مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

موفق الدين بن عثمان

مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

المؤلف:

موفق الدين بن عثمان


المحقق: محمّد فتحي أبو بكر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار المصريّة اللبنانيّة
الطبعة: ١
ISBN: 977-270-182-0
الصفحات: ٧٨٣

يزعج القلوب ، وحنين يذهل العقول : «كتمت بلائى من غيرك ، وبحت بسرّى إليك ، واشتغلت بك عمّن سواك». ثم انتحب بالبكاء وقال : «عجبت لمن عرفك ، كيف يسلو عنك؟ ولمن ذاق حبّك ، كيف يصبر عنك؟ يا مسرى العارفين ، وحبيب المقربين ، وأنيس المحبين ، وغاية أمل الطالبين ، ومعين المنقطعين». ثم صاح : «وا شوقاه! وا كرباه!».

فتتبعت الصوت وقد أخذ بمجامع قلبى حتى انتهيت إليه ، فإذا هو شيخ نحيف الجسم ، مصفر اللون ، تعلوه الهيبة ، ويجلّله الوقار ، وعليه سيما (١) أهل المعرفة ، فدنوت منه وسلّمت عليه ، فقال : مرحبا بك يا أبا عمرو! فقال : وكيف عرفت اسمى وما رأيتنى قبل هذه الساعة؟ فقال : نظرت إلى شخصك فى الأرض فعرفت مقامك فى السماء ، وقرأت اسمك فى اللّوح المحفوظ! فقلت له : يا سيدى ، أفدنى فائدة. فقال : «يا أبا عمرو ، أوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّه داود ، صلوات الله على نبينا وعليه وسلامه : يا داود ، قل لأوليائى وأحبّائى : ليفارق كلّ منكم صاحبه ، فإنى مؤنسهم بذكرى ، ومحدّثهم بأنسى ، وكاشف الحجاب فيما بينى وبينهم لينظروا عظمتى وجلالى وبهاء وجهى ، فى كل يوم أدنيهم ، وفى كل ساعة أقربهم من نور وجهى ، وأذيقهم من طعم كرامتى ، فإذا فعلت ذلك عميت هويّتهم عن الدنيا وأهلها ، فما شىء آنس إليهم منّى ، ولا أقرّ لعيونهم من النّظر إلىّ ، يستعجلون القدوم علىّ ، وأنا أكره أن أميتهم ، لأنهم مواضع نظرى من بين خلقى ، أنظر إليهم وينظرون (٢) إلىّ ، فلو رأيتهم يا داود ، وقد ذابت نفوسهم ، ونحلت أجسامهم ، وخشعت عيونهم ، وتهشمت أعضاؤهم ، وانخلعت قلوبهم إذا سمعوا بذكرى ، فأباهى بهم ملائكتى وأهل سماواتى ، ينظرون إلىّ فيزدادون

__________________

(١) السّيما : العلامة. وفى «م» : «سيمة».

(٢) فى «م» : «وينظروا» لا يصح.

٥٢١

خوفا وعبادة ، إن ناجونى أصغيت إليهم ، وإن نادونى أقبلت عليهم ، وإن أقبلوا إلىّ أدنيتهم ، وإن دنوا منى قرّبتهم ، وإن والونى واليتهم ، وإن صافونى صافيتهم ، وإن عملوا إلىّ جاريتهم ، أنا مدبّر أمورهم ، وسائس قلوبهم ، ومتولّى أحوالهم ، لم أجعل لقلوبهم راحة فى شىء غير ذكرى ، لا يستأنسون إلّا بى ، ولا يحطّون رحال قلوبهم إلّا عندى ، فوعزّتى وجلالى ، لأمكننّهم من رؤيتى ، ولأشبعنّهم من النظر إلىّ حتى يرضوا ، وفوق الرضا.

فأخبر يا داود أهل الأرض أنى حبيب لمن أحبّنى ، وجليس لمن ذكرنى ، وأنيس لمن أنس بى ، وصاحب لمن صاحبنى ، ومطيع لمن أطاعنى ، ومختار لمن اختارنى ، فهلمّوا إلى كرامتى ومصاحبتى ، وأنا الجواد الماجد ، أقول للشىء : كن فيكون».

ثم خنقته العبرة وغشى (١) عليه ، فلمّا أفاق قلت له : يا سيدى ، أوصنى! قال : «يا أبا عمرو ، اقطع (٢) عن قلبك كل علاقة ، ولا تقنع بشىء دونه».

فقلت : يا سيدى ، ادع لى. فقال : «خفّف الله عنك مؤن نصب السير إليه ، ولا يجعل بينك وبينه حجابا».

ثم ولّى كالهارب من الأسد. وأنشد يقول :

ذكرتك لا أنّى نسيتك لحظة

وأيسر ما فى الذّكر ذكر لسان

وكدت بلا وجد أموت من الهوى

وهام علىّ القلب بالخفقان (٣)

فلمّا أراني الوجد أنّك حاضرى

شهدتك موجودا بكلّ مكان

فخاطبت موجودا بغير تكلّم

ولاحقت معلوما بغير عيان

__________________

(١) فى «م» : «على غشى».

(٢) فى «م» : «واقطع».

(٣) فى «م» : «وأكدت» مكان «وكدت» تحريف.

٥٢٢

سكن أبو عمرو المذكور «مصر» واستوطنها ، وتوفى بها سنة ٥٦٤ ه‍ (١).

* * *

قبر كافور الإخشيدى (٢) :

ثم تمضى قليلا إلى قبة بها قبر «كافور الإخشيدى» (٣) الخادم الأسود ، مولى الإخشيدى أبى بكر محمد بن الإخشيدى ، جلب فى سنة ٣١٢ ه‍ (٤) رحمة الله عليه. ووزر له أبو بكر محمد بن على الماذرائى (٥).

