كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

الثالث

ضمان المنافع المستوفاة في المقبوض بالعقد الفاسد ، والدليل عليه

أنّه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الردّ ، كان عليه عوضها على المشهور ، بل ظاهر ما تقدّم من السرائر ، من كونه بمنزلة المغصوب (١) : الاتّفاق على الحكم.

ويدلّ عليه : عموم قوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرئٍ مسلم (٢) إلاّ عن طيب نفسه» (٣) ، بناءً على صدق المال على المنفعة ، ولذا يجعل ثمناً في البيع وصداقاً في النكاح.

نفي ابن حمزة الضمان بالنبوي : «الخراج بالضمان»

خلافاً للوسيلة ، فنفى الضمان ؛ محتجّاً بأنّ الخراج بالضمان (٤) كما في النبويّ المرسل (٥).

وتفسيره : أنّ مَن ضمن شيئاً وتقبّله لنفسه فخراجه له ، فالباء‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٨٠.

(٢) في «ش» زيادة : لأخيه.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩.

(٤) الوسيلة : ٢٥٥.

(٥) عوالي اللآلي ١ : ٢١٩ ، الحديث ٨٩.

٢٠١

للسببية أو المقابلة ، فالمشتري لمّا أقدم على ضمان المبيع وتقبّله على نفسه بتقبيل البائع وتضمينه إيّاه على أن يكون الخراج له مجّاناً ، كان اللازم على (١) ذلك أنّ خراجه له على تقدير الفساد ، كما أنّ الضمان عليه على هذا التقدير أيضاً.

والحاصل : أنّ ضمان العين لا يجتمع مع ضمان الخراج ، ومرجعه إلى أنّ الغنيمة والفائدة بإزاء الغرامة ، وهذا المعنى مستنبط من أخبار كثيرة متفرّقة ، مثل قوله عليه‌السلام في مقام الاستشهاد على كون منفعة المبيع في زمان الخيار للمشتري : «ألا ترى أنّها لو أُحرقت كانت من مال المشتري؟» (٢) ونحوه في الرهن (٣) وغيره.

المناقشة في الاستدلال

وفيه : أنّ هذا الضمان ليس هو ما أقدم عليه المتبايعان حتّى يكون الخراج بإزائه ، وإنّما هو أمرٌ قهريٌّ حكم به الشارع كما حكم بضمان المقبوض بالسوم والمغصوب.

المراد بـ «الضمان» في النبوي

فالمراد بالضمان الذي بإزائه الخراج : التزام الشي‌ء على نفسه وتقبّله له مع إمضاء الشارع له.

وربما ينتقض ما ذكرنا في معنى الرواية بالعارية المضمونة ؛ حيث إنّه أقدم على ضمانها ، مع أنّ خراجها ليس له ؛ لعدم تملّكه للمنفعة ، وإنّما‌

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : من.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٥٦ ، الباب ٨ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ ، ولفظ الحديث : «أرأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار ، دار المشتري؟!» ، ومثله في الدلالة الحديث الأوّل من هذا الباب.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٢٦ ، الباب ٥ من أبواب أحكام الرهن ، الحديث ٦ ، وغيره.

٢٠٢

تملّك الانتفاع الذي عيّنه المالك ، فتأمّل.

والحاصل : أنّ دلالة الرواية (١) لا تقصر عن سندها في الوهن ، فلا يترك لأجلها قاعدة ضمان مال المسلم واحترامه وعدم حلّه إلاّ عن طيب النفس.

استدلالان آخران على الضمان ، والمناقشة فيهما

وربما يردّ هذا القول : بما ورد في شراء الجارية المسروقة ، من ضمان قيمة الولد وعوض اللبن ، بل عوض كلّ ما انتفع (٢).

وفيه : أنّ الكلام في البيع الفاسد الحاصل بين مالكي العوضين من جهة أنّ مالك العين جعل خراجها له بإزاء ضمانها بالثمن ، لا ما كان فساده من جهة التصرّف في مال الغير.

وأضعف من ذلك ردّه بصحيحة أبي ولاّد (٣) المتضمّنة لضمان منفعة المغصوب المستوفاة ؛ ردّاً على أبي حنيفة القائل بأنّه إذا تحقّق ضمان العين ولو بالغصب سقط كراها (٤) ، كما يظهر من تلك الصحيحة.

نعم ، لو كان القول المذكور موافقاً لقول أبي حنيفة في إطلاق القول بأنّ الخراج بالضمان ، انتهضت الصحيحة وما قبلها ردّاً عليه.

