الوسيط في أصول الفقه - ج ١

الشيخ جعفر السبحاني

الوسيط في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-000-2
الصفحات: ٢٥٥
الجزء ١ الجزء ٢

الأمر السادس

الجمل الإخبارية والإنشائية

ذهب مشاهير الأُدباء والأُصوليين إلى أنّ دور الصيغ الإنشائية هو دور الإيجاد لمعانيها فإذا قال : زوّجت ، فقد أوجد علقة الزوجية بين الزوجين ، وإذا قال : بعت بقصد الإنشاء ، فقد أوجد علقة الملكية بين البائع والمشتري ، وإذا قال : هل قام زيد؟ فقد أنشأ استفهاماً بالحمل الشائع ، إلى غير ذلك من الجمل الإنشائية بخلاف الجمل الإخبارية فإنّها بصدد الإخبار عن واقع المعاني المتحقّقة مع قطع النظر عن اللّفظ من دون أن تكون فيها رائحة الإنشاء والإيجاد.

وإن أردت التشبيه فلاحظ معاني الحروف فانّ قسماً منها حاك عن معنى متحقّق في الخارج ، كما إذا قال : سرت من البصرة إلى الكوفة ، فالحرفان مشيران إلى الابتداء والانتهاء الآليين المتحقّقين في الخارج قبل تكلمه.

كما أنّ قسماً منها موجد للمعنى من دون أن يكون له واقع وراء الاستعمال كما هو الحال في الخطاب والنداء ، فإذا قال : يا زيد ، فقد أوجد نداءً وخطاباً بنفس الاستعمال. وهكذا الجمل فهي بين إخبارية تحكي عن شيء وراء الاستعمال ، وإنشائية موجدة للمعنى بنفس النطق بها.

٦١

هذا هو المشهور ، ولأجل المزيد من التوضيح ، نقول :

إنّ الزوجية والملكية والرئاسة مفاهيم اجتماعية تدور عليها رحى الحياة ، إنّما الكلام في كيفية اعتبارها أوّلاً ، ثمّ إنشائها وإيجادها في عالم الاعتبار ثانياً.

نقول : إنّ الإنسان إذا نظر إلى صحيفة الوجود رأى أنّ هناك أشياء مزدوجة يُعدّ كل منها عدلاً للآخر تكويناً ، كالعينين والأُذنين والرجلين ، هذا من جانب ومن جانب آخر رأى انّ بين الرجل والمرأة تجاذباً جنسيّاً وعاطفيّاً على نحو تقتضي حالهما أن يجعل كلٌّ عِدلاً للآخر.

وهذا ما يدعو المقنِّن إلى تصوير الرجل والمرأة كالزوجين التكوينيين يتساهمان في الحياة. لكن الزوجية الاعتبارية كالزوجية التكوينية بحاجة إلى جعل متناسب لها ، فالزوجية التكوينية لها عامل تكويني يؤثر في خلق الأُذنين واليدين وأمّا الزوجية الاعتبارية فلا بدّ لها من عامل اعتباري يُضفي للرجل والمرأة وصف الزوجية انشاءً واعتباراً ولها أسباب وأدوات ، أوضحها هي الألفاظ التي يستعان بها على الجعل والإيجاد في ظرف الاعتبار.

ومنه يعلم حال سائر الأُمور الاعتبارية التي تنشأ بالألفاظ ، فمثلاً انّ الملكية الاعتبارية استنساخ للملكية التكوينية للإنسان بالنسبة إلى سائر أعضائه فيرى نفسه مالكاً لأعضائه ملكية تكوينيّة فتكون مبدأً لاعتبارها في غير واحد من الموارد ، كاعتبار المقنّن كون البائع مالكاً للثمن مقابل ما دفع إلى المشتري من المثمن. وبالعكس غير انّ هذا الاعتبار ، أمر ذهني لا يعتبر عند العقلاء إلّا بإيجادها في خارج الذهن بسبب من الأسباب أوضحها قولهما : بعت واشتريت.

وبذلك يعلم أنّ الأُمور الاعتبارية المنشأة لها جذور في التكوين فيقتبس المقنِّن ما هو الموجود في التكوين ويعتبره في عالم الاعتبار بين الزوجين أو بين

٦٢

المالين ، وهكذا سائر الأُمور الاعتبارية.

كما يعلم أنّ الإنشائيات لا توصف بالصدق أو الكذب ، وذلك لأنّ الجمل الإنشائية وضعت للإيجاد اعتباراً بالاستعمال والمفروض تحقق السبب ويتلوه المسبب.

