مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

موفق الدين بن عثمان

مرشد الزوّار إلى قبور الأبرار - ج ١

المؤلف:

موفق الدين بن عثمان


المحقق: محمّد فتحي أبو بكر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار المصريّة اللبنانيّة
الطبعة: ١
ISBN: 977-270-182-0
الصفحات: ٧٨٣

أبو زكريا البخارى ، والفقيه ابن الوردى ، والفقيه أبو عبد الله التميمى ، وابن نظيف المحدّث العالم الكبير ، والفقيه العالم عبد القوى ، وعبد الباقى بن فارس (١) المحدث ، والفقيه عبد الله أبو محمد عبد الله بن داود الفارسى ، والفقيه أبو الحسن الشيرازى ، والشيخ المحدّث أبو القاسم اليحمودى (٢) ، والفقيه أبو المعالى الشافعى ، والفقيه أبو عبد الله محمد المحدث ، وأبو الحسن الكعكى (٣) ، وأبو القاسم بن الحباب ، وأبو الطيب بن غلبون ، وابن بنت أبى سعيد الأنصارى ، وأبو المعالى على ، وأبو محمد عبد الله بن رفاعة ، وأبو الفضائل ، ويونس بن محمد المقدسى ، وأبو عبد الله الحموى النحوى ، وأبو الحسن على الحضرى ، وأبو طاهر (٤) السلفى الحافظ ، وأبو العباس أحمد ابن الحظية اللخمى المالكى ، وأبو الفوارس الجيزى الذي كان يختم القرآن فى ركعتى الفجر.

هذا من عرف من الأماثل الأعيان ، وأمّا من لم يعرف فكثير .. قال (٥) السيد الشريف محمد بن أسعد الأنصارى : وأبو طاهر السلفى ، والفقيه أبو عبد الله بن رفاعة السعدى ، والفقيه والإمام ابن أبى الطيب ، والشيخ أبو الحسن الحضرى ، والفقيه أبو الفضل يونس بن محمد المقدسى إمام جامع عمرو ، والفقيه أبو الحسن على بن الحسين الموصلى ، والفقيه الحافظ أبو الحسن الشيرازى .. وقد تقدم ذكر هؤلاء الجماعة ، غير أنّا قد أحببنا ذكر لفظ الشريف النّسّابة بتمامه وكماله.

__________________

(١) فى «م» : «فارث» خطأ.

(٢) فى «م» : «اليخمورى» لم أقف عليه ، وما أثبتّه هنا ورد فى كتاب «السيدة نفيسة» لمحمد شاهين ص ١٩٥.

(٣) كرر الناسخ ـ أو الكاتب ـ هذا الاسم واسم أبى الحسن الشيرازى سهوا ، فقد ذكره هنا منذ قليل [انظر الهامش رقم ٢ فى ص ١٨٠].

(٤) فى «م» : «الطاهر». وهو ابو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفى الحافظ.

(٥) أى : «قال تكملة لما سبق ..» وقد كرر هنا أعلاما ورد ذكرها من قبل وأشار إلى ذلك.

١٨١

وقد عرف هذا المكان (١) بإجابة الدعاء ، كل ذلك مع الإخلاص ، من غير رياء ولا سمعة ، والله تعالى أعلم بالصواب.

ذكر كرامات ظهرت بعد وفاتها :

قال بعض المؤرخين : كان رجل بمصر يسمّى عفان بن سليمان المصرى ، قد وجد فى داره مالا مدفونا ، فصار عفّان هذا يتصدّق من المال على الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ـ كما سيأتى فى ترجمة المذكور فى آخر الكتاب ـ وأمعن فى الصدقة حتى كان لا ينام كل ليلة حتى يطعم خمسمائة بيت من أهل مصر (٢) ، وكان يلقى الحاج (٣) فى كل عام من العقبة ، ويحمل المنقطع [منهم](٤) ، واشترى أحمد بن سهل بن أحمد أمير مصر ألف حمل برّ ، فاشتراها عفّان منه ، فلما كان بعد أيام قلائل وقع غلاء (٥) بمصر ، فزاد ثمن البرّ أضعافا ، فقال البائع الأول : تبيعنى هذا الذي اشتريته بهذا السعر الآن (٦). فقال له عفّان : لا أفعل ذلك .. ثم خرج عفان من داره وجلس على الباب ، فجاء إليه الناس وقالوا : انظر ما الناس فيه (٧) ومهما طلبت فى البرّ الذي عندك من ثمن (٨) أعطيناك .. فقال لهم : لا والله ، إنما أدّخر الثمن عند الله تعالى .. وفرّق ذلك على الفقراء والأرامل ، فبلغ ذلك «تكين» (٩)

__________________

(١) أى : مشهد السيدة نفيسة رضى الله عنها.

(٢) أى : من الفقراء والمساكين.

(٣) أى : الحجّاج.

(٤) ما بين المعقوفتين من عندنا.

(٥) فى «م» : «حصل الغلاء».

(٦) وفى رواية : «خذ ثمن البرّ الذي اشتريته منى ، واردد البرّ ، أو ادفع ثمنه بالسعر الحاضر».

و [انظر السيدة نفيسة لأبى علم ص ١٦٠ وما بعدها].

(٧) أى : من جدب وغلاء.

(٨) فى «م» : «من الثمن».

(٩) هو تكين بن عبد الله الحربى.

