كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

والقاضي وغيرهم خصوصاً (١) المحقّق الثاني (٢) الذي بنى المسألة على شرعية أفعال الصبيّ يدلّ على عدم تحقّق الإجماع.

العمل وفق المشهور ، وهو البطلان

وكيف كان ، فالعمل على المشهور (٣).

ما يستأنس به للبطلان

ويمكن (٤) أن يستأنس له أيضاً بما ورد في الأخبار المستفيضة من أنّ «عمد الصبي وخطأه واحد» كما في صحيحة ابن مسلم (٥) وغيرها (٦) ، والأصحاب وإن ذكروها في باب الجنايات ، إلاّ أنّه لا إشعار في نفس الصحيحة بل وغيرها بالاختصاص بالجنايات ؛ ولذا تمسّك بها الشيخ في المبسوط (٧) والحلّي في السرائر (٨) ، على أنّ إخلال الصبيّ المُحرِم بمحظورات الإحرام التي تختصّ الكفارة فيها (٩) بحال التعمّد لا يوجب كفارةً على الصبيّ ، ولا على الوليّ ؛ لأنّ عمده خطأ.

__________________

(١) لم ترد «غيرهم خصوصاً» إلاّ في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن».

(٢) تقدّم كلامهم في الصفحة ٢٧٨ ٢٨٠.

(٣) لم ترد «فالعمل على المشهور» في «ف».

(٤) في «ف» : فيمكن.

(٥) في «ف» : محمد بن مسلم.

(٦) الوسائل ١٩ : ٣٠٧ ، الباب ١١ من أبواب العاقلة ، الحديث ٢ و ٣ ، والصفحة ٦٦ ، الباب ٣٦ من أبواب كتاب القصاص في النفس ، الحديث ٢.

(٧) المبسوط ١ : ٣٢٩.

(٨) السرائر ١ : ٦٣٦ ٦٣٧.

(٩) كذا في «ف» ، وفي «ص» بدل «الكفارة فيها» : «حرمتها» ، وفي غيرهما جمع بينهما بجعل أحدهما أصلاً والآخر بدلاً ، وفي «ش» جمع بينهما مع عدم الإشارة إلى ذلك.

٢٨١

وحينئذٍ فكلّ حكمٍ شرعيٍّ تعلّق بالأفعال التي يعتبر في ترتّب الحكم الشرعي عليها القصد بحيث لا عبرة بها إذا وقعت بغير القصد فما يصدر منها عن الصبيّ قصداً بمنزلة الصادر عن غيره بلا قصد ، فعقد الصبي وإيقاعه مع القصد كعقد الهازل والغالط والخاطئ وإيقاعاتهم.

استظهار البطلان من حديث رفع القلم

بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الأخبار في قتل المجنون والصبي استظهار المطلب من حديث «رفع القلم» وهو ما عن قرب الإسناد بسنده عن أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام ، أنّه كان يقول [في (١)] المجنون والمعتوه الذي لا يفيق ، والصبي الذي لم يبلغ : «عمدهما خطأ تحمله العاقلة وقد رفع عنهما القلم (٢)» (٣) ؛ فإنّ ذكر «رفع القلم» في الذيل ليس له وجه ارتباط إلاّ بأن تكون علّة لأصل الحكم ، وهو ثبوت الدية على العاقلة ، أو بأن تكون معلولة (٤) لقوله : «عمدهما خطأ» ، يعني أنّه لمّا كان قصدهما بمنزلة العدم في نظر الشارع وفي الواقع رفع القلم عنهما.

ولا يخفى أنّ ارتباطها (٥) بالكلام على وجه العلّية أو المعلوليّة (٦)

__________________

(١) من المصدر.

(٢) في «ف» زيادة : «إلخ» ، وفي سائر النسخ : «اه» ، لكنّ المذكور هنا هو المذكور في المصدر بتمامه.

(٣) قرب الإسناد : ١٥٥ ، الحديث ٥٦٩ ، وعنه في الوسائل ١٩ : ٦٦ ، الباب ٣٦ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٢.

(٤) كذا ، والمناسب : بأن يكون معلولاً.

(٥) كذا ، والمناسب تذكير الضمير ؛ لرجوعه إلى «رفع القلم».

(٦) في «ش» : والمعلوليّة.

٢٨٢

للحكم المذكور في الرواية أعني عدم مؤاخذة الصبي والمجنون بمقتضى جناية العمد وهو القصاص ، ولا بمقتضى شبه العمد وهو الدية في مالهما لا يستقيم إلاّ بأن يراد من «رفع القلم» ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعاً من حيث العقوبة الأُخروية والدنيوية المتعلّقة بالنفس كالقصاص ـ ، أو المال كغرامة الدية وعدم ترتّب ذلك على أفعالهما المقصودة المتعمّد إليها ممّا (١) لو وقع من غيرهما مع القصد والتعمّد لترتّبت عليه غرامة أُخروية أو دنيوية.

