كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

ثمّ إنّ المعيار في الموالاة موكول إلى العرف ، كما في الصلاة والقراءة والأذان ونحوها.

ويظهر من رواية سهل الساعدي المتقدّمة (١) في مسألة تقديم القبول جواز الفصل بين الإيجاب والقبول بكلامٍ طويل أجنبيّ ؛ بناءً على ما فهمه الجماعة من أنّ القبول فيها قول ذلك الصحابيّ : «زوّجنيها» ، والإيجاب قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد فصلٍ طويل : «زوّجتكها بما معك من القرآن» ؛ ولعلّ هذا موهنٌ آخر للرواية ، فافهم.

__________________

(١) راجع الصفحة ١٤٢ و ١٤٨.

١٦١

ومن جملة الشرائط التي ذكرها جماعة :

اشتراط التنجيز في العقد

التنجيز في العقد‌

بأن لا يكون معلّقاً على شي‌ء بأداة الشرط ، بأن يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشي‌ء ، لا في غيرها.

وممّن صرّح بذلك : الشيخ (١) والحليّ (٢) والعلاّمة (٣) وجميع من تأخّر عنه ، كالشهيدين (٤) والمحقّق الثاني (٥) وغيرهم (٦) قدّس الله تعالى أرواحهم.

وعن فخر الدين في شرح الإرشاد في باب الوكالة ـ : أنّ تعليق (٧) الوكالة على الشرط لا يصحّ عند الإمامية ، وكذا غيره من‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٩٩ ، والخلاف ٣ : ٣٥٤ ، كتاب الوكالة ، المسألة ٢٣.

(٢) السرائر ٢ : ٩٩.

(٣) التذكرة ٢ : ١١٤ و ٤٣٣ ، والقواعد ١ : ٢٥٢ و ٢٦٦ ، و ٢ : ٤ ، وغيرها.

(٤) اللمعة الدمشقية وشرحها (الروضة البهية) ٣ : ١٦٨ ، الدروس ٢ : ٢٦٣ ، والمسالك ٥ : ٢٣٩ و ٣٥٧.

(٥) جامع المقاصد ٨ : ١٨٠ ، و ٩ : ١٤ ١٥ ، و ١٢ : ٧٧.

(٦) كالمحقّق الحليّ في الشرائع ٢ : ١٩٣ و ٢١٦ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ١٢٨ و ١٤٠ ، والمحدّث الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ١٨٩ و ٢٠٧.

(٧) كذا في «ش» ومصحّحتي «ن» و «ص» ، وفي غيرها : تعلّق.

١٦٢

العقود ، لازمة كانت أو جائزة (١).

دعوى الإجماع على هذا الشرط

وعن تمهيد القواعد : دعوى الإجماع عليه (٢) ، وظاهر المسالك في مسألة اشتراط التنجيز في الوقف ـ : الاتّفاق عليه (٣). والظاهر عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد (٤) ، وإن لم يتعرّض الأكثر في هذا المقام.

ويدلّ عليه : فحوى فتاويهم ومعاقد الإجماعات في اشتراط التنجيز في الوكالة ، مع كونه من العقود الجائزة التي يكفي فيها كلّ ما دلّ على الإذن ، حتى أنّ العلاّمة ادّعى الإجماع على ما حكي عنه على عدم صحّة (٥) أن يقول الموكّل : «أنت وكيلي في يوم الجمعة أن تبيع عبدي» (٦) ، وعلى صحّة (٧) قوله : «أنت وكيلي ، ولا تبع عبدي إلاّ في يوم‌

__________________

(١) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٥٢٦.

(٢) تمهيد القواعد : ٥٣٣ ، القاعدة ١٩٨ ، وفيه : «الاتّفاق عليه» ، وحكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٦٣٩.

(٣) المسالك ٥ : ٣٥٧.

(٤) كالعلاّمة في التحرير ١ : ٢٨٤ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ١٤٠ ، والمحدّث الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٠٧.

(٥) كذا في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : على صحّة.

(٦) كذا في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : أنت وكيلي في أن تبيع عبدي يوم الجمعة.

(٧) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ : وعلى عدم صحّة ، وشطب في «ن» على كلمة «عدم».

