كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

الاستدلال على الضمان

ويدلّ عليه : النبويّ المشهور : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (١).

والخدشة في دلالته : بأنّ كلمة «على» ظاهرة في الحكم التكليفي فلا يدلّ على الضمان ، ضعيفة جدّاً ؛ فإنّ هذا الظهور إنّما هو إذا أُسند الظرف إلى فعلٍ من أفعال المكلّفين ، لا إلى مالٍ من الأموال ، كما يقال : «عليه دين» ، فإنّ لفظة «على» حينئذٍ لمجرّد الاستقرار في العهدة ، عيناً كان أو ديناً ؛ ومن هنا كان المتّجه صحّة الاستدلال به على ضمان الصغير ، بل المجنون إذا لم يكن يدهما ضعيفة ؛ لعدم التمييز (٢) والشعور.

ويدلّ على الحكم المذكور أيضاً : قوله عليه‌السلام في الأمة المبتاعة إذا وُجِدت مسروقة بعد أن أولدها المشتري : إنّه (٣) «يأخذ الجارية صاحبها ، ويأخذ الرجل ولده بالقيمة» (٤) ، فإنّ ضمان الولد بالقيمة مع كونه نماءً لم يستوفه المشتري يستلزم ضمان الأصل بطريقٍ أولى ، وليس (٥) استيلادها من قبيل إتلاف النماء ، بل من قبيل إحداث نمائها (٦) غيرَ قابلٍ للملك ، فهو كالتالف لا المتلَف (٧) ، فافهم.

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦ و ٣٨٩ ، الحديث ٢٢.

(٢) كذا في «ن» ، وفي سائر النسخ : التميّز.

(٣) لم ترد «إنّه» في «ف».

(٤) الوسائل ١٤ : ٥٩٢ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٣.

(٥) في «ش» : فليس.

(٦) في «ش» : إنمائها.

(٧) في «ش» : لا كالمتلف.

١٨١

قاعدة ما يضمن بصحيحه وعكسها

ثمّ إنّ هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة «كلّ عقدٍ يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» وهذه القاعدة أصلاً وعكساً وإن لم أجدها بهذه العبارة في كلام من تقدّم على العلاّمة ، إلاّ أنّها تظهر من كلمات الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) ، فإنّه علّل الضمان في غير واحدٍ من العقود الفاسدة : بأنّه دخل على أن يكون المال مضموناً عليه.

وحاصله : أنّ قبض المال مُقْدِماً على ضمانه بعوضٍ واقعيّ أو جعلي موجب للضمان ، وهذا المعنى يشمل المقبوض (٢) بالعقود الفاسدة التي تضمن بصحيحها.

وذكر أيضاً في مسألة عدم الضمان في الرهن الفاسد : أنّ صحيحه لا يوجب الضمان فكيف يضمن بفاسده (٣)؟ وهذا يدلّ على العكس المذكور.

ولم أجد من تأمّل فيها عدا الشهيد في المسالك فيما لو فسد عقد السبق في أنّه (٤) يستحقّ السابق اجرة المثل أم لا؟ (٥).

الكلام في معنى القاعدة

وكيف كان ، فالمهمّ بيان معنى القاعدة أصلاً وعكساً ، ثمّ بيان المدرك فيها.

__________________

(١) راجع المبسوط ٣ : ٥٨ ، ٦٥ ، ٦٨ ، ٨٥ و ٨٩.

(٢) في «ش» : القبوض.

(٣) المبسوط ٢ : ٢٠٤.

(٤) كذا في «ف» وهامش «خ» و «م» ، وفي سائر النسخ : بدل «في أنّه» : فهل.

(٥) المسالك ٦ : ١١٠.

١٨٢

معنى «العقد»

فنقول ومن الله الاستعانة : إنّ المراد ب «العقد» أعمّ من الجائز واللازم ، بل ممّا كان فيه شائبة الإيقاع أو كان أقرب إليه ، فيشمل الجعالة والخلع.

معنى «الضمان»

والمراد بالضمان في الجملتين : هو كون دَرَك المضمون ، عليه ، بمعنى كون خسارته ودَرَكه في ماله الأصلي ، فإذا تلف وقع نقصان فيه ؛ لوجوب تداركه منه ، وأمّا مجرّد كون تلفه في ملكه بحيث يتلف مملوكاً له كما يتوهّم (١) فليس هذا معنى للضمان أصلاً ، فلا يقال : إنّ الإنسان ضامنٌ لأمواله.

ثمّ تداركه من ماله ، تارةً يكون بأداء عوضه الجعلي الذي تراضى هو والمالك على كونه عوضاً وأمضاه الشارع ، كما في المضمون بسبب العقد الصحيح.

وأُخرى بأداء عوضه الواقعي وهو المثل أو القيمة وإن لم يتراضيا عليه.

وثالثة بأداء أقلّ الأمرين من العوض الواقعي والجعلي ، كما ذكره بعضهم في بعض المقامات (٢) مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض.

