مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

موفق الدين بن عثمان

مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

المؤلف:

موفق الدين بن عثمان


المحقق: محمّد فتحي أبو بكر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار المصريّة اللبنانيّة
الطبعة: ١
ISBN: 977-270-182-0
الصفحات: ٧٨٣

أربعمائة (١) دينار ، وبقى علىّ ستمائة دينار ، فتحيرت ، وكلّمت أبا جعفر ، وكلمت إنسانا من الناس ليطلعا الماذرائى على حالى (٢) ، فلم يفعلا ، فقلت : والله لأمضينّ إلى عبد الله بن أحمد بن طباطبا ، [فأتيته](٣) فأطلعته على حالى ، وعرّفته أنّ عمّى ، وأبا جعفر ، وغيرهما من الناس ، امتنعوا (٤) من سؤاله ، فقال : أنا والله أمضى معك. فقدّموا إليه دابّة ، فركب معى إلى أبى بكر الماذرائى ، فقال له : يا سيدى ، هذا الفتى غرّه جماعة (٥) حتى أخذ ضيعة بألف دينار ، فلم تغلّ له سوى أربعمائة دينار (٦) ، وقد تحملت عنه من مالى ـ لشرفه وقرابته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم ـ خمسمائة دينار. ففتح أبو بكر الدواة ووقّع [بالاحتساب (٧) خمسمائة دينار] وحصلت على الأربعمائة المختصة ، وبارك الله لى فيها (٨).

وقال أبو محمد أيضا : حدثنى صديق لى قال : وقفت بقبر عبد الله بن أحمد بن طباطبا ، وذكرت أفضاله ، فقلت :

وخلّفت الهموم على أناس

وقد كانوا بعيشك فى كفاف (٩)

__________________

وكان من صلحاء الكبراء ، وحدّث عن العطاردى ، وأعتق فى عمره مائة ألف رقبة ، وأنفق فى حجة حجها مائة ألف دينار. وكانت وفاته سنة ٣٤٥ ه‍ بالقاهرة ، وأخباره كثيرة ، ولابن زولاق كتاب فى سيرته.

[انظر الأعلام ج ٦ ص ٢٧٣ ، وحسن المحاضرة ج ١ ص ٣٦٩ ، وتاريخ بغداد ج ٣ ص ٧٩ ـ ٨١ ، والولاة والقضاة ص ٢٦٩ وغيرها من الصفحات].

(١) فى «م» : «الأربعمائة» وكلاهما صحيح.

(٢) فى «م» : «على قضية حالى» وفى «ص» : «على قصة حالى».

(٣) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٤) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «أن عمّى وأبا جعفر امتنعا».

(٥) فى «ص» : «جماعة من المصريين».

(٦) فى «م» : «دينارا» خطأ ، والصواب بالجر.

(٧) فى «م» : «ووقع له بالقلم».

(٨) ما بين المعقوفتين عن «ص» ولم يرد فى «م». وما بعده عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٩) فى «م» : «عن الناس» مكان «على أناس» والبيت من «الوافر» ولا يستقيم الوزن بما جاء فى «م» ولا المعنى.

٢٤١

ثم مضيت ، فلما نمت تلك الليلة رأيته فى النوم ، فقال لى : قد سمعت ما قلت (١) وحيل بينى وبين الجواب ، ولكن امض إلى مسجدى (٢) وصلّ فيه ركعتين ، وادع الله بما أردت يستجاب لك.

ويقال : إن قوما حجّوا وخرجوا يريدون زيارة قبر رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، فمنعوا الزيارة ، فعزّ ذلك على رجل منهم ، وضاق صدره ، وضاقت عليه الدنيا ، فمن كثرة ما أصابه من الهمّ نام ، فرأى فى منامه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يقول : من فاتته زيارتى فليزر ولدى طباطبا.

ويقال إنّ رجلا طحّانا انكسر عليه لرجل جندىّ من الأكراد ثمن قمح ، وكان وكيل الكردى الذي عامله فيه ، وكان الطّحّان (٣) لا يعرف صاحب القمح ، فألحّ الوكيل [عليه فى](٤) الطلب ، فأراد أن يتسحب (٥) منه ، فقيل له : لو مضيت إلى قبر الشريف ابن طباطبا ودعوت الله عنده (٦) ، فلعل الله تعالى ببركته يسخّر لك الوكيل يرفق بك أصلح لك من التّسحّب ، يختم على موضعك ، ويهان أهلك ، ويشمت بك العدوّ ، ويحزن الصديق.

فأتى إلى باب تربة الشريف وهو يريد الدخول إليها ، فوجد الوكيل خارجا من التربة ، فقال له : فلان؟! قد تغيبت ممّا أطلبك (٧) ولا أقدر عليك .. أريد الساعة منك المال (٨). فقال له : أنا أدخل قبر الشريف وأدعو الله عنده ، فإنى

__________________

(١) فى «ص» : «قد سمعتك».

(٢) فى «ص» : «ولكن امض إلى مسجد حامد».

(٣) فى «م» : «والطحان».

(٤) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».

(٥) يتسحّب : يتهرّب ويتخفّى.

(٦) فى «ص» : «عند قبره».

(٧) فى «ص» : «أطالبك».

(٨) هكذا فى «ص». وفى «م» : «... ولا أقدر عليك ، أنت فى السماء أو فى الأرض؟ بسم الله .. أريد الساعة منك المال ...».

٢٤٢

قصدت زيارته ، وأخرج إليك ، فافعل بى ما شئت. فدخل الطّحّان إلى قبر الشريف ، فوجد عنده رجلا كرديّا يصلى ، ولم يكن يعرف الطّحّان ربّ المال (١) ، فدعا الله تعالى عند القبر ، وبكى وتضرع وصاح ، وجعل يتلهّف.

