الوسيط في أصول الفقه - ج ١

الشيخ جعفر السبحاني

الوسيط في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-000-2
الصفحات: ٢٥٥
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ

وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة : ١٢٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسلام على أفضل خليقته ، وأشرف بريّته ، وخاتم رسله ، محمّد وعلى آله حفظة سننه ، وعيبة علمه ، وخزنة سره ، صلاة دائمة ما دامت السماء ذات أبراج ، والأرض ذات فجاج.

أمّا بعد ، فقد ألّفتُ في سالف الزمان كتاب «الموجز في أُصول الفقه» للمبتدئين في دراسة هذا الفن ، توخّيت منه التعرض لأهمّ المسائل الأُصولية بنحو موجز يتلاءم مع روح العصر وقد انكبَّ عليه الدارسون بالبحث والمطالعة حتى غدا محور الدراسة في الجامعات الإسلامية.

ولمّا كانت الغاية من تأليفه هو بيان أُمّهات المسائل الأُصولية على وجه الايجاز ، فقد أوجزت الكلام في بعض المسائل ، وتركت التعرّض لبعضها الآخر رعاية لحال الدارسين ، فدعا الأمر إلى تأليف كتاب آخر يتميز عن سابقه بميزتين :

١. تبسيط ما أوجز في الكتاب الأوّل.

٢. طرح المسائل الأُصولية التي لم نتعرض إليها في الموجز.

وربما مست الحاجة إلى تكرار بعض ما ذكرناه في «الموجز» حفظاً لنظام البحث وتسلسله وليعلم انّ المتن الدراسي يتميز عن غيره بمزية خاصة وهي انّه يأخذ على عاتقه التعبير عن المطالب والمحتويات بأقصر العبارات وأوجزها ،

٥

خالية من التعقيد والغموض.

وعلى ذلك جرى ديدن القدماء في تأليف المتون الدراسية وقد راعينا هذا الأُسلوب في كتابنا ، واحترزنا عن الاسهاب والاطناب كما احترزنا عن التعقيد وحرصنا على أن تكون لغته على مستوى اللغة الدارجة في الحوزة العلمية.

واسميته ب «الوسيط» لتوسطه بين الايجاز والتبسيط.

ونستهلُّ البحث بنبذة موجزة عن تاريخ علم الأُصول وكيفية نشوئه وتكامله والأدوار التي مرّ بها والجهود التي بُذلت بغية ارساء قواعده.

وختاماً أرجو من الله سبحانه أن ينتفع به رواد هذا العلم وينير لهم الدرب في تذليل الصعوبات التي تعترض سبيلهم.

٦

إلماع إلى تاريخ علم الأُصول

الإسلام عقيدة وشريعة ؛ فالعقيدة هي الإيمان بالله سبحانه وصفاتِه والتعرّفُ على أفعاله ، والشريعة هي الأحكام والقوانين الكفيلة ببيان وظيفة الفرد والمجتمع في حقول مختلفة تجمعها العبادات ، والمعاملات ، والإيقاعات ، والسياسات.

فالمتكلِّم الإسلامي مَن تكفّل ببيانِ العقيدة وبرهَن على الإيمان بالله سبحانه وصفاتِه الجمالية والجلالية، وأفعاله من لزوم بعث الأنبياء والأوصياء لهداية الناس وحشرهم يوم المعاد.

كما أنّ الفقيه من قام ببيان الأحكام الشرعية الكفيلة بإدارة الفرد والمجتمع ، والتنويه بوظيفتهما أمام الله سبحانه ووظيفة كلّ منهما بالنسبة إلى الآخر.

بيد أنّ لفيفاً من العلماء أخذوا على عاتقهم بكلتا الوظيفتين ، فهم في مجال العقيدة أبطال الفكر وسنامه ، وفي مجال التشريع أساطين الفقه وأعلامه ، ولهم الرئاسة التامّة في فهم الدين على مختلف الأصعِدة.

إنّ علم أُصول الفقه يعرّف لنا «القواعدَ الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعية وما ينتهي إليه المجتهد في مقام العمل» ، وقد سُمِّي بهذا الاسم لصلته الوثيقة بعلم الفقه ، فهو أساس ذلك العلم وركنه ، وعماد الاجتهاد وسناده.

