مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

موفق الدين بن عثمان

مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

المؤلف:

موفق الدين بن عثمان


المحقق: محمّد فتحي أبو بكر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار المصريّة اللبنانيّة
الطبعة: ١
ISBN: 977-270-182-0
الصفحات: ٧٨٣

«كافور» أمير مصر [رحمه الله](١) يجتهد فى أن يأذن له فى زيارته ، فيأبى ، فهجم عليه مرّة وهو متنكّر ، فلما عرفه عرض عليه قبول ألف دينار ، فأبى ، فسأله أن يفرقها على المستحقين ، فلم يفعل ، فقال له : ألك حاجة؟ فقال له : حاجتى ألّا تأتينى بعد اليوم. فخرج من عنده باكيا ولم يعد إليه.

* * *

وبجواره (٢) قبر أبى بكر محمد بن الإمام ، توفى سنة تسع وأربعين (٣) ، وهو بالقرب من قبر ابن الوشاء.

وبجانبه قبر هبة الله بن مسافر ، توفى سنة أربع (٤) وثمانين وأربعمائة ، وهو ملاصق لقبر أبيه.

وهناك قبر مسنّم به رجل من علماء المالكية الفضلاء النبلاء ، المتبحرين فى مذهب مالك ، رضى الله عنهم.

وبالقرب منه قبر بكّار بن محمد بن أحمد المعافرى ، توفى ـ رحمه الله تعالى ـ سنة ستّ (٥) وثلاثين ، وقبره غربّى قبر الفقاعى ، وكان رجلا صالحا متعبدا ، سمع وحدّث ، وإليه ينسب المسجد المعروف بدويرة بكار ، على يمين الخارج من درب سالم بالقرافة (٦).

قبر الشيخ عتبة الزاهد الواعظ (٧) :

[هو] أبو عبد الله [محمد بن عبد الله] بن سعد (٨) ، رحمة الله

__________________

(١) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٢) من هنا إلى قوله : «درب سالم بالقرافة» عن «م» وساقط من «ص».

(٣) فى «م» : «تسعة وأربعين» هكذا. ولم أقف عليه.

(٤) فى «م» : «أربعة».

(٥) فى «م» : «ستة».

(٦) فى «م» : «يوم القرافة». وإلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٧) هكذا العنوان فى «م» .. وفى «ص» : «الزاهد الواعظ عتبة».

(٨) ما بين المعقوفتين عن «م». وفى الكواكب السيارة ص ١٣١ اسمه : أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مسعود.

٣٢١

عليه ، كان يتكلم على الناس ، وله مجلس يجلس فيه للوعظ بجامع مصر. وذكر أبو عبد الله محمد بن عبد الله المالكى أنه كان يجلس فى جامع مصر قبل دخول المعزّ إلى الديار المصرية. قال أبو عبد الله : حدّثنى من أثق به قال : كنت فى مجلسه فوعظ الناس ، فأبكى العيون ، وطابت القلوب ، قثم قال : «يا أهل مصر ، تظهرون المناكر ، وتعمل (١) نساؤكم الخبائث ، هذا عتبة راحل عنكم ، ويستعمل عليكم بعده ثلاث : جوع ، وطاعون ، وسيف الرّوافض» (٢). قال الذي حدثنى : والله ما حضر الميعاد الآخر (٣) إلّا وقد مات [الشيخ](٤) وحلّ بهم من بعده كلّ ما قاله ، وعاينت (٥) جميع ذلك.

ومات عتبة الزاهد رحمه الله تعالى سنة ثلاث (٦) وخمسين وثلاثمائة ، وهو الذي غسّل الفقاعى (٧).

* * *

وهناك (٨) أيضا حجرة تعرف بابن شاس ، وتربة اللّوّان بجوار تربة القابسى ، فيها الرجل الصالح النصراباذى ، وأبو العباس أحمد الطرطوشى ، وأبو القاسم (٩) عبد الرحمن بن الحسن اللواز العدل ، توفى سنة سبعة عشر وثلاثمائة (١٠).

__________________

(١) فى «م» : «وتعلمت» وفى «ص» : «ويعملن». وما أثبتناه عن المصدر السابق.

(٢) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «وسيف وكلّ بكم ، سيف الروافض» وفى الكواكب السيارة : «وسوف يحل بكم سيف الروافض».

(٣) فى «ص» : «الأخير».

(٤) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٥) فى «ص» : «وعاينته».

(٦) فى «م» : «ثلاثة».

(٧) هكذا فى «ص» والكواكب السيارة .. وفى «م» : «ابن الفقاعى».

(٨) من هنا إلى نهاية الفقرة عن «م» وساقط من «ص».

(٩) فى «م» : «وأبى العباس .. وأبى القاسم».

(١٠) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

٣٢٢

قبر الشيخ أبى عبد الله محمد بن جابار الصوفى الزاهد :

هو من مشايخ أبى الحسن بن الفقاعى ، رحمة الله عليه (١). كان من كبار مشايخ الصوفية ، قرأت فى كتاب المسبّحى : حدّثنى ابن الدّاية كاتب القمنى (٢) قال : حدثنى أبو الحسن البغدادى ، قال : وردت إلى مصر مع والدى وأنا صبّى دون البلوغ ، فى أيام «كافور» ، وكان أبو بكر المحلى يتولى نفقات مصالحه وخواص خدمه ، وقد استبيحت (٣) بينه وبين أبى مودّة ، وكان يزوره ويصله ، قال : فجاءه ذات يوم فأطال عنده المكث ، وتحدّثا ، وتذكّرا أخبار «كافور» وطريقته وما هو عليه من الخشوع ، فقال أبو بكر (٤) لأبى ـ وأنا أسمع هذا : الأستاذ «كافور» له فى كل عيد أضحى عادة ، وهى (٥) أن يسلّم إلى أبى بغلة محمّلة ذهبا وورقا (٦) ، وجريدة تتضمّن أسماء قوم من حدّ القرافة إلى «المنامة» وما بينهما ، ويمضى مع صاحب الشّرطة ، ونقيب يعرف المنازل ، فأطوف من بعد العشاء الآخرة إلى آخر الليل ، حتى أسلّم ذلك إلى من جعل له (٧) وذكر اسمه فى الجريدة ، فأطرق المنازل والزوايا على الرجال والنساء (٨) ، فإذا خرج إنسان أقول له : الأستاذ أبو المسك «كافور» يهنّيك (٩) بعيدك ويقول لك : اصرف هذا فى منفعتك (١٠) ، ثم أدفع إليه

__________________

(١) فى «ص» : «شيخ الفقاعى رحمه الله تعالى». [وانظر الكواكب السيارة ص ١٢٧ ـ ١٢٩].

