تاريخ بخارى

أبي بكر محمّد بن جعفر النرشخي

تاريخ بخارى

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن جعفر النرشخي


المحقق: الدكتور أمين عبد المجيد بدوي ونصر الله مبشر الطرازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المعارف
الطبعة: ٣
الصفحات: ١٩٤

ذكر أسامى بخارى

يقول أحمد بن محمد بن نصر إن أسماء بخارى كثيرة ، وقد ذكرها فى كتابه باسم «نيمجكت» ثم رأيته عاد فذكرها فى موضع آخر باسم «بومسكت» (١) وقد كتب فى مكان آخر بالعربية المدينة الصفرية (شارستان رويين) وفى موضع آخر مدينة التجار (شهر بازركانان).

واسم «بخارى» أشهر من كل ذلك ولا يوجد لأية مدينة بخراسان أسماء عديدة.

وورد اسم بخارى فى حديث «الفاخرة». وقد روى الإمام الزاهد الواعظ محمد ابن على النوجاباذى (٢) حديثا عن سلمان الفارسى رضى الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جبريل صلوات الله عليه قال : بالمشرق بقعة يقال لها «خراسان» وثلاث مدن خراسان هذه تزين يوم القيامة بالياقوت والمرجان ويصعد منها نور ويكون حول هذه المدن ملائكة كثيرة تسبح وتحمد وتكبر ، ويؤتى بهذه المدن إلى العرصات بالعز والدلال كالعروس التى تزف إلى بيت زوجها ، ويكون لكل مدينة من هذه المدن سبعون ألف علم وتحت كل علم سبعون ألف شهيد ، وبشفاعة كل شهيد ينجو سبعون ألف موحد من المتكلمين بالفارسية ، وبكل ناحية من هذه المدن عن اليمين واليسار ومن الأمام والخلف طريق طولها عشرة أيام كلها يوم القيامة شهداء.

وقال حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم : يا جبريل : اذكر اسم هذه المدن.

فقال جبريل عليه السلام : واحدة من هذه المدن تسمى بالعربية «القاسمية» وبالفارسية «يشكرد» وتسمى الثانية بالعربية «سمران» وبالفارسية «سمرقند» ويقال

__________________

(١) بومسكت ، ذكرها ياقوت الحموى «بومجكت» وذكرها الإصطخرى وابن حوقل «نومجكت» أو «نموجكت» بالنون.

(٢) نوجا باذى ـ بفتح النون وسكون الواو وفتح الجيم وباء موحدة بين ألفين وذال معجمة وياء نسبة إلى نوجا باذ من قرى بخارى [الأنساب].

٤١

للثالثة بالعربية «فاخرة» وبالفارسية «بخارى». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جبريل لم يسمونها فاخرة؟ فقال : لأن بخارى يوم القيامة تفخر على كل المدن بكثرة الشهداء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم بارك فى فاخرة وطهر قلوبهم بالتقوى وزك أعمالهم واجعلهم رحماء فى أمتى» (١). ومن أجل هذا يشهد أهل المشرق والمغرب برحمة قلوب البخاريين وحسن اعتقادهم وطهرهم.

__________________

(١) ظاهر من السياق أن هذا الحديث موضوع ، وقد ورد فى الكتاب بالفارسية.

٤٢

ذكر بناء قلعة (أرك) بخارى

يقول أحمد بن محمد بن نصر عن عجائبها إن أبا الحسن النيسابورى ذكر فى خزائن العلوم أن سبب بناء قهندز بخارى (أى قلعة أرك بخارى) أن سياوش بن كيكاوس فر من أبيه وعبر جيحون وجاء إلى أفراسياب فلاطفه أفراسياب وزوجه ابنته. وقيل إنه أعطاه جميع ملكه ، فأراد سياوش أن يبقى منه أثر فى هذه الولاية ، لأنها كانت عارية له ، فبنى قلعة بخارى هذه. وكان يقيم بها فى أكثر الأوقات.

وقد وشى بينه وبين أفراسياب فقتله أفراسياب ودفن فى هذا الحصن أيضا بذلك الموضع الذى تدخل إليه من الباب الشرقى داخل باب باعة التبن ويسمى باب الغورية (دروازه غوريان). ولهذا السبب يجل مجوس بخارى هذا الموضع ، وفى كل سنة ينحر كل رجل هنالك ديكا نذرا له قبل طلوع شمس النوروز. ولأهل بخارى فى مقتل سياوش نياحات معروفة فى جميع الولايات جعلها المطربون أناشيد ينشدونها ، ويسميها القوالون نواح المجوس ، وقد مضى على هذا الحديث أكثر من ثلاثة آلاف سنة. فهو الذى بنى هذه القلعة بناء على هذه الرواية.

وقد ذكر البعض أن أفراسياب هو الذى بناها وأنها تخربت وبقيت سنوات مخربة. فلما جلس بيدون بخار خداة على العرش ، وكان زوج تلك الخاتون التى ذكرناها وأبا طغشادة أرسل شخصا عمر هذه القلعة.

وكان هو الذى عمر القصر وكتب اسمه على الحديد وثبته على بابه. وبقيت هذه الكتابة الحديدية على باب القصر حتى أيام المترجم. ولكن أحمد بن محمد ابن نصر يقول : إنه لما دمرت هذه القلعة دمر ذلك الباب أيضا (١).

وقد روى أحمد بن محمد بن نصر وذكر محمد بن جعفر وأبو الحسن النيسابورى أنه لما بنى بيدون بخار خداة هذا القصر ، انهدم ، فأعاد بناءه ثم انهدم ، وكان

__________________

(١) يبدو من عبارة الكتاب أنه كان هنالك قصر بداخل القلعة.

