موفق الدين بن عثمان
المحقق: محمّد فتحي أبو بكر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار المصريّة اللبنانيّة
الطبعة: ١
ISBN: 977-270-182-0
الصفحات: ٧٨٣
الوظيفة الرابعة عشرة : التّصبّر عند معاينة قبر أقاربه (١) وترك الجزع .. عندما مات (٢) ذرّ ، مرّ أبوه على قبره فقال : أما والله يا ذرّ لقد شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك ، ليت شعرى ، ما الذي قلت؟ وما ذا قيل لك (٣)؟! ولقد أحسن القائل :
لست أبكيك لنفسى |
|
إنّما أبكيك لك |
ليت شعرى ما الذي |
|
قلت وما ذا قيل لك |
وفى الحديث (٤) : «لا يموت لأحد ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلّا كانوا له جنّة (٥) من النار .. فقالت امرأة : واثنان؟ ...» (٦).
وفى حديث آخر عن النبي ، صلّى الله عليه وسلم ، أنه قال : «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم» (٧).
__________________
(١) فى «ص» : «التصبّر عند موت أقاربه».
(٢) فى «ص» : «لمّا مات».
(٣) فى «ص» : «ما قلت؟ وما قيل لك؟».
(٤) فى «ص» : «وقد ورد فى الحديث».
(٥) جنّة : وقاية.
(٦) أى : وإذا مات اثنان فالحكم كذلك؟ وفى رواية : قال : واثنان.
[انظر فتح البارى ، شرح صحيح البخارى ، كتاب الجنائز باب من مات له ولد فاحتسب ، ج ٣ ص ١١٨].
(٧) تحلّة القسم ، أى : ما ينحلّ به القسم ، أو قدر ما يحلّل به اليمين .. وقيل : معناه : التقليل ورودها .. وقيل : ما تحلّة القسم؟ قيل : قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) .. وقال الخطّابىّ : معناه : لا يدخل النار ليعاقب بها ، ولكنه يدخلها مجتازا ، ولا يكون ذلك الجواز إلّا قدر ما يحلّل به الرّجل يمينه.
[انظر المصدر السابق ، وانظر الموطّأ ج ١ ص ٢٣٥ كتاب الجنائز ، باب الحسبة فى المصيبة ط عيسى الحلبى].
الوظيفة الخامسة عشرة : ترك النّياحة ، ولطم الخدود ، وشقّ الجيوب ، والدعاء بدعوى الجاهلية. [قال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم : «النّياحة من عمل الجاهلية» وروى ابن مسعود ، رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «ليس منا من لطم الخدود ، وشقّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية»](١).
نعم يجوز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة .. ورد أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم زار قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله .. [وروى أنه قيل له : يا رسول الله ، أتبكى وقد نهيت عن البكاء؟ فقال : إنما نهيت عن النّوح](٢). وروى جعفر بن محمد عن أبيه ، عن فاطمة بنت رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، أنها كانت تزور قبر عمّها حمزة فتبكى عنده.
الوظيفة السادسة عشرة : الجلوس عند قبر من يعرفه من أخ أو صديق ، وقراءة القرآن ، وإهداء ذلك له ، والسلام عليه إذا حضرت وإذا انصرفت (٣).
فقد روى أنه : من زار قبر أخيه وجلس عنده استأنس به ، وردّ عليه ، حتى يقوم.
الوظيفة السابعة عشرة : الكفّ عن الشماتة إذا رأى قبور أعدائه ، وليمنعه من ذلك أنه لا حقّ بهم وإن طالت الأيام.
روى عن بعض الحكماء أنه قال عند موت الإسكندر : سيلحقك من سرّه موتك أيها الملك ، كما لحقت من سرّك موته.
قال الشّاعر (٤) :
إذا ما الموت حلّ بدار قوم |
|
فأفناهم أناخ بآخرينا |
فقل للشّامتين بنا أفيقوا |
|
سيلقى الشامتون كما لقينا |
__________________
(١) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م» سهوا من الناسخ.
(٢) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».
(٣) من قوله : «الجلوس عند قبر من يعرفه» .. إلى هنا .. عن «م» وساقط من «ص».
(٤) فى «م» : «وقال آخر».
الوظيفة الثامنة عشرة : الإعراض عن الضحك فى المقابر ، فإنّ البكاء بهذا الموضع أليق ، ووضع الشيء فى غير موضعه نهاية فى النقصان ، وكذلك فى الجنائز ، كما روى عن بعض الصالحين أنه رأى رجلا يضحك فى جنازة ، فحلف ألّا يكلمه ثلاثة أيام.
الوظيفة التاسعة عشرة : لا يصلّى فى المقبرة ، لما روى عن ابن عمر ، رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم : «سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة : فى المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، والحمّام ، ومعاطن الإبل ، وفوق الكعبة» (١). وروى عن أبى سعيد الخدرىّ ، رضى الله عنه ، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال : «الأرض كلّها مسجد ، إلّا المقبرة والحمّام» (٢). فإن فعل فى المقبرة فله ثلاثة أحوال (٣) :
الحالة الأولى : أن تكون قد تكرر نبشها ، فلا تصح صلاته ، لاختلاط صديد الموتى بالأرض.
الحالة الثانية : أن تكون جديدة ، فقد فعل مكروها ، لأنها مدفن للنّجاسة (٤) ، وصلاته صحيحة ، لأن الذي باشر الصّلاة طاهر.