قال أبو بكر الماذرائى : قلت لكافور وهو يعدّد نعم الله عليه ، كيف كان فى بلاد السودان؟ وكيف جلب؟ وكم كان سنّه (٦)؟

قال : أربع عشرة (٧) سنة ، جلبنى (٨) إبراهيم اليلوفى ، فأدخلنى إلى مصر ، وباعنى من محمد بن هاشم من بنى ماجد بن عياش ، فوهبنى لجارية له ، ثم وهب أبو أحمد بن عياش الجارية بعد مدة لمولاى الإخشيدى ، وهو

__________________

(١) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص» والمشار إليه فى ص ٥٠٨ ، الهامش رقم (٦).

(٢) العنوان من عندنا. [وانظر الكواكب السيارة ص ١١٩ و ٢٠٠].

(٣) فى «ص» : «ترجع وأنت طالب للشرق تجد قبة فيها كافور ـ الخادم الأسود الإخشيدى».

(٤) هكذا التاريخ فى «ص» وفى الأعلام ، وفى الوفيات ، وغيرها من المراجع .. وفى «م» : «سنة ٣١٣ ه‍».

(٥) فى «ص» : «الماردانى». وفى «م» : «أبو بكر بن على المادرانى» فى الموضعين. سبق التعليق عليها.

(٦) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «سنك».

(٧) فى «م» أربعة عشر» وفى «ص» : «أربعة عشرة» وكلاهما خطأ ، والصواب ما أثبتناه.

(٨) من هنا إلى قوله : «هذه الحالة» عن «م» ولم يرد فى «ص».

٥٢٣

يومئذ من جملة أتباع «تكين» ، فقالت له الجارية : لى عندهم عبد كان لى ، فأرسل الإخشيدى فطلبنى ، فأرسلنى إليه ، فلم أزل عنده حتى جاءته ولاية دمشق ، وترقيت إلى أن صرت إلى هذه الحالة (١).

وقال إسحاق بن إبراهيم : كان لكافور أفضال فى كل سنة لحاجّ البرّ ، يبعث معهم مالا وكسوة وطعاما ، ويبعث معهم صندوقين من كسوة بدنه يفرّق ذلك على أولاد رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وكان له من غلمان التّرك ألف وسبعون (٢) تركيّا يغلق عليهم باب داره (٣) ، وتمام الألفى غلام.

[وهم مقيمون معه (٤) ، سوى المولّدين والسودان ، كان الجميع أربعة آلاف غلام](٥).

وكان له راتب فى مطبخه ، فى كل يوم ألف وسبعمائة رطل لحم (٦) ، ومن الدجاج الفائق مائة طائر [سوى غيره من الدجاج والفراريج](٧) ، ومن الخراف المشوية ما يزيد على الخمسين ، سوى النفقة على ذلك والحلوى. وكان يخرج فى كل يوم من خزانة الشراب ما يزيد على خمسين قربة من سائر الأشربة تفرّق على سائر الحاشية.

وكان يهدى إليه قاضى أسيوط محمد بن عبد الله فى كل سنة خمسين ألف سفرجلة (٨) تعمل شراب سفرجل.

__________________

(١) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٢) فى «م» : «وسبعين» لا تصح.

(٣) فى «م» : «يغلق عليهم داره».

(٤) فى «ص» : «وهم مقيمين معه».

(٥) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

(٦) وقيل أكثر من ذلك .. انظر النجوم الزاهرة ج ٤ ص ٩.

(٧) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٨) السّفرجل : شجر مثمر من الفصيلة الوردية.

٥٢٤

وقال الحسن بن إبراهيم : أرسل عبد الرحمن صاحب الأندلس إلى مصر مالا يفرقه على المالكيين ، فبلغ أبا بكر الحدّاد ، فقال : لعلّه لسائر أهل العلم.

فقال : بل للمالكيين (١) خاصة. فقال لكافور : «أرضيت من ملكك أن ترسل الأموال إلى المالكيين ، والشافعيون معك [بلا شىء](٢)؟ إن لم تقابل هذا الفعل (٣) فى الشافعيين بأكثر منه لأكتبنّ فى ذلك ولأكتبنّ».

فأرسل كافور عشرة آلاف درهم ، فجلس أبو بكر وفرّقها على الشافعيين.

ولما مات كافور ـ رحمه الله ـ وجد فى خزانته عينا ، وجواهر ، وثيابا وسلاحا ، وغير ذلك ، ما مبلغه ألف ألف دينار.

وكان متواضعا حليما ، ويحكى عنه أنه (٤) لحقه جرب كثير وهو صغير ، حتى كان لا يظهر ولا يقابل ، فطرده سيده ، فكان يمشى فى سوق بنى حباسة ، وفيه طباخ يبيع الطبيخ ، فعبر به كافور يوما وطلب منه (٥) ، فضربه بالمغرفة (٦) على يده وهى حارّة ، فوقع مغشيّا عليه ، فأخذه رجل من المصريين ورشّ عليه الماء حتى أفاق وجعله عنده (٧) وداواه حتى وجد العافية ، فأتى سيّده ، فأخذه سيّده وقال للذى داواه : خذ أجرة ما فعلت.

قال : لا ، ولكن أجرى على الله تعالى .. فكان كافور كلما عزّت عليه نفسه يذكّرها بضربة الطّبّاخ بالمغرفة. وربما يركب ويأتى ذلك الزقاق وينزل ويسجد شكرا لله تعالى ، ويقول لنفسه : اذكرى ضربة المغرفة.

__________________

(١) فى «م» : «للمساكين» تحريف.

(٢) ما بين المعقوفتين عن «م».

(٣) فى «ص» : «يقابل هذا الفضل».

(٤) فى «ص» : «يحكى أن كافور».

(٥) فى «ص» : «وطلب منه وألحّ عليه».

(٦) المغرفة : ما يغرف به الطعام ونحوه.

(٧) قوله : «حتى أفاق وجعله عنده» عن «ص».

٥٢٥

وحديثه مع ابن جابار مشهور ، وهو من عزيز مناقبه ، وقد ذكر فى أخبار ابن جابار فيما تقدم.

