تاريخ بخارى

أبي بكر محمّد بن جعفر النرشخي

تاريخ بخارى

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن جعفر النرشخي


المحقق: الدكتور أمين عبد المجيد بدوي ونصر الله مبشر الطرازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المعارف
الطبعة: ٣
الصفحات: ١٩٤

أخاه وفر ، فعدل أبو الأشعث عن سمرقند وجاء إلى ربنجن (١) وأسر الأمير إسماعيل أحمد بن موسى بن مرزوق وبعث به إلى بخارى ، وانهزم عسكر بخارى مرة أخرى ، وكان الأمير إسماعيل ثابتا فى مكانه وقد بقى معه نفر قليل ، وكان معه من المعاريف سيماء الكبير ، فبعث الأمير إسماعيل بشخص وجمع كل من كانوا قد فروا من الغلمان والموالى ، وأعاد إسحق بن أحمد من فرب وخرج من مقاتلة بخارى أيضا ألف رجل وتجمع عسكر القرى (٢) وأعطى الجميع علوفة ، وذهب الأمير نصر إلى ربنجن ودبر أمر الجيش وعاد ، وذهب إليه الأمير إسماعيل مرة ثانية فى قرية «واز بدين» (٣) وتلاقيا هنالك وتقاتلا ، وفى يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة سنة خمس وسبعين ومائتين (٨٨٨ م) انتصر الأمير إسماعيل على عسكر فرغانة وانهزم أبو الأشعث ، وكان الجيش كله قد انهزم ، وبقى الأمير نصر فى نفر قليل وانهزم هو أيضا وصاح الأمير إسماعيل فى جماعة من الخوارزمية وأبعدهم عن الأمير نصر وترجل عن جواده وقبل ركابه (أى ركاب الأمير نصر) (وكان سيماء الكبير غلام أبيهما وأخبر القائد الأمير إسماعيل ، وبعث سيماء الكبير بشخص وأخبر الأمير إسماعيل بهذه الحالة ، فترجل نصر بن أحمد عن الجواد وطرح نمرقة وجلس عليها ووصل الأمير إسماعيل وترجل عن الجواد وتقدم وقبل النمرقة) (٤) وقال أيها الأمير لقد كان حكم الله أن أخرجنى عليك ونحن نرى اليوم بأعيننا هذا الأمر بهذه الجسامة ، فقال الأمير نصر : إننا لفى عجب من هذا الأمر الذى أتيت به ، فلم تطع أميرك ولم تقم بأمر الله تعالى الذى فرضه عليك. فقال الأمير إسماعيل : أيها الأمير أنا مقر بأنى أخطأت والذنب كله ذنبى ، وأنت أولى بفضل التجاوز عن هذا الجرم الكبير منى والعفو عنى. وبينما كانا فى هذا الكلام

__________________

(١) ربنجن ، اربنجن ، انظر حاشية (٢) ص ١٠٠.

(٢) فى نسختى شيفر ومدرس رضوى «لشكر قرى» أى عسكر القرى ، وقد أشير فى حاشية مدرس رضوى ص ١٠٠ إلى أنه جاء ببعض النسخ «لشكر قوى» أى عسكر قوى أو جيش قوى.

(٣) أشار مدرس رضوى فى حاشيته إلى أن هذه الكلمة وردت فى نسخة «د» (دادبدين).

(٤) العبارة التى بين قوسين فى هذه (...) تكرار ولعلها رواية أخرى نقلت عن بعض النسخ دون إشارة لذلك.

١٢١

إذ وصل أخوهما الآخر إسحق بن أحمد ولم يترجل عن الجواد. فقال الأمير إسماعيل : يا فلان! ألا تترجل لمولاك؟ وشتمه واحتد عليه ، فترجل إسحق مسرعا ووقع على قدمى نصر وقبل الأرض واعتذر قائلا : إن جوادى هذا جامح ولا يمكن الترجل عنه سريعا. فلما أتم هذا الكلام قال الأمير إسماعيل :

أيها الأمير ـ الصواب أن تعود إلى مقر عزك سريعا قبل أن يصل هنالك هذا الخبر وتثور الرعية فى ماوراء النهر. فقال الأمير نصر : يا أبا إبرهيم ، أأنت الذى تبعث بى إلى مكانى! .. فقال الأمير إسماعيل : إذا لم أفعل هذا فماذا أصنع ، ولا يليق بالعبد أن يعامل سيده غير هذه المعاملة والأمر لك. وكان الأمير نصر يتكلم والدموع تهطل من عينيه ويأسف على ما حدث والدماء التى أريقت ، ثم نهض وركب وقد أمسك الأمير إسماعيل وأخوه إسحق بالركاب وأعادوه. وبعث (أى الأمير إسماعيل) بسيماء الكبير وعبد الله بن مسلم (١) لتشييعه ، فساروا مرحلة وأعادهما الأمير نصر وذهب إلى سمرقند.

ويوم أن كان نصر بن أحمد أسيرا كان يتحدث إلى أولئك القوم كما كان يتحدث إليهم أيام أن كان أميرا جالسا على العرش ، وكانوا وقوفا لديه لخدمته. وقد توفى الأمير نصر بعد ذلك بأربع سنوات لسبع بقين من شهر جمادى الأولى سنة تسع وسبعين ومائتين (٨٩٢ م) وأقيم الأمير إسماعيل خليفة له على جميع أعمال ماوراء النهر وأخوه الآخر وابنه تابعين له.

ولما رحل الأمير نصر عن الدنيا ذهب الأمير إسماعيل من بخارى إلى سمرقند وأقام أود الملك ، وأقام ابنه أحمد خليفة له وواصل الغزو من هنالك. وكان الأمير إسماعيل قد جاء إلى بخارى وبقى بها عشرين سنة حتى رحل أخوه عن الدنيا وفوّض إليه جميع ماوراء النهر. ولما بلغ أمير المؤمنين المعتضد بالله (٢) خبر وفاة الأمير

__________________

(١) فى نسخة شيفر (المسلم) وفى نسخة رضوى (مسلم).