وعلى هذا ، فإذا التزم على نفسه مالاً بإقرارٍ أو معاوضةٍ ولو بإذن الوليّ ، فلا أثر له (٢) في إلزامه بالمال ومؤاخذته به ولو بعد البلوغ (٣). فإذا لم يلزمه شي‌ء بالتزاماته ولو كانت بإذن الولي ، فليس ذلك إلاّ لسلب قصده وعدم العبرة بإنشائه ؛ إذ لو كان ذلك لأجل عدم (٤) استقلاله وحجره عن الالتزامات على نفسه ، لم يكن عدم المؤاخذة شاملاً لصورة إذن الوليّ ، وقد فرضنا الحكم مطلقاً ، فيدلّ بالالتزام على كون قصده في إنشاءاته وإخباراته مسلوب الأثر.

ثمّ إنّ مقتضى عموم هذه الفقرة بناءً على كونها علّة للحكم ـ : عدم مؤاخذتهما بالإتلاف الحاصل منهما ، كما هو ظاهر المحكي عن بعض‌

__________________

(١) في «م» و «ع» : «بما» ، وفي نسخة بدلهما : ممّا.

(٢) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : «لها» ، وفي مصحّحة «ص» : لهما.

(٣) عبارة «ولو بعد البلوغ» وردت في «ف» قبل قوله : «فلا أثر له».

(٤) في «ف» بدل «لأجل عدم» : لعدم.

٢٨٣

إلاّ أن يلتزم بخروج ذلك من (١) عموم رفع القلم ، ولا يخلو عن (٢) بُعد.

لكن (٣) هذا غير واردٍ على الاستدلال ؛ لأنّه ليس مبنيّاً على كون «رفع القلم» علّة للحكم ؛ لما عرفت (٤) من احتمال كونه معلولاً لسلب اعتبار قصد الصبيّ والمجنون ، فيختصّ رفع قلم المؤاخذة بالأفعال التي يعتبر في المؤاخذة عليها قصد الفاعل فيخرج مثل الإتلاف ، فافهم واغتنم.

ثمّ إنّ القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين ، فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات للصبي ، كالتعزير.

رأي المؤلف في المسألة ودليله

والحاصل : أنّ مقتضى ما تقدّم (٥) من الإجماع المحكي في البيع وغيره من العقود ، والأخبار المتقدّمة (٦) بعد انضمام بعضها إلى بعض ـ : عدم الاعتبار بما يصدر من الصبيّ من الأفعال المعتبر فيها القصد إلى مقتضاها ، كإنشاء العقود أصالةً ووكالةً ، والقبض والإقباض ، وكلّ التزام على نفسه من ضمانٍ أو إقرارٍ أو نذرٍ أو إيجار.

__________________

(١) في غير «ف» : عن.

(٢) في غير «ف» : من.

(٣) في «ش» : ولكن.

(٤) في الصفحة السابقة.

(٥) في أوّل المسألة.

(٦) راجع الصفحة ٢٧٦ ٢٧٧ و ٢٨١.

٢٨٤

كلام العلامة في عدم صحة تصرفات الصبي

قال (١) في التذكرة (٢) : وكما لا يصحّ تصرّفاته اللفظية ، كذا لا يصحّ قبضه ، ولا يفيد حصول الملك في الهبة وإن اتهب له الولي ، ولا لغيره وإن أذن الموهوب له بالقبض ، ولو قال مستحقّ الدين للمديون : سلّم حقّي إلى هذا (٣) الصبيّ ، فسلّم مقدار (٤) حقّه إليه ، لم يبرأ عن الدين وبقي المقبوض على ملكه ، ولا ضمان على الصبيّ ؛ لأنّ المالك ضيّعه حيث دفعه إليه ، وبقي الدين لأنّه في الذمّة ولا يتعيّن إلاّ بقبض صحيح ، كما لو قال : ارمِ حقّي في البحر ، فرمى مقدار حقّه ، بخلاف ما لو قال للمستودع : سلّم مالي إلى الصبيّ أو ألقِه في البحر ؛ لأنّه امتثل أمره في حقّه المعيّن ، ولو كانت الوديعة للصبي فسلّمها إليه ضمن وإن كان بإذن الولي ؛ إذ ليس له تضييعها بإذن الولي.

وقال أيضاً : لو عرض الصبي ديناراً على الناقد لينقده أو متاعاً إلى مقوّم ليقوّمه فأخذه ، لم يجز له ردّه إلى (٥) الصبي ، بل على (٦) وليّه إن كان. فلو أمره الوليّ بالدفع إليه فدفعه إليه ، برئ من ضمانه إن كان المال للولي (٧) ، وإن كان للصبي فلا ، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في‌

__________________

(١) في «ش» : وقال.