وحكى أبو جعفر المنطقى (١) قال : دعانى كافور يوما وقال لى : أتعرف منجّما كان يجلس عند دار فلان؟ فقلت : نعم. فقال : ما حاله (٢)؟ قلت : مات منذ سنين كثيرة. فقال : اعلم أنّى كنت (٣) مررت عليه يوما فدعانى وقال لى : أنظر لك؟ قلت : افعل. فنظر ثم قال : ستملك هذه المدينة وتأمر فيها وتنهى. وكان معى درهمان (٤) فدفعتهما إليه ، فقال : ما هذا (٥)؟ فقلت : ما معى غيرهما (٦). فقال : وإنّ يدك (٧) ستملك هذه المدينة وغيرها ، وتبلغ مبلغا عظيما ، فاذكرنى. وانصرفت [بعد أن عاهدته على الوفاء والإحسان](٨) ، فلما نمت البارحة رأيته فى منامى وهو يقول لى : ما على هذا فارقتنى! فأريد أن تمضى (٩) وتسأل عن حاله ، وهل له ورثة (١٠)؟.

فمضيت إلى داره التى كان يسكنها ، فسألت عنه ، فقيل لى : له ابنتان (١١) ، إحداهما متزوجة والأخرى لم تتزوج ، وهى بكر ، فعدت إليه

__________________

(١) فى «م» : «النطقى».

(٢) فى «ص» : «ما فعل؟».

(٣) فى «م» : «قد كنت».

(٤) فى «ص» : «درهمين». وفى «م» : «وكان معى من الفلوس درهمين» وكلاهما خطأ ، والصواب ما أثبتناه ، اسم كان مرفوع بالألف لأنه مثنى.

(٥) فى «ص» : «أى شىء هذا؟».

(٦) فى «م» : «غير هذين».

(٧) فى «م» : «وأزيدك».

(٨) ما بين المعقوفتين عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٩) فى «م» : «تمضى إلى محلته».

(١٠) فى «ص» : «وهل خلّف له ورثة».

(١١) فى «م» : «إن له ابنتان» لا تصح ، والصواب : ابنتين ، اسم إن.

٥٢٦

فأخبرته ، فأرسل لهما أربعمائة دينار ، واشترى لهما دارا بأربعة آلاف درهم ، وجهز البكر أيضا بمائتى دينار (١).

وقيل : لقى الإخشيدى ابن سعيد المكفوف المفسّر ، فقال له : رأيت (٢) فى المنام كأنّ أمّ الفتيان رفعت إلىّ درجا (٣) فيه خواتيم ، فسلمت الدّرج إلى أخى (٤) المظفر ، ثم عدت فأخذته منه وسلمته لهذا الغلام ـ يعنى كافور ـ فقال : يبلغ بك مبلغا عظيما. فلما انصرف الإخشيدى قام ابن سعيد فقال : اطلبوا لى كافور (٥) ، فطلبوه ، فلما جاء قال : اتّق الله فى المسلمين ، فإنك ستبلغ درجة مولاك. فاذكرنى ولا تنسنى!

فلما بلغ كافور ما بلغ أرسل إليه إلى دمشق وأحضره ، وأجرى عليه [رزقا كثيرا](٦) إلى أن توفى كافور.

ودخل على كافور غلام ، فقال له : ما اسمك؟ قال : كافور. قال : نعم ، ما كلّ من اسمه محمد نبّى!

وقيل : كثرت الزلازل بمصر فى زمنه ، وأقامت ستة أشهر (٧) ليلا ونهارا ، فأنشده محمد بن القاسم قصيدة يقول فيها :

ما زلزلت مصر من سوء يراد بها

لكنّها رقصت من عدله فرحا

وتوفى كافور ـ رحمه الله تعالى .. سنة سبع وخمسين وثلاثمائة (٨).

__________________

(١) فى «ص» : «فأرسل فاشترى لها دارا بأربعمائة دينار ، ودفع للبكر مائتين تجهّز بهما».

(٢) فى «م» : «رأيت لى».

(٣) الدّرج : سفيط أو (شبه صندوق) توضع فيه الأشياء.

(٤) فى «م» : «لأخى».

(٥) هذه العبارة عن «م» ، ومضطربة فى «ص».

(٦) ما بين المعقوفتين عن «م».

(٧) قوله : «أشهر» عن «ص».

(٨) فى «م» و «ص» : «سنة ٣٤٥ ه‍». وما أثبتناه عن النجوم الزاهرة ج ٤ ص ١٠ ، وغير ذلك من مراجع.

٥٢٧

تربة أبى الفضل جعفر بن الفرات :

ثم تمضى من قبته إلى الشرق (١) تجد قبة لطيفة ، يقال إن تحتها سيده مدفون فيها (٢). [وبجانبها من الشرق سبعة قبور على صفّة ، يقال إنهم وزراء ، رحمهم الله تعالى](٣) وبجانبها من الشرق تربة تعرف بالوزير (٤) أبى الفضل جعفر بن الفرات رحمه الله ، نزل مصر (٥) وتقلّد الوزارة لكافور ، وكان أبوه وزير المقتدر بالله ، وله (٦) رحلة فى [طلب] الحديث. وحدّث (٧) عن أبى طالب عبد الله السابورى ، وأبى الحسن ، ومحمد بن فرج الحضرمى (٨) ، وغيرهم. وروى عنه جمع غفير.

قال أبو الفضل المذكور : حدثنى سعيد قال : أخبرنى أيوب عن وهب : «مكتوب فى مزامير داود : أتدرى لمن أغفر من عبادى؟ قال : لا يا رب.

قال : للذى أذنب ذنبا فارتعدت فرائصه من ذلك. آمر الملائكة ألّا يكتبوا (٩) عليه ذلك.

ومن كلامه ـ رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته فى الدنيا والآخرة ـ شعر :

__________________

(١) فى «م» : «إلى الرستق».

(٢) فى «م» : «يقال إنه سيده فيها مدفون».

(٣) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٤) فى «ص» : «فيها قبر الوزير».