(٢) فى «ص» : «القمى» تصحيف.

(٣) أى : صارت مباحة. وفى «ص» : «انتسجت».

(٤) فى «م» : «أبى بكر».

(٥) فى «م» : «فى كل يوم عيد أضحى عادة ، وهو ..».

(٦) الورق : الفضة.

(٧) فى «م» : «من رسم له بشىء».

(٨) فى «ص» : «فأطرق منزل كل إنسان ما بين رجل وامرأة».

(٩) فى «م» : «يوصيك» تصحيف.

(١٠) فى «م» : «فى نفقتك».

٣٢٣

ما جعل له ، فلما كان فى هذا العيد (١) فعل كما جرت عليه العادة (٢) ، وزاد فى الجريدة الشيخ أبا عبد الله بن جابار مائة دينار ، فأنفقت المال فى أربابه ، حتى لم يبق إلّا الصّرّة ، فجعلتها فى كمّى وسرت مع النقيب حتى أتينا إلى منزل الشيخ (٣) بظاهر القرافة ، فقال لى النقيب : هذه (٤) داره ، فطرقت الباب ، فنزل إلينا شيخ عليه أثر السّهر لم ينم ، فسلّمت عليه ، فلم يردّ علىّ السلام وقال : ما حاجتك؟ فقلت : الأستاذ أبو المسك «كافور» (٥) يخص الشيخ بالسّلام. فقال : والى بلدنا؟ قلت : نعم. قال : [عليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته](٦) حفظه الله ، يعلم أننى أدعو له فى الخلوات ، وإدبار الصلوات وللمسلمين بما الله سامعه ويستجيبه [إن شاء الله تعالى] .. قلت : وقد أنفد معى هذه الصّرّة ، وهو يسألك قبولها فى مؤنة هذا العيد المبارك. فقال : نحن رعيته ، ونحن نحبّه فى الله تعالى ، [وما نفعل هذا بعلّة](٧) فراجعته القول ، فتبيّن لى الضّجر فى وجهه ، والقلق والتلهف ، فاستحييت من الله تعالى أن أقطعه عمّا هو فيه ، فتركته وانصرفت ، فجئت إلى دار الأمير ، فوجدته (٨) قد تهيأ للركوب وهو ينتظرنى ، فلمّا رآنى (٩) تهلّل وجهه وقال : هيه يا أبا بكر! فقلت له : أرجو أن يستجيب الله فيك كلّ دعوة صالحة دعيت لك فى هذه الليلة ، وفى هذا اليوم الشريف. فقال : الحمد لله الذي جعلنى سببا لإيصال

__________________

(١) فى «م» : «فى العيد الذي مضى».

(٢) فى «ص» : «كما جريت على العادة».

(٣) فى «ص» : «إلى منزله».

(٤) فى «ص» : «هاهنا».

(٥) «كافور» عن «ص».

(٦) ما بين المعقوفتين عن «م» : «ولم يرد فى «ص» فى الموضعين.

(٧) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٨) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «فجئت فوجدت الأمير.

(٩) فى «م» : «فلمّا نظرنى».

٣٢٤

الرّاحة إلى عياله. ثم قال : يا أبا بكر ، أنت مبارك. فأخبرته بامتناع ابن جابار ، فقال : نعم ، هو جديد لم تجر بيننا وبينه معاملة قبل هذا الوقت ، ثم قال لى : عد إليه ، واركب دابّة من دوابّ النّوبة ، فلست أشك ما لقيت دابتك فى هذه الليلة من التعب ، ثم امض إليه واطرق بابه ، فإذا نزل إليك فإنّه سيقول لك : ألم تكن عندنا؟ فلا تردّ عليه جوابا ، ثم استفتح واقرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى * الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى * لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى)(١).

يا بن جابار ، يقولك «كافور» العبد الأسود : ومن كافور؟ ومن مولاه؟

وهل من الخلق بقى لأحد مع الله تعالى ملك أو شركة؟ تلاشى الناس كلهم ، هاهنا تدرى من معطيك ، وعلى من رددت ، أنت ما سألت ، هو أرسل إليك ، يا بن جابار ، ما تفرّق بين السّبب والمسبّب؟

قال أبو بكر : فركبت وسرت ، وطرقت منزله ، فنزل إلىّ فقال : ألم تكن السّاعة عندنا (٢)؟ فأضربت عن الجواب ، ثم قرأت (٣) «طه» إلى قوله تعالى : (وَما تَحْتَ الثَّرى) ، وقلت له ما قال كافور. فبكى ابن جابار وقال : أين ما حملت؟ فأخرجت له الصّرّة فأخذها ، وقال : «علّمنا الأستاذ كيف التّصوّف ، قل له : أحسن الله جزاءك». قال : ثم سلّمت عليه وعدت إلى كافور (٤) فأخبرته بذلك ، فسرّ ، ثم سجد شكرا لله تعالى وقال : الحمد لله الذي جعلنى سببا لإيصال الراحة إلى عباده. ثم ركب حينئذ.

__________________

(١) الآيات من ١ ـ ٦ من سورة طه.

(٢) فى «ص» : «فقال لى مثل لفظ كافور».

(٣) فى «ص» : «ثم ابتدأت فقرأت».

(٤) فى «ص» : «فعدت إليه».

