مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

موفق الدين بن عثمان

مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

المؤلف:

موفق الدين بن عثمان


المحقق: محمّد فتحي أبو بكر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار المصريّة اللبنانيّة
الطبعة: ١
ISBN: 977-270-182-0
الصفحات: ٧٨٣

اغفر لأمّة محمد ، اللهم ارحم أمّة محمد. ثم أصبحت فرأيت السّباع أتته (١) تسلّم عليه وتتبرّك به. فقال : يا ذا النون ، كم بقى للحج؟ قلت : مدّة يسيرة.

قال : يخطر (٢) لك نيّة الحج؟ قلت : نعم. فقال : يا ذا النون ، أرافقك بواحد من هذه (٣) السباع ، ثم التفت إلى واحد منها (٤) فقال : أوصيك بأبى الفيض ، فكن به رفيقا (٥). فركبت على ظهره يومين (٦) ، فإذا أنا ببطحاء مكة ، فنفضنى عن ظهره. وكان الشيخ قد أوصانى وقال لى : إذا قضيت شغلك وأتيت الرّكن اليمانىّ تجد عنده شابّا أسمر ، عليه أطمار رثّة (٧) ، وعليه سيما الخير ، فبلغه سلامى ، وسله لى الدعاء. قال (٨) : فلمّا قضيت شغلى وأتيت الركن اليمانيّ ، وجدت الرّجل جالسا عند الركن ، فسلمت عليه ، وقلت له : فلان بالشام يسلم عليك ويسألك الدعاء ـ وكان قد أضحى النهار ـ فقال : لا إله إلّا الله ، يرحمه الله ، اليوم قد صلينا عليه!».

وعن ذى النون المصرى قال : «لقيت فى بعض أسفارى امرأة تشير إلى المحبة ، فسألتها عن غاية المحبة ، فقالت : لا غاية لها. فقلت : ولم؟ قالت : لأنه لا غاية للمحبوب» (٩).

وعن أبى سعيد المالينى ، عن ذى النون المصرى ، يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم ، قال : «سمعت جبريل عليه السلام يقول : يا محمد ، من قال من أمّتك فى كل

__________________

(١) فى «ص» : «وإذا السباع قد أتته».

(٢) فى «ص» : «يحضر».

(٣) فى «م» و «ص» : «من هؤلاء».

(٤) فى «م» و «ص» : «منهم».

(٥) فى «م» : «وكن رفيقا له».

(٦) فى «ص» : «يومان» لا تصح.

(٧) أطمار رثّة : ثياب بالية.

(٨) القائل : ذو النون.

(٩) هذه الفقرة عن «م» ولم ترد فى «ص».

٣٨١

يوم مائة مرّة : «لا إله إلّا الله ، الملك الحق المبين» كان له أمان من الفقر ، وأنس (١) من وحشة القبر ، واستجلب به الغنى ، وقرع (٢) به باب الجنة».

وسئل ذو النون : كيف الطريق إلى الله تعالى؟ فقال : «ظمأ الهواجر (٣) ، وقيام الليل ، يدلّانك على الطريق إلى الله تعالى» (٤).

وعن سعيد (٥) بن عثمان قال : سمعت ذا النون (٦) يقول : «اللهمّ متّع أبصارنا بالجولان فى حلالك بسهرها عمّا نامت عنه قلوب الغافلين ، واجعل قلوبنا معقودة بسلاسل النور ، وعلّقها بأطناب الفكر (٧) ، ونزّه أبصارنا عن سرّ مواقف المتحيرين ، وأعطها من الأنس فى خدمتك مع الجوّالين».

وعن ابن الجلّاء قال : لقيت ستمائة شيخ ، ما رأيت فيهم مثل أربعة ، أحدهم (٨) ذو النون المصرى ، يقول : «ذكر الله دواء ، وذكر الناس داء ، فاستكثروا من الدّواء ، وأقلّوا من الدّاء».

وعن محمد بن قطن (٩) قال : رأيت مكتوبا على عصا ذى النون :

__________________

(١) وفى رواية : «كانت له أمانا من الفقر ، وأنسا ...».

(٢) فى «ص» : «واستقرع».

(٣) الهواجر : جمع هاجرة ، وهى نصف النهار عند اشتداد الحر.

(٤) فى «م» : «يدلّانك إلى طريق الله تعالى».

(٥) فى «م» : «أبى سعيد» خطأ.

(٦) فى «م» : «ذى النون» لا تصح ، وما أثبتناه هو الصحيح.

(٧) فى «ص» : «الفكرة». والأطناب : جمع طنب ، وهو الحبل الذي يشدّ به الخباء والسرادق ونحوهما.

(٨) «أحدهم» عن «م».

(٩) فى «ص» : «وعن ابن قطن».

٣٨٢

كيف احتيالى ودائى الأمل

وليس لى فى صحيفتى عمل (١)

زادى قليل ورحلتى بعدت

من عدم الزّاد كيف يرتحل؟

وروى عن أبى عثمان المغربى قال : «من صحب نفسه صحبه الكبر والعجب ، ومن صحب أولياء الله تعالى وفّق للوصول إلى الله تعالى».

وروى عن ذى النون ، رضى الله عنه ، أنه قال : «سافرت سفرة فجئت بعلم يعرفه العامّ والخاص ، ثم سافرت الثانية فجئت بعلم يعرفه الخاص وينكره العام ، ثم سافرت الثالثة فجئت بعلم ينكره الخاص والعام ، وصرت به وحيدا ، فريدا ، شريدا ، طريدا» (٢).

وعن ذى النون ، رضى الله عنه ، قال : «من ذكر الله تعالى على حقيقة نسى فى جنب الله (٣) كلّ شىء ، وكان له عوضا من كل شىء».