٤٣

يبنيه مرارا ثم ينهدم ، فجمعوا الحكماء وطلبوا تدبر الأمر ، فصار الانفاق على أن يبنى هذا القصر على سبعة عمد حجرية على شكل بنات نعش (١) التى فى السماء ، فلم يهدم على تلك الصورة. والعجب الآخر هو أنه منذ بنى هذا القصر لم ينهزم فيه ملك ، بل كان النصر حليفه. والعجيب أيضا هو أنه منذ بنى لم يمت فيه ملك قط لا فى الجاهلية ولا فى الإسلام ، وحين كان يدنو أجل ملك من الملوك كان يعرض سبب ، فيخرج منه ويتوفى فى مكان آخر. وظل الحال على ذلك منذ بنائه حتى خرابه. ولهذه القلعة بابان شرقى وغربى. ويسمى الباب الشرقى بباب الغورية «دروازه غوريان) والغربى باب الصحراء (در ريكستان) وقد سمى فى زمن المترجم باب العلافين (در علف فررشان). وكان فى وسط القلعة طريق يمتد من هذا الباب إلى ذاك. وكانت هذه القلعة مقر الملوك والأمراء والقادة ، كما كان يوجد بها السجن والدواوين الملكية والقصر الملكى وبيت الحريم والخزانة من قديم الزمان.

وقد تخربت هذه القلعة فى زمن المترجم ومضى على ذلك عدة سنوات. فأمر أرسلان خان بعمارتها وجعل مقره هنالك ، وجعل أحد الأمراء الكبار مستحفظا لها ليحافظ عليها كما ينبغى. وكان لهذه القلعة حرمة عظيمة فى نظر الخلق. وعند ما بلغ خوارزمشاه بخارى فى شهور سنة أربع وثلاثين وخمسمائة (١١٣٩ م) كان الأمير زنكى على ، خليفة (٢) وواليا على بخارى من قبل السلطان سنجر (٣) ، فقبض عليه وقتله وخرب القلعة ، وبقيت خرابا أكثر من سنتين. ولما صار ألبتكين واليا على بخارى من قبل كورخان فى شهور سنة ست وثلاثين وخمسمائة (١١٤١ م) أمر فى هذه السنة بتعمير هذه القلعة وجعلها مقرّا له وصارت القلعة أحسن مما كانت. وفى شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة (١١٤٣ م) جاء حشم الغزّ إلى بخارى وحوصر عين الدولة

__________________

(١) بنات نعش : سبعة نجوم ترى فى السماء وتعرف بالدب الأكبر.

(٢) هكذا فى الأصل والمراد هنا بكلمة خليفة النائب عن الملك أو السلطان.

(٣) هو أبو الحارث معز الدين السلطان سنجر السلجوقى الملك السادس من ملوك السلجوقيين الذين حكموا فى إيران. جلس على العرش سنة ٥١٢ ه‍. (١١١٨ م) وتوفى سنة ٥٥٢ ه‍ (١١٥٧ م) بمرو حيث دفن هناك. [ش. سامى : قاموس الأعلام ج ٤ ص ٢٦٥٤].

٤٤

وقراچه بيك والوزير شهاب ، فكانت واقعة ومحنة عظيمتين ، واستولى حشم الغزّ على القلعة وقتلوا الوزير شهابا وخربوها وظلت خرابا وحينما أرادوا فى شهور سنة ستين وخمسمائة (١١٦٤ م) إقامة ربض بخارى وكان من اللازم أن يكون أساس الربض من الآجر فككوا أساس القلعة وأبراجها التى كانت من الآجر واستخدموها فى بناء ربض بخارى فتخربت تلك القلعة كلية ، ولم يبق من ذلك القصر أى بناء آخر أو أثر.

وفى شهور سنة أربع وستمائة (١٢٠٧ م) استولى خوارزمشاه محمد بن السلطان تكش على بخارى وعمر القلعة ثانيا وقهر الختا (١) ثم جاء عسكر التتار فى شهور سنة ست عشرة وستمائة (١٢١٩ م) وكان أميرهم چنكيز خان (٢) ، وحاربوا على باب القلعة اثنى عشر يوما واستولوا عليها وخربوها.

__________________

(١) الختا ـ طائفة من طوائف المغول استولت على بلاد المغول وقسم من الصين فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) بقيادة «بوليجى آپو آكى» وأطلق اسم الختا على دولتهم الواسعة التى دامت مدة قرنين إلى أن تغلبت عليهم قبيلة «بوشى» من قبائل «مانچو». [ش. سامى : قاموس الأعلام ج ٣ ص ٢٠٤٩].

(٢) هذه الكلمة تنطق «تشنجيز» مع عدم تعطيش الجيم. وهو فاتح مغولى رهيب (١١٧٦ ـ ١٢٢٧ م) اسمه الأصلى تيموچين ، عرف بلقب چنكيز خان بعد فتح منغوليا سنة ١٢٠٦ م وتأسيس عاصمة له فى قراقورم ، ثم هاجم إمبراطورية الشان شمالى الصين واستولى على غالبية أراضيها سنة ١٢١٥ م. وفتح التركستان وماوراء النهر وأفغانستان بين سنتى ١٢١٨ ـ ١٢٢٤ م ، كما أغار على فارس والدول المجاورة لها ـ توفى أثناء حروبه ضد الشان وقسمت مملكته بين أولاده الثلاثة وبقيت إمبراطوريته إلى سنة ١٣٦٨ م. ومن نسله تيمور لنك.

