إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ١

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

أشدّ انطباقا بحال الشّيعة الإماميّة ، فإنّ المتبادر من شأن المقام (١) وتنكير لفظ طائفة ، الطائفة القليلة وقلة فرقة الشّيعة وكثرة جماعة أهل السّنة ظاهرتان.

وأيضا احتمال الخذلان إنّما يناسب الطائفة القليلة التي استمرّت عليها الخوف والتقيّة دون الكثيرين الذين كانوا متكئين دائما على أرائك الأمن (٢) وعزّ الدّنيا الدنيّة ، فحاصل الحديث لا يزال طائفة قليلة من امّتي منصورين بالحجّة والبرهان ، لا يضرّهم خذلانهم في مواقف استعمال السّيف والسّنان وهذا المفهوم المحصل لا مصداق له سوى الاماميّة. وأيضا لو لم يكن المراد بالنّصر الموعود به الأنبياء والأولياء وسائر المؤمنين في القرآن والحديث النّصر بالحجج والبراهين كما ذكرناه ، وقد ذكره المفسّرون ؛ للزم كذب القرآن المجيد ، لأنّ كثيرا من أنبياء بني إسرائيل لم ينصروا في الدّنيا كما روي (٣) من أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الشّمس إلى غروبها سبعين نبيّا ، ثم يجلسون يتحاكون في الأسواق كأنّهم لم يصنعوا شيئا ، وكذلك فعل بحبيب النّجار مؤمن آل ياسين فإنهم وطؤه (٤) حتّى

__________________

(١) اى المقام الذي وردت فيه الرواية المذكورة. منه «قده».

(٢) مأخوذ من قوله تعالى في سورة الدهر الآية ١٤ : (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى).

(٣)في تفسير ابن كثير (الجزء ١ ص ٣٥٥ ط مصر) في ذيل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ) الآية. قال رسول الله (صلعم) مخاطبا لأبي عبيدة : يا أبا عبيدة ، قتلت بنو إسرائيل ثلثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة الحديث. وهكذا رواه ابن جرير. وعن عبد الله بن مسعود ، قال : قتلت بنو إسرائيل ثلاثمائة نبى من أول النهار وأقاموا سوق بقلهم.

وفي تفسير الدر المنثور للسيوطي في ذيل الآية ٦١ البقرة : أخرج أبو داود والطيالسي وابن أبى حاتم عن ابن مسعود ، قال : كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة مائة نبى.

(٤) بالأرجل وداسوه.

٤١

خرجت أمعاؤه ، ويحيى بن زكرّيا اهدى رأسه إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، وأبوه زكريا نشر ، (١) والحسين بن علي عليه‌السلام أحد سيّدى شباب أهل الجنة قتل وطيف برأسه البلاد (٢) وأيضا قد قتل إمام النّاصب وأصحابه يوم الدّار ، فكانوا غير منصورين ، والذين قاتلوا إمامه وهازموا أصحابه كانوا منصورين ، فلم يكن إمامه وأصحابه مؤمنين بموجب ما زعمه في معنى الحديث وايضا سيقول في خطبته هذا : إنّ في زمانه قد استولى فئة من أصحاب البدعة على البلاد وأشاعوا الرّفض والابتداع وقتلوا وشرّدوا وطردوا أصحابه من أهل السّنّة ، وهذا النّاصب الشّقيّ كان من جملة من هرب منهم إلى بلاد ما وراء النّهر (٣) فيجب على قوله أيضا أن لا يكون هو وأصحابه بمؤمنين ، بل إنّما المؤمنون الذين قتلوا أصحابه وطردوهم ومن كاس الحمام (٤) جرّعوهم فرحمة الله عليهم ، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم الغالبون (٥). هذا وقد أجرى الله الحقّ على لسانه حيث قال عند توجيه الصلاة على النبي عليه الصلاة والسّلام : إنّه جعل شيعة الحقّ وأئمّة الهدى أتباعه (٦) ، إذ يفهم منه الميل إلى أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، لتبادرهم من هذا الوصف في لسان أهل الإسلام وشيوع استعماله في شأنهم عليهم‌السلام. وكذا يفهم منه الاعتراف بحقيّة الشّيعة ، فإن الشيعة اسم قديم لهذه الفرقة وليس لأغيارهم لو ارتقوا إلى السّماء سوى اسم أهل السّنة والجماعة بمعنى أهل

__________________

(١) بالمنشار.

(٢) وهو أول راس حمل على الرمح في الإسلام ؛ كما ذكره السيوطي وغيره وهو المشهور بين المؤرخين.

(٣) ونزل بلدة قاسان من بلاد ما وراء النهر كما مر.

(٤) الحمام : بكسر الحاء المهملة الموت ، وبالفتح الطير.

(٥) اقتباس من قوله تعالى في سورة المجادلة الآية ٢٢

(٦) في بعض النسخ أشياعه بدل أتباعه.

٤٢

سنّة معاوية وجماعته الغاوية الذين سنّوا سب علي عليه‌السلام، واجتمعوا عليه فلما قطع دابر دولة الشّجرة الملعونة الأمويّة وآل الملك إلى العباسيّة المبغضين للأمويّة أوّلوا ذلك خوفا منهم ومن شناعته بسنّة النبيّ وجماعته. ثم الفقرة المذكورة بقوله : وهدى إلى انتقاد نهج الحقّ وكشف الصّدق أتباعه إنما يناسب في شأن طائفة الشيعة التي صنّف عالمهم العلّامة لهدايتهم الكتاب الموسوم بكشف الحقّ ونهج الصدق ، وهذا ممّا لا يخفى على من له صدق تأمّل في فنون المقال ووجوه براعة الاستهلال. ثمّ نعم ما فعل من تخصيص كرام الصّحب بالذّكر فإن توصيف مطلق الصحب بالجود والشّجاعة يشكل [خ ل مشكل] بحال من تخلف ، لغاية بخله عن تقديم شيء بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند النّجوى (١) وبحال من فرّ في خيبر (٢) وغيرها من المواقف التي عمّ بها البلوى ، كما نطق بها ما سيجيء من النّصوص والأحاديث المأثورة ، وصرّح بمضمونها ابن أبي الحديد المعتزلي (٣) في بعض قصائده المشهورة حيث قال :

شعر

وأعجب إنسانا (٤) من القوم كثرة

فلم تغن شيئا ثمّ هرول مدبرا

__________________

(١) إشارة الى قوله تعالى في سورة المجادلة الآية ١٢ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً).