وقال ذو النون المصرى : «إنّما دخل الفساد على الناس من ستة أمور : أحدها (٤) : من ضعف النية بعمل الآخرة. والثانى : صارت أبدانهم رهينة لشهواتهم. والثالث : غلبهم طول الأمل مع قرب الأجل (٥). والرابع : آثروا رضا المخلوقين على رضا الخالق. والخامس : اتّبعوا أهواءهم ونبذوا سنّة نبيهم ، صلّى الله عليه وسلم وراء ظهورهم. والسادس : جعلوا زلّات السّلف حجّة أنفسهم ، ودفنوا أكثر مناقبهم».

ولمّا مات ذو النون بالجيزة حمل فى قارب مخافة أن ينقطع الجسر من

__________________

(١) فى «م» : «وذى» «ودائى» وهو تحريف. وفى رواية : «ودأبى» وعند ابن الزيات : «ودابى» .. و «عملى» مكان «عمل» لا تصح ، مخالف لحركة الرّوىّ.

(٢) من قوله : «وروى عن ابن عثمان المغربى» إلى هنا عن «م» وساقط من «ص».

(٣) فى «م» : «حبّ الله».

(٤) «أحدها» عن «ص».

(٥) قوله : «مع قرب الأجل» عن «م» وساقط من «ص».

٣٨٣

كثرة الناس على الجنازة (١) ، قال الراوى : فلما أخرج من القارب وحمل على أكتاف الرجال جاءت طيور خضر فاكتنفت الجنازة (٢) ترفرف عليه حتى عطف به عند «حمّام الغار» وغاب عنى ، فذكرت ذلك لأبى يحيى بن هلال بعد زمان ، فقال لى : لقد رأيت مثل هذه الطيور ترفرف على جنازة المزنّى.

وأنشد بعضهم فى ذلك (٣) :

ورأيت أعجب ما رأيت ولم أكن

من قبل ذاك رأيته لمشيّع (٤)

طيرا ترفرف فوقه وتحفّه

حتّى توارى فى حجاب المضجع

ثمّ احتجبن عن العيون ولم أحط

علما بكنه مصيرها والمرجع (٥)

وأظنّها رسل الإله لعبده

 ـ والله أعلم ـ فوق ذاك المرجع (٦)

وتنزّل القطر الذي كنّا نرى

وهبوب تلك الذّاريات الزّعزع (٧)

إن شئت قل : بكت السّماء لفقده

أو قل : سقته بهيدب لم يقلع (٨)

__________________

(١) فى «ص» : «على جنازته».

(٢) اكتنفت الجنازة : كانت على يمينها ويسارها.

(٣) فى «م» : «وهو أبو بكر محمد بن ريّان».

(٤) هكذا فى «ص» .. وفى «م» ذكر قبل هذا البيت أربعة أبيات سترد بعد ذلك فى رثاه «المزنى» صاحب الشافعى.

(٥) فى «م» : «احتجبنا» خطأ ، وما أثبتناه هو الصحيح.

[انظر الكواكب السيارة ص ٢٣٥ ، والمكنون فى مناقب ذى النون للسيوطى ص ٧٤].

(٦) هذا البيت عن «ص» ولم يرد فى «م». وفى الكواكب السيارة :

وأظنها رسل الإله تنزلت

والله أعلم فوق ذاك الموضع

(٧) الذاريات الزعزع : الرياح الشديدة ، وفى رواية : «الوعوع» ، وهى بمعناها. وهذا البيت والذي يليه عن «م».

(٨) فى «م» : «لا يقلع» وما أثبتناه عن «المكنون فى مناقب ذى النون للسيوطى» والهيدب : السحاب المتدلّى الذي يدنو من الأرض ويرى كأنه خيوط عند انصبابه .. وفى رواية أخرى : «بمهذب» وهى بمعنى السيل. وستأتى.

٣٨٤

وكانت وفاته سنة خمس وأربعين ومائتين ، وكان اسمه ثوبان بن إبراهيم ، وورعه وزهده لا يخفى. وكان قد وشى به إلى «المتوكل» ، فاستحضره من مصر ، [فلما دخل عليه وعظه ، فبكى وردّه إلى مصر] واستعذر منه (١).

قال يوسف (٢) بن الحسين : سمعت ذا النون (٣) وقد سئل : لم (٤) أحبّ الناس الدنيا؟ فقال : لأنّ الله تعالى جعل الدنيا (٥) خزانة أرزاقهم ، فمدّوا أعينهم إليها.

وقال ابن السّرّاج : قلت لذى النون : كيف كان خلاصك من «المتوكل» وقد أمر بقتلك؟ قال : لمّا أوصلنى الغلام إلى الستر رفعه (٦) وقال لى : ادخل. فنظرت فإذا «المتوكل» فى غلالة ، مكشوف الرأس ، وعبيد الله قائم على رأسه متّكئ على السّيف (٧) ، وعرفت فى وجه القوم الشّرّ ، ففتح لى باب ، فقلت فى نفسى : «يا الله (٨) ، يا من ليس فى السماوات خطرات (٩) ،

__________________

(١) استعذر منه : طلب العذر على ما بدر منه من سوء ظن نحوه. وما بين المعقوفتين عن «ص» وسقط من «م» سهوا من الناسخ.

(٢) فى «م» : «عن يوسف». وجاء اسمه فى الكواكب السيارة ص ٢٣٥ «يونس بن الحسين» وهو خطأ. وهو : يوسف بن الحسين الرّازىّ ، أبو يعقوب ، صحب ذا النون المصرى ، وأبا تراب النخشبى ، ورافق أبا سعيد الخرّاز فى بعض أسفاره ، وكان عالما ديّنا ، وكانت وفاته سنة ٣٠٤ ه‍.

[انظر ترجمته فى طبقات الصوفية ص ١٨٥ ـ ١٩١ ، وحلية الأولياء ج ١٠ ص ٢٣٨ ـ ٢٤٣ ، وتاريخ بغداد ج ١٤ ص ٣١٤ ـ ٣١٩ ، والرسالة القشيرية ج ١ ص ١٣٧ ، وطبقات الشعرانى ج ١ ص ٩٠ و ٩١ ، وشذرات الذهب ج ٢ ص ٢٤٥].