١٨٢

أمير مصر ـ وكان قد صال على أهل مصر حتى لقبوه بالجبّار ، وشكاه أهل مصر إلى العارف بالله تعالى بنان بن محمد الحمّال الواسطى الواعظ ، فدخل عليه ووعظه وقال : ارجع عن أهل مصر .. فلم يسمع ، وأمر بإخراج بنان (١) إلى بلاد المغرب (٢) .. وشكاه أهل مصر إلى الشيخ العارف بالله تعالى أبى الحسن الدينورى ، فدخل عليه ووعظه ، فلم يرجع ، وأمر بإخراجه من مصر إلى بيت المقدس .. وأمر «تكين» الجبار بأخذ أموال عفّان (٣) .. فلما بلغ ذلك عفان ذهب إلى السيد الشريف على بن عبد الله (٤) وقال له : يا سيدى أريد أن أخرج من مصر وأسكن غيرها من البلاد (٥) .. فقال له الشريف : «قم بنا إلى ضريح السيدة نفيسة وندعو الله عندها أن يشغل هذا الجبار عنك» .. فجاء عفّان والشريف «علىّ» إلى ضريح السيدة نفيسة ، رضى الله عنها ، وجلس عفّان من جانب ، والشريف من جانب آخر ، وقرأا شيئا من القرآن ، وسألا الله تعالى أن يجعل ذلك واصلا إلى السيدة نفيسة ، وأن يفرّج عن عفّان ما هو فيه من ضيق وكرب (٦) .. فأخذتهما سنة من النوم ، فناما ، فرأى السيد الشريف السيدة [نفيسة] وهى تقول له : «خذ عفان معك واذهب إلى تكين فقد قضيت حاجته» (٧) .. فلما استيقظ الشريف أخذ عفان معه ، ودخلا على «تكين» .. فقام «تكين» إلى الشريف وهو يرعد (٨) ، وقد حمّ لوقته ، وقال : رأيت

__________________

(١) فى «م» : «بنات» ، تصحيف.

(٢) فى «م» : «الغرب» ، تصحيف.

(٣) هكذا فى المصدر السابق .. وفى «م» : «أن يأخذ من عفان مالا كثيرا».

(٤) هو : على بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق ، رضى الله عنه .. من أهل التقوى والصلاح والعبادة ، وله مشهد جليل بناه الظافر ، الخليفة الفاطمى ، وكان يحمل إليه النذور.

(٥) أى : فرارا من الظلم ومن بغى «تكين».

(٦) فى «م» : «من الضيقة».

(٧) فى «م» : «الحاجة».

(٨) أى : أصابته رعدة ، وهى اضطراب فى الجسم من فزع أو حمّى أو غيرهما.

١٨٣

السيدة نفيسة وهى تقول لى : «يا تكين» أكرم الشريف «على» وارجع عن «عفان» فإنه استجار بنا .. فقال له الشريف : هذا (١) عفان بين يديك .. فقال «تكين» : «والله ما رأيته .. يا رب إنّى تائب» فتاب «تكين» من الظلم ، وأخلص فى توبته .. فرأى عفان (٢) ، وقال : أنت عتيق السيدة نفيسة .. وتصدق «تكين» على الفقراء بمال كثير ، وصار يحسن إلى أهل مصر ويقول : كل أهل مصر يخافوننى (٣) ، وأنا أخاف من دعوة عفان عند ضريح السيدة نفيسة ـ وقد أحسن «تكين» شأنه مع أهل مصر ، ولازم زيارة مشهد السيدة نفيسة ، رضى الله عنها ، إلى أن توفى بمصر يوم السبت المبارك ، لستة عشر خلون من شهر ربيع الأول سنة ٣٢١ وهو متولّ (٤) عليها ، وأوصى أن يدفن ببيت المقدس ، فحمل ودفن هناك ، وترك ولده محمدا ، فأقام على طريقة أبيه فى الإحسان .. وتوفى سيدى «عفّان» فى زمن ولايته فى سنة ٣٢٢ ه‍ ودفن فى طريق مصر بمكان معروف ـ رحمة الله عليه ، ونفع ببركاته.

وحكى عن رجل اسمه أبو العز اليمانى قال : كنت فى قومى عزيزا ، وكنت (٥) أكثرهم مالا وعملا وحسبا ، فطالت علىّ النفس حتى صرت لها مطيعا ، ونظرت إلى الخلق بعين الاحتقار ، وأنستنى النفس القدوم على الملك الجبار ، وشغلتنى عن عذاب النار ، فذهب منى المال ، ونقص منى العمل بالطاعة ، التى هى أشرف بضاعة ، وانخفض قدرى ، واشتد كربى ، وعزّانى الصديق ، وفرح فّى الحسود ، فقلت لصديق كان مشفقا علّى : يا أخى ،

__________________

(١) فى «م» : «ها» وهى حرف للتنبيه لا عمل له ، ويتصل غالبا بأسماء الإشارة فتسقط ألفه خطّا ، مثل : هذا ، وهذه ، وهؤلاء ، الخ.

(٢) أى : عندما أخلص النيّة فى توبته أبصره فى الحال بعد أن كان محجوبا عن رؤيته.

(٣) فى «م» : «يخافونى» لا تصح ، والصواب ما أثبتناه.

(٤) فى «م» : «متولى» خطأ.

(٥) فى «م» : «إلّا أنى كنت».

١٨٤

ما ترى فيما (١) نزل بى؟! فقال لى : عليك يا أخى أن تسأل الله بأوليائه الصالحين المقرّبين ، عسى الله أن يذهب عنك هذا الأمر الذي قد نزل بك .. قال : فاعتزلت عن الناس (٢) فى مكان ، فلما كنت فى بعض الليالى نائما متفكرا فى أمرى ، وإذا بى (٣) أرى كأنى فى فضاء واسع (٤) ، ونور ساطع ، تارة يظهر وتارة يختفى (٥) ، فأخذنى العجب من هذا النور الذي يظهر ويختفى (٦)؟ فإذا أنا أسمع قائلا يقول لى : هذا نور السيدة نفيسة .. فقلت : عسى الله أن يجمع بينى وبينها فأسألها (٧) الدعاء بزوال هذه الكربة .. فقيل لى : إنها ميتة .. فقلت : أغتنم بركة زيارتها .. فما أتممت القول حتى سمعت (٨) من يقول : أنا السيدة نفيسة يا فلان .. فارق نفسك .. فقلت : أنا فارقتها فرقة لا عودة لى إليها (٩) ، وإنى تائب إلى الله تعالى .. فقالت لى : «قبلت التوبة إن شاء الله تعالى ، وزالت الحوبة» .. فأصبحت فرحا بما رأيت فى منامى ، وانصلح حالى بعد قليل ، وزادنى الله أضعاف ما كنت فيه ، كل ذلك ببركتها ، رضى الله عنها.

وكان الأستاذ المكنى بأبى المسك بن عبد الله الإخشيدى (١٠) لا يدع

__________________

(١) فى «م» : «ما».

(٢) اعتزل الشّىء ، وعنه : بعد وتنحّى.

(٣) فى «م» : «أنى» ، تصحيف.

(٤) فى «م» : «واسع الفناء».

(٥) فى «م» : «يخفى».

