الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان اُمّ أبيها فاطمة الزهراء عليها السلام

السيّد محسن الحسيني الأميني

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان اُمّ أبيها فاطمة الزهراء عليها السلام

المؤلف:

السيّد محسن الحسيني الأميني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: شفق للطباعة والنشر
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-485-068-4
الصفحات: ٩٥

«والجبهة» الجبهة من الإنسان : هي مستوى فيما بين الحاجبين إلى الناصية ، قاله الخليل (١).

وقال الأصمعي : هي موضع السجود (٢).

«ومسحني» المسح : إمرار اليد على الشيى السائل (٣).

«بريقه» الريق : ماء الفم ، ويؤنّث بالهاء في الشعر فيقال : ريقة ، وقيل التأنيث بالهاء للوحدة (٤).

«فما احتجت إلى طيب بعده» الحوج بالضم : الفقر ، وقد حاج الرجل ، واحتاج : إذا إفتقر.

«إلى طيب بعده» والطيب نوع من العطر ، والمعنى إنّها عليها السلام ما افترقت إلى عطر وطيب بعد ما مسح رسول الله صلى الله عليه واله جبهتها بريقه.

* * *

__________________

١ ـ كتاب العين : ج ٣ ، ص ٣٩٥.

٢ ـ المصباح المنير : ص ٩١.

٣ ـ تاج العروس : ج ٧ ، ص ١١٨.

٤ ـ المصباح المنير : ج ٢٤٨ وكتاب العين : ج ٥ ، ص ٢٠٩.

٤١
٤٢

الفصل الثالث

الرسول الأعظم صلى الله عليه واله

يورّث فاطمة عليها السلام وذريّتها أخلاقه

٤٣
٤٤

يخاطب رسول الله صلى الله عليه واله نبيّ الرّحمة حبيبة أبيها : يا فاطمة ما بعث الله نبيّاً إلّا جعل له ذريّته من صلبه وجعل ذريّتي من صلب عليّ ولولا علي ما كانت لي ذريّة (١).

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه واله : مخاطباً لها : إنّ الله جعل ذريّة كلّ نبّي في صلبه ، وجعل ذريّتي في صلب هذا ـ يعني علّياً ـ (٢).

وتثمر شجرة النبّوة وتلد فاطمة عليها السلام الحسن ثمّ الحسين : وتبدأ هذه العلاقة الأبويّة والروحيّة بين رسول الله صلى الله عليه واله وبين الحسن والحسين من يوم الميلاد ، فهي علاقة النبّوة بالإمامة ، وعلاقة حفظ

__________________

١ ـ تفسير علي بن ابراهيم : ج ٢ ، ص ٣٣٦ ـ ٣٣٨.

٢ ـ ذخائر العقبىٰ : ص ٦٧.

٤٥

الشريعة ، وقيادة الاُمّة ـ بعد رسول الله صلى الله عليه واله ـ بالتبليغ والرسالة فكانت هذه العلاقة نسب وروح ومبدأ وهدف كما صرّح بذلك الخطيب البغدادي في تاريخه بإسناده عن فاطمة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه واله «كلّ بني آدم ينتمون إلى عصبتهم إلّا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم» (١).

وهكذا أخرجه الهيثمي بإسناده عن فاطمة الكبرى عليها السلام قالت : قال رسول الله صلى الله عليه واله : «كلّ بني آدم ينتمون إلى عصبة إلاّ ولد فاطمة ، فأنا وليّهم وأنا عصبتهم» (٢).

وفي حديث آخر قالت فاطمة الكبرى عليها السلام : قال النبي : «لكلّ نبي عصبة ينتمون إليه ، وإنّ فاطمة عصبتى التي تنتمي» (٣).

«كلّ بني آدم ينتمون إلى عصبتيهم» قال الجوهري : نميت الرجل إلى أبيه نمياً : نسبته إليه ، وانتمىٰ هو : إنتسب (٤).

«والعصبة» قال الجوهري : عصبة الرجل : بنوه وقرابته لأبيه ، وإنمّا سموا عصبةً لأنّهم عصبوا به أي أحاطو به ، فالأب طرف والإبن طرف والعم جانب والأخ جانب (٥).

__________________

١ ـ تاريخ بغداد : ج ١١ ، ص ٢٨٥.

٢ ـ مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٧٢ ـ ١٧٣.