فقال له الكردىّ : يا شيخ ، ما قصّتك؟ فقال له : يا سيدى ، علىّ دين والله ما أقدر على وفائه (٢) ، وقد لقيت وكيل صاحب الدّين (٣) على باب التربة ، وما أدرى ما يراد منى ، وما معى شىء ، وإن اعتقلت (٤) هلكت وهلك صغارى ، وشمت بى العدو (٥). فقال له : وكم عليك من الدّين؟ قال : مائتا (٦) دينار ثمن قمح ونزل (٧) السعر ، وللناس أيضا مائة دينار ، لعلّ حاصلى فى الطاحون من عدّة وغيرها ما يساوى مائة دينار. فقال : أبشر واسكت واخرج معى ، فإن الله تعالى قد فرّج عنك.

ثم إنّ الجندى قضى صلاته ودعا طويلا ، ثم زار ، وأخذ بيد الطّحّان وخرج ، وإذا بالوكيل [على باب التربة](٨) قد قام لأستاذه ، فقال له الكردى (٩) : مالك عند هذا؟ فقال : لنا عنده كذا وكذا ، وهو متسحّب.

فقال : اتركها له فى سبيل الله تعالى. ثم التفت الكردىّ إلى الطّحّان وقال له : بقى لك حاجة؟ قال : نعم ، تعيننى (١٠) بشىء من القمح. فقال للوكيل :

__________________

(١) فى «ص» : «ولم يكن يعرف أنه ربّ المال» أى صاحبه.

(٢) فى «ص» : «على الوفاء».

(٣) فى «ص» : «وقد لقيت صاحب الدّين»

(٤) فى «ص» : «وإن اعتقلنى».

(٥) فى «م» : «وشمت بى أعدائى ، وحزن علىّ الصديق ...».

(٦) فى «م» : «مائتى» وفى «ص» : «مائتين». وكلاهما خطأ ، والصواب ما أثبتناه.

(٧) فى «م» : «وترك» مكان «ونزل».

(٨) ما بين المعقوفتين عن «ص».

(٩) فى «م» : «الأمير».

(١٠) فى «م» : «قال : يعيننى».

٢٤٣

ادفع له مائة أردب من القمح ، وخذ حق القمح منه فى أربعة (١) أسابيع حتى يرفع حاله ، ففعل. وهذا من بركات هذا الشريف التى أحاطت بزوّاره (٢).

وكان فى دهليز (٣) داره رجل يكسر اللّوز كل يوم (٤) من أول النهار إلى آخره ، ويرسل (٥) الحلوى التى ينفذها لأهل مصر ، من الأستاذ كافور الإخشيدى إلى من دونه (٦) ويطلق للرجل المذكور دينارين فى كل شهر أجرة عمله ، فمن الناس من كان يرسل له الحلوى كل يوم ، ومنهم من يرسل إليه كل جمعة ، ومن الناس من يرسل إليه كل شهر. وكان يرسل إلى الأستاذ كافور فى كل يوم جامين من الحلوى ورغيفا فى منديل مختوم ، فحسده بعض الأعيان ، وقالوا لكافور : الحلوى خير من الرغيف وأحسن ، وأمّا هذا الرغيف فإنه لا يحسن أن تقابل به (٧).

فأرسل إليه كافور وقال : يجرينى الشريف على عادته ويعفينى من الرغيف (٨). فلما جاءه الرسول ركب من فوره وعلم أنه حسد عليه ، وقصد الحاسد إبطاله (٩) ، فلما اجتمع به قال له : أيّدك الله ، إنّا ما ننفذ إليك الرغيف تطاولا ولا تعاظما ، وإنما عندى صبيّة (١٠) حسنة تعجنه بيدها وهى صائمة تقرأ

__________________

(١) فى «م» و «ص» : «أربع» خطأ ، والصواب ما أثبتناه. وفى «ص» : «وإن كنت تبيع بالنقد خذ ثمنه منه فى أربع أسابيع».

(٢) فى «ص» : «وهذا كله ببركة الشريف رضى الله عنه».

(٣) فى «م» : «مدهليز» تصحيف. ومن أول قوله : «وكان فى دهليز داره .. إلى نهاية الترجمة عن «م» وساقط من «ص». والدهليز : المدخل بين الباب والدار.

(٤) فى الكواكب السيارة : «اللوز والفستق لعمل الحلوى للفقراء ...».

(٥) فى «م» : «يرسم» تصحيف.

(٦) أى كان يرسل الحلوى إلى «كافور» الحاكم ، وإلى من هو أقل منزلة منه .. ويطلق ، أى : يدفع.

(٧) يعنون : أنه ينزل من قدرك.

(٨) أى : يرسل لى الشريف الحلوى فقط.

(٩) أى : منعه.

(١٠) فى الكواكب السيارة : «ما كنت أرسل إليك ما أرسل استحقارا بك ، وإنما لى والدة صالحة تعجن بيدها وتقرأ عليه القرآن ...».

٢٤٤

القرآن ، وتخبزه على سبيل التّبرّك ، فإذا كرهته قطعناه. فقال كافور : والله لا أقطعه ولا يكون قوتى بعد اليوم سواه. فعاد إلى ما كان عليه من إرسال الحلوى والرغيف.

ولما مات كافور ، وملك أبو تميم معدّ بن المنصور العبيدلى المعز (١) ديار مصر على يد عبده القائد جوهر ، وجاء المعزّ بعد ذلك من إفريقية ، وكان يطعن فى نسبه ، فلما قرب من البلد وخرج الناس للقائه ، اجتمع به جماعة من الأشراف ، فقال له من بينهم ابن (٢) طباطبا هذا : إلى من ينسب مولانا؟ فقال له المعزّ : سنعقد لكم مجلسا نجمعكم ونسرد عليكم نسبنا. فلما استقر المعزّ بالقصر جمع الناس مجلسا ، وجلس لهم وقال : هل بقى من رؤسائكم أحد؟ فقالوا : لم يبق أحد. فسلّ عند ذلك نصف سيفه وقال : هذا نسبى. ونثر عليهم ذهبا كثيرا وقال : هذا حسبى. فقالوا جميعا : سمعنا وأطعنا.