__________________

(١) قيل : إنّه الشيخ علي في حواشي الروضة في تفسير القاعدة. انظر غاية الآمال : ٢٧٧ ، وهداية الطالب : ٢١٠ ، ولعلّ المراد من الشيخ علي المذكور هو صاحب «الدرّ المنثور» حفيد صاحب المعالم ، انظر الذريعة ١٢ : ٦٧.

(٢) ذكره المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ١٧٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ٦ : ٦٣.

١٨٣

فإذا ثبت هذا ، فالمراد بالضمان بقولٍ مطلق ، هو لزوم تداركه بعوضه الواقعي ؛ لأنّ هذا هو التدارك حقيقة ، ولذا (١) لو اشترط (٢) ضمان العارية لزم غرامة مثلها أو قيمتها. ولم يرد في أخبار ضمان المضمونات (٣) من المغصوبات وغيرها عدا لفظ «الضمان» بقولٍ مطلق.

وأمّا تداركه بغيره فلا بدّ من ثبوته من طريقٍ آخر ، مثل تواطئهما عليه بعقدٍ صحيح يُمضيه الشارع.

فاحتمال : أن يكون المراد بالضمان في قولهم : «يضمن بفاسده» هو وجوب أداء العوض المسمّى نظير الضمان في العقد الصحيح ـ ، ضعيف في الغاية (٤) ، لا لأنّ ضمانه بالمسمّى يخرجه من فرض الفساد ؛ إذ يكفي في تحقّق فرض الفساد بقاءُ كلٍّ من العوضين على ملك مالكه وإن كان عند تلف أحدهما يتعيّن الآخر للعوضيّة نظير المعاطاة على القول بالإباحة بل لأجل ما عرفت من معنى الضمان ، وأنّ التدارك بالمسمّى (٥) في الصحيح لإمضاء الشارع ما تواطئا على عوضيّته ، لا لأنّ‌

__________________

(١) في «ف» : ولهذا.

(٢) في «ع» و «ص» : «شرط» ، وكتب فوق الكلمة في «ص» : اشترط.

(٣) انظر الوسائل ١٣ : ٢٥٧ ٢٥٨ ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الإجارة ، الأحاديث ٢ ٦ ، و ١٣ : ٢٧١ و ٢٧٦ ، الباب ٢٩ و ٣٠ ، و ١٩ : ١٧٩ ١٨٢ ، الباب ٨ ١١ من كتاب الديات وغيرها.

(٤) قال المحقّق المامقاني بعد نقل العبارة ـ : تعريض بما في شرح القواعد ، انظر غاية الآمال : ٢٧٩ ، وشرح القواعد للشيخ الكبير كاشف الغطاء (مخطوط) : الورقة ٥٢.

(٥) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : المسمّى.

١٨٤

معنى الضمان في الصحيح مغاير لمعناه في الفاسد حتى يوجب ذلك تفكيكاً في العبارة ، فافهم.

عموم «العقود» ليس باعتبار الأنواع

ثمّ العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الأنواع ليكون أفراده مثل البيع والصلح والإجارة ونحوها ؛ لجواز كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان ، وإنّما المقتضي له بعض أصنافه ، فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف ، مثلاً الصلح بنفسه لا يوجب الضمان ؛ لأنّه قد لا يفيد إلاّ فائدة الهبة الغير المعوّضة أو الإبراء ، فالموجب للضمان هو المشتمل على المعاوضة ، فالفرد الفاسد من هذا القسم موجب (١) للضمان أيضاً ، ولا يلتفت إلى أنّ نوع الصلح الصحيح من حيث هو لا يوجب ضماناً فلا يضمن بفاسده ، وكذا الكلام في الهبة المعوّضة ، وكذا عارية الذهب والفضّة.

نعم ، ذكروا في وجه عدم ضمان الصيد الذي استعاره المحرم : أنّ صحيح العارية لا يوجب الضمان فينبغي أن لا يضمن بفاسدها (٢) ، ولعلّ المراد عارية غير الذهب والفضّة ، وغير المشروط ضمانها.

ثمّ المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضاؤه له بنفسه ، فلو اقتضاه الشرط المتحقّق (٣) في ضمن العقد الصحيح ، ففي الضمان بالفاسد‌

__________________

(١) في «ف» : يوجب.

(٢) انظر المسالك ٥ : ١٣٩ ، والحدائق ٢١ : ٤٨٩ ، ومفتاح الكرامة ٦ : ٥٦ وغيرها ، وسوف يجي‌ء الكلام في المسألة عند التعرّض للإشكال في اطّراد القاعدة في الصفحة ١٩٥.

(٣) في «ف» : المحقّق.

