كتاب المكاسب - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
ISBN: 964-5662-17-6
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٦٣٩

الأُخرى أو عودها إلى مالكها (١) بهذا النحو من العود ؛ إذ لو عادت (٢) بوجهٍ آخر كان حكمه حكم التلف.

لو باع العين ثالث فضولاً

ولو باع العين ثالث فضولاً ، فأجاز المالك الأوّل ، على القول بالملك ، لم يبعد كون إجازته رجوعاً كبيعه وسائر تصرّفاته الناقلة.

ولو أجاز المالك الثاني ، نفذ بغير إشكال.

وينعكس الحكم إشكالاً ووضوحاً على القول بالإباحة ، ولكلٍّ منهما ردّه قبل إجازة الآخر.

ولو رجع الأوّل فأجاز الثاني ، فإن جعلنا الإجازة كاشفة لغى الرجوع ، ويحتمل عدمه ؛ لأنّه رجوع قبل تصرّف الآخر فينفذ (٣) ويلغو الإجازة ، وإن جعلناها ناقلة لغت الإجازة قطعاً.

لو امتزجت العينان أو إحداهما

ولو امتزجت العينان أو إحداهما ، سقط الرجوع على القول بالملك ؛ لامتناع الترادّ ، ويحتمل الشركة ، وهو ضعيف.

أمّا على القول بالإباحة ، فالأصل بقاء التسلّط على ماله الممتزج بمال الغير ، فيصير المالك شريكاً مع مالك الممتزج به ، نعم لو كان المزج مُلحِقاً له بالإتلاف جرى عليه حكم التلف.

لو تصرّف في العين تصرّفاً مغيّراً للصورة

ولو تصرّف في العين تصرّفاً مغيّراً للصورة كطحن الحنطة وفصل الثوب فلا لزوم على القول بالإباحة ، وعلى القول بالملك ، ففي اللزوم‌

__________________

(١) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : عوده إلى مالكه.

(٢) في غير «ش» : لو عاد.

(٣) كذا في «ف» ، «ش» ونسخة بدل «ن» ، وفي «ص» : ويفسد ، وفي سائر النسخ : فيفسد.

١٠١

وجهان مبنيّان على جريان استصحاب جواز الترادّ ، ومنشأ الإشكال : أنّ الموضوع في الاستصحاب عرفيّ أو حقيقيّ.

موت أحد المتعاطيين

ثمّ إنّك قد عرفت ممّا ذكرنا أنّه ليس جواز الرجوع في مسألة المعاطاة نظير الفسخ في العقود اللازمة حتى يورّث بالموت ويسقط بالإسقاط ابتداءً أو في ضمن المعاملة ، بل هو على القول بالملك نظير الرجوع في الهبة ، وعلى القول بالإباحة نظير الرجوع في إباحة الطعام ، بحيث يناط الحكم فيه بالرضا الباطني ، بحيث لو علم كراهة المالك باطناً لم يجز له التصرّف ، فلو مات أحد المالكين لم يجز لوارثه الرجوع على القول بالملك للأصل ؛ لأنّ مَن له وإليه الرجوع هو المالك الأصلي ، ولا يجري الاستصحاب.

ولو جُنّ أحدهما ، فالظاهر قيام وليّه مقامه في الرجوع على القولين.

١٠٢

[الأمر (١)] السابع

هل المعاطاة بعد التلف بيع ، أو معاوضة مستقلّة؟ كلام الشهيد الثاني في ذلك

أنّ الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعاً بعد التلف أو معاوضة مستقلّة ، قال : يحتمل الأوّل ؛ لأنّ المعاوضات محصورة وليست إحداها ، وكونها معاوضة برأسها يحتاج إلى دليل. ويحتمل الثاني ؛ لإطباقهم على أنّها ليست بيعاً حال وقوعها ، فكيف تصير بيعاً بعد التلف؟ وتظهر الفائدة في ترتّب الأحكام المختصّة بالبيع عليها ، كخيار الحيوان ، لو كان التالف الثمن أو بعضه. وعلى تقدير ثبوته ، فهل الثلاثة من حين المعاطاة ، أو من حين اللزوم؟ كلّ محتمل ، ويشكل الأوّل بقولهم : «إنّها ليست بيعاً» ، والثاني بأنّ التصرّف ليس معاوضة بنفسها (٢) ، اللهم إلاّ أن يجعل المعاطاة جزء السبب والتلف تمامه. والأقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا ؛ بناءً على أنّها ليست لازمة ، وإنّما يتمّ على قول المفيد ومن تبعه (٣) ، وأمّا خيار العيب والغبن فيثبتان على التقديرين كما أنّ خيار المجلس منتفٍ (٤) ، انتهى.