(٦) فى «م» : «فقلت : يا الله ، يا للعجب ، ما هذا النور الذي يظهر ويخفى؟!».

(٧) فى «م» : «واسألها».

(٨) فى «م» : «إلّا وأنا أسمع».

(٩) فى «م» : «فارقتها لاعوة (هكذا) لى فيها».

(١٠) هو أبو المسك كافور بن عبد الله الإخشيدى ، الأمير المشهور ، صاحب المتنبى ، كان عبدا حبشيّا اشتراه الإخشيدى ملك مصر سنة ٣١٢ ه‍ فنسب إليه ، وأعتقه ، فترقى عنده حتى ملك مصر سنة ٣٥٥ ه‍. وكان فطنا ذكيّا ، حسن السياسة ، وكانت مدة إمارته على مصر اثنتين وعشرين

١٨٥

زيارة السيدة نفيسة ، رضى الله عنها فى كل خميس ، ويسأل الله عند ضريحها فى قضاء حوائج له ، فتقضى له ببركتها .. وكان إذا قضيت حوائجه يوفى بنذرها ، ويأتى بالمسك والزّعفران والطّيب والشمع والزيت والقناديل الفضية ، وكان يحسن للخدّام كثيرا .. وكان إذا قصد زيارتها يترجّل حين ينظر الباب الأول من بعيد ، ويدخل حاسر الرأس .. وبقى كذلك إلى أن توفى بمصر سنة ٣٥٧ ه‍ رحمة الله تعالى عليه.

وفضائل السيدة [نفيسة](١) كثيرة ، ومناقبها أكثر من أن تحصر ، فالله تعالى ينفع ببركاتها فى الدنيا والآخرة ، بجاه سيد المرسلين محمد ، صلّى الله [عليه](٢) وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

أدعية الزيارة وآدابها (٣) :

ومما ينبغى للزائر إذا دخل إلى ضريحها أن يقول : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)(٤) .. (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٥) اللهم إنك قد ندبتنى (٦) إلى أمر قد فهمته وقلته وسمعته وأطعته واعتقدته وجعلته أجرا (٧) لنبيك ، صلّى الله عليه وسلم ، إذ هديتنا به إليك ، ودللتنا به عليك ، وكان كما قلت : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً)(٨) .. حبيب

__________________

سنة ، وتوفى سنة ٣٥٧ ه‍.

[انظر الأعلام ج ٥ ص ٢١٦ ، والنجوم الزاهرة ج ٤ ص ١ ـ ١٠].

(١) زيادة من عندنا.

(٢) زيادة من عندنا يتطلبها السياق.

(٣) هذا العنوان من عندنا.

(٤) سورة هود ـ من الآية ٧٣.

(٥) سورة الأحزاب ـ من الآية ٣٣.

(٦) أى : دعوتنى.

(٧) فى «م» : «أمرا». وما أثبتناه عن المصادر التى ترجمت لها.

(٨) سورة الأحزاب ـ من الآية ٤٣.

١٨٦

إليه ما هديتنا ، عزيز عليه ما عنتنا (١) وتلك الفريضة التى سألتها له [وهى المودّة](٢) فى القربى ، اللهمّ إنى مؤدّيها بلسانى ، معتقدها بقلبى ، ساع إليها بقدمى ، راج للنفع بها فى دنياى وأخراى (٣) ، متوسّل إليك بها يوم انقطاع الأسباب والأنساب سببا ونسبا ، وصلّ (٤) على نبيك ، صلّى الله عليه وسلم.

اللهم فهأنذا (٥) نازل بفنائهم ، متقرب إليك بولائهم ، متذرع (٦) بالطاهرين والطاهرات من نسائهم .. اللهم زدهم شرفا وتعظيما ، شرّفهم شرفا حادثا وقديما ، وهب لنا من زيارتهم مغفرة وأجرا عظيما .. السلام عليكم يا آل بيت المصطفى ، يا بنى فاطمة الزهراء ، يا بنى على المرتضى ، يا بنى الحسن والحسين ، أهل النبي ، أنتم القوم لا يحرم من خيركم إلّا محروم ، ولا يطرد عن بابكم إلّا مطرود ، ولا يواليكم إلّا تقىّ ، ولا يعاديكم (٧) إلّا شقى .. اللهم صلّ على محمد ، وعلى آل محمد ، وعلى أصحاب محمد ، وعلى أزواج محمد ، وعلى ذرّيّة محمد ، وأنلنى ما رجوت بهم ، وبلّغنى ما أمّلت فيهم ، وأعد علىّ من بركات السفر إليهم ، وهوّن علىّ موقفى بين يديك بالوقوف بين أيديهم .. وتدعو بحاجتك من أمر الدنيا والآخرة.

وكان من دعاء بعض السلف عند ضريح السيدة نفيسة ـ رضوان الله عليها ـ عند زيارتها يقول : السلام والتحية ، والإكرام والرضوان من العلىّ الأعلى الرحمن ، على السيدة نفيسة ، الطاهرة المطهرة ، سلالة نبى الرحمة ، وشفيع

__________________

(١) أى : صعب وشاقّ عليه عنتنا ومشقّتنا ـ أو ما نقع فيه من الشدة والمشقة.

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من المصادر التى ترجمت لها ، ولم ترد فى «م».

(٣) فى «م» : «وأخرى» تجريف.

(٤) فى «م» : «وصلى» خطأ ، والصواب حذف الياء (فعل أمر مبنى على حذف حرف العلة).

(٥) فى «م» : «فهأنا».

(٦) فى «م» : «متدرع» بالدال المهملة ، ومعناها : محتم ، وبالذال المعجمة تعنى : متشفع. فكلاهما صحيح.

(٧) فى «م» : «يهادنكم» تحريف من الناسخ.

١٨٧

الأمّة ، خير الأنبياء البررة ، وابنة علم العشيرة (١) الإمام حيدرة .. السلام عليك يا بنت الإمام الحسن المسموم ، أخى الإمام الحسين الشهيد المظلوم .. السلام عليك يا بنت فاطمة الزهراء ، وسلالة خديجة الكبرى ، رضى الله عنك وعن أبيك وجدّك وعمّك وابنك ، وحشرنا فى زمرتهم (٢) أجمعين .. اللهم بما كان بينك وبين جدّها محمد رسولك ليلة المعراج ، اجعل لنا من همّنا الذي نزل بنا باب انفراج ، واقض حوائجى ـ وإنّ كانوا جمعا يقولوا : واقض حوائجنا فى الدنيا والآخرة بمحمد وآله وصحبه أجمعين.

