مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

موفق الدين بن عثمان

مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

المؤلف:

موفق الدين بن عثمان


المحقق: محمّد فتحي أبو بكر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار المصريّة اللبنانيّة
الطبعة: ١
ISBN: 977-270-182-0
الصفحات: ٧٨٣

وقال : «من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا ، ومن كان غناه بالمال لم يزل فقيرا ، ومن قصد بحاجته الخلق لم يزل محروما ، ومن استعان على أمر الله بغير الله لم يزل مخذولا». وقال : «الدنيا بحر ، والآخرة ساحل ، والتقوى مركب ، والناس على سفر». وقال فى تفسير قوله تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ)(١) : لو كان ثمنه الكونين لكان بخسا فى جنب مشاهدته.

ولمّا كان فى النّزع (٢) قيل له : [قل] لا إله إلّا الله. فقال للقائل : إيّاى تريد؟ وعزّة من لا يذوق الموت ، ما بقى بينى وبينه إلّا حجاب العزّة! ثم طفى من وقته (٣).

وصحب النّهرجورىّ هذا سهلا التّسترىّ (٤) ، والجنيد بن محمد (٥) ، رضى الله عنهم ، ونفع ببركاتهم.

__________________

(١) سورة يوسف ـ من الآية ٢٠.

(٢) أى : عند الموت. وما بين المعقوفتين بعدها عن الرسالة القشيرية ج ٢ ص ٥٩٩ ولم يرد فى «م».

(٣) هكذا فى «م» .. وفى المصدر السابق : «وانطفأ من ساعته» أى : مات.

(٤) هو سهل بن عبد الله بن يونس التّسترىّ ، أبو محمد ، أحد أئمة الصوفية وعلمائهم ، ومن المتكلمين فى علوم الإخلاص والرياضيات وعيوب الأفعال ، ولد سنة ٢٠٠ ه‍. وتوفى سنة ٢٨٣ ه‍.

[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٣ ص ١٤٣ ، وطبقات الصوفية ص ٢٠٦ ـ ٢١١ ، وطبقات الأولياء ص ٢٣٢ ـ ٢٣٦ ، وحلية الأولياء ج ١٠ ص ١٨٩ ـ ٢١٢ ، وطبقات الشعرانى ج ١ ص ٧٧ ـ ٧٩ ، والرسالة القشيرية ج ١ ص ٩٢ ـ ٩٥ ، ووفيات الأعيان ج ٢ ص ٤٢٩ و ٤٣٠ ، وشذرات الذهب ج ٢ ص ١٨٢ ـ ١٨٤].

(٥) هو الجنيد بن محمد بن الجنيد الخزّاز ، أبو القاسم ، صوفّى ، من العلماء بالدين ، وعدّه العلماء شيخ مذهب التصوف لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسّنّة ، ولكونه مصونا من العقائد الذميمة ، سالما من كل ما يوجب اعتراض الشرع ، ولد ونشأ ببغداد ، وأصل أبيه من نهاوند ، وكان يعرف بالقواريرى ، نسبة لعمل القوارير ، وعرف الجنيد بالخزّاز لأنه كان يعمل الخز ، وكانت وفاته سنة ٢٩٧ ه‍.

[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٢ ص ٢٥٥ ـ ٢٨٧ ، وطبقات الشعرانى ج ١ ص ٨٤ ـ ٨٦ ، وتاريخ بغداد ج ٧ ص ٢٤١ ـ ٢٤٩ ، وطبقات الشافعية ج ٢ ص ٢٦٠ ـ ٢٧٥ ، والرسالة القشيرية ج ١ ص ١١٦ ـ ١١٩ ، وطبقات الأولياء ص ١٢٦ ـ ١٧٤].

٢٦١

وحكى ، قال : رأيت رجلا منفردا وهو يقول : «أعوذ بك منك» ، وكان معه الشيخ أبو بكر الرازى ، فقال للرجل : ما هذا؟ فقال : يا أبا يعقوب ، نظرت يوما إلى شخص جميل ، حسن الصورة ، فإذا لطمة وقعت على بصرى ، فسالت عينى ، فسمعت هاتفا يقول : «لطمت بنظرة ، ولو زدت زدناك».

وكان من كلامه : «أصل الأحوال ما قارن العمل والمكان».

وقيل : إن المسمّى بقبره هو قبر المرأة الصالحة كلثوم ، وقيل : كلثم العربية (١) ، حجّت ثلاثين حجّة راجلة ، وكان لها قدم صدق (٢).

ثم تمشى قليلا تجد تربة على مقطع الحجارة ، بأوّلها قبر مكتوب عليه «عبد الله بن رواحة» [رضى الله عنه ، حادى رسول الله صلّى الله عليه وسلم] [والمعروف أن] ابن رواحة قتل فى غزوة [مؤتة بالشام](٣).

وعند عبد الله المذكور قبر بعلوة لرجل من الأشراف (٤). ثم تخرج إلى صدر التربة تجد قبر رجل يقال له عبد الرحمن الديباج ، من أولاد عثمان بن عفان ، رضى الله عنه.

__________________

(١) هى كلثم ابنة القاسم الطيب رضى الله عنها.

(٢) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٣) ما بين المعقوفتين الأول عن «ص». والثانى والثالث من عندنا لاستقامة المعنى. وابن رواحة هذا هو : عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصارى ، صحابىّ من الخزرج ، ويعد من الأمراء والشعراء الراجزين ، كان يكتب فى الجاهلية ، وشهد العقبة مع السبعين من الأنصار ، وكان أحد النقباء الاثنى عشر ، وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية ، واستخلفه النبي صلّى الله عليه وسلم على المدينة فى إحدى غزواته ، وصحبه فى عمرة القضاء ، وله فيها رجز ، وكان أحد الأمراء فى وقعة مؤتة بأدنى البلقاء من أرض الشام ، واستشهد فيها سنة ٨ ه‍.

[انظر الأعلام ج ٤ ص ٨٦ ، وأسد الغابة ج ٣ ص ٢٣٤ ـ ٢٣٨ ، والمحبر لابن حبيب ص ١٢٣ ، وحلية الأولياء ج ١ ص ١١٨ ـ ١٢١].

(٤) فى «ص» : «وعند رأسه قبر شريف».