تفريع هذا البحث على القول بالإباحة

والظاهر أنّ هذا تفريع على القول بالإباحة في المعاطاة ، وأمّا على‌

__________________

(١) من «ص».

(٢) في المصدر ونسخة بدل «ن» : بنفسه.

(٣) من القائلين بلزوم المعاطاة كما تقدّم عنهم في الصفحة ٣٧ وغيرها.

(٤) المسالك ٣ : ١٥١.

١٠٣

القول بكونها (١) مفيدة للملك المتزلزل ، فيلغى (٢) الكلام في كونها معاوضة مستقلّة أو بيعاً متزلزلاً قبل اللزوم ، حتى يتبعه حكمها (٣) بعد اللزوم ؛ إذ الظاهر أنّه (٤) عند القائلين بالملك المتزلزل بيع بلا إشكال (٥) في ذلك عندهم على ما تقدّم من المحقّق الثاني (٦) فإذا لزم صار بيعاً لازماً ، فيلحقه أحكام البيع عدا ما استفيد من دليله ثبوته للبيع العقدي الذي مبناه على اللزوم لولا الخيار ، وقد تقدّم (٧) أنّ الجواز هنا لا يراد به ثبوت الخيار.

الأقوى أنّ المعاطاة بعد التلف بيع

وكيف كان ، فالأقوى أنّها على القول بالإباحة بيع عرفيّ لم يصحّحه الشارع ولم يمضه إلاّ بعد تلف إحدى العينين أو ما في حكمه ، وبعد التلف يترتّب عليه أحكام البيع عدا ما اختصّ دليله بالبيع الواقع صحيحاً من أوّل الأمر.

عن الشهيد : أنّها معاوضة مستقلّة

والمحكيّ عن حواشي الشهيد : أنّ المعاطاة معاوضة مستقلّة جائزة‌

__________________

(١) في «ف» : بأنّها.

(٢) في «ف» ومصحّحة «ن» : «فيبقى» ، وفي «ص» : «فيلغو» ، وفي نسخة بدل «ش» : «فينبغي» ، وجاء في هامش «ن» : «الظاهر أن يقال : فلا ينبغي الكلام» ، وفي شرح الشهيدي (١٨٧) : الصحيح «ينبغي» بدل «يلغى».

(٣) كذا في النسخ ، والمناسب : «حكمه» ، كما في مصحّحة «ن».

(٤) كذا في النسخ ، والمناسب : «أنّها» ، كما في مصحّحة «ن».

(٥) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : بل لا إشكال.

(٦) تقدّم في الصفحة ٣٢.

(٧) تقدّم في الصفحة ٩٧.

١٠٤

أو لازمة (١). والظاهر أنّه أراد التفريع على مذهبه من الإباحة وكونها معاوضة قبل اللزوم ، من جهة كون كلٍّ من العينين مباحاً عوضاً عن الأُخرى ، لكن لزوم (٢) هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك كما لا يخفى ، فلا بدّ أن يقول بالإباحة اللازمة ، فافهم.

__________________

(١) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٨.

(٢) في «ف» بدل «لزوم» : رفع.

١٠٥

[الأمر (١)] الثامن

لا إشكال في تحقّق المعاطاة المصطلحة التي هي معركة الآراء بين الخاصّة والعامّة‌ بما إذا تحقّق إنشاء التمليك أو الإباحة بالفعل ، وهو قبض العينين.

العقد غير الجامع لشرائط اللزوم معاطاة أم لا؟

أمّا إذا حصل بالقول الغير الجامع لشرائط اللزوم :

فإن قلنا بعدم اشتراط اللزوم بشي‌ءٍ زائد على الإنشاء اللفظي كما قوّيناه سابقاً (٢) بناءً على التخلّص بذلك عن اتّفاقهم على توقّف العقود اللازمة على اللفظ فلا إشكال في صيرورة المعاملة بذلك عقداً لازماً.