(٢) المراد بالفار في خيبر هو الاول.

(٣) هو العلامة الشيخ عز الدين عبد الحميد بن محمّد بن محمد بن الحسين ابن أبى الحديد المدائني شارح نهج البلاغة ولد سنة ٥٨٦ توفى ببغداد سنة ٦٥٥ وله قصائد شهيرة في مدح مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام تعرف بالعلويات منها قوله في قصيدة :

ورأيت دين الاعتزال واننى

أهوى لأجلك كل من يتشيع.

(٤) الإنسان يريد به الاول فانه قال في ذلك اليوم : لن نغلب اليوم من قلة فأصابهم بعينه حتى انكسروا. وقال : في ذلك بعض الفصحاء : أبو بكر عانهم وعلى أعانهم ،

٤٣

وضاقت عليه الأرض من بعد رحبها

وللنصّ حكم لا يدافع بالمراء

وليس بنكر في حنين فراره

ففي احد قد فرّ خوفا وخيبرا

وأما قوله بعد أما بعد : يعبدون الأصنام و (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) إلخ ، فهو مشير إلى عنوان حال أئمّته وخلفائه في عبادة الأصنام الملاعين فإنّهم ما أسلموا إلّا بعد أن مضى من عمرهم أكثر من أربعين وقد روي عمّن سبّح في كفّه الحصاة : من بلغ أربعين ولم يحمل العصا فقد عصى (١) وفسّر العصا بالإسلام كما اشتهر من مناظرة جرت في ذلك بين عبد الرّحمن الجامي (٢) وبعض

__________________

ويريد بالنص قول الله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ). والمراء ممدودا : المجادلة وقصره ضرورة ، وليس بنكر الى قوله وخيبرا يقول : في ذم الاول وفراره من الجهاد وغرضه الرد على من يقول : انه أفضل من على عليه‌السلام لعن الله من يقول به. ويوم حنين فر جميع الناس ولم يثبت مع النبي الا تسعة من بنى هاشم وأيمن بن عبيد بن ام أيمن مولاة رسول الله فقتل رحمه‌الله وبقي التسعة حول رسول الله وهم أمير المؤمنين والعباس والفضل بن عباس وأبو سفيان ونوفل وربيعة وابن الزبير وعتبة ومعتب ، وأما يوم احد وهو جبل كانت الوقعة عنده ففر الناس بأسرهم الا أمير المؤمنين وأبا دجانة ، ولم يزل أمير المؤمنين يذب عن الرسول ويحمى عنه كالليث الباسل حتى انكسر سيفه وأعطاه رسول الله سيفه ذا الفقار فقاتل حتى عجبت الملائكة من صبره وشجاعته ، وان قيل : كيف خص أبا بكر بالفرار يوم حنين ويوم احد وعيره بذلك وقد فر الناس جميعهم الا من استثنى يقال : انما خصه بذلك ردا على من يقول : انه افضل من أمير المؤمنين فذكر المناقب المشهورة لعلى والمثالب الظاهرة لأبي بكر وأما يوم خيبر فهزيمة أبى بكر ورجوعه بالرأية مشهورة لا يخفى (انتهى ما أخذ من شرح العلويات لصاحب المدارك وغيره من الكتب)

(١) وسيأتي مستنده في باب المطاعن إن شاء الله تعالى.

(٢) هو المولى عبد الرحمن بن احمد الدشتى الجامى العارف النحوي الشهير المتوفى

٤٤

الأعلام (١).

ثمّ قوله : فندب صلى‌الله‌عليه‌وسلم لنصرة الدّين وإعانة الحقّ عصبة من صحبه الصّادقين إلى قوله ثمّ هاجروا ، غير مصدّق لمقصوده ضرورة أنّ مصداق الصادقين المهاجرين ، هم اللّذون لم يكن مهاجرتهم إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله مشوبة بالأغراض الدّنية والأعراض (٢) الزّائلة الدّنيوية ، كما روي في صحاح الجمهور (٣) من قوله عليه الصّلاة والسلام من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.

وقد ذكر شرّاح الحديث أنّ سبب وروده ما نقل عن ابن مسعود رضى الله عنه من أنّه لما هاجر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هاجر بعض أصحابه لله ولرسوله وهاجر بعض آخر للدنيا وهاجر رجل لامرأة يقال لها ام قيس حتّى يتزوجها فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا الحديث تذكيرا لأهل الاعتبار وتوبيخا لمن ليس له الادكار انتهى. وقد اتّضح بما ذكرناه ونقلناه أنّ كون من وقع فيهم النزاع من الصحابة مصداقا للهجرة الحقيقيّة والصّدق والاصابة محلّ بحث لا بدّ له من دليل ، بل سيقوم الدّليل القويم على نفيه في مسألة الامامة إن شاء الله تعالى ، وأما الوصف : بالكرس

__________________

سنة ٨٩٨ وله تصانيف شهيرة كالفوائد الضيائية في النحو المعروف بشرح الجامى والرشحات وشرح اللمعات وتاريخ هراة وغيرها.

(١) والمراد ببعض الاعلام المولى النحرير علم العلامة الشيخ حسن النقوى الهروي وقد ذكرنا المناظرة المشار إليها مفصلا عند ذكر أحواله في كتابنا الموسوم بمجالس المؤمنين. والتقوى منسوب الى الامام على النقي ابن محمد التقى عليهما‌السلام.

(٢) الاعراض : جمع العرض بفتح الاول والثاني : المتاع وحطام الدنيا.

(٣) رواه في البخاري (ج ٥ ص ٥٦ ط مصر) عن مسدد بالسند المتصل الى علقمة بن وقاص قال : سمعت عمر قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. الحديث.