(٢) المعتضد بالله ـ أحمد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد ، الخليفة العباسى السادس عشر ، ولد سنة ٢٤٣ ه‍ (٨٥٧ م) وتولى الخلافة سنة ٢٧٩ ه‍ (٨٩٢ م) وتوفى سنة ٢٨٩ ه‍ (٩٠١ م).

١٢٢

نصر أعطى منشور عمالة ماوراء النهر إلى الأمير إسماعيل فى شهر المحرم سنة مائتين وثمانين (٨٩٣ م). وقد ذهب فى هذا التاريخ محاربا إلى «طراز» (١) ولقى عناء كبيرا ، وخرج أمير طراز آخر الأمر وأسلم مع كثير من الدهاقين ، وفتحت طراز وجعلوا كنيستها الكبرى (٢) مسجدا جامعا ، وتليت الخطبة باسم أمير المؤمنين المعتضد بالله ، وجاء الأمير إسماعيل بغنائم كثيرة ، وملك سبع سنوات وكان أمير ماوراء النهر إلى أن عظم أمر عمرو بن الليث (٣) واستولى على بعض خراسان وأخذ فى الغزو. وقد طلب الأمير على بن الحسين من أحمد أمير الكوزكانية (٤) المعونة ، فلم يلق منه جوابا طيبا ، فعبر جيحون ، وجاء إلى الأمير إسماعيل ببخارى ، فسر الأمير وخرج لاستقباله بالجيش ، وجاء به إلى بخارى معززا مكرما ، وأرسل إليه

__________________

(١) طراز : بكسر الطاء وفتحها ، مدينة قديمة تقع بقرب مدينة تسمى «يه سه» أو تركستان شمال طشقند (أى الشاش) على ضفاف نهر يسمى باسمها «طراز» ويعرف الآن بتحريف باسم نهر تالاس. وقد عرفت طراز بعد الإسلام باسم «أوليا آتا» نسبة إلى أحد كبار الفاتحين وهو السيد شاه محمود بن عبد العزيز العلوى الملقب بأوليا قراخان الذى توفى سنة ٢٨٠ ه‍. (٨٩٣ م.) بطراز ودفن فيها وضريحه يزار ويتبرك به ، كما سميت طراز فى عهد السوفييت باسم «جمبول» بفتح الجيم وسكون الميم وضم الباء وسكون الواو واللام ، وهى الآن مدينة تجارية هامة تتبع جمهورية قزاقستان. وقيل إنها (أى طراز) مدينة «فاراب» القديمة مسقط رأس الفيلسوف الإسلامى العظيم أبى نصر الفارابى ، وعلماء أجلاء مثل إسماعيل بن حماد الجوهرى صاحب «صحاح الجوهرى» وخاله أبو إبرهيم إسحاق بن إبرهيم صاحب «ديوان الأدب» فى اللغة. (انظر : معجم البلدان ج ٦ ص ٣٦ مادة طراز وص ٣٢٢ مادة فاراب) والفقيه الشيخ هبة الله الطرازى. وتمتاز طراز بجمالها الطبيعى وآثارها العديدة وأهميتها الاستراتيجية وصمودها ضد غزوات المغول ، وقد عانى المغول كثيرا من المشقات عند فتحها.

(٢) يذكر النرشخى هنا (كليساى بزرك) أى الكنيسة الكبرى ، كما يذكر معابد الفرس باسم بيت النار وهذا يدل على أن أهل طراز كانوا مسيحيين عند ما غزاها الأمير إسماعيل وفتحها ، ومن المعروف أن المسيحية النسطورية انتشرت فى تلك النواحى منذ القرن الرابع الميلادى.

(٣) عمرو بن الليث الصفار ـ ثانى أمراء الدولة الصفارية (توفى سنة ٢٨٩ ه‍ / ٩٠٣ م.) ولى بعد وفاة أخيه يعقوب سنة ٢٦٥ ه‍. (٨٧٨ م) وأمره المعتضد العباس على أعمال أخيه كلها وهى خراسان وأصبهان وسجستان والهند وكرمان [الأعلام للزركلى].

(٤) الكوزكانية نسبة إلى كوزكان (Gozgan) وتعريبها جوزجان ، ناحية كبيرة فى خراسان بين بلخ ومرو رود (قاموس الأعلام ج ٤ ص ١٨٥١) ، وهى الآن ولاية من الولايات الشمالية بأفغانستان تقع شرقى ولاية فاراب ، وكانت جوزجان مسقط رأس علماء وأدباء كثيرين يلقبون بالجوزجانى منهم الحكيم أبو عبيد الجوزجانى من معاصرى ابن سينا.

