مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

موفق الدين بن عثمان

مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

المؤلف:

موفق الدين بن عثمان


المحقق: محمّد فتحي أبو بكر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار المصريّة اللبنانيّة
الطبعة: ١
ISBN: 977-270-182-0
الصفحات: ٧٨٣

وكانت ولادته ـ أى الخلعى ـ فى شهر المحرم الحرام سنة ٤٠٥ ه‍.

[والخلعى] : بكسر الخاء ، [وهذه النسبة](١) لأنه كان يبيع الخلع فى مصر لملوكها. والله أعلم (٢).

وولده مدفون إلى جانبه [رحمهما الله تعالى](٣).

قبر الشيخ أبى عبد الله بن المسبح (٤) :

وإلى جانبه من القبلة (٥) قبر الشيخ أبى عبد الله محمد بن الشيخ محمد ابن المسبح الفضى (٦) المقرئ ، انتهت إليه رياسة الإقراء (٧) بمصر فى زمانه بعد الشيخ أبى الحسين يحيى (٨) بن الفرج الخشاب. قرأ على عدّة مشايخ (٩) ، وسمع الحديث على جماعة من الفضلاء. توفى ـ رحمه الله ـ سنة أربع وعشرين وخمسمائة.

قبور سماسرة الخير (١٠) :

ويقابله من الشرق على اليسار تربة فيها قبور سماسرة الخير الأنماطيين.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين عن المصدر السابق ـ فى الموضعين.

(٢) ما سبق عن «م» ولم يرد فى «ص» بهذه الصورة.

(٣) فى «م» : «وولداه مدفنون» وما بين المعقوفتين عن «ص».

(٤) العنوان من عندنا.

(٥) فى «م» : «وإلى جانب قبره».

(٦) فى «ص» : «ابن الشيخ المعروف بالفضى».

(٧) فى «م» : «القراء».

(٨) فى «م» : «حسن بن يحيى». [انظر ترجمته فى حسن المحاضرة ج ١ ص ٤٩٤].

(٩) فى «م» : «عدة من المشايخ».

(١٠) العنوان من عندنا. والسماسرة جمع سمسار ، ويطلق على الوسيط بين البائع والمشترى لتسهيل الصفقة. (فارسىّ معرّب).

٢٨١

قيل إنّ امرأة جاءت إلى أحدهم. وهو جالس فى حانوته ، وهى تبكى ، ومعها خمسة دنانير قد أخذتها صداق ابنتها ، فقال لها : ما هذا البكاء؟ هذا يوم فرح ما هو يوم بكاء. فقالت : والله يا شيخ لقد تحيرت فى أمرى. فقال لها : والله وأنا كذلك ، وبكى ، فقالت له : أنا حائرة فى بقية جهازها (١) ، فدفع إليها ما تحتاج إليه من الجهاز ، وردّ عليها الخمسة دنانير وقال : أنفقيها عليها. فلما أرادت القيام قال لها : بالله عليك إذا فرحت ابنتك قولى لها تدعو للشيخ الحائر فى أمره أن يدلّ الله حيرته. فلما مات رآه جماعة فى المنام ، فقالوا (٢) له : ما فعل الله بك؟ فقال : أوقفنى بين يديه وقال : يا شيخ ، قد دللت حيرتك كما دللت حيرة اليتيمة.

وتستقبل الغرب خارجا عن التربة ، قاصدا إلى تربة الوزير الجرجانى ، قبل وصولك إليها تجد قبر أبى نصر سراج المعافرى الزاهد ، رحمه الله تعالى ، توفى سنة أربعة عشرة وثلاثمائة ، وكان رجلا صالحا مجاب الدعوة ، ومسجده مشهور بعقبة سراج [عند دويرة بكار ، على يمين الخارج من درب سالم ، وقبره قبلى مصلى التجار ، بعد مجاوزة تربة الوزير أبى القاسم على بن أحمد ، ملاصق لقبر أبى سعد المالينى ، وهما قبران مبنيان ، مسنمان ، ومعهما فى الحجرة قبر أبى الفتح الفرغانى الصوفى ، عنده محراب مبلط بكدان ، وكان رجلا زاهدا ، عليه ثياب خلقة ، واجتهدوا أن يخلع ذلك الذي عليه من الثياب ويلبس ثيابا ترضى ، فأبى ، إلى أن مات على ما كان عليه](٣).

ومقابل قبر سراج الدين على اليسار قبر الشاب التائب رحمه الله ، وقدّامه

__________________

(١) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «شوارها» وهى بمعنى الجهاز أيضا.

(٢) فى «م» : «فقال» لا تصح.

(٣) ما بين المعقوفتين عن «م» ولم يرد فى «ص».

٢٨٢

قبلة ، الدعاء فيها مستجاب (١) ذكر بعض الصالحين أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام وهو يصلى فيها ويدعو.

وإلى جانبه جوسق ابن ميسّر حاج الدين محمد بن على المصرى ، وولده عز الدين أحمد ، من المؤرّخين المصريّين.

قبر ابن بابشاذ النحوى (٢) :

وعنده قبر الشيخ أبى الحسن طاهر بن بابشاذ (٣) النحوى ، صاحب المقدمة المشهورة فى النحو ، وشرحها له فى مجلّدين. سمع الحديث ، وأدرك المشايخ الفضلاء ، روى بسنده عن ابن عمر ، رضى الله عنهما ، أن رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، كان يدعو ويقول : «اللهم إنى أعوذ بك [من علم لا ينفع ، ودعاء لا يسمع ، وقلب لا يخشع ، ونفس لا تشبع ، اللهم إنى أعوذ بك](٤) من هؤلاء الأربع» وفى رواية : أعوذ بك من شر هؤلاء الأربع (٥).

