كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

ثمّ إنّ الذهاب إن كان على وجه التلف الحقيقي ، أو العرفي المُخرج للعين عن قابليّة الملكيّة (١) عرفاً ، وجب قيام مقابله من ماله مقامه في الملكيّة ، وإن كان الذهاب بمعنى انقطاع سلطنته عنه وفوات الانتفاع به في الوجوه التي بها قوام الملكيّة ، وجب قيام مقابله مقامه في السلطنة ، لا في الملكيّة ؛ ليكون مقابلاً وتداركاً للسلطنة الفائتة ، فالتدارك لا يقتضي ملكيّة المتدارك في هذه الصورة.

نعم ، لمّا كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة الفائتة متوقّفة على الملك ؛ لتوقّف بعض التصرّفات عليها ، وجب ملكيّته للمبذول تحقيقاً لمعنى التدارك والخروج عن العهدة.

وعلى أيّ تقدير : فلا ينبغي الإشكال في بقاء العين المضمونة على ملك مالكها ، إنّما الكلام في البدل المبذول ، ولا كلام أيضاً في وجوب الحكم بالإباحة وبالسلطنة المطلقة عليها (٢) ، وبعد ذلك فيرجع محصّل الكلام حينئذٍ إلى أنّ إباحة جميع التصرّفات حتّى المتوقّفة على الملك هل تستلزم الملك من حين الإباحة ، أو يكفي فيه حصوله من حين التصرّف؟ وقد تقدّم في المعاطاة بيان ذلك.

التفصيل بين فوات معظم المنافع أو بعضها

ثمّ إنّه قد تحصّل ممّا ذكرنا : أنّ تحقّق (٣) ملكيّة البدل أو السلطنة المطلقة عليه مع بقاء العين على ملك مالكها ، إنّما هو مع فوات معظم الانتفاعات به ، بحيث يعدّ بذل البدل غرامة وتداركاً ، أمّا لو لم يفت إلاّ‌

__________________

(١) في «ف» : الملك.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب : «عليه» ، كما في مصحّحة «ن».

(٣) كذا في «ن» ومصحّحة «م» ، وفي غيرهما : تحقيق.

٢٦١

بعض ما ليس به قوام الملكيّة ، فالتدارك لا يقتضي ملكه ولا السلطنة المطلقة على البدل.

ولو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة قيمته حينئذٍ لم يبعد انكشاف (١) ذلك عن انتقال العين إلى الغارم ؛ ولذا استظهر غير واحد (٢) أنّ الغارم لقيمة الحيوان الذي وطأه يملكه ؛ لأنّه وإن وجب بالوطء نفيه عن البلد وبيعه في بلدٍ آخر ، لكن هذا لا يعدّ فواتاً لما به قوام الماليّة.

خروج العين عن التقويم

هذا كلّه مع انقطاع السلطنة عن العين مع بقائها على مقدار ملكيّتها (٣) السابقة.

أمّا لو خرج (٤) عن التقويم مع بقائها على صفة الملكية ، فمقتضى قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة ، مع بقاء العين على ملك المالك (٥) ؛ لأنّ القيمة عوض الأوصاف أو الأجزاء (٦) التي خرجت العين لفواتها عن التقويم ، لا عوض العين نفسها ، كما في الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب ، فإنّ بقاءها على ملك مالكها لا ينافي معنى الغرامة ؛

__________________

(١) كذا في النسخ ، والصواب : «كشف» ، كما في مصحّحة «ن» واستظهر في «ص» و «ش».

(٢) منهم الشهيد الثاني في الروضة البهيّة ٩ : ٣١١ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٤٩٩.

(٣) كذا ، والأولى التعبير ب «ماليّتها» كما في مصحّحة «ن».

(٤) كذا ، والمناسب : خرجت.

(٥) في ما عدا «ش» زيادة : «به» ، إلاّ أنّه شطب عليها في «ن».

(٦) في «م» و «ش» : والأجزاء.

٢٦٢

لفوات معظم الانتفاعات به (١) ، فيقوى عدم جواز المسح بها إلاّ بإذن المالك ولو بذل القيمة.

