مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

موفق الدين بن عثمان

مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

المؤلف:

موفق الدين بن عثمان


المحقق: محمّد فتحي أبو بكر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار المصريّة اللبنانيّة
الطبعة: ١
ISBN: 977-270-182-0
الصفحات: ٧٨٣

وتمشى تجد قبر أبى إسحاق إبراهيم العراقى ، الخطيب بجامع عمرو ، وهو شارح المذهب ، والفقيه نصر بن أبى المنصور ظافر المالكى. ثم تمشى إلى قبر الشيخ أبى الفضائل عتيق بن رشيق بجامع الفيلة (١).

قبر الشيخ أبى الربيع سليمان ، رحمه الله (٢) :

ثم تشرّق تجد (٣) قبر الشيخ أبى الربيع سليمان ، رحمه الله. كان كبير الشأن ، كثير الكرامات والسياحات ، وهو شيخ العارف بالله أبى عبد الله محمد القرشيّ ، رحمة الله عليه. له حكايات وفضائل مشهورة مذكورة. ولقى جماعة من الأولياء بالمغرب ، وأخذ عنهم أحوالهم وأعمالهم.

[وحكى عنه القرشى (٤) قال : دخلت عليه يوما ، فسلّمت عليه ، فلم يجب ، فغبت ساعة ثم أتيته ، فسلمت عليه ، فردّ السّلام ثم قال : يا أخى ، لمّا دخلت علىّ كان الإفرنج قد ضايقوا المسلمين ، وكنت مستغرقا فى حالى بسببهم ، وقد نصرهم الله على العدوّ اليوم] فله الحمد والشكر ، وقتل المسلمون من الكفّار خلقا كثيرا. قال : فأرّخت تلك الحادثة فى الوقت الذي أخبر به ، فكان كما قال.

وذكر عنده رجل ـ وقد سافر إلى الحجاز ـ فقال : اليوم ركب جلبة فلان وسافر ، وأرّخ الوقت ، فلما قدم الرّجل قال : ركبت فى جلبة (٥) فلان وسافرت فى الوقت الفلانى ـ كما قال الشيخ.

__________________

(١) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٢) هذا العنوان عن «ص».

(٣) قوله : «ثم تشرّق تجد» عن «م».

(٤) من قوله : «وحكى عنه القرشى» إلى قوله : «ابن رحّال السكندرى» عن «م» وساقط من «ص». وما بين المعقوفتين سيأتى بعد ذلك فى موضع آخر بعد الحديث عن قبر الدّرعيّ. وهذا خلط من الناسخ. انظر ص ٣٥٢ ـ الهامش رقم (٢) الذي سيرد بعد ذلك.

(٥) فى جلبة فلان ، أى : فى جماعته.

٣٤١

وقيل : إنه لمّا جاء من المغرب (١) وهو فى المركب ، جذبه حبل فألقاه فى البحر المالح ، وكان المركب مقدّما ، فلما بعدوا وظنّوا أنه فقد ، وإذا به فى ناحية المركب من الجهة الأخرى.

وروى من حديثه عن النبي ، صلى الله عليه وسلم.

وتجىء إلى اليمين تجد قبر الشيخ أبى بكر محمد القسطلانى ، قيل : قدم مصر بخمسة عشر ألف دينار ، ومات وما له شىء يورث.

وتبحّر تجد قبر الفقيه يعقوب المالكى ، وولده.

وتشرّق تجد قبر الشيخ أبى القاسم عبد الغنى بن أبى الطّيّب الإمام (٢) ، وبجانبه إلى القبلة قبر عبد الغالب ، وابن رحّال السكندرىّ (٣).

قبر الشيخ أبى الحسن ابن بنت أبى سعد ، رحمه الله تعالى (٤) :

ثم تأتى إلى تربة بنى اللهيب ، بها (٥) قبر الشيخ أبى الحسن ، ابن بنت أبى سعد ، رحمه الله تعالى.

كان قد لزم بيته ، وكان الناس يزورونه ، وكان سبب انقطاعه فى بيته أنه كان بزّازا ، وكان إلى جانب حانوته بزّاز آخر (٦) ، فتجاذبا ذات يوم فيما هما بصدده (٧) من البيع والشراء ، [ومضايقات الناس لبعضهم](٨)

__________________

(١) فى «م» : «الغرب».

(٢) فى «م» : «إمام المعلقة» هكذا. ولم أقف عليه.

(٣) هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٤) العنوان عن «ص».

(٥) من قوله : «ثم تأتى» إلى هنا ، عن «م».

(٦) فى «م» : «إنسان آخر ، وكان بزّازا».

(٧) فى «ص» : «فيما هم فيه».

(٨) ما بين المعقوفتين عن «م».

٣٤٢

ومقاساة الخلق ، وسألا الله تعالى أن يقيلهما من ذلك ، ويغنيهما (١) من سعة فضله بما هو أصلح منه ، فلمّا كان فى تلك الليلة رأى الشيخ أبو الحسن فى المنام ، كأنه قد صلّى الصّبح فى منزله ، فلما فرغ من الصلاة أخذ مفاتيح دكانه ليمضى إليه (٢) ، فعند وصوله إلى قيسارية البزّازين التى جانوته بها ، وجد رجلا نصرانيّا يعرف ببطرس القس من بعض البزازين بها (٣) ، وهو واقف على أحد الأبواب بها ، وعلى يده قدر مملوءة سخاما (٤) ، وفى يده الأخرى عود ، وكل من دخل من البزّازين يلوّث وجهه من القدر بذلك (٥) السّخام ، فلما أراد الشيخ أبو الحسن الدخول إليها رأى ذلك النصرانى قد تقدم إليه يريد أن يجعل على وجهه من ذلك السخام ، فبكى بكاء شديدا ، ومن شدة بكائه استيقظ من منامه وهو باك من هول ما رآه ، فللوقت أنفذ خلف أخيه وقصّ عليه منامه ، وحلف بالله العظيم وعاهده ألّا يكون بزّازا أبدا ، وأذن له فى بيع ما فى دكّانه من البزّ ، فباعه وتصدّق بثمنه ، ولزم بيته ، واجتهد فى عبادة الله تعالى ، وتوفى فى شهر رجب سنة تسع وتسعين وخمسمائة ، وقيل سنة تسع وستين وخمسمائة (٦).