٢٦٢

قبر خمارويه بن أحمد بن طولون (١) :

وتخرج من التربة تجد قبور أشراف ، وتنزل إلى مقطع الحجارة وأنت مستقبل القبلة على يسارك ، وتطلع وأنت مستقبل القبلة ، تجد على رأس الصيرة (٢) قبّة بها قبر أبى الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون ، خلف أباه (٣) فى ولاية الديار المصرية ، وقتل بالشام ، وجىء برأسه ، فدفنه بعض خاصته بهذه القبة ، وقيل : بل جىء به ودفن ، والله أعلم (٤).

وكان فى أيّامه (٥) رجل ورث من أبيه مالا ، فأتلفه وأنفقه ، ولم يبق عنده سوى جارية ، فدعته الضرورة إلى بيعها [فى السوق ، ونادى عليها الدّلّال ، فبلغ ثمنها قدرا معلوما](٦) فاشتراها وكيل خمارويه ، وجهّزها جهازا حسنا ، وأهدى إليها دارا (٧) حسنة حتى يدخل عليها سيدها خمارويه ، فلحق سيّدها البائع عليها وجد عظيم (٨) ، [فخرج هائما على وجهه إلى قبر أبيه بهذه الجبّانة ، فجلس يبكى](٩) ، واتفق أنّ خمارويه ركب للزيارة فى ذلك الوقت من ذلك اليوم ، وكان كثير الزيارة للمقابر ، وكانت له عقيدة صالحة فى زيارة قبور الصالحين ، فمر على قبر والد الشاب ، فرأى الشاب جالسا يبكى ، فقال

__________________

(١) العنوان من عندنا.

(٢) هكذا فى «م» وهى بمعنى الناحية ، ولم ترد فى «ص».

(٣) فى «م» : «أبوه» خطأ ، والصواب ما أثبتناه ، ومن قوله «خلف أباه» إلى قوله : «والله أعلم» عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٤) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٥) فى «ص» : «كان فى زمانه وأيامه ..».

(٦) ما بين المعقوفتين عن «م».

(٧) فى «ص» : «وأدخلها دارا».

(٨) فى «ص» : «فلحق سيدها عليها محلفا عظيما» هكذا. وفى «م» : «وجدا عظيما» بالنصب ـ لا تصح ، والصواب بالرفع على المفعولية.

(٩) ما بين المعقوفتين عن «م». وما بعده روى بمعناه فى «ص». لذا سنثبت هنا ما ورد فى «م».

٢٦٣

له الأمير : من أنت أيها الشاب الجالس على القبر؟ ومن لك فى هذا القبر؟

فقال : صاحب هذا القبر هو والدى. فقال له الأمير : متى مات والدك؟ فقال : له سنين كثيرة. فقال : صدقت ، فإنى أزور هذه الجبّانة مدة ، فما رأيتك إلّا الساعة ، فما الذي ذكّرك بزيارته؟ وما جاء بك إلّا أمر كبير! فقال : يا سيدى ، ترك والدى هذا مالا كثيرا فأتلفته وأنفقته ، ولم يبق منه سوى جارية كانت عندى من أعزّ الناس ، فاحتجت إلى بيعها ، فبعتها إلى وكيل الأمير (١).

فقال الأمير : لعلها فلانة. قال : نعم. وقد ذهل عقلى لفراقها. فبكى الأمير أبو الجيش و [قال](٢) : الجارية فى دار عندى أفردتها لها ، وقد وهبتك الدّار والجارية وما هو لها ابتغاء وجه الله تعالى ، فإن أحببت أقم عندى ، وإلّا ارتحل لموضعك بها ، ولك ما يكفيك. ثم أمر الأمير وليّه بتسليم الدار والجارية وجميع ما فيها للشاب.

وذكر عنه أيضا أنه ركب يوما بعساكره وجنوده ، فانفرد عنهم ، فوجد رجلا شيخا على رأسه قفص من جريد قد لفّه بخرق (٣) ، فقال له : يا شيخ ، ما فى هذا القفص الذي على رأسك؟ فقال : سنانير (٤)! فتعجب أبو الجيش من ذلك وقال له : ما تصنع بها؟ قال : أبيعها فى بلاد الشام. فعزّ ذلك عليه وقال : يكون فى رعيتى من يحتاج إلى ذلك؟ ثم قال له : من أى البلاد [أنت](٥)؟ قال : من بلد كذا وكذا ، فوقّع له بالبلد التى هو قاطن (٦) بها ملكا له وأولاده من بعده. وحكاياته فى ذلك كثيرة جدّا ، والله أعلم.

__________________

(١) فى «ص» : «اشتراها منى وكيل الأمير ولم يبق لى شيئا» والصواب : شىء.

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من عندنا لاستقامة المعنى.

(٣) فى «م» و «ص» : «بخروق». والخرق : جمع خرقة ، وهى القطعة من الثوب الممزق.

(٤) السّنانير : جمع سنّور ، ويطلق على القط.

(٥) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٦) فى «ص» : «ساكن» وهى بمعناها.

٢٦٤

قبر الضيف (١) :

ثم تخرج من القبّة إلى الشرق تجد قبّة فى وسط تربة عملها علىّ بن الماذرائى (٢) لنفسه ، فاستضاف به (٣) ضيف من أهل الفضل يقال له : نصر ابن دارم ـ يعنى من ولد دارم بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان (٤) ـ ودفع للماذرائى مالا كثيرا وديعة ، فمات الضيف المذكور ، فدفنه الماذرائى فى القبة وآثره على نفسه ، ودفن هو بجانبها.

مآثر على بن أحمد الماذرائى (٥) :

والماذرائى هو علّى بن أحمد بن الحسن بن عيسى بن أسلم ، المعروف بالماذرائى [كان](٦) وزيرا فى الدولة الطولونية ، وزر (٧) لأبى الجيش خمارويه

__________________

(١) العنوان من عندنا ، وهو مذكور فى الكواكب السيارة ص ٧٣.

(٢) فى «م» : «على بن المادرانى» وفى «ص» : «على الماردانى» وكلاهما تصحيف من الناسخ والصواب ما أثبتناه ، وقد سبق التعليق عليه. [وانظر المصدر السابق ، والأعلام ج ٦ ص ٢٧٣ ، والولاة والقضاة ص ٤٨٥].