٣ ـ دلائل الإمامة : ٨.

٤ ـ الصحاح في اللغة : ج ٦ ، ص ٢٥١٦.

٥ ـ الصحاح في اللغة : ج ١ ، ص ١٨٢.

٤٦

«إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم» أي الحسن والحسين وما نزلوا إلى يوم القيامة.

إذن المعنى كلّ بني آدم ينتسبون إلى أبيهم إلا ولد فاطمة لأنّ النبيّ صلى الله عليه واله قال : أنا أبوهم وأنا عصبتهم.

وها هي فاطمة بنت محمّد ذات الشرف والمجد الرفيع تعيش في كنف أبيها وتحدّث لنا مواقف رسول الله وصفاته وحياته ودعاءه في ليلة عرفة.

فقد أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (١) والحافظ محمّد بن محمّد الجزري في أسنى المطالب (٢) ومحب الدين الطبري : في مناقب الامام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام من الرياض النضره (٣) والطبراني في المعجم الكبير (٤) ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبي (٥) والصدوق في أماليه (٦) وهكذا في أسمى المطالب (٧) وإليك نص الحديث كما جاء في المعجم الكبير ، ومجمع

__________________

١ ـ مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٣٢.

٢ ـ أسنى المطالب : ص ٦٦ ـ ٦٧.

٣ ـ مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ص ١٢٩ ـ ١٣٠ ، ح ٣٠.

٤ ـ المعجم الكبير : ج ٢٢ ، ص ٤١٥ ، ح ١٠٢٦.

٥ ـ ذخائر العقبى : ص ٩٢.

٦ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ص ١٥٣ ، ح ٨.

٧ ـ أسمى المطالب : ص ٦٢.

٤٧

الزوائد ، وأمالي الشيخ الصدوق ، حدّثنا محمّد بن عبدالله الحضرمي ، ثنا جندل بن والق ، ثنا محمّد بن عمر المازني ، عن عباد الكلبي ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن فاطمة الصغرى ، عن حسين بن علي ، عن اُمّه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله قالت : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه واله عشيّة عرفة ، فقال : «إن الله عزّوجلّ باهى بكم وغفرلكم عامّة ولعليّ خاصّة ، وإنّي رسول الله إليكم غير محابّ لقرابتي ، هذا جبرئيل يخبرني إنّ السعيد كلّ السعيد حقّ السعيد من أحبّ عليّاً في حياته وبعد موته ، وأنّ الشقي كلّ الشقي من أبغض عليّاً في حياته وبعد موته.»

«خرج علينا» أي جاء بنا.

«رسول الله» والرسول : فعول بمعنى مفعول. وإنّما وصف الأنبياء بالمرسلين ، لأنّ الرسول أخصّ من النبيّ ، لأنّ كلّ رسول نبيّ من غير عكس.

وقيل : الرسول من بعثه الله تعالى بشريعة جديدة يدعو الناس إليها ، والنبي يعمّه ، وقيل : الرسول من يأتيه الملك بالوحي عياناً ومشافهة ، والنبي : يقال له ولمن يوحى إليه في المنام.

وهذا القول مرويّ عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام : قالا : إنّ

٤٨

الرسول الذي يظهر له الملك فيكلّمه ، والنبيّ هو الذي يرى في منامه. وربّما اجتمعت النبوّة والرسالة لواحد (١).

وعن زرارة قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله تعالى : «وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا» (٢) ما الرسول؟ وما النبيّ؟ ، قال : النبيّ الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك ، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك (٣).

«والله» لفظ دال على المعبود بالحق ، ولم يطلق على غيره أصلاً ، وهو إسم علم لذات الواجب إبتداءً ، وعليه مدار التوحيد في قولنا : «لا إلٰه إلّا الله».

«عشيّة عرفة» العشيّة آخر النهار ، والعشاء أوّل الظلام ، أو من المغرب إلى العتمة ، أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر (٤).

«عرفة» عرفات : هي الموضع المعروف ، قيل سميّت بذلك لما روى أنّ جبرئيل عمد بإبراهيم عليه السلام إلى عرفات ، فقال : هذه عرفات فأعرف بها مناسكك واعترف بذنبك ، فسميّت عرفات (٥).