وما ذكرناه هي النظرية المعروفة ، وهناك نظريّات أُخرى في الفرق بين الإخبار والإنشاء موكولة إلى دراسات عليا.

٦٣

الأمر السابع

في الحقيقة الشرعية

إنّ ألفاظ الصلاة والصوم والزكاة والحجّ كانت حقائق لغوية في الدعاء والإمساك والنمو والقصد ، غير انّ المتبادر منها في عصر الصادقين (عليهما‌السلام) بل قبله أيضاً هو المعاني الخاصة ، فيقع الكلام في كيفية كونها حقائق في هذه المعاني الثانية ، فهناك أقوال أربعة :

القول الأوّل : ذهب أبو بكر الباقلاني (المتوفّى ٤٠٣ ه‍) من أكابر الأشاعرة إلى نفي موضوع البحث ، وهو انّ هذه الألفاظ باقية في معانيها اللغويّة وقد استعملت فيها وطُبِّقت على مصاديق ، كشف عنها الشارع ، فالصلاة بالهيئة المخصوصة من مصاديق الدعاء ، والصوم بالنحو المعين من مصاديق الإمساك وأمّا سائر الخصوصيات فقد علمت من دوال أُخر ، فهذه النظرية لا تعدّ في الحقيقة قولاً في المسألة لأنّها نافية للموضوع من أساسه.

مضافاً إلى أنّ ادّعاء بقاء الألفاظ في نفس المعاني وانّ المصاديق الفعلية من جزئياتها ، من السخافة بمكان ، إذ أين الدعاء من الصلاة؟ واشتمالها على الدعاء لا يجعلها من مصاديق الدعاء. ومثلها سائر الألفاظ.

القول الثاني : إنّما نقلت في لسان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) من معانيها اللغوية إلى المعاني

٦٤

الشرعية بالوضع التعييني أو التعيّني فصارت حقائق في تلك المعاني في عصره.

ثمّ إنّ صيرورتها حقائق شرعية في لسانه يتصوّر لها وجوه ثلاثة :

أ : أن يقوم الشارع بوضعها لها بالوضع التعييني ويخبر الناس بها ، وهو بعيد جداً.

ب : حصول الوضع التعيّني بكثرة الاستعمال في عصر الرسول ، وهو أمر غير بعيد لطول زمان الرسالة.

ج : الاستعمال بداع الوضع كما إذا احتفلت الأُسرة بتسمية المولود الجديد والكل ينظرون إلى كبيرهم ، فإذا هو يقول : ائتوني بولدي الحسن ، فهو بنفس هذا الاستعمال يسمّيه حسناً ، ولعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عند ما قال : صلّوا كما رأيتموني أُصلّي ، قام بنفس هذا العمل.

وبالجملة انّ القول الثاني على الوجهين الأخيرين أمر قريب لو لم يكن هناك وجه أصح.

القول الثالث : إنّها استعملت في لسان النبي في تلك المعاني مجازاً ثمّ صارت حقائق فيها في لسان المتشرّعة بعد رحيل الرسول ، فهي حقائق متشرعية لا شرعية.

يلاحظ عليه : أنّ عصر الرسالة لم يكن عصراً قصيراً ، فقد كان المسلمون في المدينة المنوّرة يصلّون مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في أوقات خمسة والمؤذِّن ينادي في كلّ نهار وليل بقوله : (حيّ على الصلاة) فهل يمكن لنا عدّ هذه الاستعمالات مجازاً مع طول الزمان؟

فتحصّل من ذلك إنّ القول الأوّل لا يعتدّ به ، والقول الثاني أي كونها حقائق شرعيه في عصره أقرب من القول الثالث ، ولكنّ هناك قولاً رابعاً هو أقوى

٦٥

الأقوال وأسدِّها بل هو المتعيّن ، وإليك بيانه.

القول الرابع : إنّ هذه الألفاظ كما كانت حقائق في المعاني اللغوية كذلك كانت حقائق في هذه المعاني الشرعية أيضاً قبل بعثة النبي ونزول القرآن عليه ، وذلك لأنّ هذه العبادات لم تكن من ابتكارات الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، بل كانت موجودة في الشرائع السابقة ، ومن البعيد جدّاً أن لا يكون في لغة العرب لفظ يعبر عن هذه المعاني وقد كان في الجاهليّة حنفاء يصلّون ويحجّون.

ويشهد على ذلك أي كون تلك الحقائق موجودة في الشرائع السابقة الآيات التالية :

قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).(١)

وقال تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).(٢)

وقال تعالى : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا).(٣)

وقال تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا* وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا).(٤)

نعم وجود تلك الماهيات قبل البعثة غير كاف إلّا إذا انضمّ إليه أنّ العرب قبل عصر الرسالة كانت عارفة بها وكانت تعبّر عنها بهذه الألفاظ ، إذ من البعيد

__________________

(١) البقرة : ١٨٣.