الحالة الثالثة : أن يشكّ : هل نبشت أم لا؟ فالأصل فيها طهارة الأرض ، ولكن عارضه الشك فى نجاستها .. وللشافعى فى هذه المسألة ونظرائها ممّا يعارض الأصل فيها الظاهر قولان :
__________________
(١) هذا الحديث ورد فى «ص» ناقصا ، وساقط من «م» ، وقد أكملناه وصوّبنا ما به ، وقد رواه الترمذى فى أبواب الصلاة ، ورواه ابن ماجه فى كتاب المساجد ، باب المواضع التى تكره فيها الصلاة ج ١ ص ٢٤٦ [الحديث رقم ٧٤٦] ومعنى معاطن الإبل ، أى : مباركها حول الماء ، والحديث مروىّ عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنهم.
(٢) أخرجه ابن ماجه فى الكتاب السابق ـ الصفحة نفسها [الحديث رقم ٧٤٥].
(٣) الحال : صفة الشيء ، يذكّر ويؤنّث.
(٤) فى «م» : «مدفن النجاسة».
أحدهما : بطلان الصّلاة ، لأن بقاء الفرض فى ذمّته وهو شاكّ فى إسقاطه ، والفرض لا يسقط بالشك (١).
والثانى : عدم بطلان الصلاة ، لأن الأصل فيها طهارة الأرض ، فلا يحكم بنجاستها بالشك .. وقال أحمد : لو صلّى فى المقبرة لم تصح .. وقال مالك : لا تكره الصلاة فيها ... وقد استوفيت الكلام فى كتابى الذي سمّيته «غاية المدرسين بالمشارق والمغارب فى الأربعة مذاهب» (٢).
ويكره أن يبنى القبر مسجدا ، بحيث يكون وجه المصلّى إليه ، لما روى أبو مرثد (٣) ـ بفتح الميم والثاء المثلثة ـ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم نهى أن يصلّى إليه ..
وقال صلّى الله عليه وسلم : «لا تتّخذوا قبرى مسجدا (٤) ، فإنما هلك بنو إسرائيل لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .. وفى بعضها : «لا تجلسوا على القبور ولا تصلّوا إليها». قال الشافعى ـ رحمه الله تعالى : «وأكره أن يعظّم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا ، مخافة الفتنة عليه ، وعلى من يعوده من الناس».
واختلف أصحاب الشافعى فى وقت جواز الصلاة على القبر على أربعة أوجه :
أحدها : يصلّى عليه إلى شهر ، لما روى أنّ النّبيّ ، صلّى الله عليه وسلم ، صلّى على أمّ سعد ابن عبادة بعد ما دفنت بشهر.
__________________
(١) من قوله : «بطلان الصلاة» إلى هنا .. عن «ص» وساقط من «م».
(٢) فى «ص» : «غاية المدرسين» فقط.
(٣) فى «م» : «ابن مرثد» خطأ. وهو أبو مرثد الغنوىّ ، واسمه : كنّاز بن حصين بن يربوع ، صحابى ، كان حليف حمزة بن عبد المطلب ، وكان تربه .. وشهد هو وابنه مرثد بدرا ، وقتل ابنه مرثد يوم الرجيع فى حياة رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، ومات أبو مرثد سنة ١٢ ه فى حياة أبى بكر رضى الله عنه ، وهو ابن ست وستين سنة.
[انظر أسد الغابة ج ٦ ص ٢٨٢].
(٤) فى «ص» : «وثنا».
والثانى : يصلّى عليه ما لم يبل ، لأنه إذا بلى لم يصلّ عليه.
والثالث : يصلّى على (١) من كان من أهل الفرض عند موته ، لأنه كان من أهل الخطاب بالصلاة.
والرابع : يصلّى عليه أبدا ، لأن القصد من الصلاة على الميت الدعاء ، والدعاء جائز فى كل الأوقات.
الوظيفة العشرون : أن يسطّح القبر ويوضع عليه الحصباء (٢) ، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم سطّح قبر إبراهيم ووضع عليه من حصباء العرصة (٣).
وقال أبو على الطبرى : الأولى فى زماننا أن يسنّم (٤) ، لأنّ التسطيح صار من شعار الرافضة ، وهذا لا يصح ، لأن السّنّة فيه قد صحّت ، فلا تصير بموافقة الرافضة فيه بدعة (٥).
وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد : السّنّة التسنيم ، فإن قيل : قد روى عن النخعى أنه قال : أخبرنى من رأى قبر النبي صلّى الله عليه وسلم وصاحبيه مسنّمة ، قلنا : هو مرسل (٦). وقد سطّح النبي ، صلّى الله عليه وسلم ، قبر إبراهيم ، ورشّ عليه الماء ، لما روى جابر ، أن النبي صلّى الله عليه وسلم رشّ على قبر إبراهيم ـ عليه السلام ـ الماء ، ولأنه إن لم يرش عليه الماء زال أثره فلا يعرف.
ويستحبّ أن يجعل عند رأسه علامة ، من حجر أو غيره ، لأنّ النبي ،
__________________
(١) فى «ص» : «عليه».
(٢) فى «م» : «ويضع عليه الحصباء» .. والحصباء : صغار الحجارة.
(٣) العرصة : البقعة الواسعة بين الدّور ، لابناء فيها.
(٤) يسنّم : يرفع عن وجه الأرض.
(٥) فى «ص» : «فلا يضرّ موافقة الرافضة فيه».
(٦) المرسل فى مصطلح الحديث هو ما سقط من إسناده الصحابىّ ، كأن يقول التابعىّ : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ... ولا يذكر الصّحابّى الذي أخذه عنه.
صلى الله عليه وسلم ، دفن عثمان بن مظعون ، رضى الله عنه ، ووضع عند رأسه حجرا ، وقال : أعلّم بهذا قبر أخى ، وأدفن عنده من مات من أهلى (١).