توفى طاهر بن بابشاذ سنة تسع وستين وأربعمائة (٦) ، وكان قد وقع من سطح الجامع العتيق بمصر ، فمات لوقته ، وسبب وقوعه فيما ذكر عنه أنه أخذ يقرأ ختمة ويتدبر معانيها وأحكامها ، فأقام على ذلك سبع عشرة سنة (٧) ، وبلغ فى القراءة إلى سورة «ألهاكم التكاثر» فأخذ يقرؤها حرفا حرفا ويتدبرها ، وهو طالع من سلم السطح الذي للجامع العمرى ، فوقع من السلم فمات لوقته ، رحمه الله تعالى.

__________________

(١) فى «م» : «والمحراب الذي عند قبر أبى الفتح الفرغانى ، الدعاء به مستجاب».

(٢) العنوان من عندنا.

(٣) فى «م» : «أبو الحسن ظاهر بن بابشاد» فيه تصحيف والصواب ما أثبتناه [انظر ترجمته فى حسن المحاضرة ج ١ ص ٥٣٢ ، وإشارة التعيين ص ١٥١].

(٤) ما بين المعقوفتين عن «ص» وسقط من «م» سهوا من الناسخ.

(٥) قوله : «وفى رواية ...» إلى هنا عن «م».

(٦) فى «م» و «ص» : «توفى سنة ٤٠٩» والتصويب من المصادر السابقة.

(٧) فى «ص» : «سبع وعشرون سنة» وفى «م» : «سبع عشر سنة» وكلاهما خطأ ، والصواب ما أثبتناه لغة.

٢٨٣

قبور شيوخ المعافر (١) :

وجانبه إلى القبلة (٢) قبور شيوخ المعافر ، رحمة الله عليهم ، وما يخفى على الناس بلههم فيما يختص بأمور الدنيا ، وحذقهم فيما يختص بأمور الآخرة ، قيل : إن خليفة من الخلفاء (٣) أخبر عنهم بشدة بلههم فى أمر الدنيا ، فأرسل إليهم فقال : أريد قرضا (٤) ألف دينار. فلما جاء الرسول إليهم قالوا : لا نقدر على ألف دينار ، ونحن ندفع ما نقدر عليه. فجمعوا ألوفا (٥) كثيرة وقالوا للرسول : قل له : والله ما قدرنا (٦) إلّا على هذا ، وما وصلت (٧) قدرتنا إلى ألف دينار. فلما جاءه الرسول ومعه المال وأخبره بقصتهم وما جرى له معهم تعجّب ، وردّ عليهم المال وشكرهم وأثنى عليهم ، وتعجّب منهم ومن بلههم وقال : والله ما قصدت إلّا الاطلاع على بلههم وقلّة خبرتهم بالدنيا.

قبر الوزير أبى القاسم الجرجانى (٨) :

وفى حومتهم أبو نصر الزاهد ، وبجانبه إلى الغرب تربة فيها قبر أبى القاسم الوزير ، وبجانبه أبو سعيد المالينى وأبو الفتح الصوفى ، وقدّامهم جوسق تحته قبر البسطامى ، وبجانبه قبور بنى تاشفين ملك المغرب (٩) ، وقدامهم قبر الجرجانى (١٠)

__________________

(١) العنوان من عندنا.

(٢) فى «م» : «القبة».

(٣) هو الخليفة المأمون.

(٤) فى «م» و «ص» : «قرض».

(٥) فى «م» : «ألوف» خطأ لغوى.

(٦) فى «م» : «ما نقدر».

(٧) قوله «وصلت» عن «ص».

(٨) العنوان من عندنا ، وما هنا عن «ص» وهو مضطرب السياق فى «م».

(٩) فى «م» و «ص» : «ملك الغرب».

(١٠) فى الوفيات وحسن المحاضرة : «الجرجرائى».

٢٨٤

أبى القاسم على بن أحمد الوزير ، قيل إنه أقام وزيرا ستين سنة على ثلاث خلفاء ، وكان يتولى بعض الدواوين بمصر (١) ، وإن قافلة فى أيامه جازت على «منوف» (٢) من الإسكندرية فقطع عليهم الطريق ، فوقف الإسكندرانيون لوالى «المحلة» ، فقال لهم : ليس لى حكم على «منوف» لأنها جهة الخليفة ، ولكن امضوا إلى الخليفة بالقاهرة. وكان الخليفة يومئذ (٣) الحاكم بأمر الله ابن العزيز ، فقدموا للديار المصرية ، فوجدوا الحاكم ـ فى يوم دخولهم المدينة ـ راكبا على حمار ، فوقفوا له ، فقال : ما تريدون (٤)؟ فأخبروه ، فقال : لم لا وقفتم لوالى «المحلة»؟ فقالوا : قد وقفنا له (٥) وقال إنه لا حكم له على الناحية لأنها لجهة الخليفة. فقال لهم : ومن دفع «منوف» إلى الجهة؟ امضوا إلى غد حتى أكشف عن هذه القضية (٦).

فمضى إلى قصره وقال للجهة : من الذي حكّمك على «منوف»؟ فقالت له : توقيعك. فقال : وأين توقيعى؟ فأحضرته إليه ، فنظر إلى علامته فشك (٧) فيها وقال : ما هذا خطّى. ونظر إلى خط الوزير علىّ بن أحمد الجرجانى تحتها ، فأحضره وقال : هذا خطّك؟ قال : نعم. فحنق عليه للوقت وقال : اقطعوا يده التى كتب بها. فأخرج يده اليسرى من كمّه الأيمن ، فقطعت. فقال (٨) الواسطة السّرّ أنه لم يخرج يده اليمنى ، وإنما أخرج يده اليسرى ، فنظرها الحاكم وقال : تقطع يده اليمنى الساعة! فقطعت.