قال في القواعد (٢) في ما لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة ـ : ولو طلب المالك نزعها وإن أفضى إلى التلف وجب ، ثمّ يضمن الغاصب النقص ، ولو لم يبقَ لها قيمةٌ غرم جميع القيمة ، انتهى.

وعطف على ذلك في محكيّ جامع المقاصد (٣) قوله : ولا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك ، كما سبق من أنّ جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين ، ولو استوعبت (٤) القيمة أخذها ولم تدفع العين (٥) ، انتهى.

وعن المسالك في هذه المسألة : أنّه إن لم يبقَ له قيمة ضمن جميع القيمة ، ولا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق ، فيجمع بين العين والقيمة (٦).

لكن عن مجمع البرهان في هذه المسألة ـ : اختيار عدم وجوب النزع ، بل قال : يمكن أن لا يجوز ويتعيّن القيمة ؛ لكونه بمنزلة التلف ، وحينئذٍ يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخيط ؛ إذ لا غصب فيه يجب‌

__________________

(١) لم ترد «به» في «ش».

(٢) في «ش» : «شرح القواعد» ، والمظنون بل المقطوع أنّ ما صدر عن قلمه الشريف هو «القواعد» ، كما ورد في سائر النسخ ؛ بدليل قوله فيما سيأتي : «وعطف على ذلك في محكي جامع المقاصد» ، لكن مصحّح «ش» لمّا رأى أنّ المنقول لم يكن بتمامه في القواعد ، أضاف إليه كلمة : «شرح».

(٣) عبارة «في محكيّ جامع المقاصد» لم ترد في «ش».

(٤) في غير «ف» : استوعب.

(٥) جامع المقاصد ٦ : ٣٠٤ ٣٠٥ ، وانظر القواعد ١ : ٢٠٧.

(٦) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٧ ٢٠٨.

٢٦٣

ردّه ، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد إكمال الغسل وقبل المسح (١) ، انتهى.

واستجوده بعض المعاصرين (٢) ؛ ترجيحاً لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه ؛ لصيرورته عوضاً شرعاً.

وفيه : أنّه لا منشأ لهذا الاقتضاء ، وأدلّة الضمان قد عرفت أنّ محصّلها يرجع إلى وجوب تدارك ما ذهب من المالك ، سواءً كان الذاهب نفس العين كما في التلف الحقيقي ، أو كان الذاهب السلطنة عليها التي بها قوام ماليّتها كغرق المال ، أو كان الذاهب الأجزاء أو الأوصاف التي يخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء ملكيّته (٣).

ولا يخفى أنّ العين على التقدير الأوّل خارج (٤) عن الملكيّة عرفاً.

وعلى الثاني : السلطنة المطلقة على البدل بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين ، وهذا معنى بدل الحيلولة.

وعلى الثالث : فالمبذول عوض عمّا خرج المال بذهابه عن التقويم ، لا عن نفس العين ، فالمضمون في الحقيقة هي تلك الأوصاف التي تقابل بجميع القيمة ، لا نفس العين الباقية ، كيف! ولم تتلف هي ، وليس لها على تقدير التلف أيضاً عهدة مالية؟ بل الأمر بردّها مجرّد تكليف لا يقابل بالمال ، بل لو استلزم ردّه (٥) ضرراً مالياً على الغاصب‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١٠ : ٥٢١.

(٢) هو صاحب الجواهر في الجواهر ٣٧ : ٨٠.

(٣) كذا ، والمناسب : ملكيّتها.

(٤) كذا ، والمناسب : خارجة.

(٥) كذا في النسخ ، والمناسب : ردّها.

٢٦٤

أمكن سقوطه ، فتأمّل.

خروج العين عن الملكية مع بقاء حق الأولوية

ولعلّ ما عن المسالك : من أنّ ظاهرهم عدم وجوب إخراج الخيط المغصوب عن الثوب بعد خروجه عن القيمة بالإخراج ، فتعيّن القيمة فقط (١) ، محمول على صورة تضرّر المالك بفساد الثوب المخيط أو البناء المستدخل فيه الخشبة ، كما لا يأبى عنه عنوان المسألة ، فلاحظ ، وحينئذٍ فلا تنافي ما تقدّم عنه (٢) سابقاً : من بقاء الخيط على ملك مالكه وإن وجب بذل قيمته (٣).