وكان بعض السلف يقول أيضا : السلام والتحية والإكرام على أهل بيت النبوة والرسالة .. السلام عليك يا بنت حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن (٣) السبط ابن الإمام على بن أبى طالب .. السلام عليك يا بنت فاطمة الزهراء ، ويا سلالة خديجة الكبرى .. أنتم يا أهل البيت غياث لكل قوم فى اليقظة والنوم ، فلا يحرم من فضلكم إلّا محروم ، ولا يطرد عن بابكم إلّا مطرود ، ولا يواليكم إلّا مؤمن تقى ، ولا يعاديكم إلّا منافق شقى .. اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله ، وأعطنى خير ما رجوت بهم ، وبلّغنى خير ما أملت فيهم ، واحفظنى بذلك فى دينى ودنياى وآخرتى ، إنك على كل شىء قدير.

ثم تقول (٤) :

يا بنى الزّهراء والنور الذي

ظنّ موسى أنه نار قبس (٥)

لا أوالى قطّ من عاداكمو

إنه آخر سطر فى عبس (٦)

__________________

(١) فى «م» : «العشرة» لعلها تحريف من «العترة» وهى تعنى : نسل الرجل وعشيرته.

(٢) فى «م» : «فى زمرة أوليائك وزائريك» وما أثبتناه عن المصادر التى ترجمت لها.

(٣) فى «م» : «حسن».

(٤) ورد الشعر فى «م» متداخلا بين الأسطر على هيئة النثر.

(٥) فى «م» : «أنها نار قبس» وكلاهما صحيح المعنى ، فالهاء فى «أنه» تعود على «النور» والثانية على «النار» ، وما أثبتناه أوجه.

(٦) يريد بقوله : «آخر سطر فى عبس» قول الله تعالى ـ فى آخر سورة «عبس» : (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ).

١٨٨

وقد مدح بعض الفضلاء ، رضى الله عنهم ، هذه السيدة ، رضى الله عنها بأعظم الرضوان ، وعن سائر أهل البيت الطاهرين بأبيات أحببنا ذكرها هاهنا ، فقال رضى الله عنه (١) :

يا من له فى الكون من حاجة

عليك بالسيدة الطاهره

نفيسة والمصطفى جدها

أسرارها بين الورى ظاهره

فى الشرق والغرب لها شهرة

أنوارها ساطعة باهره (٢)

كم من كرامات لها قد بدت

وكم مقامات لها فاخره

بنفسها قد حفرت قبرها

حال جاءت يالها حافره

حجّت ثلاثينا على رجلها

صائمة عن أكلها قاصره

كانت تصلى وتقوم الدّجا

دوما على أقدامها ساهره

عابدة زاهدة جامعة

للخير فى الدنيا وفى الآخرة

[تتلو كتاب الله فى لحدها

وهى لمن قد زارها ناظره](٣)

فى كل قطر قد سما ذكرها

عاملة فائقة ماهره (٤)

يسقى بها الغيث إذا ما القرى

قد أجدبت من سحبها الماطره (٥)

والناس قد عاشوا بها فى صفا

عيش بأيام لها زاهره

والشافعى قد كان يأتى لها

سعيا إلى دارها العامره (٦)

يرجو بأن تدعو له دعوة

فيالها من دعوة وافره

صلّت عليه بعد موت وقد

أوصى بهذا فهى له شاكره

__________________

(١) فى «م» : «فقال ... شعر».

(٢) فى «م» : «والشرق».

(٣) هذا البيت سقط من «م» سهوا من الناسخ وقد أثبتناه من المصادر التى ترجمت لها [وانظر كتاب السيدة نفيسة لحمزة ص ١٢٨]

(٤) فى «م» : «عالمة فائقة».

(٥) فى «م» : «أجذبت» تحريف.

(٦) فى «م» : «عامرة».

١٨٩

سبحان من أعلى لها قدرها

لأنها بين الورى نادره

يا حبذا سيدة شرفت

بها أراضى مصر والقاهرة

ومن أحسن ما قال أبو الفضل بن الجوهرى (١) :

حبّ آل النّبيّ خالط عظمى

وجرى فى مفاصلى فاعذرونى

وأنا ـ والله ـ مغرم بهواهم

علّلونى بذكرهم علّلونى (٢)

وما أحسن [قول] بن الوردى ـ ناظم البهجة (٣) :

يا آل بيت النّبيّ من بذلت

فى حبّكم روحه فما غبنا (٤)

من جاءكم يطلب الحديث له

قولوا له البيت والحديث لنا (٥)

وقال بعض أهل الفضل ، رضى الله عنهم (٦) :

لآل بيت رسول الله قد ظهرا

فضل وشاع بفضل الله واشتهرا

محمد المصطفى والمرتضى بهما

فخار كل شريف أصله ظهرا

وإنّ فاطمة الزهراء أمّهم

وهى البتول التى جلّت على النّظرا

أهل العباد الكرام الخمسة النّجبا

ما مثلهم فى جميع العالمين يرى

جبريل سادسهم فى نومهم وكذا

فى ظلّ حضرتهم بالأنس قد حضرا

والبضعة الخيرة السّت المشار لها

نفيسة القدر كم سرّ لها ظهرا

لها مقام علىّ القدر مرتفع

بالذّكر والعلم والقرآن قد عمرا

لها رباط أمين ياله حرم

يأوى المساكين والأيتام والفقرا

لها رواق تروق العين رؤيته

يا ناظرين تملّوا فاز من نظرا

لها فخار وإجلال بنسبتها

حسيبة ، حسبها الفخر الذي اشتهرا

__________________

(١) فى «م» : «أبو الفضل الجوهرى».

(٢) فى «م» : «عللونى بذهم» الأخيرة تصحيف.

(٣) ما بين المعقوفتين من عندنا لاستقامة الأسلوب والسياق.

(٤) فما غبن : فما ظلم.

(٥) أى : لله البيت ـ وقد يكون المراد «بيت الشعر» السابق.

(٦) فى «م» : «شعر».