__________________

(١) فى هذا الموضع فى «م» : «وقطع الحاكم يده» وستأتى بعد قليل.

[وانظر وفيات الأعيان ج ٣ ص ٤٠٧ و ٤٠٨ ترجمة الظاهر العبيدى].

(٢) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «منف» فى كل المواضع.

(٣) فى «م» : «إذ ذاك».

(٤) فى «م» : «ما تريدوا؟» خطأ ، وهو ساقط من «ص».

(٥) فى «م» : «به».

(٦) فى «ص» : «القصة».

(٧) فى «م» : «فكشف».

(٨) أى : فأفشى.

٢٨٥

ونفى ، فبقى (١) ما شاء الله تعالى إلى أن افتكره الحاكم ذات يوم ، فأمر بإحضاره ، فحضر ، فقال : من دفع لك التوقيع ذلك اليوم؟ فقال : أستاذك ، وقال لى : هذه علامة الحاكم ، فما اتهمته (٢) لما أعلم من قربه منك ، فعلّمت تحتها. فقال : هل تعرف (٣) الأستاذ؟ قال نعم. فأحضر بين يديه جميع الأستاذين (٤) ، فأخرجه من بينهم وقال : هذا هو. فقال للأستاذ : أنت دفعت التوقيع للوزير؟ قال : نعم. قال : من دفعه لك؟ قال : كاتب الجهة ، وسيّرنى على رسالتك إلى الوزير. فأمر بقتلهم ، وأمر بردّ الوزير إلى وزارته ، واعتذر إليه ، فأقام بعد ذلك عشرين سنة فى الوزارة ، وكان إذا أراد أن يكتب يربط القلم فى يده ويكتب (٥).

وفى بعض التعاليق أنه لمّا قطعت يداه جاء إلى باب الديوان فرفسه (٦) برجله وقال : إنّ أمير المؤمنين أدّبنى وما صرفنى. فقيل لأمير المؤمنين ذلك ، فقال : يعاد إلى منصبه. ولم يصرفه ، والله أعلم.

* * *

ثم ترجع إلى مسجد الفتح ، يقال : إنه أول مسجد أسّس عند فتوح مصر ، والدعاء فيه مستجاب.

[ومسجد الفتح بناه سيف الإسلام يانس الرومى ، وزير مصر ، وسمّى بالفتح. فى موضعه انهزم الروم بقصر الشمع. قدّ (٧) للزّبير بن العوام ،

__________________

(١) فى «م» : «فأقام».

(٢) فى «م» : «فما تهمته».

(٣) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «نعم» وهى تصحيف من «تعلم».

(٤) هكذا فى «م» و «ص» وهى صواب.

(٥) إلى هنا انتهى ما قيل عن الجرجانى فى «ص». وكرر فى «م» بعض الجمل التى ذكرت من قبل ، لم نثبتها لتكرارها ، وما سيأتى بعد ذلك عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٦) فى «م» : «فرفصه» بالصاد ، خطأ.

(٧) قدّ : قطع.

٢٨٦

والمقداد بن الأسود ، ومن معهم ، من أمير المؤمنين عمر ، لأمير مصر عمرو ابن العاص ، رضى الله عنهم أجمعين](١).

وهو محراب لطيف مكين ، قد ترى على هيئته ، وبنى عليه جامع ، وجعل (٢) هو منفردا بذاته فى جانبه الشرقى ، وكان معبدا للشيخ الصامت (٣) العسقلانى ، وهو مدفون قبالة هذا المسجد إلى القبلة. وكان ـ رحمه الله ـ قليل الكلام ، كثير قراءة القرآن ، يتعبّد فى هذا المسجد إلى أن مات ـ رحمه الله تعالى.

* * *

وتمشى وأنت مشرّق تجد قبر الناطق ، وعند رأسه قبر الحفّار ـ رحمه الله.

قيل : لمّا أراد هذا الحفّار أن ينزل الناطق فى قبره ، سمعه الحفّار وهو يقول : (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ)(٤) ، فلما سمع الحفّار ذلك لزم العبادة والصلاة والصيام والزهد ، والتقنّع بالقليل ، ولم يزل على ذلك إلى أن مات ـ رحمه الله ـ ودفن (٥) فى هذا الموضع.

وبجانبهما (٦) تربة فيها قبر الفقيه عمر المقدسى ـ رحمه الله ـ كان متصدّرا لقراءة القرآن بمصر بالجامع العتيق ، وهو فى مسجد الهيثم ، سئل أن يكون شاهدا أو شارفا (٧) ، فأبى. وقدّام التربة من القبلة قبر عبود العابد ـ وقيل : عتود العابد ـ وأخوة على العابد ، رحمه الله.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٢) فى «م» : «دخيل» مكان «وجعل». تحريف من الناسخ.

(٣) فى «م» : «وكان معبد الشيخ الصالح».

(٤) سورة المؤمنون ـ الآية ٢٩.

(٥) فى «م» : «ودفع» تصحيف.

(٦) فى «م» : «وبجانبهم».

(٧) فى «م» : «أو مشارف».

٢٨٧

وتمشى وأنت مستقبل الشرق تجد قبرين ، أحدهما بجانب الآخر الذي يلى القبلة ، قيل : إنه ابن البرادعى ، وكان رجلا عابدا.

قبر صاحب الكرمة (١) :

والذي يلى البحر (٢) قبر صاحب الكرمة ، قيل : إن رجلا رأى فى النوم كأن تلك البقعة كلها أشجار وأنهار وكروم ، فوقف يتعجب ، وإذا بصاحب هذا القبر قد قام من قبره وقال : مثل ما عندكم من فوق هكذا ، عندنا من أسفل ، أما سمعت قوله ، صلّى الله عليه وسلم : «قبر المؤمن روضة من رياض الجنة»؟ فلما أصبح كتب على القبر «صاحب الكرمة».