[وحكى عنه (٧) من أثق به قال : أردت السّفر إلى الحجاز ، وكنت

__________________

(١) فى «ص» : «ويعينهما».

(٢) فى «م» و «ص» : «إليها».

(٣) فى «ص» : «إلى باب القيسارية ، وجد رجلا نصرانيّا من بعض البزازين بها».

(٤) السّخام : سواد القدر ، ويطلق أيضا على الفحم.

(٥) فى «م» : «من ذلك».

(٦) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «وكان يوجد عنده راحة ، ولم يخرج من بيته حتى مات ـ رحمه الله ، وتوفى فى رجب سنة تسع وستين وخمسمائة».

(٧) من قوله : «وحكى عنه» إلى قوله : «إشارات الشيخ» عن «م» وساقط من «ص».

٣٤٣

أتردّد إلى الشيخ (١) أبى الحسن لبركة شورته (٢) ، فجئت إليه فى أول الجمعة ، فقال لى : عد إلىّ فى الجمعة الأخرى ، فجئت إليه كما قال ، فقال : عد إلىّ فى الجمعة الأخرى ، فجئت إليه ، فقال : عد إلىّ في مرّة أخرى ، فلما جئت إليه المرّة الرابعة ـ وكان يسألنى فى كل مرة عن حالى وتزايد خاطرى ـ قال : ما رددتك إلّا لسبب ، والسّبب أنّى أسألك عن طلب نفسك الحج ، والخواطر على قسمين ، أحدهما من الحق ، والثانى من الشيطان ، فخاطر الرّحمن يتأكد ويتزايد ، وخاطر الشيطان يتلاشى ويذهب .. اذهب فترى خيرا كثيرا إن شاء الله سبحانه وتعالى.

فخرج الرجل ، وكانت وقفة الجمعة ، ولقى من الله خيرا كثيرا ببركة إشارات الشيخ (٣).

وحكى عنه الشيخ عبد الله رئيس المؤذنين قال : دخلت على الشيخ فوجدت ثعبانا يسقى (٤) فى كفّه ، فقلت : ما هذا؟! فقال : بالله عليك اكتمه عنى حتى أموت (٥). ولما مات رأى الناس على نعشه (٦) أربعة أطيار يرفرفون ، وشاهدهم الناس.

قبر الفقيه محمد المرابط (٧) :

وبجانبه إلى القبلة (٨) ممّا يلى الغرب قبر الفقيه محمد المرابط رحمه الله

__________________

(١) أتردد إلى الشيخ : أختلف إليه.

(٢) شورته : مشاورته فى الأمر أو ما ينصح به من رأى وغيره.

(٣) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٤) فى «ص» : «يسعى» تحريف.

(٥) فى «م» : «اكتمه حتى أموت».

(٦) فى «ص» : «على قبره».

(٧) العنوان من عندنا.

(٨) فى «ص» : «قدّام القبلة».

٣٤٤

تعالى ، كان خياطا يأكل من أجرة خياطته ، ولم يكن يأكل لأحد طعاما. قال لى (١) من أثق به : إنه كان يقيم ثلاثة أيام بغير زاد ، ولا يأكل إلّا من الوجه الذي يعلم أنه حلال. وخرج إلى «منية ابن خصيب» (٢) وكان يحرس «الجرون» (٣) ، فحصّل فى طول المدة التى كان بها ثلاثة دنانير ، فأقامت معه فى مصر ثلاث سنين ، ينفق فى كل سنة دينارا واحدا.

وقيل : إنه خاط لرجل ثوبا ، فانقلب عليه فى الخياطة ، فترك أجرة الخياطة ، فقال صاحب الثوب : انقض (٤) الوصل وأصلحه. فقال : هذه شبهة حصلت فيه ، لا آخذ له أجرة ، فأخذ صاحب الثوب الأجرة واشترى بها فوطة وأرسلها إلى رجل مجاور بمكة.

ومن كراماته أنه كان له صديق بمكة ، وكان صديقه وطائفة يجتمعون عنده بمكة ، ويجتمعون عند فقيه آخر مذكور بالخير والفضل ، فقال الفقيه لصديق الشيخ : اعزم لنا على المرابط فى هذه الليلة المشاركة لليلة الجمعة ، فجاء إليه وقال له : هذه ليلة مباركة ، ونحن فى ضيافة رجل صالح ، وأراد أن يجتمع معنا عنده على الطعام ، فقال : لا سبيل إلى ذلك. فقال له : استخر (٥) الله سبحانه وتعالى وأنا أتركك فى مهماتك إلى الغروب وأعود إليك. فقال : لا سبيل إلى ذلك. قال : فانصرفت من عنده وأنا مكسور القلب ، فقال لى رفيقى : ما كان من قسمنا أن يأتينا بالمرابط نربح بركته. وكان هذا الأمر بعد الموسم ،

__________________

(١) من قوله : «قال لى» إلى قوله : «وأتقوّت منه» عن «م» وساقط من «ص».

(٢) هكذا فى «م» .. وفى معجم البلدان : «منية أبى الخصيب». وهى مدينة كبيرة حسنة كثيرة الأهل والسكن ، على شاطىء النيل فى الصعيد الأدنى. وهى «المنيا» حاليّا. أما أبو الخصيب المشار إليه هنا فهو صاحب خراج مصر من قبل هارون الرشيد ، عمرها وأنشأها لابنه.

