إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ١

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

والحمد لله رب العالمين.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنه يلزم عدم الوثوق بوعده ووعيده ، لأنه لو جاز منه فعل القبيح لجاز منه الكذب ، وحينئذ ينتفي الجزم بوقوع ما أخبر بوقوعه من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ، ولا يبقى للعبد جزم بصدقه ، بل ولا ظنّ به ، لأنه لمّا وقع منه أنواع الكذب والشرور في العالم كيف يحكم العقل بصدقه في الوعد والوعيد؟! وتنتفي حينئذ فائدة التّكليف وهو (خ ل هي) الحذر من العقاب والطمع في الثّواب ، ومن يجوّز لنفسه أن يقلّد من يعتقد جواز الكذب على الله تعالى وأنّه لا جزم بالبعث والنّشور ولا بالحساب والثّواب ولا بالعقاب؟ وهل هذا إلّا خروج عن الملة الإسلامية؟! فليحذر الجاهل من تقليد هؤلاء ولا يعتذر بأني ما عرفت مذهبهم ، فهذا هو عين مذهبهم وصريح مقالتهم نعوذ بالله منها ومن أمثالها.

ومنها أنه يلزم نسبة المطيع إلى السّفه والحمق ، ونسبة العاصي إلى الحكمة والكياسة والعمل بمقتضى العقل بل كلّما ازداد المطيع في طاعته وزهده ورفضه الأمور الدّنيوية والإقبال على الله تعالى بالكليّة والانقياد إلى امتثال أوامره واجتناب مناهيه نسب إلى زيادة الجهل والحمق والسّفه ، وكلّما ازداد العاصي في عصيانه ولجّ في غيّه وطغيانه وأسرف في ارتكاب الملاهي المحرّمة واستعمال

__________________

ومحاذيره ويصان عن اللغو ، هذه كتبهم بمرئى ومسمع منك فراجعها.

وقد سئلت عن العلامة السيد ابراهيم الراوي البغدادي من علمائهم الأعيان وعن غيره سؤال منقب باحث فلم أفز بجواب يروى الغليل ويبرى العليل : عصمنا الله وحرسنا من هواجس الأوهام وزلات الأحلام والأقلام ، آمين آمين. وستأتى منا في المباحث الآتية فوائد حول هذه المسألة فانتظر والصبر مفتاح الفرج.

٤٠١

الملاذ المزجور عنها بالشّرع نسب إلى العقل والأخذ بالحزم ، لأنّ الأفعال القبيحة إذا كانت مستندة إليه جاز أن يعاقب المطيع لطاعته ولا تفيده طاعته إلّا الخسران والتّعب حيث جاز أن يعاقبه على امتثال أمره ، ويحصل في الآخرة بالعذاب الأليم السّرمد (١) والعقاب المؤبّد ، وجاز أن يثيب العاصي فيحصل بالرّبح في الدّارين ويتخلّص من المشقة في المنزلين ، ومنها أنه تعالى كلّف المحال لأنّ الآثار كلّها مستندة إليه تعالى ، ولا تأثير لقدرة العبد البتّة فجميع الأفعال غير مقدورة للعبد وقد كلّف ببعضها فيكون قد كلّف ما لا يطاق ، وجوّزوا بهذا الإعتبار وباعتبار وقوع القبيح منه تعالى أن يكلّف الله تعالى العبد أن يخلق مثله تعالى ومثل نفسه ، وأن يعيد الموتى في الدّنيا كآدم ونوح وغيرهما ، وأن يبلع جبل أبي قبيس دفعة ، ويشرب ماء دجلة في جرعة ، وأنه متى لم يفعل ذلك عذّبه بأنواع العذاب ، فلينظر العاقل في نفسه هل يجوز له أن ينسب ربّه تبارك وتعالى وتقدّس إلى مثل هذه التّكاليف الممتنعة؟ وهل ينسب ظالم منّا إلى مثل هذا الظلم؟! تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