٤٥

ذكر دور الملوك التى كانت ببخارى

المسافة من الباب الغربى لقلعة بخارى حتى باب المعبد وتسمى «ريكستان» أى الصحراء كانت توجد بها دور الملوك من قديم الزمان فى الجاهلية.

وفى زمان آل سامان أمر الأمير السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل السامانى ، ببناء قصر فى ريكستان ، فبنوا قصرا فى غاية الجمال وأنفق عليه مالا كثيرا وأمر بأن يبنى على باب قصره دار للعمال بحيث كان لكل عامل على حدة ديوان فى داره على باب قصر السلطان مثل ديوان الوزير وديوان المستوفى وديوان عميد السلطان وديوان صاحب الشرطة وديوان الصاحب المؤيد وديوان الشرف وديوان المملكة الخاص وديوان المحتسب وديوان الأوقاف وديوان القضاء. فبنيت الدواوين بأمره على هذا الترتيب.

وفى زمان الأمير الرشيد (١) عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل بنى وزيره أحمد بن الحسن العتبى رحمه الله مؤلف كتاب يمينى (تاريخ يمينى) والذى قبره بمحلة باب منصور بجوار حمام الخان أمام المدرسة مسجدا فى غاية الجمال ، فاكتسب ذلك الموضع كماله من المسجد. ولما سقط الأمير الموفق (٢) عن دابته ومات جاء الغلمان ليلا إلى السراى وأخذوا فى نهبها فقاومهم الخاصة والجوارى وأضرموا النار فى السراى حتى احترقت كلها ، وباد كل ما فيها من طرائف ذهبية وفضية بحيث لم يبق أثر من تلك الأبنية. ولما تربع الأمير السديد منصور بن نوح على العرش فى شهر شوال سنة ثلاثمائة وخمسين (٩٦١ م) بجوى موليان ، أمر أن تعمر هذه القصور مرة أخرى وكل ما سبق أن تلف أو ضاع حصلوا على خير منه ، وعندئذ أقام الأمير السديد بالقصر ولم يكد يحول الحول حتى

__________________

(١) هذه العبارة (الأمير الرشيد) وردت بنسخة مدرس رضوى بين قوسين.

(٢) فى نسخة مدرس رضوى (الأمير الرشيد) ـ بين قوسين.

٤٦

وافت ليلة «سورى» (١) فأوقدوا نارا عظيمة جريا على العادة القديمة فطارت شرارة واشتعل سقف السراى واحترقت كلها مرة أخرى ، وذهب الأمير السديد أيضا فى الليل إلى جوى موليان ، وأمر الوزير كذلك فأخرج الخزائن والدفائن كلها فى تلك الليلة وأرسلها إلى جوى موليان على يد الثقات. فلما طلع النهار تبينوا أنه لم يغب شىء سوى فنجان (٢) من الذهب ، فأمر وزيره بفنجان من خالص ماله كان وزنه سبعمائة مثقال وأرسله إلى الخزانة ، ومنذ ذلك الحين بقى ذلك الموضع صحراء وتخرب ، ومن ثم صارت سراى الملوك فى جوى موليان. ولم يكن فى بخارى موضع أو منزل أفضل من مقام جوى موليان النفيس الشبيه بالجنة ، لأن كل أماكنه قصور وحدائق وخمائل وبساتين وأمواه جارية على الدوام تتلوى فى مروجه ، وكانت تتخللها كذلك أنهار تجرى فى ألف اتجاه نحو المروج والرياض وكان كل من يشاهد هذه الأمواه الجارية يحار من أين تأتى وإلى أين تمضى. وقد خططها نوادر أساتذة العصر والمعماريون على صورة قال فيها أحد السراة : بيت :

جاء ماء الحيوان (٣) إلى الخميلة ومضى باكيا

وأكثر الأنين لاضطراره إلى مغادرة هذا الروض (٤)

ثم إن ما بين باب ريكستان إلى «دشتك» (٥) بأجمعه كان دورا منسقة منقوشة ممتازة مشيدة بالأحجار ومضايف مزدانة بالصور ، وحدائق كبيرة غناء

__________________

(١) يريد چهارشنبه سورى (تشهار شنبه سورى) آخر ليلة أربعاء فى العام المنصرم قبل بدء العام الجديد وحلول الربيع وفيها يوقد الإيرانيون النيران حتى اليوم.

(٢) معرب پنكان. (Pengan).

(٣) أى ماء الحياة ، وجاء فى التنزيل : (وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون) (آية ٦٤ سورة العنكبوت).

(٤)

آب حيوان بچمن آمد وبا شيون رفت

ناله ها كرد كه مى بايد از اين كلشن رفت

(٥) دشتك هذه (بفتح الدال وسكون الشين وفتح التاء وبآخره كاف ساكنة). غير دشتك التى تقع قريبة من مدينة الرى وتعد من قراها وينسب إليها أحمد بن جعفر بن محمد المدنى المعروف بالدشتكى ، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن سعيد الدشتكى الرازى. وهى بادية صغيرة تقع بجوار قلعة بخارى. انظر حاشية ٢. ص ٤٧. ذكر جوى موليان وصفتها.

٤٧

وأحواض نزهة جميلة وأشجار «كجم» (١) كأنها السرادقات بحيث لم تكن ذرة شمس من المشرق أو المغرب تقع على مجالس الحوض.