قبر القفصى ـ رحمه الله (٣) :

وبجانبه قبر القفصى ، والقفصى ـ رحمه الله تعالى ـ كان يصلى بمسجد الزبير بمصر ، وكان رجلا متزهّدا ، أرسل إليه ابن ميسّر خمسين (٤) دينارا فأبى أن يقبلها وقال : القليل يكفينا ومالنا بالكثير حاجة (٥). وجاء من المغرب (٦) إلى الحج ، ورجع من الحج إلى مصر ، فأقام بمسجد الزبير عشرين سنة ، فقيل له : ألا ترجع إلى المغرب؟ فقال : إن والدى كان قاضيا فأخاف أن يقال لى : كن موضع أبيك.

__________________

(١) العنوان من عندنا.

(٢) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «البحرى».

(٣) العنوان عن «ص».

(٤) فى «م» و «ص» : «خمسون» خطأ ، والصواب ما أثبتناه.

(٥) من قوله : «وما لنا بالكثير حاجة» إلى قوله : «عوتبت من أجلك» عن «م» وساقط من «ص».

(٦) فى «م» : «الغرب» فى الموضعين.

٢٨٨

وكان جملة ما عليه من الثياب لا يزيد ثمنه على تسعة عشر درهما. وقيل : جاءه رجل فقبّل ركبته وقال له : حبس أخى على قطن رضى عليه ، ولم يكن معى ثمنه ، ودلّونى عليك ، وأريد أن تكتب رقعة إلى الموفق القاضى. فقال : قاضى السماوات أقرب إلينا من قاضى الأرض ، جعل الله لأخيك من كل همّ فرجا ومخرجا. فقنع الرجل منه بهذا ، ومضى ، فلما كان فى وقت المغرب جاء الرجل إلى المسجد وهو يضحك ، فقال له : ما وراءك؟ فقال : تخلّص أخى ، وهو فى البيت. فقال : كيف كان خلاصه؟ قال : لمّا خرجت من بين يديك سيّر الموفق خلفى ، وقال : ظهر لى أنّ أخاك (١) ما بيده شىء ، خذ معك رسولا إلى الحبس وأخرج المحبوس ، ولا تدفع للرسول شيئا. فقلت : بدعاء الفقيه جعل الله لأخى فرجا ومخرجا.

وسيّر (٢) رجل إليه شابّا من الأجناد كان يفعل فى جواره مالا يحب ، فقال له : من هتك عورات المسلمين هتكه الله وعجّل أخذه. فلما كان مثل ذلك اليوم خرجت جنازة الشاب.

وجاءه رجل مغربى بزّاز فقال : لى فى جوارى شريف تكلمت أنا وإيّاه بشىء ، فقال لى : أنت تسبّ علّى بن أبى طالب ، واستعان علّى بأشراف معه ، وما لى بهم طاقة. فقال له : «الله يقلّب القلوب والأبصار» ، فلما كان الصباح من اليوم الثانى جاءه الشريف وصالحه وقال : «عوتبت من أجلك!» (٣).

قبر الزعفرانى :

يقابله (٤) على شاطىء الخندق قبر «محمد» ، كان من عقلاء

__________________

(١) فى «م» : «أن أخيك» خطأ ، والصواب ما أثبتناه.

(٢) فى «م» : «قبر» مكان «سيّر» تحريف.

(٣) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٤) فى «ص» : «قبالته» والعنوان السابق من عندنا.

٢٨٩

المجاذيب (١) ، رحمه الله تعالى. وبجانبه قبر «الزعفرانى» ـ رحمة الله عليه ـ يقال : إنه كان من الصالحين. وقف على قصّاب يشترى (٢) لحما ، فاستهزأ به القصّاب بعد أن ولّى ، فانقبضت يده (٣) ولم يقدر أن يقطع بها شيئا ، فسعى خلفه حتى لحقه وقبّل يده وقال : يا سيدى ، أدع الله لى (٤) ولا تؤاخذنى. فدعا له ، ففرّج الله عنه.

قبر المهمهم (٥) :

وقدّامه من الغرب قبر «المهمهم» رحمة الله عليه ، كان يمشى يهمهم (٦) ، فتبعه إنسان باللّيل ، فرآه وقد انفتح له الباب المغلق من الجامع (٧) ، فدخل وصلّى فيه ، ثم خرج ، فانغلق الباب ، فقال له الذي كان يمشى معه : ما تقول! فقال : ما يكفيك سكوت الكلاب وفتح الأبواب!.

قبر القصّار والعصافيرى (٩) :

ثم تستقبل البحر (٨) تجد على يسارك قبر «القصّار» رحمه الله تعالى ، كان إذا أذّن المؤذّن للصلاة والمرزبّة (١٠) على كتفه رماها من وراء ظهره ويصلّى.

__________________

(١) فى «ص» : «من عقلاء المجانين» وانظر ص ٢٧٩ ـ الهامش رقم (١).

(٢) فى «ص» : «يشترى منه».

(٣) فى «ص» : «أصابعه».

(٤) فى «ص» : «ادعى لى».

(٥) العنوان من عندنا.

(٦) فى «م» : «وهو مهمهم» أى : يتكلم كلاما خفيّا.

(٧) فى «م» : «أفتح له باب الجامع وكان مغلوقا».

(٩) العنوان من عندنا.

(٨) فى «ص» : «البحرى».

(١٠) المرزبّة : المطرقة الكبيرة يكسر بها الحجارة. والقصّار : المبيّض للثياب ، وكان يهيّأ النّسيج بعد نسجه ببلّه ودقّه بالقصرة ، وهى ما يبقى فى المنخل بعد الانتخال.