(٢) نقل السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٢ عدّة فروع من التذكرة ونهاية الإحكام ، ولم يفرزها ، ولكنّ المؤلّف قدس‌سره نسبها جميعاً إلى التذكرة.

(٣) كلمة «هذا» من «ش» والمصدر.

(٤) في المصدر ونسخة بدل «ش» : قدر.

(٥) في المصدر : على.

(٦) في «ش» ومصحّحة «م» : إلى.

(٧) كذا في «ص» ، «ش» والمصدر ومصحّحة «ن» ، وفي غيرها : للمولى.

٢٨٥

البحر ، فإنّه يلزمه ضمانه. وإذا تبايع الصبيّان وتقابضا وأتلف كلّ واحدٍ منهما ما قبضه ، فإن جرى بإذن الوليّين فالضمان عليهما ، وإلاّ فلا ضمان عليهما ، بل على الصبيّين. ويأتي في باب الحجر تمام الكلام (١).

ولو فتح (٢) الصبي الباب وأذن في الدخول على أهل الدار ، أو أدخل (٣) الهدية إلى إنسان عن (٤) إذن المهدي ، فالأقرب الاعتماد ؛ لتسامح السلف فيه (٥) ، انتهى كلامه رفع مقامه.

لا فرق في معاملة الصبي بين الأشياء اليسيرة والخطيرة

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا : أنّه لا فرق في معاملة الصبي بين أن تكون في الأشياء اليسيرة أو الخطيرة ؛ لما عرفت من عموم النصّ والفتوى حتّى أنّ العلاّمة في التذكرة لمّا ذكر حكاية «أنّ أبا الدرداء اشترى عصفوراً من صبيّ فأرسله» ، ردّها بعدم الثبوت وعدم الحجّية ، وتوجيهه بما يخرجه عن محلّ الكلام (٦).

تفصيل المحدّث الكاشاني بين الأشياء اليسيرة والخطيرة

وبه يظهر ضعف ما عن المحدّث الكاشاني : من أنّ الأظهر جواز بيعه وشرائه فيما (٧) جرت العادة به من الأشياء اليسيرة ؛ دفعاً للحرج (٨) ، انتهى.

__________________

(١) هذه العبارة للسيّد العاملي في مفتاح الكرامة.

(٢) هذا الفرع ذكره العلاّمة في النهاية ، ونقله السيّد العاملي بتصرّف.

(٣) في المصدر : أوصل.

(٤) في غير «ف» و «ش» : من.

(٥) انظر التذكرة ١ : ٤٦٢ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٤٥٤ ٤٥٥ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ١٧٢.

(٦) التذكرة ٢ : ٨٠.

(٧) في «ف» : لما.

(٨) مفاتيح الشرائع ٣ : ٤٦.

٢٨٦

فإنّ الحرج ممنوع ، سواء أراد أنّ الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقّرات والتزام مباشرة البالغين لشرائها ، أم أراد أنّه يلزم من التجنّب عن معاملتهم بعد بناء الناس على نصب الصبيان للبيع والشراء في الأشياء الحقيرة.

ثمّ لو (١) أراد استقلاله في البيع والشراء لنفسه بماله من دون إذن الوليّ ليكون حاصله أنّه غير محجورٍ عليه في الأشياء اليسيرة ، فالظاهر كونه مخالفاً للإجماع.

وأمّا ما ورد في رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : ونهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعةً بيده» ؛ معلّلاً بأنّه «إن لم يجد سرق» (٢) ، فمحمولٌ على عوض كسبه من التقاطٍ ، أو اجرةٍ عن (٣) إجارةٍ أوقعها الولي أو الصبي بغير إذن الولي ، أو عن عمل أمر به من دون إجارة فأعطاه المستأجر أو الآمر اجرة المثل ، فإنّ هذه كلّها ممّا يملكه الصبي ، لكن يستحبّ للولي وغيره اجتنابها إذا لم يعلم صدق دعوى الصبيّ فيها ؛ لاحتمال كونها من الوجوه المحرَّمة ، نظير رجحان الاجتناب عن أموال غيره ممّن لا يبالي بالمحرَّمات.

وكيف كان ، فالقول المذكور في غاية الضعف.

تصحيح المعاملة لو كان الصبي بمنزلة الآلة

نعم ، ربما صحّح سيّد مشايخنا في الرياض هذه المعاملات إذا‌

__________________

(١) في «ع» و «ص» : «إن» ، وفي نسخة بدلهما : لو.

(٢) الوسائل ١٢ : ١١٨ ، الباب ٣٣ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) في «ف» بدل «عن» : أو.

٢٨٧

كان الصبي بمنزلة الآلة لمن له أهليّة التصرّف ؛ من جهة استقرار السيرة واستمرارها على ذلك (١).

المناقشة في ذلك

وفيه إشكال ، من جهة قوّة احتمال كون السيرة ناشئة من (٢) عدم المبالاة في الدين ، كما في كثيرٍ من (٣) سيرهم الفاسدة.