٤٥

والعيبة فإنما روي (١) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في شان الأنصار الذين فتنوا بحيلة الأغيار أولا ورجعوا إلى عليّ عليه‌السلام آخرا ، فلا نصيب للمتنازع فيهم من قريش في ذلك ، وكذا الكلام في قوله : فأثنى الله تعالى عليهم في مجيد كتابه ورضي عنهم وتاب عليهم ، إذ ليس في القرآن ما يدلّ على ثناء الصّحابة المبحوث عنهم ، ولا على عفوه تعالى ورضائه عنهم ، وأيضا الرّضاء الذي وقع في حقّ أهل بيعة الرّضوان كان مشروطا بعدم النّكث ، كما قال تعالى بعد ما أخبر بالرضا عنهم : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) (٢) والحاصل أنّ رضوان الله تعالى عن العباد إنّما يكون بحسب أفعالهم وأعمالهم ، فإذا فعلوا عبادة رضي الله تعالى عنهم. وإن فعلوا معصية سخط الله عليهم ، ولا يلزم من الرّضاء في وقت باعتبار أمر دوام الرّضاء له كما قال سبحانه :

__________________

(١) قد تصفحنا مظان الحديث في الصحاح الستة وغيرها من كتب العامة فلم نجد رواية في توصيف غير الأنصار بالكرش والعيبة بل هما من خصائص الأنصار وقد ورد في توصيفهم بهما روايات (منها) ما رواه البخاري في صحيحه (ج ٥ ص ٣٥ ط اميرية) بالسند المنتهى الى هشام بن زيد قال سمعت أنس بن مالك يقول مر ابو بكر والعباس رضى الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال : ما يبكيكم قالوا : ذكرنا مجلس النبي (صلعم) منا فدخل على النبي (صلعم) فأخبره بذلك قال فخرج النبي (صلعم) قد عصب على رأسه حاشية برد قال فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد الله واثنى عليه ثم قال : أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشى وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم (انتهى) ورواه عن عكرمة عن ابن عباس ايضا ملخصا عن قتادة عن أنس وعن عكرمة عن ابن عباس. ووردت في صحيح مسلم (الجزء السابع صفحة ١٧٤ ط مصر) وفي مجمع الزوائد (الجزء العاشر ص ٣٠ و ٣٦ و ٣٧ ط مصر) أحاديث بهذا المضمون.

(٢) الفتح. الآية ١٠.

٤٦

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) (١) فانّ الله تعالى يرضى بايمانهم ، ويسخط بكفرهم ، ثم قوله وجعل امور الدّين مرجوعة إليهم ، مدفوع بأنّ الله تعالى لم يجعل امور الدّين مرجوعة إلى الخلفاء الثّلاثة الذين قصدهم النّاصب بهذه العبارة ، لتصريح الجمهور على ما ذكر في المواقف (٢) وغيره : أنّ إمامة أبي بكر إنّما ثبتت باختيار طائفة من الصّحابة ، بل ببيعة عمر وحده ، وإمامة عمر ثبتت بتفويض أبي بكر إليه ، وخلافة عثمان بالشورى ، اللهم إلّا أن يبنى ذلك على قاعدة الجبر ، ويقال : إنّ اختيار تلك الطائفة وبيعة عمر كسائر القبائح كان من فعل الله سبحانه ، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.

ثم قوله : ثم وثب فرقة بعد القرون المتطاولة والدّول المتداولة يلعنونهم ويشتمونهم ويسبونهم إلى آخره ، إن أراد به أنّ تلك الفرقة التي عنى بهم الشّيعة يلعنون جميع الصّحابة فهو افتراء ظاهر ، وإن أراد به أنّهم يلعنون بعض الصّحابة ممّن اعتقدوا أنّه أظهر بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله آثار الجلافة ، وغصب الخلافة ، وظلم أهل البيت بكلّ بليّة وآفة ، ففي هذا اسوة حسنة (٣) بالله تعالى ورسوله ووصيّه ، إذ قد لعن الله تعالى في محكم كتابه على الجاحدين والظالمين والمنافقين ، وأشار إلى وجوب متابعة ذلك او استحبابه بقوله : (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (٤) و

__________________

(١) النساء. الآية ١٣٧.

(٢) صاحب المواقف هو القاضي عضد الدين عبد الرحمن بن ركن الدين أحمد بن عبد الغفار الإيجي الشيرازي المتوفى محبوسا سنة ٧٥٦ او ٧٦٠ ، وله تصانيف كثيرة ، منها المواقف في الكلام وقد شرحه المحقق التفتازاني والشريف الجرجاني وغيرهما ، وما ذكره القاضي الشهيد «قده» في المتن موجود في الشرح الشريف من ص ٧٢ الى ٧٦.

(٣) اقتباس من قوله تعالى في سورة الأحزاب الآية ٢١ : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.)

(٤) البقرة : الآية ١٥٩.

٤٧

بقوله : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١) واللعن في الآية وإن وقع بصورة الإخبار ، لكنّ المراد منه الإنشاء والأمر ، كما في قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٢) فانّ المراد منه ومن نظائره الأمر دون الاخبار على ما صرح به المفسرون. إذ لو كان خبرا لم يكن مطابقا للواقع ، وعدم المطابقة في خبره تعالى محال. وقد روي (٣) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنّه لعن

__________________

(١) البقرة : الآية ١٦١.

(٢) البقرة : الآية ٢٢٨.