١٩٠

لها الكرامات فى الأقطار قد ظهرت

وسرّها قد فشا بين الورى وسرى

لها فزوروا ، وفاها قد تحقق فى

وفائها بالأمانى للذى نذرا (١)

لها مشايخ علم يحضرون لها

فى كل أربعة يا سعد من حضرا

لها طوائف زوّار ، طريقتهم

وظائف الذّكر ، والبشرى لمن فكرا

لها ضريح وخدّام كأنّهم

ملوك سادوا على السّادات والأمرا

ترابها زعفران والمسوك به

فاحت ، وكم وجه حرّ فيه قد عفرا

قناعها طاهر والسّتر منسبل

فالمحتمى بجميل الستر قد سترا

أضحت كراماتها كالشمس واضحة

وليس ينكر ضوء الشّمس حين يرى

كم أظهرت عجبا ، كم أبرأت وصبا

كم فرجت كربا ، كم أطلقت أسرا (٢)

كم بلّغت أربا ، كم أذهبت نصبا

كم زوّلت تعبا ، كم سهّلت خطرا (٣)

غنيّة بالذى نالته من كرم

سلطان مصر لها ما زال مفتقرا (٤)

يا أهل بيت رسول الله مادحكم

كسير قلب ، ولكن كسره جبرا

لعلّ يحشر فى إقبال زمرتكم

طوبى له فى جنان الخلد إن حشرا (٥)

إنشاء المشهد النفيسى وتجديده (٦) :

قيل : ولمّا أن توفيت السيدة نفيسة ، رضى الله عنها ـ كما ذكر آنفا ـ ودفنت بهذا المشهد المعروف بها ـ كما تقدم ذكر ذلك ـ رغب الناس فى البناء على القبر ، فشرع السّرىّ بن الحكم أمير مصر فى البناء ، فبنى على قبرها حاجزا ، ثم تهدّم البناء وجدّد أيضا ، كما هو مكتوب على ألواح الرخام على باب ضريحها ،

__________________

(١) وفاها : وفاؤها.

(٢) أسرا : جمع أسير.

(٣) أربا : محتاجا .. نصبا : تعبا .. زوّلت : أزالت.

(٤) فى «م» : «مازلا» تصحيف.

(٥) فى «م» : «انحل» مكان «إن حشرا» تحريف من الناسخ.

(٦) هذا العنوان من عندنا.

١٩١

وهو الذي كان مصفّحا بالحديد ، وسوره مكتوب ما مثاله ـ بعد البسملة الشريفة : نصر من الله وفتح قريب .. لعبد الله وولده معدّ ، المكنى بأبى تميم ، الإمام المستنصر (١) بالله ، أمير المؤمنين وعضد الدين ، وفارس المسلمين ، متّع الله ببقائه ، وأعلى كلمته ، وشد عضده بولده الأمير الأجلّ الأفضل ، جلال الدين ، ناصر الإسلام ، خليل ، أمر بإنشاء هذا المشهد الشريف النفيسى ، مولانا أمير المؤمنين المشار إليه على يد ولده المشار إليه ، أجرى الله الخير على يديه ، وضاعف من يد البركات عليه ، فى شهر ربيع الآخر سنة ٤٨٢ ه‍.

وأمّا القبة التى على ضريحها فالذى جدّدها الخليفة الحافظ لدين الله عبد المجيد العلوى الفاطمى ، وذلك بعض شهور سنة ٤٨٢ .. وهو الذي [أمر](٢) بعمل الرخام فى المحراب .. ثم أخذ أرباب الدولة فى العمارة بجوار ضريحها تبرّكا بها .. وكان مكتوبا على باب ضريحها ما صورته (٣) :

يا آل طه وحقّ الله حبّكم

فرض من الله فى القرآن أنزله

يكفيكم من عظيم القدر أنكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

قبر يحيى بن زيد بن الحسن ، رضى الله عنه (٤) :

وقيل : إن يحيى بن زيد بن علىّ ، وأخته نفيسة هى التى بالمراغة ، عمّة السيدة نفيسة بنت الحسن ، وقبرها تجاه القبر الطويل .. فليعلم ذلك.

__________________

(١) فى «م» : «المنتصر بالله» ، والتصويب من «التحفة» ص ١١٢ ، وفيها «منقد» مكان «معد» خطأ. [وانظر وفيات الأعيان ج ٥ ص ٢٢٩ ـ ٢٣١].

(٢) ما بين المعقوفتين عن التحفة ص ١١٢ ولم ترد فى «م».

(٣) فى «م» : «ما صورته شعر».

(٤) هذا العنوان عن «ص» ولم يرد فى «م» .. وقد أثبتنا هنا ما جاء فى «م» ، حيث لم يرد فى «ص» عن «يحيى بن زيد» سوى سطر واحد بعد العنوان المذكور. ويحيى هو : يحيى بن الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب ، وهو أخو السيدة

١٩٢

وحكى عن بعضهم قال : دخلت على قبر يحيى فلم أحسن الأدب ، فسمعت من القبر قائلا يقول : قل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(١).

وحكى أنه قال (٢) : كان لى عبد إذا أذنب قلت له : غفر الله لك .. فنمت ليلة ، فرأيت كأنّ القيامة قد قامت ، والناس قد حشروا ، وكأنى قائم بين يدى الله عزّ وجلّ ، فقال لى : يا يحيى قد غفرت لك لكثرة عفوك عن عبدك.

وحكى العبد لى عن محمد بن جعفر الحسينى ، قال : حججنا سنة من السنين ، وكان معنا سيدى يحيى المتوّج ، فضللنا عن الطريق ، فتعلّقنا به ، فصلّى ركعتين ثم رفع يديه وقال : سيروا على بركة الله وعونه .. فسرنا خطوات يسيرة فإذا نحن على الجادّة .. فعطشنا عطشا شديدا ، فشكونا له ذلك ، فبسط يديه ودعا ، فما أتم دعاءه حتى نزل سيل عظيم من الجبل ، ففرحت الناس وشربوا منه ، وحملوا معهم حتى اكتفوا ، فما رأيت أسرع من دعائه.