وفى هذه الحدائق الكبيرة كثير من ألوان الفاكهة من كمثرى ولوز وبندق وكريز وعناب. وكل فاكهة فى الجنة العنبرية (٢) كانت توجد هنالك فى غاية الحسن واللطف.

__________________

(١) نوع من الأشجار لم نهتد إلى معرفة اسمه بالعربية.

(٢) وصف للجنة أورده المؤلف فأثبتناه بلفظه.

٤٨

ذكر جوى موليان وصفتها

كانت ضياع جوى موليان قديما ملكا للملك طغشاده ، وقد أعطى كلا من أولاده وأصهاره حصة منها. وقد اشترى الأمير إسماعيل السامانى هذه الضياع من حسن بن محمد بن طالوت قائد المستعين (١) بن المعتصم.

وقد أنشأ الأمير إسماعيل فى جوى موليان دورا وبساتين ، وأوقف أكثر الحصص على مواليه وما تزال موقوفة. وكان دائما مشغول البال من جهة مواليه. وذات يوم كان الأمير إسماعيل يشاهد جوى موليان من قلعة بخارى و «سيما الكبير» مولى والده ماثل أمامه ، وكان يحبه ويعزه كثيرا ، فقال الأمير إسماعيل : ألا يهيئ الله الأسباب يوما فأشترى لكم هذه الضياع ، ويطيل بقائى حتى أراها وقد صارت ملكا لكم ، لأنها أثمن ضياع بخارى كلها وأجملها وأطيبها هواء ، فرزقه الله شراءها جميعا ووهبها لمواليه ، فسميت «جوى مواليان» ـ جمع موال ـ ويسميها عامة الناس «جوى موليان» ـ بحذف الألف ـ ويتصل بقلعة بخارى صحراء يقال لها «دشتك» (٢) وكانت جميعها قصباء (٣) فاشترى الأمير إسماعيل رحمه الله ذلك الموضع أيضا من حسن بن طالوت بعشرة آلاف درهم. وقد حصل على عشرة آلاف درهم من ثمن القصب فى العام الأول ، وأوقف الأمير إسماعيل ذلك الموضع على المسجد الجامع.

وكل من ولى الإمارة بعد الأمير إسماعيل من أولاده أنشأ له فى جوى موليان بساتين وقصورا لحسنها ونضارتها ونقاء جوها ، وبالباب الجديد «دروازه نو» موضع

__________________

(١) هو المستعين بالله ـ أحمد بن المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد ، الخليفة الثانى عشر من الخلفاء العباسيين. تولى الخلافة سنة ٢٤٨ ه‍ / ٨٦٢ م وتوفى بعد أربعة أعوام فى الحادية والثلاثين من عمره [ش. سامى : قاموس الأعلام ج ٦ ص ٤٢٧٤].

(٢) دشتك ـ مصغر دشت أى الصحراء.

(٣) قصباء ومقصبة منبت القصب.

٤٩

يقال له «كارك علويان» على باب المدينة ، وقد بنى الأمير (١) هنالك قصرا فى غاية البهاء ، كان يضرب به المثل فى الجمال وكان ذلك فى سنة ثلثمائة وست وخمسين (٩٦٦ م). وكانت تلك الضياع الموسومة «بكارك علويان» أملاكا سلطانية حتى زمان نصر خان بن طمغاج خان ، فوهبها لأهل العلم لأنها كانت قريبة من المدينة لتكون الفلاحة أيسر على الفقهاء ، وأخذ بدلا منها ضياعا أبعد.

وكانت جوى موليان وكارك علويان معمورتين حتى آخر عهد السامانيين ، ولما ذهب الملك من السامانيين تخربت تلك الديار ولم يكن فى بخارى دار ملك معينة غير القلعة ، وذلك إلى زمان الملك شمس الملك نصر بن إبرهيم طمغاج خان الذى بنى «شمس آباد» (٢).

__________________

(١) فى نسخة مدرس رضوى : الأمير منصور بن نوح. وهذا هو الصحيح إذ أن منصور هذا تولى العرش سنة ٣٥٠ ه‍ (٩٦١ م).

(٢) أى معمورة شمس (شمس الملك) نسبة إلى بانيها. وهو السلطان شمس الملك نصر بن إبرهيم بن نصر صاحب ماوراء النهر المتوفى سنة ٤٩٢ ه‍ (١٠٩٩) م. كان من أفاضل الملوك علما ورأيا وسياسة ، درس وأملى الحديث وكتب بخطه المليح مصحفا وخطب على منبرى بخارى وسمرقند وكان فصيحا [خ. الزركلى : الأعلام ج ٨ ص ٣٣٧].

٥٠

ذكر بناء شمس آباد

اشترى الملك شمس الملك ضياعا كثيرة بباب إبرهيم وأنشأ بساتين فى غاية الجمال وأنفق الأموال الطائلة والخزائن فى تلك العمارات وسماها «شمس آباد» ، وأنشأ مرعى متصلا بها لدوابه الخاصة وأسماه «الغورق» وجعل له أسوارا محكمة طولها ميل ، وبنى بداخله قصرا وبرجا للحمام. وكان يقتنى فى ذلك الغورق الحيوانات الوحشية مثل الوعول والغزلان والخنازير والثعالب ، وكانت كلها مروضة ومحاطة بأسوار عالية حتى لا تستطيع الفرار. ولما رحل الملك شمس الملك عن الدنيا ، تولى الملك أخوه خضر خان وزاد عمارات فى شمس آباد كانت نزهة للغاية. ولما ارتحل هو أيضا عن الدنيا ، صار ابنه أحمد خان ملكا فلم يعن بشمس آباد هذه حتى تخربت ؛ فلما جاء ملكشاه من خراسان إلى بخارى أكثر التخريب ، ولما ذهب إلى سمرقند قبض على أحمد خان وحمله إلى خراسان ثم عاد فأرسله إلى ماوراء النهر ، وكانت شمس آباد قد تخربت تماما ، وأمر فبنيت له دار بجويبار (١) وأنشأ بها بستانا ونهرا جاريا وجمع فيها كل أسباب الترف ، وظلت هذه السراى دار الملك ببخارى مدة ثلاثين عاما.