١٨٥

من هذا الفرد المشروط فيه الضمان تمسّكاً بهذه القاعدة إشكال ، كما لو استأجر إجارة فاسدة واشترط فيها ضمان العين ، وقلنا بصحّة هذا الشرط ، فهل يضمن بهذا الفاسد لأنّ صحيحة يضمن به (١) ولو لأجل الشرط ، أم لا؟ وكذا الكلام في الفرد الفاسد من العارية المضمونة.

ويظهر من الرياض اختيار الضمان بفاسدها مطلقاً (٢) ، تبعاً لظاهر المسالك (٣). ويمكن جعل الهبة المعوّضة من هذا القبيل ؛ بناءً على أنّها هبة مشروطة لا معاوضة.

وربما يحتمل في العبارة أن يكون معناه : أنّ كلّ شخصٍ من العقود يضمن به لو كان صحيحاً ، يضمن به مع الفساد.

ويترتّب (٤) عليه عدم الضمان فيما (٥) لو استأجر بشرط أن لا اجرة كما اختاره الشهيدان (٦) ، أو باع بلا ثمن ، كما هو أحد وجهي العلاّمة في القواعد (٧).

ويضعّف : بأنّ الموضوع هو العقد الذي يوجد (٨) له بالفعل صحيح‌

__________________

(١) لم ترد «به» في «ف».

(٢) انظر الرياض ١ : ٦٢٥.

(٣) المسالك ٥ : ١٣٩ ١٤١.

(٤) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : ورتب.

(٥) لم ترد «فيما» في «ف».

(٦) نقله المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ١٢٠ ، عن حواشي الشهيد ، ولكنّها لا توجد لدينا ، ونقله الشهيد الثاني أيضاً في المسالك ٥ : ١٨٤ ، وقال : وهو حسن.

(٧) القواعد ١ : ١٣٤.

(٨) كذا في «ف» ، وفي غيرها : وجد.

١٨٦

وفاسد ، لا ما يفرض تارةً صحيحاً وأُخرى فاسداً ، فالمتعيّن بمقتضى هذه القاعدة : الضمان في مسألة البيع ؛ لأنّ البيع الصحيح يضمن به.

نعم ، ما ذكره بعضهم من التعليل لهذه القاعدة : بأنّه أقدم على العين (١) مضمونة عليه ، لا يجري في هذا الفرع ، لكنّ الكلام في معنى القاعدة ، لا في مدركها.

معنى «الباء» في «بصحيحه» و «بفاسده»

ثمّ إنّ لفظة «الباء» في «بصحيحه» و «بفاسده» ، إمّا بمعنى «في» ، بأن يراد : كلّ ما تحقّق الضمان في صحيحه تحقّق في فاسده ، وإمّا لمطلق السببيّة الشامل للناقصة لا العلّة التامّة ؛ فإنّ العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان إلاّ بعد القبض ، كما في السلم والصرف ، بل مطلق البيع ، حيث إنّ المبيع قبل القبض مضمون على البائع ، بمعنى أنّ دَرَكَه عليه ، ويتداركه بردّ الثمن ، فتأمّل ، وكذا الإجارة والنكاح والخلع ؛ فإنّ المال في ذلك كلّه مضمون على من انتقل عنه إلى أن يتسلّمه من انتقل إليه.

وأمّا العقد الفاسد ، فلا يكون علّة تامّة أبداً ، بل يفتقر في ثبوت الضمان به (٢) إلى القبض فقبله لا ضمان ، فجعل الفاسد سبباً : إمّا لأنّه المنشأ للقبض على وجه الضمان الذي هو سبب للضمان ، وإمّا لأنّه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض ؛ ولذا علّل الضمان الشيخ (٣) وغيره (٤)

__________________

(١) كالشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٤.

(٢) لم ترد «به» في غير «ف».

(٣) تقدّم في الصفحة ١٨٢.

(٤) مثل الشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٤ ، و ٤ : ٥٦.

١٨٧

بدخوله على أن تكون العين مضمونة عليه ، ولا ريب أنّ دخوله على الضمان إنّما هو بإنشاء العقد الفاسد ، فهو سبب لضمان ما يقبضه.

والغرض من ذلك كلّه : دفع ما يتوهّم أنّ سبب الضمان في الفاسد هو القبض ، لا العقد الفاسد ، فكيف يقاس الفاسد على الصحيح في سببيّة الضمان ويقال : كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده؟

وقد ظهر من ذلك أيضاً : فساد توهّم أنّ ظاهر القاعدة عدم توقّف الضمان في الفاسد على (١) القبض ، فلا بدّ من تخصيص القاعدة بإجماعٍ ونحوه.

الكلام في مدرك القاعدة الاستدلال بقاعدة الإقدام وخبر «على اليد»

ثمّ إنّ المدرك لهذه الكلية على ما ذكره في المسالك في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعاً بعد انقضاء الأجل (٢) هو : إقدام الآخذ على الضمان ، ثمّ أضاف إلى ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (٣).