ويؤيّد ذلك : ما يرى من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميّزين وغيرهم ، ولا بينهم وبين المجانين ، ولا بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال بحيث لا يعلم الوليّ أصلاً ، ومعاملتهم لأوليائهم على سبيل الآلية ، مع أنّ هذه (٤) ممّا (٥) لا ينبغي الشكّ في فسادها (٦) ، خصوصاً الأخير.

مع أنّ الإحالة على ما جرت العادة به كالإحالة على المجهول ؛ فإنّ الذي جرت عليه السيرة هو الوكول إلى كلِّ صبيٍّ ما هو (٧) فطنٌ فيه ، بحيث لا يغلب في المساومة عليه ، فيَكِلون إلى من بلغ ستّ سنين (٨) شراءَ باقة بقلٍ ، أو بيعَ بيضة دجاجٍ بفَلْسٍ ، وإلى من بلغ‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٥١١.

(٢) في غير «ف» : عن.

(٣) لم ترد «كثير من» في «ش».

(٤) في «م» ، «ع» ، «ص» و «ش» : هذا.

(٥) لم ترد «ممّا» في «ف».

(٦) في «ش» : فساده.

(٧) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ص» : «ماهر» ، لكنّ صُحّح في «ن» بما أثبتناه في المتن.

(٨) كذا في «ش» ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ : من بلغ سنتين.

٢٨٨

ثمانية (١) سنين اشتراء اللحم والخبز ونحوهما ، وإلى من بلغ أربع عشرة سنة شراء الثياب ، بل الحيوان ، بل يكلون إليه أُمور التجارة في الأسواق والبلدان ، ولا يفرّقون بينه وبين مَن أكمل خمس عشرة سنة ، ولا يكِلون إليه شراء مثل القرى والبساتين وبيعها إلاّ بعد أن يحصل له التجارب ، ولا أظنّ أنّ القائل بالصحّة يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل.

وكيف كان ، فالظاهر أنّ هذا القول أيضاً مخالف لما يظهر منهم.

وقد عرفت حكم العلاّمة في التذكرة بعدم جواز ردّ المال إلى الصبيّ إذا دفعه إلى الناقد لينقده ، أو المتاع الذي دفعه إلى المقوّم ليقوّمه (٢) ، مع كونه غالباً في هذه المقامات بمنزلة الآلة للوليّ ، وكذا حكمه بالمنع من ردّ مال الطفل إليه بإذن الوليّ ، مع أنّه بمنزلة الآلة في ذلك غالباً.

دعوى كاشف الغطاء إفادة معاملة الصبي الإباحة لو كان مأذونا والمناقشات فيه

وقال كاشف الغطاء رحمه‌الله بعد المنع عن (٣) صحّة عقد الصبي أصالة ووكالة ما لفظه : نعم ، ثبت الإباحة في معاملة المميّزين (٤) إذا جلسوا مقام أوليائهم ، أو تظاهروا على رؤوس الأشهاد حتّى يظنّ أنّ ذلك من إذن الأولياء خصوصاً في المحقّرات. ثمّ قال : ولو قيل بتملّك الآخذ منهم لدلالة مأذونيّته في جميع التصرّفات فيكون موجباً قابلاً ، لم يكن بعيداً (٥) ، انتهى.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «ثماني» ، كما في مصحّحة «ص».

(٢) راجع الصفحة ٢٨٥.

(٣) في «ف» : من.

(٤) كذا في «ن» و «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : المتميّزين.

(٥) كشف الغطاء : ٤٩ ٥٠.

٢٨٩

المناقشة في ذلك

أقول (١) : أمّا التصرّف والمعاملة بإذن الأولياء سواء كان على وجه البيع أو المعاطاة (٢) فهو الذي قد عرفت (٣) أنّه خلاف المشهور والمعروف حتّى لو قلنا بعدم اشتراط شروط البيع في المعاطاة ؛ لأنّها تصرّف لا محالة وإن لم تكن بيعاً ، بل ولا معاوضة.

كلام المحقّق التستري في توضيح الدعوى

وإن أراد بذلك أنّ إذن الولي ورضاه المنكشف بمعاملة الصبيّ هو المفيد للإباحة ، لا نفس المعاملة كما ذكره بعضهم في إذن الولي في إعارة الصبي (٤) فتوضيحه ما ذكره بعض المحقّقين من تلامذته (٥) ، وهو : أنّه لمّا كان بناء المعاطاة على حصول المراضاة كيف اتّفق ، وكانت مفيدةً لإباحة التصرّف خاصّة كما هو المشهور وجرت عادة الناس بالتسامح في الأشياء اليسيرة والرضا باعتماد غيرهم في التصرّف فيها على الأمارات المفيدة للظنّ بالرضا في المعاوضات ، وكان الغالب في الأشياء التي يعتمد فيها على قول الصبيّ تعيين (٦) القيمة ، أو الاختلاف الذي يتسامح به في العادة ، فلأجل ذلك صحّ القول بالاعتماد على ما يصدر من الصبي من صورة البيع والشراء مع الشروط المذكورة ، كما يعتمد عليه في الإذن في دخول الدار وفي إيصال الهديّة إذا ظهرت أمارات‌

__________________

(١) لم ترد «أقول» في غير «ف».