١٦٣

الجمعة» (١) ، مع كون المقصود واحداً. وفرّق بينهما جماعة (٢) بعد الاعتراف بأنّ هذا في معنى التعليق ـ : بأنّ العقود لمّا كانت متلقّاةً من الشارع أُنيطت (٣) بهذه الضوابط ، وبطلت فيما خرج عنها وإن أفادت فائدتها.

فإذا كان الأمر كذلك عندهم في الوكالة فكيف الحال في البيع؟ وبالجملة ، فلا شبهة في اتّفاقهم على الحكم.

وجه اشتراط التنجيز

وأمّا (٤) الكلام في وجه الاشتراط ، فالذي صرّح به العلاّمة في التذكرة : أنّه منافٍ للجزم حال الإنشاء ، بل جعل الشرط هو الجزم ثمّ فرّع عليه عدم جواز التعليق ، قال : الخامس من الشروط : الجزم ، فلو علّق العقد على شرطٍ لم يصحّ وإن شرط (٥) المشيئة ؛ للجهل بثبوتها حال العقد وبقائها مدّته ، وهو أحد قولي الشافعي ، وأظهرهما عندهم : الصحّة ؛ لأنّ هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد ؛ لأنّه لو لم يشأ لم يشترِ (٦) ، انتهى كلامه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٤ ، والعبارة منقولة بالمعنى ، كما صرّح بذلك المحقّق المامقاني ، انظر غاية الآمال : ٢٢٥.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٥ : ٢٤٠ ٢٤١ ، وتبعه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٥٢٧.

(٣) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرها : نيطت.

(٤) في «ف» و «ن» : وإنّما.

(٥) في «ش» والمصدر : وإن كان الشرط.

(٦) التذكرة ١ : ٤٦٢.

١٦٤

وتبعه على ذلك الشهيد رحمه‌الله في قواعده ، قال : لأنّ الانتقال بحكم الرضا ولا رضا إلاّ مع الجزم ، والجزم ينافي التعليق (١) ، انتهى.

ومقتضى ذلك : أنّ المعتبر هو عدم التعليق على أمرٍ مجهول الحصول ، كما صرّح به المحقّق في باب الطلاق (٢).

وذكر المحقّق والشهيد الثانيان في الجامع (٣) والمسالك (٤) في مسألة «إن كان لي فقد بعته» : أنّ التعليق إنّما ينافي الإنشاء في العقود والإيقاعات حيث يكون المعلّق عليه مجهول الحصول.

لكنّ الشهيد في قواعده ذكر في الكلام المتقدّم : أنّ الجزم ينافي التعليق ؛ لأنّه بعرضة عدم الحصول ولو قدّر العلم بحصوله ، كالتعليق على الوصف ؛ لأنّ الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه ، فاعتبر المعنى العام دون خصوصيات الأفراد. ثمّ قال : فإن قلت : فعلى هذا (٥) يبطل قوله في صورة إنكار التوكيل (٦) : «إن كان لي فقد بعته منك بكذا» (٧). قلت : هذا تعليق على واقع ، لا [على (٨)] متوقّع الحصول ، فهو علّة للوقوع أو‌

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ٦٥ ، القاعدة ٣٥.

(٢) الشرائع ٣ : ١٩.

(٣) جامع المقاصد ٨ : ٣٠٥ ، واللفظ له.

(٤) المسالك ٥ : ٢٧٦.

(٥) عبارة «فعلى هذا» من «ش» والمصدر.

(٦) في «ف» : الوكيل.

(٧) عبارة «منك بكذا» من «ش» والمصدر.

(٨) من المصدر.

١٦٥

مصاحبٌ له ، لا معلّق عليه الوقوع ، وكذا (١) لو قال في صورة إنكار وكالة التزويج وإنكار التزويج حيث تدّعيه المرأة : «إن كانت زوجتي فهي طالق» (٢) ، انتهى كلامه رحمه‌الله.

وعلّل العلاّمة في القواعد صحّة «إن كان لي فقد بعته» بأنّه أمرٌ واقع يعلمان وجوده ، فلا يضرّ جعله شرطاً ، وكذا كلّ شرطٍ علم وجوده ؛ فإنّه لا يوجب شكّاً في البيع ولا وقوفه (٣) ، انتهى.