١٢٣

نعما كثيرة ، وذهب على بن الحسين إلى فرب وبقى بها ثلاثة عشر شهرا ، وكان الأمير إسماعيل يرسل إليه على الدوام بالهدايا ويعزه. وكان على بن الحسين يقيم هنالك إلى أن قتله ابنه فى الحرب. وقد كتب عمرو بن الليث إلى أبى داود أمير بلخ وأحمد بن فريغون أمير الكوزكانية والأمير إسماعيل أمير ماوراء النهر ودعاهم إلى طاعته ووعدهم الوعود الحسنة ، وقد ذهبوا إليه نزولا على أمره وقدموا الطاعة ، فجاء رسول إلى الأمير إسماعيل وأعطاه رسالة وأخبره بطاعة أمير بلخ وأمير الكوزكانية (لعمرو بن الليث) ، وقال أنت أولى بهذه الطاعة وأجل وأعرف بقدر السلطنة لأنك أمير. فأجابه الأمير إسماعيل بأن مولاك من الجهل بحيث يسوينى بهما وهما عبدان لى وسيكون جوابى لك بالسيف وليس بينى وبينه غير الحرب ، فعد إليه وأخبره ليعد وسائل القتال. فتشاور عمرو بن الليث مع الأمراء والكبراء وطلب منهم العون فى أمر الأمير إسماعيل وقال : يجب أن نرسل إليه شخصا آخر ونحاسنه فى القول ونعده الوعود الطيبة ، فأرسل إليه (أى إلى الأمير إسماعيل) جماعة من مشايخ نيسابور ومن خواصه وكتب إليه رسالة قال فيها : ولو أن أمير المؤمنين (أى الخليفة) أعطانى هذه الولاية فإنى أشركتك فى الملك فيجب أن تكون عونى وتصفو لى حتى لا يجد أى واش سبيلا بيننا وتكون بيننا صداقة واتحاد ، وقد كان ما قلناه قبل هذا على سبيل رفع الكلفة وقد عدلنا عنه ، فيجب أن تحتفظ بولاية ماوراء النهر التى تتاخم العدو وتعنى بالرعية ، وقد منحناك هذه الولاية ولا نريد غير إسعادك وعمار بيتك وأسرتك. وبعث بنفر من معاريف نيسابور [وذهب إلى أبيه وعاهده وأشهدهم على نفسه](١) وقال : لا ثقة لنا بغيرك قط فيجب أن تثق أنت أيضا بنا وتعاهدنا لتستحكم بيننا الصداقة. ولما بلغ الأمير خبر عمرو بن الليث بعث (بجماعة) (٢) إلى ضفة جيحون ولم يدعهم يعبرون ولم يأخذوا منهم ما كانوا جاءوا به ولم يحضروه (أى إلى الأمير) وأعادوهم صاغرين ، فغضب عمرو بن الليث وشمر للحرب وأمر عليّا بن سروش قائده بأن يذهب مع الجيش إلى نهر آموى (جيحون) ويعسكر

__________________

(١) هذه العبارة غامضة وقد ترجمناها كما جاءت فى النص ويبدو أن هنالك عبارة سقطت من الأصل.

(٢) هذه الكلمة غير موجودة فى الأصل وأضفناها للتوضيح.

١٢٤

ولا يتسرع فى العبور حتى يأمره وأرسل فى إثره قائدا آخر اسمه محمد بن الليث فى خمسة آلاف رجل وقال له تشاور مع على بن سروش وأوقفوا الجيش ، وكل من يأتى من هنالك مستأمنا أمنوه وأحسنوا إليه ، واصنعوا السفن وأرسلوا الجواسيس.

وكان عمرو بن الليث يرسل العساكر تباعا. ولما علم الأمير إسماعيل هرع من بخارى ومعه عشرون ألف رجل وذهب إلى شاطئ جيحون وبيّتهم (١) فجأة وعبر جيحون ليلا ، وعلم على بن سروش فركب مسرعا وسلح الجيش وبعث بالمشاة فى المقدمة ودارت الحرب. وكان عسكر الأمير إسماعيل يقبلون من كل صوب وحمى الوطيس وتقهقر محمد بن (٢) على بن سروش وأسر هو كذلك وأسر كثير من معاريف نيسابور ، وفى اليوم التالى أكرم الأمير إسماعيل جيش عمرو بن الليث وزودهم بالعلوفة وردهم جميعا إلى عمرو بن الليث. وقال كبار العسكر للأمير إسماعيل ، إن هؤلاء الذين حاربونا حين أسرتهم خلعت عليهم ورددتهم ، فقال الأمير إسماعيل : ماذا تريدون من هؤلاء المساكين ، اتركوهم ليذهبوا إلى بلدهم فإنهم لن يعودوا أبدا لحربكم ، ويثبطون الآخرين. وعاد الأمير إسماعيل إلى بخارى بكثير من الفضة والثياب والذهب والسلاح. وقد لبث عمرو بن الليث بعد ذلك عاما فى نيسابور محزونا ومحسورا ومهموما ونادما وكان يقول : سأثأر بعد لعلى بن سروش وولده. ولما علم الأمير إسماعيل بأن عمرا بن الليث يستعد للحرب جمع جيشه وزوده بالعلوفة وتفقدهم من كل جانب وأعطى العلوفة لمن يستحق (٣) وللنساجين جميعا ، وكان هذا يشق على الناس ، وكان يقول : سأحارب عمرا بن الليث بهذا الجيش. وبلغ عمرا بن الليث هذا الخبر ، فسر (أى الأمير إسماعيل) وكان على شاطئ جيحون ، وجاء منصور بن قراتكين (٤) وپارش البيكندى من خوارزم إلى نهر آمويه (جيحون) ، ووصل من ولاية التركستان وفرغانة ثلاثون ألفا ، وفى الخامس والعشرين

__________________

(١) أغار عليهم ليلا.

(٢) محمد بن على بن سروش ـ هكذا فى نسختى شيفر ومدرس رضوى ، ومما هو جدير بالذكر أن اسم على بن سروش ورد فى بعض الكتب على بن شروان.

(٣) بنسخة مدرس رضوى : لمن يستحق ومن لا يستحق.

(٤) فى نسخة «د» قرتكنى ـ ذكره مدرس رضوى فى حاشية ص ١٠٥.