(٣) الجرون : الجرن ، وهو الموضع الذي يداس فيه البرّ ونحوه ، وتجفف فيه الثمار ، وجمعه : أجران.

(٤) انقض ، أى : حلّ وأعد.

(٥) فى «م» : «استخير». لا تصح. والاستخارة : طلب الخير فى الشيء.

٣٤٥

فاجتمعنا فى جدة ، فقال لنا : أين قماشكم؟ فقلنا : ها هو. فقال : أنا رفيقكم.

قال : ووصلنا سالمين ونحن بخير إلى «عيذاب» (١) وإلى «قوص» فاجتمعنا فى بيت ، قال : فقلنا له : سبحان الله ، دعوناك فى مكة فى ليلة فأبيت ، وها أنت رفيقنا الآن! فقال : والله لمّا طلبت فى مكة مرّ (٢) علىّ يومان ما أكلت فيهما طعاما ، ولقد فارقنى بهذا أخى الداعى لى ، وكنت أطوف بالبيت ، فما أقدر على إكمال الشوط (٣) من الجوع ، وجئت إلى بيتى ، فما أخذنى نوم ، فلما أصبحت نمت مكانى (٤) قال : فقلنا له : كيف كان مقامك؟ قال : كنت أنقل التراب من الحرم إلى خارجه ، وأحتطب الحطب ، وأدخل الليل بعمرة ، وأصبح آخذ الحطب أبيعه وأتقوّت منه (٥).

قبر الفقيه أبى البركات (٦) :

وعند رجلى الشيخ أبى الحسن قبر الفقيه أبى البركات ، [ويقال : إنه يكنى أبا السرايا ، رضى الله عنه](٧).

كان يقول : «قلوب تعرف ، وألسنة تصف ، وأعمال تخالف». وكان الناس يأتون إليه بالصّدقات فيفرقها ، وكان يجعلها تحت مصلّاه ، فكل من أراد

__________________

(١) فى «م» : «غيلب» تحريف من الناسخ. وعيذاب : بليدة على ضفة بحر القلزم ، وهى مرسى المراكب التى تقدم من عدن إلى الصعيد ، وكانت ميناء الحج المصرى إلى جدة.

(٢) فى «م» : «مرّت».

(٣) فى «م» : «الشرط» تحريف.

(٤) فى «م» : «هنت كتابى» تحريف من الناسخ.

(٥) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص» المشار إليه فى ص ٣٤٥ ـ الهامش (رقم ١).

(٦) العنوان من عندنا.

(٧) ما بين المعقوفتين عن «م».

٣٤٦

منه شيئا يقول له : ارفع طرف السّجّادة وخذ ما تحتاج إليه. وكان الوزير ابن الولحشى (١) يزوره ويدفع له المال يتصدق به.

قبر الشيخ عبد الحميد القرافى :

وبجانبه إلى القبلة قبر الشيخ عبد الحميد القرافى (٢) رحمه الله ، كان فاضلا ورعا ، مشهورا بذلك بين الناس (٣) ، وكانّ يتحدّث عنده (٤) فيقال : خلع اليوم على فلان ، أطلق اليوم فلان ، عزل اليوم فلان ، جرى اليوم كذا وكذا لفلان ... فيقول : لا إله إلّا الله ، يصبح الناس فى الزيادة والنقص وعبد الحميد عبد الحميد (٥).

وحكى أنّ خليفة مصر (٦) المعروف بالآمر كان قد خرج إلى بركة الحبش (٧) فى الربيع ، فنصب حزكات (٨) ، وأحضر جميع المغانى (٩) ، وأمر العساكر أن ينزلوا حوله ، وأقام مدّة يشرب ويلهو ، وخرج أهل الفساد من

__________________

(١) هكذا الاسم فى «م» .. وفى «ص» : «اللوبخشى» وكلاهما لم أقف عليه.

(٢) فى «م» : «القرشى» تحريف. [وانظر الكواكب السيارة ص ٢٥٣ و ٢٥٤].

(٣) فى «ص» : «.. بين الناس ، ويزار».

(٤) فى «م» : «عنه» تحريف.

(٥) هكذا فى «ص» والكواكب السيارة .. وفى «م» : «وعبد الحميد بن عبد الحميد» أقحم الناسخ «بن» بينهما.

(٦) فى «ص» : «وكان خليفة مصر».

(٧) فى «ص» : «الجيش» تصحيف ، والتصويب من الكواكب السيارة.

(٨) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «حزكاة» .. والحزكات : الحزام الذي يحيط بالموقع.

(٩) فى «م» و «ص» : «المعانى» بالعين المهملة ، وهى جمع معن ، والمعن : هو كلّ ما ينتفع به. وما أثبتناه هنا عن المصدر السابق.

٣٤٧

أهل مصر والقاهرة من الرجال والنساء ، وكثر الفساد منهم وفيهم (١) ، فقيل للخليفة ذات يوم : فى القرافة رجل صالح يقال له عبد الحميد ، فالتمس منه الدعاء (٢) ، فأرسل إليه الخليفة رسولا (٣) ومعه نفقة ، فجاءه الرسول فقال له : الخليفة يسلم عليك ويسألك الدعاء ، وهذه نفقة قد سيّرها (٤) إليك. فقال للرسول : سلّم عليه وقل له : أمّا الدعاء فأنا أدعو له ، وأمّا النفقة فلا حاجة لى بها. فقال له الرسول : وهو يسألك أن تشرفه بحاجة. فقال له : قل له حاجتى أن يطلع إلى قصره (٥) ويترك ما هو فيه.

فرجع الرسول إلى الخليفة وقال له ما قال الفقيه ، فردّه إليه وقال : قل له أنا أطلع ، ولكن أشتهى أن أزوره ، فيتهيأ حتى أزوره. فقال الفقيه : قل له يطلع إلى القاهرة ولا يزورنى (٦) فأنا أدعو له.

