مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

موفق الدين بن عثمان

مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

المؤلف:

موفق الدين بن عثمان


المحقق: محمّد فتحي أبو بكر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار المصريّة اللبنانيّة
الطبعة: ١
ISBN: 977-270-182-0
الصفحات: ٧٨٣

أودية الجبل المقطم :

وأوديته ـ يعنى المقطم (١) : وادى المستضعفين ، وادى الملك ، وادى اللّبلابة (٢) ، وادى الدجلة القرقوبى ، وبه مسجد (٣) على قرنة الجبل المطل على كهف السودان ، بناه أبو الحسن القرقوبى الشاهد ، وكيل التجار بمصر (٤) سنة ٤١٥ ه‍.

وكان فى موضعه محراب حجارة يعرف [بمحراب ابن الفقاعى ، الرجل الصالح ، وهو](٥) على يسار المحراب .. وقبة الخضر .. وكهف السودان (٦) مشهور هناك ، لا يعلم من أحدثه ، ولا فى أى زمان أحدث (٧) ، ويقال إن قوما من السودان نقروه وتعبدوا فيه ، ويقال له كهف العبادة (٨) ، ثم بناه الأندلسى البزاز (٩) ، وزاد فى أسفله مواضع نقرها ، وبنى علوّها (١٠) ، ويقال إنه أنفق فيه أكثر من ألف دينار ، ووضع (١١) المجاز الذي يسلك إليه منه ،

__________________

(١) هكذا فى «م» ولم ترد هذه العبارة فى «ص».

(٢) هكذا فى «ص» وهو الصواب .. وفى «م» : «البلاغة» تصحيف (انظر مساجد مصر ج ١ ص ٥٢).

(٣) قوله : «وبه مسجد» عن «م» ولم يرد فى «ص». وقد ورد ذكر هذا المسجد فى الجزء الثانى من الخطط المقريزية ص ٤٥٥.

(٤) هكذا فى المصدر السابق .. وفى «م» : «الشاهد بمصر ، ووكيل التجار». وجملة «وكيل التجار» لم ترد فى «ص».

(٥) ما بين المعقوفتين عن «ص» والمصدر السابق .. وهو ساقط من «م».

(٦) فى «م» : «قبة الخضر كهف السودان». وفى «ص» : «على سائر قبة الحصن كهف السودان» ، وكهف السودان ذكره المقريزى فى خططه فى الجزء الثانى ص ٤٥٦. وهو مغار فى الجبل.

(٧) من قوله : «مشهور هناك ..» إلى هنا عن «م» وساقط من «ص».

(٨) فى «ص» : «كهف السّادة».

(٩) هكذا فى «م» .. وفى المصدر السابق : «بناه الأحدب الأندلسى القزّاز».

(١٠) هكذا فى «م» وفى مساجد مصر ج ١ ص ٥٢ .. وفى «ص» والخطط المقريزية : «علوّه».

(١١) هكذا فى «م» و «ص» .. وفى الخطط المقريزية : «ووسّع».

٢١

وعمل الدّرج (النّقر) التى يصعد عليها إلى المسجد ، والدرج التى (١) يصعد عليها إلى الوادى.

وكان ابتداؤه بالبناء مستهل المحرم سنة ٤٢١ ه‍ ، وفرغ منه فى شعبان من السنة المذكورة.

مساجد الوادى

المسجد المعروف بالجيوشى (٢) :

وهو المطل على وادى موسى المنشأ على قرنة الجبل البحرية .. أنشأه الإمام المستنصر بالله (٣) أمير المؤمنين ، فى أيام الجناب السيد الأجلّ أمير الجيوش سيف الإسلام ، رفق المستنصر (٤) فى شهر المحرم الحرام سنة ٣٨٧ ه‍ (٥). والدعاء مجاب بهذا المكان ، وليس له نظير.

__________________

(١) فى «م» و «ص» : «الذي» .. ولم ترد هذه العبارة فى المصدر السابق.

(٢) هكذا فى «م» .. ولم يرد ذكر هذا المسجد فى «ص» ، وقد ورد فى الخطط تحت اسم «مسجد أمير الأمراء» ، والمراد به أمير الجيوش بدر الجمالى ، وزير الخليفة الفاطمىّ المستنصر بالله ، ويقع هذا المسجد على قمة جبل المقطم فى مواجهة قلعة صلاح الدين ، وهو فى موقعه هذا يشرف على منطقة القرافة الصغرى بالإمام الشافعى ، والجزء المطل على النيل من مصر القديمة ومنطقة البساتين. وقد ورد وصف تفصيلى لهذا المسجد فى الجزء الأول من مساجد مصر ، لسعاد ماهر ، ص ٢٨٢ ـ ٢٨٤ ولا يزال هذا المسجد باقيا إلى اليوم.

(٣) فى «م» : «المنتصر بالله».

(٤) هكذا فى «م» .. وفى الخطط المقريزية : «المستنصرى» نسبه إلى الخليفة المستنصر بالله الفاطمىّ.

(٥) هكذا فى «م» وهو خطأ ، والصواب أنه سنة ٤٧٨ ه‍ فقد ذكر تاريخ إنشاء هذا المسجد على لوحة من الرحام تعلو عتب المدخل الرئيسى له ، وتتكون من خمسة أسطر جاء فيها : «أنشأ هذه الزاوية مولى أمير المؤمنين الإمام المستنصر بالله أمير الجيوش فى المحرم من سنة ثمانية وسبعين وأربعمائة».