(٣)كما في شرح ابن ابى الحديد في نهج البلاغة (جزء ٢ ص ١٠٢ ط مصر) فيما خطبه الحسن بن على عليه‌السلام وخاطب فيها معاوية الى أن توجه الى المسلمين وقال (ع) ايها الرهط نشدتكم الله الا تعلمون أن رسول الله (ص) لعن ابا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردّها أولها يوم لقى رسول الله خارجا من مكة الى طائف يدعو ثقيفا الى الدين فوقع به وسبه وسفهه وشتمه وكذبه وهم ان يبطش به فلعنه الله ورسوله وصرف عنه الثانية يوم العير إذ عرض على رسول الله وهي جائية من الشام فطردها ابو سفيان وساحل بها فلم يظفر المسلمون بها ولعنه رسول الله (ص) ودعى عليه فكانت وقعة بدر لأجلها والثالثة يوم احد حيث وقع تحت الجبل ورسول الله (ص) في أعلاه وهو ينادى (أعل هبل) مرارا فلعنه رسول الله عشر مرات ولعنه المسلمون والرابعة يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود فلعنه رسول الله (ص) فابتهل والخامسة يوم جاء ابو سفيان في قريش فصدوا رسول الله «ص» عن المسجد الحرام والهدى معكوفا ان يبلغ محله ذلك يوم الحديبية فلعن رسول الله «ص» ابا سفيان ولعن القادة والاتباع وقال ملعونون كلهم وليس فيهم من يؤمن فقيل يا رسول الله أفما يرجى الإسلام لاحد منهم فكيف باللعنة فقال لا تصيب اللعنة أحدا من الاتباع اما القادة فلا يفلح منهم احد والسادسة يوم الجمل الأحمر والسابعة يوم وقفوا رسول الله في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثنى عشر رجلا منهم ابو سفيان فهذا لك يا معاوية الى آخر ما قال عليه‌السلام.

أقول وكفى في ذلك نقل ابن ابى الحديد وهو من أعاظم المعتزلة ولو تفحصت كتب السير والغزوات لوقفت على مواطن قد لعن فيها الرسول (ص) ابا سفيان وعليك بالبحث والتنقيب.

٤٨

أبا سفيان. وعن علىّ (١) عليه‌السلام أنّه كان يلعن في الصفين معاوية وعمرو بن العاص وأمثالهم من أهل البغي والعصيان ، ولا ريب في أنّ المكلّف إذا عمل بمقتضى أمر الله تعالى أو تأسّى بفعل نبيه ووصيّه عليهما‌السلام ، وكان عمله مقارنا للإخلاص يصير مستحقا للثواب.

ثم ان أراد بالشتم والسّب ما يرادف اللّعن في المعنى ، فلا نزاع معه في المعنى ، ولا محذور فيه كما مرّ ، وان أراد بهما القذف الذي مآله القدح من جهة العرض والتّعييب من جهة الآباء والأمهات ونحوهم ، فلا يجوز عند الشّيعة الإمامية شيء من ذلك بالنسبة إلى كافر مشرك مجاهر بالشّرك فضلّا عن مسلم أو متظاهر بالإسلام ، نعم لما قصد المتّسمون بأهل السّنة والجماعة تنفير العوام عن إتّباع مذهب الشيعة ، اصطلحوا على إطلاق السّب على الأعمّ من القذف والشتم واللعن ، حتّى يتأتّي لهم أن يقولوا : إنّ الشّيعة الإماميّة يتكلّمون بالفحش ، كما هو دأب العوام السّوقية ، والحاصل أنّا معشر الإماميّة لا نسبّ أصلا ولا نلعن كل الصحابة ، ولا جلّهم بل نلعن من كان منهم أعداء لأهل البيت عليهم‌السلام ، ونتقرّب بذلك إلى الله تعالى ورسوله وذوي القربى الذين أمرنا الله تعالى بمودّتهم أجرا (٢) لتبليغ الرّسالة ، لاستحالة أن يجتمع الضدّان أو يحلّ قلبا واحدا نقيضان ، كما قال الشّاعر :

تودّ عدوّى ثمّ تزعم أنّنى

صديقك إنّ الرأى عنك لعاذب(٣)

__________________

(١)في شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد (جلد ٣ ص ٢٨٨ ط مصر) كان على عليه‌السلام يقول : أللهم العن معاوية أولا وعمروا ثانيا ، وأبا الأعور السلمى ثالثا ، وأبا موسى الأشعري رابعا.

(٢) إشارة الى قوله تعالى في سورة الشورى ، الآية ٢٣ : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.)

(٣) قوله : لعاذب : من العذب ، وهو المنع والامتناع.

٤٩

ثم قوله : فويل لهذه الفئة الباغية التي يسخطون العصبة الرّضيّة يمرقون من الدّين إلخ ، لا يناسب ما قصده من جعل ذلك كناية عن الشّيعة ، لأن الفئة الباغية سمة قد اختصّ بها أصحاب معاوية الباغي (١) إمام هذا الشّارح النّاصب الطاغي ، والمروق (٢) لقب من خرج على عليّ عليه‌السلام ، وقدح في عصمته وإمامته ، فهو أنسب بأن يكون لقب الشّارح النّاصب وعلامته.

ثم في قوله : من الغرائب مالورآه محتلم في رؤياه لطار من وكر الجفن نومه إلخ ، تطويل وركاكة لا يخفى ، ولو قال من الغرائب ما أطار نشأة البنج (٣) عن أو كار رؤس أهل السنّة لكان أولى وأخصر (٤) فإنّهم يبيحون (٥) تناول البنج المسمّى بالحشيش ، بل يوجبون مقدار كفّ منه على ما نقلوا من لطائف صدر الشريعة البخاري (٦) أنّه لمّا سئل عن حكم ذلك ، أجاب : بأنّ الكفّ منه واجب ، ولا ريب في أنّ إطارة هذه النشأة عن رؤسهم أشدّ بليّة عليهم من إطارة نومهم.

ثم قوله : وممّا شاع فيه أنّ فئة من أصحاب البدعة استولوا على البلاد وأشاعوا الرّفض والابتداع بين العباد ، كلام فيه اشتباه والتباس ، إذ لا يخفى أنّ

__________________

(١) عبر به تبعا

لكلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خطابا لعمار بن ياسر الصحابي ، تقتلك الفئة الباغية.

(٢) المروق : الخروج من الدين ببدعة او ضلالة.

(٣) البنج : معرب بنگ وهو المعروف بالحشيش يتخذ من شاهدانج ويستعملها أهل النشوة بالآلات الخاصة التي يعبر عنها عند العوام في المقاهى «بغليان بالا»

(٤) وفي بعض النسخ (أجدر).

(٥) يبيحون : من أباح ، يبيح ، إباحة.