(٥) فى «م» : «ترك مصر» تحريف. [انظر ترجمته فى الوفيات ج ١ ص ٣٤٦ ـ ٣٥٠ ، ومعجم الأدباء لياقوت ج ٧ ص ١٦٣ ـ ١٧٧].

(٦) فى «ص» : «وكان له». وما بين المعقوفتين من عندنا.

(٧) من هنا إلى نهاية الترجمة عن «م» وساقط من «ص».

(٨) هكذا فى «م» .. وفى وفيات الأعيان : محمد بن هارون الحضرمى ، وفى معجم الأدباء : محمد بن هارون الحصرى ، ولم أقف عليه.

(٩) فى «م» : «ألّا يكتبون» لا تصح.

٥٢٨

من أخمل النّفس أحياها وروّحها

ولم يبت طاويا منها على ضجر (١)

إنّ الرّياح إذا اشتدّت عواصفها

فليس ترمى سوى العالى من الشّجر

وله أيضا ـ رضى الله عنه :

من لى بصحبة من إذا أغضبته

وسخطت كان الحلم ردّ جوابه

وإذا طربت إلى المدام سكرت من

أخلاقه وطربت من آدابه

وتراه يصغى للحديث بسمعه

وبقلبه ولعلّه أدرى به

وكانت وفاة الوزير فى سنة ٣٩١ ه‍ (٢).

وتخرج من باب التربة تجد على يمينك قبرين ، بهما سيدتان شريفتان (٣) قيل : هما من أولاد جعفر بن محمد الصادق ، وفى ذلك نظر ، والله أعلم (٤).

قبر أبى الحسن الطرائفى (٥) :

وهناك قبر الطرائفى (٦) ـ رحمه الله ـ كان يقرى الضيفان (٧). واسمه علىّ ، وكنيته أبو الحسن ، كان مكرما للفقراء ، كثير الضيافة لهم.

__________________

(١) هكذا البيت فى المصدرين السابقين .. وفى «م» : «الناس» مكان «النفس» ، تحريف من الناسخ. وأخمل النفس : أخفاها ولم يجعل لها نصيبا من الشهرة. والطاوى : الضامر المنكمش.

(٢) يقال : إنه أوصى أن يدفن فى المدينة ، حيث اشترى دارا بالقرب من المسجد النبوى ـ على ساكنه أفضل الصلاة والسلام ـ ولما مات حمل تابوته من مصر ودفنوه فى الدار المذكورة ، والله أعلم.

[انظر وفيات الأعيان ج ١ ص ٣٤٩].

(٣) فى «م» : «السيدتين الشريفتين «ثناء وثناء».

(٤) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٥) العنوان من عندنا.

(٦) فى «ص» : «تخرج من التربة على يمينك تجد قبر الطرائفى.

(٧) يقرى الضيفان : يضيفهم ويكرمهم .. وما بعد ذلك إلى نهاية الترجمة عن «م» وساقط من «ص».

٥٢٩

ويحكى عنه أنّ رجلا جاء إلى حانوته وهو فى قوة بيعه واجتماع الناس عليه ، فقال له : ما حاجتك أيها الشيخ؟ فسكت ومشى ، فقام إليه الطرائفى وترك بيعه وقال له : ما حاجتك؟ فقال له : أحتاج إلى ثوب وعمامة وسراويل.

فقال : بسم الله ، ثم أمر الطرائفى غلامه فاشترى ذلك ، وأخذ الطرائفى الرجل وجاء به إلى البيت ، ثم قال له : هل بقيت حاجة؟ قال : نعم ، نحن عشرة وأنا واحد منهم ، ما ينبغى لى أن أتخصّص. فقال له : امض وأتنى بهم. فذهب وجاء بهم. فلما حضروا قال لهم : ما تشتهون؟ فاشتهى كل واحد منهم لونا ، فطبخ لهم جميع ما طلبوه ، وقدّم لهم الطعام ، فأكل كلّ واحد ما اشتهاه ، ولمّا فرغوا (١) سألهم : هل تشتهون؟ هل بقيت لكم حاجة؟ قالوا : نعم ، أن يوقفك بين يديه ، وأن يدلّلك كما دلّلتنا! فبكى.

ثم إنه كسا الجميع ، وقال لصاحبه الأول : هل بقيت لك حاجة؟ قال : نعم ، تزوّجنى بابنتك. قال : بسم الله. ثم زوّجه ابنته وأسكنه عنده ، وقام له بما يحتاج إليه فى ليلة عرسه ، وأدخل زوجته عليه.

ثم إن الطرائفى نام تلك الليلة ، فرأى أنّ القيامة قد قامت ، وقد تجلّى الله سبحانه وتعالى ، وجاء به وأوقفه بين يديه وقال له : تدلّل كما تدلّلت الفقراء عليك .. ثم أعطى قصرا عظيما ، ووجد طعاما كثيرا ، ووجد داخل القصر حورا لم ير مثل صفتها. فلما [استيقظ](٢) من منامه جاء إلى زوج ابنته فقال له : كيف كانت ليلتك مع زوجتك؟ قال : كليلتك مع ربّك! فقال له : كيف وجدت البيت؟ قال : كيف وجدت القصر؟ قال : أعجبتك الحور؟ والطرائفى منسوب إلى بيع الطرائف ، وهى الأشياء الحسنة (٣).

__________________

(١) فى «م» : «ثم لمّا فرغوا».

(٢) ما بين المعقوفتين من عندنا ، سقط سهوا من الناسخ.

(٣) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

٥٣٠

ثم تخرج إلى الخندق وتنزل منه وتطلع تجد تربة فيها الياسمينى والنسرينى وجماعة من الصالحين ـ رحمة الله عليهم.

قبر الفقيه نجم الدين عمارة بن على اليمنى (١) :

ثم تمضى إلى تربة تعرف بتربة بنى المنتجب ، بها قبة فيها قبر الفقيه الفاضل نجم الدين عمارة بن على بن زيدان (٢) ، المكنى أبا محمد الحكمى المذحجىّ اليمنى الشّافعىّ الفرضى ، الشاعر المشهور.