فرجع الرسول إلى الآمر (٧) وأخبره ، فقال له : ارجع إليه وقل له : لا بد.

__________________

(١) فى «م» : «وكثر الفساد فيهم».

وفى الكواكب السيارة بعد ذلك : «فركب بعض حجّابه ـ أى حجّاب الآمر ـ وقصد جهة القرافة ، فإذا عبد الحميد فى تربة ومعه خمسة نفر وهو يقول لهم : لا تعجلوا ، اتركوه ولا تدعوا عليه دعوة يأخذه الله بها أخذ القرى وهى ظالمة ، فعلم الحاجب أنهم يعنون الخليفة ، فعاد وأخبره وقص عليه القصة فقال : ارجع إليه وادفع له هذه المائة دينار وقل له : الخليفة يسلم عليك ، وهذه مائة دينار انفقها عليك ، وهو يسألك الدعاء. فجاء بها الحاجب إليه ، فلما رآه عبد الحميد قال له قبل أن يصل إليه : خذها وارجع إلى سيدك ...».

(٢) قوله : «فالتمس منه الدعاء» عن «م» وساقط من «ص».

(٣) فى «ص» : «فأنفذ إليه رسولا».

(٤) فى «ص» : «يسرها».

(٥) فى «ص» : «قصده». تحريف.

(٦) فى «م» : «وليس له بزيارتى من حاجة».

(٧) فى «م» : «الأمير».

٣٤٨

من رؤيته (١) ، فيجلس فى طاقة من داره وأنا أقف من تحتها حتى (٢) أتبرك برؤيته.

فجاءه الرسول وأخبره ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، لا أفعل. فقال له أصحابه (٣) : وما يضرك (٤) من ذلك؟ ومن يصل إلى الخليفة؟ ولم يزالوا عليه إلى أن قال : نعم ، أنا أجلس فى طاقة منزلى.

فرجع الرسول وأخبر الخليفة ، فلما أصبح ركب وجاء إلى مكان الشيخ ، حتى وقف تحت داره ، وتطلّع (٥) فرأى الشيخ ، فسلّم عليه بأصبعه ، ووقف ساعة ينظر إليه ، ثم سار وطلع القاهرة ، فنزل الشيخ عبد الحميد وهو منكسر القلب ، باكى العين ، نادم على ما جرى منه. فقيل له : يا شيخ عبد الحميد ، ما الذي جرى منك؟ غيرك يتمنى أقلّ غلام للخليفة (٦) يزوره ويتعرّف به ، فكيف بمن يأتيه الخليفة؟ فبكى وقال : يا قوم ، ما تدرون ما أصابنى ، كنت أجد فى قلبى نورا عظيما ونشاطا فى طاعة الله تعالى ، فو الله منذ وقع نظرى عليه زال ذلك النور ، وذهب ذلك النشاط! ثم لم يزل كذلك إلى أن مات.

ولمّا حضرته الوفاة قلق قلقا عظيما (٧) فقيل له : ما هذا القلق؟ كنت ورعا ، زاهدا ، قائما على قدميك فى طاعة الله ، والقدوم على كريم (٨).

فقال : والله ما جزعت [من الموت](٩) ولا أتحسّر على شىء فاتنى

__________________

(١) فى ص : «لابد مما أراه».

(٢) «حتى» عن «ص».

(٣) فى «م» : «فقال لأصحابه» تحريف من الناسخ.

(٤) فى «ص» : «وما يصدّك».

(٥) فى «م» : «وطلع».

(٦) فى «ص» : «أقلّ غلام لغلام الخليفة».

(٧) فى «م» : «شديدا».

(٨) أى : وقدومك على إله كريم بعد الوفاة.

(٩) ما بين المعقوفتين عن «ص».

٣٤٩

من الدنيا ، إنّما أتحسّر على أننى منذ وقعت (١) عينى على ذلك الرجل (٢) ، ذهب عنى ما كنت أجده من الأنس بالله ، والنور الذي كان فى قلبى! ثم توفى ـ رحمة الله عليه.

* * *

وعند رجليه قبر الفقيه أبى محمد (٣) بن اللهيب ، رحمه الله تعالى ، كان فقيها فى علم الكلام على مذهب أبى الحسن الأشعرى ، رحمه الله.

قبر أبى العباس أحمد بن اللهيب (٤) :

وبجانبه إلى القبلة (٥) قبر أبى العباس أحمد بن اللهيب ، رحمه الله ، كان رجلا خيّرا ، يطعم الفقراء ويتصدق عليهم ، ويمشى إلى بيوتهم من الأرامل والمنقطعين (٦).

وكان يخرج راكبا حمارا والخريطة فى كمّه مملوءة دراهم ، فلا يزال يتصدق منها (٧) إلى أن يرجع إلى منزله وهى فارغة ، حتى كان من كثرة ما يتصدق به يقول الناس عنه : إنه يفرق المطالب بالجبل. وكان يقال : إنه يطلع إلى الجبل فى أوقات الغفلات. وهو مشهور. وكان الفقراء يجدون عنده راحة كبيرة (٨).

__________________

(١) فى «م» : «أتحسر منذ وقعت».

(٢) يريد الخليفة الآمر.

(٣) فى «م» : «أبو محمد».

(٤) العنوان من عندنا.

(٥) فى «م» : «النقبة» تصحيف.

(٦) فى «ص» : «ويمشى إلى بيوت أهل الخير من الأرامل والمنقطعين فيتصدّق عليهم».

(٧) «منها» عن «م».

(٨) فى «ص» : «كثيرة».