والظاهر أنّه تبع في استدلاله بالإقدام الشيخ في المبسوط (٤) ، حيث علّل الضمان في موارد كثيرة من البيع والإجارة الفاسدين ـ : بدخوله على أن يكون المال مضموناً عليه بالمسمّى ، فإذا لم يسلّم له المسمّى رجع إلى المثل أو القيمة.

المناقشة في الاستدلال بقاعدة الإقدام

وهذا الوجه لا يخلو عن (٥) تأمّل ؛ لأنّهما إنّما أقدما وتراضيا‌

__________________

(١) كذا في «ن» ، وفي سائر النسخ : إلى.

(٢) المسالك ٤ : ٥٦.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦ ، و ١ : ٣٨٩ ، الحديث ٢٢.

(٤) تقدّم في الصفحة ١٨٢.

(٥) في «ف» : من.

١٨٨

وتواطئا بالعقد الفاسد على ضمانٍ خاصّ ، لا الضمان بالمثل أو القيمة (١) ، والمفروض عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان الخاصّ ، ومطلق الضمان لا يبقى بعد انتفاء الخصوصية حتى يتقوّم بخصوصيّة اخرى ، فالضمان بالمثل أو القيمة إن ثبت ، فحكم شرعي تابع لدليله وليس ممّا أقدم عليه المتعاقدان.

هذا كلّه ، مع أنّ مورد هذا التعليل أعمّ من وجه من المطلب ؛ إذ قد يكون الإقدام موجوداً ولا ضمان ، كما (٢) قبل القبض ، وقد لا يكون إقدام في العقد الفاسد مع تحقّق الضمان ، كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع على البائع إذا تلف في يد المشتري ، وكما إذا قال : «بعتك بلا ثمن» أو «آجرتك بلا اجرة».

نعم ، قوّى الشهيدان في الأخير عدم الضمان (٣) ، واستشكل العلاّمة في مثال البيع في باب السلم (٤).

وبالجملة ، فدليل الإقدام مع أنّه مطلب يحتاج إلى دليل لم نحصّله منقوض طرداً وعكساً.

المناقشة في الاستدلال بخبر «على اليد»

وأمّا خبر اليد (٥) فدلالته وإن كانت ظاهرة وسنده منجبراً ، إلاّ أنّ‌

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : والقيمة.

(٢) لم ترد «كما» في «ف».

(٣) تقدّم عنهما في الصفحة ١٨٦.

(٤) القواعد ١ : ١٣٤.

(٥) وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» ، عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦.

١٨٩

مورده مختصّ بالأعيان ، فلا يشمل المنافع والأعمال المضمونة في الإجارة الفاسدة.

الاستدلال بما دلّ على احترام مال المسلم وقاعدة نفي الضرر

اللهم إلاّ أن يستدلّ على الضمان فيها بما دلّ على احترام مال المسلم (١) ، وأنّه لا يحلّ مال امرئٍ (٢) إلاّ عن طيب نفسه (٣) ، وأنّ حرمة ماله كحرمة دمه (٤) ، وأنّه لا يصلح (٥) ذهاب حقّ أحد (٦) ، مضافاً إلى أدلّة نفي الضرر (٧) ، فكلّ عمل وقع من عاملٍ لأحدٍ بحيث يقع بأمره وتحصيلاً لغرضه ، فلا بدّ من أداء عوضه ؛ لقاعدتي الاحترام ونفي الضرار.

توجيه الاستدلال بقاعدة الاقدام

ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ ومن تبعه من الاستدلال على الضمان بالإقدام والدخول عليه : بيان أنّ العين والمنفعة اللذين (٨) تسلّمهما الشخص لم يتسلّمهما مجّاناً وتبرّعاً حتى لا يقضي احترامهما‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٧ : ٣٠٩ ، الباب الأوّل من أبواب الغصب ، الحديث ٤ ، وعوالي اللآلي ٣ : ٤٧٣ ، الأحاديث ١ ٥.

(٢) لم ترد «مال امرئ» في غير «ف».

(٣) الوسائل ٣ : ٤٢٥ ، الباب ٣ من أبواب مكان المصلّي ، الحديث ٣ ، مع اختلافٍ في اللفظ ، وعوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩.

(٤) الوسائل ٨ : ٥٩٩ ، الباب ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٩ ، والصفحة ٦١٠ ، الباب ١٥٨ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٣.

(٥) في غير «ش» : لا يصحّ.

(٦) الوسائل ١٣ : ٣٩٠ ، الباب ٢٠ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٣.

(٧) منها ما ورد في الوسائل ١٧ : ٣٤٠ ، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات.

(٨) كذا في النسخ ، والمناسب : اللتين.

١٩٠

بتداركهما بالعوض ، كما في العمل المتبرّع به والعين المدفوعة مجّاناً أو أمانة ، فليس دليل الإقدام دليلاً مستقلا ، بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضى اليد في الأموال واحترام الأعمال.

نعم ، في المسالك ذكر كلاّ من الإقدام واليد دليلاً مستقلا (١) ، فيبقى عليه ما ذكر سابقاً من النقض والاعتراض (٢).