(٢) الحج : ٢٧.

(٣) مريم : ٣١٣٠.

(٤) مريم : ٥٤ و٥٥.

٦٦

أن لا يكون لها لفظ تشير به إليها.

ويؤيد ذلك انّ النبي كان يعبّر عن هذه الماهيات بهذه الألفاظ في بدء البعثة ، وذلك لأنّ لفظ الصلاة ورد في السور المكية ٣٥ مرة ، وكان تشريع الصلاة ليلة المعراج في العام العاشر من البعثة وقد نزلت كثير من الآيات المشتملة على هذه الألفاظ في أوائل البعثة قبل المعراج ، كقوله سبحانه في سورة القيامة : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى* وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى)(١). وفي سورة المدثر(قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (٢) ، وفي سورة العلق (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى)(٣) وفي سورة الأعلى (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (٤) ، وفي سورة الكوثر : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٥) إلى غير ذلك من الآيات الواردة في بدء البعث ، الشاملة للصلاة والزكاة الحاكية عن تبادر المعاني الشرعية منها منذ صدع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بالرسالة.

وأمّا الثمرة فتظهر في الألفاظ الواردة على لسان النبي بلا قرينة ، كما إذا قال : إذا رأيتم الهلال فصلّوا ، فعلى القول الثاني يحمل على الحقيقة المعروفة بخلافه على القول الثالث.

وأمّا على القول الرابع فالثمرة معدومة ، لأنّها تحمل على الماهية الشرعية على كلّ حال وإنّما طرحنا المسألة لأجل إيقاف القارئ على سير التشريع على وجه الإجمال.

__________________

(١) القيامة : ٣١ و٣٢.

(٢) المدثر : ٤٣.

(٣) العلق : ٩ و١٠.

(٤) الأعلى : ١٥.

(٥) الكوثر : ١ و٢.

٦٧

الأمر الثامن

هل أسماء العبادات والمعاملات

موضوعة للصحيح أو للأعم؟

ويقع الكلام في مقامين : الأول في اسماء العبادات :

وقبل الخوض في المقصود ، نقدم أُموراً :

الأوّل : في إمكان جريان النزاع على عامّة الآراء

إنّ عنوان البحث يعرب عن أنّ الهدف تعيين ما هو الموضوع له لأسماء العبادات عند الشارع فيصح البحث على أحد المبنيين :

أ : ثبوت الحقيقة الشرعية في لسان الشارع (القول الثاني) في المبحث السابق.

ب : ثبوت الحقيقة العرفية لهذه الألفاظ في الماهيات الشرعية قبل البعثة (القول الرابع).

وأمّا على القول باستعمالها في لسان الشارع مجازاً وصيرورتها حقائق متشرعة فلا ينطبق عليه عنوان البحث. إلّا إذا تغيّر عنوانه بأن يقال : هل لاحظ الشارع في استعماله ، العلاقة بين المعاني اللغوية ، والماهيات الشرعية الصحيحة أو لاحظ العلاقة بينها وبين الأعمّ من هذه الماهيات. ومن غرها.

٦٨

كما أنّه يجب تغيير عنوان البحث على القول ببقاء الألفاظ على معانيها اللغوية وانّ إرادة الخصوصيات حصلت عن طريق الدوال الأُخر ، (كما هو خيرة الباقلاني (١)) بأن يقال : انّ القرينة التي نصبها الشارع لإفادة الخصوصيات هل كانت دالّة على إرادة المعنى الصحيح أو الأعمّ ويكون الأصل في الاستعمال هو المعنى الذي نُصِبت عليه القرينة في هذا الاستعمال بحيث تحتاج إرادة المعنى الآخر إلى القرينة.

فتلخّص من ذلك انّ عنوان البحث إنّما يصحّ على القولين الأوّلين دون الأخيرين إلّا بتغيير عنوانه.

الثاني : في تفسير الصحّة لغة وشرعاً

قد تطلق الصحّة ويراد بها أحد المعنيين :

١. ما يقابل السقم والمرض ، فيقال : صحيح ومريض. وعلى هذا فهما أمران وجوديّان ، وكيفيّتان عارضتان للشيء باعتبار اتّصافه بكيفية ملائمة أو منافرة.

فالصحيح بهذا المعنى يقابله في العبادات والمعاملات الفاسد.