صور التعليق في العقود

وتفصيل الكلام : أنّ المعلّق عليه ، إمّا أن يكون معلوم التحقّق ، وإمّا أن يكون محتمل التحقّق.

وعلى الوجهين ، فإمّا أن يكون تحقّقه المعلوم أو المحتمل في الحال أو المستقبل وعلى التقادير ، فإمّا أن يكون الشرط ممّا يكون مصحّحاً للعقد ككون الشي‌ء ممّا يصحّ تملّكه شرعاً ، أو ممّا يصحّ إخراجه عن الملك ، كغير أُمّ الولد ، وغير الموقوف (٤) ونحوه ، وكون المشتري ممّن يصحّ تملّكه شرعاً ، كأن لا يكون عبداً ، وممّن يجوز العقد معه بأن يكون بالغاً ـ ، وإمّا أن لا يكون كذلك.

ثمّ التعليق ، إمّا مصرّح به ، وإمّا لازم من الكلام ، كقوله : «ملّكتك هذا بهذا يوم الجمعة» ، وقوله في القرض والهبة : «خذ هذا‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «نقول» ، وفي المصدر : وكذا القول.

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٦٥ ، القاعدة ٣٥.

(٣) القواعد ١ : ٢٦٠ ٢٦١.

(٤) في غير «ش» زيادة : عليه.

١٦٦

بعوضه» ، أو «خذه بلا عوض يوم الجمعة» ، فإنّ التمليك معلّق على تحقّق الجمعة في الحال أو في الاستقبال ، ولهذا احتمل العلاّمة في النهاية (١) وولده في الإيضاح (٢) بطلان بيع الوارث لمال مورّثه بظنّ حياته (٣) ؛ معلّلاً بأنّ العقد وإن كان منجّزاً في الصورة إلاّ أنّه معلّق ، والتقدير : إن مات مورّثي فقد بعتك.

التعليق على معلوم الحصول حين العقد

فما كان منها معلوم الحصول حين العقد ، فالظاهر أنّه غير قادح ، وفاقاً لمن عرفت كلامه كالمحقّق والعلاّمة والشهيدين والمحقّق الثاني (٤) والصيمري (٥) وحكي أيضاً (٦) عن المبسوط (٧) والإيضاح (٨) في مسألة ما لو قال : «إن كان لي فقد بعته» ، بل لم يوجد في ذلك خلافٌ صريح ، ولذا ادّعى في الرياض في باب الوقف عدم الخلاف فيه صريحاً (٩).

التعليق على معلوم الحصول في المستقبل

وما كان معلوم الحصول في المستقبل وهو المعبّر عنه بالصفة فالظاهر أنّه داخل في معقد اتّفاقهم على عدم الجواز وإن كان تعليلهم‌

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ٤٧٧.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٢٠.

(٣) كذا في «ف» ونسخة بدل «ن» ، وفي سائر النسخ : موته.

(٤) تقدّم النقل عن هؤلاء الأعلام في الصفحة ١٦٥ ١٦٦.

(٥) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتابه ولا على الحاكي عنه.

(٦) الحاكي هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٦٣٩.

(٧) المبسوط ٢ : ٣٨٥.

(٨) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٦٠.

(٩) الرياض ٢ : ١٨.

١٦٧

للمنع باشتراط الجزم لا يجري فيه كما اعترف به الشهيد فيما تقدّم عنه (١) ، ونحوه الشهيد الثاني فيما حكي عنه (٢) ، بل يظهر من عبارة المبسوط في باب الوقف كونه ممّا لا خلاف فيه بيننا ، بل بين العامّة ؛ فإنّه قال : إذا قال الواقف : «إذا جاء رأس الشهر فقد وقفته» لم يصحّ الوقف بلا خلاف ؛ لأنّه مثل البيع والهبة ، وعندنا مثل العتق أيضاً (٣) ، انتهى (٤) ؛ فإنّ ذيله يدلّ على أنّ مماثلة الوقف للبيع والهبة غير مختصّ بالإمامية ، نعم مماثلته للعتق مختصّ بهم.

التعليق على مشكوك الحصول

وما كان منها مشكوك الحصول وليست صحّة العقد معلّقة عليه في الواقع كقدوم الحاجّ فهو المتيقّن من معقد اتّفاقهم.