الضمان فيما لا يرجع فيه نفع إلى الضامن

ويبقى الكلام حينئذٍ في بعض الأعمال المضمونة التي لا يرجع نفعها إلى الضامن ولم يقع بأمره ، كالسبق في المسابقة الفاسدة ، حيث حكم الشيخ (٣) والمحقّق (٤) وغيرهما (٥) بعدم استحقاق السابق اجرة المثل ، خلافاً لآخرين (٦) ، ووجهه : أنّ عمل العامل لم يعد نفعه إلى الآخر ، ولم يقع بأمره أيضاً ، فاحترام الأموال التي منها الأعمال لا يقضي بضمان‌

__________________

(١) المسالك ٣ : ١٥٤ ، و ٤ : ٥٦.

(٢) أمّا النقض ، فهو ما أفاده في الصفحة السابقة بقوله : «وبالجملة فدليل الإقدام .. منقوض طرداً وعكساً». وأمّا الاعتراض ، فهو ما ذكره في الصفحة ١٨٨ ١٨٩ بقوله : «لأنّهما إنّما أقدما وتراضيا وتواطئا بالعقد الفاسد على ضمان خاص لا الضمان بالمثل أو القيمة».

(٣) المبسوط ٦ : ٣٠٢ ، لكنّه نفى فيه استحقاق المسمّى ، وأمّا اجرة المثل فقد نسب إلى قومٍ ثبوته وإلى آخرين سقوطه.

(٤) الشرائع ٢ : ٢٤٠.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ٦ : ١٠٩ ١١٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٣٩.

(٦) منهم العلاّمة في القواعد ١ : ٢٦٣ ، والتذكرة ٢ : ٣٥٧ ، وولده فخر المحقّقين في الإيضاح ٢ : ٣٦٨ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ٣٣٧.

١٩١

الشخص له (١) ووجوب (٢) عوضه عليه ؛ لأنّه ليس كالمستوفي له ؛ ولذا كانت شرعيّته على خلاف القاعدة ، حيث إنّه بذل مالٍ في مقابل عملٍ لا ينفع الباذل ، وتمام الكلام في بابه.

لا فرق في الضمان بين جهل الدافع بالفساد ، وعلمه به

ثمّ إنّه لا فرق في ما ذكرنا من الضمان في الفاسد ، بين جهل الدافع بالفساد وبين علمه مع جهل القابض.

وتوهّم : أنّ الدافع في هذه الصورة هو الذي سلّطه عليه والمفروض أنّ القابض جاهل ، مدفوع : بإطلاق النصّ والفتوى ، وليس الجاهل مغروراً ؛ لأنّه أقدم على الضمان قاصداً ، وتسليط الدافع العالم لا يجعلها (٣) أمانة مالكية ؛ لأنّه دفعه على أنّه ملك المدفوع إليه ، لا أنّه أمانة عنده أو عارية ؛ ولذا لا يجوز له التصرّف فيه والانتفاع به ، وسيأتي تتمّة ذلك في مسألة بيع الغاصب مع علم المشتري (٤).

هذا كلّه في أصل الكلّية المذكورة.

الكلام في عكس القاعدة

وأمّا عكسها ، وهو : أنّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ،

فمعناه : أنّ كلّ عقدٍ لا يفيد صحيحه ضمان مورده ففاسده لا يفيد ضماناً ، كما في عقد الرهن والوكالة والمضاربة والعارية الغير المضمونة ، بل المضمونة بناءً على أنّ المراد بإفادة الصحيح للضمان إفادته بنفسه ، لا بأمرٍ خارج عنه ، كالشرط الواقع في متنه وغير ذلك من العقود اللازمة والجائزة.

__________________

(١) لم ترد «له» في «ف».

(٢) في «ف» : أو وجوب.

(٣) كذا في النسخ.

(٤) عبارة «ثمّ إنّه لا فرق إلى علم المشتري» لم ترد في «ف».

١٩٢

هل تضمن العين المستأجرة فاسدا؟

ثمّ إنّ مقتضى ذلك عدم ضمان العين المستأجرة فاسداً ؛ لأنّ صحيح الإجارة غير مفيدٍ لضمانها كما صرّح به في القواعد (١) والتحرير (٢) وحكي عن التذكرة (٣) و (٤) إطلاق الباقي (٥) ، إلاّ أنّ صريح الرياض الحكم بالضمان ، وحكى فيها عن بعضٍ نسبته إلى المفهوم من كلمات الأصحاب (٦) ، والظاهر أنّ المحكيّ عنه هو المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة (٧).