(٣) فى «م» : «ذو النون» لا يصح ، والصواب ما أثبتناه.

(٤) فى «م» و «ص» : «لما» لا يصح.

(٥) فى «م» : «جعلها».

(٦) فى «م» : «ورفعه».

(٧) فى «م» : «على سيف».

(٨) لفظ الجلالة عن «ص».

(٩) فى «م» : «قطرات» ، وفى الكواكب السيارة : «نظرات».

٣٨٥

ولا فى البحر قطرات ، ولا فى الرّياح روحات ، ولا فى الأرض جنّات (١) ، ولا فى قلوب الخلائق خطرات ، ولا فى أعضائهم حركات ، ولا فى عيونهم لحظات إلّا وهى لك شاهدات ، وعليك دالّات ، وبربوبيّتك معترفات ، وفى قدرتك متحيرات ، فبقدرتك التى تحيّر بها من فى السماوات والأرض إلّا صليت على محمد ، وعلى آل محمد ، وأخذت قلبه عنى». قال : فقام «المتوكل» يخطو حتى اعتنقنى ، ثم قال لى (٢) : أتعبناك يا أبا الفيض ، إن تشأ تقم (٣) عندنا ، وإن تشأ تنصرف. فاخترت الانصراف (٤).

وروى (٥) عنه قال : رأيت رجلا من السّائحين (٦) فقلت له : من أين أنت؟ فقال منشدا عند قولى له :

من عند من علق الفؤاد بحبّه

فشكا إليه بخاطر مشتاق

يبكى الوصال بعبرة مسفوحة

فيها شفاء لوامق توّاق (٧)

وقال أيضا : عبد ذليل ، ولسان كليل (٨) ، وعمل قليل ، وكرب طويل ، ونيل جزيل (٩) ، فأين أذهب يا سيدى إلّا بالدّليل؟

__________________

(١) فى «م» : «خبيّات» أى : مخبّات. وفى الكواكب السيارة : «حبّات».

(٢) «لى» عن «ص».

(٣) فى «م» : «تقيم» لا يصح ، جواب شرط مجزوم.

(٤) قوله : «فاخترت الانصراف» عن «ص» وساقط من «م».

(٥) من هنا إلى قوله «توّاق» عن «م» وساقط من «ص».

(٦) فى «م» : «السّيّاحين».

(٧) الوامق : المحبّ ، والتّوّاق : المشتاق.

وفى «م» : «لرامق تراق» تحريف من الناسخ.

وإلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٨) الكليل : الضعيف والعاجز.

(٩) نيل جزيل : عطاء وفير.

٣٨٦

وقال : دخل غلام لذى النون (١) إلى بغداد ، فسمع قوّالا يقول [الشعر](٢) ، فصاح غلام ذى النون صيحة وخرّ ميتا ، فوصل (٣) الخبر إلى ذى النون ، فرحل إلى بغداد (٤) فقال : علىّ بالقوّال ، فحضر ، فاستردّه الأبيات (٥) التى سمّعها للغلام ، فأنشدها ، فصاح ذو النون (٦) صيحة فمات القوّال ، ثم رجع ذو النون (٧) وهو يقول : «النّفس بالنّفس».

قبر الشيخ أبى عمران موسى بن محمد الأندلسى (٨) :

وتخرج من باب تربة ذى النون (٩) تجد على يمينك قبر الشيخ أبى عمران موسى بن محمد الأندلسى الواعظ الضرير ، رحمه الله ، كان من كبار المشايخ ، جمع بين العلم والورع ، وله مصنّفات فى عدّة فنون (١٠) ، وكان له مجلس وعظ ، وقصائد فى الزهد ، وغير ذلك.

وكان قد صنف قصيدة فى فضل أمّ المؤمنين (١١) عائشة رضى الله عنها ، منها هذه الأبيات (١٢) :

__________________

(١) فى «ص» : «لذى النون المصرى».

(٢) ما بين المعقوفتين من عندنا لاستقامة السياق.

(٣) فى «م» و «ص» : «فاتصل».

(٤) فى الكواكب السيارة : «فدخل بغداد».

(٥) أى استرجعه وطلب منه أن يردّد الأبيات التى سمعها الغلام منه.

(٦) فى «م» : «ذى النون» لا يصح.

(٧) فى «م» : «ثم خرج ذى النون» الصواب : «ذو النون».

(٨) العنون من عندنا.

(٩) فى «م» : «من باب تربته» والضمير يعود على ذى النون.

(١٠) فى «ص» : «فى كل فن».

(١١) فى «م» : «فى أم المؤمنين».

(١٢) فى «ص» : «منها فى أولها».

٣٨٧

ما شأن أمّ المؤمنين وشانى

هدى المحبّ لها وضلّ الشّانى (١)

إنّى أقول مبيّنا عن فضلها

ومترجما عن فضلها بلسانى (٢)

يا مبغضى ، لا تأت قبر محمّد

فالبيت بيتى والمكان مكانى

وكان ذلك فى زمن (٣) أمير الجيوش [شاهنشاه بن بدر الجمالى] ، فوشى إليه بذلك ، فأمر بحمله مسحوبا على وجهه ، فقال له بعض جلسائه : هذا رجل ضرير البصر ، ضعيف القوى ، لا يستطيع النهوض مع كبر سنّه.

فقال : يحمل إلى الجيزة ولا يسكن مصر ، فحمل إليها.

واتفق فى بعض الأيام أنّ أمير الجيوش ركب يوما إلى الجيزة ، فدخل مسجدا فوجد فيه موسى الأندلسى الواعظ المذكور هذا جالسا (٤) فى محرابه ، فصلّى ركعتين ثم التفت إليه وسأله عن حاله ، فأخبره بقصته (٥) فقال له : تقرأ شيئا من القرآن؟ قال : نعم. [قال : اقرأ. فقرأ](٦) فأعجبته قراءته.