(٣) أى : سأله الضيافة.

(٤) هكذا فى «م» : «ولم يرد هذا فى «ص». وقد ورد اسم الضيف فى الكواكب السيارة ، وأنه نزل ضيفا على محمد بن على وليس على أبيه ، وهو : القاضى أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم ، وقد دخل مصر فى جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ، فلما قدم مصر سبّه العوام ، وكان بمصر قاض يقال له عبد الله بن أحمد ، وكان أهل مصر يحبونه ، فلما قدم عليهم أبو جعفر سبّوه ، فلم يرد عليهم ، ثم قال لهم : ما أحببتم فى قاضيكم؟ قالوا : أحببنا منه التواضع والخشوع. فقال : والله ما هو إلّا خير منى. فلم يستمر حاكما غير أربعة وسبعين يوما ثم عزل نفسه وأقام عند محمد بن على الماذرائى إلى أن توفى سنة ٣٢٢ ه‍ ، ودفنه الماذرائى فى التربة التى بناها لنفسه ، وقبره معروف بقبر الضيف.

[انظر الكواكب السيارة ص ٧٣ ، والولاة والقضاة ص ٤٨٥ وغيرها من الصفحات].

(٥) العنوان من عندنا ، وهو والد محمد بن على الماذرائى الذي سبق ذكره.

(٦) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٧) أى : صار وزيرا.

٢٦٥

ابن أحمد بن طولون ، فلما استوزره قصده الناس من كل مكان ، وأنشأ الدور والقصور ، وملك النّظر فى جميع الديار المصرية والشامية ، حتى كان لا يخرج شىء عن يده وأمره ونهيه (١).

وذكر ابن زولاق قال : كانت الغزاة قد خرجوا من مصر يريدون الثغر (٢) وخرج الماذرائى لوداعهم ، فبينما هو قائم إذ رأى شيخا قد أقبل ، عالى السّنّ ، يتوكّأ على عكازه ، وفى عنقه خريطة (٣) ، وهو متقلّد بسيف ، فدعاه علىّ بن أحمد وقال : إلى أين يا شيخ؟ قال : إلى بلاد الروم أقاتل أعداء الله تعالى جهدى وطاقتى ، وإن لحقنى أجلى على الطريق كان أجرى على الله ، فإن بلغت ظفرت بالذى أريد ، وإن قتلت حصلت على الشهادة. فصاح على ابن أحمد (٤) بحاجبه وقال : أحضر السّاعة بغلة وغلاما ، وسيفا وعمامة ، فأحضر ذلك ، فقال : يا شيخ ، هذا لك ، وفى كل سنة مثله [إن جئت أنا وجئت أنت](٥). قال : فبكى الشيخ وقال : رزقك الله الشهادة ـ لأنها كانت أعظم ما فى قلب الشيخ ـ فلما كان الغد قتل على بن أحمد الماذرائى فى ذلك الموضع شهيدا ، وما عرف له من قاتل ، فعظم ذلك على جميع من بمصر من الصغير والكبير ، ورثى بقصائد كثيرة.

ولد رحمه الله فى سنة ٢٢٦ ه‍ ، وتوفى ـ رحمه الله تبارك وتعالى ـ شهيدا كما ذكر ، فى شهر جمادى الآخرة (٦) سنة ٢٨٣ ه‍.

__________________

(١) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «لا يخرج عن أمره ونهيه من أحوال السلطانية» والكلمة الأخيرة تصحيف من «السّلطنة» وهى لفظة مولّدة ، معناها : مملكة السلطان.

(٢) فى «م» : «السفر» تحريف. والثغر : هو الموضع الذي يخاف منه هجوم العدو ، فهو كالثّلمة فى الحائط يخاف هجوم السارق منها ، وجمعه ثغور.

(٣) الخريطة : وعاء من جلد ، أو نحوه ، يشدّ على ما فيه.

(٤) فى «م» : «فصاح أحمد». وما أثبتناه عن «ص» هو الصحيح.

(٥) ما بين المعقوفتين عن «م» وساقط من «ص».

(٦) فى «م» : «الآخر» سبق التعليق عليها.

٢٦٦

قبر أبى بكر محمد بن على الماذرائى (١) :

وإلى جانبه قبر ولده أبى بكر محمد بن على بن أحمد الماذرائى ، وزير تكين [الجبار الذي ولى بعد الطولونية](٢).

وروى أبو الجعد قال : قرأت فى سير الماذرائيين (٣) أنّ أبا بكر محمد بن علّى كان الغالب عليه الملك والرياسة ، وكان مكثرا من الصلاة وتلاوة القرآن ، ومداومة الحج فى كل سنة ، وملك من الضياع والرّياع ما لم يملكه (٤) غيره من قبله ، حتى بلغ ارتفاع أملاكه فى كل سنة أربعمائة ألف دينار ، فضلا عن الخراج. وأعطى وولّى ، وتصرّف وأنعم ، وتفضّل وأفضل (٥) ، ورفع ووضع ، [كل ذلك بإذن الله سبحانه وتعالى](٦) ، وواصل الحج فى كل سنة ، من سنة إحدى (٧) وثلاثمائة إلى سنة اثنتين (٨) وعشرين وثلاثمائة ، وكان ينفق فى كل حجة مائة ألف دينار وخسمين ألف دينار ، ويخرج معه بتسعين ناقة (٩) ، وأربعمائة عربى بجهازه ، ومعه محامل فيها أحواض البقل ، ومحامل فيها أحواض الريحان ، ومحامل فيها كلاب الصيد. وينعم على أولاد الرسول ـ صلّى الله عليه وسلم ـ وعلى أولاد الصحابة ـ رضى الله عنهم أجمعين ـ ولهم عنده ديوان ـ يجمع ما يحمله صررا مختومة بأسمائهم. قال ابن زولاق : حدثنى محمد أبو بكر الماذرائى ، وقد

__________________

(١) العنوان من عندنا.

(٢) ما بين المعقوفتين عن «م» وساقط من «ص». والطولونية ، أى : الدولة الطولونية.

(٣) فى «م» : «المادرانيين» .. وفى «ص» : «الماردانيين» تصحيف. والصواب ما ذكرناه ، وقد سبق التعليق عليه.

(٤) فى «م» : «مالا يملكه».