٢. ما يقابل المعيب ، فيقال : صحيح ومعيب ، وعلى هذا تكون الصحة أمراً وجودياً وما يقابلها أمراً عدمياً. والصحّة بهذا المعنى يقابلها النقص لا الفساد ، هذا هو تفسير الصحّة حسب اللغة.

وأمّا حسب الاصطلاح ، فالصحّة تارة تقع وصفاً للعبادة أو المعاملة

__________________

(١) هو أبو بكر محمد الطيب بن محمد القاضي المعروف ب «ابن الباقلاني» وليد البصرة ، وساكن بغداد ، متكلم على مذهب أبي الحسن الأشعري معاصر للشيخ المفيد ، توفي عام ٤٠٣ ه‍ وله كتاب «اعجاز القرآن» و «التمهيد» و «الانصاف» لاحظ ترجمته في كتابنا «بحوث في الملل والنحل» : ٣١١ / ٣١٤٢.

٦٩

المتحقّقة ، فتكون نتيجة الصحّة كون العمل الخارجي مطابقاً لما اعتبره الشارع فيهما ويترتب عليه إسقاط القضاء والإعادة في العبادات ، ولزوم الوفاء في المعاملات ؛ وأُخرى تقع وصفاً للعنوان الكلّي منهما ، فيقال : ألفاظ العبادات والمعاملات وضعت للصحيح منهما فيكون مفادها في العبادات كون ألفاظها موضوعاً لما تمّت أجزاؤها وكملت شروطها ، وفي المعاملات على القول بوضعها للأسباب (العقود) كون ألفاظها موضوعة للأسباب الحاوية لتمام الأجزاء والشرائط.

وأمّا على القول بوضع ألفاظها للمعاني المسببية كالملكية والزوجية فيرجع النزاع إلى كونها موضوعة للماهية الاعتباريّة بحيث لو وجدت في الخراج لَوُصِفَت بالصحة شرعاً. (١)

الثالث : لزوم وجود جامع على القولين

يجب على كلّ من القولين تصوير جامع منطبق على الأفراد المختلفة ، فعلى الصحيحي أن يصور جامعاً شاملاً لجميع أفراد الصلاة على اختلافها في الأجزاء والشرائط قلّة وكثرة.

أقول : انّ تصوير الجامع على القول بالصحيح أمر مشكل ، لأنّ لازم كونها موضوعة للأجزاء القليلة هو جواز الاكتفاء بها أوّلاً ، وكون الأجزاء الأُخر أمراً

__________________

(١) ومن ذلك يعلم ضعف ما ربما يقال من عدم إمكان تصوير النزاع على القول بأنّ المعاملات موضوعة للمسببات ، وذلك لأنّها من الأُمور البسيطة التي يدور أمرها بين الوجود والعدم فلا يتأتى على هذا الفرض النزاع السابق ، لأنّ الملكية إمّا موجودة أو غير موجودة ، والزوجية إمّا متحقّقة أو غير متحقّقة ، فلا معنى للزوجية أو الملكية الفاسدتين.

وجه الضعف فإنّ المتصوّر الذهني للمسبب وإن كان أمره دائراً بين الوجود والعدم ، لكن الكلام في أمر آخر ، وهو : هل ذلك المعنى البسيط بعد الاتيان به على نحو ينطبق عليه عنوان الصحيح شرعاً ، أو ينطبق عليه الأعم منه ومن الفاسد.

٧٠

خارجاً عنها ثانياً ، كما أنّ لازم كونها موضوعة للأجزاء الكثيرة خروج المشتمل على الأجزاء القليلة عن تحت الصلاة. فلا يكون للصحيح إلّا مصداق واحد.

وأمّا على القول بالأعم فتصوير الجامع أمر سهل جدّاً إذ في وسعه أن يقول : بانّه موضوع للأركان ، وأمّا الباقي فهو اجزاء للمأمور به وليست جزءاً للمسمى.

وبذلك يعلم أنّ الصحيحي لا محيص له إلّا عن جعل الجميع جزء المسمّى وهو أمر غير ممكن في بادئ النظر لاختلاف الصحيح حسب اختلاف حالات المكلّف من حيث الأجزاء والشرائط ، وهذا بخلافه على القول بالأعم ، فالأجزاء الثابتة (الأركان) على كلّ حال من أجزاء المسمّى والباقي من أجزاء المأمور به.

وقد بذل القوم جهودهم لتصوير الجامع على القول بالصحيح الذي يصدق على جميع المراتب. وذكروا تقريبات حول تصوير الجامع أوضحها ما ذكره السيد الإمام الخميني ، وهذا خلاصته :

المركبات الاعتبارية على قسمين :

قسم يكون الملحوظ فيه كثرة معينة ، كعدد العشرة فإنّها على وجه لو فقد منها جزء تنعدم العشرة.