الاجتهاد : عبارة عن بذل الوسع في استنباط الأحكام الشرعية ، أو الوظائف

٧

العمليّة من مصادرها ، وهو رمز خلود الدين وحياته ، وجعله غضّاً طريّاً ، مصوناً عن الاندراس عبْر القرون ومغنياً المسلمينَ عن التطفّل على موائد الأجانب ، ويتّضح ذلك من خلال أُمور :

١. انّ طبيعة الدين الإسلامي أي كونه خاتم الأديان إلى يوم القيامة تقتضي فتح باب الاجتهاد لما سيواجه الدين في مسيرته من أحداث وتحدّيات مستجدَّة ، وموضوعات جديدة لم يكن لها مثيل أو نظير في عصر النص ، فلا محيص عن معالجتها إمّا من خلال بذل الجهود الكافية في فهم الكتاب والسنّة وغيرهما من مصادر التشريع واستنباط حكمها ، وإمّا باللجوء إلى القوانين الوضعية ، أو عدم الفحص عن حكمها وإهمالها.

والأوّل هو المطلوب ، والثاني يكوّن نقصاً في التشريع الإسلامي ، وهو سبحانه قد أكمل دينه بقوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١) والثالث لا ينسجم مع طبيعة الحياة ونواميسها.

٢. لم يكن كل واحد من أصحابِ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) متمكناً من دوامِ الحضورِ عنده (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لأخذ الأحكام عنه ، بل كان في مدّة حياته يحضره بعضهم دون بعض ، وفي وقت دون وقت ، وكان يسمع جواب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عن كلّ مسألة يسأل عنها بعض الأصحاب ويفوت عن الآخرين ، فلمّا تفرّق الأصحاب بعد وفاته (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في البلدان ، تفرّقت الأحكام المروية عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فيها ، فتُروى في كلّ بلدة منها جملة ، وتُروى عنه في غير تلك البلدة جُملة أُخرى ، حيث إنّه قد حضر المدنيّ من الأحكام ، ما لم يحضره المصري ، وحضر المصريّ ما لم يحضره الشاميّ ، وحضر الشاميّ ما لم يحضره البصري ، وحضر البصري ما لم يحضره الكوفي إلى غير ذلك ، وكان كل منهم

__________________

(١) المائدة : ٣.

٨

يجتهد فيما لم يحضره من الأحكام. (١)

إنّ الصحابي قد يسمع من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في واقعة ، حكماً ويسمع الآخر في مثلها خلافه ، وتكون هناك خصوصية في أحدهما اقتضت تغاير الحكمين غفل أحدهما عن الخصوصية ، أو التفت إليها وغفل عن نقلها مع الحديث ، فحصل التعارض في الأحاديث ظاهراً ، ولا تنافي واقعاً ؛ ومن هذه الأسباب وأضعافِ أمثالها احتاج حتى الصحابة الذين فازوا بشرف الحضور ، في معرفة الأحكام إلى الاجتهاد والنظر في الحديث ، وضمّ بعضه إلى بعض ، والالتفات إلى القرائن الحالية ، فقد يكون للكلام ظاهر ، ومراد النبي خلافه اعتماداً على قرينة في المقام ، والحديث نُقِلَ والقرينة لم تنقل.

وكلُّ واحد من الصحابة ، ممّن كان من أهل الرأي والرواية ، تارة يروي نفس ألفاظ الحديث ، للسامع من بعيد أو قريب ، فهو في هذا الحال راو ومحدث ، وتارة يذكر الحكم الذي استفاده من الرواية ، أو الروايات بحسب نظره واجتهاده فهو في هذا الحال ، مفت وصاحب رأي. (٢)

٣. وهناك وجه ثالث وهو انّ صاحبَ الشريعة ما عُني بالتفاصيل والجزئيات لعدم سنوح الفرص ببيانها ، أو تعذر بيان حكم موضوعات لم يكن لها نظير في حياتهم ، بل كان تصوّرها لعدم وجودها أمراً صعباً على المخاطبين ، فلا محيص لصاحبِ الشريعةِ عن إلقاء أُصول كلية ذات مادة حيويّة قابلة لاستنباط الأحكام وفقاً للظروفِ والأزمنة.