وإن قلنا بمقالة المشهور من اعتبار أُمور زائدة على اللفظ ، فهل يرجع ذلك الإنشاء القولي إلى حكم المعاطاة مطلقاً ، أو بشرط تحقّق قبض العين معه ، أو لا يتحقّق (٣) به مطلقاً؟

نعم ، إذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقّق بعده تحقّق المعاطاة ، فالإنشاء القولي السابق كالعدم ، لا عبرة به ولا بوقوع القبض بعده خالياً عن قصد الإنشاء ، بل بانياً على كونه حقّا لازماً لكونه من آثار الإنشاء القولي السابق ، نظير القبض في العقد الجامع للشرائط.

__________________

(١) من «ص».

(٢) في الصفحة ٦٠.

(٣) لم ترد عبارة «أو لا يتحقّق» في «ش».

١٠٦

ظاهر جماعة كونه معاطاة

ظاهر كلام غير واحدٍ من مشايخنا المعاصرين (١) : الأوّل ، تبعاً لما يستفاد من ظاهر كلام المحقّق والشهيد الثانيين.

قال المحقّق في صيغ عقوده على ما حكي عنه بعد ذكره الشروط المعتبرة في الصيغة (٢) ـ : إنّه لو أوقع البيع بغير ما قلناه ، وعلم التراضي منهما كان معاطاة (٣) ، انتهى.

وفي الروضة في مقام عدم كفاية الإشارة مع القدرة على النطق ـ : أنّها تفيد المعاطاة مع الإفهام الصريح (٤) ، انتهى.

وظاهر الكلامين : صورة وقوع الإنشاء بغير القبض ، بل يكون القبض من آثاره.

ظاهر آخرين عدم كونه معاطاة

وظاهر تصريح (٥) جماعة منهم المحقّق (٦) والعلاّمة (٧) ـ : بأنّه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك وكان مضموناً عليه ، هو الوجه الأخير ؛ لأنّ مرادهم بالعقد الفاسد إمّا خصوص ما كان فساده من جهة مجرّد (٨) اختلال شروط الصيغة كما ربما يشهد به ذكر هذا الكلام بعد شروط‌

__________________

(١) منهم : السيّد المجاهد في المناهل : ٢٧٠ ، والفاضل النراقي في المستند ٢ : ٣٦١ ٣٦٢ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٥٦ ٢٥٧.

(٢) عبارة «على ما حكي عنه إلى في الصيغة» لم ترد في «ف» و «ش».

(٣) رسائل المحقّق الكركي ١ : ١٧٨.

(٤) الروضة البهيّة ٣ : ٢٢٥.

(٥) في «ع» و «ص» : وظاهره كصريح جماعة.

(٦) الشرائع ٢ : ١٣.

(٧) القواعد ١ : ١٢٣.

(٨) لم ترد «مجرّد» في «ف».

١٠٧

الصيغة ، وقبل شروط العوضين والمتعاقدين وإمّا (١) ما يشمل هذا وغيره كما هو الظاهر.

وكيف كان ، فالصورة الأُولى داخلةٌ قطعاً ، ولا يخفى أنّ الحكم فيها بالضمان منافٍ لجريان حكم المعاطاة.

الجمع بين القولين

وربما يجمع (٢) بين هذا الكلام وما تقدّم من المحقّق والشهيد الثانيين ، فيقال : إنّ موضوع المسألة في عدم جواز التصرّف بالعقد الفاسد ما إذا علم عدم الرضا إلاّ بزعم صحّة المعاملة ، فإذا انتفت الصحّة انتفى (٣) الإذن ؛ لترتّبه (٤) على زعم الصحّة ، فكان التصرّف تصرّفاً بغير إذن وأكلاً للمال بالباطل ؛ لانحصار وجه الحِلّ في كون المعاملة بيعاً أو تجارة عن تراضٍ أو هبة ، أو نحوها من وجوه الرضا بأكل المال من غير عوض. والأوّلان قد انتفيا بمقتضى الفرض ، وكذا البواقي ؛ للقطع من جهة زعمهما صحّة المعاملة بعدم الرضا بالتصرّف مع عدم بذل شي‌ء في المقابل ، فالرضا المقدّم كالعدم. فإن تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد واستمرّ رضاهما فلا كلام في صحّة المعاملة ، ورجعت إلى المعاطاة ، كما إذا علم الرضا من أوّل الأمر بإباحتهما التصرّف بأيّ وجهٍ اتّفق ، سواء صحّت المعاملة أم فسدت ؛ فإنّ ذلك ليس من البيع الفاسد‌

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : أو.

(٢) الجامع هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة.