وحكت عنه زوجته السيدة خديجة بنت محمد بن إسماعيل بن القاسم الرّسّى ابن إبراهيم طباطبا (٣) ، والآتى ذكرها فيه ، قالت : كانت لنا دار على سيف

__________________

(١) هو : المعز لدين الله معد بن إسماعيل المنصور بن القائم بن المهدى عبيد الله الفاطمى العبيدى ، أبو تميم ، ولد بالمهدية فى المغرب سنة ٣١٩ ه‍ ، وبويع له بالخلافة فى المنصورية بعد وفاة أبيه سنة ٣٤١ ه‍ ، فجهز وزيره القائد جوهرا بجيش كثيف ليفتح ما استعصى عليه من بلاد المغرب ، وانقادت له بلاد إفريقية كلها ، ما عدا «سبتة» فإنها بقيت لبنى أمية (أصحاب الأندلس) وجاءته الأنباء بموت كافور الإخشيدى صاحب مصر ، فأشار المعز إلى القائد جوهر بالسير إلى مصر ، ففتحها سنة ٣٥٨ ه‍ واختط مدينة القاهرة سنة ٣٥٩ ـ ٣٦١ ه‍ ، وسماها القاهرة المعزيّة ، وأقام الدعوة للمعز بمصر والشام والحجاز. ودخل المعز القاهرة فى سنة ٣٦٢ ه‍ فكانت مقر ملكه وملك الفاطميين من بعده. وكانت وفاته سنة ٣٦٥ ه‍.

[انظر الأعلام ج ٧ ص ٢٦٥ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٥٩٤]

(٢) فى «م» : «عن» مكان «ابن».

(٣) كانت خديجة هذه زاهدة عابدة ، كثيرة الزهد ، قال عنها زوجها : كانت تسابقنى إلى الصلاة بالليل ، وما رأيتها ضحكت قط ، وتوفيت سنة ٣٢٠ ه‍ ، وصلّى عليها زوجها. وهى مدفونه معه فى القبة تحت رجليه.

[انظر الكواكب السيارة ص ٦١].

٢٤٥

البحر (١) بحافة النيل ، فتوجهت إليها وهو معى ، وكان لنا فى الدار أمتعة وأسباب (٢) ، فوجدت رجلا سارقا قد فتح الأبواب وجعلها كارة (٣) عظيمة ، وحملها على رأسه ، فلما طلعنا من السلم عارضنا فى الطريق ، فأردت أن أتكلم ، فأشار إلىّ بالسكوت ، فجعل اللص يزاحمنا فى السّلّم ، وبعلى يلقى عنه الحائط (٤) ، فلما نزل قلت له : هذا سارق أخذ متاعنا ، لأى سبب تركته؟

قال : وما يدريك أنّ ذلك يكون سببا لتوبته. قالت : فلم تمض أيام (٥) قلائل حتى جاءه رجل ومعه عبيد وحشم ، فقال : يا سيدى ، أريد أن أخلو بك ، فجاء معه ، فقال له : هل تذكر (٦) الرّجل الذي كنت تلقى عنه الحائط بيدك؟ قال : نعم. قال : يا سيدى أنا هو ، ولقد بورك لى فى متاعك حتّى أنّ جميع ما تراه منه ، ومعى آلاف ، وقد جئت إليك بألف درهم وعبدين وجاريتين. فتبسم ثم قال له : منذ رأيتك دعوت لك بالبركة ، والله لا أقبل منك شيئا. ثم دعا له بدعوات عظيمة ، وقال له : اذهب فى حفظ الله وسلامته.

قالت : ثم صار الرجل فى كل قليل يأتى إليه يصلى ، ويسلم عليه.

وكان الشريف ـ رحمه الله ـ حسن المذهب ، كثير الأفضال كما ذكر فى أول ترجمته. وكانت ولادته فى سنة ستّ وثمانين ومائتين ، وتوفى ـ رضى الله عنه ـ بمصر فى الرابع من شهر رجب ، سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة بعلّة يقال لها «التوثة» (٧) عرضت له فى حنكه وحلقه ، وعولج بضروب العلاجات ولم

__________________

(١) سيف البحر : جانبه أو ساحله. بكسر السين المهملة.

(٢) فى «م» : «متعة وأسبابا» تحريف من الناسخ .. وفى المصدر السابق : «أثاث وقماش».

(٣) الكارة : ما يجمع ويشدّ ويحمل على الظّهر من طعام أو ثياب.

(٤) أى : حتى لا يصيبه أو يصطدم به.

(٥) فى «م» : «أياما» خطأ.

(٦) فى «م» : «فقال له : بسم الله ، قال له لما خلى به : تذكر ...» والجملة المثبتة هنا عن الكواكب السيارة.

(٧) هكذا فى «م». والتوثة : الفرصاد ومعناه فى اللغة الحمرة ، أو حبّ صغيرة كنوى العنب (والله أعلم).

٢٤٦

تفد شيئا ، وكانت علّته غريبة لم يسمع بمثلها. وصلّى عليه فى مصلى العيد ، وحضر جنازته من الخلق ما لا يحصى عددهم إلّا الله سبحانه وتعالى. ودفن بقرافة مصر بهذا المشهد ، وقبره معروف يزار ، وهو مشهور بإجابة الدعاء.

وهذه الحالة التى وقعت له مع المعزّ عند قدومه مصر جاء ذكرها فى كتاب الدول المنقطعة ، لكنها تناقض تاريخ الوفاة ، فإن المعزّ دخل مصر فى شهر رمضان سنة ٣٦٢ ه‍ ، وابن طباطبا توفى ـ رضى الله تعالى عنه ـ فى سنة ٣٤٨ ه‍ كما هو مذكور ، فكيف يمكن الجمع بينهما؟ قال ابن خلّكان : وأفادنى تاريخ وفاته الحافظ زكّى الدين عبد العظيم المنذرى الشافعى ، وراجعته فى هذا التناقض ، فقال : أمّا الوفاة فهى محقّقة ، ولعلّ صاحب الواقعة ولده ، والله أعلم (١).