ويكره أن يجصّص القبر (٢) ويكتب عليه ، سواء كان (٣) فى المقبرة المسبّلة (٤) أو الملك ، لما روى جابر ، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم نهى أن يجصّص القبر ، وأن يعقد عليه (٥) ، وأن يكتب عليه ، لأن ذلك من الزينة ، وليس الحال حال زينة. وأمّا ما يبنى (٦) على رأس القبر من بيت أو قبة ، فإن كان فى المقبرة المسبّلة لم يجز للخبر. قال الشافعى ، رضى الله عنه : وقد رأيت من الولاة بمكة من يهدم ما يبنى بها .. قال : ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك.
ولأن فيه تحجيرا (٧) على الناس وتضييقا .. وإن بنى فى ملك جاز ، كما يجوز أن يبنى لغير ذلك. ورأى ابن عمر على قبر عبد الرحمن فسطاطا (٨) ، فقال : انزعه يا غلام ، فإنما يظلّه عمله.
وقد رخّص قوم فى تطيين القبر (٩) ، منهم الحسن البصرى .. وقال الشافعى : لا بأس أن يطيّن القبر ، حكى ذلك البغوى فى شرح السّنّة (١٠).
__________________
(١) فى «م» : «من أهل».
(٢) أى يبنى بالجصّ.
(٣) فى «ص» : «سواء إن كان».
(٤) المسبّلة : المجعولة فى سبيل الله «صدقة».
(٥) يعقد عليه : يبنى عليه. وفى «ص» : «يقعد عليه».
(٦) فى «ص» : «وأما البناء».
(٧) تحجيرا : تضييقا. وفى «ص» : «تحجّرا».
(٨) الفسطاط : بيت يتّخذ من الشّعر .. ومن قوله : «ورأى ابن عمر» إلى قوله : «فى شرح السّنّة» عن «م» وساقط من «ص».
(٩) أى : فى طلائه بالطّين.
(١٠) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».
ويحكى أنّ سفح المقطم سبّله عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه ، ولم يوجد لفظ التّسبيل فى كتاب يوثق به ، وإن وجد لفظ فليس هو اللفظ الذي يشترطه الفقهاء .. والله أعلم.
* * *
وقد كان الأوائل يكتبون على التّرب (١) ما فيه موعظة للميت ومنفعة للأريب (٢).
وقد وجد مكتوبا (٣) على قبر :
يا أيها الناس كان لى أمل |
|
قصّر بى عن بلوغه الأجل |
فليتّق الله ربّه رجل |
|
أمكنه فى حياته العمل (٤) |
ها أنا مثل نقلت حيث ترى |
|
كلّ إلى مثله سينتقل (٥) |
ووجد على قبر مكتوبا :
نزلت بجار لا يخيّب ضيفه |
|
أرجّى نجاتى من عذاب جهنم |
وإنّى على خوف من الله واثق |
|
بإنعامه والله أكرم منعم |
ووجد على قبر (٦) :
قالت لى النفس أتاك الرّدى |
|
وأنت فى بحر الخطايا مقيم |
فأين حسن الزّاد؟ قلت اقصرى |
|
فهل يعدّ الزّاد ضيف الكريم؟ |
__________________
(١) فى «م» : «التراب».
(٢) الأريب : العاقل الفطن .. وفى «م» : «ومنفعة للآرب» ، أى : المحتاج إليها.
(٣) فى «م» و «ص» : «مكتوب» خطأ ، والصواب بالنصب .. وسيتكرر هذا الخطأ كثيرا ، وسنكتفى بالإشارة إليه هنا.
(٤) فى وفيات الأعيان ج ٥ ص ١٧٣ : «أمكنه قبل موته العمل».
(٥) الشطرة الأولى من البيت فى «ص» : «ما أنا وحدى نقلت حيث ترى» وهى مطابقة لما ورد فى المصدر السابق. والشطرة الثانية من البيت فى الوفيات : «كلّ إلى ما نقلت ينتقل».
(٦) فى «ص» : «ووجد على قبر مكتوب».
ووجد على قبر (١) :
يمرّ أقاربى بجناب قبرى |
|
كأنّ أقاربى لم يعرفونى (٢) |
ذوو الميراث يقتسمون مالى |
|
وما يألون ألّا يذكرونى (٣) |
وقد أخذوا سهامهم وعاشوا |
|
فى الله أسرع ما نسونى (٤) |
ووجد أيضا على قبر مكتوبا (٥) :
هذى منازل أقوام عهدتهم |
|
فى ظلّ عيش عجيب ماله خطر |
صاحت بهم حادثات الدهر فارتحلوا |
|
إلى القبور ، فلا عين ولا أثر (٦) |
ووجد أيضا على قبر بعض الكرام (٧) :
الناس للموت كخيل الطّراد |
|
فالسّابق السّابق منها الجياد (٨) |
__________________
(١) فى «ص» : «ووجد على قبر مكتوب». وقبل هذا .. ورد بيتان من الشعر ، كان أحد العراقيين قد نذر بأن يزور قبر الشافعى فى مصر ويقرأ على قبره أربعين ختمة ، فوفى بنذره وجاء وقرأها على القبر .. والبيتان يتحدثان عن ذلك ، وقيل إنهما مكتوبان على قبره ، وهما :
وفينا بنذرنا يا بن إدر |
|
يس وجئناك من بلاد العراق |
وقرأنا عليك ما قد نذرنا |
|
من كلام المهيمن الخلّاق |
(٢) فى «ص» : «جنبات» مكان «بجناب».
(٣) ذوو الميراث : أصحاب الميراث .. وفى «م» و «ص» : «وذو الميراث» بالإفراد .. ويألون : يقصّرون ويبظئون.