تفقّه بزبيد مدة أربع سنين (٣) ، وهو من قحطان ، ثم الحكم بن سعد العشيرة المذحجيّ. ولد بتهامة من أرض اليمن فى مدينة يقال لها «مرطان» من وادى «وساع» (٤) ، وبعدها من مكة فى مهب (٥) الجنوب أحد عشر يوما (٦) ، سنة ٥١٥ ه‍ ، وبلغ بها الحلم سنة ٥٢٩ ه‍ ، ورحل (٧) إلى زبيد سنة ٥٣١ ه‍ ، وحج سنة ٥٤٩ ه‍ ، فسيّره صاحب مكّة قاسم بن هاشم بن فليتة رسولا إلى الفائز (٨) خليفة مصر ، فمدحه بقصيدة ميمية ، فوصله (٩) ، ومدح ابن رزّيك فأحسن صلته.

__________________

(١) العنوان من عندنا. وهذه الشخصية لم يرد لها ذكر فى «ص». [وانظر ترجمته فى سير أعلام النبلاء ج ٢٠ ص ٥٩٢ ـ ٥٩٦ ، والنجوم الزاهرة ج ٦ ص ٧٠ و ٧١ ، ووفيات الأعيان ج ٣ ص ٤٣١ ـ ٤٣٦ ، وشذرات الذهب ج ٤ ص ٢٣٤ و ٢٣٥].

(٢) فى الوفيات : «ريدان» بالراء المهملة.

(٣) فى «م» : «أربع سنين فى المدرسة بزبيد».

(٤) فى «م» : «وادى السباع ، وقيل : وادى وساع» ، والأخيرة التى أثبتناها هى التى ورد لها ذكر فى الوفيات وفى معجم البلدان ، وذكر ياقوت أنها من قرى اليمن.

(٥) فى «م» : «محل» مكان «مهب». وما أثبتناه عن الوفيات ج ٣ ص ٤٣٢.

(٦) فى «م» : «إحدى عشر» خطأ ، والصواب ما أثبتناه.

(٧) فى «م» : «ودخل».

(٨) هو الفائز بن الظافر.

(٩) فوصله : أجزل له العطاء والصّلة. وهذه القصيدة فى الوفيات ج ٣ ص ٤٣٢ و ٤٣٣ ومطلعها :

الحمد للعيس بعد العزم والهمم

حمدا يقوم بما أولت من النّعم

٥٣١

ثم عاد إلى مكة ، وذهب إلى زبيد ، ثم حج ، وأعاده صاحب مكة فى رسالة إلى مصر ثانية ، فدخل مصر واستوطنها إلى أن صلب.

وكان شافعيّا شديد التعصب للسّنّة ، وأديبا ماهرا ، وشاعرا مجيدا ، ولم يزل فى علوّ فى دولة المصريين إلى أن ملك السلطان صلاح الدين ، فمدحه كثيرا ، ومدح الفاضل (١) كثيرا ، ثم إنه شرع فى أمور ، وأخذ فى اتفاق مع رؤساء البلد فى التعصب للعبيديين وإعادة أمرهم ، فنقل أمرهم ، وكانوا ثمانية من الأعيان ، فأمر صلاح الدين بشنقهم فى رمضان سنة ٥٦٩ ه‍.

ويقال : إن صلاح الدين لمّا استشار الفاضل فى أمره فقال : نسجنه.

فقال : يرجى خلاصه .. فقال : نضربه عقوبة .. فقال : الكلب يضرب فيسكت ثم ينبح. فقال : نشنقه. فقال : الملوك إذا أرادوا شيئا فعلوه ، ونهض قائما ، فعلم السلطان أنّ هذا هو الرأى.

وقيل : أحضر عمارة ، فأخذ الفاضل فى تلطيف أمره مع السلطان ـ بينه وبينه ـ فقال عمارة : بالله يا مولانا لا تسمع منه ما يقول فىّ. فقال السلطان : نعم ، والله أعلم بأمر الفاضل وأمر عمارة ، ثم إنه رسم فيه بما رسم ، فقال عمارة للموكّلين به : بالله مرّوا بى على باب القاضى الفاضل لعلّه يرق لى .. فمرّوا به ، وكان الفاضل جالسا على باب داره ، فلما رآه مقبلا دخل داره وأغلق بابه ، فقال عمارة :

عبد الرّحيم قد احتجب

إنّ الخلاص من العجب

ويقال : إنه مرّ قبل كائنته (٢) بيومين أو ثلاثة ، فرأى بين القصرين مصلوبا فقال :

__________________

(١) هو القاضى الفاضل ، عبد الرحيم بن على بن الحسن البيسانى ، وزير صلاح الدين وكاتب سره.

(٢) هكذا فى «م» .. ولعله يريد : قبل موته.

٥٣٢

ومدّ على صليب الصّلب منه

يمينا لا تطول إلى الشّمال

ونكّس رأسه لعتاب قلب

دعاه إلى الغواية والضّلال

وقال بعضهم : عبرت بين القصرين وأنا عائد على دار السلطان صلاح الدين عشيّة النهار الذي شنق فيه عمارة اليمنى ، فشاهدته هناك مشنوقا ، فذكرت أبياتا له عملها فى الصّالح (١) ، وهى هذه ، قال :

إذا قدرت على العلياء بالغلب

فلا تعرّج على سعى ولا طلب

ولا ترقّنّ لى إن كربة عرضت

فإنّ قلبى مخلوق من الكرب

واستخبر الهول كم آنست وحشته

وكم وهبت له روحى ولم أهب

ومن نظمه ـ رضى الله عنه :

بات يرعى السّها بطرف مؤرّق

وفؤاد من الغرام محرّق (٢)

ليت أيّامه السّوالف يرجعن

ويجمعن طيب عيش تفرّق

دمن أنبت الجمال ثراها

ورعى الشّوق غضّها حين أورق (٣)

فتح الطّلّ زهرها وتولّى

نشره راحة النّسيم الذي رق

وله أيضا :

يا أيّها النّاس والخطاب إلى من

هو من حيث فضله إنسان

هذه خطبة إلى غير شخص

نظمة عقد نثرها الأوزان

لم أخصّص بها فلان لأنّى

فى زمان ما فى بنيه فلان

من يكن عنده مزيّة فهم

فليكن سامعا فعندى لسان (٤)

__________________

(١) هو الوزير الصالح ابن رزّيك.