قبر على بن الحسن ، صاحب الحورية (٢) :

وممّن قبر بهذا المشهد أبو الحسن على بن الحسن بن على بن محمد بن أحمد بن على بن الحسن ، المعروف بصاحب الحورية (٣) ، يقال : إنه رأى فى المنام أنّ جارية نزلت من السماء من أحسن خلق الله تعالى ، أضاءت الدنيا لنور وجهها ، فقال لها : من أنت؟ قالت : لمن يعطى ثمنى. فقال لها : وما ثمنك؟ قالت : مائة ختمة. فقرأها ، وفرغ منها ، فرأى فى المنام الحورية (٤) فقال لها : قد فعلت ما أمرتنى (٥) به. فقالت له : يا شريف ، إنك ليلة غد (٦) عندنا.

__________________

(١) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٢) هذا العنوان من عندنا.

(٣) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «ومعه (أى مع الشريف أحمد بن طباطبا المتقدم ذكره) فى التربة ولده ، يقال له صاحب الحورية ...».

(٤) فى «ص» : «فرآها فى المنام».

(٥) فى «م» : و «ص» : «أمرتينى» خطأ.

(٦) فى «م» : «ليلة غدا». وفى «ص» : «إنك غد» وكلاهما خطأ ، والصواب ما أثبتناه.

٢٤٧

فأصبح الشريف وجهّز نفسه ودعا الناس لجنازته ، وأعلم أهله ، فمات فى ذلك اليوم ، رضى الله عنه.

ويقال إنه لقّب بذلك لأنه كان فى أول عمره ينام الليل ، فرأى الجنة وما فيها من الحور العين ، فأعجبته حورية (١) ، فقال لها : هلمّى إلىّ ، فقالت : لا سبيل إلى ذلك إلّا أن تعطينى أمنيتى. فقال لها : ما أمنيتك؟ فقالت : قيام اللّيل. فقال : والله لا نمت بعدها. فأدركته سنة من النوم فى بعض الليالى ، فقالت له : إيّاك والنوم فينفسخ العقد. فكان لا ينام ليلا ولا نهارا حتى مات ، رضى الله عنه.

قبر يحيى بن على العلوى (٢) :

وممن قبر بهذا المشهد أبو القاسم يحيى بن على بن محمد بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن أبى طالب ، وكان يحيى بن على من أكابر العلويين ، انتهت إليه الرئاسة فى زمنه ، ومعه ولده أحمد ، ورأسه تحت رجليه. وكان جليل القدر ، عظيم المنزلة ، يأتيه السائل فيعطيه ثوبه ، وجاءه رجل فسأله : هل من شىء لله؟ فقال له : لم يكن عندى سوى نفسى فخذنى فبعنى ، فأخذه وجاء به إلى الوزير الماذرائى ، فقال له : يا وزير اشترنى (٣) من هذا! فقال : من يقدر على ثمنك؟ ثم دفع للرجل مائة دينار ، ويقال : ألف دينار.

ومن كلامه ـ رضى الله عنه : أشدّ الخجل خجل السؤال ، وأشدّ الندم ندم العاصى.

__________________

(١) فى «م» : «فأعجبه حورىّ» تحريف .. ومن أول قوله : «ويقال إنه لقّب بذلك» إلى «قبر العبد الصالح فرج» عن «م» وساقط من «ص».

(٢) العنوان من عندنا.

(٣) فى «م» : «اشترينى».

٢٤٨

قبر أبى الحسن بن على (ولد صاحب الحورية) (١) :

وممن قبر بهذا المشهد أبو الحسن بن على بن محمد بن أحمد بن على بن الحسن بن طباطبا ، وهو ولد صاحب الحورية ، وكان من الزّهّاد العبّاد ، توفى ـ رضى الله عنه ـ فى سنة ٣٥٢ ه‍.

قال ـ رضى الله تعالى عنه : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام ، فقلت : يا رسول الله ، من أقرب إليك من أهلك؟ قال : من ترك الدنيا وراء ظهره ، وجعل الآخرة نصب عينيه ، ولقينى وكتابه مطهّر من الذنوب. ومعه فى قبره والدته ، ووالده المذكور آنفا.

بعض من دفن بمشهد «طباطبا» من نسله غير ما تقدم (٢) :

وممن قبر بهذا المشهد الحسن بن محمد بن أحمد بن القاسم الرّسّى ابن إبراهيم طباطبا ، والرّسّ قرية من قرى المدينة ، سكنها القاسم المذكور فعرف بها. ولمّا دخل القاسم المذكور إلى مصر جلس بالجامع العمرى ، واجتمع عليه الناس لسماع الحديث ، وجمعوا له المال ، فأبى أن يقبل منه شيئا ، فزاد أهل مصر محبّة فيه لزهده فى المال. وكانت له دعوة مجابة.

وقال العبيدلى (٣) : كان القاسم أبيض ، مقرون الحاجبين ، كثير الخشوع ، يتكلم بالحديث غالبا والقرآن ، وكان كثيرا ما يقول : حدثنى أبى عن جدى عن أمير المؤمنين علّى بن أبى طالب ، رضى الله عنه ، أنه كان يقول : من أراد البقاء ، ولا بقاء (٤) ، فليباكر الغداء ، ولا يتمسى بالعشاء ،

__________________

(١) العنوان من عندنا.

(٢) العنوان من عندنا.

(٣) فى الكواكب السيارة : «العبيدلى النّسّابة».

(٤) فى «م» : «ولا يفغا» تصحيف ، والتصويب من المصدر السابق.

٢٤٩

وليخفّف فى الصيف الرّداء ، ويثقل فى الشتاء ، وليقلّل من مجامعة النساء ، وخير نسائكم طيبة الرّائحة.

وكان القاسم أكثر أهل زمانه فقها وحديثا وعلما ، ومات بالرّسّ بعد أن رجع من مصر إليها فى سنة عشرين ومائتين.

* * *

وممّن قبر بهذا المشهد علىّ بن الحسن بن طباطبا ، توفى ـ رحمه الله ـ فى سنة ٣٤٨ ه‍.