(٤) فى «ص» : «فى الله ما أسرع ما نسونى» الميم الأولى هنا مقحمة من الناسخ ، فبدونها يستقيم وزن البيت.
(٥) فى «م» : «على قبر بعض الكرام».
(٦) فى «ص» : «فانتبهوا» مكان «فارتحلوا» وما ورد فى «م» هو المناسب والأوجه فى هذا المقام.
(٧) هكذا فى «م». ولم يرد هذا العنوان وما بعده من شعر فى «ص» إلى قول ابن المعتز : «وقل لاجتماع الشّمل لابد من شتّ».
(٨) خيل الطّراد : هى التى تتّخذ للصّيد والمطاردة.
والله لا يدعو إلى داره |
|
إلّا من استصلح من ذى العباد |
العمر كالظّلّ لا بدّ أن |
|
يزول ذاك الظّلّ بعد امتداد |
والموت نقّاد على كفّه |
|
جواهر يختار منها الجياد |
أرغمت يا موت أنوف الرّدى |
|
كأنّما فى كلّ قلب رماد |
طرقت يا موت كريما فلم |
|
يقنع بغير النّفس للضّيف زاد |
قصفته من سدرة المنتهى |
|
غصنا ، فشلّت يد أهل العناد |
ووجد على قبر :
ذهب الذين تكمّلوا آجالهم |
|
ومضوا ، وحان لآخرين ورود |
يمضى الصغير إذا انقضت أيّامه |
|
إثر الكبير ، ويولد المولود |
والناس فى قسم المنيّة بينهم |
|
كالزّرع ، منه قائم وحصيد |
[ووجد على قبر] غيره :
لا بدّ من فقد ومن فاقد |
|
هيهات ما فى الناس من خالد (١) |
كن المعزّى لا المعزّى به |
|
إن كان لابد من الواحد |
وقال ابن المعتز (٢) :
ألم تر أنّ الدّهر يوم وليلة |
|
يكرّان من سبت عليك إلى سبت |
فقل لجديد العيش لا بدّ من بلى |
|
وقل لاجتماع الشّمل لا بدّ من شتّ (٣) |
__________________
(١) فى «م» : «فاقة» مكان «فاقد» تحريف. والتصويب من وفيات الأعيان ج ٢ ص ٦٣.
(٢) هو : عبد الله بن محمد المعتز بالله ، ابن المتوكل ، ابن المعتصم ، ابن الرشيد العباسى ، ولد فى بغداد سنة ٢٤٧ ه وأولع بالأدب ، فكان يقصد فصحاء العرب ويأخذ عنهم. وصنف كتبا منها : الزهر والرياض ، والبديع ، وطبقات الشعراء. وبويع بالخلافة ولقّبوه «المرتضى بالله» فأقام يوما وليلة ، وغلب عليه غلمان «المقتدر» فخلعوه ، وعاد «المقتدر» فقبض عليه وسلّمه إلى خادم له فخنقه سنة ٢٩٤ ه وللشعراء فيه مراث كثيرة ، وله ديوان شعر مطبوع من جزأين.
[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٤ ص ١١٨ و ١١٩ ، ووفيات الأعيان ج ٣ ص ٧٦ ـ ٨٠ ، وفوات الوفيات ج ٢ ص ٢٣٩ ـ ٢٤٦ ، وتاريخ بغداد ج ١٠ ص ٩٥ ـ ١٠١ ، وشذرات الذهب ج ٢ ص ٢٢١ ـ ٢٢٤ ، وطبقات الشعراء ص ٨ وما بعدها ، وثمار القلوب للثعالبى ص ١٩١ ـ ١٩٤].
(٣) الشّتّ : التّفرّق .. وإلى هنا ينتهى الساقط من «ص».
ووجد على قبر مكتوبا (١) :
حملوه على الرّقاب ابتدارا |
|
ثم واروه فى التراب دفينا |
أىّ نجم هوى أصاب به الدّه |
|
ر قلوبا منكوبة وعيونا (٢) |
كم رأيناه معطيا ومنيلا |
|
ثمّ أضحى من بعد ذاك رهينا |
وعلى آخر مكتوب :
تناجيك أجداث وهنّ سكوت |
|
وسكّانها تحت التراب خفوت (٣) |
أيا جامع الدّنيا لغير بلاغة |
|
لمن تجمع الدنيا وأنت تموت |
وعلى آخر مكتوب (٤) :
قد أناخت بك روحى |
|
فاجعل العفو قراها (٥) |
هى ترجوك وتخشا |
|
ك فلا تقطع رجاها |
ورأيت على ضريح سعد بن عبادة (٦) ـ بدمشق المنيحة ـ رضى الله تعالى عنه ، مكتوبا :
ولمّا أتينا قبر سعد نزوره |
|
عرفناه لمّا فاح طيب ترابه |
سقى الله من ماء الجنان ترابه |
|
ونجّى به من زاره من عذابه (٧) |
__________________
(١) فى «ص» : «وقال آخر».
(٢) فى «ص» : «قلوبا مكبوتة».
(٣) الأجداث : القبور. مفردها : جدث.
(٤) هذا وما بعده ساقط من «ص».
(٥) القرى : ما يقدّم إلى الضيف.
(٦) هو : سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجى ، صحابىّ من أهل المدينة ، كان سيد الخزرج ، وأحد الأمراء الأشراف فى الجاهلية والإسلام. شهد العقبة مع السبعين من الأنصار ، وشهد أحدا والخندق وغيرهما ، وكان أحد النقباء الاثنى عشر. وكانت وفاته سنة ١٤ ه بحوران بالشام. وفى أسد الغابة : أنّ قبره بالمنيحة ـ قرية من غوطة دمشق ، وهو مشهور ويزار.