(٢) السّها : كوكب صغير خفىّ الضوء.

(٣) الدّمن : آثار الناس وما سوّدوا.

(٤) مزيّة فهم : فضيلة فهم ، أو تمام عقل.

٥٣٣

لم يميّز بين البريّة إلّا

حسنات يزينها الإحسان (١)

والخطايا بالعطايا [تولّت]

كم جميل بها المساوى تصان (٢)

لا يغرّنّكم زيادة حال

فالزّيادات بعدها نقصان

وإذا الدّوم لم يظلّ من الشّمس

فلا أورقت له أغصان (٣)

وأحقّ الأنام بالذّمّ جيل

بين أبنائه كريم يهان

طرق الجود غير ما نحن فيه

قد سمعنا الدّعوى فأين البيان؟

أصيّر الجود قصّة عند قوم

مستحيلا فى حقّها الإمكان

وعدمنا نشرا يدل عليه

إنّما النّار حيث ثمّ الدّخان

كذّبونى بواحد يهب الألف

وأنّى من السّماع العيان؟

وقال أيضا ـ عفا الله عنه :

إذا لم يسالمك الزّمان فحارب

وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب

ولا تحتقر كيدا ضعيفا فربّما

تموت الأفاعى من سموم العقارب (٤)

فقد هدّ قدما عرش بلقيس هدهد

وخرّب فأر قبل ذا سدّ مأرب (٥)

إذا كان رأس المال عمرك فاحترز

عليه من الإنفاق فى غير واجب

فبين اختلاف اللّيل والصّبح معرك

يكرّ علينا جيشه بالعجائب

وما راعنى غدر الشّباب لأنّنى

أنست بهذا الخلق من كلّ صاحب (٦)

وغدر الفتى فى عهده ووفائه

وغدر المواضى فى نبوّ المضارب (٧)

__________________

(١) البريّة : الخلق.

(٢) ما بين المعقوفتين من عندنا ، وورد مكانه بياض بالأصل.

(٣) الدّوم : شجر المقل.

(٤) فى «م» : «ولا تحترق» مكان «ولا تحتقر» تحريف ، وما أثبتناه عن الوفيات.

(٥) فى «م» : «وجرب» مكان «وخرّب» تحريف. وسقط منها «ذا» ولا يستقيم الوزن إلا به.

(٦) فى «م» : «وما راعنى فقد الشباب» وما أثبتناه عن الوفيات.

(٧) المواضى : السيوف القواطع. ونبوّ السيوف : عدم إصابتها الهدف. وفى «م» : «فى بنود» تحريف.

٥٣٤

إذا كان هذا الدّرّ معدنه فمى

فصونوه عن تقبيل راحة واهب

رأيت رجالا أصبحت فى مآدب

لديكم ، وحالى وحدها فى نوادب

تأخّرت لمّا قدّمتهم علاكم

علىّ ، وتأبى الأسد سبق الثّعالب

ترى أين كانوا فى مواطنى التى

غدوت لكم فيهنّ أكرم نائب (١)

ليالى أتلو ذكركم فى مجالس

حديث الورى فيها بغمز الحواجب

* * *

قبر كمال الدين ابن العديم (٢) :

ثم تمضى من تربة «عمارة» إلى حوش كبير يعرف بحوش بنى يعمر ، به القاضى الأجلّ الصّاحب كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبى الفضل هبة الله بن أبى غانم محمد بن هبة الله بن قاضى حلب أبى الحسن أحمد بن يحيى ابن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبى جرادة عامر بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل ، رئيس الشام العقيلى الحلبى المعروف بابن العديم ، ولد ـ رحمه الله ـ سنة ٥٨٦ ه‍ ، وتوفى سنة ٦٦٠ ه‍ وقيل : بل سنة ٦٦٦ ه‍. وقيل ٦٦٨ ه‍ (٣).

وسمع من أبيه ، ومن عمه أبى غانم ، وابن طبرزد ، والافتخار ، والكندى ، والحرستانى (٤). وسمع جماعة كثيرة بدمشق وحلب والقدس

__________________

(١) فى «م» : «عددت» مكان «غدوت». وما هنا عن الوفيات.

(٢) العنوان من عندنا ولم يرد فى «ص» أيضا. [وانظر ترجمته فى معجم الأدباء ج ١٦ ص ٥ ـ ٥٧ ، وفوات الوفيات ج ٣ ص ١٢٦ ـ ١٢٩ ، والنجوم الزاهرة ج ٧ ص ٢٠٨ ـ ٢١٠ ، وشذرات الذهب ج ٥ ص ٣٠٣].

(٣) أكثر المصادر التى ترجمت له مجمعة على أن وفاته كانت سنة ٦٦٠ ه‍. وتاريخ وفاته هذا يدل على أن ما كتب عنه هنا ، كتب بعد وفاة موفق الدين بن عثمان ، مؤلف «مرشد الزوار» ، والمتوفى سنة ٦١٥ ه‍ ، كما أشرنا إلى ذلك آنفا فى أكثر من موضع.

(٤) هكذا فى وفيات الوفيات. وفى «م» : «وابن الحرستان».

٥٣٥

والحجاز والعراق. وكان محدّثا حافظا ، مؤرخا صادقا ، فقيها مفتيا ، منشئا بليغا ، كاتبا مجوّدا. درّس ، وأفتى ، وصنّف ، وترسل (١) عن الملوك ، وكان رأسا فى الخط المنسوب ، لا سيما النسخ والحواشى.