٣٥٠

قبر الفقيه يوسف ـ إمام مسجد العدّاسين (١) :

وعلى مقربة منه (٢) قبر الفقيه يوسف ، إمام مسجد العدّاسين ، رحمه الله تعالى ، كان فقيها (٣) جيدا ، سكّيتا ، قليل التعصب ، يلقى كل أحد بما (٤) يليق به. وكان من دعاه يمضى معه ، ما يتكبّر عن أحد. وكان إذا قيل له : أدع لنا ، فأكثر ما يقول لمن قال ذلك : قضى الله حوائجك ورزقك الجنة.

قبر الدّرعى ـ رحمه الله (٥) :

وفى آخر التربة من الشرق قبر الدّرعى رحمه الله ، كان قليل الكلام ، يأخذ خبزه فى طبق ويمضى (٦) به للفرن ، فيلقاه أصحابه ، فيريدون حمله عنه ، فيقول : لا ، أنا أخدم نفسى.

وكان إذا ذكر عنده المذاهب والتّعصّبات يقول : يا قوم ، ما هذه التعصبات؟ القرآن كلام الله ، والرسول الذي أتى به رسول الله ، فنتبع ما فيه وندع ما سواه (٧).

وحكى عن رجل (٨) من أهل الخير قال : بعثت جمالا لأسد الدين شير كوه فى أول أمره ، فطلبنى شير كوه صاحب مصر ، فاستخفيت وجئت إلى هذا الشيخ الدّرعى ، فقلت له : يا سيدى ، أنا فى شدة من أمر كذا وكذا ،

__________________

(١) العنوان من «ص».

(٢) أى : على مقربة من قبر أبى العباس أحمد بن اللهيب.

(٣) «فقيها» عن «ص».

(٤) فى «م» : «ممن».

(٥) العنوان من عندنا.

(٦) فى «ص» : «ويمشى».

(٧) فى «ص» : «فيتبع ما فيه ويدع ما سواه».

(٨) من قوله : «وحكى عن رجل» إلى قوله : «وردّ عليه المال» عن «م» وساقط من «ص».

٣٥١

فأدار (١) وجهه للقبلة ودعا ، ثم قال : سلطان السماء يكفيك سلطان الأرض! فعدت إليه فى اليوم الثانى فقلت : يا سيدى ، قد اشتد الأمر والطلب علىّ. فقال لى مثل القول الأول. فرجعت وقد كفانى شر شيركوه ، وكان منه ما كان.

وحكى عنه أنه كان مسافرا إلى مكة فى مركب ، فوقع منه ذهب فى المركب ، فلقيه رجل بدوىّ ، فرأى فى المنام قائلا يقول له : ردّ الذّهب إلى صاحبه الدّرعيّ. فاستيقظ وقال : لا أدفع له شيئا. ثم نام ، فرأى أيضا فى المنام القائل وبيده حربة من حديد وهو يقول : ادفع للدّرعّى ذهبه وإلّا قتلتك! فقال : أين أجده؟ قال : هو معك فى المركب. فلمّا أفاق سأل عنه وردّ عليه المال (٢).

قبر الذهبى ـ رحمه الله (٣) :

ثم تخرج من التربة على يسارك (٤) تجد قبر الذهبى رحمه الله ، يكنى أبا حفص ، ويسمى عمر ، ويشتهر بالمقدسى ، كان رحمه الله من طلبة الطّرطوشى (٥) ، وكان متعصبا لمذهب الأشعرى ، وكان كثير الضحك ، حضر

__________________

(١) فى «م» : «فدار».

(٢) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص» .. وسيأتى بعد ذلك فى هذا الموضع فى «ص» ما كتب عن الشيخ أبى الربيع سليمان ، والذي أشرنا إليه فى ص ٣٤١ ـ الهامش (رقم ٤) وقد أثبتناه فى موضعه المشار إليه.

(٣) العنوان من عندنا. وهو الإمام العالم أبي حفص عمر الذهبى ، كان إماما بمسجد الهيثم والجامع العتيق بمصر ، وكان فقيها محدّثا عالما من أكابر فضلاء [انظر الكواكب السيارة ص ١٤٩ و ١٥٠].

(٤) فى «ص» : «من التربة إلى الشرق على يسارك».

(٥) هو أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشى الفهرى الأندلسى ، ويقال له : ابن رندقة ، أديب ، من فقهاء المالكية الحفاظ ، من أهل «طرطوشه» ولد سنة ٥٤١ ه‍. تفقه ببلاده ورحل إلى المشرق سنة ٤٧٦ ه‍ ، فحج وزار العراق ومصر وفلسطين ولبنان ، وأقام مدة بالشام ، وسكن الإسكندرية وبها توفى سنة ٥٢٠ ه‍. وكان زاهدا لم يتشبث من الدنيا بشىء ، من كتبه : سراج الملوك ، والتعليقة فى الخلافيات ، وكتاب كبير عارض به إحياء علوم الدين للغزالى.

[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٧ ص ١٣٣ و ١٣٤ ، ووفيات الأعيان ج ٤ ص ٢٦٢ ـ ٢٦٥ ، وبغية الملتمس للضّبّى ج ١ ص ١٧٥ ـ ١٧٩ ترجمة رقم ٢٩٦ ، والنجوم الزاهرة ج ٥ ص ٢٣١

٣٥٢

إليه ذات يوم رئيس من اليهود (١) ، فتناظرا ، فقال له رئيس اليهود : فى كتابكم (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ، غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)(٢) هذه يدى أحرّكها ، ليست مغلولة ، فأخرج يده ، وصنع (٣) اليهودى صفقته فى رأسه (٤) ، وكشف الفقيه رأسه وقال : يا يهودى ، خذ عوضها. فقال : كنت أصلب (٥) على ذلك ، قال : فحينئذ يدك مغلولة (٦).