٣٢٥

وتوفى ابن جابار فى سنة اثنتين (١) وستين وثلاثمائة.

وبجواره قبر الكندى ، كان رجلا صالحا ، عالما ، زاهدا ، من المؤرخين (٢).

* * *

وبالقرب من قبر الفقاعى قبر «الياسمينى» ، يقال : إنه كان من الصالحين ، ولا تزال روائح الياسمين عليه ، ويوجد الياسمين عند قبره فى بعض الأوقات (٣).

وتمضى وأنت مستقبل الشرق على اليمين ، تجد تربة فيها قبر الأهوازىّ ، يقال : إنه ملك الأهواز ، فتركها عن قدرة ، ورحل إلى مصر ، وصار واعظا (٤) ، وكان من أهل القرآن ، وقرأ عليه جماعة.

وبجانب ظاهر التربة ممّا يلى القبلة تربة فيها فاطمة الموصلية الصالحة ، رحمها الله تعالى ، يتبرك بها.

ثم تخرج منها إلى الشرق (٥) على اليسار ، تجد تربة واسعة ، بها قبر السيدة التّائبة مقدمة رباط الخواص.

* * *

وتخرج مبحّر التربة تجد قبرا يقال إنه لابن تميم الدّارىّ ، ثم منه إلى قبر «السّكّرىّ» ، وهو من أهل الكرم وفعل الخير ، قيل : إن السّلطان فى زمانه طرح سكّرا على السّكّريين فلم يجدوا ثمنه ، فأخذه ووزن ثمنه عنهم ، وجعله فى مخازنه ، إلى أن جاءت سنة فيها وباء عظيم ، فطلب السّكّر فباعه بمال جزيل ، فلما حصل المال عنده أحضر السّكّريّين الذين لم يقدروا على ثمنه وقال : اعلموا أنّ هذا المال الذي وزنته عنكم فى ثمن السكر هو قرض منّى لكم. ثم قسم

__________________

(١) فى «م» و «ص» : «سنة اثنين» لا تصح.

(٢) فى «ص» : «من أهل التاريخ».

(٣) فى «م» : «وتوجد عند قبره زهرة الياسمين».

(٤) فى «ص» : «وبلغ من أمره أنه كان واعظا».

(٥) فى «م» : «تخرج من الشرق».

٣٢٦

الربح بينهم. وقيل : كان يتصدّق فى الجمعة بطرحة سكّر ، كان يقبل لنفسه ستة أيام ، ويتصدّق باليوم السابع ، فجاءت طرحة السّكّر الذي للصّدقة كثيرة ، فقال له الصّنّاع : هى كثيرة. فقال : دعوها وتصدّقوا بها.

* * *

وتخرج من التربة وأنت مبحّر تجد على يسارك قبر صاحب القنديل ، يتبرّك بزيارته. يحكى أنه يرى فى كل وقت فى اللّيالى المظلمة على قبره قنديل يقد (١) ، يرى من بعيد ، فإذا تقرّبت منه لم تجد شيئا (٢).

قبر الشيخ عبد العزيز الخوارزمى (٣) :

ومنه إلى قبر الشيخ عبد العزيز الخوارزمى ، يكنى أبا محمد ، رحمه الله تعالى ، قال الراوى : حدّثنى من أثق به قال : مرضت مرضة أشرفت منها على الموت ، فرأيت فى منامى قائلا (٤) يقول لى : توسّل إلى الله تعالى عند عبد العزيز الخوارزمى ، فحملت نفسى ومضيت إليه ، ودعوت الله تعالى عند قبره ، فكشف عنى ما كنت أجده ، وعوفيت من مرضى.

وقيل : إنّ الأفضل ابن أمير الجيوش كان إذا نزلت (٥) به نازلة يجيء إلى قبره ماشيا ، ويدعو الله تعالى عنده ، فيجد بركة الدعاء بزيارته. وله فضائل كثيرة.

توفى عبد العزيز الخوارزمى (٦) ـ رحمه الله ـ سنة إحدى وأربعمائة.

__________________

(١) يقد : ينير.

(٢) فى «م» : «لم يجد الناظر شيئا».

(٣) العنوان من عندنا.

(٤) فى «ص» : «كأنّ قائلا».

(٥) فى «م» : «نزل».

(٦) «الخوارزمى» عن «ص».

٣٢٧

قبر الشيخ شرف الدين بن الخشّاب (١) :

وتمشى وأنت مبحّر تجد قبر الشيخ شرف الدين بن الحسن يحيى بن علىّ المقرئ ، المعروف بابن الخشّاب. كان من كبار القرّاء والفضلاء ، وانتهت إليه رياسة الإقراء بمصر ، وسمع الكثير [من الحديث](٢) ، وحدّث عن جماعة من العلماء والفضلاء والمحدّثين ، وله روايات كثيرة.

وبجانبه إلى القبلة قبر سفيان النيدىّ ، كان يعمل «النيدة» ويتصدّق بأول قدرة منها (٣) ويبيع الباقى ، وكان من أهل الخير ، رحمه الله تعالى.

قبر القاضى المفضل بن فضالة (٤) :

ثم من قبره إلى قبر القاضى المفضل بن فضالة ، رحمه الله. حدّث عن أبيه وجدّه ، وكان يجتهد فى العبادة ، ويكنى أبا معاوية ، وتوفى سنة إحدى وثمانين ومائة ، وكان قاضيا بمصر ، وكان من أهل الدين والورع ، مجاب الدعاء (٥) ، مجتهدا فى العبادة ، وكان صائما بطول السنة لا يفطر إلّا فى العيدين (٦) وأيام التشريق ، وكان يلبس الصوف على جسده ، ويلبس القطن والكتان ظاهرا (٧)

__________________

(١) العنوان من عندنا.

(٢) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٣) فى «ص» : «بالقدر الأولى».

(٤) هو القاضى المفضل بن فضالة بن عبيد بن ثمامة بن مزيد بن نوف الرعينى القتبانى ، أبو معاوية المصرى. روى عن يزيد بن أبى حبيب ، ومحمد بن عجلان ، وعبد الله بن عياش القتبانى وغيرهم.

[انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٢٧٣ و ٢٧٤ ، والولاة والقضاة ص ٣٧٧ ـ ٣٨٢ وص ٣٨٤ ـ ٣٨٧].

(٥) فى «م» : «الدعوة».

(٦) فى «ص» : «وكان لا يفطر فى السنة إلّا فى العيدين».

(٧) فى «ص» : «بما يلى جسده ، وظاهره لباس القطن والكتان».

٣٢٨

وقيل : إنه كان يقضى بين الجن والإنس. ونظر يوما إلى مصروع فى الطريق ، فوقف عليه وقال للجنّيّة التى صرعته : ويحك ، اتركيه! فقالت : يا مولاى ، إنه يبغض أبا بكر وعمر. فقال لها : زيديه عذابا ، خزاه الله. وابنه (١) فضاله ، روى عنه ، وتوفى سنة ست وعشرين ومائتين. وابن ابنه مفضل بن فضالة روى عن أبيه وجده (٢) ، وتوفى لعشر خلون من رجب سنة اثنتين وخمسين (٣) ومائتين. والعامة يظنون أنه المفضل القاضى. وقيل : إن أباه وجدّه مدفونان معه فى تربته.

قبر صاحب الدّار ، رحمه الله :

قيل إنه بنى دارا حسنة وأحسن بناءها فلما فرغت جلس على بابها ، فعبر عليه ذو النون المصرى ، رضى الله عنه ، فقال له : أيها المغرور ، اللّاهى عن دار البقاء والسرور ، كيف لا تعمر دارا عند مولاك فى دار الأمان؟ دار لا يضيق فيها المكان ، ولا ينزع منه السّكّان ، ولا تزعجها حوادث ، الزمان ، ولا تحتاج إلى بنّاء وطيّان ، ويجمع هذه الدار حدود أربعة (٤) : الحد الأول ينتهى إلى منازل الراغبين (٥) ، والثانى (٦) ينتهى إلى منازل الخائفين المحزونين ،

__________________

(١) فى «ص» : «وأبوه» تحريف. وفى تهذيب التهذيب : روى عنه ابنه فضالة ، والوليد بن مسلم ، وحسان بن عبد الله الواسطى ، وأبو الأسود النضر بن عبد الجبار وغيرهم.

(٢) فى «م» : «روى عنه وعن أبيه».

(٣) فى «م» : «ستة وخمسين». وما أثبتناه هنا عن «ص» وهو مطابق لما ورد فى ترجمة المفضل بن فضالة بن المفضل بن فضالة المصرى (الحفيد) ، فى تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٢٧٥ ، وقد روى ـ كما هو مذكور ـ عن أبيه وعن جده ، وذكره ابن حبّان فى الثقات.

(٤) فى «م» : «أربع».

(٥) فى «ص» : «أفراحين» تحريف.

(٦) فى «ص» : «والحد الثانى».

٣٢٩

والثالث (١) ينتهى إلى منازل المحبين ، والرابع (٢) ينتهى إلى منازل الصابرين ، ويشرع لهذه الدار شارع إلى خيام مضروبة ، وقباب منصوبة على شاطىء أنهار الجنان ، فى ميادين قد أشرقت ، وغرف قد رفعت ، فيها سرر قد نصبت ، عليها فرش قد نضّدت ، فيها أنهار وكثبان مسك وزعفران ، قد عاينوا (٣) خيرات حسان ، وترجمة كتابها : هذا ما اشتراه العبد المحبور (٤) من الرّبّ الغفور ، اشترى منه هذه الدار بالتّنقل من ذلّ المعصية إلى عزّ الطّاعة ، فما على هذا المشترى فيما اشتراه من درك سوى نقض العهود ، وحل العقود ، والغفلة عن المعبود ، وشهد على ذلك البيان ، وما نطق به فى محكم القرآن (٥) ، قال الملك الدّيّان : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)(٦).

وتحتوى هذه الدار على الحور الحسان ، فلو نظرت وقد برزن من قصور الدّرّ والزّبرجد والعقيان ، وقد خطرن فى أرض المسك والزّعفران ، فكل واحدة منهن تنادى بصوت حسن رخيم (٧) : من يخطبنى فى الظّلام من الحىّ القيوم الذي لا ينام ، بجوار من لا يموت ، وبقدرة من لا يفوت.

ثم تقول إذا اجتمعا : سألتك بالذى جمع (٨) بينى وبينك فى غبطة وسرور ، هل نقص (٩) مولاك شيئا مما ضمن لك؟ فيقول : لا.

__________________

(١) فى «ص» : «والحد الثالث».

(٢) فى «ص» : «والحد الرابع».

(٣) فى «ص» : «عانقوا».

(٤) المحبور : المسرور.

(٥) فى «م» : «ما نطق فى محكم القرآن».

(٦) سورة التوبة ـ من الآية ١١١.

(٧) فى «ص» : «فهى تنادى بصوت رخيم».

(٨) فى «ص» : «ثم تقول : بالذى جمع ...».

(٩) فى «ص» : «نقصك».

٣٣٠

فباعها منه ، واشترى هذه الدار ، وكتب كتابها ، فلما مات جعل على صدره فى لحده ، فوجد مكتوبا فى كفنه : قد وفينا ما ضمن عبدنا ذو النون ، والسلام.

قبر أبى بكر القمنى (١) :

ثم تخرج إلى الشرق إلى قبر أبى بكر القمنى ، واسمه عبد الملك بن الحسين القمنى ، ووجد أنه كان يكنى أبا القاسم (٢) وهذا بخلاف ما هو مكتوب على قبره ، والله أعلم. توفى فى ذى الحجة سنة اثنتين (٣) وثلاثين وأربعمائة.