قال الله سبحانه عزّوجلّ : (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ

__________________

١ ـ الكافي : ج ١ ، ص ١٧٧ ، ح ٤.

٢ ـ مريم : ٥١.

٣ ـ الكافي : ج ١ ، ص ١٧٦ ، ح ١.

٤ ـ القاموس المحيط ، ج ٤ ، ص ٣٦٢.

٥ ـ مجمع البحرين : ج ٥ ، ص ٩٥.

٤٩

فَاذْكُرُوا اللَّهَ) (١).

فقال : «إنّ الله عزّوجلّ باهى بكم» أي افتخر بكم.

«وغفر لكم عامة» والمغفرة : في الأصل : اسم من غفر الشيىء غفراً : إذا ستره ، ثمّ اُطلقت على ستر القادر القبيح الصادر ممّن هو تحت قدرته وإذا نسبت إلى الله تعالى ، فالمراد بها لستره لذنوب عباده وعيوبهم مع تجاوزه عن خطاياهم وذنوبهم ، وعفوه عن معاصيهم.

«عامة» العامة خلاف الخاصة ، والجمع العوام ، قاله الخليل (٢) والفيومي (٣).

«ولعلي خاصة» وهو علي بن أبي طالب ابن عمّ الرسول وزوج البتول.

«والخاصة» خلاف العامة والهاء للتأكيد ، وعن الكسائي الخاص والخاصة : واحد ، قاله الفيومي (٤).

«وإنّي رسول الله إليكم غير محاب» حابه محاباً وحباباً : وادّه ، قاله الشر توني في أقرب الموارد (٥) والمعنى إنّ ما اُريد أن أقول لكم

__________________

١ ـ البقرة : ١٩٨.

٢ ـ كتاب العين : ج ١ ، ص ٩٥.

٣ ـ المصباح المنير : ص ٤٣٠.

٤ ـ المصباح المنير : ص ١٧١.

٥ ـ أقرب الموارد : ج ١ ، ص ١٥٤.

٥٠

لا من حيث المحبّة والموادّة إليكم ، لأنكم أقربائى. بل هذا جبرائيل يخبرني على ما اُريد أن أقول لكم.

«هذا جبرئيل» جبرئيل فيه لغات : فتح الجيم والراء وهمزة بعدها ، وكسر الجيم والراء وبعدها ياء ساكنة ، والثالثة : كذلك إلا أنّ الجيم مفتوحة ، وهو اسم مركّبٌ من جبر وهو العبد ، وإيل وهو إسم الله عزّوجلّ بالسر يانيّة ، وهو المسمّى بروح القدس ، والمؤيد بإلقاء الوحي إلى الأنبياء ، وهو الروح الأمين ، والرسول الكريم المنعوت بقوله تعالى : «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ» (١) وهو في ذاته جوهر عقليّ روحانيّ قدسيّ ما لم ينزل عن سماء تجرّده وقربه ، فإذا نزل عنها تمثّل وتصوّر بصورة تناسب المنزل عليه كما في قوله تعالى : «فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا» (٢) أي : في أكمل صورة وأجملها ، وإن لم يتمثّل ويتصورّ بل كلّم الرسول في باطن السر والعقل كان كلامه وحديثه كلاماً عقليّاً وحديثاً روحانيّاً.

«يخبرني» الخبر : اسم لما ينقل ويتحدّث به ، قاله الفيومي (٣) وقال الخليل : الخبر : النبأ (٤).

__________________

١ ـ التكوير : ١٩ ـ ٢١.

٢ ـ مريم : ١٧.

٣ ـ المصباح المنير : ١٦٢.

٤ ـ كتاب العين : ج ٤ ، ص ٢٥٨.

٥١

«إنّ السعيد كلّ السعيد حق السعيد» قال الخليل : السيد نقيض النحس في الأشياء ، يوم سعد ويوم نحس (١).

«من أحبّ عليّاً في حياته وبعد موته» الحياة : هي قوة الحس والحركة.

وقيل : هي إعتدال المزاج.

وقيل : قوة تتبع اعتدال المزاج.

وقيل : صفة توجب للمتّصف بها أن يعلم ويقدّر.

«موته» الموت عدم الحياة عمّا إتّصف بها.

وقيل : كيفيّة وجوديّة يخلقها الله في الحي فهو ضدّها ، لقوله عزّوجلّ : «خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ» (٢) والميّت بالتشديد : يطلق على من مات وعلى من سيموت.