(٦) هو عبيد الله بن مسعود بن محمود الحنفي البخاري المتوفى سنة ٧٤٥ او ٧٤٧ او ٧٥٠ صاحب كتاب شرح الوقاية في الفقه الحنفي ، ووجه اللطف في كلامه أن قوله : الكف منه واجب ؛ كلام ذو وجهين ، وله إيهام الى إرادة المنع من لفظ الكف أو اليد.

٥٠

بمرور الزّمان وتعاقب تحريفات أهل العدوان تصير السّنة بدعة (١) والبدعة سنّة ، كما تصير بذلك الحجة شبهة والشّبهة حجة ، والمتّسمون بأهل السّنّة والجماعة لمّا استمرّوا على متابعة ما ابتدعه خلفائهم الثّلاثة في دين الله تعالى زعموا أنّ ما أظهره الشّيعة عليهم بعد مرور زمان التقيّة من أصل ما كان عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الزّكية ، إنّما هو بدعة ناشئة من الجهل والعصبيّة ، فإنّ من جملة ما زعموه من بدع الشّيعة تقريرهم حىّ على خير العمل في الأذان وإنكارهم صلاة التراويح (٢) في شهر رمضان ، وانعكاس القضيّة بإنكار الأوّل وتقرير الثّاني (٣) من بدع عمر كما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى.

ومن البدائع أنّ الشيّعة يتّبعون ما هو سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اتّفاقا ، كالتّختم باليمين وتسطيح قبور المؤمنين ، والمتّسمين بأهل السنّة والجماعة ، يعدلون عنهما إلى التّياسر والتّسنيم (٤) ومع ذلك يسمّون أنفسهم بأهل السّنّة ، والشّيعة بأهل البدعة ، وهذا من أعدل الشّهود على أنّهم أشدّ تحريفا من ملاعين اليهود.

واما قوله : ولم يسمعني فيه الزّمان صيت هؤلاء اللّئام ، فلا يخفى ما فيه ، إذ من البيّن أن اللّئيم هو من يرضى في دينه بمتابعة تيميّ (٥) لكع (٦) رذل

__________________

(١) قد استعمل الشارح في المقام قاعدة رد العجز الى الصدر وهي من المحسنات البديعية.

(٢) يأتى في باب مطاعن الثاني.

(٣) يأتى في باب مطاعن الثاني ايضا من بدعه.

(٤) التسنيم : ضد التسطيح وجعل القبر كسنام البعير ، كما تفعله العامة في قبورهم وعليه ديدنهم.

(٥) لان أبا بكر ينتهى نسبه الى تيم هكذا : أبو بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة.

(٦) لكع. كصرد : العبد ، والشاهد على كونه لكعا ما ذكره ابن ابى الحديد في شرح النهج (ج ١ ص ٥٢) أن أبا بكر كان يقال له الطليق ، وأما كونه ابن لكع فلما ذكره

٥١

كرابيسى (١) معلّم للصّبيان لا يعرف أبّا (٢) ولا كلالة (٣) من القرآن

__________________

هو أيضا هناك من أن أبا قحافة كان ممن أسلم يوم الفتح ، أتى به أبو بكر الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأسلم ، فيكون من طلقائه صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الفتح ، فتحقق مصداق ما

رواه في مجمع الزوائد (ج ٧ ص ٣٢٠) وغيره عن ابن نيار ، قال سمعت رسول الله (صلعم) يقول : لا تذهب الدنيا حتى تكون عند لكع بن لكع ، وأيضا ما رواه عن بعض أصحاب النبي (صلعم) قال النبي (صلعم): يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع.

(١)كنز العمال جلد ٤ كتاب البيوع ، الحديث ١٦٧ ، عن النبي (ص): لو كان في الجنة تجارة لأمرت بتجارة البز ، ان أبا بكر الصديق كان بزازا ، رواه الديلمي عن أنس.

(٢) روى ابن كثير في تفسيره (ج ٤ ص ٤٧٣ ط مصر) عن أبى عبيد القاسم بن سلام ، حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا العوام بن حوشب عن ابراهيم التيمي ، قال سئل أبو بكر الصديق رضى الله عنه عن قوله تعالى : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) ، فقال : أى سماء تظلني ، وأى أرض تقلني بان قلت : في كتاب الله ما لم أعلم. وقد روى الطبري في تفسيره (ج ٣٠ ص ٣٣ ط مصر) عدة روايات في جهل عمر أيضا بذلك ، منها ما رواه عن ابن المثنى عن محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن موسى بن أنس ، عن أنس قال : قرء عمر (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) ومعه عصاء في يده ، فقال : ما الأب ، ثم قال : بحسبنا ما قد علمنا وألقى العصاء من يده.

(٣) حيث قال في الكلالة لما سئل عنها : أقول فيها برأيى فان كان صوابا فمن الله وان كان خطاء فمنى ، كما في شرح النهج لابن أبى الحديد في الطعن السادس (ج ٥ ص ١٨٣) وغير الكلالة مما نقل القوم جهله بها من معاني آيات القرآن ، ومن قلة فهمه بأحكام الله جهله بميراث الجدة حيث سألته امرأة كانت جدة لميت عن إرثها فقال في جوابها : لا أجد لك شيئا في كتاب الله وسنة نبيه ، فأخبره المغيرة ومحمد بن سلمة بان الرسول «ص» أعطاه السدس وقالوا : أطعموا الجدات السدس. وهذا الأثر مروى في مسند احمد (جزء ٤ ص ٢٢٥ ط الاول بمصر) وكذا في الصواعق (ص ٢١ مصر) ومما يحكى من جهله بالاحكام أنه قطع يسار السارق كما في الصواعق (ص ٢١ مصر) ومنها أنه لم يعرف ميراث العمة والخالة كما في السياسة والامامة لابن قتيبة (جزء اول ص ٣١ مصر) الى غير ذلك مما يجده الباحث في خلال تلك الديار والواقف على الآثار في كتب الفريقين.

٥٢

أو عدويّ (١) فظّ غليظ (٢) جاهل اعترف بأنّه أقلّ فهما فقها من النّسوان (٣) وأمّا الشّيعة

__________________

(١) منسوب الى عدى. والعامة انهت نسبة الى عدى.