قد لزم بيته فلم يخرج منه عشرين سنة ، وكان قد شهد مشاهد الطالبيين (٤). ويقال : إنه من السبعة الأبدال. وكان قد ولى القضاء ، فمرّ فى البلد يوما (٥) فوجد قوما قد عملوا فرحا وهم يضحكون ، ومرّ بقوم آخرين وهم يبكون على ميت مات عندهم وقد عملوا جنازة ، فقال : ما أحكم بين هؤلاء ، أصحاب الجنازة سخطوا من قضاء الله (٦) ، وأصحاب الفرح أمنوا مكر الله. ثم مضى وتركهم.

__________________

(١) العنوان عن «ص». وهو الإمام الفقيه العالم أبو بكر محمد المعروف بالقمنى ، أحد قضاة مصر ، ذكره القضاعى فى تاريخه وقال : اسمه عبد الملك. وقال ابن ميسر فى تاريخه : وجدت فى نسخة من خط ابن خيرة ، أنّ رجلا من أكابر حفاظ مصر أخبره أنه لم يزل يرى العلماء يقفون عند قبر القمنى ويجعلون صلة بن أشيم أمامهم ، وسالما العفيف عن يمينهم ، وأبا الحسن الصائغ عن شمالهم ، ويدعون ، فيستجاب لهم.

[انظر الكواكب السيارة ص ١٢٠ و ١٢١ وغيرهما من الصفحات].

(٢) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «واسمه عبد الملك بن الحسن ، فى النسخة المنقول منها ، وقد كنى بأبى القاسم عبد الملك».

(٣) فى «م» و «ص» : «اثنين».

(٤) فى «م» : «شهد الطالبيين» وفى «ص» : «شهد مشهد الطالبيين». وما أثبتناه عن الكواكب السيارة.

(٥) «يوما» عن «ص».

(٦) فى «ص» : «ما رضوا بقضاء الله».

٣٣١

وقيل : إنّ ابن الجوهرىّ لمّا دعى إلى القتل فى أيّام الأفضل [ابن أمير الجيوش سلطان مصر ، بسبب القضية المتقدم ذكرها](١) استجار بقبر أبى بكر القمنى ، ودعا الله تعالى عنده (٢) ، ففرّج الله عنه ، وكفاه أمره (٣).

وقيل : إنّ القضاعى رحمه الله ، كان يحثّ على زيارة قبور سبعة من الصلحاء بهذه الجبانة (٤) ، فيقول : من كانت له حاجة إلى الله سبحانه وتعالى : فعليه بقبر أبى الحسن الدينورى ، وعبد الصمد البغدادى ، وإسماعيل المزنى ، وبكّار بن قتيبة ، والمفضّل بن فضالة ، وأبى بكر القمنى ، وذى النون المصرى ، رحمة الله عليهم أجمعين.

قبر سالم العفيف (٥) :

ثم منه إلى قبر سالم العفيف ، رحمه الله تعالى ، له كرامات ، قيل : إن رجلا رآه (٦) فى المنام فقال : أنا أعجب ممن يزورنى ولا يدعو الله عندى ، ويسأل الله حاجته (٧)!

وقيل : إن رجلا جاءه فى حياته وهو قلق ، فقال له : مالك (٨)؟.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

(٢) فى «م» : «وسأل الله عنده».

(٣) فى «م» : «وكفاه شرّ الظّلمة».

(٤) فى «ص» : «كان يحثّ على زيارة سبعة قبور ، هذا منهم» وأضاف بعد ذلك : «وجاءه ـ أى القضاعى ـ رجل فشكا إليه أمرا نزل به ، فقال : عليك بسبعة قبور فى هذه الجبانة ، سل الله تعالى عندهم تقض حاجتك ، وهم ...» وذكر أسماءهم ، وستأتى.

(٥) العنوان عن «ص».

(٦) فى «م» : «زاره».

(٧) فى «ص» : «ويسأله حاجته».

(٨) قوله : «فقال له : مالك؟» عن «ص» وساقط من «م».

٣٣٢

فقال له : يا سيدى ، ضاع لى دفتر حساب ، وأنا كاتب عند رجل ، أمير ، ظالم ، وهو لا يرحمنى (١) وقد دلّونى عليك أن تدعو الله سبحانه وتعالى ، عساه أن يجمعنى عليه (٢). فقال له : امض إلى سوق الحلاويين وأتنى برطل من الحلاوة (٣) حتى أدعو لك. فمضى الرجل إلى دكّان رجل حلاوىّ ، فاشترى منه رطلا من الحلاوة (٤) ، ثم أخذ الحلاوىّ ورقة يريد أن يضع فيها الحلاوة ، فوجدها الرجل من دفتره ، فقال للحلاوىّ : من أين لك هذه الورقة؟

فقال : منذ ساعة اشتريت دفترا ، وما شددت فى شىء منه إلّا لك. فأخذ الرجل دفتره ، ودفع للحلاوىّ ثمن الدفتر والحلاوة ، ثم جاء بالحلاوة إلى الشيخ [سالم العفيف](٥) فقال بمجرد وقوع بصره عليه : اذهب بهذه الحلاوة إلى أطفالك ، ما كان قصدى إلّا أن ترى دفترك ، امض راشدا (٦)!.

قبر الشيخ الكحّال (٧) :

وتخرج من هذه التربة وأنت مستقبل القبلة ، تجد قبر الشيخ الكحّال ، رحمة الله عليه ، كان رجلا صالحا ، ذكر من بعض كراماته أنّ من رمد وجاء إلى قبره ، وقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» ومسح على عينيه (٨) عشر مرّات من تراب القبر ، برىء بإذن الله عزّ وجلّ ، وذلك يكون مع الإخلاص وصدق النّيّة ، فإنه نافع مجرّب ، ذكر جماعة أنهم جربوه فوجدوا عليه الشفاء (٩).

__________________

(١) فى «ص» : «وأنا رجل كاتب عند أمير لا يرحمنى».

(٢) فى «ص» : «أن تدعو الله لى عسى أن أجده».

(٣) فى «ص» : «اشتر لى رطل حلاوة وأتنى به».

(٤) فى «ص» : «فاشترى الحلاوة».