[انظر مساجد مصر ج ١ ص ٢٨٤].

٢٢

مسجد موسى :

بناه الوزير جعفر بن الفرات (١).

مسجد الصخرة :

يرى عليه النور فى الليالى المظلمة.

مسجد الدّيلمى :

وهو الذي بقرب مقام الليث بن سعد الفهميّ (٢) وقد خطب به زمانا طويلا ، ولم نقف على ترجمة بانيه.

مسجد الشريف الجرجانى (٣).

مسجد الزبير (٤) :

هو الذي كان بيد الشريف أحمد الحسينى ، وهو أحد المسجدين المتقابلين فى أصل عقبة موسى عليه السلام (٥) ، التى يتوصّل منها إلى مغارة ابن الفارض .. قال القضاعى : يقال لها مغارة ابن الفارض ، وهو أبو بكر أحمد بن مسلم القارئ ، الذي كان نقر المغارة وأنفق عليها ، ثم عمرت بأمر الحاكم بالله ، وأنشئت فيها المغارة (٦).

__________________

(١) فى الخطط المقريزية : «بناه الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات».

(٢) فى «م» : «الفهيم» تحريف من الناسخ .. وهذه التعريف عن «م» وساقط من «ص» إلى آخره.

(٣) فى الخطط المقريزية ج ١ ص ٤٥٤ : «مصلى الجرجانى» ، بناه علىّ بن أحمد الجرجانى.

(٤) فى «ص» : «الزبيرى».

(٥) فى «ص» : «عقبة المسجد المعروف بصخرة موسى ، على محمد وعليه السلام». وبعده اختلاف يسير حيث ذكر : «العارض» وقال : قال القضاعى : يقال لها مغارة ابن الفارض .. الخ.

[وانظر خطط المقريزى ج ٢ ص ٤٥٦].

(٦) هكذا فى «م» .. ومن قوله : ثم عمرت بأمر الحاكم .. إلى هنا ساقط من «ص» .. وفى

٢٣

مسجد اللؤلؤة (١) :

كان مسجدا خرابا ، مشهورا بإجابة الدعاء ، فلما علم الحاكم ببركة الموضع بناه فى سنة ٤٠٦ ه‍ ، وسمّاه اللؤلؤة (٢).

المسجد المعروف بالدعاء :

قال القضاعى : هو ما بين اللؤلؤة ومسجد محمود (٣) ، وهو مسجد قديم يتبرّك به وبالصلاة فيه والدعاء ، ويعرف بمسجد الإجابة أيضا.

مسجد اليسع وروبيل.

مسجد محمود.

وسنذكر قصة محمود عند ذكر قبره.

__________________

الخطط المقريزية : «ثم عمرت بأمر الحاكم بأمر الله وأنشئت فيها «منارة» هى باقية إلى اليوم .. وتحت العارض قبر العارف عمر بن الفارض رحمه الله ...».

(١) فى «م» : «اللؤلؤ» خطأ ، وما أثبتناه عن «ص» والخطط المقريزية ، ومساجد مصر ، والكواكب السيارة. ولا تزال آثار هذا المسجد باقية حتى الآن.

(٢) إلى هنا ينتهى ما كتب عن المسجد فى «ص» ، وزاد بعدها فى «م» : «وهو باق بالقرب من المسجدين المتقابلين المذكورين آنفا» ولم يذكر هذين المسجدين .. وجاء فى مساجد مصر أن «هذا المسجد مقام بالقرب من مقام اليسع وروبيل ... وهو من مشاهد الرّؤيا ، لأنه من الثابت تاريخيّا أنه لم يدفن بمصر إلّا يوسف عليه السلام». وفى الخطط المقريزية يذكر المقريزى أن المسجد فى سفح المقطم ، وأنه باق إلى يومنا هذا ـ أى إلى عصره. [انظر مساجد مصر ج ١ ص ٥٢ ، ٥٣ ، والخطط المقريزية ج ٢ ص ٤٥٦].

(٣) هو محمود بن سالم بن مالك الطويل ، من أجناد السّرىّ بن الحكم ، أمير مصر بعد سنة مائتين من الهجرة.

[انظر الخطط المقريزية ج ٢ ص ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، وص ٤٥٦].

٢٤

فصل

نذكر فيه ما ورد فى زيارة القبور من الآثار

روى ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها .. ونهيتكم عن لحوم الأضاحى فوق ثلاث ، فأمسكوا ما بدا لكم .. ونهيتكم عن التّنبّذ إلّا فى سقاء ، فاشربوا من الأسقية كلها ، ولا تشربوا مسكرا» (١).

وروى أبو هريرة ، رضى الله عنه ، قال : «زار النبي ، صلّى الله عليه وسلم ، قبر أمّه ، فبكى وأبكى من حوله». قال البغوى فى شرح السّنّة : «كان قبر أمّه بالأبواء ، فمرّ به عام الحديبية ، فزارها». وروى أنه زار قبر أمّه فى ألف مقنّع ، أى : فارس مغطّى بالسلاح (٢) .. وقال صلّى الله عليه وسلم : «استأذنت ربى فى أن أستغفر لها فلم يأذن لى ، واستأذنته أن أزورها فأذن لى ، فزوروا القبور ، فإنها تذكّر الموت» (٣).