ولقد أخرج الزمخشري في الكشاف (٣) ، والإمام الرازي في تفسيره الكبير (٤) ، والقرطبي في تفسيره (٥) والعلامة المجلسي في بحار الأنوار (٦) نقلاً عن جامع

__________________

١ ـ كتاب العين : ج ١ ، ص ٣٢١.

٢ ـ الملك : ٢.

٣ ـ الكشاف : ج ٤ ، ص ٢٢٠.

٤ ـ التفسير الكبير : ج ٢٧ ، ص ١٦٥ ـ ١٦٦.

٥ ـ الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ، ص ٢٣.

٦ ـ بحار الأنوار : ج ٦٥ ، ص ١٣٨ ، مؤسسة الوفاء ـ بيروت.

٥٢

الأخبار (١) : عن النبي صلى الله عليه واله قال : من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا من مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ، ثمّ منكر ونكير ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يزفّ الى الجنّة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرّحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينه : آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة. الحديث.

«وإن الشقي كلّ الشقي» قال الفيومي : شقي يشقي شقاءً : ضد سعد فهو شقي (٢).

«من أبغض عليّاً في حياته وبعد موته» البغض بالضم اسم من أبغضته إبغاضاً : ضد أحببته.

__________________

١ ـ جامع الأخبار : ص ١٩٣.

٢ ـ المصباح المنير : ص ٣١٩.

٥٣

والمعنى أنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه واله أراد أن يبيّن للاُمّة آنذاك مقام عترته وذريّته ولا سيّما مقام ابن عمّه ووصيّه ووزيره علي بن أبي طالب عليه السلام فقال صلى الله عليه واله مع غض النظر عن المحبّة والوداد من جهة قرابته معه.

هذا جبرئيل يخبرني بأنّ السعيد من أحبّ عليّاً في حياته وبعد موته ، وأنّ الشقي من أبغض عليّاً في حياته وبعد مماته.

إذن السعادة والشقاوة بمحبّته وبغضه لا تكون لأجل القرابة إلى النبي صلى الله عليه واله بل هذا ناشىء من إخبار جبرئيل إليه.

ها هي فاطمة الزهراء الصدّيقة البتول تسأل أبيها على أن تورّث إبناها الحسن والحسين عليهما السلام شيئاً من صفاته المجيدة من الهيبة والكرامة والسؤدد والشجاعة والجود والكرم؟ فأجابها بأنّ الحسن فله هيبتي وسؤددي وأما الحسين فله جرأتي وجودي وإليك نص ما أخرجه الحاكم عن زينب بنت أبي رافع عن فاطمة إبنة رسول الله صلى الله عليه واله «إنّها أتت بالحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه واله في شكوة التي توفّي فيها فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه واله هذان إبناك فورّثهما شيئاً ، فقال صلى الله عليه واله : أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددى ، وأمّا الحسين فله جرأتي وجودي (١)».

__________________

١ ـ المعجم الكبير : ج ٢٢ ، ص ٤٢٣ ، ح ١٠٤١ وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٨٥ ، الشيخ الصدوق في الخصال : ص ٧٧ ، ح ١٢٢ ، وفي دلائل الإمامة : ٣ ، ذخائر العقبىٰ : ص ١٢٩.

٥٤

وفي حديث آخر : قالت : «يا رسول الله صلى الله عليه واله هذان إبناك فأنحلهما فقال رسول الله صلى الله عليه واله : أمّا الحسن فنحلته هيبتي وسؤددي وأمّا الحسين فنحلته سخائي وشجاعتي (١)».

«إنّها أتت بالحسن والحسين» إنّها : أي فاطمة الزهراء «أتت» الإتيان : المجيىء بسهولة يقال : أتى الرجل يأتي إيتاءً :

والمعنى أن فاطمة الزهراء جاءت بالحسن والحسين.

و «الحسن والحسين» وهما ابنا علي بن أبي طالب عليه السلام من ناحية الأب ، ومن ناحية الاُم فاطمة الزهراء بنت رسول الله.

وهما ريحانتي رسول الله ، أخرجه الهيثمي عن سعد بن أبي وقاص ، قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه واله والحسن والحسين يلعبان على بطنه ، فقلت : يا رسول الله أتحبّهما؟ فقال : وما لي لا احبّهما وهما ريحانتاي (٢).