(٢) لم ترد «سواء كان إلى أو المعاطاة» في «ف».

(٣) راجع أوّل المسألة.

(٤) انظر جامع المقاصد ٦ : ٦٥ ، والمسالك ٥ : ١٣٦.

(٥) هو المحقّق التستري قدس‌سره.

(٦) كذا في أكثر النسخ والمصدر ، وفي «ش» ومصحّحة «ن» : تعيّن.

٢٩٠

الصدق ، بل ما ذكرنا أولى بالجواز من الهديّة من وجوه ، وقد استند فيه في التذكرة إلى تسامح السلف (١).

وبالجملة ، فالاعتماد في الحقيقة على الإذن المستفاد من حال المالك في الأخذ والإعطاء ، مع البناء على ما هو الغالب من كونه صحيح التصرّف ، لا على قول الصبي ومعاملته من حيث إنّه كذلك ، وكثيراً ما يعتمد الناس على الإذن المستفاد ، من غير وجود ذي يدٍ أصلاً ، مع شهادة الحال بذلك ، كما في دخول الحمّام ووضع الأُجرة و (٢) عوض الماء التالف في الصندوق ، وكما (٣) في أخذ الخُضَر الموضوعة للبيع ، وشرب ماء السقّائين ووضع القيمة المتعارفة في الموضع المعدّ لها (٤) ، وغير ذلك من الأُمور التي جرت العادة بها ، كما يعتمد على مثل ذلك في غير المعاوضات من أنواع التصرّفات.

فالتحقيق : أنّ هذا ليس مستثنى من كلام الأصحاب ولا منافياً له ، ولا يعتمد على ذلك أيضاً في مقام الدعوى ولا فيما إذا طالب المالك بحقّه وأظهر عدم الرضا (٥) ، انتهى.

حاصل ما أفاده التستري

وحاصله : أنّ مناط الإباحة ومدارها في المعاطاة ليس على وجود تعاطٍ قائمٍ بشخصين ، أو بشخصٍ منزَّلٍ منزلة شخصين ، بل على تحقّق‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٢ ، وتقدّم عنه في الصفحة ٢٨٦.

(٢) كلمة «و» من «ف» والمصدر.

(٣) في «ش» : وكذا.

(٤) كذا في «ف» و «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : لهما.

(٥) مقابس الأنوار : ١١٣.

٢٩١

الرضا من كلٍّ منهما بتصرّف صاحبه في ماله ، حتّى لو فرضنا أنّه حصل مال كلٍّ منهما عند صاحبه باتّفاقٍ كإطارة الريح ونحوها فتراضيا على التصرّف بإخبار صبيٍّ أو بغيره من الأمارات كالكتابة ونحوها كان هذه (١) معاطاة أيضاً ؛ ولذا يكون (٢) وصول الهدية إلى المُهدى إليه على يد الطفل الكاشف إيصاله عن رضا المهديّ بالتصرف بل التملّك كافياً في إباحة الهديّة ، بل في تملّكها.

المناقشة فيما أفاده

وفيه (٣) : أنّ ذلك حسن ، إلاّ أنّه موقوف أوّلاً على ثبوت حكم المعاطاة من دون إنشاء إباحةٍ وتمليك ، والاكتفاء (٤) فيها بمجرّد الرضا.

ودعوى حصول الإنشاء بدفع الوليّ المال إلى الصبي ، مدفوعة : بأنّه إنشاء إباحةٍ لشخصٍ غير معلوم ، ومثله غير معلوم الدخول في حكم المعاطاة ، مع العلم بخروجه عن موضوعها.

وبه يفرق بين ما نحن فيه ومسألة إيصال الهديّة بيد الطفل ؛ فإنّه يمكن فيه دعوى كون دفعها (٥) إليه للإيصال إباحة أو تمليكاً (٦) ، كما ذكر أنّ إذن الوليّ للصبيّ في الإعارة إذن في انتفاع المستعير ، وأمّا دخول‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «هذا» ، كما في مصحّحة «ص».

(٢) في «ش» : كان.

(٣) في «ف» : ففيه.

(٤) كذا في «ش» ونسخة بدل «ن» ، وفي «ف» : «يكفي» ، وفي مصحّحة «ص» : «أن يكتفى» ، وفي سائر النسخ : يكتفى.

(٥) كذا في «ص» ، وفي غيرها : دفعه.

(٦) كذا في «ن» ، «ش» ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ : تملّكاً.