فلما تربع أرسلان خان على العرش كان يقيم بتلك الدار كلما جاء إلى بخارى ، وبعد ذلك رأى من الصواب أن يهدموها وأمر فأزالوا تلك الدار ونقلوها إلى القلعة وبقى ذلك الموضع خرابا.

وبعد عدة سنوات أمر أرسلان خان ببناء دار فى محلة «دروازه چه» (٢) أى الباب الصغير فى حى بوليث ، وأمر ببناء حمام خاص بها وحمام آخر بباب السراى لم يكن له مثيل. وظلت هذه السراى دار الملك ببخارى سنوات طوالا ، وأمر بعد ذلك فجعلوها مدرسة للفقهاء وأوقفوا الحمام الذى كان على باب السراى والقرى الأخرى على تلك المدرسة ، وأمر فبنوا سرايه الخاصة بباب سعد آباد.

__________________

(١) حى هام فى بخارى ، كان فى وقت ما مقر الأشراف الجويباريين (خواجكان جويبارى).

(٢) فى نسخة مدرس رضوى (دروازه) أى الباب أو البوابة :

٥١

ذكر آل كثكثة (١)

ذكر محمد بن جعفر النرشخى فى كتابه أن قتيبة بن مسلم جاء إلى بخارى ، واستولى عليها وأمر أهلها فأعطوا نصف بيوتهم وضياعهم للعرب ، وكان ببخارى قوم يقال لهم آل كثكثة (كثكثان) ذوو حرمة وقدر ومنزلة وكان لهم بين أهل بخارى شرف كبير ، ولم يكونوا من الدهاقين بل كانوا غرباء أصلا وتجارا أغنياء.

فألح قتيبة فى قسمة بيوتهم ومتاعهم ، فتركوا بيوتهم ومناعهم. جملة للعرب ، وبنوا خارج المدينة سبعمائة قصر. وكانت المدينة فى تلك الأيام على ما هى عليه الآن.

وكان كل شخص يبنى حول قصره بيوت خدمه وأتباعه ، وأنشأ البعض على باب قصره بستانا وصحراء (٢) وخرجوا إلى تلك القصور. وقد تخربت تلك القصور اليوم وصار أكثرها مدينة. وقد بقى فى ذلك الموضع قصران أو ثلاثة كانت تسمى قصر المجوس. وقد أقام هنالك المجوس ، وكانت بيوت نار المجوس فى هذه الولاية كثيرة.

وكان على أبواب قصور المجوس هذه بساتين جميلة ناضرة ، وكانت ضياعهم عزيزة للغاية.

وقد ذكر محمد بن جعفر : أننا سمعنا فى أيام الأمير الحميد (٣) ، أن ضياع قصر المجوس كانت قيمة ، لأن ملوك بخارى أقاموا هنالك ورغب غلمان الشاه ومقربوه فى شراء تلك الضياع ، حتى صارت قيمة كل (جفت) (٤) من هذه

__________________

(١) هذه الكلمة وردت فى طبعة طهران تصحيح مدرس رضوى [كشكثه].

(٢) كلمة صحراء واردة بلفظها فى الأصل الفارسى. وكلمة صحراء فى الفارسية لا تعنى حتما الفيا فى الجرداء بل قد تكون ناضرة بأنواع الزروع والنبات.

(٣) أى الأمير الحميد أبو محمد نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل السامانى الذى ألف النرشخى كتابه هذا باسمه.

(٤) «جفت» وحدة مساحية متعارف عليها فى ذلك الوقت ولم نستدل على مقدارها ـ و «جفت كاو زمين» ترجمناها بقطعة أرض يحرثها زوج من البقر ، ويبدو أن «جفت» مخفف «جفت كاو زمين» ، يوجد بالتركية كلمة «چفت» وهى قريبة من «جفت» ويتركب منها المصدر التركى «چفت سورمك» ـ ـ بمعنى الحرث. وتأتى منها كذلك «چفتلك» وهى التى كانت تنطق قديما فى مصر «شفلك» ومعناها التفتيش الزراعى وتجمع على «شفالك» أى التفاتيش الزراعية.

ولا نستطيع بهذه القرينة أن نقول إن «چفت» هى «جفت» وقد جاء فى «قاموس تركى» لشمس الدين سامى ص ٥١١ أن چفت هى جفت الفارسية وأنها تكتب فى الفارسية بالجيم العربية. انظر أيضا حاشية ٤ ص ٢٨

٥٢

الضياع أربعة آلاف درهم.

فلما بلغ هذا الكلام الأمير قال : الأمر كما علم ، وقبل أن يقيم الملوك ببخارى كانت قيمة هذه الضياع أكثر. وكان الشخص إذا أراد أن يشترى قطعة أرض يحرثها زوج من البقر لم يكن يستطيع الحصول عليها فى عام ، وإذا وجدها كان ينبغى شراء كل «جفت» باثنى عشر ألف درهم فضة. وقد رخص السعر الآن بحيث يمكن شراء كل (جفت) بأربعة آلاف درهم فضة. لأن الفضة قلت لدى الناس. ويقول أحمد بن محمد بن نصر : إن ضياع قصر المجوس هذه فى زماننا تعطى مجانا ولا يرغب فيها أحد ، وما يشترى يشبه أن يكون مجانا بسبب الظلم وعدم الرفق بالرعية.