* * *

وممّن قبر بهذا المشهد الحسن بن محمد بن أحمد بن على بن الحسن بن إبراهيم طباطبا.

* * *

وممّن قبر بهذا المشهد بغا (١) الكبير أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أحمد ابن على بن الحسن بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن علىّ (٢) بن أبى طالب.

__________________

(١) فى «م» : «بيغا» والتصويب من المصدر السابق والولاة القضاة.

(٢) فى «م» كرر اسم «الحسن» ثلاث مرات ولم يذكر اسم علىّ ، والتصويب من وفيات الأعيان ج ١ ص ١٢٩.

٢٥٠

وممّن قبر بهذا المشهد بغا الصغير ، وهو المسمى أحمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن على بن الحسن بن إبراهيم طباطبا. قتل المذكور بالإسكندرية فى جمادى الأولى (١) سنة ٣٥٥ ه‍ ، وجىء به حتى دفن بهذا المشهد.

* * *

وممّن قبر بهذا المشهد أخو عبد الله بن طباطبا ، صغير ، توفى قبل وفاة أخيه فى جمادى الأولى سنة ٣٣٣ ه‍ ، وقبره تحت رجلى أخيه.

* * *

وممّن قبر بهذا المشهد الحسن بن على بن أحمد بن على بن الحسن بن محمد ابن إبراهيم طباطبا ، المعروف بالأزرق الكبير. وبالمشهد ولده على بن الحسن الأزرق ، وبالمشهد ولده أبو (٢) محمد الحسن بن على بن الحسن الأزرق.

* * *

وممّن قبر بهذا المشهد الأزرق الصغير محمد بن عبد الله بن أحمد بن على ابن الحسن بن إبراهيم طباطبا ، توفى ـ رحمه الله ـ بدم أصابه فى لسانه بدعاء أبيه.

* * *

وممّن قبر بهذا المشهد الحسين بن محمد بن محمد بن أحمد بن على بن الحسين بن إبراهيم طباطبا ، وقد دفن هو ووالده فى قبر واحد.

وقد انتهى الكلام بفضل الله سبحانه وتعالى على من دفن بهذا المشهد من ذكور بنى طباطبا. ثم يأتى الكلام (٣) على من دفن بهذا المشهد من إناثهم.

__________________

(١) فى «م» : «جمادى الأول» والأخيرة خطأ.

(٢) فى «م» : «أبى» خطأ.

(٣) فى «م» : «ثم الكلام».

٢٥١

من دفن بمشهد «طباطبا» من إناثهم (١) :

فمن المقبورات (٢) بهذا المشهد ـ عند باب القبة ـ السيدة خديجة ابنة محمد بن إسماعيل بن القاسم الرّسّى ابن إبراهيم طباطبا ، وكانت هذه السيدة زاهدة عابدة ، كثيرة العبادة والزهد ، وكانت تحت (٣) عبد الله بن أحمد بن طباطبا ، وكان يقول : إنها تسابقه لصلاة اللّيل ، قال : وما رأيتها ضحكت قط.

وحكى عنها إنسان جلس على قبرها ، وكان به ورم فى رجله ، فأخذ من تراب القبر وقال : بسم الله ، ومسّ بالتراب فى رجله ، فوجد الشفاء ببركة هذه السيدة العظيمة ، وتوفيت ، رضى الله عنها ، فى سنة عشرين وثلاثمائة.

* * *

ومن المقبورات فى هذه التربة نفيسة ابنة على بن الحسن بن إبراهيم ، وهى عمة عبد الله بن أحمد بن على بن طباطبا. وبهذا المشهد قبر السيدة آمنة ابنة الحسن بن محمد بن أحمد بن السيد على بن الحسن بن إبراهيم طباطبا ، وهى أخت على بن الأزرق. وبهذا المشهد أيضا نفيسة بنت على بن الأزرق بن الحسن المذكور.

من دفن بمشهد «طباطبا» من الصالحين (٤) :

وقد انتهى الكلام ـ حسب الطاقة ـ على من قبر بهذا المشهد من إناث بنى طباطبا ، وبقى الكلام على من دفن بهذا المشهد من غير بنى طباطبا ، ولكن

__________________

(١) العنوان من عندنا.

(٢) فى «م» : «المقبورين».

(٣) فى «م» : «تحب» تصحيف. وكانت تحته أى : زوجته.

(٤) العنوان من عندنا.

٢٥٢

نقول : كان بعض الصالحين المحبين لأهل البيت الطاهرين ، إذا قصد زيارة هذا المشهد ودخل من بابه ، كشف رأسه إجلالا لأهل البيت ، ثم يأتى إلى وجه الضريح ويستدبر القبلة ويقول : السلام عليكم أهل البيت المكرّم ، السلام عليكم نسل النبي المعظّم ، السلام عليكم أهل بيت رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، السلام عليكم يا من سفرت لوامع مجدهم ، السلام عليكم يا من همرت هوامع وفدهم (١) ، السلام عليكم يا من ظهرت أنوار علائهم ، السلام عليكم يا من بهرت آثار نسائهم (٢) ، السلام عليكم يا تحية الشرف الباذخ (٣) ، السلام عليكم يا سلالة المجد الراسخ ، السلام عليكم يا جواهر العلا ، السلام عليكم يا أسياد الملا (٤) ، السلام عليكم ينابيع المكارم ، السلام عليكم سلائل الأكارم ، السلام عليكم ورحمة الله العلىّ ، وتبائع إنعامه وفضله الجلّى ، صلّى الله على جدكم أفضل وأزكى وأنمى وأعلى صلاة صلّاها على أحد من أنبيائه ورسله. ثم يقول : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٥) ثم ينشد بصوت رقيق :

يا بنى الزهراء يا من قدركم

قد سما فى الأرض يا من سدتم (٦)

يا بنى السّبطين من هم بغيتى

وملوك الأرض أنّى يمّموا (٧)

من يضاهيكم وطه جدّكم

أهل بيت المصطفى هم أنتم (٨)

__________________

(١) همرت : سألت وفاضت. والهوامع : الأمطار ، وهذا التعبير كناية عن الكرم والعطاء.