ثمّ إنّ هنا قسماً رابعاً ، وهو ما لو خرج المضمون عن الملكيّة مع بقاء حقّ الأولوية فيه ، كما لو صار الخلّ المغصوب خمراً ، فاستشكل في القواعد وجوب ردّها مع القيمة (٤) ؛ ولعلّه من استصحاب وجوب ردّها ، ومن أنّ الموضوع في المستصحب ملك المالك ؛ إذ لم يجب إلاّ ردّه ولم يكن المالك إلاّ أولى به (٥).

إلاّ أن يقال : إنّ الموضوع في الاستصحاب عرفيّ ، ولذا كان الوجوب مذهب جماعة ، منهم الشهيدان (٦) والمحقّق الثاني (٧) ، ويؤيّده أنّه لو عاد خلاّ ردّت إلى المالك بلا خلافٍ ظاهر.

__________________

(١) انظر المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٧ ، والعبارة منقولة بالمعنى.

(٢) كلمة «عنه» من «ف» و «ش».

(٣) راجع الصفحة ٢٦٣.

(٤) القواعد ١ : ٢٠٦.

(٥) في «ف» : ولم يكن المالك أولى إلاّ به.

(٦) الدروس ٣ : ١١٢ ، المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢١٤.

(٧) جامع المقاصد ٦ : ٢٩٢.

٢٦٥

حكم ارتفاع قيمة العين بعد دفع بدلها

ثمّ إنّ مقتضى صدق الغرامة على المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين وضمانها ، فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع ، سواءً كان للسوق أو للزيادة المتّصلة ، بل المنفصلة كالثمرة ولا يضمن منافعه ، فلا يطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلك.

وعن التذكرة (١) وبعض آخر (٢) : ضمان المنافع ، وقوّاه في المبسوط بعد أن جعل الأقوى خلافه (٣).

وفي موضع من جامع المقاصد : أنّه موضع توقّف. وفي موضعٍ آخر رجّح الوجوب (٤).

حكم ارتفاع القيمة بعد التعذر وقبل الدفع

ثمّ إنّ ظاهر عطف التعذّر على التلف في كلام بعضهم (٥) عند التعرّض لضمان المغصوب بالمثل أو القيمة يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقية الحاصل بعد التعذّر وقبل الدفع ، كالحاصل بعد التلف ، لكنّ مقتضى القاعدة ضمانه له ؛ لأنّ (٦) مع التلف يتعيّن القيمة ؛ ولذا ليس له الامتناع من أخذها ، بخلاف تعذّر العين ؛ فإنّ القيمة غير متعيّنة ، فلو صبر المالك حتّى يتمكّن من العين كان له ذلك ويبقى العين في عهدة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٨٢.

(٢) وقال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (٦ : ٢٤٩) : «وهو الأصحّ» ، وفيه أيضاً : «ومال إليه في المسالك» ، انظر المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢١٠.

(٣) المبسوط ٣ : ٩٦.

(٤) جامع المقاصد ٦ : ٢٥١ و ٢٧٣.

(٥) مثل المحقّق في المختصر ٢ : ٢٥٦ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ١٣٩.

(٦) في «ف» بدل «لأنّ» : إذ.

٢٦٦

الضامن في هذه المدّة ، فلو تلفت كان له قيمتها من حين التلف ، أو أعلى القيم إليه ، أو يوم الغصب ، على الخلاف.

والحاصل : أنّ قبل دفع القيمة يكون العين الموجودة في عهدة الضامن ، فلا عبرة بيوم التعذّر ، والحكم بكون يوم التعذّر بمنزلة يوم التلف مع الحكم بضمان الأُجرة والنماء إلى دفع البدل وإن تراخي عن التعذّر ، ممّا لا يجتمعان ظاهراً ، فمقتضى القاعدة ضمان الارتفاع إلى يوم دفع البدل ، نظير دفع القيمة عن المثل المتعذّر في المثليّ.