وقيل (٧) : إنّ سلطان مصر دعاه ليداوى امرأة مريضة عنده ، فقال الفقيه : أداويها بنظرها أو بخبرها (٨)؟ فقال السلطان : بل بخبرها. فصار السلطان يخبرها بما قال الشيخ ، وتخبر بما تجده ، وهو يجيب ، فأعجب به السلطان.

وكان فى مجلسه رجل من الشيعة (٩) ، فأراد أن يترجّح على الشيخ بسؤال (١٠) ، فحضّر صورة سؤال ما يأتى ذكره (١١) ، فقال لإنسان : قل

__________________

و ٢٣٢ ، والصلة لابن بشكوال ج ٣ ص ٨٣٨ و ٨٣٩ ترجمة رقم ١٢٧٧ ، وشذرات الذهب ج ٤ ص ٦٢ ـ ٦٤ ، والمغرب فى حلى المغرب ج ٢ ص ٤٢٤ ، ومعجم البلدان ج ٤ ص ٣٠ و ٣١ مادة «طرطوشة» ومفتاح السعادة لطاش كبرى زاده ج ١ ص ٣٩١ و ٣٩٢. وانظر «أبو بكر الطرطوشى العالم الزاهد الثائر للدكتور الشيال ـ سلسلة أعلام العرب ، العدد ٧٤].

(١) فى «ص» : «رئيس اليهود».

(٢) سورة المائدة ـ من الآية ٦٤.

(٣) فى «ص» : «وضع».

(٤) أى صفّق على رأسه.

(٥) أصلب : أجمد وأشتد.

(٦) جاء سياق هذه القصة فى «م» و «ص» مضطربا. «وفى الكواكب السيارة ص ٢٥٦ بعد ذلك : أن اليهودى مضى ، فلما أصبح وجد يده مغلولة».

(٧) من قوله : «وقيل» إلى قوله «الحديث» عن «م» وساقط من «ص».

(٨) يعنى : أداويها بطريق مباشر أو بغير مباشر؟.

(٩) هذه القصة وردت فى «م» ، وكانت ركيكة السياق ، وقمنا بتصويب ما بها من تحريفات برغم ما بها من بعض العبارات الغامضة المعنى.

(١٠) أى : يسأله سؤال ليهزه ويغلبه ليتبيّن للناس فضله عليه.

(١١) لعله أراد إغفاله لما فيه من تطاول على أحد كبار الصحابة ، كما يتبين من القصة.

٣٥٣

للشيخ مسألة : فقال : لا نقدر على جوابه. فقال (١) : لابد من ذلك. ففطن الفقيه ، فقال للشيعى : سل أنت عمّا بدا لك ، لا حاجة إلى واسطة. فقال له : من أفضل الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقال الفقيه : أول من آمن به وصّدّقه. فقال [الشيعى](٢) : هو علّى بن أبى طالب. فقال الفقيه ما كفر علىّ قط. فخجل الشيعىّ من كلامه واستحيا وسكت ، فقال له السلطان : غلبك الفقيه.

وكان من فضائله أنه كان ذا علوم جمّة ، وكان يحفظها كما يحفظ أحدنا «بسم الله الرحمن الرحيم» ولما أراد السفر إلى مصر قال له الطّرطوشى : يا عمر ، إذا ذهبت (٣) إلى مصر فإنك تجد فيها اختلاف المذاهب والرأى ، فلا تناظر ولا تجادل من سألك على ما تعلم وأنت تعلم ، فأخبره بما تعلم ، قال النّبيّ ، صلّى الله عليه وسلم : «من قرأ العلم ليباهى به العلماء ، ويقاوى به السّفهاء (٤) ، فليتبوّأ مقعده من النار». فإن لله علما يقال له «المكنون» ، لا يعلمه إلّا أهل الخبرة بالله ، ولا ينكره إلّا أهل الغرّة (٥) بالله ، فإذا كان يوم القيامة جمع الله العلماء فى صعيد واحد ، فيوضع لهم كراس (٦) من نور ، فيحاسبون والناس قيام ، فيقول الله لهم : «ما أودعتكم العلم وأنا أريد أن أعذّبكم ، انطلقوا فقد غفرت لكم». وفى رواية أخرى : «اشفعوا فيمن شئتم» الحديث (٧).

وعند رجليه قبر الفقيه ابن ثعلب المالكى.

__________________

(١) أى : الشيعى.

(٢) ما بين المعقوفتين من عندنا.

(٣) فى «م» : «طلعت».

(٤) وفى رواية : «من تعلّم العلم ليباهى به العلماء ويمارى به السفهاء ...» أى : يجادلهم.

(٥) الغرّة : الغفلة.

(٦) فى «م» : «كراسى» خطأ ، والصواب ما أثبتناه.

(٧) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

٣٥٤

قبر الشيخ أبى الطيب «خروف» (١) :

وتمشى وأنت مبحّر على يسارك تجد قبر الرجل الصالح الشيخ «خروف» رحمه الله تعالى ، وكان يسمّى أبا الطيب (٢) ، لطيب أعماله ، وليس فى تربته سواه ، والسّبب فى ذلك أنه سأل الله سبحانه وتعالى ألّا يدفن عنده أحد.

وقيل (٣) : إن قوما سمعوا هذا الخبر [عنده](٤) فقالوا : هذا هذيان. فدفنوا عنده ميتا ، فلما أصبحوا وجدوه ملقى (٥) على وجه الأرض فامتنع الناس (٦) حينئذ من الدفن عنده.

قبر القاضى أبى زرارة (٧) :

وعلى يمينك قبر القاضى أبى زرارة (٨) رحمه الله ، كان فقيرا زاهدا ، صالحا ، متوكّلا ، عاملا (٩) له إشارات ، وكان من وكلاء أحمد بن طولون.

__________________

(١) العنوان من عندنا. وهو الشيخ الزاهد ، والإمام العالم أبو الطيب «خروف» ، ذكره ابن الجبّاش فى طبقة الفقهاء. وكراماته مشهورة.