٤. انّ حياة الدين مرهونة بمدارسته ومذاكرته ولو افترضنا أنّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ذكر

__________________

(١) المقريزي : الخطط : ٣٣٣ / ٢.

(٢) أصل الشيعة وأُصولها : ١٤٧ ، طبعة القاهرة.

٩

التفاصيل والجزئيات وأودعها بين دفّتي كتاب ، لاستولى الركود الفكري على عقلية الأُمة ، ولانحسر كثير من المفاهيم والقِيَم الإسلامية عن ذهنيّتها ، وأوجب ضياع العلم وتطرق التحريف إلى أُصوله وفروعه حتى إلى الكتاب الذي فيه تلك التفاصيل.

على هذا ، لم تقم للإسلام دعامة ، ولا حُفِظَ كِيانُه ونظامه ، إلّا على ضوء هذه البحوث العلمية والنقاشات الدارجة بين العلماء ، أو ردّ صاحب فكر على ذي فكر آخر بلا محاباة.

١٠

تاريخ أُصول الفقه عند الشيعة الإمامية

لم يكن علم الأُصول بمحتواه أمراً مغفولاً عنه في عصر الأئمّة (عليهم‌السلام) ، فقد أملى الإمام الباقر (عليه‌السلام) وأعقبه الإمام الصادق (عليه‌السلام) على أصحابهما قواعد كلّية في الاستنباط ، رتّبها بعض الأصحاب على ترتيب مباحث أُصول الفقه.

وممن ألّف في ذلك المضمار :

١. المحدّث الحرّ العاملي (المتوفّى ١١٠٤ ه‍) مؤلف كتاب : «الفصول المهمة في أُصول الأئمّة» وهذا الكتاب يشتمل على القواعد الكلية المنصوصة في أُصول الفقه وغيرها.

٢. السيد العلّامة الشبّر عبد الله بن محمد الرضا الحسيني الغروي (المتوفّى ١٢٤٢ ه‍)

له كتاب «الأُصول الأصلية».

٣. السيد الشريف الموسوي ، هاشم بن زين العابدين الخوانساري الاصفهاني ، له كتاب : «أُصول آل الرسول» ، وقد وافته المنيّة عام ١٣١٨ ه‍.

فهذه الكتب الحاوية على النصوص المروية عن أئمة أهل البيت في القواعد والأُصول الكلية في مجال أُصول الفقه ، تعرِبُ عن العناية التي يوليها أئمّة أهل البيت (عليهم‌السلام) لهذا العلم.

وقد تبعهم أصحابهم ، منهم :

١١

١. يونس بن عبد الرحمن (المتوفّى ٢٠٨ ه‍)

يقول النجاشي : كان يونس بن عبد الرحمن وجهاً في أصحابنا ، متقدّماً ، عظيم المنزلة ، روى عن أبي الحسن موسى والرضا (عليهما‌السلام). فقد صنف كتابَ : «اختلاف الحديث ومسائله» (١) وهو قريب من باب التعادل والترجيح في الكتب الأُصولية.

٢. أبو سهل النوبختي إسماعيل بن علي (٢٣٧ ٣١١ ه‍)

يقول النجاشي : كان شيخ المتكلمين من أصحابنا وغيرهم ، له جلالة في الدنيا والدين ، إلى أن قال : له كتاب «الخصوص والعموم» ، و «الأسماء والأحكام». (٢) ويقول ابن النديم : هو من كبار الشيعة ، وكان فاضلاً عالماً متكلّماً ، وله مجلس يحضره جماعة من المتكلّمين ، إلى أن قال : له كتاب «إبطال القياس». (٣)

٣. الحسن بن موسى النوبختي

عرّفه النجاشي بقوله : شيخنا المتكلّم ، المبرّز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها. وذكر من كتبه «خبر الواحد والعمل به». (٤)

يقولُ ابن النديم : الحسن بن موسى ابن اخت أبي سهل بن نوبخت ، متكلّم فيلسوف ، كان يجتمع إليه جماعة من النقَلة لكتب الفلسفة. (٥)

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٢٠ / ٢ برقم ١٢٠٩.