(٥) فى «ص» : «وأنعم وأفضل».

(٦) ما بين المعقوفتين عن «م».

(٧) فى «م» : «أحد» لا تصح لغة.

(٨) فى «م» : «اثنين» لا تصح ، والصواب ما أثبتناه.

(٩) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «بتسعين ألف ناقة».

٢٦٧

ذكرت له ما ينفق ، فقال لى : أنفقت فى عشر حجج ألفى ألف دينار ومائتى ألف دينار.

وكانت الوفود ترد إليه ، وتسير معه ، ويتلقونه ، وكان يبرز إلى البرز (١) إذا بقى من شوال ثلاثة أيام ، فإذا استهلّ ذو القعدة (٢) رفع وسار ، ثم يسير إلى مكة ويقيم إلى هلال المحرم ، ثم يسير إلى المدينة ، فيقيم عند النبي ، صلّى الله عليه وسلم ، حتى يصلى جمعتين ، وكان أبو منصور «تكين» أمير مصر يشيعه إذا خرج ، ويتلقاه إذا قدم. وكان يجمع إليه جميع ما معه يفرقه هناك من الدراهم والدنانير ، والثياب ، والحلوى ، والطّيب ، والحبوب ، والأطعمة ، ولا يترك شيئا حتى يحمله من القمح والشعير ، ولا ينصرف من الحجاز إلّا وجميع من فيه أغنياء.

وروى ابن زولاق قال : قيل لأبى بكر الماذرائى : يا سيدى ، ما بات أحد فى هذه الليلة بمكة والمدينة وأعمالهما إلّا وهو شبعان من طعامك. فبكى وخرّ ساجدا لله سبحانه وتعالى.

وروى عبد الله بن أحمد بن طباطبا ، قال : رأيت فيما يرى [النائم](٣) أنّ «تكين] أمير مصر يموت فى يوم كذا وكذا ، وأنّ أبا بكر (٤) الماذرائى لا يصيبه شىء ، فلما فقدته (٥) فى جنازة «تكين» وحضر الناس ، ركبت إليه ، وأشرت عليه (٦) بالحضور ، فامتنع وقال : أخاف على نفسى ، فأخبرته بالرؤيا ، فركب وحضر مع الناس (٧) ، وكبّر تكبيرتين ولم يتم الصلاة ، فلما

__________________

(١) أى : يتهيأ للخروج إلى الصحراء.

(٢) فى «م» : «ذى القعدة» واستهل : أهلّ.

(٣) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٤) فى «م» : «أبى بكر».

(٥) فقدته : لم أجده.

(٦) فى «م» : «إليه».

(٧) فى «م» : «وحضر الناس معهم».

٢٦٨

فرغت الصلاة قلت للحاضرين : ما خبر أبى بكر؟ فقيل لى : صلّى إلى جانبه أبو جعفر المنفق (١) ، فقرأ فى الصلاة : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)(٢) فسمعه ، فترك الصلاة ومضى ، وحمل التابوت إلى بيت المقدس ، وضرب الناس بين محمد بن تكين وبين أبى بكر ، حتى وقعت فتن عظيمة ، فأحرقت دار الماذرائى (٣) ودور الماذرائيين. وبعد هذا وزر ورجع إلى حاله الأول كما كان ابتداء أمره ، وحج خمس حجج ، فكمل له بذلك سبع وعشرون (٤) حجة على ما وصفنا من السّعة والإنعام ، ولم يزل فى سعادة حتى اعتلّ وتوفى ـ رحمه الله تعالى ـ سنة ٣٤٥ ه‍ ، وقبره بجانب قبر أبيه.

* * *

ثم ترجع إلى الغرب تجد قبّة تحتها شريفان يزاران. ثم تستقبل القبلة وتجعل الجوسق ـ أعنى جوسق الماذرائيين (٥) ـ على يسارك ، وتمشى مستقبل القبلة تجد قبلا مرصوصة بالطوب ، الدعاء عندها مستجاب (٦) ، ثم تستقبل القبلة تجد على يسارك قبورا فيها ما يزيد على أربعين شريفا (٧). وعلى يمينك قبر الشريف الجارودى ، وعلى يسارك مشهد لطيف فى تربة فيها نساء الشريف طباطبا.

ثم تمشى وأنت مغرّب تجد قبر البكرى ، وإلى جانبه قبر المقرئ ـ كان واعظا ـ وإلى جانبه قبر صغير كانت رجله على وجه الأرض [طالعة من القبر ،

__________________

(١) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «أبو بكر ، وقيل أبو جعفر المنفق».

(٢) سورة القصص ـ من الآية ٢٠.

(٣) فى «م» : «فاحترقت دور المادرانى» وفى «ص» : «الماردانى» وقد سبق التعليق عليهما.

(٤) فى «ص» : «فكمل بذلك سبع وعشرين». والأخيرة خطأ. والصواب بالرفع.

(٥) الجملة المعترضة عن «م» ولم ترد فى «ص».

(٦) هذه الجملة عن «ص».

(٧) فى «م» : «فيهم» .. وفى «ص» : «فيهم أربعون شريفا».

٢٦٩

وكان كلّ من دفنها يصبح يجدها على وجه الأرض](١) ، يقال : إنه رفس والدته فدعت عليه. قال المؤلف الذي جمع هذه الأخبار : وأنا [رأيتها ، فجاء قوم](٢) من الزوّار وجدوها على وجه الأرض ، فحملوا ترابا كثيرا ودفنوها ، فلما عادوا يوم الزيارة وجدوها قد طلعت وظهرت فوق ذلك التراب العظيم الذي جعلوه عليها فوق القبر ، فقالوا : يا قوم ، ما فيها عاص (٣) غير هذا ، ادعوا الله ربنا أن يستره. فدعوا الله تعالى وتضرعوا إليه ، وبكوا ، وسألوا الله تعالى ستره (٤). فاستجاب الله سبحانه وتعالى دعاءهم وستره ، فلم تظهر رجله بعد ذلك (٥).