وما أبعد ما بينه وبين ما عن جامع المقاصد ؛ حيث قال في باب الغصب : إنّ الذي يلوح من كلامهم هو (٨) عدم ضمان العين المستأجرة فاسداً باستيفاء المنفعة ، والذي ينساق إليه النظر هو الضمان ، لأنّ التصرّف فيه (٩) حرام ؛ لأنّه غصب فيضمنه ، ثمّ قال : إلاّ أنّ كون الإجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بصحيحها منافٍ لذلك ،

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٣٤.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٥٢ ، هذا وقد وردت الكلمة في أكثر النسخ هكذا : «ئر» ، ولكنّنا لم نقف عليه في السرائر ، فراجع.

(٣) التذكرة ٢ : ٣١٨.

(٤) لم ترد «و» في «ف».

(٥) كابن حمزة في الوسيلة : ٢٦٧ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ١٧٩ ، والشهيدين في اللمعة وشرحها (الروضة البهية) ٤ : ٣٣١.

(٦) الرياض ٢ : ٨.

(٧) مجمع الفائدة ١٠ : ٥٠.

(٨) لم ترد «هو» في «ف»

(٩) كذا في النسخ ، والمناسب : فيها.

١٩٣

فيقال : إنّه دخل على عدم الضمان بهذا الاستيلاء وإن لم يكن مستحقّاً والأصل براءة الذمّة من الضمان فلا تكون العين بذلك مضمونة ، ولو لا ذلك لكان المرتهن ضامناً مع فساد الرهن ؛ لأنّ استيلاءه بغير حقّ وهو باطل (١) ، انتهى.

منشأ الحكم بالضمان

ولعلّ الحكم بالضمان في المسألة :

إمّا لخروجها عن قاعدة «ما لا يضمن» ؛ لأنّ المراد بالمضمون مورد العقد ، ومورد العقد في الإجارة المنفعة ، فالعين يُرجع في حكمها إلى القواعد ، وحيث كانت في صحيح الإجارة أمانة مأذوناً فيها شرعاً ومن طرف المالك ، لم يكن فيه (٢) ضمان ، وأمّا في فاسدها ، فدفع المؤجر للعين إنّما هو للبناء على استحقاق المستأجر لها ؛ لحقّ الانتفاع فيه (٣) ، والمفروض عدم الاستحقاق ، فيده عليه (٤) يد عدوان موجبة للضمان.

وإمّا لأنّ (٥) قاعدة «ما لا يضمن» معارضة هنا بقاعدة اليد.

الأقوى عدم الضمان

والأقوى : عدم الضمان ، فالقاعدة المذكورة غير مخصّصة بالعين المستأجرة ، ولا متخصّصة.

الموارد التي توهم اطراد القاعدة فيها

١ ـ الصيد الذي استعاره المحرم

ثمّ إنّه يشكل اطّراد القاعدة في موارد :

منها : الصيد الذي استعاره المحرم من المحِلّ ؛

بناءً على فساد العارية ، فإنّهم حكموا بضمان المحرم له بالقيمة ، مع أنّ صحيح العارية‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٦ : ٢١٦.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب : فيها.

(٣) كذا في النسخ ، والمناسب : فيها.

(٤) كذا ، والمناسب : عليها.

(٥) كلمة «لأنّ» وردت في غير «ف» مستدركة.

١٩٤

لا يضمن به ، ولذا ناقش الشهيد الثاني في الضمان على تقديري الصحّة والفساد (١).

إلاّ أن يقال : إنّ وجه ضمانه بعد البناء على أنّه يجب على المحرم إرساله وأداء قيمته ـ : أنّ المستقرّ عليه قهراً (٢) بعد العارية هي القيمة لا العين ، فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الإتلاف الذي هو سبب لضمان ملك الغير في كلّ عقد ، لا بسبب التلف.

٢ ـ المنافع غير المستوفاة من المبيع فاسدا

ويشكل اطّراد القاعدة أيضاً في المبيع (٣) فاسداً بالنسبة إلى المنافع التي لم يستوفها ؛ فإنّ هذه المنافع غير مضمونة في العقد الصحيح ، مع أنّها مضمونة في العقد الفاسد ، إلاّ أن يقال : إنّ ضمان العين يستتبع ضمان المنافع في العقد الصحيح والفاسد ، وفيه نظر ؛ لأنّ نفس المنفعة غير مضمونة بشي‌ءٍ في العقد الصحيح ؛ لأنّ الثمن إنّما هو بإزاء العين دون المنافع.

٣ ـ حمل المبيع فاسدا

ويمكن نقض القاعدة أيضاً بحمل المبيع فاسداً ، على ما صرّح به في المبسوط (٤) والشرائع (٥) والتذكرة (٦) والتحرير (٧) : من كونه مضموناً على‌

__________________

(١) المسالك ٥ : ١٣٩.

(٢) لم ترد «قهراً» في «ف».

(٣) كذا في «ف» وظاهر «ن» ، وفي سائر النسخ : البيع.

(٤) المبسوط ٣ : ٦٥.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٣٦.

(٦) التذكرة ١ : ٤٩٦ ، و ٢ : ٣٩٧.

(٧) التحرير ٢ : ١٣٧.