٥٣

ذكر أنهار بخارى ونواحيها

أولها «نهر كرمينه» (١) وهو نهر عظيم ، وثانيها «نهر شاپور كام (٢)» ويسميه عامة بخارى «شافر كام» وقد ذكر فى حكاية أن أحد أبناء كسرى من آل ساسان غضب من أبيه وجاء إلى هذه الولاية ، وكان اسمه «شاپور» و «پور» باللغة الفارسية الابن ـ فلما وصل بخارى أكرمه بخار خداة ، وكان شاپور هذا محبّا للصيد.

فذهب يوما للصيد ونزل بذلك المكان ولم يكن هنالك فى ذلك التاريخ أى قرية أو عمران ، بل كان مرجا ، وأعجبه المصطاد ، فاستقطع ذلك المكان من بخار خداة ليعمره ، فأعطاه له ، فحفر شاپور هذا نهرا عظيما وأسماه باسمه «شاپور كام» وأقام على ذلك النهر رساتيق وبنى قصرا. وتسمى تلك النواحى «رساتيق آبوى» ، وبنى قرية «وردانه» (٣) وقصرا جعله مقرّا له. وصار هنالك ملك عظيم. وبقيت تلك الرساتيق من بعده ميراثا لأولاده. وحين جاء قتيبة بن مسلم إلى بخارى كان من أبناء شاپور وردان خداة ، وكان ملكا عظيما يقيم فى «وردانه» وينازع طغشاده بخار خداة.

وقد وقعت بينه وبين قتيبة حروب كثيرة ومات وردان خداة أخيرا وأعطى قتيبة ملك بخارى لطغشاده. وستذكر هذه القصة فى فتح بيكند وبخارى.

ويسمى النهر الثالث «خرقانة العليا» (٤) والرابع «خرقان (٥) رود» والخامس

__________________

(١) كرمينه انظر تعليقنا بصفحة ٢٧ حاشية ٣.

(٢) Shapour ـ Kam

(٣) انظر تعليقنا بصفحة ٣١ حاشية ٣.

(٤ ، ٥) خرقان ـ خرقانه (Kharaqan ـ Kharaqane) من قرى بسطام. خرقانة العليا ـ خرقان رود ـ خرقان بازار (Desmaison : Dict.Persan ـ Francais ,v.I ,P.٥٤٧)

خرقان (Kharqan) : بفتح أوله وتسكين ثانيه وقاف وآخره نون : قال السمعانى هى من قرى سمرقند على ثمانية فراسخ منها.

[شمس الدين سامى : قاموس الأعلام ج ٣ ، ياقوت : معجم البلدان ج ٣ ص ٤٢١].

٥٤

«عاوختفر» وهو نهر عظيم للغاية ، ويسمى السادس «سامجن» (١) والسابع «بيكان رود» (٢) والثامن «فراواز العليا» وهذا النهر ذو رساتيق كثيرة ، والتاسع «فراواز السفلى» ويسمى كذلك «كام ديمون» ، ويسمى العاشر «أروان» والحادى عشر «كيفر» والثانى عشر «رودزر» وهذا النهر يوجد فى رود شهر.

ولكل نهر ذكرناه رساتيق كثيرة وماء غزير ، ويروى أن كل هذه الأنهار حفرها الناس ما عدا نهر «عاوختفر» فإنه نهر طبيعى حفره ماؤه دون جهد من الأهالى هنالك. [ويسميه البخاريون الآن «رود نفر» (٣)].

__________________

(١) لم نعثر على هذا الاسم فى المراجع ـ وورد فى معجم البلدان : «سانجن : بعد الألف الساكنة نون ساكنة أيضا وجيم مفتوحة وآخره نون ، من قرى نسف [ج ٥ ص ٢٠]. ومدينة «نسف» من أهم مدن بخارى وتقع على بعد ١٥٠ كيلومترا جنوب شرق مدينة بخارى وتعرف الآن بقرشى (Karchi) وهى مسقط رأس علماء أجلاء (انظر تعليقنا بصفحة ٦٣ حاشية ٣).

(٢) بيكان رود أو پيكان رود. بالباء الفارسية أو العربية.) Beykan Rod, Peykan Rod () Desm) Dict. : P. F (

(٣) هذه العبارة موجودة بين قوسين [.....] فى نسخة مدرس رضوى وغير موجودة فى نسخة شيفر.

٥٥

ذكر خراج بخارى ونواحيها

بلغ خراج بخارى ذات مرة فى أيام آل سامان وأمراء آل سامان مليونا ومائة وثمانية وستين ألفا وخمسمائة وستة وستين (٥٦٦ ، ١٦٨ ، ١) درهما وخمسة دوانق ونصف دانق مع خراج «كرمينة».

وقد قل الخراج بعد ذلك فى كل ناحية (١) وغرقت بعض الضياع ، فرفع السلطان الخراج عنها وعن الأماكن المغرقة أيضا. وقد آل بعضها إلى العلويين والفقهاء فحط السلطان عنها الخراج كذلك وصار بعضها ضياعا سلطانية. وانمحى الخراج من الديوان ، وذلك كما حدث فى بيكند وكثير من الرساتيق الأخرى. وقد خرج خراج كرمينة عن عمل بخارى.