(٥) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٦) قوله : «امض راشدا» عن «م». وفى «ص» : «ما كان مقصودى إلّا أن تجد دفترك».

(٧) العنوان من عندنا.

(٨) فى «ص» : «ويحسن ظنه ويمسح على عينيه ..».

(٩) قوله : «فإنه نافع ...» إلى هنا ، عن «ص» وساقط من «م».

٣٣٣

قبر الشيخ صلة أبى الصّهباء بن أشيم العدوى (١) :

أحد زهّاد الدنيا ، وهو رجل عتق من النار ، وتكفّل لمن يزوره أن يعتق من النار إن شاء الله تعالى ببركته ، ذكر بالإسناد عن النبي صلّى الله عليه وسلم ، أنه قال : «يكون فى أمّتى رجل يقال له صلة بن أشيم يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا».

قال (٢) ثابت البنانيّ : كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبّانة فيتعبّد ، وكان يمر على شباب يلهون ويلعبون ، فيقول لهم : أخبرونى عن قوم أرادوا سفرا ، فجازوا النهار عن الطريق ، وباتوا الليل ، متى يقطعون سفرهم؟ قال : وكان يقول ذلك (٣) كلما مرّ بهم ، فمرّ بهم ذات يوم فقال لهم هذه المقالة ، فقال شابّ منهم : يا قوم ، ما يعنى هذا غيرنا ، فنحن بالنهار نلهو ، وبالليل ننام ، ثم تبع صلة بن أشيم ، فلم يزل يختلف معه إلى الجبّانة يتعبد معه حتى مات (٤).

ولمّا أهديت معاذة إلى صلة بن أشيم أدخله ابن أخيه الحمّام ، ثم أدخله بيتا مطيّبا ، فقام فصلى (٥) من أول الليل إلى آخره ، حتى طلع الفجر ، وكانت

__________________

(١) هذا غير صحيح ، وهذا القبر المشار إليه هو قبر صلة بن المؤمل ، أحد رجال الحديث ، ذكره جماعة من الحفاظ ، وكان زاهدا ورعا ، رضى الله عنه ، وقيل : إنه صلة بن مؤمل البغدادى ، وهو الأصح.

أمّا صلة بن أشيم فقد ذكر الحافظ أبو نعيم فى الحلية ، والإمام أبو الفرج فى كتاب صفوة الصفوة ، وغيرهما من أرباب التاريخ أن صلة بن أشيم قتل فى العراق هو وولده ، وقد قال لولده : تقدّم حتى أحتسبك عند الله تعالى ، فتقدم فقاتل حتى قتل ، ثم تقدم صلة فقائل حتى قتل ، فاجتمع النساء عند زوجته معاذة العدوية رضى الله عنها ، فقالت : إن كنتن جئتن تبشّرننى فمرحبا بكنّ ، وإن كنتن جئتن لغير ذلك ، فانصرفن عنى. فما رؤى أصبر منها.

[انظر الكواكب السيارة ص ١١٨ و ١١٩ ، وحلية الأولياء ج ٢ ص ٢٣٧ ـ ٢٤٢].

(٢) من هنا إلى قوله : «حتى مات» عن «م» وساقط من «ص».

(٣) فى «م» : «يقول من تلك» أى : من تلك المقالة.

(٤) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٥) فى «م» : «فقام يصلى».

٣٣٤

معاذة تصلى أيضا إلى الفجر ، فلمّا أتاه ابن أخيه قال : يا عم ، أهديت إليك ابنة عمّك فقمت وتركتها؟! فقال : يا بن أخى ، أدخلتنى أمس بيتا ذكّرتنى به الجنّة ، وأدخلتنى بيتا ذكّرتنى به النار (١) ، فما زال فكرى فيهما حتى أصبحت.

وقالت معاذة زوجته : ما كان صلة يجيء من مسجد بيته إلى فراشه إلّا حبوا (٢) ، لا يفتر عن الصلاة.

وروى جعفر بن يزيد العبدرى (٣) عن أبيه ، قال : خرجنا فى غزوة إلى «كابل» وفى الجيش صلة بن أشيم ، فنزل الناس عند العتمة (٤) ، فقلت : لأنظرنّ إلى عمله الليلة وأتحقق بما يذكر الناس [عنه من عبادته ، فرأيته صلى العتمة ثم أضحى والتمس غفلة الناس](٥) حتى إذا هدأت العيون وثب فدخل غيضة قريبة (٦) منه ، فدخلت فى إثره ، فتوضّأ ، ثم قام يصلى ، فجاء أسد فدنا منه ، وصعدت أنا إلى شجرة ، فما التفت ولا ارتاع من الأسد ، فلما سجد قلت : الآن يفترسه الأسد ، ثم جلس فسلّم ، ثم التفت وقال : أيها السبع ، اطلب الرزق من مكان آخر. فولّى ، وإنّ له زئيرا يكاد أن يتصدع الجبل منه ، وما زال كذلك يصلى إلى الصبح ، فجلس (٧) وحمد الله تعالى بمحامد لم أسمع بمثلها ، ثم قال : «اللهم إنى أسألك أن تجيرنى من النار ، فليس مثلى (٨)

__________________

(١) يريد بالجنة : البيت المطيّب ، وبالنار : الحمّام.

(٢) أى : زحفا من الإعياء.

(٣) فى «م» : «العبدى».

(٤) هكذا فى «م» وفى الحلية .. وفى «ص» والكواكب السيارة : «عند العقبة» والعتمة : الليل ، مرّت قطعة منه.

(٥) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

(٦) فى «ص» : «قريبا». والغيضة : الموضع الذي يكثر فيه الشجر ويلتف.

(٧) فى «ص» : «حتى إذا كان عند الصبح جلس».

(٨) فى «ص» : «فما مثلى».