(٣) في «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» : انتفت.

(٤) في «ف» ، «خ» ، «ع» و «ن» : لترتّبها ، وصُحّح في «ن» بما أثبتناه في المتن.

١٠٨

في شي‌ء (١) ، انتهى (٢).

المناقشة في الجمع الذكور

أقول : المفروض أنّ الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا تتضمّن إلاّ إنشاءً واحداً هو التمليك ، ومن المعلوم أنّ هذا المقدار لا يوجب بقاء الإذن الحاصل في ضمن التمليك بعد فرض انتفاء التمليك ، والموجود بعده إن كان إنشاءً آخر في ضمن التقابض خرج عن محلّ الكلام ؛ لأنّ المعاطاة حينئذٍ إنّما تحصل به ، لا بالعقد الفاقد للشرائط ، مع أنّك عرفت أنّ ظاهر كلام الشهيد والمحقّق الثانيين حصول المعاوضة والمراضاة بنفس الإشارة المفهمة بقصد البيع وبنفس الصيغة الخالية عن الشرائط ، لا بالتقابض الحاصل بعدهما.

ومنه يعلم : فساد ما ذكره من حصول المعاطاة بتراضٍ جديد بعد العقد غير مبنيّ على صحّة العقد.

ثمّ إنّ ما ذكره من التراضي الجديد بعد العلم بالفساد مع اختصاصه بما إذا علما بالفساد ، دون غيره من الصور ، مع أنّ كلام الجميع مطلق يرد عليه :

أنّ هذا التراضي إن كان تراضياً آخر حادثاً بعد العقد :

فإن كان (٣) لا على وجه المعاطاة ، بل كلّ منهما رضي بتصرّف الآخر في ماله من دون ملاحظة رضا صاحبه بتصرّفه في ماله ، فهذا ليس من المعاطاة ، بل هي إباحة مجّانية من الطرفين تبقى ما دام العلم‌

__________________

(١) مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٨.

(٢) كلمة «انتهى» من «ف» و «خ».

(٣) في «ف» : وإن كان.

١٠٩

بالرضا ، ولا يكفي فيه عدم العلم بالرجوع (١) ؛ لأنّه كالإذن الحاصل من شاهد الحال ، ولا يترتّب عليه أثر المعاطاة : من اللزوم بتلف إحدى العينين ، أو جواز التصرّف إلى حين العلم بالرجوع (٢) ، وإن كان على وجه المعاطاة فهذا ليس إلاّ التراضي السابق على ملكية كلٍّ منهما لمالك الآخر (٣) ، وليس تراضياً جديداً ؛ بناءً (٤) على أنّ المقصود بالمعاطاة التمليك كما عرفته من كلام المشهور (٥) خصوصاً المحقّق الثاني (٦) فلا يجوز له أن يريد بقوله المتقدّم عن صيغ العقود ـ : «إنّ الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي تدخل في المعاطاة» (٧) التراضي (٨) الجديد الحاصل بعد العقد ، لا على وجه المعاوضة.

تفصيل الكلام في صور المسألة

١ ـ التقابض بغير رضى منهما بالتصرّف

وتفصيل الكلام : أنّ المتعاملين بالعقد الفاقد لبعض الشرائط : إمّا أن يقع تقابضهما بغير رضاً من كلٍّ منهما في تصرّف الآخر بل حصل قهراً عليهما أو على أحدهما ، وإجباراً على العمل بمقتضى العقد فلا إشكال في حرمة التصرّف في المقبوض على هذا الوجه.

__________________

(١) في مصحّحة «ن» و «ش» : عدم العلم به وبالرجوع.

(٢) في غير «ف» و «ش» زيادة : «أو مع ثبوت أحدهما» ، إلاّ أنّه شطب عليها في «ن» و «م».

(٣) في «ص» : لمال الآخر.

(٤) لم ترد «بناءً» في «ف».

(٥) راجع الصفحة ٢٥ وما بعدها.

(٦) تقدّم كلامه في الصفحة ٣٢.

(٧) تقدّم في الصفحة ١٠٧.

(٨) في «ف» و «ن» : «بالتراضي» ، ولكن صُحّح في الأخير بما أثبتناه في المتن.