(٢) رجال النجاشي : ١٢١ / ١ برقم ٦٧.

(٣) الفهرست : ٢٢٥.

(٤) رجال النجاشي : ١٧٩ / ١ برقم ١٤٦.

(٥) الفهرست : ٢٢٥.

١٢

يقول ابن حجر : الحسن بن موسى النوبختي ، أبو محمد من متكلّمي الإمامية ، وله تصانيف كثيرة. (١)

أُصول الفقه وأدواره

اجتاز علم الأُصول من لدن تأسيسه إلى زماننا هذا مرحلتين ، ولكلّ منهما أدوار ، وامتازت المرحلة الثانية بالإبداع والابتكار وطرح مسائل مستجدّة لم تكن مذكورة في كتب الفريقين.

المرحلة الأُولى : مرحلة النشوء والازدهار

ابتدئتْ المرحلةُ الأُولى منذُ أوائل القرن الثالث إلى عصر العلّامة الحلي (٧٢٦٦٤٨) وقد اجتازت أدواراً ثلاثة.

الدور الأوّل : (دور النشوء)

وقد بُدئ هذا الدور بإفراد بعض المسائل الأُصولية بالتأليف دون أن يعمَّ كافّة المسائل المعنونة في هذا العلم يومذاك ، ولم نقف في هذا الدور على كتاب عام يشمل جميع مسائله ، وقد عرفت أنّ يونس بن عبد الرحمن صنَّف كتابَ «علل الحديث» ، وأبا سهل النوبختي كتابَ «الخصوص والعموم» و «إبطال القياس» ، والحسن بن موسى النوبختي كتاب «خبر الواحد والعمل به» وبالرغم من ذلك فقد ازدهرتْ حركة الاستنباط والاجتهاد بين أصحابنا في هذا الدور ، فهذا هو «الحسن بن علي العماني» شيخ فقهاء الشيعة ، المعاصر للشيخ الكليني (المتوفّى ٣٢٩ ه‍) ألّف كتاب «المتمسِّك بحبل آل الرسول».

__________________

(١) لسان الميزان : ٢٥٨ / ٢ ، برقم ١٧٥.

١٣

يقول النجاشي : أبو محمد العماني ، فقيه متكلّم ، ثقة ، له كتب في الفقه والكلام ، منها كتاب «المتمسّك بحبل آل الرسول» كتابٌ مشهورٌ في الطائفة.

وقيل : ما ورد الحاج من خراسان إلّا طلَب واشترى منه نسخاً. (١) كما ألّف الشيخ الكبير أبو علي الكاتب الإسكافي (المتوفّى ٣٨١ ه‍) كتاب «تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة» في الفقه ، وهو كتابٌ كبيرٌ جامعٌ ، ذكر فهرس كتبه ، الشيخ النجاشي في رجاله ، وله كتاب «الأحمدي في الفقه المحمدي».

يقول النجاشي : وجهٌ في أصحابنا ، ثقةٌ ، جليلُ القدرِ ، صنّف فأكثر. (٢)

الدور الثاني : (دور النمو)

إنّ حاجة المستنبط في علم الأُصول لم تكن مقصورة على عصر دون عصر ، بل كلّما تقدّمتْ عجلة الحضارة نحوَ الإمام ، ازدادت الحاجة إلى تدوين قواعد الاستنباط للإجابة على الحوادث المستجدّة وملابساتها التي كان الفقهاء يواجهونها طيّ الزمان ، مما ترك تأثيراً إيجابياً على علم الأُصول وساهم في نموّه ، فأفردوا جميع المسائل (بدل البعض كما في الدور الأوّل) بالتأليف ، وقد تحمّل ذلك العبء ثلّة من أساطين العلم وسنامه ، منهم :

٤. محمد بن محمد بن النعمان المفيد (٣٣٦ ٤١٣ ه‍)

هو شيخنا وشيخ الأُمّة محمد بن محمد بن النعمان المشهور بالمفيد ، صنف كتاباً باسم «التذكرة بأُصول الفقه» وطبع في ضمن مصنّفاته (٣) ونقل خلاصته شيخنا الكراجكي (المتوفّى ٤٤٩ ه‍) في كتابه «كنز الفوائد».