٣٣٥

يجترئ أن يسألك الجنة». ثم أصبح كأنه بات على الحشايا ، وأصبحت وبى من الفترة (١) ما الله عالم به ، فلما دنونا من أرض العدو قال الأمير (٢) : لا يشدّنّ أحد من العسكر. فوقف يصلى ، فذهبت بغلته بثقلها ، [فقلت له : إنّ الناس قد ذهبوا ، فقال : ما بقى إلّا ركعتين خفيفتين. فقلت : وقد ذهبت البغلة]. فقام فصلّى ركعتين ثم قال : اللهم إنى أقسمت عليك [بحرمتك](٣) إلّا رددت علىّ بغلتى وثقلها. قال : فلم يشعر إلّا والبغلة قد جاءت فوقفت بين يديه ، فحمل هو وهشام بن عامر ، فلم يزالا يضربان فى العدوّ ويقتلان ، فانكسر العدوّ ، وقالوا : إنّ رجلين من العرب قاتلونا قتالا عظيما ـ يعنيان هشاما وصلة بن أشيم ـ فكيف لو قاتلوا (٤)؟ فأعطوا المسلمين حاجتهم ، فسمعنا قائلا يقول : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ، وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(٥).

وروى الحسن قال : مات أخ لنا ، فلمّا وضع فى قبره ومدّ عليه الثّوب (٦) جاء (٧) صلة بن أشيم فأخذ بجانبى الثوب ، ثم نادى يا فلان :

فإن تنج منها تنج من ذى عظيمة

وإلّا فإنّى لا أخالك ناجيا

ومات صلة بن أشيم رضى الله عنه فى سنة خمس (٨) وتسعين. وقال قائل : فى أول إمرة الحجاج ، وأهل مصر متفقون على أنه مات بمصر ودفن بمقبرتها (٩) ، وقبره ظاهر ، معروف بالإجابة.

__________________

(١) الفترة : الضّعف.

(٢) فى «م» : «قال أمير».

(٣) ما بين المعقوفتين عن «م» فى الموضعين.

(٤) قوله : «فكيف لو قاتلوا؟» عن «م» وساقط من «ص».

(٥) سورة البقرة ـ الآية ٢٠٧.

(٦) فى «م» و «ص» : «ومدّ عليه التراب» وما أثبتناه هنا عن الحلية.

(٧) فى «م» : «جاءه».

(٨) فى «م» : «خمسة».

(٩) يقول ابن الزيات فى الكواكب السيارة : إن هذا ليس بصحيح ، ولم يثبت هذا عند أحد من المصريين. وانظر ص ٣٣٤ ـ الهامش رقم ١.

٣٣٦

قبر أبى الحسن البلخى الواعظ (١) :

تخرج من تربتة مستقبل الشرق ، تجد قبر الشيخ أبى الحسن البلخى الواعظ ، رحمه الله ، كان واعظا ، ديّنا ، ورعا ، كثير الصلاة على رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم.

قيل : إنّ رجلا رأى النّبيّ ، صلّى الله عليه وسلم ، وهو يزور قبره. وقيل (٢) : إنه وعظ يوما فبالغ فى الوعظ ، فقال : والله ، لو سمع كلامى هذا العمود حقّ سماعه لانفطر (٣) ، فانفطر العمود فى الوقف (٤).

قبر الواعظ الواسطى ، رحمه الله (٥) :

كان رجلا واعظا ، بليغا ، تقيّا.

قبر الشيخ أبى الحسن الصّايغ ، رحمة الله عليه (٦) :

كان رجلا صالحا (٧) ، وليّا ، ويقال : إنه كان صايغا للنبى ، صلّى الله عليه وسلم ،

__________________

(١) العنوان من عندنا. وانظر المصدر السابق ص ١١٨.

(٢) من هنا إلى نهاية الترجمة عن «م» وساقط من «ص».

(٣) انفطر : تشقق وتصدّع.

(٤) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٥) هو محمد بن الحسين الواعظ الواسطى ، ذكر ابن الزيات أنه توفى سنة ٥٠١ ه‍. [انظر المصدر السابق ص ١١٨].

(٦) هذا القبر المعروف بالصائغ كتب عليه العوام : «صائغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم» ، وقال ابن الزيات : «وهذا غير صحيح ، والصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، اتخذ خاتما ، وأمر أن يكتب عليه «لا إله إلّا الله» ولم تذكر العلماء من صاغه ، ولم تذكر له وفاة بمصر ، لأنه لم يدخل مع الصحابة فى فتحها من اسمه الصائغ. وقال صاحب المصباح : إن هذا القبر قبر عبد الله بن عبد العزيز بن مروان ، صاحب المسجد بمصر. وقد أشار المؤلف هنا أن هذه الأشياء تؤخذ بحسن النية ، فإن كان الرجل ليس فى هذا القبر فالزيارة تصل إليه أينما كان. والله أعلم». [انظر المصدر السابق ص ١١٧].

(٧) من قوله : «كان رجلا صالحا» إلى آخر الفقرة ، عن «م» وساقط من «ص».

٣٣٧

فدفع إليه خاتمه ليصوغه له ، وقال له : اكتب عليه «لا إله إلا الله». ففعل ما أمره به ، ثم جاء به إلى النبي صلّى الله عليه وسلم ، فدفعه إليه ، فقال لعلّى بن أبى طالب : اقرأ ما عليه. فقرأ ، فوجد عليه مكتوبا «لا إله إلّا الله ، محمد رسول الله» فقال له : ما هذا؟ فقال : والله يا رسول الله ما كتبت إلّا ما أمرتنى به. فسمع مناديا ينادى : يا محمد ، كتبت أحبّ الأشياء إليك ، وكتبنا أحبّ الأشياء إلينا (١).

ومن الناس من يقول : ما هو «الصايغ» المذكور. وهذه الأشياء تؤخذ (٢) بحسن النّيّة ، فإن كان الشخص ما هو فى القبر فالزيارة تصل إليه أينما كان ، وما زار الناس هذا القبر سدى (٣) ، ولا بد أن يكون فيه رجل صالح.