[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٣ ص ٨٥ و ٨٦ ، وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٥٦ ـ ٣٥٨ ، وطبقات ابن سعد ج ٣ ص ٦١٣ ـ ٦١٧].
(٧) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».
ووجد على قبر فقيه (١) :
أيا حجّة الإسلام مذ غبت بغتة |
|
غدت للأعادى حجّة ومناقب (٢) |
ألم تر أنّ الشمس إن غاب ضوؤها |
|
تلألأ فى جوّ السماء الكواكب (٣) |
ووجد على قبر آخر (٤) :
وعمرى كل يوم فى انتقاص |
|
وذاك النّقص لقّب بازدياد |
ولى حظّ وللأيام حظّ |
|
وبينهما مباينة المداد (٥) |
فأكتبه سوادا فى بياض |
|
وتكتبه بياضا فى سواد (٦) |
ووجد على قبر بخط النسخ (٧) :
وقفت على الأحبّة حين صفّت |
|
قبورهم كأفراس الرّهان |
فلمّا أن بكيت وفاض دمعى |
|
رأت عيناى بينهم مكانى |
ووجد على قبر آخر (٨) :
يا هاجرى إذ جئتنى زائرا |
|
ما كان من عاداتك الهجر (٩) |
يا صاحب القبر الجديد ومن |
|
قد حال دون لقائه القبر |
دعنى أعلّل فيك جارحة |
|
ثكلى وقلبا مسّه الضّرّ |
جزنا عليك فإن تطاول بى |
|
من الفراق فحالتى نكر (١٠) |
__________________
(١) فى «ص» : «وعلى قبر فقيه».
(٢) فى «ص» : «عددت الأعادى» تصحيف.
(٣) تلألأ : تتلألأ وتلمع.
(٤) هذا السطر والأبيات الثلاثة التى بعده عن «م» ولم ترد فى «ص».
(٥) المباينة : الاختلاف ، والمداد : ما يكتب به.
(٦) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».
(٧) فى «ص» : «وعلى آخر».
(٨) فى «ص» : «وعلى آخر».
(٩) فى «م» : «يا هاجرى إذ جئت زائره».
(١٠) هذا البيت عن «ص» ولم يرد فى «م».
وكتب على قبر أحمد بن طولون (١) :
عبرت على قبر ابن طولون مرّة |
|
فأنكرت فيما كان من عظم قدره |
ولم أر ممّا كان يملك كلّه |
|
تبقّى له شيئا سوى لوح قبره |
وما ينفع الإنسان ممّا يحوزه |
|
إذا فارق الدّنيا سوى طيب ذكره |
ووجد على قبر مكتوبا :
وما الدّهر والأيّام إلّا كما ترى |
|
رزيّة مال أو فراق حبيب |
وإنّ امرءا قد جرّب الدّهر لم يخف |
|
تقلّب عصريه لغير لبيب |
وعلى آخر مكتوب :
أيا موت ما هذا التّفرّق عنوة |
|
رويدك لا تسرع لكل خليل (٢) |
أراك بصيرا بالذين أحبّهم |
|
أظنّك تمضى نحوهم بدليل |
وعلى آخر مكتوب :
قبر عزيز علينا |
|
لو أنّ ما فيه يهدى |
أسكنت قرّة عينى |
|
ومنية النّفس لحدا |
ما جار خلق علينا |
|
ولا القضاء تعدّى |
والموت أحسن ثوب |
|
به الفتى يتردّى (٣) |
وعلى آخر مكتوب :
وقلت : أخى ، قالوا : أخ من قرابة؟ |
|
فقلت : نعم ، إنّ الشّكول أقارب (٤) |
نسيبى فى عزّى ورأيى ومنصبى |
|
وإن باعدتنا فى الدّيار المناسب (٥) |
__________________
(١) هذا السطر وما بعده إلى بداية «فصل فى إكرام الله تعالى بعض أوليائه بدوام طاعته ..» عن «م» وساقط من «ص».
(٢) عنوة : قسرا.
(٣) تردّى بالرداء : لبسه.
(٤) الشّكول : جمع شكل ، وهو الشّبيه والمثيل.
(٥) النسيب : المناسب .. والمناسب : الأصول والأحساب.
عجيب لصبرى بعده وهو ميّت |
|
وقد كنت أبكيه دما وهو غائب |
على أنّما الأيّام قد صرن كلها |
|
عجائب حتى ليس فيها عجائب |
وعلى قبر مكتوب :
أمّا القبور فإنّهنّ أوانس |
|
بجوار قبرك والدّيار قبور |
عمّت مصيبته فعمّ هلاكها |
|
فالناس فيه كلهم مأجور (١) |
ردّت صنائعه إليه حياته |
|
فكأنها من نشرها منشور (٢) |
وتمثّل سيدنا علىّ بن أبى طالب ، رضى الله عنه ، وقد دفن فاطمة ، رضى الله عنّا بها ، وصلّى وسلّم على أبيها سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه وعترته أجمعين :
أقول وقد فاضت دموعى غزيرة |
|
أرى الأرض تبقى والأخلّاء تذهب |
أخلّائى لو غير الممات أصابكم |
|
جزعت ، ولكن ما على الدهر معتب |
وقال أيضا ، رضى الله عنه :
ذكرت وما أدرى فبتّ كأننى |
|
بردّ الأمور الماضيات وكيل |
لكلّ اجتماع من خليلين فرقة |
|
وكلّ الذي قبل الفراق قليل |
وإنّ افتقادى واحدا بعد واحد |
|
دليل على ألّا يدوم خليل |
أرى علل الدّنيا علىّ كثيرة |
|
وصاحبها بعد الممات عليل |
وأنشد عبد العزيز الدّيرينى (٣) على قبر ابنته حين دفنها :
أحبّ بنيّتى ووددت أنّى |
|
دفنت بنيّتى فى قعر لحدى |
وما بى أن تهون علىّ لكن |
|
مخافة أن تذوق البؤس بعدى |
__________________
(١) فى «م» : «فعمّ هلاكها» مكان «فعم هلاكه» ، وما أثبتناه عن عيون الأخبار لابن قتيبة ج ٣ ص ٧٦.