٢٩٠

ثم منه إلى قبر «العصافيرى» رحمه الله ، قيل : إنه كان يشترى العصافير ويطلقها ، وقيل : إنه رجع (١) إليه عصفور مرارا فقال له : لا تنس ذكر الله تعالى.

قبر صاحب الوديعة (٢) :

وتستقبل الغرب تجد قبر «صاحب الوديعة» ، رحمه الله تعالى ، قيل : إنه أودع عنده إنسان مالا (٣) فأرسل وراءه أمير البلدة فقال له : أودع فلان عندك ماله؟ قال : نعم. قال : لم لا أتيتنا به (٤)؟ قال : لو أراد صاحبه أن يودعه عندك ما أودعه عندى (٥). قال : صدقت ، اذهب راشدا (٦).

قبر الأنبارى ، رحمه الله تعالى (٧) :

قيل : إنّ رجلا جاءه فى مسجده فقال له : أجرنى. فقال له : ادخل إلى هذا الموضع ، فدخل ، فجاء خصمه فقال له : رأيت رجلا (٨) جاء إليك؟

قال : نعم. قال : وأين مضى؟ فأشار إلى الموضع الذي دخل فيه ، فدخل [الرجل](٩) فلم يجد أحدا ، فخرج فقال : ما وجدنا أحدا ، ومضى ، فلما

__________________

(١) فى «ص» : «ارتد».

(٢) العنوان من عندنا.

(٣) فى «ص» : «أودع مال».

(٤) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «لم أتيتنى به؟» يريد : لم لم تأتنى به» فحرفت.

(٥) فى «م» : «لو أراد صاحبه أن يتركه عندك ما تركه عندى».

(٦) فى «ص» : «قال : صدقت ، اتركه عندك».

(٧) هكذا العنوان فى «ص» .. وفى «م» : «قبر الإمام الأنبارى ، الحافظ المشهور بقوة الحفظ ، رحمة الله عليه».

(٨) فى «ص» : «أحدا».

(٩) ما بين المعقوفتين عن «م».

٢٩١

ذهب خرج الرجل (١) فقال : يا سيدى دللته علىّ (٢)! فقال : من صدق نجا.

* * *

وبجانبه إلى القبلة قبر «المحاملى» رحمة الله عليه ، صاحب التصانيف المشهورة (٣). وبجانبه إلى البحرى قبور الخمسة الأبدال رضى الله عنهم ، وبجانبهم إلى الغرب قبر السبتى رحمه الله تعالى ، يقول الزوار (٤) : إنه ولد هارون الرشيد ، والصحيح أنه مدفون بالعراق ، فيزار هذا بحسن النية ، والأعمال بالنّيّات ، وهذا رجل صالح نشر الله عليه اسم ذلك الرجل ليزار بتلك النية.

قبر الفرّان (٥) :

ثم تمشى إلى الغرب تجد قبر الفران ، قيل : إنه كان من أرباب الطّىّ ، وكان إذا بقى للوقفة يوم يمضى ويحج ، ثم يأتى (٦) ، وكان الحجّاج يأتون ويقولون : كان فلان معنا فى الحج (٧).

ومن بعض فضائله أن امرأة عجوزا (٨) أتته ومعها رغيفان عجين تريد أن تخبزهما ، فلما استويا (٩) وأخرجا من الفرن تنهّدت وبكت [ثم أرادت أن تقوم](١٠) فقال لها : ممّ بكاؤك؟ فقالت : إنّ ولدى بالحجاز. [فقال لها :

__________________

(١) فى «ص» : «ثم خرج الأول» أى : الرجل المختفى.

(٢) فى «ص» : «نممت علىّ».

(٣) قوله : «المشهورة» عن «ص».

(٤) قوله : «يقول الزوار» عن «م».

(٥) العنوان من عندنا.

(٦) فى «ص» : «يحج ويجيء».

(٧) قوله : «فى الحج» عن «م».

(٨) فى «م» و «ص» : «عجوز». والنصب هنا على الوصفية.

(٩) فى «ص» : «فرغا».

(١٠) ما بين المعقوفتين عن «م» وساقط من «ص» فى الموضعين.

٢٩٢

ما اسمه؟ فأخبرته] باسمه ونعته ، وكانت ليلة الوقفة ، وقد وددت لو أكل من هذا الخبز! فقال لها : ألقيهما فى المنديل واتركيهما ، فتركتهما (١) ومضت ، فلما جاء الحجّاج (٢) جاء ولدها ومعه المنديل فقالت : لا إله إلّا الله ، متى جاءك (٣) هذا المنديل؟ فقال لها : ليلة الوقفة ، وفيه رغيفان سخنان (٤).

فشاع ذلك واشتهر ، وهذا ممّا لا ينكر ، فقد اشتهر عن الشيخ أبى الخير الأقطع (٥) التيناتى ، رضى الله عنه ، لمّا ذكر فى مجلسه أرباب الطّىّ وغيرهم ، وتذاكروا مواهب الله تعالى لهم ، تبرّم (٦) الشيخ رحمه الله وقال : كم تقولون (٧) فلان يمشى إلى مكة فى ليلة ، وفلان وفلان ، أنا أعرف عبدا لله تعالى : حبشيّا ، كان جالسا فى جامع طرابلس ، ورأسه فى جيب مرقّعته (٨) ، فخطر له خاطر ، فقال فى سرّه : يا ليتنى كنت فى الحرم. فأخرج رأسه من مرقّعته فإذا هو فى الحرم ، و (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ، وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(٩).

* * *

وتستقبل البحر تجد قبرا كبيرا فيه جماعة من أولاد أبى بكر الصّدّيق (١٠) ، رضى الله عنهم ، وبجانبه البحرى (١١) [قبر ابن حليمة أخى

__________________

(١) فى «م» : «ألقيهم فى المنديل واتركيهم ، فتركتهم».