__________________

(١) رواه مسلم فى صحيحه فى كتاب الجنائز ج ٧ ص ٤٦ ، وفى كتاب الأضاحى ج ١٣ ص ١٣٤ ، ١٣٥ بشرح النووى .. ورواه الترمذى فى أبواب الجنائز ج ٤ ص ٢٧٤ بشرح ابن العربى .. ورواه النسائى فى سننه فى كتاب الجنائز ، فى زيارة القبور ج ٤ ص ٨٩ بشرح السيوطى .. ورواه ابن ماجه فى سننه فى كتاب الجنائز ، باب ما جاء فى زيارة القبور ج ١ ص ٥٠٠ ، ٥٠١.

(٢) من قوله : «قال البغوى ...» إلى هنا عن «م» وساقط من «ص».

(٣) رواه مسلم فى صحيحه فى كتاب الجنائز ، فى استئذان النبي صلّى الله عليه وسلم ربّه فى زيارة قبر أمّه ج ٧ ص ٤٥ ، ٤٦ بشرح النووى .. ورواه الترمذى فى الجنائز ـ باختلاف يسير فى لفظه ـ ج ٤ ص ٢٧٤ بشرح ابن العربى .. ورواه أبو داود فى سننه فى كتاب الجنائز ، باب فى زيارة القبور ج ٣ ص ٢١٥ ، ٢١٦].

٢٥

وعن سليمان بن بريدة (١) عن أبيه ، قال : قال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم : «قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فقد أذن لمحمد فى زيارة قبر أمه فزوروها ، فإنها تذكّركم الآخرة».

وروى عن فاطمة رضى الله عنها ، أنها كانت تزور قبر عمها حمزة فى الأيام ، وتبكى عنده.

وقال عبد الله بن أبى مليكة (٢) : توفى عبد الرحمن بن أبى بكر الصّدّيق رضى الله عنهما بالحبشة ، فحمل إلى مكة ودفن بها ، فلما قدمت أم المؤمنين عائشة ، رضى الله عنها ، أتت إلى قبره فقالت (٣) :

وكنّا كندمانى جذيمة حقبة

من الدّهر حتى قيل لن يتصدّعا (٤)

وعشنا بخير فى الحياة وقبلنا

أصاب المنايا رهط كسرى وتبّعا

فلما تفرّقنا كأنّى ومالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

__________________

(١) فى «م» : «سليمان بريدة» خطأ.

(٢) هو أبو بكر ، وأبو محمد ، عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان القرشى ، قاضى مكة زمن ابن الزبير ، ومؤذن الحرم ، روى عن جده ، وعائشة ، وأم سلمة ، وعبد الله ابن عمرو بن العاص ، وابن عباس وطائفة. وكان إماما فقيها ، وحجة فصيحا ، متفقا على ثقته. وتوفى سنة ١١٧ ه‍. [انظر تذكرة الحفاظ ج ١ ص ١٠١ ، ١٠٢].

(٣) أى : قالت متمثّلة بشعر متمّم بن نويرة اليربوعى التميمى ، المتوفى سنة ٣٠ ه‍ ، والذي قاله فى رثاء أخيه مالك بن نويره ، وكان شديد الحزن عليه.

(٤) فى «م» : «كندمانى خزيمة» ، والأخيرة تحريف ، والصواب ما أثبتناه ، وهو : جذيمة ابن الأبرش ، سمّى بذلك لبرص كان به ، وكان لا ينادم أحدا ذهابا بنفسه ، فلما أتاه مالك وعقيل بابن أخته الذي استهوته الشياطين ، قال لهما : احتكما ، فقالا له : منادمتك ، فنادماه أربعين سنة يحادثانه فيها ، ما أعادا عليه حديثا. وهما المعنيان بقوله : كندمانى جذيمة. وفى عيون الأخبار : حتى قيل لن نتصدعا ـ بالنون.

[انظر الأعلام ج ٥ ص ٢٧٤ ، وعيون الأخبار ج ١ ص ٣٨٧ ، والعقد الفريد ج ٧ ص ٧٥ ، وانظر الكواكب السيارة ، الفصل الرابع ص ١٤ وما بعدها].

٢٦

فصل

فى استماع الميت للحى إذا تولّى عنه

روى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «إنّ العبد إذا وضع فى قبره وتولّى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم ، قال : فيأتيه ملكان فيقعدانه ، فيقولان له : ما كنت تقول فى هذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله .. فيقال له : انظر مقعدك من النار ، قد أبدلك الله مقعدا من الجنة .. قال النبي صلّى الله عليه وسلم : فيراهما جميعا» (١).

__________________

(١) رواه البخارى فى صحيحه فى كتاب الجنائز ، باب الميت يسمع خفق النعال ، ج ٢ ص ١٣ ط الشعب ، وج ٣ ص ٢٠٥ من فتح البارى بشرح صحيح البخارى لابن حجر .. ورواه مسلم فى صحيحه فى كتاب الجنة ، باب عرض مقعد الميت عليه ، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه ، ج ١٧ ص ٢٠٣ بشرح النووى .. ورواه النسائى فى كتاب الجنائز ، فى المسألة فى القبر ج ٤ ص ٩٧.

٢٧

فصل

فى كراهة المشى بين القبور فى النّعلين

روى خالد بن سمير (١) عن بشير (٢) بن نهيك ، عن بشير بن الخصاصية (٣) ، قال : «كنت أمشى مع النبي صلّى الله عليه وسلم على قبور المسلمين ، فقال : لقد سبق هؤلاء خير كثير (٤) ، وحانت منه التفاتة ، فرأى رجلا يمشى بين القبور فى نعله ، فقال : يا صاحب السّبتين ، ألقهما» (٥).