١١٠

٢ ـ التقابض برضى ناشئ عن اعتقاد الملكية

وكذا إن وقع على وجه الرضا الناشئ عن بناء كلٍّ منهما على ملكية الآخر اعتقاداً أو تشريعاً كما في كلّ قبض وقع على هذا الوجه ؛ لأنّ حيثيّة كون القابض مالكاً مستحقّاً لما يقبضه (١) جهة تقييدية مأخوذة في الرضا ينتفي بانتفائها في الواقع ، كما في نظائره.

حرمة التصرّف في هاتين الصورتين

وهذان الوجهان ممّا لا إشكال فيه (٢) في حرمة التصرّف في العوضين ، كما أنّه لا إشكال في الجواز إذا أعرضا عن أثر العقد وتقابضا بقصد إنشاء التمليك ليكون معاطاة صحيحة عقيب عقد فاسد.

٣ ـ الرضا بالتصرّف مستقلاً عن العقد

هذه الصورة من المعاطاة بشرطين :

وأمّا إن وقع (٣) الرضا بالتصرّف بعد العقد من دون ابتنائه على استحقاقه بالعقد السابق ولا قصدٍ لإنشاء التمليك (٤) ، بل وقع مقارناً لاعتقاد (٥) الملكية الحاصلة ، بحيث لولاها لكان الرضا أيضاً موجوداً ، وكان المقصود الأصلي من المعاملة التصرّف ، وأوقعا العقد الفاسد وسيلةً له ويكشف عنه أنّه لو سئل كلّ منهما عن رضاه (٦) بتصرّف صاحبه على تقدير عدم التمليك ، أو بعد تنبيهه على عدم حصول الملك كان راضياً فإدخال هذا في المعاطاة يتوقّف على أمرين‌

__________________

(١) في «ف» : لما يستحقّه.

(٢) كلمة «فيه» من «ش» فقط.

(٣) في «ف» : أن يقع.

(٤) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : تمليك.

(٥) في «ف» : لاعتقاده.

(٦) كذا في «ف» و «ص» ، وفي غيرهما : من رضاه.

١١١

أـ كفاية الرضا الارتكازي

الأوّل : كفاية هذا الرضا المركوز في النفس ، بل الرضا الشأني ؛ لأنّ الموجود بالفعل هو رضاه من حيث كونه مالكاً في نظره ، وقد صرّح بعض من قارَب عصرنا بكفاية ذلك (١) ، ولا يبعد رجوع الكلام المتقدّم ذكره (٢) إلى هذا ؛ ولعلّه لصدق طيب النفس على هذا الأمر المركوز في النفس.

ب ـ عدم اشتراط الإنشاء بالقبض في المعاطاة

الثاني : أنّه لا يشترط في المعاطاة (٣) إنشاء الإباحة أو التمليك بالقبض ، بل ولا بمطلق الفعل ، بل يكفي وصول كلٍّ من العوضين إلى مالك (٤) الآخر ، والرضا بالتصرّف قبله أو بعده على الوجه المذكور.

وفيه إشكال :

من أنّ ظاهر محلّ النزاع بين العامّة والخاصّة هو العقد الفعلي كما ينبئ عنه قول العلاّمة رحمه‌الله (٥) في ردّ كفاية المعاطاة في البيع ـ : إنّ الأفعال قاصرة عن إفادة المقاصد (٦) ، وكذا استدلال المحقّق الثاني على عدم لزومها ـ : بأنّ الأفعال ليست كالأقوال في صراحة الدلالة (٧) ، وكذا‌

__________________

(١) الظاهر هو المحقّق التستري ، انظر مقابس الأنوار : ١٢٨.

(٢) يعني به ما أفاده السيّد العاملي بقوله : «كما إذا علم الرضا من أوّل الأمر .. إلخ» المتقدّم في الصفحة ١٠٨.

(٣) في «ش» : المباحات.

(٤) كذا في «ف» و «ص» ، وفي غيرهما : المالك.

(٥) في «ف» زيادة : «في التذكرة» ، ولم ترد فيها عبارة الترحيم.

(٦) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.

١١٢

ما تقدّم من الشهيد رحمه‌الله في قواعده : من أنّ الفعل في المعاطاة لا يقوم مقام القول ، وإنّما يفيد الإباحة (١) ، إلى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة في أنّ محلّ الكلام هو الإنشاء الحاصل بالتقابض ، وكذا كلمات العامّة ، فقد ذكر بعضهم أنّ البيع ينعقد بالإيجاب والقبول وبالتعاطي (٢).