فبكى بكاء شديدا لحسن صوته (٧). فقال له : أنشدنى القصيدة التى أخرجت من مصر لأجلها. فأنشده إيّاها ، فأمره بتكرارها (٨) ، فأعادها ، فقال له : يا شيخ ، بالله عليك لا تدع على السّلطان ، فإنه ما علم بحقيقة حالك (٩) ، وأنا أحد غلمانه (١٠) ، ولا بد من ذكرك له ، فطيّب قلبك ، واشرح صدرك وادع

__________________

(١) فى «م» : «من شأن» ، «من» تصحيف. والشان : الحال والشأن. والشانى : الشانئ المبغض.

(٢) فى «ص» : «ومترجم» لا تصح ، والصواب بالنصب.

(٣) فى «ص» : «فى أيام». وما بين المعقوفتين بعدها عن «م».

(٤) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «فدخل مسجدا فيه موسى الأندلسى هذا ، فوجده جالسا».

(٥) فى «ص» : «بقضيته».

(٦) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٧) فى «م» : «لصوته الحسن».

(٨) فى «م» : «بعيادتها» أى : بإعادتها.

(٩) فى «ص» : «قصتك» مكان «حالك».

(١٠) فى «م» و «ص» : «وأنا من أحد غلمانه».

٣٨٨

له (١). ثم خرج من عنده ، فتبادر الناس إليه وقالوا : أتعرف (٢) من كان عندك؟ قال : لا. قالوا : أمير الجيوش ، فإيّاك أن تكون تكلمت معه بشىء يؤذيك؟ قال : لا والله. وبقى خائفا (٣) ، فلما وصل أمير الجيوش إلى مصر أمر واليها أن يمضى إليه ويأتى به إلى مصر (٤) ويسأله الدعاء. وأرسل إليه بدنانير كثيرة وكسوة (٥) ، فحمل ـ رضى الله عنه ـ مكرما ، ولم يزل يعظ الناس ويتكلم على منبره إلى أن مات ، رحمه الله تعالى.

قبر ابن الترجمان (٦) :

وبجانبه من القبلة إلى المشرق قبر ترجمان بن على المقرى المعروف بابن الترجمان ، شيخ التصوف بديار مصر والشام.

سمع الحديث الكثير عن أبى بكر محمد بن محمد الحميدى ، وأبى القاسم محمد بن الطّرطوشى ، وأبى الحسن على بن عمر الدارقطنى ، وعيسى بن عبد الله ، وغيرهم.

ومن رواياته عن أبى هريرة ، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال : «إنّ أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء ، ولو يعلمون (٧) ما فيها لآتوها حبوا».

__________________

(١) فى «ص» : «وبالله لا تدع على السلطان».

(٢) فى «م» : «هل عرفت».

(٣) فى «ص» : «متخوفا».

(٤) فى «ص» : «ويحمله إلى موضعه بمصر».

(٥) فى «م» : «وأرسل له دنانيرا ـ الصواب : دنانير ـ وكسوة».

(٦) العنوان من عندنا. وهذه الترجمة كلها عن «م» ولم ترد فى «ص».

(٧) فى «م» : «يعلموا» لا تصح.

٣٨٩

وعن الأزدىّ ، قال عمر بن الخطاب : «لو وزن إيمان أبى بكر وإيمان أهل الأرض لرجح (١) إيمان أبى بكر».

ويلاصقه قبر الشيخ سهل بن محمد بن الحسين بن أبى الخير الخشّاب (٢).

قبر أبى العباس أحمد بن عبد الله الفقيه المالكى (٣) :

ثم تستقبل الجوسق المعروف بالكنز ، تجد تحته على يسارك تربة فيها [قبر أبى العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام بن الحطيئة اللخمى](٤). وهو مشهور ، كان من فقهاء المالكية ، وكان مسكنه بالشرق ، أقام فيه عدة سنين يقرئ (٥) الحديث ويأكل من نسخه ، وكان له بنت يعلّمها النّسخ فتعلمت حتى صارت تنسخ (٦) وضربت على خطّه.

وكان يعرض عليه المال فلا يقبل منه شيئا ، وتجىء (٧) سلاطين المصريين إليه فلا يقبل [من أحد](٨) منهم شيئا. ويقف به التجار والأمراء ويبذلون له المال فيأبى قبوله منهم (٩).

__________________

(١) لرجح : لزاد. يقال : رجح الشيء : ثقل. ورجحت إحدى الكفّتين الأخرى : مالت بالموزون.

(٢) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٣) العنوان من عندنا. [وانظر الكواكب السيارة ص ٢٣٢ و ٢٣٣].

(٤) ما بين المعقوفتين عن «م» وغير واضح فى «ص».

(٥) فى «م» : «يقرأ». وفى الكواكب السيارة : «كان يسكن بالشارع الأعظم ، وأقام به عدة سنين يقرأ الحديث».

(٦) فى «ص» : «فعلّمها ، وكانت تنسخ».

(٧) فى «ص» : «ويأتى».

(٨) ما بين المعقوفتين عن «م».

(٩) من قوله : «ويقف به التجار» إلى هنا ، عن «م» وساقط من «ص».

٣٩٠

وجاءه رجل من إخوانه ، فقال له : يا سيدى ، اشتريت هذا الثوب (١) على اسمك وأسألك (٢) أن تقبله منى. فقال : عاهدت الله ألّا أقبل من أحد شيئا. فحلف بالطلاق الثلاث لابد من قبوله ، فقال : قد قبلت ، فاجعله على الحبل ـ وكان فى مسجده ـ فجعله عليه ، فأقام ثلاثين سنة والثوب معلّق عليه!

ولم يزل مقيما بالشرق (٣) إلى نوبة مصر المشهورة ، وحريقها ، فأدخل إلى القاهرة ، ونزل فى دويرة بها ، وتوفى فيها (٤).