وحكى عنه الحسن الوليدى أنه قال : ما عصى الله من شرف نسبه .. وقال له رجل : ألسنا من آل محمد؟! فقال : اعمل صالحا ، فإنه بلغنى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال : «إنّ من أصحابى من لم يرنى (٣) بعد أن يفارقنى ، وإنه ليقال يوم القيامة : اليوم أضع الأنساب وأرفع نسبى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(٤) أين أنت من جدّك (٥) يا شريف حين كان يشد

__________________

نفيسة ـ المدفونة بالمراغة ـ رضى الله عنها .. قال القرشى : وليس بمصر من إخوتها أحد سواه. ولا عقب له.

[انظر الكواكب السيارة ص ٩٥ ، وتحفة الأحباب ص ٢١١].

(١) سورة الأحزاب ـ من الآية ٣٣.

(٢) القائل هو يحيى بن زيد.

(٣) فى «م» : «لم يرانى» خطأ ، والصواب ما أثبتناه.

(٤) سورة الحجرات ـ من الآية ١٣.

(٥) يريد النّبيّ صلّى الله عليه وسلم.

١٩٣

مئزره ويوقظ أهله ويقوم لعبادة ربه ويقول : «أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك ، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك؟».

وتوفى سيدنا يحيى ؛ ولم أقف له على تاريخ وفاة ، ولعله توفى بعد أخيه بقليل ، والله أعلم.

وما أحسن قول بعضهم (١) :

أنتم تراجمة الكتاب وعندكم

يا آل بيت المصطفى تأويله

العلم نور أنتم مشكاته

والشّرع تاج أنتم إكليله (٢)

مشهد القاسم الطيب (٣) :

[هو السيد الشريف الإمام العالم] القاسم الطيب بن محمد المأمون (٤) ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين ـ سمّى بذلك (٥) لأنه ظهر له بوجهه بين عينيه سواد ، وكبر حتى صار كالليمونة العظمى الكبرى ، وبركبتيه كغدد البعير ، كل ذلك من كثرة عبادته ، وكان كالشّنّ البالى (٦) ، إذا مرّ فى طرق المدينة تميله الرياح يمينا وشمالا .. وهو أحد الأئمة الاثنى عشر ، على مذهب الإمامية ، ومن سادات التابعين .. وقال الزهرى : «ما رأيت قرشيّا أفضل منه».

__________________

(١) فى «م» : «قال بعضهم شعر».

(٢) فى «م» : «العلم نورا فأنتموا شكاته» هكذا ، وهو تحريف وتصحيف من الناسخ ، والصواب ما أثبتناه.

(٣) العنوان من عندنا .. وما سيأتى عن «م» أيضا وساقط من «ص».

(٤) فى «م» : «القاسم الشيخ بن محمد المأمونى». ومحمد المأمون هذا يلقب بالديباج .. وما بين المعقوفتين عن الكواكب السيارة ص ٩٦ ، وتحفة الأحباب ص ٢١٢.

(٥) أى : زين العابدين ، وسيعود إلى ذكر القاسم بعد قليل.

(٦) كالشّنّ البالى : كالقربة الخلق الصغيرة.

١٩٤

وكان كثير البرّ بأمّه ، حتى قيل له : إنك من أبرّ الناس بأمّك ولسنا نراك تأكل معها فى صحفة .. فقال : «أخاف إن تسبق يدى إلى ما تسبق إليه عينها ، فأكون قد عققتها».

وممّا روى عن زين العابدين دعاء الاستخارة : «اللهمّ إنك تنيل الرّغائب ، وتعطى المواهب ، وتتم (١) المطالب ، وتطيّب المكاسب ، وتهدى إلى أحمد العواقب ، وتقى النوائب .. اللهم وقد استخرتك فيما عزم أمرى عليه ، وقادنى (٢) هواى إليه ، فسهّل منه ما توعّر ، ويسّر منه ما تعسّر ، واكفنى فيه المهم ، وادفع عنى كلّ ملمّ ، واجعل يا ربّ عاقبته غنما ، ومحذوره سلما ، وبعده قربا ، وجدبه (٣) خصبا ، وأنلنى لواء الظفر فيما رجوت ، وعوائد الإنعام فيما دعوت ، وفوائد الإكرام فيما سألت ، فإنك تقدر ، ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علّام الغيوب».

وفوائده (٤) كثيرة. وكان ولادته يوم الجمعة فى بعض شهور سنة ٣٨ من الهجرة .. وتوفى سنة ٩٤ .. وقيل : سنة ٩٩ .. وهو ولد الحسين (٥) الشهيد المقتول ابن على بن أبى طالب ، رضى الله عنهم.

رجعنا إلى ذكر القاسم ، رضى الله عنه :

قال المؤرخون : هو والد سيدى يحيى ـ كما سيأتى ذكر ذلك الشّبيه الآتى ذكره ـ قدم من الحجاز مع ولده سيدى يحيى ـ كما سيأتى ذكر ذلك فى ترجمة ولده ـ قال بعضهم : كان من عباد الله الصالحين الأخيار ، وكان له قدم صدق ، وكان كثيرا ما ينشد ويقول :

__________________

(١) فى «م» : «وتغنم».

(٢) فى «م» : «وتقاونى» ، تصحيف.

(٣) فى «م» «وجذبه».

(٤) أى : وفوائد هذا الدعاء.

(٥) فى «م» : «الحسن» خطأ.

١٩٥

متى أنوح بدمع واكف جارى

متى أقضّى مع الأحباب أوطارى (١)

متى أفوز مع الأحباب فى غرف

متى أكون نقيّا بين أخيارى

متى أعاتب نفسى ثم أزجرها

وقد كستنى ثياب الذّلّ والعار

يا ربّ ، إنك ذو عفو وذو كرم

جسمى ضعيف ، فما يقوى على النار

وكان من أحفظ الناس لحديث رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، ولقد كتبت عنه أربعمائة محبرة ، وكان من الأشراف الأجواد .. قال الرازى (٢) فى نسبه : كان أولاده يعرفون بالطّيّارة ، ويعرفون أيضا بالكثميين .. قال أبو عمر : رأيت القاسم بمكة يدعو الله وقد اقشعرّ جسده ، فقلت : ما هذا يا بن بنت رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم؟ فقال : «لأنى أستحى من الله أن أدعوه بلسان ما أدّيت به حقّ شكره» ومناقبه كثيرة ، والله أعلم.