(٢) فى «ص» : «الحاج» وهى بمعناها.

(٣) فى «ص» : «جاء».

(٤) فى «م» و «ص» : «وفيه رغيفين سخنين» خطأ فى اللغة.

(٥) «الأقطع» عن «م».

(٦) «لهم» عن «م». وفى «م» و «ص» : «فتبرّم».

(٧) فى «م» : «تقولوا».

(٨) المرقّعة : من لباس الصوفية ، سميت بذلك لما فيها من الرقع.

(٩) سورة الحديد ، من الآية ٢١ ، وسورة الجمعة ، الآية الرابعة.

(١٠) فى «ص» : «فيه أولاد أبى بكر الصديق».

(١١) فى «م» : «إلى البحرى» وما بين المعقوفتين بعده عن «ص».

٢٩٣

رضيع رسول الله صلّى الله عليه وسلم] قيل : إنّ قوما شكّوا فيه ، فحفروا عليه فوجدوه كأنه كما دفن ، وهو ملفوف بالبردة ولم يؤثر فيها التراب. ولم تتغير جثته (١) ، فحقّقوا ذلك.

وبجانبه قبر الحبشى ، وكان رجلا صالحا يتبرّك به وبزيارته. وتمشى إلى الغرب تجد قبر رجل صالح ، له حكاية. وقدّامه إلى الغرب قبور «الضّرّاسين» كانو يرقون لوجع الضرس. وبجانبهم إلى الغرب قبور «الشّمّاعين» يقال إنهم كانوا إذا مشوا فى الظلام يرون قدامهم شموعا موقودة لا يعرف من يوقدها (٢).

فإذا وصلوا (٣) إلى مواضعهم طفيت الشّموع ولم يروا أحدا. وعلى اليسار قبر «مبشر الخير» يقال : إنه رئى فى المنام (٤) ، فقيل له : ما فعل الله بك؟ قال : مت سنيّا (٥) ولا تبال.

* * *

ثم تمشى وأنت مبحّر تجد على يسارك قبر «النيسابورى» رحمه الله ، كان رجلا صالحا ، وله قصة عجيبة فى تعديته ، وكان [يمشى](٦) على الماء.

وبجانبه قبر «المؤذّن» ، كان يؤذّن فى جامع مصر ، وكان رجلا صالحا.

قبور بنى غلبون (٧) :

وعلى يمينه تربة فيها قبور بنى غلبون ، وهى أربعة قبور متلاصقة [إخوة](٨) وأختهم العروسة فى قبر آخر رخام ، أحدهم أبو الطيب بن

__________________

(١) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «ولم يؤثر فيه التراب ، ولم يتغير جدّتها».

(٢) فى «م» : «من الذي وقدها».

(٣) فى «ص» : «وصلت».

(٤) فى «ص» : «فى النوم».

(٥) أى : محسنا. وفى «م» و «ص» : «سنى».

(٦) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٧) العنوان من عندنا.

(٨) ما بين المعقوفتين عن «م».

٢٩٤

غلبون ، كان من كبار المحدّثين ، روى بسنده ، قال : لمّا أمر الوليد ببناء مسجد دمشق وجدوا فى الحائط القبلى لوحا من حجر ، فيه كتابة منقوشة (١) ، فأتى به الوليد فبعث به إلى الروم وسألهم ما فيه ، فلم يعرفوا ، فدلّ على وهب ابن منبّه ، فبعث إليه ، فلمّا قدم أحضر إليه (٢) اللّوح ، فإذا هو من بناء هود النبي صلّى الله عليه وسلم ، فلمّا نظر إليه وهب حرّك رأسه وقرأه ، فإذا فيه (٣) : «بسم الله الرحمن الرحيم : ابن آدم ، لو رأيت ما بقى من أجلك لزهدت فى طول ما ترجو من أملك (٤) ، وإنما يلقاك ندمك لو قد زلّت بك قدمك ، وأسلمك أهلك وحشمك ، وانصرف عنك الحبيب ، وودّعك (٥) القريب ، وصرت تدعى فلا تجيب ، فلا أنت فى أهلك عائد ، ولا فى عملك زائد ، فاعمل لنفسك قبل القيامة ، وقبل الحسرة والندامة ، وقبل أن يحضر أجلك وينزع ملك الموت (٦) منك روحك ، فلا ينفعك مال جمعته ، ولا ولد خلّفته (٧) ، ولا أخ تركته ، وتصير (٨) إلى منزل ضيّق لا تجد فيه أخا ولا صديقا (٩) ، فاغتنم الحياة قبل الموت ، والقوة قبل الضعف ، والصحة قبل السقم ، قبل أن تؤخذ بالكظم ، ويحال بينك وبين العمل». وكتب فى زمن سليمان بن داود ، عليهما السلام (١٠).

__________________

(١) فى «ص» : «نقش».

(٢) فى «ص» : «فلما حضر قدم إليه».

(٣) فى «ص» : «فإذا فيه مكتوب».

(٤) فى «م» : «أمتك» تحريف.

(٥) فى «ص» : «ورد عليك» مكان «وودعك».

(٦) فى «م» : «وينزع الموت».

(٧) فى «ص» : «ولدته».

(٨) فى «م» : «وتنزل».

(٩) فى «م» : «ولا صديق» لا تصح.

(١٠) فى «ص» : «على محمد وعليهما السلام».

٢٩٥

وكان أبو الطيب يقول : قال بعض الصّالحين ، رضى الله عنهم : «من خلا بالله أظهره الله لعيون الناس (١) ، ومن خلا له أخفاه الله عن عيون الناس».