قبر شحّاذ الفقراء (٥) :

وبجانبه على الطريق (٦) بقرب ـ تحت المسجد ـ قبر الشيخ الصالح

__________________

(١) فى «م» و «ص» : «البلين» فى الموضعين ، وأيضا فى الكواكب السيارة.

(٢) فى «م» : «وأنا أسألك».

(٣) فى الكواكب السيارة «بالشارع».

(٤) إلى هنا ينتهى ما كتب عن أبى العباس فى «م» و «ص» وزاد ابن الزيات فى الكواكب السيارة بعد ذلك ما يلى : «وقبره مشهور بهذه الخطة ، معروف إلى الآن ـ أى إلى عصر ابن الزيات ـ وكان يقول : عاهدت الله على العزلة والجوع. وقال عبد الله بن سعيد : غلطت فى حديث ، فقلت : على من أصحّحه ، فنمت ، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فقال لى : صحّح حديثى على ابن الحطيئة ، فإنى أحبه ، وإن الله يحبه بحبى إياه. وقال بعض الفقهاء المالكية : قلت لابن الحطيئة : قيل عن المزنّى : إنه رأى رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ما فعل الله بالشافعى؟ فقال : سألت الله ألّا يحاسبه. فقال ابن الحطيئة : أتدرى بما ذا قلت؟ قال : لا. قال : لأنه كان يقول : «اللهم صلّ على سيدنا محمد كلما ذكره الذّاكرون ، وصلّ على سيدنا محمد كلما غفل عن ذكره الغافلون» ، وهذه صلاة ما صلّاها أحد قبل الشافعى ، فلما قدم الشافعى على الله تعالى ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : ربّ ، أسألك ألّا تحاسب الشافعىّ ، فإنه صلّى علّى صلاة ما صلّاها أحد علىّ قبله .. وكان ابن الخطية ينسخ فلا يفرغ من كتابة الكتاب حتى يحفظه ويتكلم على معانيه. وكان إذا تكلم فى رجال الحديث كانوا كأنهم معه فى صحيفة. وله الحواشى على كتاب مسلم».

(٥) العنوان من عندنا. [وانظر الكواكب السيارة ص ٢٣٢].

(٦) فى «ص» : «طريق».

٣٩١

المعروف بشحّاذ الفقراء ، كان إذا رأى فقيرا يمضى إلى الأغنياء ويطلب منهم ، ويأتى بما يتحصّل إلى الفقير ، [ولا يترك لنفسه شيئا](١) ، فقيل : إنه أخذ للفقراء (٢) أشياء كثيرة ، وفرّق فيهم على قدر حاجاتهم (٣) ، فبقى معه فضلة ، فلم يجد فقيرا (٤) يدفعها إليه ، فبنى المسجد المذكور بها.

المسجد المعروف بالكنز (*) : وتحته الكنز ، وكان هذا المسجد صغيرا جدّا ، فهدمه رجل يعرف بأبى الحسن القرقوبى (٥) وبناه.

أخبرنا (٦) أبو الحسن أحمد بن جمرة بن على بن الحسين بن الحسن المعروف بالهورينى قال : كتب إلىّ القاضى أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن على القضاعى ، من مصر ، قال : وجدت فى الصحراء ثلاثة مساجد ، منهم مسجد هو غربىّ الخندق وبحرى قبر ذى النون ، وهو الذي بناه أبو الطّاهر ، وأبو الحسن محمد بن على المعروف بابن القرقوبى ـ المذكور آنفا ـ هدمه بعد أن كان صغيرا ووسّعه (٧).

روى عن القاضى أبى جعفر محمد بن سلامة القضاعى عنه أنه قال (٨) : لمّا هدمت هذا المسجد وأمرت بعمارته ، رأيت فى النوم قائلا يقول : على أذرع من هذا كنز (٩). فاستيقظت وقلت : هذا من الشيطان (١٠). ورأيت ذلك

__________________

(١) فى «م» : «للفقير» وما بين المعقوفتين عن «م» وساقط من «ص».

(٢) فى «ص» : «على اسم الفقراء».

(٣) فى «م» : «وفرّق عليهم على قدر الحاجة».

(٤) فى «ص» : «فلم يجد بمصر فقيرا».

(*) فى الكواكب السيارة : «ثم ترجع إلى التربة المعروفة بالكنز». وفى تحفة الأحباب : «ثم ترجع إلى التربة المعروفة بالكنز ، وكان بها مسجد صغير ، وتحته الكنز».

(٥) فى «ص» : «يعرف بالقرقوبى».

(٦) من هنا إلى قوله : «ووسّعه» عن «م» وساقط من «ص».

(٧) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٨) فى «ص» : «روى القضاعى عنه ، قال».

(٩) فى «م» : «ازرع فى هذا المسجد كنزا».

(١٠) فى «م» : «هذا شيطان».

٣٩٢

مرارا (١) ، فلمّا أصبحت غدوت (٢) إلى المسجد ، وأمرت بعض الفعلة بحفر الموضع (٣) الذي قيل لى عنه ، فحفروه (٤) ، فإذا قبر عليه لوح كبير وتحته ميت فى لحد كأعظم ما يكون من الناس جثّة ، وأكفانه طريّة لم تبل ، ولم يبل منها شىء إلّا رأسه (٥) ، فإنى رأيت شعره قد خرج من الكفن. فقلت : هذا هو «الكنز» بلا شك ، فأمرت بإعادة اللّوح فى التراب ، وأحرفت القبر حتى أساس الحائط (٦) ، وأبرزته للناس.