ورئى فى النوم بعد وفاته ، فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : نفعنى ما كتبته بيدى من العلم. فقيل له : هل تعلم بنا إذا زرناك؟ قال : نعم ، ويقال لى : هذا فلان ابن فلان.

أطنب الحافظ شرف الدين الدمياطى فى وصفه وقال : ولى قضاء حلب خمسة من آبائه متوالية (٢) ، وله الخط البديع والخط الرفيع ، والتصانيف الرائقة ، منها : «تاريخ حلب» ، أدركته المنيّة قبل كمال تبييضه ، وكتاب «الدّرارى فى ذكر الذّرارى» جمعه للملك الظاهر ، وقدمه إليه يوم ولد ولده العزيز.

وكتاب «ضوء الصباح فى الحثّ على السّماح» (٣) ، صنّفه للملك الأشرف.

وكتاب «الأخبار المستفادة فى ذكر بنى [أبى](٤) جرادة». وكتاب فى الخطّ وعلومه ، ووصف آدابه ، وطروسه وأقلامه. وكتاب «دفع الظلم والتجرى عن (٥) أبى العلاء المعرّى». وكتاب «الإشعار بما للملوك من النوادر والأشعار».

وممّن كتب إليه يسترفده شيئا من خطّه (٦) سعد الدين منوجهر

__________________

(١) أى : أرسل رسولا أو رسالة.

(٢) متوالية ، أى : متتابعين.

(٣) فى «م» : «السماع» وما أثبتناه عن فوات الوفيات ج ٣ ص ١٢٧ ، ومعجم الأدباء ج ١٦ ص ٤٥.

(٤) ما بين المعقوفتين عن المصدرين السابقين.

(٥) فى «م» : «دفع التجرى على ..» وما أثبتناه عن فوات الوفيات.

(٦) فى «م» : «يسترفده خطه». وما أثبتناه عن معجم الأدباء ج ١٦ ص ٤٦.

٥٣٦

الموصليّ ، وأمين الدين ياقوت المعروف بالعالم (١) ، صهر ياقوت الكاتب الذي يضرب به المثل [فى جودة الخط](٢).

وكان فى بعض سفراته يركب فى محفّة تشدّ له بين بغلين ويجلس فيها ويكتب.

قال ياقوت : سألته لم سمّيتم ببنى العديم؟ فقال : سألت جماعة من أهلى عن ذلك فلم يعرفوه ، وقالوا : هو اسم محدث لم يكن آبائى القدماء يعرفون [بهذا](٣) ولم يكن فى نساء أهلى من يعرف به ، ولا أحسب إلّا أنّ جدّ جدّى القاضى أبا الفضل هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبى جرادة ـ مع ثروة واسعة ونعمة شاملة ـ كان يكثر فى شعره من ذكر العدم (٤) وشكوى الزمان ، فسمّى بذلك ، فإن لم يكن هذا سببه فلا أدرى ما سببه؟

وقال : ختمت القرآن ولى تسع سنين ، وقرأت بالعشر ولى عشر سنين ، ولم أكتب على أحد مشهور إلّا تاج الدّين محمد بن أحمد بن البرفطىّ (٥) البغدادىّ ، ورد إلينا حلب ، فكتبت عليه أياما (٦) قلائل لم يحصل منه فيها طائل.

وروى عنه الدوادارىّ ، وغيره ، ومن شعره (٧) :

__________________

(١) هكذا فى المصدر السابق .. وفى «م» : «بالمعلم العالم».

(٢) ما بين المعقوفتين عن المصدر السابق ولم يرد فى «م».

(٣) ما بين المعقوفتين عن ياقوت ولم يرد فى «م».

(٤) العدم : الفقر. والعديم : الفقير الذي لا مال له.

(٥) فى «م» : «أحمد البرفطى» وما أثبتناه عن معجم الأدباء ج ١٦ ص ٤٢.

(٦) فى «م» : «أيام» لا تصح ، والصواب بالنصب.

(٧) الشعر ورد فى الوفيات ج ٣ ص ١٢٨ ، وورد فى معجم الأدباء ج ١٦ ص ٥١.

٥٣٧

وأهيف معسول المراشف خلته

وفى وجنتيه للمدامة عاصر (١)

يسيل إلى فيه اللّذيذ مدامة

رحيقا وقد مرّت عليه الأعاصر (٢)

فيسكر منه عند ذاك قوامه

فيهتزّ تيها والعيون فواتر (٣)

كأنّ أمير النّوم يهوى جفونه

إذا همّ رفعا خالفته المحاجر (٤)

خلوت به من بعد ما نام أهله

وقد غابت الجوزاء واللّيل ساتر (٥)

فوسّدته كفّى وبات معانقى

إلى أن بدا ضوء من الصّبح سافر (٦)

فقام يجرّ البرد منه على تقى

وقمت ولم تحلل لإثم مآزر (٧)

كذلك أحلى الحبّ ما كان فرجه

عفيفا ووصل لم تشنه الجرائر (٨)

* * *

وبالحوش المذكور قبر يوسف بن يوسف ، المكنى أبا سهل القصيرى ، الأديب ، تولى تدريس الحديث بالمدرسة الكاملية ، وكان قليل الرواية ، وتوفى بالمدرسة الكاملية المذكورة.

__________________

(١) الأهيف : دقيق الخصر والضامر البطن. والمراشف : الشفاه ، أو جمع مرشف ، ويطلق على موضع الرشف. والمدامة : الخمر.

(٢) فيه : فمه.

(٣) العيون الفواتر : التى فيها ضعف وانكسار ، وهذا مستحسن فيها.

(٤) فى «م» : «أمير القوم». ومحاجر العين : ما أحاط بها.

(٥) فى المصدرين السابقين «غارت» مكان «غابت» وهى بمعناها.

(٦) فى «م» : «وباب» مكان «وبات» تحريف.

(٧) فى «م» : «البر» مكان «البرد» خطأ ، والصواب ما أثبتناه من المصدرين السابقين.