ومن أنّ الظاهر أنّ عنوان التعاطي (٣) في كلماتهم لمجرّد الدلالة على الرضا ، وأنّ عمدة الدليل على ذلك هي (٤) السيرة ؛ ولذا تعدّوا إلى ما إذا لم يحصل إلاّ قبض أحد العوضين ، والسيرة موجودة في المقام أيضاً (٥) فإنّ بناء الناس على أخذ الماء والبقل وغير ذلك من الجزئيات من دكاكين أربابها (٦) مع عدم حضورهم ووضعهم (٧) الفلوس في الموضع المعدّ له (٨) ، وعلى دخول الحمّام مع عدم حضور صاحبه ووضع الفلوس في كوز الحمامي.

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ١٧٨ ، القاعدة ٤٧.

(٢) راجع الصفحة ٢٧.

(٣) في «ف» ونسخة بدل «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» ، «ص» و «ش» : التقابض.

(٤) في «ف» : هو.

(٥) كلمة «أيضاً» من «ف» ومصحّحة «ن».

(٦) في «ف» ، «خ» ، «م» ، «ع» ، «ص» ونسخة بدل «ن» : «أربابهم» ، وفي مصحّحة «ن» و «ص» : «أربابها».

(٧) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : «يضعون» ، وفي نسخة بدل أكثرها ما أثبتناه في المتن.

(٨) في مصحّحة «ص» : «لها».

١١٣

فالمعيار في المعاطاة : وصول (١) المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرّف ، وهذا ليس ببعيد على القول بالإباحة.

__________________

(١) في «ف» ، «خ» و «ع» : «دخول» ، وفي نسخة بدل «ع» : وصول.

١١٤

[الكلام في عقد البيع]

١١٥
١١٦

مقدّمة

في خصوص ألفاظ عقد البيع‌ (١)

اعتبار اللفظ في العقود

كفاية الإشارة مع العجز عن التلفظ

قد عرفت أنّ اعتبار اللفظ في البيع بل في جميع العقود ممّا نقل عليه (٢) الإجماع (٣) وتحقّق فيه الشهرة العظيمة ، مع الإشارة إليه في بعض النصوص (٤) ، لكنّ هذا يختصّ (٥) بصورة القدرة ، أمّا مع العجز عنه كالأخرس ، فمع عدم القدرة على التوكيل لا إشكال ولا خلاف في عدم اعتبار اللفظ وقيام الإشارة مقامه ، وكذا مع القدرة على التوكيل ، لا لأصالة عدم وجوبه كما قيل (٦) لأنّ الوجوب بمعنى الاشتراط‌

__________________

(١) سيأتي ذكر ذي المقدّمة في الصفحة ١٣٠ ، وهو قوله : «إذا عرفت هذا فلنذكر ألفاظ الإيجاب والقبول ..».

(٢) في غير «ف» و «ش» زيادة : «عقد» ، إلاّ أنّه شطب عليه في «ن».

(٣) تقدّم عن السيّد ابن زهرة في الصفحة ٢٩ ، وعن المحقّق الكركي في الصفحة ٥٧.

(٤) نحو قوله عليه‌السلام : «إنّما يُحلّل الكلام ويحرّم الكلام» ، الوسائل ١٢ : ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب العقود ، الحديث ٤ ، وغير ذلك ، وراجع الصفحة ٦٢ ٦٣.

(٥) في «ف» : مختصّ.

(٦) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٤.

١١٧

كما فيما نحن فيه هو الأصل ، بل لفحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس (١) ، فإنّ حمله على صورة عجزه عن التوكيل حمل المطلق على الفرد النادر ، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف في عدم الوجوب.

ثمّ لو قلنا : بأنّ الأصل في المعاطاة اللزوم بعد القول بإفادتها الملكيّة (٢) ، فالقدر المخرج صورة قدرة المتبايعين على مباشرة اللفظ.

كفاية الكتابة مع العجز عن الإشارة

والظاهر أيضاً : كفاية الكتابة مع العجز عن الإشارة ؛ لفحوى ما ورد من النصّ على جوازها في الطلاق (٣) ، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف فيه. وأمّا مع القدرة على الإشارة فقد رجّح بعض (٤) الإشارة ؛ ولعلّه لأنّها أصرح في الإنشاء من الكتابة. وفي بعض روايات الطلاق ما يدلّ على العكس (٥) ، وإليه ذهب الحلّي رحمه‌الله هناك (٦).