ويقابل تربته تربة كبيرة ، فيها امرأة شريفة ، وقبل أن تصل إلى القبة (٦) تجد قبرا عليه عمود رخام لرجل يقال له «العتال» ، واسمه «هبة» ، قيل إنه كان مع قوم من الزوار جاءوا من مصر للزيارة ، فلما خلوا بموضع القبر ، والشيخ أبو رحمة الذي تقدم ذكره قد جاء من نحو سارية ، معه جماعة للزيارة ، فلما اجتمعوا سلّم بعضهم على بعض ، ثم التفت أبو رحمة إلى هبة العتّال ، [وكان شيخا كبيرا ، وقال : يا شيخ](٧) ما بقى إلّا القليل! فقال : والله لقد صدقت. وجعل رأسه بين ركبتيه وهو ينظر إلى الأرض ، فحرّكوه فوجدوه ميتا ، فدفنوه مكانه ، رحمه الله تعالى.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

(٢) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٣) فى «م» و «ص» : «عاصى» خطأ ، والصواب بحذف الياء.

(٤) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «.. وتضرعوا وبكوا ، وسألوا الله ستره».

(٥) فى «ص» : «فلم يرجع أحد يراها بعد ذلك».

(٦) فى «م» : «التربة».

(٧) ما بين المعقوفتين عن «ص».

٢٧٠

وعنده (١) قبر الشريفة فاطمة ابنة محمد بن عيسى بن محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن الحسن [بن الحسن] بن علّى بن أبى طالب (٢) رضى الله عنهم أجمعين ـ الدعاء عند قبرها مستجاب.

قبر الشيخ أبى بكر الأدفوى ـ رحمه الله (٣) :

ثم تخرج من التربة وأنت مستقبل القبلة إلى قبر الأدفوى ، قبل الوصول إليها قبر الحافى ، وهو يزار ، ثم تدخل إلى تربة الأدفوى ، وهو الشيخ الإمام الفاضل أبو بكر الأدفوى (٤) كان من كبار العلماء ، أدرك جماعة من العلماء الفضلاء (٥) وقرأ عليهم ، وله المصنفات المشهورة فى علوم القرآن ، وروى عنه أحمد بن عبد الجبار ، وأبو الحسن الحوفى ، وأحمد الكتّانى ، والتككى ، وغيرهم.

قيل : إنه من السبعة الأبدال (٦) ، وقيل : إنه خرج إلى مكة ومعه جماعة من الصوفية والفقراء ، فنزلوا على ماء ، فأراد أن يجمع للفقراء شيئا ، فوضع زنجلة (٧)

__________________

(١) فى «ص» : «وثمّ» وهى بمعناها ، فهى ظرف بمعنى : هناك.

(٢) هكذا فى «م». وهى فاطمة الكبرى ، وقد ماتت بعد الستين والأربعمائة ، وفى الكواكب السيارة : أن تاريخ وفاتها عند رأسها فى أصل القبة. [انظر المرجع السابق ص ١٥٦].

(٣) العنوان عن «ص» ولم يرد فى «م».

(٤) من أول الفقرة إلى هنا عن «م» وساقط من «ص».

(٥) فى «م» : «جماعة فضلاء».

(٦) الأبدال : جمع بدل ، وهو أحد المراتب فى الترتيب الطبقى للأولياء عند الصوفية ، لا يعرفهم عامة الناس ، وهم أهل فضل وكمال ، واستقامة واعتدال ، ولهم مظاهر أربعة : الصمت ، والجوع ، والسهر ، والعزلة. وهم لا ينقصون ولا يزيدون ، وقد سمّوا بالأبدال لأن البدل إذا ما فارق مكانه خلفه فيه شخص آخر على صورته ، ولا يشك الرائى أنه البدل.

[انظر التعريفات للجرجانى ص ٦٢ و ٦٣ ، ومعجم ألفاظ الصوفية ص ٢٢ ـ ٢٥].

(٧) هكذا فى «م» و «ص» ولعلها معربة من اللفظة الفارسية «زنكه» وتطلق على ما يعلق فى رقبة الدابة ـ والمراد بها هنا «الزّنبيل» أو «القفّة».

٢٧١

ثم قال لأهل القافلة : من كان (١) يملك شيئا يرجو فيه الثواب فليأت به. فنزّل كل واحد منهم شيئا ، وإذا بغبرة من البرّيّة (٢) وقد أقبل ثعبان عظيم وفى فمه دينار ، فوضعه فى الزنجلة ، وأنطقه الله تعالى فقال : نحن من جنّ نصيبين (٣) أتينا لحج بيت الله الحرام.

وقيل [للشيخ أبى بكر](٤) : لو زرت الشيخ أبا الفضل [بن] الجوهرى ، فجاء لزيارته ، فنظر عليه ثيابا حسنة ، وبزّة ، وبغلة (٥) ، فرجعت همّته عن زيارته ، وانصرف وتركه.

وكان أبو بكر يكلم الجن ، فرأى امرأة مصروعة ، فجاء فوقف عليها وقال فى أذنها للجنّىّ : ويلك خلّها. فقال الجنّى : ما أخلّيها ، لأننى قد جئت من نصيبين أنا وسبعة من أصحابى حتى نصلى خلف الشيخ أبى الفضل (٦) ابن الجوهرى ، فحبستنى هذه [المرأة ونجّستنى](٧) ومنعتنى الصلاة دون أصحابى ، وما أخليها. فأقسم عليه أن يتركها ، فلم يفعل ، فقال له (٨) : بحرمة الشيخ أبى الفضل اتركها ، فتركها ، فقال : والله لأزورنّ الشيخ أبا الفضل (٩). فجاء إليه مسرعا ، وكان أبو الفضل له مجلس يعظ الناس فيه (١٠) ،

__________________

(١) فى «م» : «من كان ثمّ».

(٢) فى «ص» : «الثدية» تصحيف. والبرّيّة : الصحراء. والغبرة : الغبار المثار.

(٣) نصيبين : من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام. [انظر معجم البلدان ج ٥ ص ٢٨٨].

(٤) ما بين المعقوفتين عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٥) البزة : نوع من الثياب. وبكسر الباء : الشارة والهيئة. وفى «م» : «وله بغلة».

(٦) فى «م» : «أبو الفضل».

(٧) ما بين المعقوفتين عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٨) فى «م» : «فأقسم عليه».

(٩) فى «م» : «أبى الفضل».

(١٠) فى «م» : «يعظ الناس فى مجلس له».