(٢) الصنائع : جمع صنيعة ، وهى كل ما عمل من خير أو إحسان.
(٣) هو عبد العزيز بن أحمد الدّيرينى ، أحد مشاهير العلماء والأولياء ، ولد بديرين ، وهى بلدة
وأنشد آخر :
الموت أخفى سترة للبنات |
|
ودفنهم يروى من المكرمات |
أما ترى الله ـ تعالى اسمه |
|
قد وضع النعش بجنب البنات؟ |
و [قيل] فى المعنى أيضا (١) :
لكلّ أبى بنت على كلّ حالة |
|
ثلاثة أصهار إذا ذكر الصّهر |
فزوج يراعيها ، وجدر تصونها |
|
وقبر يواريها ، وخيرهم القبر |
وقيل فى هذا المعنى أيضا (٢) :
ولم أر نعمة سترت كريما |
|
كنعمة عورة سترت بقبر |
وقال إبراهيم الخوّاص (٣) فى الصبر على المكروه :
صبرت على بعض الأذى خوف كلّه |
|
فدافعت عن نفسى لنفسى فعزّت |
وجرّعتها المكروه حتّى تأدّبت |
|
ولو لم أجرّعها أذى لاشمأزّت |
ألا ربّ ذلّ ساق للنفس عزّة |
|
ويا ربّ نفس بالتّعزّز ذلّت |
__________________
بالغربية واقعة فى شرقى نبروه من الوجه البحرى بمصر سنة ٦١٢ ه ، وأخذ العلم عن العز بن عبد السلام وغيره. وله كرامات ومصنفات كثيرة فى الفقه والتفسير ، وكان الناس يقصدونه للتبرك من سائر الأقطار. وكانت وفاته سنة ٦٩٧ ه ، وقبره بديرين ظاهر يزار.
[انظر ترجمته فى طبقات الشعرانى ج ١ ص ٢٠٢ و ٢٠٣ ، وطبقات الأولياء ص ٤٤٧ ، وكرامات الأولياء ج ٢ ص ١٧٣ ، وطبقات المفسرين للداودى ج ١ ص ٣١٠ ـ ٣١٢ ، وطبقات الشافعية للسبكى ج ٨ ص ١٩٩ ـ ٢٠٨ ، وحسن المحاضرة للسيوطى ج ١ ص ٤٢١ ، وشذرات الذهب ج ٥ ص ٤٥٠].
(١) ما بين المعقوفتين من عندنا.
(٢) العنوان فى «م» : «وفى المعنى أيضا مفرد» ، أى : بيت مفرد من الشعر.
(٣) هو إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الخوّاص ، وكنيته أبو إسحاق ، من أهل «سرّ من رأى» وهو أحد شيوخ الصوفية ، وكان أوحد المشايخ فى وقته ، ومن أقران الجنيد والنورى ، وله فى السياحات والرياضات مقامات يطول شرحها .. توفى بالرّىّ سنة ٢٩١ ه.
[انظر ترجمته فى حلية الأولياء ج ١٠ ص ٣٢٥ ـ ٣٣١ ، وتاريخ بغداد ج ٦ ص ٧ ـ ١٠ ، وطبقات الصوفية ص ٢٨٤ ـ ٢٨٧ ، والرسالة القشيرية ج ١ ص ١٤٧ ، وطبقات الشعرانى ج ١ ص ٩٧ و ٩٨].
إذا ما مددت الكفّ التمس الغنى |
|
إلى غير من قال اسألونى فشلّت |
سأصبر جهدى ، إنّ فى الصبر عزّة |
|
وأرضى بدنياى وإن هى قلّت |
وقال آخر أيضا :
سأصبر كى ترضى وأتلف حسرة |
|
وحسبى أن ترضى فيفرحنى صبرى |
صبرت ولم أطلع هواك على الصبر |
|
فأخفيت ما بى منك عن موضع السّرّ |
مخافة أن يشكو ضميرى صبابتى |
|
إلى أدمعى سرّا فتجرى وما أدرى |
وقال سمنون المحب ، رضى الله عنه (١) :
تدرّعت صبرى والتحفت صروفه |
|
وقلت لنفسى : الصبر أوفى ولو أسا (٢) |
خطوب لو انّ السّمر زاحم خطّها |
|
لمات ولم يدرك لها الكفّ ملمسا (٣) |
وقال آخر ، عفا الله عنه :
ما أحسن الصّبر فى الدنيا وأجمله |
|
عند الإله وأنجاه من الجزع |
من شدّ بالصّبر كفّا عند مؤلمة |
|
ألوت يداه بحبل غير منقطع (٤) |
__________________
(١) فى «م» : «سحنون المحب» ، تصحيف ، والصواب ما أثبتناه. وهو : سمنون بن حمزة ، أبو الحسن الخواص ، صوفى ناسك من أهل البصرة ، وأكثر كلامه فى المحبة ، وله مقطوعات شعرية غاية فى الجودة. وكان كبير الشأن ، سكن بغداد ، وتوفى بها سنة ٢٩٠ ه تقريبا.