وقسم يكون على نحو لم تلحظ فيه كثرة معينة في ناحية المواد ولا صورة معينة في جانب الهيئة.

أمّا في جانب المواد فيصدق اللّفظ ما دامت هيئتها وصورتها موجودة قلّت موادها أو كثرت ، وهذا نظير لفظ الدار والبيت ، فانّ الميزان للصدق هي هيئة الدار وصورتها ، وأمّا من حيث المادة ، كيفية وكمية فهي لا بشرط ، ولذلك يصدق البيت على ما أخذت موادها من الطين أو الآجر أو الحجر أو الحديد أو الاسمنت.

أمّا في جانب الهيئة فلم تلحظ هيئة معيّنة فيصدق سواء بُنيت على هيئة

٧١

مربعة أو مثلثة ، بنيت على طبقة واحدة أو طبقات ، فهو موضوع لهيئة مخصوصة غير معينة ، فهو لا بشرط من جانب المادة والهيئة.

إذا عرفت ذلك نقول : إنّ لفظ الصلاة موضوعة لنفس الهيئة اللابشرط ، الموجودة في الفرائض والنوافل قصرها وتمامها ، وما وجب على الصحيح أو المريض بأقسامها ، فيكفي في صدقها ، وجود هيئة بمراتبها إلّا بعض المراتب التي لا تكون صلاة كصلاة الغرقى ، لعدم وجود مواد من ذكر وقرآن وسجود وركوع. (١)

المقام الأوّل

في وضع أسماء العبادات للصحيح

استدلّ للقول بوضع أسماء العبادات للصحيح بوجوه :

١. تبادر الصحيح.

٢. صحّة السلب عن الفاسد بسبب الإخلال ببعض أجزاء العبادة.

٣. الأخبار الظاهرة في إثبات بعض الخواص والآثار للمسمّيات كقوله : الصلاة عمود الدين أو معراج المؤمن ممّا يترتب على الصحيح.

وقد نوقشت هذه الأدلّة بوجوه لا حاجة لذكرها.

والأولى أن يستدلّ عليه بأنّ الصلاة ماهية اعتبارية ، اعتبرها المعتبر لأغراض خاصة وردت في الكتاب والسنّة ، وتلك الأغراض إنّما تترتّب على الصحيح منها دون الأعمّ.

__________________

(١) تهذيب الأُصول : ٧٧ / ٧٨١.

٧٢

وإن شئت قلت : إنّ الشارع لمّا أراد تهذيب الإنسان وتربيته ، من جانب ، ومن جانب آخر انّ ذلك الغرض ، إنّما يترتب على العبادة الصحيحة. ومن المعلوم انّ الفعل يُتحدّد من ناحية العلة الغائية فلا يكون العمل أوسع من الغرض والغاية المحرِّكة ، والمعلول الوضع يتضيق من ناحية علته الغائية.

وبعبارة أُخرى : انّ طبيعة الحال تقتضي أن يضع اللّفظ لما تعلق به غرضه ويفي به وهو الصحيح لا الأعم ، فانّ الداعي للاعتبار هو الداعي للوضع ، فوضع اللفظ للأوسع من الغرض يحتاج إلى داع آخر غير موجود.

نعم الإتيان بما يتعلق به الغرض يقتضي وجود قسم آخر وهو الفاسد ، فيطلق عليه الاسم (الصلاة) عناية. ومقتضى ذلك أن يكون الموضوع له هو ما يترتّب عليه الغرض ، واستعماله في الفاسد من باب العناية والمجاز.

المقام الثاني

في وضع اسماء المعاملات للصحيح

انّ العبادات من مخترعات الشارع فيصحّ فيها البحث عن انّ ألفاظها هل هي موضوعة في الشرع للصحيح أو للأعم منها ، وأمّا المعاملات فهي من مخترعات العقلاء وهم الذين وضعوا ألفاظ المعاملات في مقابل ما اعتبروه بيعاً أو نكاحاً أو إجارة وليس للشارع فيها دور سوى تحديدها بحدود وقيود فعلى ذلك فلا بدّ من تخصيص النزاع في كونها موضوعة للصحيح فحسب أو الأعم عند العرف.

ومع القول بامكان وضعها للأعم عند العرف لكن الدليل السالف الذكر

٧٣

في ألفاظ العبادات هو الدليل أيضاً على انّ ألفاظ المعاملات عند العرف موضوعة للصحيح لما عرفت من انّ الغرض يُحدِّد فعل الإنسان فلا يصدر عن الإنسان الحكيم فعل أوسع من غرضه. وبما انّ المصالح التي تدور عليها رحى الحياة قائمة بالمعاملات الصحيحة وهم أيضاً قد اعتبروها لتلك الغايات فلا بدّ أن يُحدَّد عملهم (وضع الألفاظ) بما يناسب الغاية وهو الوضع للقسم الصحيح دون الأعم.