٢٧٢

فوجده على المنبر وهو يعظ ، فلما رآه ضحك وصفق بأكمامه وقال : لو لا الجنّى ما عرفتنا (١).

* * *

ثم تخرج من التربة (٢) وتمضى إلى مسجد زهرون تجد [قبر](٣) صحابىّ وشهيد ، وتحت مسجد زهرون قبور الخولانيين [رحمهم الله تعالى ـ وكتبوا عليها ألواح الرخام ، ومكتوب على لوح الذي بنى](٤) المسجد منهم : يقول محمد أبو الحسن بن محمد بن عثمان بن عمران بن زكريا الخولانى : إنّى عبد الله ، مقرّ بوحدانيته ، معترف بربوبيّته ، وإنى أشهد أن لا إله إلّا الله سبحانه ، وأنّ محمدا عبده ورسوله (٥) ، صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأنّ الله تعالى خلقنى وأحيانى ، ويميتنى ويحيينى ، ويحاسبنى. اللهم اغفر (٦) لى ذنوبى وتجاوز عن سيّئاتى ، وارحم ضعفى ، واعف عنى ، وقنى عذاب النار. اللهم إنى متوكل على إحسانك وفضلك يا مالك الدنيا والآخرة. بنيت هذا القبر فى شوال لتسع وخمسين وثلاثمائة ، وقد مضى من عمرى خمس وأربعون (٧) سنة. اللهم ، وأنت أعلم بعمرى ، فاجعل ما بقى منه فى طاعتك وابتغاء مرضاتك. وأوصيكم إخوانى أنى إذا متّ أن تجعلونى فيه ، وتحلونى ، وتستغفروا (٨) لى ربى ، إنه كان غفّارا. اللهم (٩) وتب علىّ ، وتوفّنى مسلما ، وأنت أرحم الراحمين.

__________________

(١) فى «ص» : «لو لا الجن ما عرفنا».

(٢) قوله : «ثم تخرج من التربة» عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٣) ما بين المعقوفتين من عندنا لاستقامة السياق.

(٤) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

(٥) فى «ص» : «عبده ونبيه ورسوله».

(٦) فى «م» : «فاغفر» وسقط منها قوله : «اللهم».

(٧) فى «م» : «وأربعين» خطأ فى اللغة.

(٨) فى «م» : «وتستغفرون» خطأ فى اللغة. ومعنى تحلونى : أى تعزلونى فيه ، أو تجعلونى فى حلّ مما أكون قد ارتكبته نحوكم من الذنوب والآثام.

(٩) قوله : «اللهم» عن «ص».

٢٧٣

قبر الشيخ أبى القاسم ابن الشيخ أبى بكر الأدفوى ـ رحمه الله تعالى (١) :

وبجواره قبر أبى حمزة الخولانى ، واسمه زيادة بن نعيم ، وأبو هان الخولانى ، وأبو زيد الخولانى ، ثم ترجع إلى تربة الأدفوى لزيارة ولده ، وهو الإمام أبو القاسم عبد الرحمن ابن الإمام أبى بكر بن على بن أحمد الأدفوى (٢) ، كان من كبار العلماء الصالحين المحدّثين ، حدّث عن أبيه [وعن غيره](٣) ، وروى عنه أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعى ، وأبو الحسن الخلعى وغيرهما.

قال القضاعيّ : أخبرنى الفقيه (٤) أبو القاسم عبد الرحمن [بن أبى بكر الأدفوى](٥) ـ ورفع الإسناد إلى أبىّ بن كعب ، رضى الله عنه ـ أنّ رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، قال : «إنّ لكل شىء قلبا ، وإنّ قلب القرآن يس ، [من قرأ يس](٦) وهو يريد بها وجه الله عزّ وجل غفر الله له (٧) ، وأعطى من الأجر مثل من قرأ القرآن اثنتى عشرة مرّة ، وأيّما مسلم قرئت (٨) عنده إذا نزل به الموت نزل عليه بكل حرف عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا ، ويصلّون عليه ، ويستغفرون له ، ويشهدون غسله ، ويشيعون جنازته ، ويشهدون دفنه ، وأيّما مسلم قرأ يس وهو فى سكرات الموت يقيم (٩) ملك الموت وروحه حتى يأتيه رضوان خازن الجنة [بشراب من شراب الجنة يشربه](١٠) وهو على

__________________

(١) العنوان لم يرد فى «م».

(٢) من أول الفقرة إلى هنا عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٣) ما بين المعقوفتين عن «م».

(٤) قوله : «الفقيه» عن «ص».

(٥) ما بين المعقوفتين عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٦) ما بين المعقوفتين عن «ص» ولم يرد فى «م».

(٧) فى «م» : «غفر له».

(٨) فى «م» : «اثنى عشر مرة» و «وأيما رأيت» تحريف من الناسخ وخطأ فى اللغة ، والصواب ما أثبتناه.

(٩) فى «م» : «يقيم له».

(١٠) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

٢٧٤

فراشه ، فيقدم ملك الموت روحه وهو ريّان ، ويبعث يوم القيامة وهو ريّان ، ويدخل الجنة وهو ريّان» (١).

وتوفى أبو القاسم عبد الرحمن الأدفوى فى سلخ (٢) ذى القعدة سنة سبع وعشرين وأربعمائة ، وهو مع والده فى القبر عند الخولانيين (٣).

وحكى (٤) عن أبى القاسم المذكور قال : اجتمعت بابن الإمام فتحادثنا ، فقال لى : رأيت فى النوم ريحان الجنة. قال : فقلت له : فكيف هو؟ قال : رأيت كلّ عود كالقناة الطويلة ، وهو حمحم (٥) من فوقه إلى أسفله بغير ورق. قال الشيخ أبو القاسم : ومضيت إلى وراء فرأيت كأنّ الجنة أمامى ، فجئت إليها لأدخلها ، فرأيت من داخلها نهرا يجرى بلا حدود ، فقيل لى : هذه أنهار الجنة. ثم (٦) انتبهت من نومى ، فلما أصبحت جئت إلى أبى الإمام ، فقال لى أبى : هنّاك الله بما رأيت ، الأنهار خير من الريحان.