ومنها أنّه يلزم منه عدم العلم بنبوّة أحد من الأنبياء عليهم‌السلام ، لأنّ دليل النّبوة هو أنّ الله فعل المعجزة عقيب الدّعوى لأجل التّصديق (٢) ، وكلّ من صدّقه الله تعالى فهو صادق ، فإذا صدر القبيح منه لم يتمّ الدّليل ، أما الصّغرى فجاز أن يخلق المعجزة للإغواء والإضلال ، وأمّا الكبرى فلجواز أن يصدّق المبطل في دعواه. ومنها أنّ القبائح لو صدرت عنه لوجب الاستعاذة منه لأنه حينئذ أضرّ على البشر من إبليس لعنه الله ، وكان واجبا على قولهم أن يقول المتعوّذ : أعوذ بالشّيطان الرّجيم من الله تعالى ، وهل يرضى عاقل لنفسه المصير

__________________

(١) قد مر المراد بالسرمد.

(٢) والمراد من التصديق اسناد الصدق اليه فان هيئة التفعيل قد يراد منه النسبة كالتفسيق والتكفير.

٤٠٢

إلى مقالة تؤدّى إلى التّعوذ من أرحم الرّاحمين وأكرم الأكرمين ، وتخليص إبليس من اللّعن والبعد والطرد؟ نعوذ بالله من اعتقاد المبطلين والدّخول في زمرة الضّالين ولنقتصر في هذا المختصر على هذا القدر «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد عرفت فيما سبق مذهب الأشاعرة في عدم صدور القبيح من الله تعالى ، وأن إجماع المليّين منعقد على أنّه تعالى لا يفعل القبيح ، فكلّ ما أقامه من الدّلائل قد ذكرنا أنه إقامة الدّليل في غير محل النّزاع ، فانّ المدّعى شيء واحد وهم يسندونه بالقبح العقلي (إلى القبح العقلي ظ) ، والأشاعرة يسندونه إلى أنه لا قبيح منه ولا واجب عليه. ثمّ إنّ المعتزلة لو أرادوا من نسبة فعل القبيح إليه تعالى أنه يخلق القبائح من أفعال العباد على رأى الأشاعرة فهذا شيء يلزمهم ، لأنّ القبائح من الأشياء كما تكون في الأعراض كالأفعال تكون في الجواهر والذّوات ، فالخنزير قبيح والعقرب والحيّة والحشرات قبائح وهم متّفقون أنّ الله تعالى يخلقهم ، فكلّ ما يلزم الأشاعرة يلزمهم في خلق القبائح الجوهريّة.

وإن أرادوا أنّه يفعل القبائح فانّ هذا شيء لم يلزم من كلامهم ولا هو معتقدهم كما صرّحنا به مرارا. «انتهى».

أقول :

قد بيّنا آنفا أنّ قول الأشاعرة : بعدم صدور القبيح من الأسماء التي لا مسمّى لها والخيالات التي ليس لها حقيقة ، فهم ليسوا داخلين في إجماع المليّين في الحقيقة ، وأما ما ذكره من أنهم لو أرادوا من نسبة فعل القبيح إليه تعالى أنه يخلق القبائح من أفعال العباد على رأى الأشاعرة فهذا شيء يلزمهم «إلخ».