إذا عرفت أنّ اسماء العبادات والمعاملات اسماء للصحيح منها لا للأعم ، يقع الكلام في ثمرات النزاع.

ثمرات النزاع

قد ذكر للنزاع أربع ثمرات نذكرها ، واحدة بعد الأُخرى :

الأُولى : عدم صحّة التمسّك بالإطلاق على الصحيح

قد اشتهر انّ ثمرة البحث هو عدم صحّة التمسّك بالإطلاق عند الشكّ في جزئية شيء على القول بالوضع للصحيح ، وصحّة التمسك به على القول بالأعم.

توضيحها : انّه إنّما يصحّ التمسّك بالإطلاق فيما إذا أحرز صدق الموضوع على المورد وشك في مدخلية شيء آخر وراء صدقه ، كما إذا أمر المولى بعتق رقبة ، وشك في اعتبار الإيمان فيها ، فحينئذ يتمسّك بالإطلاق في رفع احتمال اعتبار الإيمان ، إذ لو كان الإيمان دخيلاً في غرض المولى وراء صدق الرقبة لكان اللازم ذكره وأمّا إذا لم يكن الموضوع محرزاً وصار الشكّ في مدخلية الأمر المشكوك سبباً للشكّ في صدق الموضوع فلا يصحّ حينئذ التمسك به ، كما إذا أمر المولى بالتيمّم

٧٤

على الصعيد وشكّ في معناه وأنّه هل هو خصوص التراب ، أو مطلق وجه الأرض من الحجر والجص والنورة وغيرها؟ ففي مثله لا يمكن التمسّك بالإطلاق لدفع احتمال مدخلية التراب ، ولا يصحّ لنا القول بأنّه لو كان التراب دخيلاً في صحّة التيمم كان على الشارع بيانه لاحتمال انّ الشارع قد بيّن مدخلية التراب في موضوع حكمه باستخدامه لفظ الصعيد.

ويتّضح على ضوء هذين المثالين : انّه لو شكّ في اعتبار السورة في صدق الصلاة ، فعلى القول بالصحيح وأنّها موضوعة للماهية الجامعة للأجزاء والشرائط ، يكون المورد من قبيل المثال الثاني ، حيث يشكّ المصلي في أنّ ما أتى به هل هو صلاة أو ليس بصلاة؟ لانّها موضوعة للصحيحة والشكّ في الصحّة يلازم الشكّ في صدق الموضوع.

وأمّا على القول الآخر أي وضعها للأعم من الصحيح فيكون من قبيل المثال الأوّل ، لأنّ الموضوع (الصلاة) محرز بحكم كونها موضوعة للأعمّ ، سواء أكانت السورة دخيلة في الفريضة أم لا ، فإذا لم يدلّ على وجوبها دليل يُتمسك بالإطلاق وينفى وجوبه.

فصارت الثمرة عدم جواز التمسّك بالإطلاق عند الشكّ في جزئية شيء أو شرطيته للعبادة على القول بالصحيح وجوازه على القول بالأعم.

نقد الثمرة في العبادات

لكن يمكن أن يقال بصحّة التمسّك على القول بوضعها للصحيح وذلك انّ لفظة الصلاة موضوعة لنفس الهيئة اللابشرط الموجودة في الفرائض والنوافل قصرها وتمامها ، وفي ما وجب على الصحيح أو المريض بأقسامها فيكفي في صدقها ، وجودُ هيئة الصلاتيّة بإحدى مراتبها إلّا بعض المراتب التي لا تكون

٧٥

صلاة كصلاة الغرقاء.

كما أنّها من حيث المادة لم تؤخذ فيها كثرة معينة بل أخذت لا بشرط ، ويكفي فيها التكبير والركوع والسجود والطهور وتصدق على الميسور من كلّ واحد منها ، ومن المعلوم انّ هذا المقدار من الموضوع محرز عند الشكّ في جزئية شيء كالسورة أو شرطيته ، فلا يكون الشكّ فيهما شكّاً في صدق الموضوع بل الموضوع محرز وإنّما الكلام في وجوب الجزء الزائد على الموضوع وهكذا الشرط.

هذا كلّه في العبادات ، وأمّا المعاملات فربما يقال بنفس الثمرة وانّ التمسّك بالإطلاق إنّما هو على القول بالأعم دون الصحيح.