قال البغوى (٦) فى شرح السّنّة : قيل إنّ أهل القبور يرعدون (٧) بصوت

__________________

(١) فى «م» : «شمير» بالشين المعجمة ، وقد ورد اسمه فى «ص» وفى سنن النسائى وأبى داود بالسين المهملة ، وهو الصحيح ، وهو خالد بن سمير السدوسى.

(٢) فى «ص» : «بشر» خطأ ، وهو بشير بن نهيك ، أبو الشعثاء السدوسى.

(٣) فى «ص» : «بشر بن الخصاصة» تحريف من الناسخ ، والصواب ما أثبتناه. وكان اسمه «زحما» فسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلم «بشيرا». وقيل له : ابن الخصاصية ، نسبة إلى أمه.

[انظر ترجمته فى أسد الغابة ج ١ ص ٢٢٩ ، ٢٣٠]

(٤) فى «ص» : «خيرا كثيرا» خطأ ، والصواب بالرفع على الفاعلية.

(٥) السّبتين والسّبتيّتين : مثنّى «سبتية» نسبة إلى السّبت ، وهو جلود البقر المدبوغة بالقرظ .. والحديث رواه النسائى فى سننه فى كتاب الجنائز ، فى كراهية المشى بين القبور فى النعال السّبتية ج ٤ ص ٩٦ بشرح السيوطى ، ورواه أبو داود فى كتاب الجنائز ، باب المشى فى النعل بين القبور ج ٣ ص ٢١٤ ، ٢١٥.

(٦) هو : علّى بن عبد العزيز بن المرزبان البغوى ، أبو الحسن ، شيخ الحرم ، ومن حفّاظ الحديث ، كان ثقة مأمونا ، جاور بمكة ، وله مسند ، وكانت وفاته سنة ٢٨٦ ه‍. ومن قوله : «قال البغوى ...» إلى نهاية هذا الفصل عن «م» ، وساقط من «ص».

(٧) يرعدون : أى تضطرب أو تفزع أرواحهم وترتعد.

٢٨

النعال .. قال : والعامة على أنه لا كراهة فى المشى بها ، والأمر بالنزع إنما كان على سبيل أنّ أكثر أهل الجاهلية كانوا يلبسونها غير مدبوغة ، إلّا أهل السّعة منهم ، فأمروا بنزعها لنجاستها.

وقال أبو سعد : أراد أمره بذلك لقذارة فى نعليه ، فكره منه أن يطأ بهما القبور .. كما كره أن يحدث بين القبور.

وقال أبو سليمان الخطابى : يشبه أن يكون إنما كرهها لما فيه من الخيلاء ، وذلك أنّ النعال السّبتيّة من لباس أهل التّرفّه والتنعيم ، فأحبّ ـ صلّى الله عليه وسلم ـ أن يكون دخول المقابر على ذى التواضع ولباس أهل الخشوع. وقال بعضهم : على المحلوقة الشعر ، وقد قال صلّى الله عليه وسلم عن الميت : «إنه يسمع قرع نعالهم».

٢٩

فصل

فيما يقول إذا خرج إلى المقابر

روى القعنبيّ (١) عن مالك ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبى هريرة رضى الله عنه : «أنّ رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، خرج إلى المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لا حقون» (٢).

وعن سليمان بن بريدة (٣) عن أبيه ، قال : «كان رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، إذا خرج إلى المقابر هو وأصحابه يأمرهم أن يقولوا : السلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، أنتم لنا فرط (٤) ، وإنّا إن شاء الله بكم لا حقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية» (٥).

__________________

(١) فى «ص» : «القعبى» تحريف. والقعنبىّ هو : عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثى ، من رجال الحديث الثقات ، من أهل المدينة ، ولد بعد الثلاثين ومائة ، وسكن البصرة وتوفى بها أو بطريق مكة سنة ٢٢١ ه‍. روى عنه البخارى ١٢٣ حديثا ، ومسلم ٧٠ حديثا.

[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٤ ص ١٣٧ ، ورجال صحيح البخارى ج ١ ص ٤٣٠ ، ٤٣١ ، ورجال صحيح مسلم ج ١ ص ٣٩١ ، ٣٩٢ ، وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٣٨٣ ، ٣٨٤].

(٢) فى «ص» : «وإنّا إن شاء الله عن قريب بكم لا حقون» .. والحديث أخرجه أبو داود فى كتاب الجنائز ، باب : ما يقول إذا زار القبور أو مرّ بها ، ج ٣ ص ٢١٦ .. وانظر ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها فى كتاب الجنائز ، فى صحيح مسلم ج ٧ ص ٤٠ ـ ٤٥ بشرح النووى.

(٣) هكذا فى «م» ، وفى سنن النسائى ج ٤ ص ٩٤ ، وفى السنن الكبرى للبيهقى ج ٤ ص ٧٩ ، وفى «ص» : «سلمان بن يزيد» تحريف .. وفى ميزان الاعتدال ج ٢ ص ١٩٧ قيل عنه : إنه ثقة ، وقال البخارى عنه : لم يذكر أنه سمع أباه.

(٤) فرط : متقدمون.

(٥) أخرجه النسائى فى كتاب الجنائز ، فى الأمر بالاستغفار للمؤمنين ، ج ٤ ص ٩٤ بشرح السيوطى ، وأخرجه البيهقى فى سننه فى كتاب الجنائز ، باب : ما يقول إذا دخل مقبرة ج ٤ ص ٧٩.