حكم المنافع الفائتة بغير استيفاء

هذا كلّه في المنفعة المستوفاة ، وأمّا المنفعة الفائتة بغير استيفاء ،

__________________

(١) أي النبوي المرسل : «الخراج بالضمان» ، المتقدّم في الصفحة ٢٠١.

(٢) انظر الوسائل ١٤ : ٥٩١ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الأحاديث ٢ ٥.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣١٣ ، الباب ٧ من أبواب الغصب ، الحديث الأوّل.

(٤) انظر بداية المجتهد ٢ : ٢٣١ ، والمغني لابن قدامة ٥ : ٥٠١.

٢٠٣

ما يمكن أن يستدلّ به على الضمان

فالمشهور فيها أيضاً الضمان ، وقد عرفت عبارة السرائر المتقدّمة (١) ، ولعلّه لكون المنافع أموالاً في يد من بيده العين ، فهي مقبوضة في يده ؛ ولذا يجري على المنفعة حكم المقبوض إذا قبض العين ، فتدخل المنفعة في ضمان المستأجر ، ويتحقّق قبض الثمن في السلَم بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمناً ، وكذا الدار المجعول سكناها ثمناً ، مضافاً إلى أنّه مقتضى احترام مال المسلم ؛ إذ كونه في يد غير مالكه مدّة طويلة من غير اجرةٍ منافٍ للاحترام.

المناقشة في الاستدلال

لكن يشكل الحكم بعد تسليم كون المنافع أموالاً حقيقة ـ : بأنّ مجرّد ذلك لا يكفي في تحقّق الضمان ، إلاّ أن يندرج في عموم «على اليد ما أخذت» (٢) ، ولا إشكال (٣) في عدم شمول صلة الموصول للمنافع ، وحصولها في اليد بقبض العين لا يوجب صدق الأخذ. ودعوى : أنّه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض (٤) الأعيان ، مشكلة.

وأمّا احترام مال المسلم ، فإنّما يقتضي عدم حلّ التصرّف فيه (٥) وإتلافه بلا عوض ، وإنّما يتحقّق ذلك في الاستيفاء.

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ١٨٠ ، وإليك نصّها : إنّ البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في الضمان.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦.

(٣) في «ش» : فلا إشكال.

(٤) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي «ف» : «لبعض» ، وفي سائر النسخ : لقبض.

(٥) لم ترد «فيه» في «ف».

٢٠٤

القول بعدم الضمان موافق للأصل

فالحكم بعدم الضمان مطلقاً كما عن الإيضاح (١) أو مع علم البائع بالفساد كما عن بعضٍ آخر (٢) موافق للأصل السليم.

مضافاً إلى أنّه قد يدّعى شمول قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» [له (٣)]. ومن المعلوم (٤) أنّ صحيح البيع لا يوجب ضماناً للمشتري للمنفعة ؛ لأنّها له مجّاناً ولا يتقسّط الثمن عليها ، وضمانها مع الاستيفاء لأجل الإتلاف ، فلا ينافي القاعدة المذكورة ؛ لأنّها بالنسبة إلى التلف لا الإتلاف.

مضافاً إلى الأخبار الواردة في ضمان المنافع المستوفاة من الجارية المسروقة المبيعة (٥) ، الساكتة من ضمان غيرها في مقام البيان.

وكذا صحيحة محمّد بن قيس الواردة في مَن باع وليدة أبيه بغير إذنه ، فقال عليه‌السلام : «الحكم أن يأخذ الوليدة وابنها» (٦) وسكت عن المنافع الفائتة ، فإنّ عدم الضمان في هذه الموارد مع كون العين لغير البائع يوجب عدم الضمان هنا بطريقٍ أولى.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٩٤.

(٢) نسبه المؤلّف قدس‌سره إلى بعض من كتب على الشرائع ، انظر الصفحة الآتية.

(٣) من مصحّحة «ص».

(٤) في «ف» : إذ من المعلوم.

(٥) الوسائل ١٤ : ٥٩١ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الأحاديث ٢ ٥.

(٦) نفس المصدر ، الحديث الأوّل.

٢٠٥

للتوقّف في المسألة مجال

والإنصاف : أنّ للتوقّف في المسألة كما في المسالك (١) تبعاً للدروس (٢) والتنقيح (٣) مجالاً.

وربما يظهر من القواعد في باب الغصب عند التعرّض لأحكام البيع الفاسد ـ : اختصاص الإشكال والتوقّف بصورة علم البائع (٤) على ما استظهره السيّد العميد (٥) والمحقّق الثاني (٦) من عبارة الكتاب ، وعن الفخر : حمل الإشكال في العبارة على مطلق صورة عدم الاستيفاء (٧).

