الخمر ؛ لأنّه مختار فيه ، وإن كان مكرهاً في أصل الشرب (٤) ، وكذا لو أكرهه على بيع صحيح أو فاسد ،

__________________

(١) القواعد ٢ : ٦٠.

(٢) نقله المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١١٨ عن بعض الأجلّة ، ولكن لم نتحقّقه من هو.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ٩ : ٢١ ، والروضة البهيّة ٦ : ٢١ ، وسبطه في نهاية المرام ٢ : ١٢ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ٢٥ : ١٦٣ وغيرهم.

(٤) في «ف» : في جنس الشرب.

٣٢٠