وما كان صحّة العقد معلّقة عليه كالأمثلة المتقدّمة فظاهر إطلاق كلامهم يشمله ، إلاّ أنّ الشيخ في المبسوط حكى في مسألة «إن كان لي فقد بعته» قولاً من بعض الناس بالصحّة ، وأنّ الشرط لا يضرّه ؛ مستدلا بأنّه لم يشترط إلاّ ما يقتضيه إطلاق العقد ؛ لأنّه إنّما يصحّ البيع لهذه الجارية من الموكّل إذا كان أذن له في الشراء ، فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضرّ إظهاره وشرطه ، كما لو شرط في البيع تسليم الثمن أو تسليم المثمن أو ما أشبه ذلك (٥) ، انتهى.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٦٥.

(٢) انظر المسالك ٥ : ٢٣٩.

(٣) المبسوط ٣ : ٢٩٩.

(٤) لم ترد «انتهى» في «ف».

(٥) المبسوط ٢ : ٣٨٥.

١٦٨

وهذا الكلام وإن حكاه عن بعض الناس ، إلاّ أنّ الظاهر ارتضاؤه له. وحاصله : أنّه كما لا يضرّ اشتراط بعض لوازم العقد المترتّبة عليه ، كذلك لا يضرّ تعليق العقد بما هو معلّق عليه في الواقع ، فتعليقه ببعض مقدّماته كالإلزام ببعض (١) غاياته ، فكما لا يضرّ الإلزام بما يقتضي العقد التزامه (٢) ، كذلك التعليق بما كان الإطلاق معلّقاً عليه ومقيّداً به.

وهذا الوجه وإن لم ينهض لدفع محذور التعليق في إنشاء العقد لأنّ المعلّق على ذلك الشرط في الواقع هو ترتّب الأثر الشرعي على العقد ، دون إنشاء مدلول الكلام الذي هو وظيفة المتكلّم ، فالمعلّق في كلام المتكلّم غير معلّق في الواقع على شي‌ء ، والمعلّق على شي‌ء ليس معلّقاً في كلام المتكلّم على شي‌ء ، بل ولا منجّزاً ، بل هو شي‌ء خارج عن مدلول الكلام إلاّ أنّ ظهور ارتضاء الشيخ له كافٍ في عدم الظنّ بتحقّق الإجماع عليه.

مع أنّ ظاهر هذا التوجيه لعدم قدح التعليق يدلّ على أنّ محلّ الكلام فيما لم يعلم وجود المعلّق عليه وعدمه ، فلا وجه لتوهّم اختصاصه بصورة العلم (٣).

ويؤيّد ذلك : أنّ الشهيد في قواعده جعل الأصحّ صحّة تعليق البيع على ما هو شرطٌ فيه ، كقول البائع : «بعتك إن قبلت» (٤). ويظهر‌

__________________

(١) في «ف» ، «ن» و «م» : كإلزام بعض.

(٢) في «ف» : أو التزامه.

(٣) لم ترد عبارة «مع أنّ الظاهر إلى بصورة العلم» في «ف» ، وكتب عليها في «ن» : نسخة.

(٤) القواعد والفوائد ١ : ١٥٥ ١٥٦ ، القاعدة ٤١.

١٦٩

منه ذلك أيضاً في أواخر (١) القواعد (٢).

وجوه اُخر ضعيفة لاشتراط التنجيز

١ ـ عدم قابلية الإنشاء للتعليق

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ العمدة في المسألة هو الإجماع ، وربما يتوهّم أنّ الوجه في اعتبار التنجيز هو عدم قابلية الإنشاء للتعليق ، وبطلانه واضح ؛ لأنّ المراد بالإنشاء إن كان هو مدلول الكلام فالتعليق غير متصوّر فيه ، إلاّ أنّ الكلام ليس فيه ، وإن كان الكلام في أنّه كما يصحّ إنشاء الملكية المتحقّقة على كلّ تقدير ، فهل يصحّ إنشاء الملكيّة المتحقّقة على تقديرٍ دون آخر ، كقوله : «هذا لك إن جاء زيد غداً» ، أو (٣) «خذ المال قرضاً أو قِراضاً إذا أخذته من فلان» ، ونحو ذلك؟ فلا ريب في أنّه أمر متصوّر واقع في العرف والشرع كثيراً في الأوامر والمعاملات ، من العقود والإيقاعات.