١٢٥

من ذى القعدة أرسل محمدا بن هارون مع مقدمة العسكر وخرج هو فى اليوم التالى وعبر جيحون ، وجمع الجيوش فى آمويه (جيحون) من كل مكان ، وساروا من بخارى إلى مدينة خوارزم ، وقد أخذوا أهبتهم حتى يوم الإثنين التالى ، واتجهوا من هناك إلى بلخ ، وحاصر عمرو بن الليث المدينة وعسكر هو أمامها وأخذ العسكر وأحاط بالخندق وبقى عدة أيام حتى جاء الجيش وأحكم الأسوار وتظاهر أمام الناس بأنه رحل عن مدينتهم وأدخل السرور على قلوبهم ، وأرسل الأمير إسماعيل عليّا بن أحمد إلى فرياب (١) وأمر فقتلوا عمال عمرو بن الليث ، وأتوا بكثير من المال ، وأرسل الرجال من كل مكان فكانوا يقتلون رجال عمرو بن الليث ويأتون بالأموال ونزل الأمير إسماعيل بعليا باد بلخ (٢) وأقام هنالك ثلاثة أيام ، وأنهض الجيش من هنالك وأظهر بأنه سينزل بالمصلى ، وأمر فوسعوا ذلك الطريق. فلما رأى عمرو بن الليث الأمر كذلك حصن الأبواب فى ذلك الجانب وجعل العسكر يتقدمون إلى تلك الناحية وأقام المجانيق والعرادات هنالك ، ووضع كمينا فى طريق المصلى وشغل مكان الجيش ، فلما طلع الفجر غير الأمير الماضى (٣) الطريق وقصد باب المدينة من طريق آخر ونزل بجسر عطا (پل عطا) ، فتعجب عمرو ابن الليث من هذا العمل وكان يتحتم حمل المجانيق أيضا إلى ذلك الجانب وبقى الأمير إسماعيل هنالك ثلاثة أيام وأمر فقطعوا المياه عن المدينة وأخذوا يهدمون السور ويقتلعون الأشجار وسدوا الطرق (٤) حتى كان صباح يوم الثلاثاء ، فركب الأمير

__________________

(١) فى نسخة مدرس رضوى «فارياب» وهى كما ورد فى معجم البلدان ج ٦ ص ٣٢٨ : «بكسر الراء ثم ياء مثناة من تحت وآخره باء ، مدينة مشهورة بخراسان من أعمال جوزجان قرب بلخ غربى جيحون وربما أميلت فقيل لها «فيرياب».

وهذه غير «فاراب» مسقط رأس الفارابى الفيلسوف المعروف وقد أشرنا إليها فى تعليقنا على «طراز» بصحيفة ١١٧. وجدير بالذكر أنه توجد ضمن الولايات الشمالية بأفغانستان ولاية تسمى فارياب يحدها من الشرق ولايتا جوزجان وبلخ ومن الغرب ولاية بادغيس.

(٢) قرية من قرى بلخ.

(٣) الأمير الماضى لقب الأمير إسماعيل السامانى.

(٤) فى نسخة شيفر «وراهها راست كردند» أى قوموا الطرق. وفى نسخة مدرس رضوى ص ١٠١ «راهها بست كردند» أى سدوا الطرق ، وهذا أنسب.

١٢٦

إسماعيل فى خف من العسكر وقصد باب المدينة ، فخرج عمرو بن الليث ودارت الحرب وحمى الوطيس ، وانهزم عسكره (أى عسكر عمرو) وكان العسكر يطاردونهم يقتلون بعضا ويأسرون بعضا حتى وصلوا إلى بعد ثمانية فراسخ من بلخ ، فرأوا عمرا ابن الليث مع خادمين ، فر أحدهما وتعلق الآخر بعمرو بن الليث ، فقبضوا على عمرو بن الليث ، وكان كل واحد يقول أنا الذى أسرت عمرا بن الليث ، فقال عمرو بن الليث : إن خادمى هذا هو الذى قبض علىّ ؛ وقد أعطى عمرو ابن الليث ذلك الخادم خمس عشرة حبة من اللؤلؤ قيمة كل منها سبعون ألف درهم ، فأخذوا تلك اللآلئ من ذلك الغلام. وكان القبض على عمرو بن الليث يوم الأربعاء العاشر من جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين ومائتين (٩٠٠ م) وأتوا بعمرو بن الليث إلى الأمير إسماعيل ، وأراد عمرو بن الليث أن يترجل فلم يأذن الأمير الماضى وقال : اليوم أفعل بك ما يعجب له الناس ، فأمر فأنزلوا عمرا بن الليث بالسرادق وأرسل أخاه (أى أخ الأمير إسماعيل) لحراسته. وبعد أربعة أيام رأى الأمير (إسماعيل) (١) فسألوا عمرا بن الليث كيف قبض عليك؟ فقال : كنت أعدو فعجز جوادى ، فترجلت ونمت ورأيت غلامين واقفين عند رأسى فجرد أحدهما السوط ووضعه على أنفى ، فقلت ماذا تريد من رجل هرم (٢)؟ ، وأقسمت عليهما ألا يقتلانى فترجلا وقبلا قدمى وأمنانى ، وأركبنى أحدهما جوادا وتجمع الناس وقالوا ما معك؟ فقلت معى بضع لآلئ قيمة كل منها سبعون ألف درهم وأعطيتهم خاتمى وخلعوا خفى من قدمى فوجدوا بعض الجواهر الثمينة وأدركنى الجيش وكان محمد شاه يمنع الناس عنى ، وفى هذه الأثناء رأيت الأمير إسماعيل من بعد ، فأردت أن أترجل فأقسم بروحه ورأسه ألا تنزل ، فاطمأن قلبى ، وأنزلنى بالسرادق وجلس معى أبو يوسف واحتجزنى ، وحين طلبت الماء أعطونى ماء الورد وعاملونى بكل إعزاز وإكرام ، ثم دخل عندى الأمير إسماعيل ولا طفنى وتعهد بألا يقتلنى وأمر أن

__________________

(١) ليست فى الأصل وأضيفت للتوضيح. ويوجد بعدها فى نسخة شيفر «بفرمود تا بپرسيدند» أى أمر فألوا.