توضيح ذلك إذا قال الشارع : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، فلو قلنا بأنّ الألفاظ موضوعة للأسباب التامة من حيث اجتماع الأجزاء والشرائط ، ومع ذلك شكّ في جزئية شيء أو شرطيته للأسباب ، كتقدّم الإيجاب على القبول وعدمه ، فعلى القول بالصحيح لا يصحّ التمسّك بالإطلاق لأنّ مرجع الشكّ فيه إلى الشكّ في صدق الموضوع.

ومن المعلوم انّ التمسّك بالإطلاق فرع إحراز الموضوع ، بخلافه على القول بالأعم فانّ الإيجاب إذا تأخّر يتحقّق البيع أو النكاح قطعاً ، وإنّما يشكّ في مدخلية التقدم في صحّته لا في صدقه وكونه جزءاً للمسمّى وعندئذ يتمسك بالإطلاق وتنفى شرطية التقدّم.

نقد الثمرة في المعاملات

ويمكن أن يقال بصحّة التمسّك بالإطلاقات حتى على القول بوضعها

__________________

(١) المائدة : ١.

٧٦

للصحيح ويكفي في صحّة التمسّك إحراز الموضوع عرفاً ، وذلك لأنّ المعاملات مخترعات عرفية ، وقد أمضاها الشارع بما لها من المعنى العرفي ، غير انّه أضاف شروطاً أو اعتبر موانع من الصحّة ، فعلى ذلك فيمكن استكشاف ما هو المؤثر عند الشارع من خلال ما هو المؤثر عند العرف (إلّا إذا دلّ الدليل على عدم التطابق). إذ لو كان المؤثر عنده غير ما هو المؤثر عند العرف لزمه البيان لئلّا يلزم نقض الغرض ولغوية الأدلّة الإمضائيّة.

وبعبارة أُخرى : انّ أسماء المعاملات التي وقعت مورد الإمضاء سواء أكانت اسماً للسبب كما في قوله : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أم كانت اسماً للمسبب أي العلقة الحاصلة من الايجاب والقبول كما في قوله سبحانه : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) وقوله : «الصلح جائز بين المسلمين» (٢) ألفاظ واضحة المعاني عند العرف غير انّ الشارع تصرّف فيها بإضافة قيد أو شرط أو غير ذلك ، فإذا كان كذلك يكون الفهم العرفي في هذه الألفاظ طريقاً شرعياً إلى ما هو المعتبر عند الشارع إلّا ما خرج وذلك أخذاً بمقتضى الإطلاق ، إذ لو كان ما هو السبب المؤثر عنده غير ما هو المرتكز في أذهان العرف كما في بيع المنابذة (٣) ، أو كان المسبب المعتبر عنده غير المعتبر عند العرف كما في نكاح الشغار. (٤) كان عليه البيان وإلّا تلزم لغوية هذه الإمضاءات التي تصبح مجملات.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) الوسائل : الجزء ١٣ ، الباب ٣ من أبواب كتاب الصلح ، الحديث ٢.

(٣) وهو بيع القاء الحجر أو بيع الحصاة فيحضر الرجل قطيع الغنم فينبذ الحصاة ويقول لصاحب الغنم انّ ما أصاب الحجر فهو لي بكذا.

(٤) نكاح الشغار : أن يزوج الرجل ابنته أو أُخته ويتزوج ابنة المتزوج أو أُخته ولا يكون بينهما مهر غير التزويجين لاحظ الوسائل : الجزء ١٤ ، الباب ٢٧ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.

٧٧

وإلى هذا الوجه يشير الشيخ الأنصاري في آخر تعريف البيع حيث يقول :

«وأمّا وجه تمسّك العلماء بإطلاق أدلّة البيع ونحوه ، فلأنّ الخطابات لما وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع وشبهه في الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف فيستدل بإطلاق الحكم بحله أو بوجوب الوفاء ، على كونه مؤثراً في نظر الشارع. (١)

الثانية : عدم صحّة التمسّك بالبراءة على الصحيح

انّ الثمرة الثانية للبحث هي انّ الفقيه إذا شكّ في شرطية شيء أو جزئيّته للمسمّى ، فعلى القول بالوضع للصحيح يكون الشكّ في شرطية شيء أو جزئيته ملازماً للشكّ في صدق المسمّى ، ومعه يجب الاحتياط حتى يعلم أنّه أتى بالمسمّى. بخلاف ما إذا قلنا بالوضع للأعمّ فإنّ الفاقد للمشكوك يكون مصداقاً للمسمّى ويعود الشكّ إلى الشكّ في شرطية شيء زائد على المسمى أو جزئيته ، فيكون الشكّ من قبيل الشكّ في تكليف أمر زائد. ويقع مجرى للبراءة ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالوضع للصحيح.