إذا ارتفع التعذر وجب رد العين

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّه إذا ارتفع تعذّر ردّ العين وصار ممكناً ، وجب ردّها إلى مالكها (١) كما صرّح به في جامع المقاصد (٢) فوراً ، وإن كان في إحضارها (٣) مئونة ، كما كان قبل التعذّر ؛ لعموم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (٤) ، ودفع البدل لأجل الحيلولة إنّما أفاد خروج الغاصب عن الضمان ، بمعنى أنّه لو تلف لم يكن عليه قيمته بعد ذلك ، واستلزم (٥) ذلك على ما اخترناه (٦) عدم (٧) ضمان المنافع والنماء المنفصل والمتّصل بعد دفع الغرامة.

__________________

(١) في غير «ش» : ردّه إلى مالكه.

(٢) جامع المقاصد ٦ : ٢٦١.

(٣) في غير «ش» : إحضاره.

(٤) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦ ، والصفحة ٣٨٩ ، الحديث ٢٢.

(٥) في «ش» كتب فوق الكلمة : ولازم ظ.

(٦) تقدّم في الصفحة ٢٦٦.

(٧) في غير «ف» و «ش» : «من عدم» ، إلاّ أنّه شطب على «من» في «ن» و «خ».

٢٦٧

وسقوط وجوب الردّ حين التعذّر للعذر العقلي ، فلا يجوز استصحابه ، بل مقتضى الاستصحاب والعموم هو الضمان المدلول عليه بقوله عليه‌السلام : «على اليد ما أخذت» المغيّا بقوله : «حتّى تؤدّي».

هل يعود ملك البدل إلى الغارم بمجرّد التمكّن من العين؟

وهل الغرامة المدفوعة تعود ملكه (١) إلى الغارم بمجرّد طروّ التمكّن ، فيضمن العين من يوم التمكّن ضماناً جديداً بمثله أو قيمته يوم حدوث الضمان أو يوم التلف أو أعلى القيم ، أو أنّها باقية على ملك مالك العين ، وكون (٢) العين مضمونة بها لا بشي‌ءٍ آخر في ذمّة الغاصب ، فلو تلفت استقرّ ملك المالك على الغرامة ، فلم يحدث في العين إلاّ حكم تكليفي بوجوب ردّه ، وأمّا الضمان وعهدة جديدة فلا؟ وجهان :

أظهرهما الثاني ؛ لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة ، وعدم طروّ ما يزيل ملكيّته عن الغرامة أو يُحدث ضماناً جديداً ، ومجرّد عود التمكّن لا يوجب عود سلطنة المالك حتّى يلزم من بقاء ملكيّته (٣) على الغرامة الجمع بين العوض والمعوض ، غاية ما في الباب قدرة الغاصب على إعادة السلطنة الفائتة المبدلة (٤) عنها بالغرامة ووجوبها عليه.

وحينئذٍ ، فإن دفع العين فلا إشكال في زوال ملكيّة (٥) المالك‌

__________________

(١) كذا ، والصحيح : ملكها.

(٢) شطب على كلمة «كون» في «ن» ، وصُحّح في «ص» ب «تكون».

(٣) في «ش» : مالكيّته.

(٤) كذا ، والمناسب : «المبدل» ، كما في مصحّحة «ن».

(٥) في نسخة بدل «ش» : مالكيّة.

٢٦٨

للغرامة ، وتوهّم : أنّ المدفوع كان بدلاً (١) عن القدر الفائت من السلطنة في زمان التعذّر فلا يعود لعدم عود مبدله ، ضعيف في الغاية ، بل كان بدلاً عن أصل السلطنة يرتفع بعودها ، فيجب دفعه ، أو دفع بدله مع تلفه ، أو خروجه عن ملكه بناقلٍ لازم بل جائز ، ولا يجب ردّ نمائه المنفصل.

ولو لم يدفعها (٢) لم يكن له مطالبة الغرامة أوّلاً ؛ إذ ما لم يتحقّق السلطنة لم يعد الملك إلى الغارم ؛ فإنّ الغرامة عوض السلطنة لا عوض قدرة الغاصب على تحصيلها للمالك ، فتأمّل.