(٢) الترجمة الحرفية «هذا الرجل الهرم».

١٢٧

يركبونى الهودج ويبلغونى المدينة مكرما ويدخلونى سمرقند ليلا بحيث لا يعلم أحد من أهلها ، واشترى الأمير إسماعيل خاتمى من الشخص الذى كان معه بثلاثة آلاف درهم (١) ودفع ثمنه وأرسله إلىّ ، وكان فص الخاتم من الياقوت الأحمر. وقال عمرو بن الليث : كان معى يوم المعركة أربعون ألف درهم نهبت فى الحرب ، وكنت على جواد يقطع خمسين فرسخا ، وقد سبق لى تجربته ، فكان اليوم يسير بضعف بحيث رغبت فى الترجل عنه ، وقد غاصت قوائم الحصان فى جدول فسقطت عنه ويئست من نفسى ، فلما قصدنى هذان قلت لمن كان معى : اركب حصانى ، فركبه ونظرت فكان يسير كالسحاب ، فعرفت أن ذلك كان لإدبارى وليس عيب الحصان.

وقال عمرو بن الليث للأمير إسماعيل : لقد أخفيت فى بلخ عشرة أحمال من الذهب ، فمر بأن يأتوا بها فأنت أولى بها اليوم. فبعث الأمير إسماعيل شخصا وأتوا بها وأرسلها جميعا إلى عمرو بن الليث ، وكلما ألحوا على الأمير إسماعيل رحمه الله لم يقبل (منها شيئا) ، ووصل كتاب أمير المؤمنين إلى سمرقند بطلب عمرو بن الليث ، وكان عنوان الكتاب مكتوبا هكذا : «من عبد الله بن الإمام أبى العباس المعتضد بالله أمير المؤمنين إلى أبى إبرهيم إسماعيل بن أحمد مولى أمير المؤمنين» (٢) فلما وصل الكتاب إلى الأمير إسماعيل حزن من أجل عمرو بن الليث ، إذ لا يمكن رفض أمر الخليفة فأمر فجىء بعمرو بن الليث إلى بخارى فى الهودج ولم يره الأمير إسماعيل وجهه خجلا وأرسل إليه شخصا قائلا : إذا كانت لك حاجة فاطلبها.

فقال عمرو بن الليث : يعنى بأولادى [وأوص من يحملونى بأن يحسنوا معاملتى](٣) ففعل الأمير إسماعيل هكذا وأرسله إلى بغداد فى الهودج ، وحين بلغ بغداد سلمه الخليفة إلى صافى الخادم ، وظل فى القيد عند صافى الخادم حتى آخر عهد المعتضد ، وبقى فى السجن عامين حتى قتل سنة ثمانين ومائتين (٨٩٣ م) ولما بعث الأمير

__________________

(١) فى نسخة شيفر (به درم) أى بثلاثة دراهم ، وفى نسخة مدرس رضوى ص ١٠٨ «سه (هزار) درم» أى ثلاثة آلاف درهم وهو الأنسب.

(٢) هذه العبارة وردت فى الأصل بالعربية.

(٣) هذه العبارة المحصورة بين القوسين [...] موجودة بنسخة مدرس رضوى بين القوسين أيضا وغير موجودة بنسخة شيفر.

١٢٨

إسماعيل بعمرو بن الليث إلى الخليفة أرسل إليه الخليفة منشور خراسان وصارت كل البلاد من عقبة حلوان وولاية خراسان وماوراء النهر والتركستان والسند (١) والهند وكركان (٢) تابعة له ، وقد نصب على كل بلد أميرا ، وأظهر آثار العدل وحسن السيرة ، وكان يعاقب كل من يظلم الرعية ، ولم يكن أحد قط من آل سامان أكثر منه سياسة ، ومع أنه كان زاهدا لم يكن يحابى قط فى أمر الملك ، وكان يطيع الخليفة دائما ولم يعص الخليفة ساعة طوال عمره ، وكان يجل أمره كل الإجلال.

وقد مرض الأمير إسماعيل وظل مريضا مدة وكان مرضه فى الأغلب من الرطوبة. وقال الأطباء بأن هواء جوى موليان رطب جدّا فنقلوه إلى قرية زرمان (٣) التى كانت من أملاكه الخاصة ، وقالوا إن ذلك الجو أوفق له. وكان الأمير يحب تلك القرية ويذهب إليها كل وقت للصيد وكان قد أنشأ هنالك بستانا وظل هناك مريضا مدة حتى توفى [....](٤) فى الخامس عشر من شهر صفر سنة خمس وتسعين ومائتين (٩٠٧ م). وكان أميرا لخراسان عشرين سنة ، وكانت مدة حكمه ثلاثين عاما رحمه الله تعالى.

فقد صارت بخارى فى أيامه دار الملك (أى العاصمة) وجعلها كل أمراء

__________________

(١) السند ـ بكسر أوله وسكون ثانيه وآخره دال مهملة بلاد بين الهند وكرمان وسجستان [ياقوت : معجم البلدان ج ٥ ص ١٥١ ـ ١٥٢].

(٢) كركان :(Gorgan) ولاية بشمال شرقى إيران بين خراسان وبحر خزر سماها قدامى اليونان هيروانى (Hyroanie) ثم عرب بجرجان واشتهرت بين العرب بهذا الاسم وكذا توجد قريتان بهذا الاسم إحداهما بقرب فارس وثانيتها بقرب كرمانشاه ، هكذا فى معجم البلدان [ش. سامى : قاموس الأعلام ج ٥ ص ٣٨٤٥] انظر أيضا حاشية (٢) ص ١٢٥.

(٣) زرمان : بفتح أوله وسكون ثانيه وآخره نون ، من قرى صغد سمرقند ، بينها وبين سمرقند سبعة فراسخ ، عن السمعانى ... ينسب إليها أبو بكر محمد بن موسى الزرمانى. [ياقوت : معجم البلدان ج ٤ ص ٣٨٥].