محصّل الأقوال في المسألة

فتحصّل (٨) من ذلك كلّه : أنّ الأقوال في ضمان المنافع الغير المستوفاة خمسة :

الأوّل : الضمان ، وكأنّه للأكثر.

الثاني : عدم الضمان ، كما عن الإيضاح.

الثالث : الضمان إلاّ مع علم البائع ، كما عن بعض مَن كتب على الشرائع (٩).

__________________

(١) المسالك ٣ : ١٥٤.

(٢) الدروس ٣ : ١٩٤.

(٣) التنقيح الرائع ٢ : ٣٢.

(٤) القواعد ١ : ٢٠٨.

(٥) كنز الفوائد ١ : ٦٧٦.

(٦) جامع المقاصد ٦ : ٣٢٤ ٣٢٥.

(٧) إيضاح الفوائد ٢ : ١٩٤.

(٨) كذا في «ف» و «ص» ، وفي «ش» وظاهر «ن» : «فيتحصّل» ، وفي سائر النسخ : «فيحصل».

(٩) لم نقف عليه.

٢٠٦

الرابع : التوقّف في هذه الصورة ، كما استظهره جامع المقاصد والسيّد العميد من عبارة القواعد.

الخامس : التوقّف مطلقاً ، كما عن الدروس والتنقيح والمسالك ومحتمل القواعد ، كما يظهر من فخر الدين.

وقد عرفت أنّ التوقّف أقرب إلى الإنصاف ، إلاّ أنّ المحكي من التذكرة ما لفظه (١) : إنّ منافع الأموال من العبيد (٢) والثياب والعقار وغيرها مضمونة بالتفويت والفوات تحت اليد العادية ، فلو غصب عبداً أو جارية (٣) أو عقاراً أو حيواناً مملوكاً ضمن منافعه سواء أتلفها بأن استعملها ، أو فاتت تحت يده بأن بقيت مدّة في يده (٤) لا يستعملها عند علمائنا أجمع (٥).

ولا يبعد أن يراد ب «اليد العادية» مقابل اليد الحقّة ، فيشمل يد المشتري في ما نحن فيه ، خصوصاً مع علمه (٦) ، سيّما مع جهل البائع به.

وأظهر منه ما في السرائر في آخر باب الإجارة ـ : من الاتّفاق أيضاً على ضمان منافع المغصوب الفائتة (٧) ، مع قوله في باب البيع : إنّ‌

__________________

(١) لم ترد «ما لفظه» في «ف» و «ش».

(٢) كذا في «ف» و «ن» ، وفي سائر النسخ : العبد.

(٣) في المصدر زيادة : أو ثوباً.

(٤) في «ف» : بأن بقيت تحت يده مدّة.

(٥) التذكرة ٢ : ٣٨١.

(٦) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «م» ، وفي سائر النسخ : غلبته.

(٧) السرائر ٢ : ٤٧٩.

٢٠٧

البيع الفاسد عند أصحابنا بمنزلة الشي‌ء المغصوب إلاّ في ارتفاع الإثم عن إمساكه (١) ، انتهى.

القول بالضمان لا يخلو من قوّة

وعلى هذا ، فالقول بالضمان لا يخلو عن قوّة ، وإن كان المتراءى من ظاهر صحيحة أبي ولاّد (٢) اختصاص الضمان في المغصوب بالمنافع المستوفاة من البغل المتجاوز به إلى غير محلّ الرخصة ، إلاّ أنّا لم نجد بذلك عاملاً في المغصوب الذي هو موردها.

__________________

(١) السرائر ٢ : ٣٢٦.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣١٣ ، الباب ٧ من أبواب الغصب ، الحديث الأوّل.

٢٠٨

الرابع

ضمان المثلي بالمثل

إذا تلف المبيع ، فإن كان مثليّا وجب مثله‌ بلا خلاف إلاّ ما يحكى عن ظاهر الإسكافي (١).

تعريف «المثلي» عند المشهور

وقد اختلف كلمات أصحابنا في تعريف المثلي ، فالشيخ (٢) وابن زهرة (٣) وابن إدريس (٤) والمحقّق (٥) وتلميذه (٦) والعلاّمة (٧) وغيرهم (٨) قدّس الله أسرارهم ، بل المشهور على ما حكي (٩) أنّه : ما يتساوى أجزاؤه من حيث القيمة.