يلاحظ عليه : أنّه إنّما يصحّ إذا كان الموضوع له أمراً بسيطاً حاصلاً من الأجزاء والشرائط كعنوان «الناهي عن الفحشاء» فعندئذ يرجع الشكّ في جزئية شيء أو شرطيته إلى صدق الناهي عن الفحشاء وعدمه ، وأمّا إذا كان الموضوع له أمراً مركباً ذا أجزاء وشرائط وذا مراتب كما مرّ فيصدق الجامع على الفاقد من الجزء المشكوك ويكون الشكّ في وجوب أمر زائد والمرجع عندئذ البراءة.

والحاصل انّه إذا كان الجامع ذا أبعاض وكان تعلّق التكليف بالمقدار المتيقن معلوماً وبغيره مشكوكاً ، يكون المرجع هو البراءة لانحلال العلم الإجمالي.

__________________

(١) المتاجر : آخر تعريف البيع.

٧٨

الثالثة : صدق الوفاء بالنذر على الأعم

إذا نذر الرجل أن يعطي درهماً للمصلّي فعلى القول بوضعها للصحيح لا يُجزى ولا تبرأ ذمّته إلّا باعطائه لمن صلّى صلاة صحيحة ، بخلافه على القول بالأعم فيجزى مطلقاً ، كانت صلاته صحيحة أم فاسدة.

يلاحظ عليه : انّ الاجزاء وبراءة الذمة تابع لكيفية النذر ، لا للوضع فلو نذر أن يعطى لمن صلّى صلاة صحيحة فلا يجزى الدفع لغيره وإن كان الوضع للأعم ، ولو نذر أن يعطى الأعم ممّن صلّى صلاة صحيحة ، يجزى وإن كان الوضع للصحيح.

الرابعة : صحّة صلاة الرجل عند المحاذاة مع المرأة

ربما يقال : انّه تظهر الثمرة فيما إذا ورد النهي عن محاذاة المرأة للرجل في حال الصلاة وعلمنا بفساد صلاة المرأة ، فعلى القول بوضعها للصحيح ، تصحّ صلاة الرجل ولا يشملها النهي ، بخلاف ما إذا قلنا بأنّها للأعم ، فيشملها النهي. (١) ومثلها إقامة صلاتي جمعة في أقلّ من فرسخ مع بطلان إحداهما.

يلاحظ عليه : مضافاً إلى أنّ النهي في هذه المقامات منصرف إلى الصلاة الصحيحة ، سواء كان لفظ الصلاة موضوعاً للصحيح منها أو للأعمّ أنّه ليس ثمرة للمسألة الأُصولية إذ غاية ذلك هو البحث عن إمكان تطبيق الحكم الكلّي ، على هذا المورد وليس ذلك ثمرة لها.

ومنه تظهر حال الثمرة الثالثة أيضاً فلاحظ.

__________________

(١) المحاضرات : ١٩٣ / ١.

٧٩

الأمر التاسع

المشتق

اختلفت كلمة الأُصوليّين في أنّ المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدإ أو الأعم منه وما انقضى عنه المبدأ ، مثلاً :

مثلاً إذا قيل لا تتوضأ بالماء المسخَّن بالشمس ، فهل يختص بالموصوف بالمبدإ بالفعل ، أو يعمّ ما زال عنه المبدأ وبَرَدَ الماء؟

ويرجع النزاع إلى بيان تحديد مفهوم المشتق من حيث السعة والضيق وانّ الموضوع له ، هل هو خصوص الذات المتلبّسة بالمبدإ أو الأعمّ من تلك الذات المنقضي عنها المبدأ؟ فعلى القول بالأخص ، يكون مصداقه منحصراً في الذات المتلبّسة ، ويختص النهي بالمسخّن بالفعل وعلى القول بالأعمّ يكون مصداقه أعمّ من هذه ومما انقضى عنها المبدأ. ويعمّ النهي المسخّن بالفعل وغيره.

وبعبارة ثانية : انّ العقل يرى جامعاً حقيقياً بين الأفراد المتلبّسة بالمبدإ ، ولا يرى ذاك الجامع الحقيقي للأعمّ منها وممّا انقضى عنها المبدأ وإنّما يرى بينها جامعاً انتزاعياً. فالنزاع في أنّ الموضوع له هو ذاك الجامع الحقيقي أو جامع انتزاعي آخر.

فعلى القول بالأخصّ فالموضوع في قولك : صلّ خلف كلّ عالم عادل ، مَنْ

٨٠