(٢) هكذا فى «م» ، ولعلّه يريد : بهرت أنوار نسائهم ، أى : عمّ نورها وضوءها ، أو فاقت نساؤهم النساء الأخريات فى الحسن والمجد والشرف.

(٣) الباذخ : العالى.

(٤) الملا : الملأ ، ويطلق على الجماعة وعلى أشراف القوم وسراتهم.

(٥) سورة الأحزاب ـ من الآية ٣٣.

(٦) يا بنى الزهراء : يا أبناء فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلم وسما : علا وارتفع.

(٧) يا بنى السبطين : يا أبناء الحسن والحسين ، رضى الله عنهما. ويمّموا : قصدوا.

(٨) يضاهيكم : يشابهكم ويماثلكم فى الرفعة والشرف.

٢٥٣

جدّكم أزكى نبىّ مرسل

من أتانا بالهدى جدّكم

جدّكم ربّ البرايا اختاره

فلهذا خيرنا قد كنتم (١)

جدّكم ربّنا شرّفه

مهبط الوحى نبىّ أعظم (٢)

جدّكم ليس على مولى الورى

أحد فى الخلق من هو أكرم

وعلىّ المرتضى أصلكم

فلهذا كلّ فخر حزتم

أنتم الأشراف سادات الورى

من سواكم يا أجلّا فقدتم (٣)

كيف لا يامن هم سؤلى وقد

أذهب الرحمن رجسا عنكم (٤)

نال كلّ الخير مع ما رامه

من دعا الله تعالى بكم

حزتم جودا وفضلا وتقى

جودكم عمّ البرايا منكم

كم كسير ذى احتياج جاءكم

نال ما يرجوه من خيركم

كم فقير يا كرام بكم

ذا غناء صار من بذلكم (٥)

قل لمن يعذلنى فى حبّهم

يا جهول ، ما بعدل تحكم (٦)

لست أسلو حبّهم لا والذي

منّ ، ما السّلوى بشأنى عنهم (٧)

حبّهم وسط فؤادى ساكن

وبه نار فؤادى تضرم (٨)

يا كرام مهجتى قد ملكوا

بل وكلّى وجميعى لهم (٩)

هل لراجى وصلكم يا سادتى

عطفة منكم لصبّ يرحم (١٠)

__________________

(١) البرايا : الخلق.

(٢) فى «م» : «مهبط وحى».

(٣) يا أجلّا : يا أجلّاء.

(٤) فى «م» : «رجس» لا تصح.

(٥) ذا غناء صار : أى : صار ذا غنى. والبذل : العطاء.

(٦) يعذلنى : يلومنى.

(٧) لست أسلو : لست أنسى. وفى «م» : «أسلى» لا تصح.

(٨) تضرم : تشتعل.

(٩) المهجة : الروح ، والقلب.

(١٠) الصّبّ : المشتاق.

٢٥٤

يا إله العرش أدعوك بهم

وبطه جدّهم يا منعم

جد على عبد ضعيف بالرّضا

وامح يا ربى ذنوبا تعظم

وعلى الهادى إلهى صلّ ما

قد حدا حاد بركب يقدم (١)

وعلى آل وصحب منهم

بين خلق الله نور أنجم

ثم يدعو بعد القراءة بما تيسّر (٢) ، وكان ملازما لذلك على الدوام ، رحمه الله تعالى وعفا عنه.

قبر العبد الصالح «فرج» (٣) :

انتهى ذلك. رجعنا إلى ذكر المقبورين بهذا المشهد من غير بنى طباطبا ، فنقول : بجانب قبر الإمام أبى الحسن بن على بن الحسن المعروف بصاحب الحورية (٤) ، قبر به العبد الصالح فرج (٥) ، كان عبدا لهم ، توفى قبل وفاتهم ، وكان إذا اشتد عليهم الأمر فى شىء قالوا : «اللهمّ ببركة فرج فرّج عنا» ، فيفرج الله عنهم ببركته.

قبر ابن زولاق ـ المؤرخ المصرى (٦) :

وممّن قبر بهذا المشهد العالم الفاضل ، المؤرخ أبو محمد (٧) الحسن بن

__________________

(١) وعلى الهادى إلهى ، أى : يا إلهى. وفى «م» : «إله». وما أثبتناه هو الصحيح لغة ، وبه يستقيم الوزن. وفيها أيضا : «كركب» مكان «بركب» تصحيف من الناسخ.

(٢) أى : من كان يزور هذا المشهد من المحبين لآل البيت من الصالحين المشار إليهم آنفا.

(٣) العنوان من عندنا.

(٤) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٥) فى «ص» : «قبر غلامهم فرج».

(٦) العنوان من عندنا. [وانظر ترجمته فى الأعلام ج ٢ ص ١٧٨ ، وسير أعلام النبلاء ج ١٦ ص ٤٦٢ ، ووفيات الأعيان ج ٢ ص ٩١ و ٩٢]. ومن قوله : «وممّن قبر بهذا المشهد» إلى قوله : «وبهذه التربة جماعة أخر ...» عن «م» وساقط من «ص».

(٧) فى «م» : «أبو الحسن إبراهيم» خطأ ، والصواب ما أثبتناه ، وقد مر التعريف به.

٢٥٥

إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن على بن خلف بن راشد بن عبد الله بن سليمان ابن زولاق الليثى المصرى. كان فاضلا فى التاريخ ، وله فيه مصنف جيد ، وله كتاب فى خطط مصر القديمة استقصى فيه ، وكتاب «أخبار قضاة مصر» جعله دليلا (١) على كتاب أبى عمر (٢) محمد بن يوسف الكندى الذي ألفه فى أخبار قضاة مصر ، وانتهى فيه إلى سنة ستّ (٣) وأربعين ومائتين ، فكمّله ابن زولاق المذكور ، وابتدأه (٤) بذكر القاضى بكار بن قتيبة ، وختمه بذكر محمد بن النعمان ، وتكلم على أحواله ـ رحمه الله تعالى ـ إلى رجب ، يعنى سنة ٣٨٦ ه‍. وكان جده الحسن بن على من العلماء المشاهير.