وفي حديث آخر : قال : وكيف لا احبّهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمّهما (٣).

وفي سنن الترمذي (٤) كما جاء في ذخائر العقبىٰ : قال رسول الله : الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا (٥).

__________________

١ ـ الخصال : ص ٧٧ ، ح ١٢٣.

٢ ـ مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٨١.

٣ ـ مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٨١.

٤ ـ سنن الترمذي : ج ٥ ، ص ٦١٥ ، ح ٣٧٧٠.

٥ ـ ذخائر العقبىٰ ، ص ١٢٤.

٥٥

وهما سبطا رسول الله أخرجه الهيثمي عن يعلى بن مرة : قال : كنّا مع النبي صلى الله عليه واله ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه واله حسين منّي وأنا منه ، أحبّ الله من أحبّه ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط (١) وهما سيدا شباب أهل الجنّة :

أخرجه الحاكم بإسناده عن عبدالله بن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما (٢).

وهكذا أخرجه الهيثمي عن قرّة بن إياس قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة وأبوهما خير منهما (٣).

وفي سنن الترمذي : بإسناده عن أبى سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة (٤).

وأخرج الطبراني بإسناده عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه واله قال : إن ملكاً من السماء لم يكن زارني ، فاستأذن الله عزّوجلّ في زيارتي فبشّرني : إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة (٥).

__________________

١ ـ مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٨١.

٢ ـ المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ، ص ١٦٧.

٣ ـ مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٨٣.

٤ ـ السنن الترمذي : ج ٥ ، ص ٦١٤ ، ح ٣٧٦٨.

٥ ـ المعجم الكبير : ج ٣ ، ص ٣٦ ـ ٣٧ ، ح ٢٦٠٤.

٥٦

وفي حديث آخر عن حذيفة ، أن رسول الله صلى الله عليه واله قال : هذا ملك من الملائكة إستأذن ربّه ليسلّم عليّ ويزورني ، لم يهبط إلى الأرض قبلها ، فبشّرني أن حسناً وحسيناً سيدا شباب أهل الجنّة (١).

فمن تتبّع حياة الحسن والحسين عليهما السلام لابّد أن يصل إلى حد القطع بأنّهما قد توافرت لهما من التربية والإنشاء الروحي والفكري ما لم يتسنّ لسواهما بعد جدّهما صلى الله عليه واله وأبيهما عليه السلام فبصمات الوحي والإعداد الإلٰهي ، صارا طابعاً مميّزاً لشخصيتّهما في شتّى الملامح والعناصر والمنطلقات ، فاِنّهما تلّقيا أرقى ألوان التربية الإسلاميّة على يد جدّهما النبي الأكرم وأبيهما على عليه السلام واُمّهما فاطمة الزهراء عليها السلام من خلال القدوة والتوجيه المباشر الحي ، فللحسنين عليهما السلام مكانة عظمى في الكتاب والسنّة.

فهذا القرآن الكريم معجزة النبي يحمل بين أوراقه وسطوره الآيات البيّنات التي تنطق بمكانة أهل البيت عندالله تعالى ورسالته ، منها :

١ ـ آية التطهير : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (٢).

__________________

١ ـ المعجم الكبير : ج ٣ ، ص ٣٧ ، ح ٢٦٠٦ ـ ٢٦٠٧.

٢ ـ الأحزاب : ٣٣.

٥٧

فقد ورد في سبب نزولها : أنّ النبي صلى الله عليه واله دعا بعباءة خيبريّة ، وجللّ بها عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ثمّ قال : «اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» (١).

فنزلت آية التطهير ، إستجابة لدعاء الرسول محمّد المصطفى صلى الله عليه واله.

٢ ـ آية المباهلة : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (٢).