ودفن بالقرب من مشهد ولده يحيى هناك .. وقد كتب على قبره من نظم [ابن] سناء الملك الوزير (٣) :

يا من إذا سأل المقصّر عفوه

فهو المجيب بفضله لسؤاله

مالى سوى فقرى إليك وسيلة

وتشفّعى بمحمّد وبآله

يحيى الشبيه بن القاسم (٤) :

هو يحيى الشبيه بن القاسم الطيب بن محمد المأمون الملقّب بالديباج بن جعفر

__________________

(١) الدمع الواكف : السّيّال المنهمر. والأوطار : جمع وطر ، وهو : الحاجة والبغية.

(٢) فى «م» : «الراوى». وما أثبتناه عن الكواكب السيارة ص ٩٦. وهو المعروف بالرازى النّسّابة.

(٣) ما بين المعقوفتين ساقط من «م» سهوا من الناسخ ـ وابن سناء الملك هو : هبة الله بن جعفر بن سناء الملك ، أبى عبد الله محمد بن هبة الله السعدى ، أبو القاسم القاضى .. شاعر من النبلاء ، ولد فى مصر سنة ٥٤٥ ه‍ ، وتوفى بها سنة ٦٠٨ ه‍.

[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٨ ص ٧١ ، وشذرات الذهب ج ٥ ص ٣٥ و ٣٦].

(٤) العنوان من عندنا ، وسمّى «الشبيه» لشبهه برسول الله صلّى الله عليه وسلم فى صورته. [انظر جمهرة أنساب العرب ص ٦٠ ، والكواكب السيارة ص ٩٥ ، وتحفة الأحباب ص ٢١٠].

١٩٦

الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين (١) بن الحسين بن على أبى طالب ، المعروف بعبد مناف بن عبد المطلب القرشى الهاشمى الحسنى ، رضى الله عنه وعن والديه (آمين).

كان (٢) شبيها بالنبى صلّى الله عليه وسلم فى كثير من أوصافه ، حتى إنه كان له فى موضع الخاتم (٣) شامة عظيمة ، وكان إذا دخل الحمّام ورأى الناس ذلك كبّروا وصلّوا على رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم .. وكان أحمد بن طولون أحضره من أرض الحجاز فى مصادرة الرّسّيّين (٤) من بنى طباطبا ، وهم عبد الله بن القاسم ، وابنه القاسم ابن عبد الله ، وأبو جعفر بن القاسم (٥) .. ولمّا وصل إلى مصر وسمع (٦) أهل مصر بقدومه خرجوا إلى لقائه ، وخلت دور (٧) مصر ليلة قدومه ، فلما قدم كان مبرقع الوجه ، وخرج من جملة من خرج له مع الناس أبو إسرائيل اليهودى ، وكان قد عمى ، فقال لابنته : خذى بيدى ، وإن رأيت هذا الرجل فأخبرينى به (٨) .. فلما رأته قالت له : هاهنا يا أبت (٩) .. فقال : اللهم إن كان هذا شبيها بنبيّك فى شىء من خلقه ، وهو على الحق ، فاردد علىّ بصرى ، فما أتمّ (١٠) كلامه حتى ردّ الله بصره عليه ، فما عاد إلى مصر إلّا وهو يمشى مع الناس بصيرا ، فأسلم وحسن إسلامه.

__________________

(١) فى «م» : «ابن على بن زين العابدين» خطأ ، فزين العابدين لقب لعلىّ وليس ابنا له.

(٢) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص». وبها اختلاف يسير فى بعض المواضع وتقديم وتأخير ، ونحن هنا اقتصرنا على ما جاء فى «م» مع الإشارة إلى الاختلاف فى المواضع والألفاظ.

(٣) فى «ص» : «خاتم النبوة».

(٤) فى «م» : «الوسيين» تصحيف. والرّسّيّين نسبة إلى الرّسّ : مكان بنجد. وما أثبتناه هنا عن «ص».

(٥) إلى هنا ينتهى ما كتب عن يحيى الشبيه فى «ص». وما سيأتى عن «م».

(٦) فى «م» : «وسمعت».

(٧) فى «م» : «دورة» تصحيف. والدّور : جمع دار.

(٨) فى «م» : «وإن رأيتى ـ هكذا ـ هذا الرجل أخبرينى ..».

(٩) فى «م» : «أبتى».

(١٠) فى «م» : «تم».

١٩٧

وكان لسيدى يحيى الخطوة التّامّة بديار مصر ، إلى أن توفى فى شهر رجب لليلتين بقيتا منه سنة ٢٦٣ ه‍. وقبره بمشهد يحيى ، أخى نفيسة ، وسيأتى ذكره بعد ذلك فى المشاهد ، وفى مشهده ـ أى يحيى الشبيه ـ كتب ابن سناء الملك من نظمه فى مدح الأشراف (١) :

مالى إذا عرض الحساب وسيلة

أنجو بها من هول يوم الموعد

إلّا اعترافى بالذّنوب وإننى

متمسّك بولاء آل محمّد

أبو الحسن على بن الحسن (٢) :

هو أبو الحسن على بن الحسن بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ابن على بن أبى طالب ، رضى الله عنهم ـ طباطبا .. كانت له النقابة (٣) والتقدم إلى أن توفى سنة ٢٨٠ ه‍ فردّ أمير الجيش (٤) «خمارويه» بن أحمد بن طولون أمر النقابة إلى أبى عبد الله محمد بن إسماعيل بن القاسم بن إبراهيم ، أبى محمد (٥) عبد الله بن أحمد بن على بن الحسن بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم ابن الحسن بن علىّ بن أبى طالب ، رضى الله عنهم أجمعين ، وسنذكر فضائله عند ذكر قبره فى ترتيب الزيارة (٦).

__________________

(١) فى «م» : «شعر».

(٢) هذا العنوان من عندنا. وإلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٣) أى : نقابة الأشراف بمصر ، وطباطبا لقب لجده إبراهيم.

(٤) فى «م» و «ص» : «أبو الجيش».

(٥) فى «م» : «أبو محمد» ولم يرد فى «ص».

(٦) فى «ص» : «عند ذكره فى ترتيب القبور للزيارة».