وروى عنه أنه قال : «بتّ ليلة من اللّيالى فى أيام أبى حريش (٢) وكان يقول بخلق القرآن ، وأنا متفكّر فى ذلك مهموم لما قد نزل بالناس من الفتنة ، فبينا أنا نائم على فراشى إذا بهاتف قد جاءنى فقال لى : قم ، فقمت ، فقال لى : قل ، قلت : ما أقول؟ قال : قل : لا والذي رفع السماء بلا دعائم للنظر ، فتزيّنت بالسّاطعات اللّامعات وبالقمر ، ما قال خلق فى القرآن بخلقه إلّا كفر ، بل هو كلام منزّل من عند خلّاق البشر.

فلما فرغ قال لى : اكتب ، فمددت يدى إلى كتاب من كتبى وكتبت ، فلما أصبحت ذكرت الرّؤيا ، فمددت يدى إلى طاقة كانت إلى جانبى ، فوجدت خطّى فى كتاب من كتبى بما قال لى الهاتف ، فجلست ولم أخرج إلى الطريق ، فلما علا النهار خرجت إلى حوائجى ، فمشيت قليلا ، فإذا برجل قد قام وسلّم علىّ وقال لى : أخبرنى بالرؤيا التى رأيتها البارحة ، فقلت : من أخبرك بها؟

قال : قد ذاعت بين الناس وتحدّثوا بها ، فأخبرته بها».

وتوفى أبو الطّيّب بن غلبون سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. وقيل : كان أبو الطيب وإخوته الثلاثة يقرءون فى كل يوم ختمة ، فمات أحدهم فقرأ الثلاثة الختمة ، فمات الثانى ، فقرأ الأخوان الختمة ، فمات الأخ الثالث ، فقام الرابع بقراءة الجميع ، ثم توفى الآخر وبقيت أختهم (٣) ، وإنها تزوّجت ، فجاءت ليلة

__________________

(١) قوله : «لعيون الناس» عن «م». وساقط من «ص».

(٢) فى «م» : «حويش» تحريف.

(٣) فى «ص» : «وقيل : كانوا أربعة يقرءون فى كل يوم ختمة ، فلما مات أحدهم كان الثلاثة يقرءون كل يوم ختمة ، فما يرجعون على ذلك حتى ماتوا ، وبقيت أختهم ...».

٢٩٦

دخولها فقالت : «اللهم لا تهتكنى على أحة» ، فماتت لساعتها ، رحمة الله على الجميع.

ويقابل هذه التربة من الجهة البحرية (١) قبر ، يقال إن فيه محمد بن أحمد ، ابن أخت الزبير بن العوّام ، وقيل : ابن بنته ، وكان عاملا على مصر.

قبر الشيخ أبى الفضل بن الجوهرى الواعظ ـ رحمه الله تعالى (٢) :

كان من كبار مشايخ المصريين ، وبيته بيت العلم والعدالة ، وذرّيّته ذرّيّة مباركة ، وكان يعظ الناس فى جامع مصر ، وأقام على ذلك (٣) سنين ، وسمع الحديث الكثير (٤) ، وكان ينشد على كرسى وعظه (٥) ويقول :

خذ كلامى مجرّبا فامتحنه

وبميزان كنه عقلك زنه

طاعة الله خير ما لزم العبد

فكن طائعا ولا تنأ عنه (٦)

ما هلاك النّفوس إلّا المعاصى

فتوقّ الهلاك لا تقربنه (٧)

إنّ شيئا هلاك نفسك فيه

ينبغى أن تصون نفسك عنه (٨)

ومن كلامه : احذر ما فيه هلاك نفسك (٩). صن نفسك عن معاصى الله. ينبغى أن تستحى من الله. كن من الله على حذر. إيّاك أن يراك على ما نهاك فتسقط من عينه.

__________________

(١) فى «ص» : «قبالة هذه التربة من البحرى».

(٢) فى «ص» : «رحمة الله عليه».

(٣) فى «ص» : «لذلك».

(٤) قوله : «وسمع الحديث الكثير» عن «م».

(٥) فى «ص» : «على كرسى الوعظ».

(٦) فى «م» : «فليكن طائعا ولا ينأ عنه».

(٧) هذا البيت ، والبيت الذي يليه ، عن «م» ، ولم يردا فى «ص».

(٨) الشطرة الأولى من البيت فى «م» : «إن شىء هلاك نفسى فيها» فيه تحريف ، والصواب ما أثبتناه.

(٩) هكذا فى «ص» .. وقد وردت هذه الجملة فى «م» محرفة.

٢٩٧

وتوفى ابن الجوهرى سنة ثمانين وأربعمائة (١) ، [ودفن] بجانب قبر والده أبى عبد الله الحسين بن بشرى.

ويقال : إنه جاءه رجل مبتلى ، فقال له : ادع الله تعالى لى. فقال : أنا أدلّك على من يدعو لك ، تمضى إلى البيت المقدس وتحتال إلى أن تبيت فيه ، ولا تنام ، فإذا دخل عشرة يصلّون فيه فقف ، حتى إذا فرغوا من الصلاة وخرجوا ، أمسك العاشر منهم وقل له يدعو لك (٢). ففعل ذلك ، وأمسك [العاشر](٣) وسأله الدعاء ، فدعا له ، فبرئ من ساعته ، وقال له : من دلّك علىّ؟ فقال : الشيخ أبو الفضل الجوهرى. فقال : والله هو الأول ، غمزة بغمزة (٤).