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٥٣ / ١.

(٢) رجال النجاشي : ٣٠٦ / ٢ : برقم ١٠٤٨.

(٣) المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى الألفيّة لوفاة الشيخ المفيد ، المصنّفات : ٥ / ٩.

١٤

٥. الشريف المرتضى (٣٥٥ ٤٣٦ ه‍)

هو السيد الشريف علي بن الحسين المعروف بالمرتضى.

قال عنه النجاشي : حاز من العلوم ما لم يدانه أحد في زمانه ، وسمع من الحديث فأكثر ، وكان متكلماً ، شاعراً ، أديباً ، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا ، وعدّ من كتبه «الذريعة» (١) وقد طبع الكتاب في جزءين طباعة منقّحة ، وقد عثرت على نسخة خطية منها في مدينة «قزوين» جاء في آخرها انّ المؤلف فرغ من تأليفها عام ٤٠٠ ه‍ ، وقد نقل عنه جلُّ من تأخّر من السنّة والشيعة.

٦. سلّار الديلمي (المتوفّى ٤٤٨ ه‍)

هو سلّار بن عبد العزيز الديلمي. يعرّفه العلّامة بقوله : شيخنا المقدّم في الفقه والأدب وغيرهما ، كان ثقة وجهاً ألّف «التقريب في أُصول الفقه» ، ذكره في الذريعة. (٢)

٧. الشيخ الطوسي (٣٨٥ ٤٦٠ ه‍)

هو محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي.

يقول عنه النجاشي : أبو جعفر ، جليل من أصحابنا ، ثقةٌ ، عينٌ ، من تلامذة شيخنا أبي عبد الله المفيد ، وعدَّ من كتبه كتاب «العدّة في أُصول الفقه» (٣) ، وقد طُبِع غير مرّة ، وهو كتابٌ مفصلٌ مبسوطٌ يحتوى على الآراء الأُصولية المطروحة في عصره.

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٠٢ / ١ برقم ٧٠٦.

(٢) الذريعة : ٣٦٥ / ٤ وذكر أنّه توفّي في السفر سنة ٤٤٨.

(٣) رجال النجاشي : ٣٣٢ / ٢ برقم ١٠٦٩.

١٥

الدور الثالث : (دور الازدهار)

بدأ هذا الدور منذ أواخر القرن السادس إلى أواسط القرن الثامن ، وقد صنف أصحابنا كتباً خاصّة في أُصول الفقه تعرب عن الإنجازات الضخمة ، والمنزلة الراقية التي بلغها علمُ الأُصول من خلال دراسة مسائله باسهاب ودقّة وإمعان أكثر ، ومن المصنّفين في هذا الحقل :

٨. ابن زهرة الحلبي (٥١١ ٥٥٨ ه‍)

هو الفقيه البارع السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي مؤلف كتاب «غنية النزوع إلى علمي الأُصول والفروع» وكتابه هذا يدور على محاور ثلاثة ، العقائد والمعارف ، أُصول الفقه ، والفروع. وقد طبع الكتاب محقّقاً في مؤسسة الإمام الصادق (عليه‌السلام) في جزءين ، والناظر في قسم أُصول الفقه يرى فيه التفتح والازدهار بالنسبة إلى ما سبقه.

٩. سديد الدين الحمصي (المتوفّى نحو ٦٠٠ ه‍)

هو الشيخ سديد الدين محمود بن علي بن حسن الحمصي الرازي وقد صنف «كتابه المنقذ من التقليد ، والمرشد إلى التوحيد» عام ٥٨١ ه‍ في الحلة الفيحاء عند منصرفه من زيارة الحرمين بالحجاز. (١)

قال منتجب الدين الرازي : الشيخ الإمام سديد الدين علّامة زمانه في الأُصوليين ، ورع ثقة ، وذكر مصنّفاته الّتي منها : «المصادر في أُصول الفقه» و «التبيين والتنقيح في التحسين والتقبيح». (٢)

__________________

(١) لاحظ المنقذ من التقليد : ١٧ ، مقدّمة المؤلف.