١٩٥

المشتري ، خلافاً للشهيدين (١) والمحقّق الثاني (٢) وبعضٌ آخر (٣) تبعاً للعلاّمة في القواعد (٤) ، مع أنّ الحمل غير مضمون في البيع الصحيح ؛ بناءً على أنّه للبائع.

وعن الدروس توجيه كلام العلاّمة بما إذا اشترط الدخول في البيع (٥) ، وحينئذٍ لا نقض على القاعدة.

٤ ـ الشركة الفاسدة

ويمكن النقض أيضاً بالشركة الفاسدة ؛ بناءً على أنّه لا يجوز التصرّف بها ، فأخذ المال المشترك حينئذٍ عدواناً موجب للضمان.

مبنى عدم الضمان في عكس القاعدة هي الأولوية والمناقشة فيها

ثمّ إنّ مبنى هذه القضية السالبة على (٦) ما تقدّم من كلام الشيخ في المبسوط (٧) هي الأولوية ، وحاصلها : أنّ الرهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده؟

وتوضيحه : أنّ الصحيح من العقد إذا لم يقتضِ الضمان مع إمضاء الشارع له ، فالفاسد الذي هو بمنزلة العدم لا يؤثّر في الضمان ؛ لأنّ أثر الضمان إمّا من الإقدام على الضمان ، والمفروض عدمه ، وإلاّ لضمن‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٠٨ ، والروضة البهية ٧ : ٢٤ و ٢٥ ، والمسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٥.

(٢) جامع المقاصد ٦ : ٢٢٠.

(٣) مثل المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٠ : ٥١١.

(٤) القواعد ١ : ٢٠٢.

(٥) الدروس ٣ : ١٠٨ ، والعبارة في «ف» هكذا : إذا شرط الدخول في المبيع.

(٦) كلمة «على» وعبارة «هي الأولوية» وردتا في «ف» في الهامش استدراكاً.

(٧) تقدّمت في الصفحة ١٨٢.

١٩٦

بصحيحه ، وإمّا من (١) حكم الشارع بالضمان بواسطة هذه المعاملة الفاسدة ، والمفروض أنّها لا تؤثّر شيئاً.

ووجه الأولوية : أنّ الصحيح إذا كان مفيداً للضمان أمكن أن يقال : إنّ الضمان من مقتضيات الصحيح ، فلا يجري (٢) في الفاسد ؛ لكونه لغواً غير مؤثّر ، على ما سبق تقريبه : من أنّه أقدم على ضمان خاصّ ، والشارع لم يمضه فيرتفع أصل الضمان (٣).

المناقشة في الأولويّة

لكن يخدشها : أنّه يجوز أن يكون صحّة الرهن والإجارة المستلزمة لتسلّط المرتهن والمستأجر على العين شرعاً مؤثّرة في رفع الضمان ، بخلاف الفاسد الذي لا يوجب تسلّطاً لهما على العين ، فلا أولويّة.

فإن قلت : إنّ الفاسد وإن لم يكن له دخل في الضمان ، إلاّ أنّ مقتضى عموم «على اليد» هو الضمان ، خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي يكون مواردها غير مضمونة على القابض ، وبقي الباقي.

مدرك عكس القاعدة بنظر المؤلف

قلت : ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها ، وهي (٤) عموم ما دلّ على أنّ من لم يضمّنه المالك سواء ملّكه إيّاه بغير عوض ، أو سلّطه على الانتفاع به ، أو استأمنه عليه (٥) لحفظه ، أو دفعه إليه لاستيفاء حقّه ، أو العمل فيه بلا اجرة أو‌

__________________

(١) كلمة «من» من «ش» ومصحّحة «خ».

(٢) في «ف» : ولا يجري.

(٣) سبق تقريبه في الصفحة ١٨٩.

(٤) كذا في النسخ ، وفي «ف» غير واضحة ، والمناسب : هو.

(٥) في «ف» : أو استأمنه به.

١٩٧

معها أو غير ذلك فهو غير ضامن (١).

أمّا في غير التمليك بلا عوض أعني الهبة فالدليل المخصّص لقاعدة الضمان عموم ما دلّ على أنّ من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن (٢) ، بل ليس لك أن تتّهمه (٣) (٤).

وأمّا في الهبة الفاسدة ، فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم «اليد» : بفحوى ما دلّ على خروج صور (٥) الاستئمان (٦) ؛ فإنّ استئمان المالك لغيره على ملكه إذا اقتضى عدم ضمانه له ، اقتضى التسليط المطلق عليه مجّاناً عدم ضمانه بطريقٍ أولى. والتقييد بالمجّانية لخروج التسليط المطلق بالعوض ، كما في المعاوضات ؛ فإنّه عين التضمين.

فحاصل أدلّة عدم ضمان المستأمن : أنّ من دفع المالك إليه ملكه على وجهٍ لا يضمِّنه بعوض واقعي أعني المثل أو القيمة (٧) ولا جعلي ، فليس عليه ضمان.