__________________

(١) هذه ترجمة عبارة نص شيفر إذ يوجد بها (كم شده) أى قل ، أما نص هذه العبارة فى نسخة مدرس رضوى فهى (واز بعد آن بهر طرف خراج شده) أى وبعد ذلك صار لكل ناحية خراج.

وهذا المعنى أنسب لأن الخراج المذكور كان خراج بخارى وكرمينة معا.

٥٦

ذكر السور المسمى بسور كنپرك (١)

يقول أحمد بن محمد بن نصر : إن محمد بن جعفر النرشخى لم يذكر هذا الفصل بهذا الترتيب ، ولكنه ساق بعضه فى أثناء الكلام. وروى أبو الحسين النيسابورى فى خزائن العلوم أنه لما انتهت الخلافة إلى أمير المؤمنين المهدى (٢) أى أبى هارون الرشيد (٣) ولم يكن أحد قط من خلفاء بنى العباس أورع منه ، قلد إمارة خراسان كلها أبا العباس بن الفضل بن سليمان الطوسى سنة مائة وست وستين هجرية (٧٨٢ م) وجاء هو إلى «مرو» (٤) وأقام هنالك ، فذهب إليه الوجوه والأكابر والعظماء (٥) وذهب كبراء السغد (٦) أيضا جملة إلى مرو للسلام على أمير

__________________

(١) نص هذا العنوان فى نسخة مدرس رضوى : «ذكر ديوار بخارا كه مردمان آنرا ديوار كنپرك كويند» أى ذكر سور بخارى الذى يسميه الناس سور كنپرك.

(٢) هو محمد المهدى بن المنصور بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس ـ ثالث خلفاء العباسيين ولد سنة ١٢٧ ه‍ (٧٤٤ م.) وتولى الخلافة سنة ١٥٨ ه‍ (٧٧٤ م) وتوفى سنة ١٦٩ ه‍ (٧٨٥ م).

(٣) هارون الرشيد بن محمد المهدى السالف الذكر. خامس خلفاء العباسيين ولد سنة ١٤٨ ه‍ (٧٦٥ م) وتولى الخلافة سنة ١٧٠ ه‍ (٧٨٦ م) بعد أخيه موسى الهادى وتوفى بطوس سنة ١٩٣ ه‍ (٨٠٨ م).

(٤) مرو (Meru) : عاصمة من عواصم خراسان القديمة على نهر مرغاب (Morghab) وهى من أقدم المدن فى آسيا الوسطى ، تقع على بعد ٢٦٥ كيلومترا شمال شرق مشهد و ٣٥٠ كيلومترا شمال هراة و ٤٢٥ كيلومتر شرقى بلخ و ٣٢٠ كيلومترا جنوب غرب بخارى و ٤٣٥ كيلومترا جنوب شرق مدينة خيوه. وهى مدينة قديمة جاء ذكرها فى «زند آوستا» كما قام بتوسيعها وإعمارها الإسكندر المقدونى وأخلافه وسماها جغرافيو اليونان «مرغيابى» ويبدو أن هذا الاسم مركب من اسمى «مرو» و. «مرغاب» وتعرف أيضا ب «مرو شاهجهان». وهى مسقط رأس علماء ومشاهير كثيرين يلقبون بالمروزى نسبة إليها منهم الإمام أحمد بن حنبل وسفيان بن سعيد الثورى المحدث وغيرهما. [ش. سامى : قاموس الأعلام ج ٦ ص ٤٢٦٧].

(٥) ترجمة عبارة مدرس رضوى : فذهب إليه وجوه وأكابر وعظماء بخارى.

(٦) السغد (الصغد) : بضم أوله وسكون ثانيه وآخره دال مهملة ، ناحية كثيرة المياه نضرة الأشجار متجاوبة الأطيار مونقة الرياض والأزهار ملتفة الأغصان خضرة الجنان تمتد مسيرة خمسة أيام لا تقع الشمس على كثير من أراضيها ولا تبين القرى من خلال أشجارها وفيها قرى كثيرة بين بخارى وسمرقند وقصبتها سمرقند ، وربما قيلت بالصاد [الصغد]. [ياقوت ، معحم البلدان ج ٥ ص ٨٦].

٥٧

خراسان ، وسألهم عن حال ولاياتهم ، فقال أهل بخارى :

نحن فى نصب من كفرة الترك إذ أنهم يجيئون كل وقت فجأة ويغيرون على القرى ، وقد جاءوا الآن من جديد وأغاروا على قرية «سامدون» وحملوا المسلمين أسارى.

فقال أبو العباس الطوسى : هل لكم من تدبير فأجريه؟

وكان هناك يزيد بن غورك ملك السغد فقال : أطال الله بقاء أمير خراسان ، كان الترك فى سالف الأزمان فى الجاهلية يغيرون على ولاية السغد وكان بالسغد ملكة ، فسورت السغد وأمنت ولاية السغد الأتراك. فأمر أبو العباس الطوسى المهتدى بن حماد بن عمرو الذهلى أمير بخارى من قبله أن يسور بخارى بحيث تكون جميع رساتيق بخارى داخل السور مثل سمرقند حتى لا تصل أيدى الأتراك إلى ولاية بخارى. فأمر المهتدى بن حماد هذا بأن يضرب هذا السور وتوضع البوابات (١) وأن يقام فى كل نصف ميل برج محكم.