(٢) قد ذكر ابن أبى الحديد في الشرح (ج ١ ص ٦٢) قضايا كثيرة في غلظة عمر منها ما ذكره بقوله : وعمر هو الذي اغلظ على جبلة بن الأيهم حتى اضطره الى مفارقة دار الهجرة ، بل مفارقة بلاد الإسلام كلها ، وعاد مرتدا داخلا دين النصرانية لأجل لطمة لطمها ، وابن عباس أخفى حكم العول ما دام عمر حيا خوفا منه ، واستدعى عمر امرأة ليسألها عن أمر وكانت حاملا ، فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها ، ودفع عمر في صدر المقداد ، ووطأ في السقيفة سعد بن عبادة ، وحطم أنف الحباب بن المنذر ، وتوعد من لجأ الى دار فاطمة عليها‌السلام من الهاشميين وأخرجهم منها ، وروى أيضا أن اخت عمرو بعلها أسلما سرا من عمر فوشى بهما واش الى عمر فجاء دار أخته ، فقال ختنه : أرأيت ان كان هو الحق؟ فوثب عليه عمر فوطأه وطئا عظيما ، فجاءت أخته فدفعته عنه ، فنقحها بيده فدمى وجهها ، وفي الصحيح ان نسوة كن عند رسول الله قد كثر لغطهن ، فجاء عمر فهر بن منه ، فقال لهن : يا عديات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله «ص»؟ قلن نعم أنت غلظ فظ ورواه في البخاري (ج ٨ ص ٢٣).

(٣) قال ابن أبى الحديد (ج ١ ص ٦١ ط مصر) وكان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه ويفتي بضده وخلافه. قضى في الجد مع الاخوة قضايا كثيرة مختلفة ثم خاف من الحكم في هذه المسألة فقال : من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه وقال مرة : لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي الا ارتجعت ذلك منها ، فقالت له امرأة : ما جعل الله لك ذلك انه تعالى قال (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً). فقال : كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال ومر يوما بشاب من فتيان الأنصار وهو ظمآن فاستسقاه فجدح له ماء بعسل فلم يشربه وقال : ان الله تعالى يقول (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا). فقال له الفتى : يا أمير المؤمنين انها ليست لك ولا لاحد من أهل القبلة ، اقرأ ما قبلها ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا. فقال عمر : كل الناس افقه من عمر. وقيل : ان عمر كان يعس بالليل فسمع صوت رجل وامرأة في بيت فتسور الحائط فوجد امرأة ورجلا وعندهما

٥٣

فقد اتّبعوا. في دينهم وتحصيل يقينهم من أجمع على طهارته (١) وكرامته (٢) وشرفه (٣) وعلمه (٤) وإمامته (٥) أهل الإسلام ، وهم الأئمّة الهداة وسفن النّجاة الذين ورد فيهم : إنّ المتمسّك بهم لن يضلّ أبدا (٦)

وإنّ مثلهم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق (٧) فلينظر النّاصب الغريق المتشبّث بكلّ حشيش ، أىّ الفريقين أحقّ بالأمن ، ثم ما روى من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من تمسّك بسنّتي عند فساد امّتي فله أجر مائة شهيد (٨) إنّما ينطبق على حال الشّيعة حيث

__________________

زق خمر فقال : يا عدو الله أكنت ترى أن الله يسترك وأنت على معصيته. قال : يا أمير المؤمنين ان كنت قد أخطأت في واحدة فقد اخطأت في ثلاث قال الله تعالى (وَلا تَجَسَّسُوا) وقد تجسست ، وقال (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) وقد تسورت ، وقال (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا) وما سلمت.

(١) في المولد ونزاهته من رذائل الأخلاق ومذام الصفات ووسمة الكفر.

(٢) في النفس وقوة الروح وشدة الايمان.

(٣) بالنسب والسبب والحجى والأدب.

(٤) بالاحكام والاقضية وغيرهما.

(٥) بتقدمه على غيره وافتقارهم اليه واستغنائه عنهم.

(٦) إشارة الى حديث الثقلين ، وله أسانيد متضافرة. وسيجيء الكلام فيه. وقد طبعت رسالة جامعة للاسانيد من كتب القوم ألفها بعض الفضلاء الأتقياء. حرسه الله بعينه التي لا تنام ، وقامت بطبعها جامعة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بمصر المحمية.

(٧)أخرجه ابن حجر في مجمع الزوائد في باب فضيلة أهل البيت (ج ٩ ص ١٦٦ ط مصر) بأسانيد متعددة ومتون مختلفة ، منها ما رواه أبو سعيد الخدري قال : سمعت النبي (صلعم) يقول : انما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجى ، ومن تخلف عنها غرق ، وانما مثل أهل بيتي مثل باب حطة في بنى إسرائيل من دخله غفر له.

(٨) ويقرب منه ما

رواه في كنز العمال (الجزء الاول ص ١٩٤ ط حيدرآباد) بسنده المنتهى الى أبى هريرة ، قال : قال رسول الله صلعم : المتمسك بسنتي عند فساد أمتى له أجر شهيد ومثله في هذا الجزء ص ١٩٢.

٥٤

تمسّكوا عند فساد الامّة وظهور الغمّة (١) في زمان بني أميّة وبني العبّاس وغيرهم ، ممّن ملك رقاب النّاس بسنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المنتهية إليهم بتوسّط أولاده المعصومين المنزهين عن الكذب وساير الأرجاس ، وأمّا السنّة التي في أيدي المتّسمين بأهل السنّة فأكثرها موضوعات مأخوذة من غير مآخذها (٢) متلقّاة من منافقي الصّحابة والجاهلين منهم بأكثر شرائط الرّواية بل فاقدها ، كما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في جواب سليم بن قيس الهلالي.

قال سليم : (٣) قلت لأمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير ما في أيدي النّاس (٤) ثمّ سمعت منك تصديقك ما سمعت

__________________

(١) الغمة جمع الغمم الحزن والكرب.

(٢) وفي نسخة مخطوطة : من غير ناقدها.