(٢) الفهرست : برقم ٣٨٩.

١٦

١٠. نجم الدين الحلي (٦٠٢ ٦٧٦ ه‍)

هو نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا الهذلي الحلي ، المكنّى بأبي القاسم ، الملقّب بنجم الدين ، والمشتهر بالمحقّق.

قال ابن داود في رجاله : جعفر بن الحسن ، المحقّق المدقّق ، الإمام ، العلّامة ، واحد عصره كان ألسَنَ أهل زمانه ، وأقومهم بالحجة ، وأسرعهم استحضاراً ، قرأت عليه وربّاني صغيراً ، وكان له عليّ إحسان عظيم ، وذكر من تآليفه : «المعارج في أُصول الفقه» (١) وقد طبع غير مرّة ، وهو وإن كان صغير الحجم ، لكنّه كثير المعنى شأنُ كلِّ ما جادت به قريحتُه في عالم التأليف ، فهذا كتابه «شرائع الإسلام» عكف عليه العلماء في جميع الأعصار ، وكتبوا عليه شروحاً وتعاليق وقد طبع في إيران ولبنان.

وقال في أعيان الشيعة : ومن كتبه «نهج الوصول إلى معرفة علم الأُصول». (٢)

١١. العلّامة الحلّي (٦٤٨ ٧٢٦ ه‍)

الحسن بن يوسف المطهر المعروف بالعلّامة الحلّي وهو غنيٌّ عن التعريف ، برع في المعقول والمنقول ، وتقدَم على العلماء الفحول وهو في عصر الصبا ، أخذ عن فقيه أهل البيت الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن ، خاله ، ومن أبيه سديد الدين يوسف بن مطهر الحلّي ، وأخذ العلوم العقلية عن نصير الدين الطوسي وغيره.

__________________

(١) رجال ابن داود : ٨٣.

(٢) أعيان الشيعة : ٩٢ / ٤. لاحظ الذريعة : ٤٢٦ / ٢٤.

١٧

وقد ألّف في غير واحد من الموضوعات : النقلية والعقلية ، كما ألّف في أُصول الفقه تصانيف عديدة ذكرها السيد الأمين في «أعيان الشيعة» نشير إليها :

١. النكت البديعة في تحرير الذريعة للسيد المرتضى.

٢. غاية الوصول وإيضاح السبل في شرح مختصر منتهى الوصول لابن الحاجب.

٣. «مبادئ الوصول إلى علم الأُصول» مطبوع في ذيل المعارج للمحقّق.

٤. «نهاية الوصول إلى علم الأُصول» في أربعة أجزاء. (١) ٥.» تهذيب الوصول في علم الأُصول» صنّفه باسم ولده فخر الدين ، وهو مطبوع.

وقد كتب عليه شروح وتعاليق مذكورة في أعيان الشيعة. (٢)

١٢. عميد الدين الأعرجي (المتوفّى عام ٧٥٤ ه‍)

عبد المطلب بن أبي الفوارس بن محمد بن علي الأعرجي الحسيني ابن أُخت العلّامة الحلّي.

وصفه الشهيد الأوّل بقوله : السيد ، الإمام ، فقيه أهل البيت (عليهم‌السلام) في زمانه ، عميد الحقّ والدين ، أبو عبد الله عبد المطلب بن الأعرج الحسيني.

كما وصفه غيره بقوله : درّة الفخر وفريد الدهر ، مولانا الإمام الرباني وهو ابن أُخت العلّامة الحلّي (رحمه‌الله) وقد ألّف كتباً كثيرة في الفقه وغيره ، كما ألّف في أُصول الفقه كتابه «منية اللبيب في شرح التهذيب» (٣) لخاله العلّامة الحلي وقد فرغ منه في

__________________

(١) نحتفظ بنسخة منها في مكتبة مؤسسة الإمام الصادق (عليه‌السلام) في قم المقدّسة.