(٤) بين هذين القوسين بالكتاب توجد العبارة الآتية : «أوهم در آن باغ بود بزيركوزن بزرك» وترجمتها : وكان هو أيضا فى ذلك البستان تحت الوعل الكبير. وهذه العبارة مبهمة وقد أشار مدرس رضوى فى نسخته أيضا إلى ذلك.

١٢٩

آل سامان حاضرتهم ، ولم يقم أى أمير من أمراء خراسان قبله فى بخارى ، وكان يتبرك بالمقام فيها ولم يكن يرتاح لأية ولاية سواها. وكان يقول حيثما وجد ، بلدنا كذا وكذا ـ أى بخارى ـ وخلفه ابنه بعد وفاته وقد لقب (أى الأمير إسماعيل) بالأمير الماضى.

١٣٠

ذكر ولاية الأمير الشهيد أحمد بن إسماعيل السامانى

صار أميرا لخراسان ولقب بالأمير الشهيد ، وكان يسير سيرة أبيه ويعدل وينصف الرعية غاية الإنصاف. وكان الرعايا فى راحة ودعة ، وذهب من هنالك إلى خراسان وكان يتفقد مملكته ، وقد فتح سيستان (١) وكانت سيستان فى أيام الأمير الماضى باسمه ومن هنالك جاء إلى بخارى .. وكان مولعا بالصيد ، وقد ذهب إلى شاطئ جيحون للقنص وضرب سرادقا ولما عاد من الصيد جاء رسول وأتى برسالة من أبى العباس أمير طبرستان وقرأ الرسالة : فكان مكتوبا بها أن حسينا بن العلاء خرج عليه واستولى على أكثر ولاية كركان (٢) وطبرستان (٣) ولا بد لى ضرورة من الفرار ، فضاق صدر الأمير واغتم غاية الغم ودعا وقال : يا إلهى إذا كان هذا الملك سيذهب عنى فأمتنى ، ودخل السرادق ، وكان المتبع أن يحتفظ كل ليلة بأسد على باب البيت الذى ينام فيه ويربط بسلسلة فكل من أراد دخول البيت يقضى عليه ذلك الأسد. ولما كان تلك الليلة ضيق الصدر شغل جميع خاصته فنسوا إحضار الأسد ونام ، فدخل جماعة من غلمان الأمير وقطعوا رأسه يوم الخميس فى الحادى عشر من جمادى

__________________

(١) سيستان معزبها سجستان : ولاية واسعة جنوبى خراسان يتبع نصفها الغربى اليوم إيران ونصفها الشرقى أفغانستان. كانت فى القديم مسقط رأس البطل الفارسى رستم بن زال وقد أقطعها له الملك كيكاوس. وقد صارت سيستان (سجستان) بعد الإسلام منشأ كثير من العلماء والأدباء يعرفون بالسجستانى أو السجزى (شمس الدين سامى : قاموس الأعلام ج ٤ ص ٢٥٣٧ و ٢٧٦٠).

(٢) كركان معربه جرجان ، قال ياقوت : مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان ، فبعض يعدها من هذه وبعض يعدها من تلك. وقال الإصطخرى : أما جرجان فإنها أكبر مدينة بنواجيها وهى أقل نذى ومطرا من طبرستان وأهلها أحسن وقارا وأكثر مروءة من كبرائهم ، وهى قطعتان إحداهما المدينة والأخرى «بكر آباد» وبينهما نهر كبير يحتمل أن تجرى فيه السفن [دائرة المعارف للبستانى ج ٦ ص ٤٢٥ ، ٤٢٦]. وفى قاموس الأعلام ج ٣ ص ١٧٧٦ «قصبة بقرب استراباد على نهر باسمها تقع فى الحدود الشمالية لإيران وجنوب شرقى بحر خوارزم ... وقد كتب لهذه المدينة عدة تواريخ منها تاريخ جرجان لأبى القاسم حمزة بن يوسف الجرجانى.

(٣) انظر حاشية (٥) ص ٥٩.

١٣١

الآخرة سنة إحدى وثلاثمائة من الهجرة (٩١٣ م) وجاءوا به إلى بخارى ودفنوه فى قبر جديد ولقبوه بالأمير الشهيد ، واتهموا أبا الحسن بأنه بعث (هؤلاء الغلمان) وأتوا به إلى بخارى وصلبوه ، وقد وجدوا بعض هؤلاء الغلمان الذين قتلوه فقتلوهم وفر بعضهم إلى التركستان.

وكانت مدة ولايته ست سنوات وأربعة شهور وخمسة أيام.

١٣٢

ذكر ولاية الأمير السعيد أبى الحسن نصر بن أحمد بن إسماعيل السامانى

«رحمه الله»

لما فرغوا من دفن الأمير الشهيد ، لقبوا ابنه نصرا بالسعيد ، وكانت سنه ثمانى سنوات ، وولى وزارته أبو عبد الله محمد بن أحمد الجيهانى ، وصار قائده حمويه ابن على ، وكانوا يسمونه «صاحب وجود خراسان». وكان شأن الأمير السعيد ضعيفا أول الأمر ، وظهرت الفتن فى كل مكان ، وطلب عمّ أبيه إسحق بن أحمد البيعة فى سمرقند وبايعه أهلها ، وخرج ابنه أبو صالح منصور بن إسحق فى نيسابور واستولى على بعض مدن خراسان ، وقوى شأن إسحق بن أحمد فى سمرقند ، فبعث الأمير السعيد بقائده حمويه بن على لمحاربته ، فهزم (إسحق) ودخل الجيش سمرقند ، فاستعد إسحق مرة أخرى وخرج معه أهل سمرقند وحاربوا حمويه فهزم أهل سمرقند ، وخرج إسحق بن أحمد مرة ثالثة وأسر فى هذه المرة ، وكان ابنه منصور بن إسحق فى نيسابور فتوفى ، وصفت كل خراسان وماوراء النهر للأمير السعيد وخطبوا له فى فارس وكرمان وطبرستان وكركان والعراق.