٢ ـ لزوم ترتيب مسبّب العقد عليه

ويتلو هذا الوجه في الضعف : ما قيل : من أنّ ظاهر ما دلّ على سببيّة العقد ترتّب مسبّبه عليه حال وقوعه ، فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين مخالف لذلك (٤).

وفيه بعد الغضّ عن عدم انحصار أدلّة الصحّة واللزوم في مثل قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٥) ؛ لأنّ دليل حلّية البيع (٦) وتسلّط الناس‌

__________________

(١) في «م» و «ش» : «آخر» ، وهكذا في «ن» إلاّ أنّها صحّحت بما أثبتناه.

(٢) انظر القواعد والفوائد ٢ : ٢٣٧ ، القاعدة ٢٣٨ ، و ٢٥٨ ، القاعدة ٢٥١ ، وغيرهما.

(٣) كذا في «ف» و «ن» ، وفي غيرهما : و.

(٤) قاله صاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ١٩٨ ، و ٢٧ : ٣٥٢ ، و ٣٢ : ٧٩.

(٥) المائدة : ١.

(٦) مثل قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، البقرة : ٢٧٥.

١٧٠

على أموالهم (١) كافٍ في إثبات ذلك ـ : أنّ العقد سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به على طبق مدلوله ، فليس مفاد (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إلاّ مفاد (أَوْفُوا بِالْعَهْدِ) (٢) في أنّ العقد كالعهد إذا وقع على وجه التعليق فترقّب تحقّق المعلّق عليه في تحقّق المعلّق لا يوجب عدم الوفاء بالعهد.

والحاصل : أنّه إن أُريد بالمسبّب هو مدلول العقد ، فعدم تخلّفه عن إنشاء العقد من البديهيّات التي لا يعقل خلافها ، وإن أُريد به الأثر الشرعي وهو ثبوت الملكيّة ، فيمنع كون أثر مطلق البيع الملكيّة المنجّزة ، بل هو مطلق الملك ، فإن كان البيع غير معلّق كان أثره الشرعي الملك الغير المعلّق ، وإن كان معلّقاً فأثره الملكيّة المعلّقة ، مع أنّ تخلّف الملك عن العقد كثير جدّاً.

مع أنّ ما ذكره لا يجري في مثل قوله : «بعتك إن شئت أو إن (٣) قبلت» ، فإنّه لا يلزم هنا تخلّف أثر العقد عنه.

مع أنّ هذا لا يجري في الشرط المشكوك المتحقّق في الحال ، فإنّ العقد حينئذٍ يكون مراعى لا موقوفاً.

مع أنّ ما ذكره لا يجري (٤) في غيره من العقود التي قد يتأخّر مقتضاها عنها كما لا يخفى ، وليس الكلام في خصوص البيع ، وليس على‌

__________________

(١) مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلّطون على أموالهم» ، انظر عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٢) الإسراء : ٣٤.

(٣) في «ف» و «ش» : وإن.

(٤) عبارة «في الشرط المشكوك إلى لا يجري» ساقطة من «ف».

١٧١

هذا الشرط في كلّ عقد دليل على حدة.

٣ ـ توقيفيّة الأسباب الشرعيّة

ثمّ الأضعف من الوجه المتقدّم : التمسّك في ذلك بتوقيفيّة الأسباب الشرعية الموجبة لوجوب الاقتصار فيها على المتيقّن ، وليس إلاّ العقد العاري عن التعليق.

إذ فيه : أنّ إطلاق الأدلّة مثل حلّية البيع ، وتسلّط الناس على أموالهم ، وحلّ التجارة عن تراضٍ ، ووجوب الوفاء بالعقود ، وأدلّة سائر العقود كافٍ في التوقيف (١).

وبالجملة ، فإثبات هذا الشرط في العقود مع عموم أدلّتها ووقوع كثيرٍ منها في العرف على وجه التعليق بغير الإجماع محقّقاً أو منقولاً مشكل.