(٢) أعيان الشيعة : ٤٠٤ / ٥.

(٣) نحتفظ بنسخة من هذا الكتاب في مكتبة مؤسسة الإمام الصادق (عليه‌السلام) في قم المقدّسة. وربما ينسب المنية لأخيه ضياء الدين الأعرجي والنقول في تهذيب الأُصول لعميد الدين.

١٨

الخامس عشر من رجب سنة ٧٤٠ ه‍. (١)

١٣. ضياء الدين الأعرجي

هو السيد ضياء الدين عبد الله بن أبي الفوارس ابن أُخت العلّامة الحلّي فقد شرح كتاب تهذيب الأُصول لخاله وأسماه «النقول في تهذيب الأُصول» ، وقام الشهيد بالجمع بين الشرحين وأسماه «جامع البين الجامع بين شرحي الأخوين».

١٤. فخر المحقّقين (٦٨٢ ٧٧١ ه‍)

هو محمد بن الحسن نجل العلّامة الحلّي ، فقد شرح تهذيب والده وأسماه «غاية السئول في شرح تهذيب الأُصول».

كان الأمل أن يواكب التأليفُ تقدّمَ العصر ولكن الركب توقف عن متابعة هذا التطور وأخلد إلى الركود ، فلا نكاد نعثر على تصانيف أُصولية بعد شيخنا عميد الدين إلّا ما ندر كمقدّمة المعالم للمحقّق الشيخ حسن صاحب المعالم ، نجل الشهيد الثاني (المتوفّى ١٠١١ ه‍). قد صار محور الدراسة قرابة أربعة قرون وعكف عليه العلماء بالتعليقة والشرح.

نعم انصبّت الجهود على تدوين القواعد الفقهية وتنظيمها بشكل بديع نستعرض بعضها :

١. محمد بن مكي المعروف ب «الشهيد الأوّل» (٧٨٦٧٣٤ ه‍) قد ألّف كتاب «القواعد والفوائد» وقد استعرض فيه ٣٠٢ قاعدة ، ومع الاعتراف بفضله وتقدّمه في التأليف ، لم يفصل القواعد الفقهية عن الأُصولية أو العربية ، كما لم

__________________

(١) السيد الخوانساري : روضات الجنات : ٢٦١.

١٩

يرتِّب القواعد الفقهية على أبواب الفقه المشهورة ممّا حدا بتلميذه المقداد عبد الله السيوري بترتيب تلك القواعد كما سيوافيك.

٢. الفقيه المتبحر والأُصولي المتكلّم مقداد بن عبد الله السيوري (المتوفّى ٨٢٦ ه‍) من أكابر رجال العلم والتحقيق ، فقد قام بترتيب كتاب القواعد لشيخه الشهيد وسمّاه ب «نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية» وقد طبع محقّقاً عام (١٤٠٤ ه‍).

٣. الشيخ الأجل زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد المعروف ب «الشهيد الثاني» (٩٦٦٩١١ ه‍) ، ولد في عائلة نذرت نفسها للدين والعلم ، وقد ألّف في غير واحد من الموضوعات ومن آثاره كتابه : «تمهيد القواعد» جمع في هذا الكتاب بين فني تخريج الفروع على الأُصول وتخريج الفروع على القواعد العربية ، وهو كتاب قلّ نظيره عظيم المنزلة ، طبع مرّة مع كتاب الذكرى للشهيد الأوّل ، كما طبع أخيراً محقّقاً في مشهد الإمام الرضا استعرض المؤلِّف فيه مائتي قاعدة وفرغ منها في مستهل عام ٩٥٨ ه‍.

* * *

عصر النكسة والركود

ظهرت الأخبارية في أواخر القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر على يد الشيخ محمد أمين الاسترابادي (المتوفّى ١٠٣٣ ه‍) فشنَّ حملة شعواء على الأُصول والأُصوليّين وزيّف مسلك الاجتهاد المبني على القواعد الأُصولية ، وزعم انّ طريقة أئمّة أهل البيت (عليهم‌السلام) وأصحابه تخالف ذلك المسلك ، فممّا قاله في ذم الاجتهاد :

٢٠