وكانت وفاته ـ أعنى أبا محمد (٥) ـ يوم الثلاثاء (٦) ، الخامس والعشرين من ذى القعدة الحرام سنة ٣٨٧ ه‍.

ورأيت (٧) فى كتابه الذي صنفه فى أخبار قضاة مصر ، فى ترجمة القاضى أبى عبيد ، أنّ الفقيه منصور بن إسماعيل الضرير توفى فى جمادى الأولى (٨) سنة ٣٠٦ ه‍ ثم قال : قبل مولدى بثلاثة أشهر ، فعلى هذا التقدير تكون ولادة ابن زولاق المذكور فى شهر شعبان من السنة المذكورة.

__________________

(١) هكذا فى «م» .. وفى وفيات الأعيان : «جعله ذيلا» وهى الأدق فى المعنى ، وقد ذكرها السيوطى فى حسن المحاضرة كذلك [انظر ج ١ ص ٥٥٣ من المصدر المذكور].

(٢) فى «م» : «أبى عمرو» خطأ. وهو المؤرخ محمد بن يوسف بن يعقوب الكندى ، وكنيته أبو عمر. كان فى زمن كافور الإخشيدى ، وله كتاب فضائل مصر ، وأخبار قضاة مصر المذكور هنا.

(٣) فى «م» : «ستة».

(٤) فى «م» : «وابتدأ».

(٥) فى «م» : «يعنى أبو محمد».

(٦) فى «م» : «الثلاث».

(٧) هكذا الفعل فى «م» نقلا عن وفيات الأعيان ج ٢ ص ٩٢ ، والرائى هنا هو ابن خلكان وليس المؤلف.

(٨) فى «م» : «الأول» خطأ.

٢٥٦

وروى أبو محمد (١) المذكور عن الإمام أبى جعفر محمد بن سلامة الطحاوى. وابن زولاق الليثى ـ قال يونس بن عبد الأعلى الصدفى : هو اللّيثى (٢) بالولاء ، والله أعلم.

قبر القاضى أبى الطاهر محمد بن أحمد (٣) :

وممّن قبر [بهذا المشهد](٤) القاضى أبو الطاهر (٥) محمد بن أحمد ، عرف بابن نصير ، وقيل : نصر ، ولى القضاء يوم السبت لثلاث عشرة بقيت أو خلت من جمادى الأولى (٦) ـ وقيل : ربيع الأول ـ سنة ستّ (٧) وأربعين وثلاثمائة.

وكان إماما زاهدا عابدا ، مقبلا على الله سبحانه وتعالى ، تحمل إليه الأموال فلا يقبلها ، وكان شديدا فى الله ، كثير التسليم ، وقيل : إنه نافد رسولا (٨) دخل إلى مصر من قبل الفاطميين فلم يبت الرسول بمصر خشية منه.

__________________

(١) يعنى : ابن زولاق.

(٢) هذه النسبة إلى ليث بن كنانة ، وهى قبيلة كبيرة.

[انظر الوفيات ج ٢ ص ٩٢].

(٣) العنوان من عندنا.

(٤) ما بين المعقوفتين ساقط من «م».

(٥) فى «م» : «أبو الظاهر» بالظاء المعجمة ، وهو تصحيف.

[انظر ترجمته فى الولاة والقضاة ص ٤٩٣ ، وحسن المحاضرة ج ٢ ص ١٤٧ ، ووفيات الأعيان ج ٥ ص ٢٢٧ ، وتاريخ الدولة الفاطمية ص ١٤٩].

(٦) فى «م» : «الأول» خطأ. وفى الولاة والقضاة أن كافور سلم الأمر إليه للنصف من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.

(٧) فى «م» : «ستة» خطأ.

(٨) نافد رسولا ، أى : حاكمه وخاصمه.

٢٥٧

وفى أيامه قدم المعز لدين الله الخليفة الفاطمى ، فلما قضى (١) قيل للقاضى : اخرج إلى لقائه ، فقال : ليس لى به حاجة.

وكان دخول المعز فى سنة اثنتين (٢) وستين وثلاثمائة. وكان جوهر القائد الأزهرى (٣) قد أقرّه على ولايته لمّا دخل على عساكر المعز ، قبل أستاذه لتسلّم الديار المصرية ، ثم إن المعز لما جلس بمصر واستدعى وجوه الناس قال : أين القاضى؟ فقيل له يحضر ، فجىء به إليه ، فنظر عليه أثوابا خلقة (٤) ، فقال : أنت القاضى؟ قال : نعم. فقال المعزّ : القاضى يعطى ألف دينار لإصلاح حاله. فقال : ليس لى به حاجة. فغضب المعز وقال : تردّ علىّ هديتى؟! فقال : ليس لى به حاجة ، وعندى قوت ثلاثة أيام. فقال له رجل من أهل الشرطة : إنّه يدّعى الورع بين يديك. فقال المعز : ما يقول هذا. وكان المعز كثير الحلم. فقال القاضى : اللهمّ إن كان ما قال حقّا (٥) فاغفر له ، وإلّا فاسلبه عقله. فجنّ من وقته ، فتعجب المعز لذلك ، وكان يزوره بعد ذلك مستخفيا.

__________________

(١) أى : انتهى من مجلس قضائه.

(٢) فى «م» : «اثنين» خطأ لغوى.

(٣) هو جوهر بن عبد الله الرومى ، أبو الحسن القائد ، بانى مدينة القاهرة والجامع الأزهر ، كان من موالى المعز العبيدى (صاحب إفريقية) وسيّره من القيروان إلى مصر بعد موت كافور الإخشيدى ، فدخلها سنة ٣٥٨ ه‍. وأرسل الجيوش إلى بلاد الشام لفتحها ، ومكث بها حاكما مطلقا إلى أن قدم مولاه المعز سنة ٣٦٢ ه‍ ، فحل المعز محله وصار هو من عظماء القواد فى دولته إلى أن توفى سنة ٣٨١ ه‍ بالقاهرة. وكان كثير الإحسان ، شجاعا ، لم يبق بمصر شاعر إلا رثاه.