__________________

(١) حكاه العلاّمة في المختلف ٦ : ١٣١ ، والشهيد في غاية المراد : ١٣٥ ، وغيرهما.

(٢) المبسوط ٣ : ٥٩.

(٣) الغنية : ٢٧٨.

(٤) السرائر ٢ : ٤٨٠.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٣٩.

(٦) وهو الفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٣٨٢.

(٧) القواعد ١ : ٢٠٣.

(٨) مثل أبي العباس في المهذّب البارع ٤ : ٢٥١ ، والمقتصر : ٣٤٢.

(٩) حكاه الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٨ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٢٥٧ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٣٠٣.

٢٠٩

توضح التعرف

والمراد بأجزائه : ما يصدق عليه اسم الحقيقة. والمراد بتساويها من حيث القيمة : تساويها بالنسبة ، بمعنى كون قيمة كلّ بعضٍ بالنسبة إلى قيمة البعض الآخر كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار ؛ ولذا قيل في توضيحه : إنّ المقدار منه إذا كان يستوي (١) قيمة (٢) ، فنصفه يستوي (٣) نصف تلك القيمة (٤).

ومن هنا رجّح الشهيد الثاني كون المصوغ من النقدين قيميّاً ، قال : إذ لو انفصلت نقصت قيمتها (٥).

قلت : وهذا يوجب أن لا يكون الدرهم الواحد مثليّا ؛ إذ لو انكسر نصفين نقص قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع (٦) ، إلاّ أن يقال : إنّ الدرهم مثليّ بالنسبة إلى نوعه. وهو الصحيح ؛ ولذا لا يعدّ الجريش مِثلاً للحنطة ، ولا الدُّقاقة مِثلاً للأرُزّ.

ومن هنا يظهر أنّ كلّ نوعٍ من أنواع الجنس الواحد ، بل كلّ‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، ولعلّه مصحّف «يسوي» بمعنى : يساوي ، لكن عن الأزهري : أنّ قولهم «يسوي» ليس عربيّاً صحيحاً ، انظر المصباح المنير ، مادّة : «سوى».

(٢) في «م» زيادة : معيّنة.

(٣) كذا في النسخ ، ولعلّه مصحّف «يسوي» بمعنى : يساوي ، لكن عن الأزهري : أنّ قولهم «يسوي» ليس عربيّاً صحيحاً ، انظر المصباح المنير ، مادّة : «سوى».

(٤) قاله الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٨ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٣٠٣.

(٥) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٩.

(٦) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي «ف» ومصحّحة «ص» : «نقص قيمة نصفيه عن قيمة المجموع» ، وفي سائر النسخ : «نقص قيمة نصفه عن قيمة المجموع».

٢١٠

صنفٍ من أصناف نوعٍ واحد مثليّ بالنسبة إلى أفراد ذلك النوع أو الصنف.

فلا يرد ما قيل : من أنّه إن أُريد التساوي بالكلّية ، فالظاهر عدم صدقه على شي‌ء من المعرَّف ؛ إذ ما من مثليٍّ إلاّ وأجزاؤه مختلفة في القيمة كالحنطة ؛ فإنّ قفيزاً من حنطة (١) يساوي عشرة ومن اخرى يساوي عشرين. وإن أُريد التساوي في الجملة ، فهو في القيمي موجود ، كالثوب والأرض (٢) ، انتهى.

وقد لوّح هذا المورد في آخر كلامه إلى دفع إيراده بما ذكرنا : من أنّ كون الحنطة مثليّة معناه : أنّ كلّ صنفٍ منها (٣) متماثل الأجزاء (٤) ومتساوٍ (٥) في القيمة ، لا بمعنى أنّ جميع أبعاض هذا النوع متساوية في القيمة ، فإذا كان المضمون بعضاً من صنف ، فالواجب دفع مساويه من هذا الصنف ، لا القيمة ولا بعض من صنف (٦) آخر (٧).

لكنّ الإنصاف : أنّ هذا خلاف ظاهر كلماتهم ؛ فإنّهم يطلقون المثلي على جنس الحنطة والشعير ونحوهما ، مع عدم صدق التعريف‌

__________________

(١) في «ف» : الحنطة.

(٢) قاله المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٠ : ٥٢٢ ٥٢٣.

(٣) في غير «ش» : منه.

(٤) كذا في «ن» ، وفي «ش» : «لأجزاء» ، وفي سائر النسخ : للأجزاء.

(٥) في غير «ش» : متساوية.

(٦) في «ف» : الصنف الآخر.