[انظر الكواكب السيارة ص ٢٤٥ وغيرها من الصفحات ، وتحفة الأحباب ص ٣٧٧].

(٢) فى «ص» : «أبو الطيب».

(٣) فى «م» : «ونقل».

(٤) ما بين المعقوفتين عن «م».

(٥) فى «م» : «ملقّيا على وجهه» و «ملقيا» خطأ ، والصواب ما أثبتناه ، لأنه اسم مفعول من الرباعى «ألقى».

(٦) «الناس» عن «م».

(٧) العنوان من عندنا.

(٨) فى «م» : «زرارة» والتصويب من الكواكب السيارة ص ٢٤٥ و ٢٤٦.

(٩) قوله : «زاهدا» عن «م» .. و «عاملا» عن «ص».

٣٥٥

قبر الشيخ أبى القاسم هبة الله بن أحمد اليحمودى (١) :

وعند رجليه قبر الشيخ أبى القاسم هبة الله بن أحمد بن عطاء اليحمودى ، شيخ التصوف ، وأحد الأئمة المشهورين (٢) بالعلم والزهد والورع ، وله تصانيف فى ذلك ، سمع الحديث من جماعة من المشايخ ، روى عن بعض مشايخه بسنده أنّ ابن عمر (٣) ، رضى الله عنهما ، قال : قال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم : «يأتى على الناس زمان لو سمعت باسم رجل خير لك من أن تلقاه ، ولو لقيته خير لك من أن تجرّبه ، ولو جرّبته لأبغضته أو بغّضت إليه» (٤).

وقال اسماعيل المفسّر : كان نقش فص خاتم علىّ بن أبى طالب عليه السلام :

«جرّب النّاس تعرف

ليس فى النّاس منصف»

وبسنده عن الاستراباذى (٥) قال : سمعت الحافظ إسماعيل قال : «الصديق فى هذا الوقت إذا حضر أكرم ومدح ، وإذا غاب عاب وقدح ، ظاهره موافق ، وباطنه منافق».

وأنشد بعضهم فى هذا المعنى (٦) :

ذهب الذين من الثّقات عددتهم

لم يبق إلّا شامت أو حاسد

وإذا صفا لك من زمانك واحد

فهو المراد ، وأين ذاك الواحد؟

__________________

(١) العنوان من عندنا. [وانظر ترجمته فى الكواكب السيارة ص ٢٤٥].

(٢) فى «م» : «كان من الأئمة المشهورين».

(٣) فى «ص» : «عن ابن عمر».

(٤) فى «ص» : «عليه» مكان «إليه». وفى الكواكب السيارة : «لأبغضته وبصقت عليه».

(٥) فى «ص» : «عن الحافظ إسماعيل».

(٦) فى «م» : «بيتين شعر» ولم يردا فى «ص».

٣٥٦

وكان اليحمودى ، رحمه الله (١) من كبار مشايخ أهل الحقائق.

قبر الشيخ أبى موسى عيسى الخراط (٢) :

وبجانب قبره قبر الشيخ أبى موسى عيسى الخراط ، رحمه الله تعالى ، رأى بعض مشايخ المصريين له قبل موته قائلا يقول : عيسى من الذين قال الله فيهم : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ، وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا : سَلاماً)(٣).

وبجانبهم إلى الجهة البحرية حومة فيها قبور جماعة من الصالحين (٤) ، منهم قبر «الملّاح» رحمه الله تعالى ، وكان رجلا صالحا زاهدا.

قبر الشيخ أبى القاسم الأقطع (٥) :

وبالقرب منه قبر الشيخ أبى القاسم الأقطع ، كان من العلماء الفضلاء المقربين بجامع مصر ، وأحد الأئمة المشهورين فى زمانه بالعلم والورع والزهد ، سمع الحديث ، وأدرك جماعة من العلماء وأخذ عنهم.

حدّث الشيخ الصالح عبد الغنى الغاسل المصرىّ ، قال : غسّلت أبا القاسم الأقطع ، فوقع القطن عن سوأته ، فرفع (٦) يده اليسرى فوضعها على سوأته

__________________

(١) فى «م» : «رحمه الله ورضى عنه» .. وقد ذكره القرشى فى طبقة الفقهاء وعدّه من المحدّثين. وهو من شيوخ التصوف فى عصره.

(٢) العنوان من عندنا. وما هنا ـ بعد ذلك ـ عن «م» إلى نهاية الآية ، وساقط من «ص».

(٣) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص» والآية هى الثالثة والستون من سورة الفرقان.

(٤) فى «ص» : «فيها قبور صالحين كثير».

(٥) العنوان عن «ص» ولم يرد فى «م» ، [وانظر الكواكب السيارة ص ٢٤٤ و ٢٤٥ ، وتحفة الأحباب ص ٣٧٦].

(٦) فى «ص» : «فرجع» مكان «فرفع» تحريف. وفى «م» : «فوضع يده اليسرى على سوأته بعد أن رفعها». والسوأة : العورة.

٣٥٧

فقلت : «والله يا أبا القاسم ما هتكتك ، ولكنى سترتك». وكنت كلّما قرأت : (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ)(١) يتقلب معى يمينا وشمالا على المغتسل ، ولم يصل إلى الأرض من ماء غسله شىء ، إنّما كان يؤخذ ، حتى قيل إنّ أهل مصر اقتسموه فى المكاحل ، فكان كلّ من رمد أو لحقه «طلوع» (٢) أو غيره يكتحل منه ، أو يضعه على المحل الذي يشتكيه ، فيبرأ (٣) للوقت.

ولمّا حمل على السّرير (٤) جاء الطير فظلّل السّرير إلى أن دفن الشيخ (٥) والناس ينظرون إليه. توفى سنة ثمان (٦) وعشرين وخمسمائة.