نعم ، للمالك مطالبة عين ماله ؛ لعموم «الناس مسلّطون على أموالهم» (٣) ، وليس ما عنده من المال عوضاً من مطلق السلطنة حتّى سلطنة المطالبة ، بل سلطنة الانتفاع بها على الوجه المقصود من الأملاك ؛ ولذا لا يباح (٤) لغيره بمجرّد بذل الغرامة.

ليس للغاصب حبس العين إلى أن يأخذ البدل

وممّا ذكرنا (٥) يظهر أنّه ليس للغاصب حبس العين إلى أن يدفع‌

__________________

(١) لم ترد «بدلاً» في «ف».

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «خ» ، وفي سائر النسخ : «يدفعه» ، والصحيح ما أثبتناه كما أثبته المامقاني وقال : هذه الجملة عطف على قوله : «فإنّ دفع العين» ، والضمير المنصوب بقوله : «لم يدفع» ، عائد إلى العين ، غاية الآمال : ٣١٩. وأثبتها الشهيدي كما في سائر النسخ ، لكنّه قال : الصواب : «يدفعها» ؛ لأنّ الضمير راجع إلى العين ، هداية الطالب : ٢٤٥.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٤) كذا ، والمناسب : «لا تباح» ، كما في مصحّحة «خ».

(٥) في «خ» ، «ع» و «ص» زيادة : أيضاً.

٢٦٩

المالك القيمة ، كما اختاره في التذكرة (١) والإيضاح (٢) وجامع المقاصد (٣).

وعن التحرير : الجزم بأنّ له ذلك (٤) ؛ ولعلّه لأنّ القيمة عوض إمّا عن العين ، وإمّا عن السلطنة عليه (٥) ، وعلى أيّ تقديرٍ فيتحقّق الترادّ ، وحينئذٍ فلكلٍّ من صاحبي العوضين حبس ما بيده حتّى يتسلّم ما بيد الآخر.

وفيه : أنّ العين بنفسها ليست عوضاً ولا معوَّضاً ؛ ولذا تحقّق للمالك الجمع بينها وبين الغرامة ، فالمالك مسلَّطٌ عليها ، والمعوّض للغرامة (٦) السلطنة الفائتة التي هي في معرض العود بالترادّ.

اللهم إلاّ أن يقال : له حبس العين من حيث تضمّنه لحبس مبدل الغرامة وهي السلطنة الفائتة.

والأقوى : الأوّل.

لو حبس العين فتلفت

ثمّ لو قلنا بجواز الحبس ، لو حبسه (٧) فتلفت العين محبوساً ، فالظاهر أنّه لا يجري عليه حكم المغصوب ؛ لأنّه حبسه بحقّ ، نعم‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٨٥.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٨.

(٣) جامع المقاصد ٦ : ٢٦١.

(٤) التحرير ٢ : ١٤٠ ، وحكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٥٦.

(٥) كذا في النسخ ، والمناسب : «عليها» ، كما استُظهر في «ص».

(٦) في «ش» : لغرامة.

(٧) كذا ، والمناسب : «حبسها» ؛ لعود الضمير إلى العين ، وكذا الكلام فيما يأتي من الضمائر.

٢٧٠

يضمنه ؛ لأنّه قبضه لمصلحة نفسه ، والظاهر أنّه بقيمة يوم التلف على ما هو الأصل في كلّ مضمون ومن قال بضمان المقبوض بأعلى القيم يقول به هنا من زمان الحبس إلى زمان التلف.

وذكر العلاّمة في القواعد : أنّه لو حبس فتلف محبوساً ، فالأقرب ضمان قيمته الآن واسترجاع القيمة الأُولى (١).

والظاهر أنّ مراده ب «قيمة (٢) الآن» : مقابل القيمة السابقة ؛ بناءً على زوال حكم الغصب عن العين ، لكونه محبوساً بغير عدوان ، لا خصوص حين التلف. وكلمات كثيرٍ منهم لا يخلو عن اضطراب.

ثمّ إنّ أكثر ما ذكرناه مذكور في كلماتهم في باب الغصب ، لكنّ الظاهر أنّ أكثرها بل جميعها حكم المغصوب من حيث كونه مضموناً ؛ إذ ليس في الغصب خصوصيّة زائدة.