(٧) انظر مجمع الفائدة ١٠ : ٥٢٥ ٥٢٦.

٢١١

عليه ، وإطلاق المثلي على الجنس باعتبار مثليّة أنواعه أو أصنافه وإن لم يكن بعيداً ، إلاّ أنّ انطباق التعريف على الجنس بهذا الاعتبار بعيد جدّاً ، إلاّ أن يُهملوا خصوصيّات الأصناف الموجبة لزيادة القيمة ونقصانها ، كما التزمه بعضهم (١).

غاية الأمر وجوب رعاية الخصوصيّات عند أداء المثل عوضاً عن التالف ، أو القرض ، وهذا أبعد.

هذا ، مضافاً إلى أنّه يشكل اطّراد التعريف بناءً على هذا ، بأنّه :

إن أُريد تساوي الأجزاء من صنف واحد من حيث القيمة تساوياً حقيقيّا ، فقلّ ما (٢) يتّفق ذلك في الصنف الواحد من النوع ؛ لأنّ أشخاص ذلك الصنف لا تكاد تتساوى في القيمة ؛ لتفاوتها بالخصوصيّات الموجبة لزيادة الرغبة ونقصانها ، كما لا يخفى.

وإن أُريد تقارب أجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة وإن لم يتساو حقيقة ، تحقّق ذلك في أكثر القيميّات ؛ فإنّ لنوع الجارية أصنافاً متقاربة في الصفات الموجبة لتساوي القيمة ، وبهذا الاعتبار يصحّ السلَم فيها ، ولذا اختار العلاّمة في باب القرض من التذكرة على ما حكي عنه (٣) أنّ ما يصحّ فيه السلَم من القيميّات مضمون في القرض بمثله (٤).

__________________

(١) لم نقف عليه بعينه ، ولعلّه ينظر إلى ما قاله الشهيد الثاني وغيره في المثلي : من أنّ المثل ما يتساوى قيمة أجزائه ، أي أجزاء النوع الواحد منه ، انظر المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٨ ، والكفاية : ٢٥٧ وغيرهما.

(٢) في مصحّحة «ص» : فإنّه قلّما.

(٣) عبارة «على ما حكي عنه» لم ترد في «ش» ، وشطب عليها في «ن».

(٤) التذكرة ٢ : ٥.

٢١٢

وقد عدّ الشيخ في المبسوط الرطب والفواكه من القيميّات (١) ، مع أنّ كلّ نوعٍ منها مشتمل على أصناف متقاربة في القيمة ، بل متساوية عرفاً.

ثمّ لو فرض أنّ الصنف المتساوي من حيث القيمة في الأنواع القيميّة عزيز الوجود بخلاف الأنواع المثليّة ، لم يوجب ذلك إصلاح طرد التعريف. نعم ، يوجب ذلك الفرق بين النوعين في حكمة الحكم بضمان المثلي بالمثل ، والقيمي بالقيمة.

تعارف اُخرى للمثلي

ثمّ إنّه قد (٢) عُرِّف المثلي بتعاريف أُخر أعمّ من التعريف المتقدّم أو أخصّ :

فعن التحرير : أنّه ما تماثلت أجزاؤه وتقاربت صفاته (٣).

وعن الدروس والروضة : أنّه المتساوي الأجزاء والمنفعة ، المتقارب الصفات (٤) ، وعن المسالك والكفاية : أنّه أقرب التعريفات إلى السلامة (٥).

وعن غاية المراد : ما تساوى أجزاؤه في الحقيقة النوعية (٦).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٩٩.

(٢) لم ترد «قد» في «ف».

(٣) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٢ ، وانظر التحرير ٢ : ١٣٩ ، وفيه : «ويتفاوت صفاته» ، ولم نقف على غيره.

(٤) الدروس ٣ : ١١٣ ، الروضة البهية ٧ : ٣٦.

(٥) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٨ ، الكفاية : ٢٥٧ ، واللفظ للأخير ، وحكاه عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٢.

(٦) غاية المراد : ١٣٥ ، وفيه : ما تتساوى.

٢١٣

وعن بعض العامّة : أنّه ما قدّر بالكيل أو الوزن (١).

وعن آخر منهم زيادة : جواز بيعه سلماً (٢).

وعن ثالث منهم زيادة : جواز بيع بعضه ببعض (٣) ، إلى غير ذلك ممّا حكاه في التذكرة عن العامّة (٤).