وكان أبو القاسم المذكور كثير العلم ، له حلقة بجامع مصر يحضرها سادات العلماء. وكان أكثر لباسه الصوف. ودخل رجل من علماء العراق إلى مصر ، وجاء إلى الجامع العتيق ، ووقف على حلقة العلماء ، ثم جاء إلى حلقة أبى القاسم الأدفوى ، فسمعه يتكلم بعلوم كثيرة ، فعاب عليه العراقىّ قياسه ، وأنكر ذلك قلبه ، فقال الادفوى : أفيكم من يحفظ أبيات الشافعى ، محمد بن إدريس ، رضى الله عنه ، التى كان يقول فيها :

__________________

(١) فى «ص» : «ولا يحتاج إلى حوض من أحواض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريّان».

(٢) السّلخ : آخر الشهر.

(٣) فى «ص» : «عند رجلى قبور الخولانيين».

(٤) أى : حكى القضاعى. وما سيذكره القضاعى هنا ورد فى «م» وساقط من «ص» وهو حوالى ٤٥ سطرا.

(٥) الحمحم : عشب مزهر ، ورقه يشبه لسان الثور ، ينبت فى الحقول.

(٦) فى «م» : «ثم إنى».

٢٧٥

علىّ ثياب لو تباع جميعها

بفلس لكان الفلس منهنّ أكثرا

وفيهنّ نفس لو تقاس بجودها

نفوس الورى كانت أجلّ وأوفرا (١)

فتقدم إليه العراقىّ وعلم أنه تكلم فى خاطره ، فقال : يا سيدى ، أنا تائب إلى الله سبحانه وتعالى ، وأريد منك المؤاخاة ، وقد جئت من العراق بأحمال ، وهى هبة منى إليك. قال : لو قبلت من غيرك لقبلت منك ، ولكنى أخاف أن أقبل ذلك منك فتطمع الملوك منى فى قبول هداياهم ، فتصدّق بمالك على من شئت ، واقنع منى بثلاث. قال : وما هى؟ فقال : أكبر نفسك بالطاعة ، وأعرض عن الدنيا ، واجعل افتقارك إلى الله عزّ وجلّ. وقد نصحتك ، والسلام.

قال : فخرج العراقى وهو يبكى.

وبعث إليه ملك مصر بجائزة ، وقال له مع الرسول : إنّ أصحابك قبلوا الجوائز ، فاقبل أنت كذلك. فردّها وقال : لا حاجة لى بشىء. ثم كتب إليه يقول :

أرى أناسا بأدنى الدّين قد قنعوا

ولا أراهم رضوا فى العيش بالدّون (٢)

فاستغن بالله عن دنيا الملوك كما

استغنى الملوك بدنياهم عن الدّين

فلما وقف الملك على ذلك اغتاظ غيظا عظيما ، فقال له وزيره : إيّاك أن تتعرض إليه بشىء ، فإنّ خزائنك وأموالك وعساكرك لا تقيك من دعائه.

والكلام (٣) على فضله كثير ، والله أعلم بالصواب.

ثم تخرج من تربة الأدفوى إلى مصلّى «عنبسة» ، وهو المصلّى القديم ، ذكره القضاعىّ فى الخطط ، وقد خربت ودثرت ، ومنها مسجد زهرون ،

__________________

(١) فى الديوان : «ببعضها» مكان «بجودها». «وأكبرا» مكان «وأوفرا».

(٢) فى «م» : «أرى أناسى».

(٣) فى «م» : «بالجملة فالكلام».

٢٧٦

وزهرون كان قيما لهذا المسجد فعرف به. وصاحب هذا المسجد أبو محمد الحسن ابن عمر الخولانى ، الذي (١) تقدم ذكره ، وقبره مسنّم على صورة الهرم خارج المسجد.

قبر إبراهيم بن سعيد الحبّال (٢) :

وبإزاء المسجد (٣) قبر الشيخ الإمام أبى إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبّال الحافظ ، رحمه الله. كان من كبار العلماء الحفّاظ (٤) ، وكان مشتهرا بذلك بمصر ، وشدّت إليه الرّحال لطلب الحديث ، ولم يكن فى زمانه أعلى سندا منه ، وله مصنّفات فى علم الحديث (٥). وحدّث عن جماعة من كبار شيوخ مصر ، ما يزيد على مائة شيخ. [وروى عنه أحمد بن عبد العزيز ، ومما (٦) رواه عنه : قرأ عليه سنة ٤٧٠ : «عن ابن عمر ، رضى الله عنهما ، أنّ نفرا قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فأسلموا ، وحسن إسلامهم ، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أشياء من أمورهم ، وخرجوا ، فقالوا : نسينا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أشياء من أمورنا ، وهو شراب من بلادنا لا يصلح لنا غيره ، قال : فرجع رجل منهم إلى رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم فقال : إنّ أصحابى رحلوا عن أن يسألوك (٧) عن شراب لهم ببلادهم لا يصلح لهم غيره ، وإنّ أرضنا أرض باردة ، وإنّا قوم نحرث.

__________________

(١) فى «م» : «الذي كان» والذي تقدم هو : محمد أبو الحسن بن محمد بن عثمان بن عمران ابن زكريا الخولانى ـ انظر ص ٢٧٣.

(٢) العنوان من عندنا [وانظر ترجمته فى حسن المحاضرة ج ١ ص ٣٥٣ و ٣٥٤ ، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص ٤٤٢ ترجمة رقم ٩٩٦].

(٣) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٤) «الحفاظ» عن «ص» .. وكانت ولادته سنة ٣٩١ ه‍ وتوفى سنة ٤٨٢ ه‍.

(٥) فى «ص» : «وله تصانيف فى علوم الحديث».

(٦) فى «م» : «وممن». ومن قوله : «وروى» إلى نهاية الحديث الآتى عن «م» وساقط من «ص».

(٧) هكذا فى «م» ، وفى رواية : «رحلوا ونسوا أن يسألوك ...».

٢٧٧

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : أيسكر هو؟ قال : نعم. قال : «كل مسكر حرام».

فاكتفى الرجل بما قال ، فقال (١) قوم حين أخبرهم : إنّا لا نراك أخبرته.

فرجعوا جميعهم ، حين انتهوا إليه ، فقالوا : يا رسول الله ، ليس يصلح لنا غيره.