تربة سماسرة الخير (٧) :

وبجانب التربة تربة فيها قبور سماسرة الخير (٨) رحمهم الله تعالى. يقال : إنّ رجلا جاء إلى السوق ـ بعد موتهم ـ يطلب شيئا لله تعالى ، فقال لرجل : عسى أن تدلّنى على من يأخذ لى من المسلمين شيئا. فقال : أنا أفعل ذلك (٩). [ثم أخذه ودار به على الناس ، فلم يفتح عليه بشىء] ، فأخذه

__________________

(١) فى «ص» : «فرأيت ذلك ثلاث مرار».

(٢) فى «م» : «عدت».

(٣) فى «م» : «فحفر لى الموضع».

(٤) قوله : «فحفروه» عن «ص».

(٥) فى «م» : «وأكفانه لم يبل منها شيئا ـ الصواب : شىء ـ إلّا رأسه». وفى الكواكب السيارة : «إلا نحو رأسه».

(٦) فى «ص» : «على أساس الحائط» وأحرفت القبر : أى جعلت له بروزا وحروفا كالأسوار. وفى الكواكب السيارة : «وأخرج القبر عن جدار الحائط».

(٧) العنوان من عندنا وهى تربة عليها مهابة وجلالة. [انظر الكواكب السيارة ص ٢٣٠ و ٢٣١ ، وتحفة الأحباب للسخاوى ص ٣٦٣ و ٣٦٤].

(٨) وهم : السيد أحمد ، والسيد عبد الله ، والسيد على ، ويعرفون بالسكريين ، قيل : إنهم فعلوا الخير وهم أموات كما كانوا يفعلونه وهم أحياء. والسماسرة مفردها سمسار ، وهو الوسيط بين البائع والمشترى لتسهيل الصفقة.

(٩) فى «ص» : «أنا أدلك». وما بين المعقوفتين عن «م» وساقط من «ص».

٣٩٣

وجاء به إلى قبورهم ، ثم قال له (١) : هؤلاء سماسرة الخير. فقال له الرجل : أتيت بى إلى قبور؟! فجلس الرجل محزونا جائعا ، فنام ممّا لحقه من الهمّ ، فرأى فى منامه واحدا منهم ، فقصّ عليه قصته ، فقال له : امض إلى ولدى فى دارى الفلانية بالمكان الفلانى ، واسمه فلان ، وقل له احفر فى مكان كذا وكذا من الدار (٢) ، وادفع لى ما أنفق (٣). فاستيقظ الرجل ، وجاء إلى الدار التى وصفها له الميت ، واجتمع بولده ، وذكر له المنام ، وعيّن له الموضع ، فحفر فيه فوجد «برنيّة» (٤) فيها ثلاثمائة دينار ، فأخذها الرجل واستغنى بها.

قبر أبى شعرة صاحب الدار (٥) :

وبجانبه إلى الشرق قبر أبى شعرة ، يقال له : «صاحب الدار» رحمه الله تعالى ، كان له دار يسكنها لله تعالى ، ويجعل لمن يسكنها ما يأكل وما يشرب ، والكسوة له ولعياله (٦) لمدّة ستة أشهر. ويشترط ذلك مع كلّ ساكن (٧).

__________________

(١) فى «ص» : «فقال له».

(٢) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «تمضى إلى دارى وتقول لولدى : احفر فى مكان كذا وكذا ، ووصف له موضعا فى الدار».

(٣) فى الكواكب السيارة : «وما وجده يدفع لك منه ما تفقه».

(٤) البرنيّة : إناء واسع الفم من خزف أو زجاج ثخين.

(٥) العنوان من عندنا.

(٦) فى «م» : «ولعائلته».

(٧) قوله : «ويشترط ذلك مع كل ساكن» عن «م» وساقط من «ص».

٣٩٤

قبر الشيخ أبى الحسن الفرّار (١) :

وبجانبه إلى الشرق قبر الشيخ أبى الحسن على بن الحسن بن عمر المعروف بالفرّار ، رحمه الله ، وهو أحد المشايخ المجيدين (٢) المحدّثين ، والثقات المأمونين ، سمع الحديث كثيرا (٣) ، وحدّث عن أبى زكريا عبد الرحيم (٤) بن أحمد البخارى ، [وأبى علىّ بن صالح الرّوذبارى ، وأبى عبد الله الحسين بن محمد العيسى ، وأبى القاسم سعد بن على الريحانى ، وأبى الحسن عبد الباقى بن فارس المقرئ ، وأبى القاسم خلف بن أحمد الحوفى](٥) وغيرهم. ولم ينتشر الحديث بديار مصر إلّا منه ، وأخذوا عنه كثيرا.

* * *

ثم تستقبل الجهة البحرية على يمينك (٦) تجد على شاطىء الخندق معبد ذى النون ـ رحمه الله ـ وقبالته قبر الشيخ أبى الخير الأقطع التيناتى رحمه الله تعالى ـ وسيأتى ذكره [إن شاء الله تعالى](٧) ، فأمّا المسجد الذي فيه معبد ذى النون هذا فهو الذي بناه الفخر الفارسى الآن ودفن به (٨) ، وكان سبب

__________________

(١) العنوان من عندنا.

(٢) قوله : «المجيدين» عن «م».

(٣) فى «ص» : «سمع الكثير».

(٤) فى «م» : «عبد الرحمن» تحريف من الناسخ. [وانظر ترجمته فى تذكرة الحفّاظ ج ٢ ص ١١٥٧].

(٥) ما بين المعقوفتين عن «م» وساقط من «ص».

(٦) فى «ص» : «تستقبل البحرى عن يمينك».

(٧) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٨) قوله : «ودفن به» عن «م».