وقيل : إنه قلّ ما بيده ، فجاء إلى ابن قادوس وسأله شيئا (٥) من المال على سبيل القرض ، وكان كثيرا ما يأخذ منه. فقال له ابن قادوس : كم تطلبنى ، انكسرت القواديس؟! فمضى وتركه وهو ضيّق الصّدر ، فلمّا أتى داره قال لغلامه : قد طال شعرى ، وما معنا شىء ندخل به الحمّام وننفقه علينا ، فامض إلى السوق وأتنى بمزيّن يأخذ شعرى (٦). فمضى الغلام وأحضر مزيّنا مغربيّا ، فلما وصل إلى الدار قال : هذه دار من؟ قال : دار ابن الجوهرىّ ، الشيخ أبى الفضل (٧). فقال المغربى : والله إنّ هذا لعجب! معى رسالة إليه ونفقة

__________________

(١) فى «م» : «سنة سبعة وأربعين» خطأ ، والصواب ما أثبتناه. وما بين المعقوفتين ـ بعده ـ غير واضح.

(٢) فى «م» : «وسله الدعاء».

(٣) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٤) فى «ص» : «غمازة بغمازة».

(٥) فى «م» : «وسأله فى شىء». وفى «ص» : «يطلب منه شيئا».

(٦) فى «ص» : «من شعرى». والمزين : الحلاق.

(٧) فى «ص» : «دار الشيخ أبى الفضل بن الجوهرى».

٢٩٨

من أرض المغرب (١). فلما دخل المزيّن قال له : إنى مرسل إليك بنفقة من المغرب. فقال هاتها ، أنا أبو الفضل بن الجوهرى. فدفع إليه ثلاثمائة دينار ، ثم أخذ شعره ومضى. فأخذ أبو الفضل المال (٢) ومضى إلى ابن قادوس وقال : ما تكسرت القواديس ولا أصابهم شىء.

وذكرت (٣) زوجته ـ وكانت من الصالحات (٤) ـ قالت (٥) : جرى بينى وبينه مرّة كلام (٦) ، فغضب وغضبت ، وتهاجرنا ليالى (٧) ، فلما كان فى بعض الليالى (٨) رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يقول : لا تشغلى قلب ولىّ الله تعالى : [ورأى هو أيضا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يقول له : لا تشغل وليّة الله تعالى](٩). فلما أصبح جاء إلى عندى (١٠) ، ففتحت الباب وقلت (١١) : والله جاءنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل أن يجيء إليك.

وكان يعظ الناس فى جامع مصر وينصر مذهب السّنّة ، فوشى به واش إلى أمير الجيوش [بدر الجمالى](١٢) فأمر أن يجاء (١٣) به إلى القاهرة بعنف ،

__________________

(١) فى «ص» : «معى رسالة إليه من المغرب ونفقة».

(٢) فى «ص» : «فأخذ أبو الفضل الثلاثمائة دينار».

(٣) فى «م» : «وذكر أن».

(٤) فى «ص» : «من الصالحين».

(٥) فى «م» : «قال». لا تصح.

(٦) فى «م» : «كلاما» خطأ. والصواب بالرفع.

(٧) فى «م» : «لياليا» لا تصح ، فهى ممنوعة من الصرف.

(٨) فى «ص» : «فى بعضها».

(٩) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

(١٠) فى «ص» : «إلى عندها».

(١١) فى «ص» : «وقالت».

(١٢) ما بين المعقوفتين عن «م».

(١٣) فى «ص» : «يطلع».

٢٩٩

فحضروا وقالوا : قد أمر السلطان بطلوعك إلى القاهرة بعنف ، ولكن لا بأس عليك. فقال لهم : اطلعوا بى من القرافة لئلّا يقوم (١) العوام عليكم. فطلعوا به منها ، فزار الصّالحين ، وزار من جملتهم أبا بكر القمنى ، وتحسّب (٢) ، وجاء إلى قبر والده وقال : يا أبت ، جلست فى جامع مصر ونصرت السّنّة ، فرفع أمرى (٣) إلى أمير الجيوش ، فأمر بحضورى ، وما أدرى ما يراد بى. ثم بكى ودعا وتوسّل ، ثم سار معهم إلى أن وقف بين يدى أمير الجيوش ، فسلّم عليه (٤) ، فردّ عليه [السلام] وأكرمه ، وقال له : يا سيدى ، يا أبا الفضل (٥) ، لا ترجع تعظ فى الجامع ، اجلس فى الزيادة. فقال له من كان حاضرا : يا أمير الجيوش (٦) ، إنّا رأيناك على حالة من أمر الجوهرىّ ، فلما حضر بين يديك زالت تلك الحالة بغيرها. فقال : إنى رأيت فى الهواء إنسانا يقول لى : إذا آذيت (٧) ولىّ الله قتلناك. قال : فترك سيدى أبو الفضل الجلوس فى الجامع وجلس فى الزيادة (٨) ، وقال : حفظ الله السلطان ، نقلنا إلى الزيادة من النقصان.

ووعظ وزاد أمره ، وصار يتكلم وينصر السّنّة ، وينكر على من خالفه ، فأخبر الخليفة به وبما ينكر على من يخالف مذهب السّنّة ، فاستحضره الخليفة ، فلما حضر وجده جالسا على سرير فى القصر ، فلما رآه أكرمه وقرّبه وقال : يا شيخ أبو الفضل (٩) ، أريد أن تعمل فى وقتك بيتين من الشعر ، فقال له :

__________________

(١) فى «م» : «تقوم».

(٢) تحسّب : قال : حسبى الله ونعم الوكيل.

(٣) فى «ص» : «فرفعت نمضى ..».

(٤) فى «ص» : «عليهم». وما بين المعقوفتين ـ بعده ـ عن «م».

(٥) فى «ص» : «يا شيخ أبو الفضل».

(٦) فى «م» : «من كان حاضر (بالرفع) عند أمير الجيوش ..» والصواب ما أثبتناه.

(٧) فى «ص» : «إن آذيت».

(٨) فى «ص» : «فنزل ابن الجوهرى وجلس فى الزيارة».

(٩) فى «م» : «يا سيدى ، يا أبا الفضل».

٣٠٠