ثمّ (٥) لا يخفى أنّه ليس للفظ «المثلي» حقيقة شرعيّة ولا متشرّعيّة (٦) ، وليس المراد معناه اللغوي ؛ إذ المراد بالمثل لغةً : المماثل ، فإن أُريد من جميع الجهات فغير منعكس ، وإن أُريد من بعضها ، فغير مطّرد.

وليس في النصوص حكم يتعلّق بهذا العنوان حتّى يبحث عنه. نعم ، وقع هذا العنوان في معقد إجماعهم (٧) على أنّ المثلي يضمن بالمثل ، وغيره بالقيمة ، ومن المعلوم أنّه لا يجوز الاتّكال في تعيين معقد الإجماع على قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين.

وحينئذٍ فينبغي أن يقال : كلّ ما كان مثلياً باتّفاق المجمعين‌

__________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ٣١٧ ، والمغني ؛ لابن قدامة ٥ : ٢٣٩ ٢٤٠ ، والمحلّى ٦ : ٤٣٧.

(٢) انظر مغني المحتاج ٢ : ٢٨١.

(٣) لم نقف عليه في ما بأيدينا من كتب العامّة.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٨١.

(٥) في «ف» : ثمّ إنّه.

(٦) في النسخ : ولا متشرّعة.

(٧) انظر جامع المقاصد ٦ : ٢٤٥ ، والرياض ٢ : ٣٠٣ ، والمناهل : ٢٩٩ ، ومفتاح الكرامة ٦ : ٢٤١ ، والجواهر ٣٧ : ٨٥.

٢١٤

فلا إشكال في ضمانه بالمثل ؛ للإجماع ، ويبقى ما كان مختلفاً فيه بينهم ، كالذهب والفضّة الغير المسكوكين ، فإنّ صريح الشيخ في المبسوط كونهما من القيميّات (١) ، وظاهر غيره (٢) كونهما مثليين ، وكذا الحديد والنحاس والرصاص ؛ فإنّ ظواهر عبائر المبسوط (٣) والغنية (٤) والسرائر (٥) كونها قيميّة.

وعبارة التحرير صريحة في كون أُصولها مثليّة وإن كان المصوغ منها قيميّاً (٦).

وقد صرّح الشيخ في المبسوط : بكون الرطب والعنب قيميّاً (٧) ، والتمر والزبيب مثليّا (٨).

وقال في محكي المختلف : إنّ في الفرق إشكالاً (٩) ، بل صرّح بعض‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٦١.

(٢) كالمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٤٠ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ١٣٩ ، والتذكرة ٢ : ٣٨٤ ، والمختلف ٦ : ١٢٢ ، والشهيد في الدروس ٣ : ١١٦ ، ونسبه الشهيد الثاني إلى المشهور ، انظر المسالك ٢ : ٢٠٩ ، ومثله في الكفاية : ٢٥٨.

(٣) المبسوط ٣ : ٦٠.

(٤) الغنية : ٢٧٨.

(٥) السرائر ٢ : ٤٨٠.

(٦) التحرير ٢ : ١٣٩.

(٧) كذا في النسخ ، والمناسب : «قيميّين» ، كما في مصحّحة «ص» ، وهكذا الكلام في «مثليّا».

(٨) انظر المبسوط ٣ : ٩٩ ١٠٠.

(٩) المختلف ٦ : ١٣٥.

٢١٥

من قارب عصرنا بكون الرطب والعنب مثليّين (١).

وقد حكي عن موضعٍ من جامع المقاصد : أنّ الثوب مثليّ (٢) ، والمشهور خلافه. وأيضاً فقد مثّلوا للمثلي بالحنطة والشعير (٣) ، ولم يعلم أنّ المراد نوعهما أو كلّ صنف؟ وما المعيار في الصنف؟ وكذا التمر.

ما هو الأصل فيما يشكّ في كونه مثلياً أو قيمياً؟

والحاصل : أنّ موارد عدم تحقّق الإجماع على المثليّة فيها كثيرة ، فلا بدّ من ملاحظة أنّ الأصل الذي يرجع إليه عند الشكّ هو الضمان بالمثل ، أو بالقيمة ، أو تخيير المالك أو الضامن بين المثل والقيمة؟

ولا يبعد أن يقال : إنّ الأصل هو تخيير الضامن ؛ لأصالة براءة ذمّته عمّا زاد على ما يختاره ، فإن فُرِض إجماعٌ على خلافه فالأصل تخيير المالك ؛ لأصالة عدم براءة ذمّته بدفع ما لا يرضى به المالك ، مضافاً إلى عموم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (٤) فإنّ مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير أداء العين ، خرج ما إذا رضي المالك بشي‌ءٍ آخر.