نعم ، ربما يفرّق من جهة نصٍّ في المغصوب مخالفٍ لقاعدة الضمان ، كما احتمل في الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان من جهة صحيحة أبي ولاّد (٣) أو أعلى القيم على ما تقدّم من الشهيد الثاني دعوى دلالة الصحيحة عليه (٤) ، وأمّا ما اشتهر من أنّ الغاصب مأخوذ بأشقّ الأحوال ، فلم نعرف له مأخذاً واضحاً.

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٠٤.

(٢) في «ف» : بقيمته.

(٣) تقدّمت في الصفحة ٢٤٦ ٢٤٧.

(٤) تقدّم في الصفحة ٢٥٢.

٢٧١

ولنختم بذلك أحكام المبيع بالبيع الفاسد وإن بقي منه أحكامٌ (١) أُخر أكثر ممّا ذكر ، ولعلّ بعضها يجي‌ء في بيع الفضولي إن شاء الله تعالى (٢).

__________________

(١) لم ترد «أحكام» في «ش».

(٢) يجي‌ء في الصفحة ٣٤٥.

٢٧٢

الكلام في شروط المتعاقدين‌

٢٧٣
٢٧٤

مسألة

المشهور بطلان عقد الصبي

المشهور كما عن الدروس (١) والكفاية (٢) ـ : بطلان عقد الصبي ، بل عن الغنية : الإجماع عليه وإن أجاز الولي (٣).

وفي كنز العرفان : نسبة عدم صحّة عقد الصبي إلى أصحابنا (٤) ، وظاهره إرادة التعميم لصورة إذن الولي.

وعن التذكرة : أنّ الصغير محجور عليه بالنصّ والإجماع سواء كان مميّزاً أو لا في جميع التصرّفات إلاّ ما استثنى ، كعباداته وإسلامه وإحرامه وتدبيره ووصيّته وإيصال الهديّة وإذنه في الدخول ، على خلافٍ في ذلك (٥) ، انتهى.

واستثناء إيصال الهديّة وإذنه في دخول الدار ، يكشف بفحواه عن‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٩٢ ، لكنّه نسبه إلى الأشهر.

(٢) الكفاية : ٨٩ ، وحكاه عنه وعن الدروس السيّد المجاهد في المناهل : ٢٨٦.

(٣) الغنية : ٢١٠.

(٤) انظر كنز العرفان ٢ : ١٠٢.

(٥) التذكرة ٢ : ٧٣.

٢٧٥

شمول المستثنى منه لمطلق أفعاله ؛ لأنّ الإيصال والإذن ليسا من التصرّفات القوليّة والفعليّة ، وإنّما الأوّل آلة في إيصال الملك كما لو حملها على حيوان وأرسلها ، والثاني كاشف عن موضوعٍ تعلّق عليه إباحة الدخول ، وهو رضا المالك.

الاستدلال على البطلان بحديث رفع القلم

واحتجّ على الحكم في الغنية (١) بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبيّ حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ» (٢) ، وقد سبقه في ذلك الشيخ في المبسوط في مسألة الإقرار وقال : إنّ مقتضى رفع القلم أن لا يكون لكلامه حكم (٣). ونحوه الحلّي في السرائر في مسألة عدم جواز وصيّة البالغ عشراً (٤) ، وتبعهم في الاستدلال به جماعة ، كالعلاّمة (٥) وغيره (٦).

الاستدلال بروايات عدم جواز أمر الصبي

واستدلّوا (٧) أيضاً بخبر حمزة بن حمران عن مولانا الباقر عليه‌السلام : «إنّ الجارية إذا زوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ،

__________________

(١) الغنية : ٢١٠.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٠٩ ، الحديث ٤٨.

(٣) المبسوط ٣ : ٣.

(٤) السرائر ٣ : ٢٠٧.

(٥) التذكرة ٢ : ١٤٥.

(٦) كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ٨٢ ، والمحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٠٨.

(٧) كما في الحدائق ١٨ : ٣٦٩ ، والرياض ١ : ٥١١ ، ومقابس الأنوار : ١٠٨ ، والجواهر ٢٢ : ٢٦١ وغيرها.