حكاية : فى سنة ثلاث عشرة (وثلثمائة) (٩٢٥ م) ذهب الأمير السعيد من بخارى إلى نيسابور وترك خليفة (نائبا) فى بخارى من أتباعه اسمه أبو العباس أحمد ابن يحيى بن أسد السامانى. وفى هذا التاريخ شب حريق فى محلة «كردون كشان» وكان الحريق من العظم بحيث رآه الناس فى سمرقند ، وقال أهل بخارى إن هذه النار نزلت من السماء ، وقد احترقت هذه المحلة جميعا بحيث تعذر الإطفاء. والخلاصة أن إخوته الآخرين خرجوا وأثاروا فتنا كثيرة ، وفى النهاية فر أبو زكريا الذى كان أصل الفتنة مع نفر قليل وذهب إلى خراسان صفر اليدين ، واستأمن إخوته الآخرون فأمنهم الأمير السعيد وأحضرهم إليه حتى هدأت الفتنة.

حكاية : وفى أيام الأمير السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل شب حريق أيضا

١٣٣

فى بخارى فى شهر رجب سنة خمس وعشرين وثلثمائة (٩٣٦ م) واحترقت جميع الأسواق ، وكانت بدايته من دكان طابخ هريسة (١) فى باب سمرقند حمل الرماد من تحت القدر وصعد به إلى السطح ليملأ به حفرة كانت على السطح (٢) ، وكان بين الرماد جمرة ولم يكن يعرف ، وحملها الريح وألقى بها على سياج من الشوك ، فاشتعل جميع السوق ، واحترقت محلة باب سمرقند بأجمعها. وكانت النار تسير فى الجو كالسحاب وقد احترقت محلة «بكار» وسقيفات (٣) السوق ومدرسة «فارجك» وسقف سوق «كفشكران» (أى الإسكافية) وسوق الصيارفة والبزازين وكل ما كان فى بخارى بأجمعها حتى حافة النهر ، وطارت شرارة فاشتعل مسجد ماخ واحترق جميعه وظل مشتعلا ليلتين ويوما وحار أهل بخارى فى أمره ورأوا كثيرا من العنت إلى أن أطفأوه فى اليوم الثالث. وظلت الأخشاب تحترق شهرا تحت التراب وخسر أهل بخارى أكثر من مائة ألف درهم ولم يستطيعوا أبدا بناء عمارات بخارى كما كانت.

وكانت سلطنة الأمير السعيد إحدى وثلاثين سنة وكان ملكا عادلا أعدل من أبيه ، وكانت شمائله كثيرة يطول شرحها إذا ذكرت جميعا ، وحين رحل عن الدنيا تولى ابنه نوح بن نصر الملك.

__________________

(١) الهريسة طعام يصنع من مسلوق لحم الخراف مع الحنطة وضربهما معا بعد استخراج العظام حتى يصبحا كالعجين ، ويفطر أهل بخارى على هذا الطعام فى الصباح بعد أن يضيفوا إليه الزبد. ويسمى هذا الطعام فى أفغانستان والتركستان «حليم» مع نطق الحاءهاء وينطقها أهل طشقند خاء.

(٢) من عادة أهل بخارى والتركستان أنهم يستعملون الرماد فى ملء ما قد يحدث من شقوق أو حفر أو ما شابهها فى سطوح المنازل التى تكون مبنية من الطين وذلك منعا لنفوذ ماء المطر.

(٣) تصغير سقيفة بفتح السين.

١٣٤

١٣٥
١٣٦

ذكر ولاية الأمير الحميد أبى محمد نوح بن نصر

ابن أحمد بن إسماعيل السامانى

تولى الأمير الحميد الملك فى أول شعبان سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة (٩٤٣ م) ووزر له أبو ذر ، وكان قاضى بخارى ، ولم يكن فى زمانه أفقه منه ، وكتاب «المختصر الكافى» من تصنيفه. ولما توفى الأمير السعيد استقل كل شخص بناحية ، فخرج الأمير الحميد من بخارى وذهب إلى نيسابور ، وكان أبو على الإصفهانى أمير نيسابور ، فأرسل فقبضوا عليه ، واستصفى الولايات وبدد شمل المخالفين وأعطى نيسابور لإبرهيم سيمجور. وقال أبو على الإصفهانى فى نفسه : أنا مهدت له الملك وأعطى الولاية لآخر ، وقال أبو على الإصفهانى لأبى إسحق إبرهيم ابن أحمد بن إسماعيل السامانى اذهب إلى بخارى وخذ الملك وحينما أكون معك لا يستطيع الأمير مقاومتك. فساق أبو إسحق العسكر وأظهر الخلاف ، فعاد الأمير الحميد من نيسابور وتوجه إليه أبو إسحق ووقعت بينهما الحرب وهزم الأمير وتقهقر إلى بخارى وتعقبه عمه أبو إسحق حتى بخارى ، وفى جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة (٩٤٦ م) بايعه جميع أهل بخارى وقرئت الخطبة على جميع منابر بخارى باسم أبى إسحق. وتبين بعد مدة أن جنده أضمروا له الشر ، واتفقوا مع الأمير الحميد ، ويعتزمون قتله ، فنكص عن بخارى وذهب إلى «چغانيان» (١) وأعطى الأمير الحميد قيادة الجيش لمنصور قراتكين وأرسله إلى مرو وقبض على علىّ بن محمد (٢) القزوينى وأوثقه وأرسله إلى بخارى ، وأخمد تلك الفتنة. ووقعت للأمير الحميد فى مدة ولايته حروب كثيرة مع كل طامع فى ملكه. وفى سنة إحدى وأربعين وثلثمائة (٩٥٢ م) صفت الولايات للأمير الحميد. وقد فارق الأمير الحميد الدنيا فى شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة (٩٥٤ م وكانت مدة ملكه اثنتى عشرة سنة.