ففيه اشتباه ظاهر وحاشا أن يلزم أهل العدل مثل ذلك ، لأنّ مرادهم بالشرور

٤٠٣

والقبائح التي لا يفعلها الله تعالى ما يكون مفاسده في نظام الوجود أكثر من مصالحه عند العقل ، وما هو محلّ النزاع من القبائح والمفاسد الصادرة من العباد كالزّنا واللّواطة والسّرقة ونحوها مما لا يجد العقل السّليم فيها فائدة ونفعا أصلا في حفظ النّظام ، ولو كانت فيها مصلحة فهي أقلّ من مفاسدها ، بخلاف ما قد يستقبحه العقل في بادي النّظر من أفعاله تعالى ، فانّه إذا تأمّل فيها العاقل ربّما يطلع على ما فيها من حكم ومصالح لا تحصى ، فيعود الاستقباح في نظره استحسانا كما في قصّة موسى مع الخضر عليهما‌السلام من خرق السّفينة وقتل الغلام ، وكما في تعذيب الإنسان ولده أو عبده للتّأديب والزّجر عن المنكرات ، وإليه أشار تعالى بقوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (١) ، وبه يتبيّن حسن خلق الحشرات والسّباع الموذيات وإبليس وذريّته وتبعته (خ ل تبقيته ظ) وإماتة الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام ، وأما ما ذكره بعض متصوّفة أهل السّنة موافقا لبعض المتفلسفة : من أنّ الشّهوة مثلا من حيث إنها ظلّ المحبّة الذّاتية السّارية في الوجود محمودة وعدمها وهو العنة مذمومة من حيث إنّها ليست سبب بقاء النّوع ، ومن حيث إنها موجبة للذّة التي هي نوع من التّجليات الجماليّة أيضا محمودة ، وعند وقوعها على غير موجب الشّرع مذمومة ، لكونها سببا لانقطاع النّسل وموجبا للفتن العائدة إلى العدم ، وهكذا جميع صور المرام ، فالكل منه وإليه من حيث الكمال «انتهى». فلا يخفى ما فيه من ترويج سوق الزّنا ومخالفته لبديهة العقل ولما عليه الشّرع وذووه (٢). واعلم أيدك الله أنّ جناية المجبّرة على الإسلام كثيرة ، وبليّتها على الامّة عظيمة بحملهم المعاصي على الله تعالى ، وقولهم :

__________________

(١) البقرة. الآية ٢٢.

(٢) قد وردت إضافة جمع ذى مع كونه من أسماء الستة الى الضمير في النظم والنثر ومنه قول الشاعر : انما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه.

٤٠٤

إنّه لا يكون إلّا ما أراده الله وأنه لا قدرة للكافر على الخلاص من كفره ، ولا سبيل للفاسق إلى ترك فسقه ، وأنّ الله تعالى قضى بالمعاصي على قوم وخلقهم لها وفعلها فيهم ليعاقبهم عليها ، وقضى بالطاعات على قوم وخلقهم لها وفعلها فيهم ليثيبهم عليها ، وهذا الإعتقاد القبيح يسقط عن المكلف الحرص على الطاعة والاجتهاد في الانزجار عن المعصية ، لأنه يرى أنّ اجتهاده لا ينفع ، وحرصه لا يغني ، بل لا اجتهاد له في الحقيقة ، ولا حرص ، لأنه مفعول فيه غير فاعل ، وموجد فيه غير موجد ، ومخلوق لشيء لا محيد (١) له عنه ، ومسوق إلى أمر لا انفصال له منه ، فأىّ خوف مع هذا يقع؟ وأىّ وعيد معه ينفع؟ نعوذ بالله ممّا يقولون ونتبرّأ ممّا يعتقدون ، ونعم ما أنشد بعض أهل العدل إشارة إلى ما اعتقده هؤلاء خذلهم الله تعالى ، شعر :

سألت المخنّث عن فعله

علام (٢) تخنّثت يا ماذق (٣)

فقال : ابتلاني بداء (٤) العضال

وأسلمني (٥) القدر السّابق

ولمت الزّناة على فعلهم

فقالوا بهذا قضى الخالق

وقلت : لآكل مال اليتيم :

أكلت وأنت امرؤ فاسق

فقال : ولجلج (٦) في قوله

أكلت وأطعمني الرّازق

وكلّ يحيل على ربّه

وما فيهم واحد صادق

__________________

(١) حاد حيدا وحيدانا ومحيدا : مال عن الطريق وعدل ، وفي بعض النسخ المخطوطة «لا محيص له عنه».

(٢) علام : في الأصل على ما. وشاع حذف ألف ماء الاستفهامية إذا دخلتها حروف الجارة

(٣) مذق الود : شابه بكدر ولم يخلصه.

(٤) داء عضال بضم العين : أى داء معى غالب.

(٥) اسلم : إذا لدغته الحية.

(٦) لجلج ، تردد في الكلام.