٢٧٦

ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء (١) ، والغلام لا يجوز أمره في البيع والشراء ولا يخرج عن اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة .. الحديث» (٢).

وفي رواية ابن سنان : «متى يجوز أمر اليتيم؟ قال : حتّى يبلغ أشدّه. قال : ما أشدّه؟ قال : احتلامه» (٣) ، وفي معناها روايات أُخر (٤).

المناقشة في دلالة هذه الروايات

لكنّ الإنصاف : أنّ جواز الأمر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في التصرّف ؛ لأنّ الجواز مرادفٌ للمضيّ ، فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف على الإجازة ، كما يقال : بيع الفضولي غير ماضٍ ، بل موقوف.

ويشهد له الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله : «إلاّ أن يكون سفيهاً» (٥) ، فلا دلالة لها حينئذٍ على سلب عبارته ، وأنّه إذا ساوم وليّه متاعاً (٦) وعيّن له قيمته (٧) وأمر الصبيّ بمجرّد إيقاع العقد مع الطرف‌

__________________

(١) في المصدر زيادة : والبيع.

(٢) الوسائل ١٢ : ٢٦٨ ، الباب ١٤ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث الأوّل ، وذيله.

(٣) الخصال ٢ : ٤٩٥ ، الحديث ٣ ، وعنه في الوسائل ١٣ : ١٤٣ ، الباب ٢ من أبواب كتاب الحجر ، الحديث ٥.

(٤) انظر الوسائل ١٢ : ٢٦٧ ، الباب ١٤ من أبواب عقد البيع وشروطه ، و ١٣ : ١٤١ و ١٤٢ ، الباب ١ و ٢ من أبواب كتاب الحجر ، والصفحة ٤٢٨ و ٤٣٢ ، الباب ٤٤ و ٤٥ من أبواب كتاب الوصايا وغيرها.

(٥) مثل رواية ابن سنان المتقدّمة والروايتين الأُخريين عنه أيضاً في الوسائل ١٣ : ٤٣٠ و ٤٣١ ، الباب ٤٤ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٨ و ١١.

(٦) كذا في «ف» ، «خ» و «ش» ونسخة بدل «ن» ، وفي سائر النسخ : متاعه.

(٧) في «ف» : قيمة.

٢٧٧

الآخر كان باطلاً ، وكذا لو أوقع إيجاب النكاح أو قبوله لغيره بإذن وليّه.

المناقشة في دلالة حديث رفع القلم

وأمّا حديث رفع القلم ، ففيه :

أوّلاً : أنّ الظاهر منه قلم المؤاخذة ، لا قلم جعل الأحكام ؛ ولذا بنينا كالمشهور على شرعيّة عبادات الصبيّ.

وثانياً : أنّ المشهور على الألسنة أنّ الأحكام الوضعيّة ليست مختصّة بالبالغين ، فلا مانع من أن يكون عقده سبباً لوجوب الوفاء بعد البلوغ ، أو على الوليّ إذا وقع بإذنه أو إجازته ، كما يكون جنابته سبباً لوجوب غسله بعد البلوغ وحرمة تمكينه من مسّ المصحف.

وثالثاً : لو سلّمنا اختصاص الأحكام حتّى الوضعية بالبالغين ، لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعاً للأحكام المجعولة في حقّ البالغين ، فيكون الفاعل كسائر غير البالغين خارجاً عن ذلك الحكم إلى وقت البلوغ.

ترديد بعضهم في الصحّة ، وتصريح آخرين بها

وبالجملة ، فالتمسّك بالرواية ينافي ما اشتهر بينهم من شرعيّة عبادة الصبيّ ، وما اشتهر بينهم من عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين. فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الإجماع المحكي (١) ، المعتضد بالشهرة العظيمة ، وإلاّ فالمسألة محلّ إشكال ؛ ولذا تردّد المحقّق في الشرائع في إجارة المميّز بإذن الوليّ (٢) بعد ما جزم بالصحّة في العارية (٣) ،

__________________

(١) تقدّم حكايته عن الغنية والتذكرة في أوّل المسألة.

(٢) الشرائع ٢ : ١٨٠.

(٣) الشرائع ٢ : ١٧١.