١٩٨

مشهد رأس زيد بن علىّ بن الحسن بن علّى بن أبى طالب ، رضى الله عنهم أجمعين (١) :

قال الكندى : قدم برأس زيد بن علّى يوم الأحد لعشر خلون من جمادى الآخرة (٢) سنة ١٢٢ ه‍ ، وبنوا عليه هذا المشهد (٣) .. والدعاء فيه مستجاب ، والأنوار ترى عليه بالليل نازلة.

مشهد رأس إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن على ، رضى الله عنهم (٤) :

قدم به فى سنة ١٤٥ ه‍ ، وبنوا عليه المشهد المعروف بمسجد التبن ـ

__________________

(١) هذا العنوان عن «م» و «ص» .. وهو : الإمام زيد بن على (زين العابدين) بن الحسين ابن على بن أبى طالب. ويقال له : زيد الشهيد ، ولد سنة ٧٩ ه‍. وقال عنه أبو حنيفة : ما رأيت فى زمانه أفقه منه ، ولا أسرع جوابا ، ولا أبين قولا .. وعدّه الجاحظ من خطباء بنى هاشم .. كانت إقامته بالكوفة. وقرأ على واصل بن عطاء (رأس المعتزلة) واقتبس منه علم الاعتزال .. ورحل إلى الشام ، فضيّق عليه هشام بن عبد الملك وحبسه خمسة أشهر ، فعاد إلى العراق ، ثم إلى المدينة ، فلحق به بعض أهل الكوفة يحرضونه على قتال الأمويين ، ورجعوا به إلى الكوفة سنة ١٢٠ ه‍ ، فبايعه أربعون ألفا على الدعوة إلى الكتاب والسّنّة ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المظلومين ، وإعطاء المحرومين ، وردّ المظالم ، ونصر آل البيت ، وكان العامل على العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفى ، فكتب إلى الحكم بن الصّلت وهو بالكوفة أن يقاتل زيدا ، ففعل ، ونشبت معارك انتهت بمقتل زيد فى الكوفة سنة ١٢٢ ه‍ ، وحمل رأسه إلى الشام ، فنصب على باب دمشق ، ثم أرسل إلى المدينة فنصب عند قبر النبي صلّى الله عليه وسلم يوما وليلة ، وحمل إلى مصر ، فنصب بالجامع ، فسرقه أهل مصر ودفنوه.

[انظر تاريخ الطبرى ج ٧ ص ١٨٠ ـ ١٩١ ، والأعلام ج ٣ ص ٥٩ ، ووفيات الأعيان ج ٥ ص ١٢٢ و ١٢٣ ، وج ٦ ص ١١٠ و ١١١].

(٢) فى «م» : «الآخر». وفى «ص» «جماد الآخرة» وما أثبتناه هو الصحيح.

(٣) فى «ص» : «هذا المشهد المعروف بمشهد التبن ، بحرى القاهرة». وجاء فى وفيات الأعيان ـ ج ٥ ص ١٢٣ : «.. وهو ـ أى زيد ـ صاحب المشهد الذي بين مصر وبركة قارون ، بالقرب من جامع ابن طولون ..» والله أعلم.

(٤) ما هنا عن «م» ولم يرد فى «ص» إلى قوله : «والله أعلم بالصواب». وإبراهيم هذا هو :

١٩٩

ويقال : التبر ـ بمسجد بحرى القاهرة بظاهر رأس الطالبية .. شرّفه (١) أهل مصر ودفنوه فى التاريخ المذكور .. والمشهد معروف بإجابة الدعاء ـ والله أعلم بالصواب (٢).

مشهد الإمام محمد بن الإمام الصّدّيق أبى بكر ، رضى الله عنهما (٣) :

بناه غلامه «زمام» ورأسه فيه (٤) تحت المنارة ، وقيل فى علبة من

__________________

إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن على بن أبى طالب ، أحد أمراء الأشراف الشجعان ، ولد سنة ٩٧ ه‍ ، وخرج بالبصرة على المنصور العباسى ، فبايعه أربعة آلاف مقاتل ، وخافه المنصور ، فتحول إلى الكوفة .. وكثرت شيعة إبراهيم ، فاستولى على البصرة ، وسيّر الجموع إلى الأهواز ، وفارس ، وواسط ، وهاجم الكوفة ، فكانت بينه وبين المنصور وقائع هائلة ، إلى أن قتله حميد بن قحطبة سنة ١٤٥ ه‍ ، وحزّ رأسه وأرسله إلى أبى جعفر المنصور ، ودفن بدنه الزكى بباخمرى.

[انظر الأعلام ج ١ ص ٤٨ ، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ١٥ ـ ٢٠ ، وتاريخ الطبرى ج ٧ ص ٦٢٢ وما بعدها].

(١) فى «م» : «شرقه» تحريف.

(٢) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».

(٣) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «مشهد رأس محمد بن أبى بكر».

وهو : محمد بن أبى بكر الصّدّيق ، ولد سنة ١٠ ه‍ ونشأ بالمدينة فى حجر علىّ بن أبى طالب (وكان قد تزوج أمّه أسماء بنت عميس بعد وفاة أبيه). وشهد مع علّى وقعة الجمل وصفّين ، وولّاه على إمارة مصر بعد موت «الأشتر» ، فدخلها سنة ٣٧ ه‍. ولما اتفق علّى ومعاوية على تحكيم الحكمين فات عليّا أن يشترط على معاوية ألّا يقاتل أهل مصر ، وانصرف علىّ يريد العراق ، فبعث معاوية عمرو ابن العاص بجيش من أهل الشام إلى مصر ، فدخلها حربا بعد معارك شديدة ، واختفى ابن أبى بكر ، فعرف معاوية بن حديج مكانه ، فقبض عليه وقتله سنة ٣٨ ه‍ ، وأحرقه لمشاركته فى مقتل عثمان بن عفّان ـ وقيل لم يحرق. ودفنت جثته مع رأسه فى مسجد يعرف بمسجد «زمام» مولى محمد بن أبى بكر ، وهذا المسجد خارج مدينة الفسطاط. وكانت مدة ولايته خمسة أشهر.

[انظر الأعلام ج ٦ ص ٢١٩ و ٢٢٠ ، والكواكب السيارة ص ١٩ و ١٠٣ و ١٨٦ ، وتحفة الأحباب ص ١٢٦ و ١٢٧].

(٤) «فيه» عن «ص».

٢٠٠