والأقوى : تخيير المالك من أوّل الأمر ؛ لأصالة الاشتغال ، والتمسّك بأصالة البراءة لا يخلو من منع.

__________________

(١) صرّح به المحقّق القميّ في جامع الشتات (الطبعة الحجرية) ٢ : ٥٤٣ ٥٤٤.

(٢) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٩ ، وانظر جامع المقاصد ٦ : ٢٥٠.

(٣) كما في جامع المقاصد ٦ : ٢٤٣ ، والروضة البهية ٧ : ٣٦ ، ومجمع الفائدة ١٠ : ٥٢٢.

(٤) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦ و ٣٨٩ ، الحديث ٢٢.

٢١٦

نعم ، يمكن أن يقال بعد عدم الدليل لترجيح أحد الأقوال ، والإجماع على عدم تخيير المالك ـ : التخيير في الأداء من جهة دوران الأمر بين المحذورين ، أعني : تعيّن المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة ولا للضامن الامتناع ، وتعيين (١) القيمة كذلك ، فلا متيقّن في البين ، ولا يمكن البراءة اليقينية عند التشاحّ ، فهو من باب تخيير المجتهد في الفتوى ، فتأمّل.

مقتضى القاعدة : الضمان بالمثل ثمّ بالقيمة من النقدين

هذا ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ القاعدة المستفادة من إطلاقات الضمان في المغصوبات والأمانات المفرّط فيها ، وغير ذلك ، هو الضمان بالمثل ؛ لأنّه أقرب إلى التالف من حيث الماليّة والصفات ، ثمّ بعده قيمة التالف من النقدين وشبههما ؛ لأنّهما (٢) أقرب من حيث الماليّة ؛ لأنّ ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف بعد إرجاعه إليهما.

ولأجل الاتّكال على هذا الظهور لا تكاد تظفر على موردٍ واحد من هذه الموارد على كثرتها قد نصّ الشارع فيه على ذكر المضمون به ، بل كلّها إلاّ ما شذّ وندر قد أُطلق فيها الضمان ، فلولا الاعتماد على ما هو المتعارف لم يحسن من الشارع إهماله في موارد البيان.

الاستدلال على ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة بآية الاعتداء

وقد استدلّ في المبسوط (٣) والخلاف (٤) على ضمان المثلي بالمثل ، والقيمي بالقيمة بقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ

__________________

(١) في غير «ش» : وبين تعيين.

(٢) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : لأنّه.

(٣) المبسوط ٣ : ٦٠.

(٤) الخلاف ٣ : ٤٠٢ و ٤٠٦ ، كتاب الغصب ، المسألة ١١ و ١٨.

٢١٧

مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١) بتقريب : أنّ مماثل «ما اعتدى» هو المثل في المثلي ، والقيمة في غيره ، واختصاص الحكم بالمتلف عدواناً (٢) لا يقدح بعد عدم القول بالفصل.

وربما يناقش في الآية بأنّ مدلولها اعتبار المماثلة في مقدار الاعتداء لا المعتدى به (٣) ، وفيه نظر.

المناقشة في الاستدلال

نعم ، الإنصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليه (٤) بالقول المشهور ؛ لأنّ مقتضاهما وجوب المماثلة العرفية في الحقيقة والماليّة ، وهذا يقتضي اعتبار المثل حتّى في القيميّات ، سواءً وجد المثل فيها أم لا.

أمّا مع وجود المثل فيها ، كما لو أتلف ذراعاً من كرباس طوله عشرون ذراعاً متساوية من جميع الجهات ، فإنّ مقتضى العرف والآية : إلزام الضامن بتحصيل ذراع آخر من ذلك ولو بأضعاف قيمته ودفعه إلى مالك الذراع المتلف ، مع أنّ القائل بقيمية الثوب لا يقول به ، وكذا لو أتلف عليه عبداً وله في ذمّة المالك بسبب القرض أو السلم عبد موصوف بصفات التالف ، فإنّهم لا يحكمون بالتهاتر القهريّ ، كما يشهد به ملاحظة كلماتهم في بيع عبدٍ من عبدين (٥).

__________________

(١) البقرة : ١٩٤.

(٢) لم ترد «عدواناً» في «ف».

(٣) المناقشة من السيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٣٠٣.

(٤) وهو استظهار الضمان بالمثل عرفاً من إطلاقات أدلّة الضمان في الصفحة السابقة بقوله : ولكن يمكن أن يقال .. إلخ.