ويحكى أنّ من وجد مرضا فى ظهره ، أو فى أىّ موضع آخر (٤) ، وجاء إلى قبر هذا الرّجل وأخذ من ترابه ومسح به ذلك الموضع عوفى [من ذلك الوجع](٥) ببركة من كان بالقبر مدفونا.

قبر الشيخ ذى النون العدل ـ أى الفيض ـ الإخميمى ، رحمه الله (٦) :

كان من التّالين لكتاب الله تعالى ، وسمع الحديث ، وحدّث عن الشيخ أبى إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبّال وجماعة ، وروى عنه أبو الحسن على بن يحيى المقرئ بسنده إلى إبراهيم بن أدهم ، رضى الله عنه ، أنه قال : حدّثت عن

__________________

(١) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٢) فى «ص» : «توجد».

(٣) فى «ص» : «وما هذا القبر سدى» وسقط من الجملة قوله : «زار الناس» سهوا من الناسخ.

(٤) فى «م» : «فى أى موضع كان».

(٥) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٦) هو ذو النون العدل ابن نجا الإخميمى ، عابد مصر ، وليس هو بذى النون المصرى ، قال ابن الضّراب فى تاريخه : كان ذو النون الإخميمى من الزّهّاد العبّاد ، يقتات بدرهم فى الشهر ، وكان قد

٣٣٨

بعض العبّاد (١) أنه قام ذات ليلة يصلى على شاطىء البحر ، إذ سمع صوتا عاليا بالتسبيح ولم ير أحدا ، فقال : من أنت ـ يرحمك الله؟ أسمع صوتك ولا أرى شخصك! فقال : أنا ملك من ملائكة الله تعالى ، موكّل بهذا البحر ، أسبّح الله تعالى بهذا التسبيح منذ خلقت .. فقلت (٢) : ما اسمك؟ فقال : «مهياييل» (٣). فقلت : ما لمن يقول هذا التسبيح من الثواب؟ قال (٤) : لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له.

وهذا هو التسبيح (٥) : «سبحان الله العليّ الدّيّان ، سبحان الله الشديد الأركان ، سبحان من يذهب باللّيل (٦) ويأتى بالنّهار ، سبحان من لا يشغله شأن عن شأن ، سبحان الحنّان المنّان ، سبحان الله فى كل مكان» (٧).

قبر القضاعى ـ رحمه الله (٨) :

ثم تمشى من تربته إلى تربة كبيرة على شاطىء الخندق (٩) بها قبر

__________________

نحل من العبادة ، وكان يقول : رض نفسك بالجوع تظهر لك مقامات الكشف. وقال صاحب المصباح : قال ذو النون الإخميمى : لقيت أربعين وليّا ، كلّ منهم يقول : إنما وصلت إلى درجة الولاية بالعزلة.

[انظر الكواكب السيارة ص ١١٦ و ١١٧].

(١) فى «ص» : «الزّهّاد العبّاد».

(٢) فى «م» : «قال : فقلت».

(٣) فى «ص» : «مهلاييل».

(٤) فى «ص» : «قال : من قاله مائه مرة».

(٥) فى «ص» : «وهذا التسبيح».

(٦) فى «ص» : «من يأتى باللّيل ويذهب بالنهار».

(٧) فى «ص» : «سبحان الذي هو فى كل مكان».

(٨) العنوان من عندنا. [وانظر ترجمة القضاعى محمد بن سلامة فى حسن المحاضرة ج ١ ص ٤٠٣ و ٤٠٤ ، وفى الكواكب السيارة ص ١١٦ ، ووفيات الأعيان ج ٤ ص ٢١٢ و ٢١٣ ، والأعلام ج ٦ ص ١٤٦ ، وطبقات الشافعية للسبكى ج ٤ ص ١٥٠ و ١٥١].

(٩) فى «ص» : «على اليسار من الخندق تربة كبيرة على طرف الخندق».

٣٣٩

القضاعى ، رحمه الله. وهو القاضى أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن على القضاعى ، قاضى مصر ، وشهرته تغنى عن الإطناب فى وصفه ، له مصنفات كثيرة مفيدة ، منها كتابه الكبير فى تفسير القرآن العزيز ، وهو قريب من عشرين مجلدا ، وكتاب الشهاب ، وكتاب دستور الحكم فى كلام علىّ (١) ، رضى الله عنه ، وكتاب الأعداد ، وكتاب الأنباء ، وكتاب الخطط ، وخرّج معجما لشيوخه الذين روى عنهم ، وحدّث ، وجمع (٢) ، وألّف. ووصل إلى الحجاز والشام والقسطنطينيّة ، وسمع الحديث بمكة ، قال ذات يوم : قيل لبعض الحكماء : كيف حالك؟ فقال : كيف حال من يفنى بفنائه ، ويسقم بسلامته ، ويؤتى من منامه؟.

وتوفى القضاعى سنة أربع (٣) وخمسين وأربعمائة ، وقبره على ظاهر الخندق ـ كما ذكر ـ قال إبراهيم الحبّال : وإلى جانبه قبر ولده. ترجع إلى الشرق تستقبل مدفن بنى اللهيب على شاطىء الخندق (٤).

قبر الشيخ أبى إسحاق إبراهيم :

الذي كان يصلى خلفه (٥) المالكية بالجامع العتيق بمصر. كان رجلا صالحا (٦) من أهل الخير ، وكان يصلى فى الجامع المذكور (٧) فى أيام المصريين.

ولمّا حملت (٨) جنازته جاءت طيور بيض ورفرفت على نعشه.

__________________

(١) فى «م» : «على كلام علىّ».

(٢) قوله : «وجمع» عن «ص».

(٣) فى «م» : «أربعة».

(٤) من قوله : «قال إبراهيم» إلى هنا ، عن «م» وساقط من «ص».

(٥) فى «م» : «يصلى فى حلقة».

(٦) قوله : «صالحا» عن «م».

(٧) فى «م» : «العتيق».

(٨) من قوله : «ولمّا حملت» إلى قوله : «بجامع الفيلة» عن «م» وساقط من «ص».

٣٤٠