(٣) وكتابه معروف طبع بمرات ، وهو من أقدم الكتب عند الشيعة وأصحها ، بل حكم بعض العامة بصحته ايضا وممن نقل عنه واعتمد عليه شيخنا أبو عبد الله النعماني «ره» في كتاب الغيبة ، وشيخنا الصدوق «ره» في الفقيه والخصال ، والكليني «ره» في الكافي ، ومن العامة السبكى في كتابه «محاسن الوسائل في معرفة الأوائل» وقال فيه : ان أول كتاب صنف للشيعة هو كتاب سليم بن قيس «انتهى» وسليم هو سليم بن قيس الهلالي أبو صادق العامري الكوفي التابعي ، أدرك مولانا الأمير والحسنين والسجاد والباقر عليهم‌السلام أجمعين وتوفى حدود سنة ٩٠ ويروى عنه أبان بغير مناولة ، وفيروز بالمناولة.

ونقل عن الصادق عليه‌السلام في حق هذا الكتاب أنه قال : من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء ، ولا يعلم من أسبابنا شيئا وهو أبجد الشيعة وهو سر من اسرار آل محمد عليهم‌السلام.

وقد حكى حجة الإسلام صدوق الطائفة هذا الخبر الشريف في كتاب الخصال عن كتاب سليم هذا واعتمد عليه.

(٤) وفي نسخة سليم المطبوعة بالنجف ص ٨٣. بدل قوله : (وأحاديث عن نبى الله الى قوله : في أيدي الناس) قوله : (من الرواية عن النبي عليه‌السلام) :

٥٥

منهم ورأيت في أيدي النّاس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنتم تخالفونهم وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل أفترى النّاس يكذبون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين ، ويفسّرون القرآن بآرائهم؟ قال فأقبل علىّ فقال : قد سألت ، فافهم الجواب ، إنّ في أيدي النّاس حقّا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعامّا وخاصّا ومحكما ومتشابها وحفظا وو هما ، وقد كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عهده حتّى قام خطيبا فقال : أيّها النّاس قد كثرت علىّ الكذّابة فمن كذب علىّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار (١) ثمّ كذب عليه من بعده ، وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس ، رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدا ، فلو علم النّاس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه ، ولكنّهم قالوا : هذا قد صحب رسول الله ورآه وسمع منه وأخذ عنه ولاهم يعرفون حاله ، وقد أخبره الله تعالى عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم ، وقال عزوجل : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) (٢) ثمّ بقوا بعده فتقرّبوا إلى أئمة الضّلالة والدّعاة إلى النّار بالزّور (٣) والكذب والبهتان فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب النّاس وأكلوا بهم الدّنيا ، وإنّما النّاس مع الملوك

__________________

(١) رواه في كنز العمال (ج ٣ ص ٣٥٥ حديث ٣١٠٥) عن صحيح أبى يعلى ، عن سعيد بن زيد ، وعن صحيحى البخاري والمسلم. في حديث قال : رسول الله (صلعم): من كذب على متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار.

وهذه الرواية الشريفة مما وردت بأسانيد عديدة في كتب الفريقين : بل قد ادعى بعض المحدثين تواترها اللفظي فان لم يكن كذلك فالتواتر المعنوي مسلم فراجع.

(٢) سورة المنافقين. الآية ٤.

(٣) الزور يقال : زور الكذب اى زينه. والكذب مخالفة الواقع في الخبر كان بالتزيين او لم يكن. والبهتان ، الافتراء.

٥٦

والدّنيا (١) إلّا من عصمه الله ، فهذا أحد الأربعة ، ورجل سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا لم يحفظه على وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمّد كذبا فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلو علم المسلمون أنّه وهم فيه لم يقبلوه ، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه ، ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم فحفظ منسوخه ولم يحفظ النّاسخ ، فلو علم أنّه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه ، وآخر رابع لم يكذب على الله تعالى ولا على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مبغض للكذب خوفا من الله تعالى ، وتعظيما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع لم يزد فيه ، ولم ينقص منه ، وعلم النّاسخ من المنسوخ فعمل بالنّاسخ ورفض المنسوخ ، فإنّ أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل القرآن (٢) ناسخ ومنسوخ وعامّ وخاصّ ومحكم ومتشابه ، وقد كان يكون (٣) من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام له وجهان ، فكلام عامّ وكلام خاصّ مثل

__________________

(١) ونعم ما قيل :

فان الناس قد ذهبوا الى من عنده ذهب

فمن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا

فان الناس قد مالوا الى من عنده مال

فمن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا

فان الناس منفضة الى من عنده فضة

فمن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة

الناس عبيد الدينار والدراهم

(٢) أى في بعض الجهات لا في كلها ، فان النسخ في القرآن والنسخ في الحديث يتفارقان في بعض الأمور ، كما حقق في محله.

(٣) هذا بيان أن الرجل الرابع يوجه الحديث على معرفته بمعناه وما قصد به وما خرج لأجله ، وقد يكون يوجهه على غير معرفته بمعناه وما قصد به لأجله ، مثلا قوله : صلى‌الله‌عليه‌وآله من كنت مولاه فعلى مولاه إلخ ، نقله الموافق والمخالف : وهو كلام صدر عنه ولم يهم فيه الناقل ، وليس مما يقبل النسخ الا أن الموافق حمله على

٥٧

القرآن وقال الله عزوجل : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (١) فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ، ولا ما عنى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيحمله السّامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه ، وما قصد به وما خرج لأجله [من أجله خ ل] ، فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس كلّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسأله عن الشّيء فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه ، حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي (٢) والطاري فيسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا كلّ يوم دخلت عليه وكلّ ليلة دخلت عليه فيخلّيني فيها أدور (٣) معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لم يصنع ذلك بأحد من النّاس غيري ، فربّما كان في بيتي وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلى بي ، وأقام عنّي نساءه فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عني فاطمة ولا أحد من بنيّ ، وكنت

__________________

ما هو معناه وما قصد به ، وما خرج لأجله ، والمخالف حمله على غير ذلك ، وقد ظهر بما ذكرنا أنه ليس رجل خامس في نقل الحديث كما لا يخفى.