(٥) راجع الخلاف ٣ : ٢١٧ ، كتاب السلم ، المسألة ٣٨ ، والشرائع ٢ : ١٨ ، والدروس ٣ : ٢٠١ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٣٥٣.

٢١٨

نعم ، ذهب جماعة منهم الشهيدان في الدروس والمسالك (١) إلى جواز ردّ العين المقترضة إذا كانت قيميّة ، لكن لعلّه من جهة صدق أداء القرض بأداء العين ، لا من جهة ضمان القيمي (٢) بالمثل ؛ ولذا اتّفقوا على عدم وجوب قبول غيرها وإن كان مماثلاً لها من جميع الجهات.

وأمّا مع عدم وجود المثل للقيميّ التالف ، فمقتضى الدليلين (٣) عدم سقوط المثل من الذمّة بالتعذّر ، كما لو تعذّر المثل في المثلي ، فيضمن بقيمته يوم الدفع كالمثلي ، ولا يقولون به.

وأيضاً ، فلو فرض نقصان المثل عن التالف من حيث القيمة نقصاناً فاحشاً ، فمقتضى ذلك عدم وجوب (٤) إلزام المالك بالمثل ؛ لاقتضائهما (٥) اعتبار المماثلة في الحقيقة والمالية ، مع أنّ المشهور كما يظهر من بعض (٦) إلزامه به وإن قوّى خلافه بعض (٧) ، بل ربما احتمل جواز دفع‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٣٢٠ ، المسالك ٣ : ٤٤٩.

(٢) كذا في «ش» و «ص» ومصحّحة «خ» ، «م» ، «ع» ونسخة بدل «ن» ، وفي «ف» : المثلي ، وفي «ن» : القيمية.

(٣) أي : الاستظهار العرفي والآية.

(٤) في شرح الشهيدي : الصواب «الجواز» بدل «الوجوب» كما لا يخفى ، انظر هداية الطالب : ٢٣١.

(٥) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «خ» ، وفي سائر النسخ : لاقتضائها.

(٦) انظر مفتاح الكرامة ٦ : ٢٥٢ ، والجواهر ٣٧ : ٩٩.

(٧) قوّاه الشهيد قدس‌سره في الدروس ٣ : ١١٣ ، ولكنّه فيما لو خرج المثلي عن القيمة.

٢١٩

المثل ولو سقط من القيمة بالكلّية (١) وإن كان الحقّ خلافه.

فتبيّن : أنّ النسبة بين مذهب المشهور ومقتضى العرف والآية عموم من وجه ، فقد يضمن بالمثل بمقتضى الدليلين ولا يضمن به عند المشهور ، كما في المثالين المتقدّمين (٢) ، وقد ينعكس الحكم كما في المثال الثالث (٣) ، وقد يجتمعان في المضمون به كما في أكثر الأمثلة.

ثمّ إنّ الإجماع على ضمان القيمي بالقيمة على تقدير تحقّقه لا يجدي بالنسبة إلى ما لم يجمعوا على كونه قيميّاً ، ففي موارد الشكّ يجب الرجوع إلى المثل بمقتضى الدليل السابق (٤) وعموم الآية (٥) ؛ بناءً على ما هو الحقّ المحقّق : من أنّ العام المخصّص بالمجمل مفهوماً ، المتردّد بين الأقلّ والأكثر لا يخرج عن الحجّية بالنسبة إلى موارد الشكّ.

ما اُجمع على كونه مثلياً يضمن بالمثل

فحاصل الكلام : أنّ ما أجمع على كونه مثليّا يضمن بالمثل ، مع مراعاة الصفات التي تختلف بها الرغبات وإن فرض نقصان قيمته في زمان الدفع أو مكانه (٦) عن قيمة التالف ؛ بناءً على تحقّق الإجماع على إهمال هذا التفاوت ، مضافاً إلى الخبر الوارد في أنّ الثابت في ذمّة من‌

__________________

(١) احتمله العلاّمة في القواعد ١ : ٢٠٤.

(٢) يعني : مثالي إتلاف الكرباس وإتلاف العبد ، المتقدّمين في الصفحة ٢١٨.

(٣) هو ما لو فرض نقصان قيمة المثل عن قيمة التالف نقصاناً فاحشاً.

(٤) تقدّم في الصفحة ٢١٧ المشار إليه بقوله : ولكن يمكن أن يقال ..

(٥) المتقدّمة في الصفحة ٢١٧ ٢١٨.

(٦) لم ترد «مكانه» في «ف».

٢٢٠