٢٧٨

واستشكل فيها في القواعد (١) والتحرير (٢).

وقال في القواعد : وفي صحّة بيع المميّز بإذن الوليّ نظر (٣) ، بل عن الفخر في شرحه : أنّ الأقوى الصحّة ؛ مستدلا بأنّ العقد إذا وقع بإذن الولي كان كما لو صدر عنه (٤) ولكن لم أجده فيه وقوّاه المحقّق الأردبيلي على ما حكي عنه (٥).

ويظهر من التذكرة عدم ثبوت الإجماع عنده ، حيث قال : وهل يصحّ بيع المميّز وشراؤه؟ الوجه عندي : أنّه لا يصحّ (٦).

واختار في التحرير : صحّة بيع الصبي في مقام اختبار رشده (٧).

وذكر المحقّق الثاني : أنّه لا يبعد بناء المسألة على أنّ أفعال الصبيّ وأقواله شرعيّة أم لا ، ثمّ حكم بأنّها غير شرعيّة ، وأنّ الأصحّ بطلان العقد (٨).

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٢٤.

(٢) التحرير ١ : ٢٤٤.

(٣) القواعد ١ : ١٦٩.

(٤) حكاه عنه المحقّق التستري في مقابس الأنوار (الصفحة ١١٠) ، ولكنّ الموجود في الإيضاح (٢ : ٥٥) ذيل عبارة والده هكذا : «والأقوى عدم الصحّة» ، ولم نعثر فيه على غيره.

(٥) لم نعثر على الحاكي عنه بهذا النحو ، نعم في المقابس (الصفحة ١١٠) : ومال المقدّس الأردبيلي في كتابه إلى جواز بيعه مع الرشد وإذن الوليّ ، انظر مجمع الفائدة ٨ : ١٥٢ ١٥٣.

(٦) التذكرة ٢ : ٨٠ ، وفيه : وشراؤه بإذن الوليّ.

(٧) التحرير ١ : ٢١٨.

(٨) جامع المقاصد ٥ : ١٩٤.

٢٧٩

وعن المختلف أنّه حكى في باب المزارعة عن القاضي كلاماً يدلّ على صحّة بيع الصبي (١).

وبالجملة ، فالمسألة لا تخلو عن إشكال ، وإن أطنب بعض المعاصرين (٢) في توضيحه حتّى ألحقه بالبديهيات في ظاهر كلامه.

الحجة في المسألة هي الشهرة والإجماع المحكي

فالإنصاف : أنّ الحجّة في المسألة هي الشهرة المحقّقة والإجماع المحكيّ عن التذكرة (٣) ؛ بناءً على أنّ استثناء الإحرام الذي لا يجوز إلاّ بإذن الوليّ شاهد على أنّ مراده بالحَجر ما يشمل سلب العبارة ، لا نفي الاستقلال في التصرّف ؛ وكذا إجماع الغنية (٤) ؛ بناءً على أنّ استدلاله بعد الإجماع بحديث «رفع القلم» دليل على شمول معقده للبيع بإذن الوليّ. وليس المراد نفي صحّة البيع المتعقّب بالإجازة ، حتّى يقال : إنّ الإجازة عند السيّد (٥) غير مجدية في تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقلّ ولو كان غير مسلوب العبارة ، كالبائع الفضولي.

ويؤيّد الإجماعين ما تقدّم عن كنز العرفان (٦).

المناقشة في تحقق الإجماع

نعم لقائلٍ أن يقول : إنّ ما عرفت من المحقّق والعلاّمة وولده‌

__________________

(١) حكى المحقّق التستري في مقابس الأنوار (الصفحة ١١٠) ما نقله العلاّمة عن القاضي ، وقال : «ومقتضاه صحّة شراء الصبي وبيعه» ، انظر المختلف ٦ : ١٨٨ ، والمهذّب ٢ : ٢٠.

(٢) الظاهر أنّ المراد هو صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٦١ ، وانظر مقابس الأنوار : ١١١ ١١٢ أيضاً.

(٣) التذكرة ٢ : ٧٣.

(٤) الغنية : ٢١٠.

(٥) يعني السيّد ابن زهرة.

(٦) تقدّم في أوّل المسألة.

٢٨٠