(١) الحشر الآية ٧.

(٢) الأعرابي منسوب الى الاعراب ، يقال : رجل أعرابى إذا كان بدويا وان لم يكن من العرب ، والعربي منسوب الى العرب ، ويقال : رجل عربي إذا كان من العرب ، وان لم يكن بدويا ، كما يقال : رجل أعجم وعجمي إذا كانت في لسانه عجمة وان كان من العرب ، ويقال أيضا : رجل عجمي أى منسوب الى العجم وان كانت فصيحا. كذا يستفاد من كلمات السجستاني في الغريب ومن القاموس والنهاية والصحاح وغيرها.

(٣) ومن ثم قيل : على مع الحق والحق مع على ، يدور معه حيثما دار. وفي كتب القوم عدة روايات تدل عليها ، منها ما نقله القندوزى البلخي في ينابيع المودة (ص ٩١ ط اسلامبول) عن كتاب الحموينى عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله (صلعم) الحق مع على حيث دار انتهى ، وفي كتاب التذكرة لسبط بن الجوزي البغدادي ص ٣٨ قال النبي (صلعم): اللهم أدر الحق مع على حيث ما دار وكيف ما دار.

٥٨

إذا سألته أجابني ، وإذا سكتّ وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملأها علىّ فكتبتها بخطي وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها ، ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وحكما ونورا ، فقلت يا نبيّ الله : بأبي أنت وامّي ، منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شيء لم أكتبه ، أفتتخوّف علىّ النّسيان فيما بعد فقال : لا لست أتخوّف النّسيان والجهل. انتهى كلامه عليه الصّلاة والسّلام ، واما قوله : والناس على دين ملوكهم (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) (١) فالمستثنى منه فيه إنّما ينطبق على الشّيعة الذين وصفهم النّاصب في مواضع من جرحه هذا بالقلّة والشذوذ دون أصحابه الذين افتخر بكثرتهم وعمومهم ، وإنّهم السّواد الأعظم فالتعريض الذي قصده في هذه الفقرة قد رجع إليه كما لا يخفى ، واما قوله : وقد ذكر في مفتتح ذلك الكتاب أنّه حاول بتأليفه إظهار الحقّ وبيان خطاء الفرقة النّاجية من أهل السّنة (إلخ) : ففيه إيهام أنّ المصنّف قدس‌سره حاول بيان خطاء أهل السنّة مع وصفه إيّاهم بأنّهم الفرقة النّاجية ، وهذا كذب بحت (٢) لأنّ خطاء الفرقة النّاجية غير معقول ، وبالجملة الوصف بالنّجاة ممّا أضافه النّاصب في أثناء تقرير كلام المصنّف النّحرير على طريقه ، قصد تقرير سعر المتاع في خلال المشاحّة والنّزاع (٣) ثم في قوله : وقد ألفه في أيّام دولة السلطان غياث الدين اولجايتو محمد خدا بنده غفلة عظيمة ، حيث لقّب مروّج مذهب الإماميّة الذين هم مبتدعة عنده بغياث الدّين ، اللهم إلّا أن يقال : إنّه لقّبه بذلك على طريقة تسمية الشّيء باسم ما كان أو يكون ، لما افتراه في حاشية

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى في سورة ص الآية ٢٤.

(٢) البحت ، الخالص الذي لا يشوبه شيء.

(٣) وهذا يساوق ما يقال في الفارسية : در اثناء نزاع تعيين نرخ ميكند.

٥٩

شرحه على السّلطان الفاضل المستبصر بالدّليل ، من رجوعه آخرا عن ذلك السّبيل ، واما ما أشار إليه من أنّ شيوع مذهب الشّيعة في ذلك الزّمان إنّما كان بمجرّد اتّباع ميل السّلطان ، من غير دلالة حجّة وبرهان مردود ، بما أشرنا إليه سابقا من فضيلة هذا السّلطان ، وأنّه كان من أهل البصيرة والفحص عن حقائق المذاهب والأديان ، وأنّ نقل للمذهب وتغيير الخطبة والسّكة إنّما وقع بعد ما ناظر المصنف العلّامة الهمام ، علماء سائر المذاهب وأوقعهم في مضيق الإلزام والإفحام ، وأثبت عليهم حقّيّة مذهب أهل البيت الكرام ، فمن اختار مذهب الإماميّة في تلك الأيّام كان المجتهد دليله (١) وظهور الحقّ بين أظهر النّاس سبيله ، فكانوا آخذين عن المجتهد وسلوكه ، لا عمّن روّج المذهب من ملوكه ، فلا يتوجّه هاهنا ما كان يتوجّه في بعض الملوك وسلوكهم ، أنّ عامّة النّاس يأخذون المذاهب من السّلاطين وسلوكهم ، والنّاس على دين ملوكهم ، والحاصل أنّ السّلطان المغفور المذكور لم يكن مدّعيا لخلافة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا كان له حاجة في حفظ سلطنته إلى ما ارتكبه ملوك تيم وعدي وبنى أميّة وبني العبّاس ، من هضم إقدار أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتغيير ديته اصولا (٢) وفروعا (٣) ترويجا لدعوى خلافتهم ، وليسلك النّاس مسلكهم من

__________________

(١) اى كان المجتهد الذي رجع اليه هو دليله.

(٢) كالقول بقدم القرآن والكلام النفسي ، والجبر في الأفعال ، وقدم صفات الفعل. والتجسم وجواز الرؤية ، وعدم اشتراط العصمة في الأنبياء ، وتجويز القبيح العقلي في حقه تعالى ونحوها.

(٣) كابتداع صلاتي الضحى والتراويح : والقول بالعول؟ والتعصيب ، وتحريم طواف النساء ومتعتهن : والمسح على الخفين ، وترك الحيعلة العملية في الأذان ، وطهارة جلد الكلب بالدباغ ، وإلحاق الولد بالزوج مع عدم الدخول ، ونحوها مما تضحك منها ربات الخدور وتستهزى بها أوائل العقول ، بل البهائم العجم.

٦٠