الشكّ في ترتّب الأثر على الإنشاء

ثمّ إنّ القادح هو تعليق الإنشاء ، وأمّا إذا أنشأ من غير تعليق صحّ العقد وإن كان المنشئ متردّداً في ترتّب الأثر عليه شرعاً أو عرفاً ، كمن ينشئ البيع وهو لا يعلم أنّ المال له ، أو أنّ المبيع ممّا يتموّل ، أو أنّ (٢) المشتري راضٍ حين الإيجاب أم لا ، أو غير ذلك ممّا يتوقّف صحّة العقد عليه عرفاً أو شرعاً ، بل الظاهر أنّه لا يقدح اعتقاد عدم ترتّب الأثر عليه إذا تحقّق القصد إلى التمليك العرفي.

وقد صرّح بما ذكرنا بعض المحقّقين ؛ حيث قال : لا يخلّ زعم فساد المعاملة ما لم يكن سبباً لارتفاع القصد (٣).

__________________

(١) في «ف» : بالتوقيف.

(٢) في «ف» : وأنّ.

(٣) صرّح به المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١١٥.

١٧٢

الشكّ في الشروط المقوّمة

نعم ، ربما يشكل الأمر في فقد الشروط المقوّمة كعدم الزوجيّة أو الشكّ فيها في إنشاء الطلاق ، فإنّه لا يتحقّق القصد إليه منجّزاً من دون العلم بالزوجيّة ، وكذا الرقّية في العتق ، وحينئذٍ فإذا مسّت الحاجة إلى شي‌ءٍ من ذلك للاحتياط ، وقلنا بعدم جواز تعليق الإنشاء على ما هو شرط فيه ، فلا بدّ من إبرازه بصورة التنجيز (١) وإن كان في الواقع معلّقاً ، أو يوكّل غيره الجاهل بالحال بإيقاعه ، ولا يقدح فيه تعليق الوكالة واقعاً على كون الموكِّل مالكاً للفعل ؛ لأنّ فساد الوكالة بالتعليق لا يوجب ارتفاع الإذن.

إلاّ أنّ ظاهر الشهيد في القواعد الجزم بالبطلان فيما لو زوّجه (٢) امرأة يشكّ في أنّها محرّمة عليه أو محلّلة (٣) ، فظهر حلّها ، وعلّل ذلك بعدم الجزم حال العقد. قال : وكذا الإيقاعات ، كما لو خالع امرأةً أو طلّقها وهو شاكّ في زوجيّتها ، أو ولّى نائب الإمام عليه‌السلام قاضياً لا يعلم أهليّته وإن ظهر أهلاً.

ثمّ قال : ويخرج من هذا بيع مال مورّثه لظنّه حياته ، فبان ميّتاً ؛ لأنّ الجزم هنا حاصل ، لكن خصوصيّة البائع غير معلومة ، وإن قيل بالبطلان أمكن ؛ لعدم القصد إلى نقل ملكه. وكذا لو زوّج أمة أبيه (٤) فظهر ميتاً (٥) ، انتهى.

__________________

(١) كذا في «ف» ، «ن» ، «خ» و «م» ، وفي سائر النسخ : التنجّز.

(٢) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : زوّج.

(٣) أو محلّلة» من «ف» والمصدر.

(٤) في «ف» : أمته ابنه.

(٥) القواعد والفوائد ٢ : ٢٣٨ ، القاعدة ٢٣٨.

١٧٣

والظاهر الفرق بين مثال الطلاق وطرفيه ، بإمكان الجزم فيهما ، دون مثال الطلاق ، فافهم.

وقال في موضعٍ آخر : ولو طلّق بحضور خنثيين فظهرا رجلين ، أمكن الصحّة ، وكذا بحضور من يظنّه فاسقاً فظهر عدلاً ، ويشكلان في العالم بالحكم ؛ لعدم قصدهما (١) إلى طلاقٍ صحيح (٢) ، انتهى.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والصواب : «قصده» ، كما في المصدر ومصحّحة «ص».

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٣٦٧ ، القاعدة ١٤٣.