٣٩٥

بنائه أنه رأى فى المنام كأنّه واقف على قبر الشيخ أبى الخير التيناتى رحمه الله ، وهو ينظر إلى الصحراء وهى مملوءة رجالا عليهم ثياب بيض ، وفيهم النبي ، صلّى الله عليه وسلم ، [وكأنه جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم](١) فقبّل يده ، فقال له : لم لا تبنى هذا المسجد؟ فقال : يا رسول الله ، ما بيدى شىء. فقال : قل للمسلمين يبنونه. ثم مشيا إلى أن أتيا إلى قبر ذى النون ، فوقفا على شفير القبر ، فقال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم : السلام عليك يا ذا النون ، فكأنّ القبر انشق وقام منه رجل فقال : وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. قال الفخر (٢) : ثم عدنا إلى قبر الشيخ أبى الخير التيناتى رحمة الله عليه ، فقال : [له رسول الله صلّى الله عليه وسلم](٣) : يا فخر ، ابن هذا المسجد (٤) ، فإنه من توضأ ثم صلّى فيه ركعتين يقرأ فى الأولى بفاتحة (٥) الكتاب وسورة تبارك ، وفى الثانية بفاتحة الكتاب وسورة «هل أتى على الإنسان» ويسلم ويخرج من المعبد ووجهه إلى القبر إلى أن يأتى قبر الشيخ أبى الخير التيناتى (٦) ، وسأل الله حاجته إلّا أعطاه الله إيّاها.

قال الفخر رحمه الله : فانتبهت (٧) ، فذكرت هذا المنام ، فسمعه رجل ، وكان يملك دارا ، فباعها وبنى بها هذا المسجد.

قبر الشيخ أبى الخير التّيناتى الأقطع ـ رحمة الله عليه :

قبالة (٨) المعبد المذكور ـ كما تقدم شرحه ـ [قبر الشيخ أبى الخير

__________________

(١) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

(٢) قوله : «قال الفخر» عن «م».

(٣) ما بين المعقوفتين عن «ص» ولم يرد فى «م».

(٤) فى «م» : «إن هذا مسجد».

(٥) فى «م» : «فاتحة» فى الموضعين.

(٦) فى «م» : «إلى أن يأتى إليه ، يعنى قبر الشيخ أبى الخير».

(٧) فى «م» : «قال : فانتبهت».

(٨) فى «م» : «يقابل».

٣٩٦

التيناتى](١) واسمه حمّاد بن عبد الله ، وكان ينسج الخوص بإحدى يديه ، ولا يعلم كيف ذلك (٢). وتأتى السّباع إليه على الدوام ، وله العجائب فى أحواله ، وقطعت يده مع لصوص أخذ معهم ، إذ دخل مغارة وجدهم فيها ، فأخذ وقطع معهم. وستأتى حكايته بعد ذلك (٣).

كان رجلا زاهدا عابدا ، أصله من المغرب ، وسكن «التينات» وهى من أعمال «حلب» ، وكان أسود اللّون ، سيدا من السادات (٤). وله كرامات ، كانت السّباع والهوام تأنس به ، فسئل عن ذلك فقال : الكلاب يأنس بعضها ببعض. مات سنة نيّف وأربعين وثلاثمائة.

وقال أبو الخير المذكور : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام ، فقبّل بين عينىّ ثم قال لى : يا أبا الخير ، عليك بالصلاة ، فإنى استوصيت ربّى فأوصانى بالصلاة وقال : أقرب ما يكون منى العبد وهو يصلى لى (٥).

وروى عنه أنه قال : دخلت مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم وأنا ذو فاقة ، فأقمت

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من عندنا لاستقامة السياق ، وما بعده عن «م» وساقط من «ص» إلى قوله : «وستأتى حكايته بعد ذلك». والتيناتى مذكورة فى الكواكب السيارة «التيناتى» بتقديم النون على الياء ، وهذا خطأ ، فقد جاء فى معجم البلدان التّيناتى نسبة إلى «تينات» وهى فرضة ـ أى محطّ للسّفن ـ على بحر الشام قرب المصيصة ، كانت تجهز منها المراكب بالخشب إلى الديار المصرية. وقد سماها أبو الوليد الفرضى «مدينة» فقال .. وبمدينة التّينات أبو الخير الأقطع ، واسمه عبّاد بن عبد الله ، كان من أعيان الصالحين ، له كرامات ، وسكن جبل لبنان ... الخ ، وستأتى هنا.

[انظر معجم البلدان ـ مادة «تينات» ـ ج ٢ ص ٦٨].

(٢) أى ينسج الخوص بيد واحدة بعد أن قطع اللصوص اليد الثانية ، وستأتى حكايته.

[انظر المرجع السابق ، وانظر تحفة الأحباب ص ٢٣٢ ـ ٢٣٧ ، والكواكب السيارة ص ١١٠ ـ ١١٣].

(٣) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٤) من قوله : «وهى من أعمال حلب» إلى هنا ، عن «م» وساقط من «ص».

(٥) من قوله : «وقال أبو الخير» إلى هنا ، عن «م» ولم يرد فى «ص».

٣٩٧

خمسة أيام لم أذق (١) طعاما ، فتقدمت إلى قبر النبي صلّى الله عليه وسلم وقلت : يا رسول الله ، أنا ضيفك الليلة ، وتنحّيت ناحية ونمت خلف المنبر ، فرأيت النبي صلّى الله عليه وسلم وأبا بكر عن يمينه ، وعمر عن يساره ، وعلىّ بن أبى طالب بين يديه ، فحركنى علّى رضى الله عنه (٢) وقال : قم ، قد جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فقمت فقبّلت بين عينيه (٣) ، فدفع إلىّ رغيفا ، فأكلت نصفه وانتبهت وفى يدى النصف الآخر.

وقال أبو بكر الدّارانى : أنشدنى الشيخ أبو الخير الأقطع (٤) :

أنحل الحبّ قلبه والحنين

ومحاه الهوى فما يستبين (٥)

ما تراه القلوب إلّا ظنونا

وهو أخفى من أن تراه الظنون

وقال لى (٦) : لن يصفو قلبك إلّا بصحيح النّيّة لله تعالى ، ولن يصفو بدنك إلّا بخدمة أولياء الله تعالى ، وما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلّا بملازمة الموافقة ، ومتابعة الأدب ، وأداء الفرائض ، ومحبة الصالحين ، وخدمة الفقراء الصادقين (٧).