[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٣ ص ١٤٠ ، وحلية الأولياء ج ١٠ ص ٣٠٩ ـ ٣١٢ ، والرسالة القشيرية ج ١ ص ١٣٣ و ١٣٤ ، وتاريخ بغداد ج ٩ ص ٢٣٤ ـ ٢٣٧ ، وطبقات الصوفية ص ١٩٥ ـ ١٩٩ ، وطبقات الشعرانى ج ١ ص ٨٩].
(٢) تدرّعت صبرى ، أى : ارتديت وتجمّلت برداء الصبر واتخذته كالدرع التى تحمى صاحبها وتقيه من تقلبات الدهر ونوائبه. والتحفت صروفه ، أى : اتخذتها كاللحاف أو الدثار أتغطى بها. والصروف : الأحداث والأحوال. وأسا : أساء.
(٣) السّمر : الرماح .. خطّها : الخطّ : موضع بالبحرين تنسب إليه الرماح الخطّيّة (باليمامة).
(٤) المؤلمة : النازلة تصيب الإنسان وتؤلمه ـ وألوى بالشيء : ذهب به.
وقال آخر :
إذا لم تسامح فى الأمور تعسّرت |
|
عليك ، فسامح وامزج الصّبر بالسّرّ |
فلم أر أوفى للبلاء من الشّفا |
|
ولم أر للمكروه أشفى من الصّبر |
وقال آخر :
ينال الرّضا عبد يقابل نعمة |
|
بشكر ، ويلقى الصّبر فى العسر ناصره |
ومن رضى الرّحمن عنه فإنّه |
|
سعيد بفضل الله دنيا وآخره |
وقال آخر ـ وهو عبد الله بن المعتز :
هو الدّهر قد جرّبته وعرفته |
|
فصبرا على مكروهه وتجلّدا |
وما الناس إلّا سابق ثم لاحق |
|
نعم وابن ميت سوف يلحقه غدا |
وقال آخر :
لا بدّ للانسان من |
|
فرج بأفراح وغم |
ومن التّقلّب للفتى |
|
فى راحة وفى سأم |
فإذا فرحت براحة |
|
فاشكر لوهّاب النّعم |
وافزع إلى الصّبر الجمي |
|
ل إذا ألمّ بك الألم |
وقال آخر :
ثق بالذى يحكم بين الورى |
|
واصبر ، ففى الصبر حديث غريب |
لعلّ يأتيك على بغتة |
|
نصر من الله وفتح قريب |
وقال آخر :
تلقّ الأمور بصبر جميل |
|
وصدر رحيب وخلّ الحرج |
وسلّم لربّك فى حكمه |
|
فإمّا الممات وإمّا الفرج |
وقال آخر :
الصبر مفتاح كلّ خير |
|
وكلّ صعب به يهون |
فاصبر وإن طالت اللّيالى |
|
فربّما أسعد الحزين |
وربّما نيل باصطبار |
|
ما قيل هيهات لا يكون |
وقال آخر (١) :
غرّ جهولا أمله |
|
يموت من جا أجله (٢) |
ومن دنا من حتفه |
|
لم تغن عنه حيله |
وكيف يبقى آخر |
|
قد مات عنه أوّله (٣) |
وقال آخر :
تفكّر فى مشيبك والمآب |
|
ودفنك بعد عزّك فى التّراب |
وفى قبر إذا ألقيت فيه |
|
تقيم به إلى يوم الحساب |
وفى أوصال جسمك كيف تبقى |
|
مقطّعة ممزّقة الإهاب |
وأنّ الدّود يرعى منك جسما |
|
أرمّ بغير شكّ وارتياب (٤) |
فما لك بالتّعلّى والتّعدّى |
|
ومالك بالتّغافل والغياب |
وطلّق هذه الدنيا ثلاثا |
|
وبادر قبل موتك بالمتاب |
فإنّك راحل عنها قريبا |
|
وظنّى أنّ رجلك فى الرّكاب (٥) |
وعظتك فاستمع وعظى ونصحى |
|
ومثلك من يدلّ إلى الصّواب |
إذا لاح المشيب على شباب |
|
فقد قرب الرّحيل إلى التراب |
خلقت من التراب بغير ذنب |
|
وترجع بالذنوب إلى التراب |
وقال آخر :
سأسكت صبرا واحتسابا فإنّ لى |
|
إلى الصبر سيفا ليس فيه فلول (٦) |
__________________
(١) هو الإمام على بن أبى طالب ، وقد وردت الأبيات فى ديوانه ، وفى أدب الدنيا والدين ص ١١٥ ، وفى غيرهما منسوبة إليه.
(٢) فى «م» : «غرّ جهولا أجله» وما أثبتناه عن أدب الدنيا والدين للماوردى .. وفى الديوان : «غرّ جهول» .. وجا : جاء.
(٣) هكذا البيت فى «م» .. وفى المصدرين السابقين :
«وما بقاء آخر |
|
قد غاب عنه أوله» |
وبعد هذا البيت :
«والمرء لا يصحبه |
|
فى القبر إلا عمله» |
(٤) فى «م» «بغير شيل» تحريف .. ومعنى أرمّ ، أى بلى.
(٥) الرّكاب للسّرج : ما توضع فيه الرّجل. ويقال : هو يمشى فى ركابه ، أى يتبعه. وهو هنا كناية عن قرب الرحيل من الدنيا.
(٦) الفلول : جمع فلّ ، وهو الكسر فى حدّ السيف ، ويقال : فلّ السيف : تثلّم حدّه.