١٧٤

ومن جملة شروط العقد :

التطابق بين الإيجاب والقبول‌

اشتراط التطابق بين الايجاب والقبول

فلو اختلفا في المضمون بأن أوجب البائع البيع على وجهٍ خاصّ من حيث خصوص المشتري أو المثمن أو الثمن أو توابع العقد من الشروط ، فقبل المشتري على وجهٍ آخر ، لم ينعقد.

ووجه هذا الاشتراط

ووجه هذا الاشتراط واضح ، وهو مأخوذ من اعتبار القبول ، وهو الرضا بالإيجاب ، فحينئذٍ لو قال : «بعته من موكّلك بكذا» فقال : «اشتريته لنفسي» لم ينعقد ، ولو قال : «بعت هذا من موكّلك» ، فقال الموكّل الغير المخاطب : «قبلت» صحّ ، وكذا لو قال : «بعتك» فأمر المخاطب وكيله بالقبول فقبل ، ولو قال : «بعتك العبد بكذا» ، فقال : «اشتريت نصفه بتمام الثمن أو نصفه» لم ينعقد ، وكذا (١) لو قال : «بعتك العبد بمائة درهم» ، فقال : «اشتريته بعشرة دينار» (٢).

ولو قال للاثنين : «بعتكما العبد بألف» ، فقال أحدهما (٣) :

__________________

(١) لم ترد «كذا» في «ف».

(٢) كذا في النسخ ، والصواب : دنانير.

(٣) في «ف» : أحد.

١٧٥

«اشتريت نصفه بنصف الثمن» لم يقع ، ولو قال كلٌّ منهما ذلك ، لا يبعد الجواز ، ونحوه لو قال البائع : «بعتك العبد بمائة» فقال المشتري : «اشتريت كلّ نصفٍ منه بخمسين» ، وفيه إشكال.

١٧٦

ومن جملة الشروط في العقد (١) :

أن يقع كلٌّ من إيجابه وقبوله في حالٍ‌

يجوز لكلّ واحدٍ (٢) منهما الإنشاء

اشتراط أهلية المتعاقدين معاً حين العقد

فلو كان المشتري في حال إيجاب البائع غير قابل للقبول ، أو خرج البائع حال القبول عن قابلية الإيجاب ، لم ينعقد.

وجه هذا الشرط

ثمّ إنّ عدم قابليتهما إن كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت والجنون والإغماء بل النوم فوجه الاعتبار عدم تحقّق معنى المعاقدة والمعاهدة حينئذٍ.

وأمّا صحّة القبول من الموصى له بعد موت الموصي ، فهو شرط حقيقة (٣) ، لا ركن ؛ فإنّ حقيقة الوصية الإيصاء ، ولذا (٤) لو مات قبل القبول قام وارثه مقامه ، ولو ردّ جاز له القبول بعد ذلك.

وإن كان لعدم الاعتبار (٥) برضاهما ، فلخروجه أيضاً عن مفهوم‌

__________________

(١) لم ترد «في العقد» في «ف».

(٢) لم ترد «واحد» في «ف».

(٣) في «ص» : شرط تحقّقه.

(٤) في غير «ن» و «ش» : وكذا.

(٥) في «ف» : اعتبار.

١٧٧

التعاهد والتعاقد ؛ لأنّ المعتبر فيه عرفاً رضا كلٍّ منهما لما ينشئه الآخر حين إنشائه ، كمن يعرض له الحجر بفَلَسٍ أو سَفَهٍ أو رقّ لو فرض أو مرض موت.

والأصل في جميع ذلك : أنّ الموجب لو فسخ قبل القبول لغي الإيجاب السابق ، وكذا لو كان المشتري في زمان الإيجاب غير راضٍ ، أو كان ممّن لا يعتبر رضاه كالصغير ـ ، فصحّة كلٍّ من الإيجاب والقبول يكون معناه قائماً في نفس المتكلّم من أوّل العقد إلى أن يتحقّق تمام السبب ، وبه يتمّ معنى المعاقدة ، فإذا لم يكن هذا المعنى قائماً في نفس أحدهما ، أو قام ولم يكن قيامه معتبراً ، لم يتحقّق معنى المعاقدة.

عدم اشتراط الرضا حين العقد

ثمّ إنّهم صرّحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره ، ومقتضاه عدم اعتباره من أحدهما حين العقد ، بل يكفي حصوله بعده ، فضلاً عن حصوله بعد الإيجاب وقبل القبول ، اللهم إلاّ أن يلتزم بكون الحكم في المكره على خلاف القاعدة لأجل الإجماع.