(٨) لم تشنه : لم تعبه ، وفى الفوات : «لم تشبه» وهى بمعناها. والجرائر : جمع جريرة ، وهى الجناية والذنب وكل ما يعاب.

٥٣٨

قبر الإمام عمر بن دحية الكلبى (١) :

ثم تخرج من الحوش وتأتى إلى حوش يلاصقه من الجهة البحرية ، بالحوش المذكور ، قبر الإمام الحافظ الحجّة عمر بن حسن بن على بن محمد الجميّل بن بدر بن أحمد بن دحية ـ بكسر الدال وفتحها ، والفتح أفصح ، صاحب رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، الذي كان يهبط الأمين جبريل على صورته وهيئته ـ ابن خليفة ابن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزج (٢) ـ بغير راء ـ ابن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف (٣) ، واسمه زيد اللّات بن رفيدة ابن ثور بن كليب (٤) بن وبرة بن ثعلب. وقيل : تغلب بن حلوان بن عمران ابن الحافى بن قضاعة الكلبى الدّانّى السّبتى الأندلسى البلنسى الأنصارى الخزرجى ، المعروف بذى النسبين ، والمكنى أبا الفضل وأبا الخطّاب ، كما ذكر ذلك يحيى الكلبى ، وأنه سبط ابن البسام الحسنى الفاطمى.

وكان المذكور من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ، متقنا لعلم الحديث النبوى ، وكل ما يتعلق به ، عارفا بالنحو واللغة وأيام العرب (٥) ، وأشعارها ..

اشتغل بطلب الحديث فى أكثر بلاد الأندلس الإسلامية (٦) ، ولقى بها العلماء والمشايخ ، ثم رحل واجتمع بفضلاء مراكش ، ثم رحل إلى إفريقية ، ومنها إلى الديار المصرية ، ثم رحل إلى الشام والشرق والعراق ، ودخل إلى عراق العجم وخراسان ، وما وراء كل ذلك فى طلب الحديث والاجتماع بأئمته ، والأخذ عنهم ، وهو فى تلك الحالة يؤخذ عنه ، ويستفاد منه.

__________________

(١) العنوان من عندنا ، ولم يرد فى «ص» أيضا وتوفى عمر بن دحية هذا سنة ٦٣٣ ه‍ كما سيأتى ـ أى بعد وفاة مؤلف مرشد الزوار بثمانى عشرة سنة. [انظر ترجمته فى وفيات الأعيان ج ٣ ص ٤٤٨ ـ ٤٥٠ ، وتذكرة الحفاظ ج ٤ ص ١٤٢٠ ـ ١٤٢٣ ، وميزان الاعتدال ج ٣ ص ١٨٦ ـ ١٨٩ ، والنجوم الزاهرة ج ٦ ص ٢٩٥ و ٢٩٦ ، وشذرات الذهب ج ٥ ص ١٦٠ و ١٦١ ، ونفح الطيب ج ٢ ص ٣٠٥ ـ ٣١١].

(٢) فى «م» : «الخزرج» تحريف من الناسخ.

(٣) فى «م» : «الأبكر» تحريف .. وفى أسد الغابة : «ابن بكر بن عوف».

(٤) فى أسد الغابة : «كلب».

(٥) فى «م» : «القرب» تحريف.

(٦) فى «م» : «السلامية» تحريف.

٥٣٩

وقدم مدينة إربل سنة ٦٠٤ ه‍ ، وهو متوجّه إلى خراسان ، فرأى صاحبها الملك المعظم مظفر الدين بن زين الدين ـ رحمه الله تعالى ـ محبّا لعمل مولد النّبىّ صلّى الله عليه وسلم ، والاحتفال به ، فعمل له كتابا سمّاه «التنوير فى عمل مولد البشير النذير» (١) وقرأه عليه بنفسه ، وأجازه المعظم بألف دينار ، وله عدة تصانيف.

وولى القضاء بدانية مرتين وصرف عنها ، وحج ، ولمّا عاد إلى مصر بعد طوافه البلاد استأدبه (٢) العادل لولده (٣) الكامل ، وأسكنه القاهرة ، فنال بذلك دنيا عريضة ، وصنّف كتابا سمّاه «النص المبين فى المفاضلة بين أهل صفّين».

وكان يقول : إنه حفظ صحيح مسلم. وقيل عنه : إنه كان ظاهرىّ المذهب [وكان كثير](٤) الوقيعة فى أئمة الجمهور من العلماء والسلف الماضيين .. قال محب الدين بن النجار : وكان خبيث اللسان ، أحمق ، شديد الكبر ، قليل النظر فى الأمور الدينية (٥) ، منها فتاوى دينه ، وقال : قيل ذلك.

وذكر أنه سمع كتاب «الصّلة» لتاريخ الأندلس من ابن بشكوال ، وأنه سمع من جماعة ، وادّعى (٦) لقاء من لم يلقه ، وسماع من لم يسمعه ، وكانت أمارات ذلك لائحة عليه (٧). وكأنّ القلب يأبى سماع كلامه ، ويشهد ببطلان قوله ، وكان صادف قبولا عند السلطان الملك الكامل ، وأقبل عليه إقبالا عظيما ، وكان يعظّمه ويحترمه ، ويعتقد فيه ، ويتبرك به تبركا تامّا ، وسمعت من يذكره أنه كان يسوى له المداس إذا قام ، قال الشيخ شمس الدين : ولأجله

__________________

(١) هكذا فى «م» .. وفى الوفيات : «التنوير فى مولد السراج المنير».

(٢) استأدبه : جعله مؤدّبا ومعلما لولده .. وفى «م» : «استفاد به» تصحيف.

(٣) فى «م» : «تولده» تحريف ، والتصويب من نفح الطيب ج ٢ ص ٣١١.

(٤) ما بين المعقوفتين عن تذكرة الحفاظ وساقط من «م».

(٥) فى «م» : «الدنية» تصحيف.

(٦) فى «م» : «وادعائه».

(٧) لائحة عليه : واضحة وبادية عليه.

٥٤٠