__________________

(١) چغانيان تنطق «تشغانيان» : اسم محلة فى سمرقند (برهان قاطع).

(٢) فى بعض النسخ على بن أحمد القزوينى.

١٣٧

ويقول أحمد بن محمد بن نصر إن محمدا بن جعفر النرشخى ألف هذا الكتاب باسمه وفى أول عهده سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة (٩٤٢ م) ، ولم يذكر (النرشخى) فى كتابه كل ما كان فى عهد الأمير الحميد. وهذا هو ما تهيأ لنا كذلك بعد الأمير الحميد عن أحوال أمراء آل سامان بتوفيق الله تعالى.

١٣٨

ذكر ولاية [الأمير الرشيد أبى الفوارس](١)

عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل السامانى ـ رحمهم الله تعالى

لما رحل الأمير الحميد عن الدنيا بويع الأمير الرشيد ، وكان فى العاشرة من عمره حين تولى الملك. ولما وصل خبر وفاة الأمير الحميد إلى الولايات طمع كل شخص فى ولاية ، وكان قد بعث الأشعث بن محمد إلى خراسان ووقعت له فى هرى (هراة) وإصفهان (٢) حروب كثيرة ، واستصفى الولايات. وبينما كان مشغولا بهذا الأمر ويحارب إذ سقط الأمير الرشيد عن جواده ، وتوفى فى نفس الليلة ، وكان ذلك ليلة الأربعاء لثمانية أيام خلت من شهر شوال سنة خمسين وثلثمائة (٩٦١ م) وكانت مدة ملكه سبع سنوات. ولما دفنوه ثار العسكر وتمردوا وطمع كل شخص فى الملك وظهرت الفتن.

__________________

(١) هذه العبارة [...] موجودة فى نسخة شيفر وغير موجودة فى نسخة مدرس رضوى.

(٢) إصفهان : منهم من يفتح الهمزة وهم الأكثر (أصفهان) وكسرها آخرون (إصفهان) مثل السمعانى وأبو عبيد البكرى الأندلسى ، (معجم البلدان ج ١ ص ٢٦٩) ـ وهى من أكبر وأجمل وأقدم المدن الإيرانية وبها كثير من المساجد والمدارس الأثرية التى تزينها النقوش والكتابات الخزفية المعروفة بالقيشانى «كاشى».

١٣٩

ذكر ولاية الملك المظفر

أبى صالح منصور بن نصر بن أحمد بن إسماعيل السامانى

تولى الأمير السديد الملك وبايعه الجند وظهر الوفاق بعد الخلاف الكثير وكانت بيعته يوم الجمعة [فى التاسع عشر من شهر شوال سنة خمسين وثلثمائة] (٩٦١ م) (١). وكان الاسفهسالار (أى القائد) البتكين فى نيسابور ، حين بلغه خبر وفاة الأمير الرشيد ، فقصد الحضرة للقبض على الأمير السديد ، وبعث إليه الأمير السديد بجيش (٢) ، فلما بلغ (البتكين) جيحون أراد العبور فلم يستطع لأن جيشا كبيرا كان قد وصل ، وأراد العودة والذهاب إلى نيسابور ولايته ؛ وكتب الأمير السديد إلى محمد بن عبد الرزاق فى نيسابور بأن لا يسمح له بدخولها وعلم البتكين فعرف أنه لا يستطيع الذهاب إلى نيسابور ، فعبر جيجون واجتازه (٣) وذهب إلى بلخ واستولى عليها وأظهر التمرد ، فبعث الأمير السديد بالأشعث بن محمد وخاض عدة حروب مع البتكين وأخيرا أخرج البتكين من بلخ فذهب البتكين إلى غزنه (٤) فتعقبه الأشعث بن محمد إلى غزنه وتحاربا هنالك كذلك ، وانهزم البتكين أمامه مرة

__________________

(١) هذه العبارة [...] مترجمة من نسخة مدرس رضوى لأن عبارة شيفر فيها لبس وغموض ونصها «وبيعت او روز آدينه بود وفوت او در ماه شوال بسال سيصد وپنجاه بود» وترجمتها : وكانت بيعته فى يوم الجمعة ووفاته فى شهر شوال سنة خمسين وثلثمائة.

(٢) فى نسخة شيفر «كس فرستاد» أى أرسل شخصا.

(٣) العبارة فى الأصل الفارسى «همچنان از آب جيحون واز آموى بكذشت» وترجمتها الحرفية «وهكذا عبر نهر جيحون وآموى» وكلمة آموى هنا زائدة لأنها اسم آخر لنهر جيحون وقد وضعت فى نسخة مدرس رضوى بين قوسين دون تعليق.

(٤) غزنه ، بفتح أوله وسكون ثانيه ثم نون ، هكذا يتلفظ بها العامة والصحيح عند العلماء غزنين ويعربونها جرنه ويقال لمجموع بلادها زابلستان. [ياقوت : معجم البلدان ج ٦ ص ٢٨٩].

ويكتبها الأفغان حاليا «غزنى» بالياء ويتلفظونها وهى مدينة وولاية هامة جنوبى غربى كابل على بعد ٤٦ كيلومترا وتجاورها ولاية زابل. ومعلوم أن غزنه كانت عاصمة للدولة الغزنوية التى أسسها سبكتكين مملوك البتكين ومركزا هاما للثقافة الإسلامية.

١٤٠