٣٠

وعن عبد الله بن مسعود قال : «كان رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، إذا دخل الجبّانة يقول : السلام عليكم أيتها الأرواح الفانية ، والأبدان البالية ، والعظام النخرة ، التى خرجت من الدنيا وهى بالله مؤمنة ، اللهمّ أدخل عليهم روحا منك وسلاما منّى» (١).

__________________

(١) فى «ص» : «اللهم أدخل عليها روحا منك وسلاما منّا» والرّوح : الراحة والرّحمة.

٣١

فصل

فى آداب الزيارة (١)

ينبغى لمن عزم على الزيارة أن يتأدّب بآدابها ، ويحضر قلبه في إعمال الفكر فيمن نزل بها ، وكيف حالهم بعد السابغة (٢) والنعيم ، والحشم ، والمراكب الفاخرة ، والخدم بالأساندة العبيد (٣) ، ولا يكون حظّه الطواف (٤) على الأجداث والجدران ، بل على آداب (٥) يجمعها عشرون وظيفة.

الوظيفة الأولى : إخلاص النية ، فيقصد بزيارته وجه الله تعالى ، وإصلاح فساد قلبه ، ونفع الميت [بما يتلوه عنده من القرآن ، والدعاء له ، ولا يتجدّد قصده للحضور عند الميت](٦) فى محفل من الناس ، ليحكى أهل الميت وأقاربه بحضوره ، على وجه المباهاة ، ليستدعى بذلك حضورهم لزيارة من يموت من أقاربه ليكثر الجمع بهم ، وهذا هو الغالب على الناس للحضور فى صحبته (٧).

__________________

(*) وانظر شروط الزيارة وآدابها فى الكواكب السيارة ، الفصل الرابع ص ١٤ ـ ١٨.

(١) فى «ص» : «ويحضر قلبه فى آياتها ، ولا يكون حظه الطواف على الأجداث». والسابغة : كمال النعمة وتمامها. وهذه الجملة وما بعدها لم ترد فى «ص».

(٢) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٣) فى «م» : «ولا تكون خطّة الطواف».

(٤) فى «ص» : «بل لها آداب».

(٥) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

(٦) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «وهذا هو الغالب على الناس اليوم ، فقد اشتهر حتى صرحوا به ، فصار أقارب الميت يدعون الناس للحضور فى صحبته ..».

٣٢

وثالثة وتمام شهره على ما يتعارفه أهل كل بلد ، ويصرح الداعى بأنّ قصدى بحضوركم الجمال وطلب زينة الدنيا ، وهذا منهى [عنه](١) شرعا ، إذ الحالة ليست حالة زينة ولا مباهاة .. والفاعل (٢) لذلك شبه الذين قال الله فيهم : (ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(٣) إذ قدم على عمل (٤) من أعمال البرّ فقلبه بنيّته إلى أعمال الدنيا.

وكذلك أيضا من يزور قبور الصالحين ليدعو على أحد حتى يحصل له حظّ نفسه ، وشفاء غيظه .. وأيضا أن يحضر الزيارة ونيّته حصول الأجر ، إلّا أنّ له رغبة فى رؤية الضجر ، أو الفرجة والتلذّذ والفرح ، فهذا كمن (٥) توضّأ ونوى رفع الحدث ، وأضاف (٦) إليه نيّة التبّرد والتنظّف (٧) ، وكمن حج ومعه تجارة (٨) .. وكمن يصوم لينتفع بالحمية (٩) مع قصد التقرب ، أو يعتق عبدا (١٠) ليتخلص من مؤنته وسوء خلقه ، ويحج فيصح مزاجه بحركة السفر ، أو يتخلص من سوء يعرض له فى بلده ، أو يغزو ليباشر الحرب ويعرف أسبابه .. أو يصلى باللّيل وله غرض فى دفع النعاس عن نفسه بالصلاة ليراقب أهله أو ماله ، فهذا وأمثاله من المباحات غير مبطل للتقرّبات ، نعم لا يكون ثوابه كثواب من تجرّدت نيّته عن أمثال ذلك.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

(٢) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «قال : والفاعل ...».

(٣) سورة الكهف ـ الآية ١٠٤.

(٤) فى «ص» : «إذ أقدم إلى عمل».

(٥) فى «ص» : «فهذا كله كمن».

(٦) فى «م» : «ويضاف».

(٧) بعد هذا فى «ص» : «إنّ وضوءه صحيح».

(٨) بعد هذا فى «ص» : «إنّ حجّه صحيح».

(٩) الحمية : الإقلال من الطعام ونحوه.

(١٠) ما بعد قوله : «أو يعتق عبدا» عن «م» وساقط من «ص».

٣٣

الوظيفة الثانية : أن يعمد إلى الزيارة فى يوم الجمعة ، فإنه روى عن محمد ابن واسع أنه كان يزور يوم الجمعة ، فقيل له : لو أخرت إلى الاثنين ، فقال : بلغنى أن الموتى يعلمون بزوّارهم يوم الجمعة وما قبله وما بعده .. ويحكى عن الضّحّاك ذلك.

وقد (١) استحبّ أكثر الناس زيارة قبور الصالحين يوم الأربعاء ، لأن فيه تخلو الجبانة .. وقد صحّ عن رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم : «أن الله خلق النور يوم الأربعاء» ، فزيارة القبور نور ، والدعاء نور ، فهذا نور على نور يغشى القبور من الزائرين ..