ومعه فى الحومة منصور الزيات ، وعبد السلام السّكّرى ـ رحمهما الله تعالى ـ [وحومته حومة مباركة كثيرة الصالحين](٧).

وبحرى قبره قبر فاطمة السوداء ، رحمها الله تعالى ، كانت من الصالحات العابدات القانتات (٨).

* * *

وتمشى وأنت مبحّر تحت جوسق «عبد على» من الجهة البحرية [تجد](٩) قبرا عليه عمود ، فوق رأسه وجه أبيض ، قيل : إنه كان (١٠) له

__________________

(١) سورة الكهف ـ من الآية ١٨.

(٢) الطلوع : ما يخرج ويطلع بالبدن من قروح كالخراج والدّمل ونحوهما.

(٣) فى «ص» : «أو يوضع على «الطلوع» والألم فيذهب».

(٤) فى «ص» : «النعش» مكان «السرير» فى الموضعين ، وهى بمعناها.

(٥) فى «م» : «حتى دفن».

(٦) فى «م» : «ثمانية».

(٧) ما بين المعقوفتين عن «م».

(٨) فى «ص» : «كانت من الصالحين ، وكان من تحتها القرافة».

(٩) فى «ص» : «من جهة البحر». وما بين المعقوفتين من عندنا لاستقامة السياق.

(١٠) فى «ص» : «قيل كان».

٣٥٨

صديق ، فلمّا توفى قال صديقه : ياليت شعرى ، كيف وجه صديقى فى قبره؟ فجاءه ثانى يوم فرأى على عموده وجها أبيض ـ رحمهما الله تعالى ـ (١).

وتجىء إلى الغرب قليلا تجد قبر جمّال عائشة ، رضى (٢) الله عنها.

وبجانبه من البحر تربة فيها قبر ابن هشام صاحب الرواية. وتستقبل الغرب تجد قبر عقبة بن عامر الجهنى ، رحمه الله تعالى ، وقد تقدم ذكره مع الصحابة رضوان الله عليهم.

قبر إدريس الخولانى (٣) :

وبجانبه من الغرب قبر إدريس الخولانى ، قال بعضهم (٤) : هو إدريس ابن يحيى مولى محمد بن ريّان.

ويقال : هو (٥) أبو مسلم الخولانى ، وليس كذلك (٦).

حدّث [إدريس](٧) عن جماعة من العلماء ، منهم حيوة بن شريح ، ورجاء بن أبى عطاء ، وبكر بن مضر ، وغيرهم.

قال إدريس الخولانى رحمه الله : كان رجل فى زمان أبى جعفر المنصور يقرأ القرآن قراءة (٨) لم يسمع السامعون أحسن منها ، ثم يقول : يا إخوتاه ،

__________________

(١) من قوله : «ياليت شعرى» إلى هنا عن «ص» وساقط من «م».

(٢) إلى هنا انتهى الجزء الأول من المخطوط «م».

(٣) العنوان من عندنا وهو أبو عمرو إدريس بن يحيى الخولانى ، كان من أفضل أهل زمانه ، ولقى كبار التابعين ، فهو من تابعى التابعين ، ونسب إلى «خولان» بالسكن فيهم ، وفى هذا القبر اختلاف كثير ، فهو يزار بحسن النّيّة. [انظر الكواكب السيارة ص ٢٤٢].

(٤) قوله : «قال بعضهم» عن «م».

(٥) فى «ص» : «له» مكان «هو».

(٦) قوله : «وليس كذلك» عن «م».

(٧) ما بين المعقوفتين عن «م».

(٨) قوله : «قراءة» عن «ص».

٣٥٩

تسمعونه من قراءة الخطّائين ، فكيف لو سمعتموه من قراءة الصّدّيقين؟! وقال : والله ما أمرهم إلّا بالزهد فى الدنيا ، وإنّ أحدهم ليأكل الأكلة عند الأخ فيرى منه ما يكره ، فتمنعه تلك الأكلة أن يأمره أو ينهاه.

قال الرّبيع : سمعت إدريس الخولانى يقول لرجل (١) : عليك بعمل الأبطال. فقال له : وما عمل الأبطال؟ قال : الكسب الحلال (٢) والكدّ على العيال ، الحلال هو العبادة.

وقال (٣) القضاعى فى كتابه خطط مصر : إدريس بن يحيى الخولانى يكنى أبا عمرو ، توفى سنة إحدى عشرة ومائتين (٤) ، ونسب إلى «خولان» لأنه سكن فيهم ، وهو مولى ريان بن عبد العزيز بن مروان ، وكان أفضل أهل زمانه ، وأعظمهم قدرا وعلما.

ولإدريس هذا ابن يقال له يحيى ، وليحيى ولد يقال له إدريس ، توفى سنة تسع (٥) وأربعين ومائتين ، ولعله صاحب هذا القبر المنكسر ، غربّى قبر عقبة بن عامر ، والعامّة يقولون : هو قبر أبى إدريس الخولانى ، وليس كذلك ، لأنّ أبا إدريس من كبار تابعى صحابة الشام ، لقى معاذ بن جبل وغيره من كبار الصحابة ، ولم يعلم دخوله إلى مصر ، وكان قاضى معاوية ، ومات بالشام ، وإدريس المذكور آنفا مصرىّ ، أدرك تابع التابعين ، مثل الليث بن سعد ، وعبد الله بن لهيعة ، ومات بمصر فى التاريخ المذكور. انتهى (٦).

__________________

(١) «لرجل» عن «ص».

(٢) فى «ص» : «الكسب من الحلال».

(٣) من قوله : «وقال» إلى قوله : «انتهى» عن «م» وساقط من «ص».

(٤) فى «م» : «وستمائة» خطأ من الناسخ ، والتصويب من الكواكب السيارة وغيره.

(٥) فى «م» : «تسعة».

(٦) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

٣٦٠