٢٩٢

الحمّام وشرب الماء ووضع الأُجرة والقيمة ، فلو حكم بصحّتهما (١) بناءً على ما ذكرنا من حصول المعاطاة بمجرّد المراضاة الخالية عن الإنشاء انحصرت صحّة وساطة الصبيّ فيما يكتفى (٢) فيه بمجرّد (٣) وصول العوضين ، دون ما لا يكتفى (٤) فيه.

والحاصل : أنّ دفع الصبي وقبضه بحكم العدم ، فكلّ ما يكتفى فيه بوصول كلٍّ من العوضين إلى صاحب الآخر بأيّ وجهٍ اتّفق فلا يضرّ مباشرة الصبي لمقدّمات الوصول.

ثمّ إنّ ما ذكر (٥) مختصٌّ بما إذا علم إذن شخص بالغ عاقل للصبيّ وليّاً كان أم غيره.

المناقشة في بعض ما أفاده كاشف الغطاء

وأمّا ما ذكره كاشف الغطاء أخيراً (٦) : من صيرورة الشخص (٧) موجباً قابلاً (٨) ، ففيه :

أوّلاً : أنّ تولّي وظيفة الغائب وهو من أذن للصغير إن كان‌

__________________

(١) في غير «ش» : بصحّتها.

(٢) وفي «ش» : «يكفي».

(٣) كذا في «ص» ، وفي غيرها : مجرّد.

(٤) كذا في «ص» ، وفي غيرها : مجرّد.

(٥) يعني ما ذكره كاشف الغطاء وتلميذه المحقّق التستري قدس‌سرهما في تصحيح معاملات الصبيّ.

(٦) تقدّم نصّ كلامه في الصفحة ٢٨٩.

(٧) كذا في «ش» ، «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي مصحّحة «خ» : «أحد الشخصين» ، وفي سائر النسخ : الشخصين.

(٨) في غير «ف» : وقابلاً.

٢٩٣

بإذنٍ منه ، فالمفروض انتفاؤه ، وإن كان بمجرّد (١) العلم برضاه ، فالاكتفاء به في الخروج عن موضوع الفضولي مشكل ، بل ممنوع.

وثانياً : أنّ المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الأطفال النيابة عمّن أذن للصبي.

ثمّ إنّه لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الآليّة بالصبي ، ولا بالأشياء الحقيرة ، بل هو جارٍ في المجنون والسكران بل البهائم ، و (٢) في الأُمور الخطيرة ؛ إذ المعاملة إذا كانت في الحقيقة بين الكبار وكان الصغير آلة ، فلا فرق في الآليّة بينه وبين غيره.

نعم ، من تمسّك في ذلك بالسيرة من غير أن يتجشّم لإدخال ذلك تحت القاعدة ، فله تخصيص ذلك بالصبي ؛ لأنّه المتيقّن من موردها ، كما أنّ ذلك مختصّ بالمحقّرات.

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي غيره : مجرّد.

(٢) الواو» من «ف».

٢٩٤

مسألة

في اشتراط قصد المتعاقدين مدلول العقد الدليل على هذا الشرط

ومن جملة شرائط المتعاقدين : قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفّظان به.

واشتراط القصد بهذا المعنى في صحّة العقد بل في تحقّق مفهومه ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، فلا يقع من دون قصدٍ إلى اللفظ كما في الغالط. أو إلى المعنى لا بمعنى عدم استعمال اللفظ فيه ، بل بمعنى عدم تعلّق إرادته (١) وإن (٢) أوجد مدلوله بالإنشاء ، كما في الأمر الصوري فهو (٣) شبيه الكذب في الإخبار كما في الهازل. أو قصد معنى يغاير مدلول العقد ، بأن قصد الإخبار أو الاستفهام. أو أنشأ معنىً غير البيع مجازاً أو غلطاً ، فلا يقع البيع لعدم القصد إليه ، ولا المقصود إذا اشترط فيه عبارة خاصّة.

ثمّ إنّه ربما يقال بعدم تحقّق القصد في عقد الفضولي والمكره كما صرّح به في المسالك ، حيث قال : إنّهما قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله (٤).

__________________

(١) في «ص» زيادة «به» تصحيحاً.

(٢) في مصحّحة «ن» : بأن.

(٣) لم ترد «فهو» في «ف».

(٤) المسالك ٣ : ١٥٦ ، نقلاً بالمعنى.

٢٩٥

وفيه : أنّه لا دليل على اشتراط أزيد من القصد المتحقّق في صدق مفهوم العقد ؛ مضافاً إلى ما سيجي‌ء في أدلّة الفضولي (١) ، وأمّا معنى ما في المسالك فسيأتي في اشتراط الاختيار (٢).