وروى جابر بن عبد الله رضى الله عنه ، قال : «دعا رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم بين الصّلاتين ـ الظهر والعصر ـ يوم الأربعاء ، فعرفنا السرور فى وجهه .. قال جابر : فما نزل بى أمر قط إلّا ترجّيت تلك الساعة من ذلك اليوم ، فدعوت فعرفت الإجابة».

وروى عن رجل من آل عاصم الجحدرىّ ، قال : رأيت عاصما فى منامى بعد موته بسنتين ، فقلت : أليس قد متّ؟ قال : بلى. قلت : فأين أنت؟ قال : أنا والله فى روضة من رياض الجنة ، أنا ونفر من أصحابى ، نجتمع كل ليلة جمعة وصبحتها إلى بكر بن عبد الله المزنى (٢) فنتلاقى أخباركم ، قلت : أجسامكم أم أرواحكم؟ فقال : هيهات ، بليت الأجسام ، وإنما نتلاقى بالأرواح .. فقلت : هل تعلمون بزيارتنا؟ قال : نعم ، عشية الجمعة ويومها ، وليلة السبت (٣) إلى طلوع الشمس .. قلت : كيف ذاك دون الأيام؟ قال : لفضل يوم الجمعة وعظمه.

__________________

(١) هنا كلمة غير مقروءة ، وضعنا مكانها «وقد» لمناسبة المعنى والسياق.

(*) فى (م) أبى بكر بن عبد العزيز ، وهو خطأ والتصويب من طبقات المناوى ج ص ٩٠.

(٢) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

٣٤

ورأى بعض الصالحين رجلا ميتا ، فقال : كيف أنتم؟ فقال : نجتمع كل ليلة جمعة عند قبر «عقبة» كما يجتمع الفقراء على باب الغنيّ.

الوظيفة الثالثة : اجتناب المشى بين القبور والجلوس عليها ، كما روى أبو هريرة ، رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم : «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحترق (١) ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر». فثبت ذلك (٢) فى الجلوس على القبر ، وقسنا مشيه عليه ، لأنه فى معناه ، فإن لم يكن له طريق إلى قبر من يزوره إلّا بالدّوس ، جاز ، لأنّه موضع عبور.

وعن عقبة بن عامر ، رضى الله عنه : «لأن أطأ جمرة حتى تبرد ، وسيفا حتى تنقطع رجلى ، أحبّ إلىّ من أن أمشى على قبر رجل مسلم» (٣).

وقد تأوّل بعض العلماء : الجلوس على القبر فى الحديث المتقدم بقضاء الحاجة (٤) ، فقال : وممّا ينبغى أيضا خلع النّعلين ، فقد تقدم أن النبي ، صلّى الله عليه وسلم ، التفت التفاتة ، فرأى رجلا يمشى بين القبور فى نعليه ، فقال : يا صاحب السّبتيّتين (٥) ألقهما ـ أو قال : انزعهما .. قال البغوىّ : كانت نعال أكثر أهل الجاهلية غير مدبوغة ، لأهل السّعة ، ويحتمل أن يكون رأى فيها قذرا .. وقيل : إن النعال السّبتية كانت مدبوغة بالقرظ ، محلوقة الشّعر ، تلبس للزّينة ، فكأنه كرهها ، لأن ذلك الموضع لا يدخل إليه إلّا على زىّ التواضع ولباس أهل الخشوع .. وقيل : إن أهل القبور يؤذيهم صوت النّعال .. والله أعلم بالصواب (٦).

__________________

(١) فى «ص» : «فيحرق ثيابه حتى يخلص ..».

(٢) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «فالحديث ذلك ..».

(٣) هذا الحديث عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٤) فى «ص» : «لقضاء الحاجة». وما بعدها عن «م» وساقط من «ص».

(٥) فى «م» : «السّبتين» سبق التعليق عليها.

(٦) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

٣٥

الوظيفة الرابعة : توخّى قبور الأنبياء والصحابة والقرابة (١) ، فقد لزم قوم كثير زيارتهم (٢) ، فرأوا من عجائب صنع الله بهم ورحمته ببركة الزيارة (٣) مما لا يسعه كتاب.

الوظيفة الخامسة : أن يأتى من تلقاء وجه الميت (٤) ، فإنك فى زيارته كمخاطبته حيّا ، فلو خاطبته حيّا استقبلته بوجهك (٥) ، وكذلك هاهنا.

الوظيفة السادسة : أن تسلّم على الميت كما تسلم على من تزوره من الأحياء ، فقد كان ابن عمر ، رضى الله عنه ، لا يمر بقبر إلّا وقف وسلّم عليه .. وقال نافع : كان ابن عمر ، رضى الله عنه ، يجيء إلى القبور الشريفة فيقول : السلام على رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، السلام على أبى بكر ، السلام على أبى ، وينصرف ، رأيته يفعل ذلك أكثر من مائة مرة.

وقال سليمان بن سحيم (٦) : رأيت النبي صلّى الله عليه وسلم فى المنام ، فقلت :

__________________

(١) توخّى الأمر : القصد إليه ، وتعمّد فعله ، والمراد به هنا : قصد زيارة قبورهم.

(٢) أى : داوموا عليها .. وفى «ص» : «كرم» مكان «لزم».

(٣) فى «ص» : «صنع الله تعالى ببركة الزيارة».