فقال : كل مسكر حرام ، إنّ على الله قسما ، لا يشربها (٢) أحد فى الدنيا إلّا سقاه الله ، عزّ وجلّ ، من طينة الخبال يوم القيامة. وهل تدرى ما طينة الخبال يوم القيامة؟ هو عرق أهل النار» الحديث (٣). صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلم](٤).

* * *

وتستقبل القبلة [ثم تنزل إلى البقعة](٥) تجد قبر الشيخ أبى الحسن بن الوفا المصلّى ، رحمه الله تعالى (٦) كان [مقيما] بالجامع العتيق بمصر ، وكان رجلا صالحا ، ناسكا ، وولداه عند قبره.

قبر شكر الأبله (٧) :

وتستقبل الشرق (٨) تجد قبر شكر الأبله رحمه الله تعالى (٩). كان من

__________________

(١) فى «م» : «فقام» تصحيف.

(٢) فى «م» : «قسمان لا يشربهما» تصحيف.

(٣) الحديث رواه مسلم فى صحيحه فى كتاب الأشربة ، باب كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ، باختلاف فى ألفاظه [انظر صحيح مسلم ج ١٣ ص ١٧١ بشرح النووى».

(٤) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٥) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

(٦) فى «م» : «الحسن بن الحرفا» الأخيرة تصحيف. وما بين المعقوفتين عن «م».

(٧) العنوان من عندنا.

(٨) فى «ص» : «القبلة» مكان «الشرق».

(٩) فى «م» : «قبر الأبله المسمى بشكر».

٢٧٨

عقلاء المجاذيب (١) ، وله إشارات وحكايات ، وله كرامة (٢) مشهورة فى تعديته للجيزة (٣) وذلك أن مصر لمّا احترقت خرج الناس يريدون التعدية إلى الجيزة ، فخرج مع الناس ، فركب فى مركب ، فغرقت فى وسط النيل ، فطلع من سلم من الغرق فوجدوه قائما على البر الثانى ولم يلحقه بلل ، ومقطفه معه.

وقدّام قبره قبر ابن ريحان ، رحمه الله (٤).

قبر الإمام أبى الحسن الحوفى (٥) :

وقدّامه بقليل قبر الإمام الفاضل أبى الحسن على بن إبراهيم بن يوسف ابن سعيد الحوفى الحافظ ، رحمه الله تعالى. كان من كبار العلماء المحدّثين ، والفقهاء المبرّزين ، وله التصانيف المشهورة فى علم القرآن ، [وكان عالما (٦) بالعربية وتفسير القرآن الكريم. وله تفسير جيد ، واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به ، ورأيت خطّه على كثير من كتب الأدب ، قد قرئت عليه ، وكتب لأربابها بالقرآن (٧) كما جرت عادة المشايخ.

وتوفى بكرة يوم السبت ، مستهل ذى الحجة الحرام سنة ٤٣٠ ه‍ رحمه الله. ثم قال : وعنده من تصانيف ابن النّحّاس قطعة كبيرة ، وصنف فى النحو

__________________

(١) فى «ص» : «كان من عقلاء المجانين» يقول ابن الزيات تعليقا على قوله هذا : «وهذا غلط ، لأن الأولياء لا تنسب إلى الجنون ، وإنما كان الغالب عليه الوله والجذب ...» [انظر الكواكب السيّارة ص ١٦٣].

(٢) فى «م» : «كرامات».

(٣) فى «ص» : «إلى الجيزة».

(٤) فى «م» : «... ريحان المسلم المقتول».

(٥) العنوان من عندنا. [وانظر ترجمته فى حسن المحاضرة ج ١ ص ٥٣٢ ، وإشارة التعيين ص ٢٠٦].

(٦) من قوله : «وكان عالما ...» إلى قوله «كثيرة» عن «م» وساقط من «ص».

(٧) بالقرآن ، أى : بالقراءة.

٢٧٩

مصنفا كبيرا ، وله تصانيف كثيرة](١) ، وهو تلميذ أبى بكر الأدفوى ، والدعاء عند قبره مستجاب ، وشهرته تغنى عن ذكر مناقبه (٢).

قبر القاضى أبى الحسن بن الخلعى (٣) :

وتستقبل القبلة تجد قبر القاضى أبى الحسن على بن الحسن بن الحسين ، المعروف بابن الخلعى (٤) صاحب الخلعيّات (٥) الموصلى الأصل ، المصرى الدار والوفاة ، كان محدّثا مكثرا ، سمع [أبا الحسن الحوفى ، وأبا محمد بن النحّاس ، وأبا الفتح العدّاس ، وغيرهم](٦) وحدّث عنه الكبار ، وجمع له أبو نصر بن الحسن الشيرازى أجزاء [من مسموعاته](٧) أخرجها عنه وسمّاها «الخلعيّات» ، وهى المنسوبة إليه ، ونقلت منها عن الأصمعى ، قال : كان نقش خاتم أبى عمرو بن العلاء (٨) :

وإنّ امرءا دنياه أكبر همّه

لمستمسك منها بحبل غرور (٩)

فسألته عن ذلك فقال : كنت فى ضيعتى نصف النهار أدور فيها ، فسمعت قائلا يقول هذا البيت ، ونظرت فلم أجد أحدا فكتبته على خاتمى (١٠).

__________________

(١) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٢) فى «ص» : «وشهرته عند ذكر مناقبه». تحريف.

(٣) العنوان من عندنا.

(٤) هكذا فى «ص» ولم يرد فى «م». [وانظر ترجمته فى حسن المحاضرة ج ١ ص ٤٠٤ ، ووفيات الأعيان ج ٣ ص ٣١٥].

(٥) فى «م» : «القاضى الخليعات» تحريف ، والتصويب من الوفيات ، وهذا القول وما بعده عن «م» وساقط من «ص».

(٦) ما بين المعقوفتين عن الوفيات.

(٧) ما بين المعقوفتين عن المصدر السابق.

(٨) فى «م» : «أبى عمر بن العلوان» تحريف ، والتصويب من وفيات الأعيان ج ٣ ص ٣١٨.

(٩) البيت فى «م» به تحريف من الناسخ والتصويب من المصدر السابق.

(١٠) قال ثعلب : هذا البيت لهانى بن توبة بن سحيم.

[انظر الوفيات ج ٣ ص ٣١٨].

٢٨٠