قال المفسّرون (٣) : إنّها نزلت عندما إتّفق أسقف نجران مع رسول الله صلى الله عليه واله أن يبتهل كلا الطرفين إلى الله ، أن يهلك من كان على الباطل في دعوته واعتقاده ، وخرج الرسول صلى الله عليه واله بأهل بيته ـ علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام للمباهلة ، وحين رأى أسقف

__________________

١ ـ أخرج الحديث كل من مسلم في صحيحه : ج ٤ ، ص ١٨٨٣ ، باب ٩ ، ح ٦١/ ٢٤٢٤ ، والترمذي في سننه : ج ٥ ، ص ٦٥٦ ، ح ٣٨٧١ ، والنسائي في الخصائص : ص ٣٤ ، والطبري في تفسيره ، ج ٢٢ ، ص ٥ و ٦ ، والبيهقي في سننه : ج ٢ ، ١٤٩ والطبراني في المعجم الكبير : ج ٣ ، ص ٥٤ ـ ٥٥ والحسكاني في شواهد التنزيل : ج ٢ ، ص ١٠٦ والحاكم في المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ، ص ١٤٥ ـ ١٤٦.

٢ ـ آل عمران : ٦١.

٣ ـ الطبرسي في مجمع البيان : ج ١ ـ ٢ ، ص ٤٥١ ـ ٤٥٢ ، والزمخشري في الكشاف : ج ٢ ، ص ٣٦٩ ، والبغوي في تفسيره : ج ١ ، ص ٣١٠ ، وتفسير أبي السعود : ج ٢ ، ص ٤٦.

٥٨

نجراني الوجوه الطيبّة والأنفس الزكيّة التي خرج بها الرسول الأعظم لمباهلتهم. اعتذروا للرسول عن مباهلته لأنّهم أيقنوا بالعذاب الحتمي وزوال مذهبهم ، فأذعنوا بدفع الجزية.

فهذه الآية الكريمة : توضّح للأمّة الإسلاميّة بل لجميع الأمم بأنّها عبّرت عن الحسنين عليهما السلام ب ـ «الأبناء» وعن فاطمة عليها السلام ب ـ «نساءنا» وعن محمّد صلى الله عليه واله وعلى عليه السلام ب ـ «أنفسنا» أي أنّ علي نفس محمّد الأمر الذي يشير بصراحة إلى ما يحظى به أهل بيت الرسالة من مقام كريم عندالله عزّوجلّ ورسوله صلى الله عليه واله.

٣ ـ آية المودّة : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) (١).

قال المحدّثون والمفسّرون : إن الآية نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقد أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٢) والهيثمي في مجمع الزوائد (٣) وابن حجر في الصواعق المحرقة (٤) والطبري في ذخائر العقبىٰ (٥) والحاكم الحسكاني في

__________________

١ ـ الشورى : ٢٣.

٢ ـ المعجم الكبير : ج ٣ ، ص ٤٧ ، ح ٢٦٤١.

٣ ـ مجمع الزوائد : ج ٧ ، ص ١٠٣ وج ٩ ، ص ١٦٨.

٤ ـ الصواعق المحرقة : ص ١٧٠.

٥ ـ ذخائر العقبىٰ : ص ٢٥.

٥٩

شواهد التنزيل (١) والطبرسي : في مجمع البيان (٢) بإسنادهم عن ابن عباس ، قال : لما نزلت : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) (٣) قالوا : يا رسول الله صلى الله عليه واله ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي وفاطمة وابناهما.

وقد اكتفينا بهذا القدر اليسير من الآيات التي تؤكد مكانة الحسن والحسين عليهم السلام وأهل البيت جميعا. عندالله سبحانه وتعالى : «إلى رسول الله صلى الله عليه واله في شكواه التي توفّي فيها» شكا يشكو شكاةً : المرض ، وهو شاك أي مريض ، والشكو المرض نفسه ، قاله الخليل (٤).

وقال الطريحي : الشكوى والشكاية : المرض ، ودخلت عليه في شكواه أى في مرضه (٥).

«التي توفي فيها» الوفاة الموت وتوفاه الله قبض روحه.

فالمعنى إنّ فاطمة الزهراء جاءت بالحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه واله في مرضه الذي مات فيه «فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه واله هذان إبناك فورّثهما شيئاً» ولقد نسبت فاطمة الزهراء عليها السلام أولادها

__________________

١ ـ شواهل التنزيل : ج ٢ ، ص ١٩٤ ، ح ٨٢٧.

٢ ـ مجمع البيان : ج ٩ ـ ١٠ ، ص ٢٨.

٣ ـ الشورى : ٢٣.

٤ ـ العين : ج ٥ ، ص ٣٨٨.

٥ ـ مجمع البحرين : ج ١ ، ص ٤٤٦.

٦٠