وكان يقول : حرام على قلب مشرب بحب الدنيا أن يسبح فى روح الغيوب.

__________________

(١) فى «ص» : «ما ذقت».

(٢) فى «ص» : «عليه السلام».

(٣) فى «م» : «قبّلت الأرض بين يديه».

(٤) فى «م» : «أنشدنى أبى ـ الصواب : أبو ـ الخير الأقطع شعرا يقول».

(٥) أتى الناسخ فى «ص» بالشطرة الثانية من البيت الثانى مكان الشطرة الثانية من هذا البيت سهوا منه.

(٦) فى «م» : «وقالوا لى».

(٧) فى «ص» : «ومحبة الصادقين وخدمة الفقراء الصالحين».

٣٩٨

وروى عن أبى الخير ـ رحمة الله عليه ـ أنه دخل عليه جماعة من أهل بغداد (١) فأكثروا عنده الكلام ، فضاق صدره من كثرة كلامهم وحديثهم فى الدعاوى ، فخرج عنهم ، فجاء السّبع فدخل البيت عليهم ، فانضمّ بعضهم إلى بعض وسكتوا ، وتغيرت ألوانهم ، فدخل عليهم أبو الخير وقال : يا ساداتى ، أين تلك الدعاوى؟ وطرده عنهم.

وقال أبو الحسين : زرت أبا الخير التيناتى ، فلمّا ودّعته خرج معى إلى باب المسجد وقال : يا أبا الحسين ، أنا أعلم أنك لا تحمل معك معلوما ، ولكن خذ (٢) هاتين التّفّاحتين ، فأخذتهما ووضعتهما فى جيبى وسرت ، فلم يفتح لى بشىء (٣) ثلاثة أيام ، فأخرجت واحدة فأكلتها ، ثم أردت أن أخرج الثانية فإذا بهما جميعا فى جيبى ، وكنت آكل منهما ويعودان كذلك إلى [أن وصلت](٤) إلى باب الموصل ، فقلت فى نفسى : إنهما يفسدان علىّ حالى وتوكّلى على الله تعالى ، إذا (٥) صارتا معلوما ، فأخرجتهما من جيبى ، ونظرت فإذا فقير ملفوف فى عباءة وهو يقول : أشتهى تفاحة! فناولته إيّاها ، فلمّا بعدت عنه وقع لى أنّ الشيخ إنما بعث بهما إليه ، فطلبت الفقير فلم أجده.

وقال (٦) جمرة بن عبد الله العلوى : دخلت على أبى الخير ، وكنت عقدت (٧) فى نفسى أن أسلم عليه وأخرج ولا آكل عنده شيئا ، فلما خرجت من عنده إذا به خلفى يحمل طبقا عليه طعام وقال : يا فتى ، كل هذا ، فقد خرجت الآن من عقدك.

__________________

(١) فى «م» : «دخل على جماعة من بغداد».

(٢) قوله : «ولكن خذ» عن «ص».

(٣) فى «م» : «فسرت فلم يفتح بشىء».

(٤) ما بين المعقوفتين عن «م».

(٥) فى «ص» : «إذ».

(٦) فى «م» : «قالى لى».

(٧) فى «ص» : «اعتقدت».

٣٩٩

وقال إبراهيم الرقّى : قصدت أبا الخير أزوره ، فصلّى المغرب ولم يقرأ الفاتحة صحيحة (١) ، فقلت فى نفسى : ضاعت سفرتى ، فلمّا سلّمت خرجت إلى الطّهارة ، فقصدنى السّبع ، فعدت إليه وقلت : إنّ الأسد قصدنى ، فخرج وصاح عليه وقال : ألم أقل لك لا تتعرض لضيفانى؟ فتنحّى السبع (٢) ، ومضيت ، وتطهرت ، فلما رجعت قال لى : اشتغلتم بتقويم الظّاهر فخفتم الأسد ، واشتغلنا بتقويم الباطن فخافنا الأسد.

وقال بكر بن عبد الله (٣) : لم يكن لى علم بما كان سبب قطع يده ، إلى أن هجمت عليه وسألته عن سبب قطع يده ، فقال : يد جنت فقطعت.

فظننت أنه كانت له صبوة فى حداثته فى قطع الطريق أو غيره ، ثم اجتمعت به (٤) بعد ذلك بسنين مع جماعة من الشيوخ ، فتذاكروا مواهب الله تعالى لأوليائه ، وأكثروا كرامات (٥) الله لهم ، إلى أن ذكروا طىّ المسافات ، فتبرّم الشيخ بذلك وقال : لم تقولون فلان يمشى إلى مكة فى ليلة ، وفلان فى يوم؟

أنا أعرف عبد الله تعالى حبشيّا كان جالسا فى جامع طرابلس ، ورأسه فى جيب مرقّعته (٦) ، فخطر له لو كان فى الحرم (٧) فأخرج رأسه من مرقعته فإذا هو بالحرم (٨) ، ثم أمسك عن الكلام. فتغامز الجماعة وأجمعوا (٩) على أنه ذلك الرجل.

__________________

(١) فى «م» : «فما أحسن قراءة الفاتحة على الصحة».

(٢) «السبع» عن «م».

(٣) «بكر بن عبد الله» عن «م».

(٤) «به» عن «ص».

(٥) فى «ص» : «كرامة».

(٦) فى «م» : «فى جيبه ، أى فى مرقعته». وجيب القميص ونحوه : ما يدخل منه الرأس عند لبسه. والمرقّعة : من لباس الصوفية ، سمّيت بذلك لما فيها من الرّقع.

(٧) فى «ص» : «فخطر له طيبة البيت الحرام ، فقال فى سرّه : يا ليتنى كنت فى البيت الحرام».

(٨) فى «م» : «فى الحرم أو بالحرم».

(٩) فى «ص» : «واجتمعوا».

٤٠٠