(٤) هكذا فى «م» ... وفى «ص» : «أن يقف تلقاء وجه الميت مستدبر القبلة ، مستقبلا وجه الميت ...».

(٥) فى «م» : «بوجهه».

(٦) فى «م» : «سليمان بن منجم» .. وفى «ص» : «سلمان بن سحيم». وما أثبتناه هو الصواب. وهو سليمان بن سحيم ، أبو أيوب الهاشمى ، المدينى ، مولى آل حنين ، ويقال : مولى لبنى كعب بن خزاعة. وثّقه النّسائى وابن سعد وابن حبّان وغيرهم. [انظر ترجمته فى رجال صحيح مسلم ج ١ ص ٢٧٠].

٣٦

يا رسول الله ، هؤلاء الذين يأتونك (١) ويسلمون عليك ، أتفقه سلامهم (٢)؟ قال : نعم ، وأرد عليهم .. وقال أبو هريرة ، رضى الله عنه : إذا مرّ الرجل بقبر الرجل يعرفه ، فسلم عليه ، ردّ عليه السّلام (٣) ، وإذا مر بقبر لم يعرفه فسلم عليه ، ردّ عليه السلام (٤). وإن لم يصل إلى القبر يسلم من بعيد.

وقال بعضهم على لسان ميّت :

وادنوا للسلام فإن أبيتم

فأوموا بالسلام على بعاد

فإن طال المدى وصفا حبيب

سوانا ، فاذكروا صفو الوداد (٥)

الوظيفة السابعة : اجتناب مس القبر وتقبيله ، ومسحه على وجهه للتبرك ، فإن ذلك من عادة النصارى ، لم ينقل عن أحد من علماء المسلمين .. قال أبو أمامة : رأيت أنس بن مالك أتى إلى قبر النّبيّ ، صلّى الله عليه وسلم [فوقف ، فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة ، فسلّم على النبي صلّى الله عليه وسلم](٦) ، ثم انصرف.

وكذلك يجتنب إلقاء نفسه على القبر والتّمعّك بترابه (٧) ، فإن ذلك ليس من الأدب .. بلغنا أن رجلا ألقى نفسه على قبر النبي ، صلّى الله عليه وسلم ، فناداه شاب من ناحية المسجد : يا بن أخى ، لو كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم حيّا ثم أتيت تزوره ، ما كنت صانعا؟ قال : أقف بين يديه وأسلّم عليه .. قال : كذلك فافعل.

__________________

(١) فى «م» : «يأتوك».

(٢) فى «ص» : «أتسلّم عليهم»؟.

(٣) قوله : «ردّ عليه السلام» عن «ص».

(٤) ما بعد هذا عن «م» وساقط من «ص».

(٥) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٦) ما بين المعقوفتين عن «ص» ولم يرد فى «م».

(٧) التّمعّك بالتراب : التّمرّغ والتّقلّب فيه.

٣٧

الوظيفة الثامنة : القراءة ، فلا بأس بقراءة القرآن على القبر ، قال المروزى : سمعت أحمد بن حنبل ، رضى الله عنه ، يقول : إذا دخلتم المقابر فاقرءوا بفاتحة الكتاب ، وقل هو الله أحد ، والمعوّذتين ، واهدوها لهم ، فإنها تصل إليهم. قال الحافظ عبد الغنى ، رحمه الله تعالى : والذي رأيناه فى أمصار الإسلام ، شاهدناهم حيث يموتون ـ أو يموت الميت منهم ـ يقرءون القرآن عنده قبل دفنه ، وعلى قبره إذا دفن ، ويجتمعون على ذلك ويحرصون عليه ، ومن قدر على ذلك بنفسه فعله ، أو استعان بمن يمكنه الاستعانة به على ذلك .. ومنهم من يقرأ القرآن على قبر قريبه ، راجين من الله تعالى فى ذلك المثوبة والإحسان لهم ولميتهم ، ومن لم يفعل ذلك رأوه مقصّرا ، ولا ينكر ذلك منكر ، بل يحبونه ويستحبونه ، والله أكرم من أن يردّ قصدهم ، أو يخيّب ظنهم ، أو يمنعهم ما طلبوا.

وقد سمعت الحافظ أبا العز (١) عبد المغيث بن زهير الحربى يقول : لما قتل القاضى الشهيد أبو الحسن محمد بن محمد بن الفراء البغدادى ، رحمه الله ، ختم على قبره فى يوم واحد زيادة عن مائة ختمة ، وهذا لا يكون إلّا من جمّ. غفير (٢) ، ولتطابق (٣) مثل هذا القدر الكبير من الناس على مثل هذا وفعلهم له ، ولا منكر ولا عائب ، يصير كالإجماع.

روى عن عاصم ، عن زيد بن عبد الله ، قال : إنّ الله تعالى نظر فى قلوب العباد فوجد قلب محمد صلّى الله عليه وسلم خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه ، وبعثه (٤) برسالته ، ثم نظر قلوب العباد بعد قلبه [فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد بعد قلبه](٥) ،

__________________

(١) فى «ص» : «العزيز» تصحيف.

(٢) الجمّ الغفير : الجمع الكثير.

(٣) فى «ص» : «ويطابق».

(٤) فى «ص» : «وابتعثه».

(٥) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

٣٨

فجعلهم وزراء نبيّه ، صلّى الله عليه وسلم ، يقاتلون عن دينه ، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيّىء.