كلام صاحب المقابس في اعتبار تعيين المالكين والمناقشات فيه

واعلم أنّه ذكر بعض المحقّقين ممّن عاصرناه (٣) كلاماً في هذا المقام ، في أنّه هل يعتبر تعيين المالكين اللذين يتحقّق النقل والانتقال (٤) بالنسبة إليهما ، أم لا؟ وذكر ، أنّ في المسألة أوجهاً وأقوالاً ، وأنّ المسألة في غاية الإشكال ، وأنّه قد اضطربت فيها كلمات الأصحاب قدّس الله أرواحهم في تضاعيف أبواب الفقه. ثمّ قال :

وتحقيق المسألة : أنّه إن توقّف تعيّن المالك على التعيين حال العقد ؛ لتعدّد وجه وقوعه الممكن شرعاً ، اعتبر تعيينه في النيّة ، أو مع اللفظ (٥) به أيضاً كبيع الوكيل والولي العاقد عن اثنين في بيعٍ واحد ، والوكيل عنهما (٦) والوليّ عليهما في البيوع المتعدّدة ، فيجب أن يعيّن من يقع له البيع أو الشراء ، من نفسه أو غيره ، وأن يميّز البائع من المشتري إذا أمكن الوصفان في كلٍّ منهما.

__________________

(١) يجي‌ء في الصفحة ٣٧٢.

(٢) يجي‌ء في الصفحة ٣٠٧.

(٣) هو المحقّق التستري.

(٤) في غير «ش» : أو الانتقال.

(٥) في المصدر : التلفّظ.

(٦) كذا في «ش» والمصدر ، وفي مصحّحة «ن» : «منهما» ، وفي سائر النسخ : فيهما.

٢٩٦

فإذا عيّن جهة خاصّة تعيّنت ، وإن أطلق : فإن كان هناك جهة يصرف إليها الإطلاق كان كالتعيين كما لو دار الأمر بين نفسه وغيره إذا لم يقصد الإبهام والتعيين بعد العقد وإلاّ وقع لاغياً ، وهذا جارٍ في سائر العقود من النكاح وغيره.

والدليل على اشتراط التعيين ولزوم متابعته في هذا القسم : أنّه لولا ذلك لزم بقاء الملك بلا مالكٍ معيّنٍ (١) في نفس الأمر ، وأن لا يحصل الجزم بشي‌ءٍ من العقود التي لم يتعيّن فيها (٢) العوضان ، ولا بشي‌ءٍ من الأحكام والآثار المترتّبة على ذلك ، وفساد ذلك ظاهر.

ولا دليل على تأثير التعيين المتعقّب ، ولا على صحّة العقد المبهم ؛ لانصراف الأدلّة إلى الشائع المعهود (٣) من الشريعة والعادة ، فوجب الحكم بعدمه (٤).

وعلى هذا ، فلو شرى (٥) الفضولي لغيره في الذمّة ، فإن عيّن ذلك الغير تعيّن ووقف على إجازته ، سواء تلفّظ بذلك أم نواه ، وإن أبهم مع قصد الغير بطل ، ولا يوقف إلى أن يوجد له مجيز إلى أن قال ـ : وإن لم يتوقّف تعيّن (٦) المالك على التعيين حال العقد بأن يكون العوضان‌

__________________

(١) كلمة «معيّن» من «ش» والمصدر.

(٢) في «ش» : فيه.

(٣) في «ش» : «المعروف» ، طبقاً للمصدر.

(٤) عبارة «من الشريعة إلى بعدمه» من «ش» والمصدر.

(٥) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : اشترى.

(٦) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : «تعيين» ، إلاّ أنّه صُحّح في «ن» و «ص» بما أثبتناه.

٢٩٧

معيّنين ، ولا يقع العقد فيهما على وجهٍ يصحّ إلاّ لمالكهما ، ففي وجوب التعيين أو الإطلاق المنصرف إليه ، أو عدمه مطلقاً ، أو التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل ، وعدمه فيصحّ ، أوجه ، أقواها (١) الأخير ، وأوسطها الوسط ، وأشبهها للأُصول الأوّل.

وفي حكم التعيين ما إذا (٢) عيّن المال بكونه في ذمّة زيدٍ مثلاً.

وعلى الأوسط :

لو باع مال نفسه عن الغير ، وقع عنه ولغى قصد كونه عن الغير.

ولو باع مال زيد عن عمرو ، فإن كان وكيلاً عن زيد صحّ عنه ، وإلاّ وقف على إجازته.

ولو اشترى لنفسه بمالٍ في ذمّة زيد ، فإن لم يكن وكيلاً عن زيد وقع عنه وتعلّق المال بذمّته ، لا عن زيد ؛ ليقف على إجازته ، وإن كان وكيلاً فالمقتضي لكلٍّ من العقدين منفرداً موجود ، والجمع بينهما يقتضي إلغاء أحدهما ، ولمّا لم يتعيّن احتمل البطلان ؛ للتدافع ، وصحّته عن نفسه ؛ لعدم تعلّق الوكالة بمثل هذا الشراء وترجيح جانب الأصالة ، وعن الموكل ؛ لتعيّن العوض في ذمّة الموكل ، فقصد كون الشراء لنفسه لغو كما في المعيّن.