__________________

(١) قال الشهيدي في شرحه : «لم نعثر بهذا الدليل» ، بل الظاهر من عبارة المصنّف فيما بعد عدم عثوره عليه أيضاً (هداية الطالب : ٢١٨).

(٢) راجع الوسائل ١٣ : ٢٢٧ ، الباب ٤ من أبواب أحكام الوديعة ، والصفحة ٢٧٠ ، الباب ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة ، الحديث الأوّل.

(٣) كما ورد في الحديث ٩ و ١٠ من الباب ٤ من أبواب أحكام الوديعة.

(٤) عبارة «بل ليس لك أن تتّهمه» لم ترد في «ف».

(٥) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ونسخة بدل «ش» ، وفي سائر النسخ بدل «صور» : مورد.

(٦) انظر الهامش ٢.

(٧) في «ن» ، «م» و «ش» : والقيمة.

١٩٨

[الثاني] (١)

وجوب ردّ المقبوض بالبيع الفاسد

الثاني من الأُمور المتفرّعة على عدم تملّك المقبوض بالبيع الفاسد ، وجوب ردّه فوراً إلى المالك. والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه على تقدير عدم جواز التصرّف فيه كما يلوح (٢) من مجمع الفائدة (٣) ، بل صرّح في التذكرة (٤) كما عن جامع المقاصد ـ : أنّ مئونة الردّ على المشتري لوجوب ما لا يتمّ الردّ إلاّ به (٥) ، وإطلاقه يشمل ما لو كان في ردّه مئونة كثيرة ، إلاّ أن يقيّد بغيرها بأدلّة نفي الضرر.

الاستدلال على وجوب الردّ وحرمة الإمساك

ويدلّ عليه : أنّ الإمساك آناً ما تصرّف في مال الغير بغير إذنه ، فلا يجوز ؛ لقوله عجّل الله فرجه : «لا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره إلاّ بإذنه» (٦).

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) الضمير في قوله «يلوح» عائد إلى عدم جواز التصرّف ، لا إلى نفي الخلاف ، كما صرّح به المحقّق المامقاني ، انظر غاية الآمال : ٢٨٦.

(٣) مجمع الفائدة ٨ : ١٩٢.

(٤) التذكرة ١ : ٤٩٥.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٤٣٥.

(٦) الوسائل ١٧ : ٣٠٩ ، الباب الأوّل من أبواب الغصب ، الحديث ٤.

١٩٩

ولو نوقش في كون الإمساك تصرّفاً ، كفى عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : «لا يحلّ مال امرئٍ مسلمٍ لأخيه إلاّ عن طيب نفسه» (٢) حيث يدلّ على تحريم جميع الأفعال المتعلّقة به ، التي منها كونه في يده.

وأمّا توهّم : أنّ هذا بإذنه حيث إنّه دفعه باختياره ، فمندفع : بأنّه إنّما ملّكه إيّاه عوضاً ، فإذا انتفت صفة العوضيّة باعتبار عدم سلامة العوض له شرعاً (٣) ، والمفروض أنّ كونه على وجه الملكيّة المجانيّة ممّا لم ينشئها المالك ، وكونه مالاً للمالك و (٤) أمانة في يده أيضاً ممّا لم يؤذن فيه ، ولو أذن له فهو استيداع جديد ، كما أنّه لو ملّكه مجّاناً كانت هبة جديدة.

الظاهر من المبسوط والسرائر عدم الإثم في الإمساك

هذا ، ولكنّ الذي يظهر من المبسوط (٥) : عدم الإثم في إمساكه (٦) ، وكذا السرائر ناسباً له إلى الأصحاب (٧) ، وهو ضعيف ، والنسبة غير ثابتة ، ولا يبعد إرادة صورة الجهل ؛ لأنّه لا يعاقب.

__________________

(١) في «ف» ، «ن» ، «خ» و «ع» : عليه‌السلام.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٢٥ ، الباب ٣ من أبواب مكان المصلّي ، الحديث ٣ ، باختلافٍ في اللفظ. ورواه في عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ و ٢٤٠ ، الحديث ٣٠٩ و ٦.

(٣) الظاهر سقوط جواب الشرط ، وهو «انتفى الإذن».

(٤) لم ترد «و» في «ف».

(٥) في غير «ف» و «ش» زيادة : «في قبضه معلّلاً بأنّه قبضه بإذن مالكه ، وقد تقدّم أيضاً من التحرير التصريح بعدم الإثم» ، وشطب عليها في «ن» ، ولعلّها كانت حاشية خلطت بالمتن ، ويشهد لذلك عدم تقدّم كلام من التحرير في المسألة ، ولم نقف في التحرير أيضاً على التصريح بعدم الإثم في الإمساك.

(٦) المبسوط ٢ : ١٤٩.

(٧) السرائر ٢ : ٣٢٦.

٢٠٠