قال أحمد بن عبد الجبار (١) : قال ابن عباس ، وأنا أقول : إنهم رأوا أن يولّوا أبا بكر بعد رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم .. وعن أبى مسعود البدرىّ (٢) أنه خرج أصحابه معه يشيعونه إلى القادسية (٣) ، فلما ذهبوا يفارقونه قالوا : رحمك الله ، قد رأيت خيرا ، وشهدت خيرا ، حدّثنا حديثا ، عسى الله أن ينفعنا به .. قال : أجل ، رأيت خيرا ، وشهدت خيرا ، وقد رجوت أن أكون أخّرت لهذا الزمان لسوء يراد بى ، فاتّقوا الله ، وعليكم بالجماعة ، فإن الله لم يجعل أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم على ضلالة (٤) ، فاصبروا حتى يستريح برّ ، ويشتراح من فاجر.

وقد روى عن سليمان التيمى ، عن أبى عثمان ، وليس بالنهدى (٥) [عن أبيه](٦) ، عن معقل بن يسار ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «اقرءوا سورة يس على موتاكم». أخرجه الترمذى فى السنن ، كذا ورواه أبو القاسم الطبرانى فى سننه.

__________________

(١) هو أحمد بن عبد الجبار العطاردى الكوفى ، المتوفى سنة ٢٧٢ ه‍. روى عن أبى بكر بن عيّاش وطبقته. [انظر ترجمته فى ميزان الاعتدال ج ١ ص ١١٢ ، ١١٣ ، وتذكرة الحفاظ ج ٢ ص ٥٨٢ ، وشذرات الذهب ج ٢ ص ١٦٢ ، والكواكب السيارة ص ١٥٧].

(٢) فى «م» : «المنذرى» تصحيف من الناسخ. وهو : أبو مسعود الأنصارى ، صحابىّ ، واسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة ، ويعرف بالبدرى ، لأنه سكن أو نزل ماء بدر ، وشهد العقبة ولم يشهد بدرا عند أكثر أهل السير ، وقيل شهدها. وتوفى سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ، وقيل : مات بعد سنة ستين من الهجرة.

[انظر أسد الغابة ج ٦ ص ٢٨٦ ، ٢٨٧]

(٣) فى «ص» : «حتى بلغ القادسية».

(٤) فى «ص» : «فى ضلالة».

(٥) فى «م» : «وليس بالمهدى» ـ وفى «ص» : «بالنبدى» .. وكلاهما تحريف ، والصواب ما أثبتناه عن تهذيب التهذيب لابن حجر ، المجلد الرابع ص ٢٠١ ط دار الفكر العربى عن ط حيدر آباد.

(٦) ما بين المعقوفتين عن «ص».

٣٩

وروى الإمام أحمد فى مسنده عن معقل بن يسار ، أن رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، قال : «البقرة سنام القرآن وذروته ، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا ، واستخرجت (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) من تحت العرش ، فوصلت بها ـ أى : سورة البقرة .. ويس قلب القرآن ، لا يقرؤها رجل يريد الله تعالى والدّار الآخرة إلّا غفر الله له ، فاقرءوها على موتاكم».

قال الحافظ عبد الغنى : وقد روينا عن أبى المحاسن عبد الرزّاق بن إسماعيل ابن محمد بن عثمان القرمسانى بهمذان ، أخبرنا الحافظ أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمى ، قال : سمعت أبا على أحمد بن مسعود (١) العجلى يقول : رأيت أمّى ، أمّ الفرج بنت محمد بن عثمان القرمسانى ، فى المنام فى قبرها ، فقلت لها : أخبرينى ما رأيت .. كنت تقولين أخاف (٢) من أوّل ليلة فى القبر .. كيف كنت تلك الليلة؟ فقالت : رأيت من الخير والراحة ما لم أكن رأيته فى أيام حياتى .. فقلت لها : ما أبعثه إليك من الصّدقة ، وما أدعو به ،

__________________

(١) فى «ص» : «ابن سعد».

(٢) فى «م» : «كنت تقولى أخوف» .. وفى «ص» أقحم الناسخ فى هذا الموضع كلاما لا صلة له بهذه الحكاية ، وغير مناسب للسياق ، وبعد ثلاث صفحات أتى ببقية الحكاية التى نحن بصددها .. ونورد هنا ـ للأمانة ـ ما ذكر عن أيام الزيارة المستحبة للقبور ، والتى جاءت بعد عشرة أسطر من قوله : «كنت تقولين ..» قال :

«وروى عن محمد بن واسع أنه كان يزور يوم الجمعة ، فقيل له : لو أخّرت إلى الاثنين .. فقال : بلغنى أنّ الموتى يعلمون من يزورهم يوم الجمعة ، ويوما قبله ، ويوما بعده».

وروى عن الضّحّاك ذلك. وإنما استحبّ الناس زيارة قبور الصالحين يوم الأربعاء ، لأن فيه تخلو الجبّانة.

وقد صحّ عن رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، أنّ الله خلق النور يوم الأربعاء ، فزيارة القبور نور ، وقراءة القرآن نور ، والدعاء نور ، فهذا نور على نور ، والذي يغشى القبور من الزائرين نور.

وروى جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنهما ـ قال : «دعا رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، يوم الأربعاء بين الصلاتين : الظهر والعصر ، فعرفنا السّرور فى وجهه ، قال جابر : فما نزل بى أمر قطّ إلّا توخّيت تلك السّاعة من ذلك اليوم ، فدعوت ، فعرفت الإجابة».

٤٠