«فرع»

اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة

لو اختلف المتعاقدان اجتهاداً أو تقليداً في شروط الصيغة ، فهل يجوز أن يكتفي كلٌّ منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا؟ وجوه ، ثالثها : اشتراط عدم كون العقد المركّب منهما ممّا لا قائل بكونه سبباً في النقل كما لو فرضنا أنّه لا قائل بجواز تقديم القبول على الإيجاب وجواز العقد بالفارسي أردؤها أخيرها.

والأوّلان مبنيّان على أنّ الأحكام الظاهرية المجتهَد فيها بمنزلة‌

١٧٨

الواقعية الاضطرارية ، فالإيجاب بالفارسية من المجتهد القائل بصحّته عند مَن يراه باطلاً بمنزلة إشارة الأخرس وإيجاب العاجز عن العربية ، وكصلاة المتيمّم بالنسبة إلى واجد الماء ، أم هي أحكام عذريّة لا يعذّر فيها إلاّ (١) من اجتهد أو قلّد فيها ، والمسألة محرّرة في الأُصول (٢).

اختلاف المتعاقدين في الموالاة والتنجيز والأهليّة

هذا كلّه إذا كان بطلان العقد عند كلٍّ من المتخالفين مستنداً إلى فعل الآخر ، كالصراحة والعربية والماضوية والترتيب ، وأمّا الموالاة والتنجيز وبقاء المتعاقدين على صفات صحّة الإنشاء إلى آخر العقد ، فالظاهر أنّ اختلافها يوجب فساد المجموع ؛ لأنّ بالإخلال (٣) بالموالاة أو التنجيز أو البقاء على صفات صحّة الإنشاء ، يفسد عبارة من يراها شروطاً ؛ فإنّ الموجب إذا علّق مثلاً ، أو لم يبقَ على صفة صحّة الإنشاء إلى زمان القبول باعتقاد مشروعيّة ذلك ، لم يجز من القائل ببطلان هذا تعقيب هذا الإيجاب بالقبول ، وكذا القابل إذا لم يقبل إلاّ بعد فوات الموالاة بزعم صحّة ذلك ؛ فإنّه يجب على الموجب إعادة إيجابه إذا اعتقد اعتبار الموالاة ، فتأمّل.

__________________

(١) لم ترد «إلاّ» في «ف».

(٢) انظر مطارح الأنظار : ٢٢ (هداية في الأمر الظاهري الشرعي). وراجع غيرها من كتب الأُصول في مبحث «إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي».

(٣) في «ع» و «ص» : «الإخلال» ، والظاهر من «ف» كونها : «بالاختلال».

١٧٩

مسألة

[أحكام المقبوض بالعقد الفاسد] (١)

[الأوّل] (٢)

ضمان المقبوض بالعقد الفاسد

لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه ، وكان مضموناً عليه.

أمّا عدم الملك ؛ فلأنه مقتضى فرض الفساد.

دعوى الاجماع على الضمان

وأمّا الضمان بمعنى كون تلفه عليه وهو أحد الأُمور (٣) المتفرّعة على القبض بالعقد الفاسد فهو المعروف ، وادّعى الشيخ في باب الرهن (٤) ، وفي موضع من البيع : الإجماع عليه صريحاً (٥) ، وتبعه في ذلك (٦) فقيه عصره في شرح القواعد (٧).

وفي السرائر : أنّ البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في الضمان (٨) ، وفي موضعٍ آخر نسبه إلى أصحابنا (٩).

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) العنوان منّا‌

(٣) كذا في «ف» ومصحّحة «خ» و «ص» ، وفي سائر النسخ : أُمور.

(٤) المبسوط ٢ : ٢٠٤.

(٥) نفس المصدر ٢ : ١٥٠.

(٦) في «ف» : على ذلك.

(٧) هو الشيخ الكبير كاشف الغطاء في شرح القواعد (مخطوط) : ٥٢.

(٨) و (٩) السرائر ٢ : ٢٨٥ و ٣٢٦.

١٨٠