وإنّ امرءا يشكو إلى غير نافع |
|
ويسخو بما فى قلبه لجهول |
وقال آخر :
الدّهر لا ينفكّ عن حدثانه |
|
والمرء منقاد لحكم زمانه (١) |
فدع الزّمان فإنّه لم يعتمد |
|
لجلاله أحد ولا لهوانه |
لكن لباريه بواطن رحمة |
|
فى ظاهر الأضداد من ألوانه (٢) |
وقال آخر :
إذا نزلت بساحتك الرّزايا |
|
فلا تجزع لها جزع الصّبىّ |
فإنّ لكلّ نازلة عزاء |
|
بما قد كان من فقد النّبىّ |
وقال آخر :
بنىّ إن عدمتك فى حياتى |
|
فلم أعدمك ذخرا فى المعاد |
وكنت حشاشتى وجلاء همّى |
|
وإلفى والمفرّج عن فؤادى (٣) |
ولذّة عيشتى وأنيس نفسى |
|
وقد أبليت بعدك بانفرادى |
وقد أيقنت أنّى غير سال |
|
ولو ردّ اليفاع إلى التّناد (٤) |
أعيش بعلّة وغليل صدر |
|
وقلبى يا بنىّ عليك غادى |
إذا شبّان اجتمعوا للهو |
|
كويت بجمرة ذات اتّقاد |
__________________
(١) حدثان الدّهر : نوائبه وحوادثه.
(٢) لباريه : لخالقه ـ سبحانه وتعالى.
(٣) الحشاشة : بقية الروح فى المريض.
(٤) فى «م» : «اليفا» خطأ ، والصواب : اليفاع ، والمراد بها : الغلمان والشباب. ومعنى «غير سال» أى : لن أنساك .. والتناد : إشارة إلى يوم القيامة ، ومنه قوله تعالى فى سورة غافر : (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ). ومعنى البيت : أننى قد أيقنت وتحققت أننى لن أنساك ما حييت ، وإلى أن يبعث الله الخلق يوم القيامة.
وقال آخر :
وإنّى لصبّار على ما ينوبنى |
|
وحسبك أنّ الله أثنى على الصّبر |
ولست بنظّار إلى جانب الغنى |
|
إذا كانت العلياء فى جانب الفقر |
وقال آخر :
اصبر لدهر نال من |
|
ك فهكذا مضت الدّهور |
فرح وحزن مرّة |
|
لا الحزن دام ولا السّرور |
وقال آخر :
كن عن همومك معرضا |
|
وكل الأمور إلى القضا |
وابشر بخير عاجل |
|
تنسى به ما قد مضى |
فلربّ أمر مسخط |
|
لك فى عواقبه الرّضا |
ولربّما اتّسع المضي |
|
ق وربّما ضاق الفضا |
الله يفعل ما يشا |
|
ء فلا تكن متعرّضا (١) |
وقال آخر :
قدم العهد وأبلانى الزّمن |
|
إنّ فى اللّحد لمثلى والكفن |
وكما تبلى وجوه فى الثّرى |
|
فكذا يبلى عليهنّ الحزن |
وقال آخر :
كلّما أبلى الثّرى أوجههم |
|
بلى الحزن عليهم فانقشع |
وقال آخر :
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه |
|
لقاؤك لا يرجى وأنت قريب |
نزيل البلى فى كلّ يوم وليلة |
|
وتبلى كما تبلى وأنت حبيب |
__________________
(١) متعرّضا : متصدّيا ، أو منكرا فعله.
ووجد على قبر ـ مكتوبا ـ قد دفنت فيه أنثى :
ألا يا موت كنت بنا حفيّا |
|
فجدّدت السّرور لنا بزوره |
حمدت لسعيك المشكور لمّا |
|
كفيت مئونة وسترت عوره |
فأنكحنا الصّريح بلا صداق |
|
وجهّزنا العروس بغير شوره (١) |
وقال آخر :
ألم تر أنّ الموت أدرك من مضى |
|
فلم ينج منه ذو جناح ولا ظفر |
فلا ملكا أبقى ولم يبق سوقة |
|
ولا ذا غنى أبقى ولا ظاهر الفقر |
أباد على الدّهر القرون التى خلت |
|
وجرّعهم كأسا أمرّ من الصّبر |
وأخرجهم منها كأن لم يكن بها |
|
لهم ما اشتهوا فيها من المال والوقر (٢) |
وسلّهم ممّا حووه جميعه |
|
كما من عجين سلّ واحدة الشّعر |
فلم يغن عنهم ما اقتنوا من متاعها |
|
غداة أتاهم منه قاصمة الظّهر |
كأن لم يكونوا زينة الدّهر مرّة |
|
ولا أهلكوا الأعداء بالذّلّ والقهر |
ولا فاخروا فيها زمانا لأهلها |
|
ولا وضعوا فخر المفاخر بالفخر |
ولا أكلوا ممّا اشتهوه تنعّما |
|
ولا قطعوا الأوقات بالشّرب والخمر |
وقال آخر :
اصبر لكلّ مصيبة وتجلّد |
|
واعلم بأنّ المرء غير مخلّد |
أو ما ترى أنّ المصائب رحمة |
|
وترى المنيّة للعباد بمرصد |
من لا يصب ممّن ترى بمصيبة |
|
هذا طريق لست فيه بأوحد |
وإذا أتتك مصيبة فاصبر لها |
|
واذكر مصابك بالنبىّ محمّد |
[وبينما كان] سيدنا حسان بن ثابت ، رضى الله عنه ، [جالس](٣) وفى حجره صبّى له يطعمه الزبد والعسل إذ شرق الصبّى بهما فمات ، فقال :
__________________
(١) الشّورة : الزّينة واللّباس الحسن.
(٢) الوقر : الوقار ، والرزانة ، والحلم ، والعظمة.
(٣) ما بين المعقوفتين ـ فى الموضعين ـ من عندنا لاستقامة المعنى وحسّان بن ثابت هو : أبو الوليد