ولو اشترى عن زيد بشي‌ءٍ في ذمّته فضولاً ولم يجز ، فأجاز عمرو ، لم يصحّ عن أحدهما.

__________________

(١) في المصدر : أحوطها.

(٢) في «ش» : المعيّن إذا ما.

٢٩٨

وقس على ما ذكر حال ما يرد من هذا الباب ، ولا فرق على الأوسط في الأحكام المذكورة بين النيّة المخالفة والتسمية ، ويفرّق بينهما على الأخير ، ويبطل الجميع على الأوّل (١) ، انتهى كلامه رحمه‌الله (٢).

المناقشة فيما أفاده صاحب المقابس

أقول : مقتضى المعاوضة والمبادلة دخول كلٍّ من العوضين في ملك مالك الآخر ، وإلاّ لم يكن كلٌّ منهما عوضاً وبدلاً.

وعلى هذا ، فالقصد إلى العوض وتعيينه يغني عن تعيين المالك ، إلاّ أنّ ملكيّة العوض وترتّب آثار الملك عليه قد يتوقّف على تعيين المالك ؛ فإنّ من الأعواض ما يكون متشخّصاً بنفسه في الخارج كالأعيان. ومنها ما لا يتشخّص إلاّ بإضافته إلى مالك ك‍ «ما في الذمم» ؛ لأنّ (٣) ملكيّة الكلّي لا يكون (٤) إلاّ مضافاً إلى ذمّة ، وإجراء أحكام الملك على ما في ذمّة الواحد المردّد بين شخصين فصاعداً غير معهود.

فتعيين (٥) الشخص في الكلّي إنّما يحتاج إليه لتوقّف اعتبار ملكيّة ما في الذمم على تعيين (٦) صاحب الذمّة.

فصحّ على ما ذكرنا أنّ تعيين المالك مطلقاً غير معتبرٍ سواء في‌

__________________

(١) مقابس الأنوار : ١١٥ ١١٦.

(٢) الترحيم من «ف».

(٣) في «ف» ، «خ» ، «ع» و «ص» : ولأنّ.

(٤) كذا ، والمناسب : لا تكون.

(٥) كذا في «ف» ، «ن» و «ص» ، وفي سائر النسخ : فتعيّن.

(٦) في «ف» بدل «على تعيين» : على اعتبار.

٢٩٩

العوض المعيّن أو في (١) الكلّي ، وأنّ اعتبار التعيين فيما ذكره من الأمثلة في الشقّ الأوّل من تفصيله (٢) إنّما هو لتصحيح ملكيّة العوض بتعيين من يضاف الملك إليه ، لا لتوقّف المعاملة على تعيين ذلك الشخص بعد فرض كونه مالكاً ، فإنّ من اشترى لغيره في الذمّة إذا لم يعيّن الغير لم يكن الثمن مِلكاً ؛ لأنّ ما في الذمّة ما لم يضف إلى شخصٍ معيّن لم يترتّب عليه أحكام المال : من جعله ثمناً أو مثمناً ، وكذا الوكيل أو الولي العاقد عن اثنين ؛ فإنّه إذا جعل العوضين في الذمّة بأن قال : «بعت عبداً بألف» ، ثمّ قال : «قبلت» فلا يصير العبد قابلاً للبيع ، ولا الألف قابلاً للاشتراء به حتّى يُسنِد كلاّ منهما إلى معيّن ، أو إلى نفسه من حيث إنّه نائب عن ذلك المعيّن ، فيقول : «بعت عبداً من مال فلان بألف من مال فلان» فيمتاز البائع عن المشتري.

عود إلى مناقشة صاحب المقابس

وأمّا ما ذكره من الوجوه الثلاثة (٣) فيما إذا كان العوضان معيّنين ، فالمقصود إذا كان هي المعاوضة الحقيقيّة التي قد عرفت أنّ من لوازمها العقليّة دخول العوض في ملك مالك المعوّض تحقيقاً لمفهوم العوضيّة والبدليّة ، فلا حاجة إلى تعيين من يُنقل عنهما وإليهما العوضان ، وإذا‌

__________________

(١) في «ف» : وفي.

(٢) يعني تفصيل صاحب المقابس ، والمراد من الشقّ الأوّل هو ما أفاده بقوله : «إن توقّف تعيّن المالك على التعيين» ، راجع الصفحة ٢٩٦.

(٣) إشارة إلى ما ذكره صاحب المقابس في الشقّ الثاني من تفصيله ، وهو قوله : «ففي وجوب التعيين أو الإطلاق المنصرف إليه ، أو عدمه مطلقاً ، أو التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل ، وعدمه فيصحّ ..» ، راجع الصفحة ٢٩٨.

٣٠٠