[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٢ ص ١٤٨ ، ووفيات الأعيان ج ١ ص ٣٧٥ ـ ٣٨٠ ، والنجوم الزاهرة ج ٤ ص ٢٨ وما بعدها].

(٤) خلقه : بالية.

(٥) فى «م» : «حق» خطأ ، والصواب بالنصب.

٢٥٨

وقال أبو جعفر بن نصر : كنت عند المعز ، فذكر عنده القاضى أبو الطّاهر (١) ، وأنه لا مال له ، فبعث المعز إلى داره ، فلم يجدوا فيها شيئا سوى ثلاثة دراهم ، فقال المعز لقوم قدموا عليه من المغرب (٢) : هكذا الزّهّاد ، وهكذا الزهد.

ولما بلغ المعزّ موت (٣) القاضى تأسّف على موته وقال : رفع الزّهد من بعده. وكانت وفاته سنة تسع وستين وثلاثمائة ، ودفن إلى جانب قبر سهل بن أحمد البرمكى. وبهذه التربة جماعة أخر ، والله أعلم (٤).

* * *

قبر الفقيه يحيى بن بكير (٥) :

ثم تخرج من التربة وأنت مستقبل القبلة ، قيل : كان بين الجوسقين (٦) قبر بأربعة ألواح رخام ، فوقها صندوق ، مكتوب عليها (٧) : يحيى بن بكير ، وهو راوى الموطأ عن مالك.

__________________

(١) فى «م» : «أبو الظاهر» سبق التعليق عليه.

(٢) فى «م» : «الغرب».

(٣) فى «م» : «صوت» تصحيف.

(٤) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٥) العنوان من عندنا. وهو أبو زكريا يحيى بن عبد الله بن بكير القرشى ، المخزومى بالولاء ، راوية للأخبار والتاريخ ، ومن حفّاظ الحديث ، مصرى ، نقل محمد بن يوسف الكندى فى تاريخ مصر وولاتها كثيرا مما روى عنه المدينى وغيره. ولد فى سنة ١٥٤ ه‍ وتوفى سنة ٢٣١ ه‍.

[انظر الأعلام ج ٨ ص ١٥٤ ، والولاة والقضاة ، صفحات متفرقة ، وميزان الاعتدال ج ٤ ص ٣٩١ ، وتذكرة الحفاظ ج ٢ ص ٤٢٠ ، وحسن المحاضرة ج ١ ص ٣٤٧].

(٦) الجوسق : الحصن ، والبناء المرتفع ، (لفظة معربة).

(٧) فى «م» : «فوقهم صندوق مكتوب عليهم».

٢٥٩

قبر أبى يعقوب النهرجورى (١) :

فإذا جزت ثمّ تزور (٢) بالنية ، وتجىء عن يمينك قبل أن تصل إلى مقطع الحجارة ، فتدخل على يمينك وأنت مستقبل القبلة تجد قبرا يقال : هو قبر أبى يعقوب (٣) النّهرجورىّ ، قيل : إنه قرأ على أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب القرآن (٤). قال الصلاح الصّفدىّ ـ رحمه الله ـ فى كتابه «الوافى بالوفيات» : إسحاق بن محمد (٥) أبو يعقوب النّهرجورىّ ، من كبار مشايخ الصوفية وعلمائهم ، جاور بمكة سنينا (٦) كثيرة ، ومات بمكة ولم يمت بمصر ولم يدفن بها ، مات فى سنة ٣٣٠ ه‍.

ومن كلامه ـ رضى الله عنه : «مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام ، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب». وقال : «العابد يعبد الله تخويفا ، والعارف يعبد الله تشريفا». وقال : «احترسوا (٧) من الناس بسوء الظن بأنفسكم لا بالناس».

__________________

(١) العنوان من عندنا. وهو أبو يعقوب إسحاق بن محمد النّهرجورى ، من علماء الصوفية ، ونسبته إلى «نهر جور» قرية بالقرب من الأهواز. رحل إلى الحجاز ، وأقام مجاورا بالحرم سنين كثيرة. ومات بمكة سنة ٣٣٠ ه‍ ولذا قال المؤلف هنا : «ثم تزور بالنية».

[انظر الأعلام ج ١ ص ٢٩٦ ، وطبقات الصوفية ص ٣٧٨ ـ ٣٨١ ، وطبقات الشعرانى ج ١ ص ١١١ ، والرسالة القشيرية ج ١ ص ١٦٧ و ١٦٨ ، وحلية الأولياء ج ١٠ ص ٣٥٦ ، وسير أعلام النبلاء ج ١٥ ص ٢٣٢ و ٢٣٣ ، وشذرات الذهب ج ٢ ص ٣٢٥ و ٣٢٦].

(٢) فى «م» : «تزر» لا يصح. وثمّ ، أى : هناك.

(٣) فى «م» : «أبو يعقوب».

(٤) أى : قرأه عليه مناما ، والله أعلم. وإلى هنا ينتهى ما كتب عنه فى «ص». ومن قوله : «قال الصفدى ..» إلى قوله : «وكان لها قدم صدق» عن «م» ولم يرد فى «ص».

(٥) فى «م» : «أبو محمد» تحريف من الناسخ.

(٦) هكذا فى «م» وهى صحيحة ، فالسنة تجمع كجمع المذكر السالم فيقال : سنون وسنين ، وتحذف النون للإضافة. وتجعل النون حرف إعراب ـ فى لغة ـ تنوّن فى التنكير ، ولا تحذف مع الإضافة ، كأنها من أصول الكلمة ، وعلى هذه اللغة قوله ، صلّى الله عليه وسلم : «اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف».

(٧) فى «م» : «احترز».

٢٦٠