وقد قام سعد بن خلف البخارى قاضى بخارى بهذا العمل حتى تم فى أيام محمد بن منصور بن هلجد بن ورق (٢) فى سنة ٢١٥ ه‍ (٨٣٠ م) ، وكان كل أمير بعد ذلك يعمره ويحافظ عليه. وتحمل أهل بخارى مؤنة ونفقات طائلة ، إذ كان يلزم فى كل عام كثير من الأموال والمسخرين حتى كان عصر الأمير إسماعيل السامانى رحمه الله ، فأطلق سراح الخلق إلى أن تخرب ذلك السور وقال : مادمت حيّا فأنا سور لبخارى ، وقام بما تعهد به وكان يحارب دائما بشخصه ولم يدع الأعداء يظفرون ببخارى.

__________________

(١) وتوضع الأبواب فى كل فرسخ (نسخة مدرس رضوى).

(٢) فى نسخة مدرس رضوى : محمد [بن يحيى بن عبد الله] بن منصور بن هلجد بن ورق.

٥٨

ذكر ربض بخارى

تقدم أهل بخارى إلى أمير خراسان محمد بن عبد الله بن طلحة الطاهرين (١) بواسطة أحمد بن خالد أمير بخارى قائلين : إنه يلزم لبلدنا ربض لنغلق الأبواب ليلا ونأمن اللصوص وقطاع الطريق. فأمر فبنوا ربضا فى غاية الجودة والإحكام وأقاموا الأبراج ووضعوا الأبواب. وتم ذلك عام مائتين وخمسة وثلاثين هجرية (٨٤٩ م). وكان هذا الربض يعمّر من جديد كلما قصد عسكر بخارى.

وقد أمر أرسلان خان فى عهده بأن يبنى أمام ذلك الربض القديم ربض آخر بحيث أصبح كلاهما متصلا ومحكما. وقد تخرب ذلك أيضا. وفى شهور سنة ستين وخمسمائة (١١٦٤ م) أمر الخاقان العادل العالم ركن الدنيا والدين مسعود قلج طمغاج خان (٢) نور الله مضجعه فضربوا ربضا خارج الربض القديم وتخرب أيضا. وفى شهور سنة ستين وأربعمائة (٣) (١٠٦٧ م) استولى خوارزمشاه محمد بن السلطان تكش (٤)

__________________

(١) هكذا فى نسختى شيفر ومدرس رضوى ـ وهو محمد بن طاهر بن عبد الله بن طلحة الطاهرى تولى الحكم بعد أبيه طاهر فى رجب ٢٤٨ ه‍. (٨٥٢ م.) وقتله عمرو بن الليث فى شوال ٢٨٣ ه‍. (٨٩٦ م.).

(٢) هو ركن الدين مسعود بن قلج بن طمغاج من ملوك آل أفراسياب فى ما وراء النهر تولى الحكم بعد أحمد خان وحكم بين ٤٩٢ ـ ٤٩٦ ه‍. (١٠٩٨ ـ ١١٠٢ م.) والظاهر أن بالنسخة خطأ أو سهوا فى تاريخ أمره بضرب ربض بخارى وهو كما ورد فى النسختين ٥٦٠ ه

(٣) فى نسخة مدرس رضوى سنة ستين وخمسمائة وأشير فى الحاشية إلى أن هذا التاريخ فى نسختى د ، ت «ستين وأربع وخمسمائة» ومذكور بالكتاب فى ذكر بناء قلعة بخارى ص ٢٥ أن خوارزمشاه محمد بن نكش استولى على بخارى سنة ٦٠٤ ه‍ (١٢٠٧ م) وعمر القلعة ثانيا وقهر الختا.

(٤) هو قطب الدين محمد بن تكش (تكين) وقد تولى فى ١٩ رمضان سنة ٥٩٦ ه‍. (١١٩٩ م). وهذا أيضا يدل على وقوع خطأ أو سهو فى التاريخ المذكور. وتسلسل ملوك الخوارزمشاهية وتواريخ توليهم كمايلى : ١ ـ قطب الدين محمد بن أنوشتكين ٤٩١ ه‍ (١٠٩٧ م) ، ٢ ـ أتسز بن قطب الدين ٥٢١ ه‍ (١١٢٧ م.). ٣ ـ أيل أرسلان بن أتسز ٥٥١ ه‍. (١١٥٦ م). ٤ ـ سلطان شاه بن أيل أرسلان ٥٥٨ ه‍ (١١٦٢ م). ٥ ـ علاء الدين بن تكين بن أيل أرسلان ٥٨٩ ه‍. (١١٩٣ م). ٦ ـ قطب الدين محمد الثانى بن تكين ٥٩٦ ه‍. (١١٩٩ م.) ـ ٧. جلال الدين بن قطب الدين ٦١٧ ه‍. (١٢٢٠ م.).

(ش. سامى : قراموس الأعلام ج ٣).

٥٩

على بخارى وأمر ببناء ربض وفصيل (١) وجدد كلاهما. [وفى سنة ست عشرة وستمائة (١٢١٩ م) جاء عسكر التتار واستولى على المدينة وتخرب ثانيا](٢).

__________________

(١) الفصيل حائط قصير أقل من الحصن والسور ، ج فصلان [المعجم الوسيط].

(٢) هذه العبارة التى وضعناها بين قوسين [...] أضيفت فيما بعد وذلك بدليل أن محمد بن زفر لخص الترجمة سنة ٥٧٤ ه‍ (١١٧٤ م) وغزو التتار لبخارى كان سنة ٦١٦ ه‍ (١٢١٩ م) كما هو مذكور هنا.

٦٠