الخصوصيات المعتبرة في ألفاظ العقود

ثمّ الكلام في الخصوصيات المعتبرة في اللفظ :

تارةً يقع في موادّ الألفاظ من حيث إفادة المعنى بالصراحة‌

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٢٩٩ ، الباب ١٩ من أبواب الطلاق.

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيرها : للملكية.

(٣) الوسائل ١٥ : ٢٩٩ ، الباب ١٩ من أبواب الطلاق ، الحديث الأوّل.

(٤) كالشيخ الكبير كاشف الغطاء ، انظر شرحه على القواعد (مخطوط) : الورقة ٤٩.

(٥) مثل صحيحة البزنطي المشار إليها في الهامش ٣.

(٦) السرائر ٢ : ٦٧٨.

١١٨

والظهور والحقيقة والمجاز والكناية ، ومن حيث اللغة المستعملة في معنى المعاملة (١).

وأُخرى في هيئة كلٍّ من الإيجاب والقبول ، من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعليّة ، وكونه بالماضي.

وثالثة في هيئة تركيب الإيجاب والقبول من حيث الترتيب والموالاة.

المشهور عدم جواز الإنشاء بالألفاظ الكنائية والمجازية

أمّا الكلام من حيث المادّة ، فالمشهور عدم وقوع العقد بالكنايات.

قال في التذكرة : الرابع من شروط الصيغة : التصريح (٢) ، فلا يقع بالكناية بيعٌ البتّة ، مثل قوله : أدخلته في ملكك ، أو جعلته لك ، أو خذه منّي بكذا (٣) ، أو سلّطتك عليه بكذا ؛ عملاً بأصالة بقاء الملك ، ولأنّ المخاطب لا يدري بِمَ خوطب (٤) ، انتهى.

وزاد في غاية المراد على الأمثلة مثل (٥) قوله (٦) : «أعطيتكه بكذا» أو «تسلّط عليه بكذا» (٧).

__________________

(١) لم ترد عبارة «ومن حيث اللغة المستعملة في معنى المعاملة» في «ف».

(٢) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : الصريح.

(٣) من «ش» والمصدر.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٥) لم ترد «مثل» في «ف».

(٦) في «ش» : قولك.

(٧) لم يزد إلاّ مثالاً واحداً وهو : «أعطيتك إيّاه بكذا» ، انظر غاية المراد : ٨١.

١١٩

وربما يبدّل هذا باشتراط الحقيقة في الصيغة ، فلا ينعقد بالمجازات ، حتى صرّح بعضهم : بعدم الفرق بين المجاز القريب والبعيد (١).

والمراد بالصريح كما يظهر من جماعة من الخاصّة (٢) والعامّة (٣) في باب الطلاق ، وغيره ـ : ما كان موضوعاً لعنوان (٤) ذلك العقد لغةً أو شرعاً ، ومن الكناية : ما أفاد لازم ذلك العقد بحسب الوضع ، فيفيد إرادة نفسه بالقرائن ، وهي على قسمين عندهم : جليّة وخفيّة.

الظاهر جواز الإنشاء بكل لفظ له ظهور عرفي في المعنى المقصود

والذي يظهر من النصوص المتفرّقة في أبواب العقود اللازمة (٥) والفتاوي المتعرّضة لصيغها في البيع بقولٍ مطلق وفي بعض أنواعه وفي غير البيع من العقود اللازمة (٦) ، هو : الاكتفاء بكلّ لفظٍ له ظهور عرفيّ معتدّ به في المعنى المقصود ، فلا فرق بين قوله : بعت وملّكت ، وبين قوله : نقلت إلى ملكك ، أو جعلته ملكاً لك بكذا ، وهذا هو الذي قوّاه جماعة من متأخّري المتأخّرين.

__________________

(١) حكى ذلك السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ١٤٩) عن أُستاذه الشريف السيّد الطباطبائي (بحر العلوم) ، وصرّح بعدم الفرق أيضاً صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٤٩.

(٢) منهم فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد ٣ : ١٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٥ : ١٧٢.

(٣) انظر المغني ٦ : ٥٣٢ (فصل انعقاد النكاح وألفاظه) ، و ٧ : ١٢١ (باب ألفاظ الطلاق).

(٤) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : بعنوان.

(٥) منها ما تقدّمت الإشارة إليها في المعاطاة ، راجع الصفحة ٥٩ ، الهامش ٨.

(٦) سيأتي نصّ فتاوى بعضهم.

١٢٠