٤٠٥

ولنختم هذا المقام بمحاكمة يحكم بحسنها العاقل المتّصف بالانصاف ، وهو أن نقول : إن أراد الأشاعرة بقولهم : إنّه لا مؤثّر في الوجود إلّا الله ، أنه علّة قريبة لجميع الموجودات بأن يكون مؤثرا فيها لا بواسطة شيء آخر ، فهو بعيد عن الصّواب ، وخروج عن الملّة الاسلاميّة ، وإسناد للقبائح والشّرور إليه تعالى ، وكلّ ذلك مستلزم للمحال ، ونقول للمعتزلة : إن أرادوا بكون العبد موجدا لفعله ، أنّه علّة تامّة لوجود أثره وانقطاع تأثير الله البتّة سواء كان بواسطة أو بلا واسطة فهذا أيضا بعيد عن الصّواب ، لأنّ فعل العبد بالضرورة متوقف على قدرته وآلاته ، وبالضّرورة ليستا منه ، فلا يكون هو علّة تامّة في وجود أثره ، ثمّ نقول : علّة العلّة هل هي علّة بالحقيقة أم لا؟ فان كان علّة العلّة علّة حقيقة كان الجميع مستندا إلى الله تعالى ، لكنّ الأمر ليس كذلك ، بل علّة العلّة علّة على سبيل المجاز لوجوب استناد الأثر إلى المباشر القريب ، ولمّا كان العبد مباشرا قريبا لفعله أسندت أفعاله الواقعة بحسب قصده إليه لأنّه السّبب في وجودها ، مثال ذلك : أنّ النحل موجد للعسل ، ولا يقال : إنّ النّحل موجد للحلاوة في الذائقة بل الموجد لها هو العسل ، لأنّه العلّة القريبة فيها ، والنحل أوجد الحلاوة بواسطة العسل ، فهو علّة للعلّة لا علّة حقيقة ، وعلى هذا تحمل الآيات الواردة (١) في القرآن العزيز التي بعضها تدلّ على استناد الأفعال إليه تعالى ، وبعضها على

__________________

(١) الآيات التي يمكن للمتوهم استشمام رائحة الجبر منها مجتمعة في ست أنواع : النوع الاول وهو العمدة في الباب الآيات المتضمنة لنسبة الإضلال الى الله تعالى ، وهي اثنتان وثلثون آية : (١) في سورة المدثر الآية ٣١ (٢) فاطر ٨ (٣) النحل ٩٣ (٤) ابراهيم ٤ (٥) الرعد ٢٧ (٦) الشورى ٤٤ (٧) الشورى ٤٦ (٨) غافر ٣٣ (٩) الزمر ٣٦ (١٠) الكهف ١٧ (١١) الاسراء ٩٧ (١٢) الرعد ٣٣ (١٣) الأعراف ١٨٦ (١٤) الأعراف ١٧٨ (١٥) النساء ١٤٣ (١٦) النساء ٨٨

٤٠٦

__________________

(١٧) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ٤ (١٨) غافر ٣٤ (١٩) غافر ٧٤ (٢٠) النحل ٣٧ (٢١) ابراهيم ٢٧ (٢٢) التوبة ١١٥ (٢٣) البقرة ٢٦ (٢٤) الأعراف ١٥٥ (٢٥) الجاثية ٢٣ (٢٦) محمد ١ (٢٧) محمد ٨ (٢٨) الروم ٢٩ (٢٩) النساء ٨٨ (٣٠) الانعام ١٢٥ (٣١) الانعام ٣٩ (٣٢) الزمر ٢٣ وهي على اقسام (منها) الآيات المتضمنة لنسبة الإضلال اليه تعالى من غير بيان لمن يتعلق به كقوله تعالى (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) «غافر ٣٣» (ومنها) الآيات المتضمنة لنسبة الإضلال اليه تعالى لمن يشاء من غير تعيين لمن يشاء إضلاله كقوله تعالى (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) «ابراهيم عليه‌السلام» ٤.

(ومنها) ما دل على إضلاله تعالى لمن كفر واختار الكفر فيضل الله له كقوله تعالى (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) (ومنها) ما دل على حصر الإضلال في حق الفاسقين وانه تعالى لا يضل الا من فسق وبعد من طاعة الله كقوله تعالى (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (ومنها) ما دل على انه تعالى يضل المرتابين والمسرفين وغيرهم من الذين اختاروا أنحاء العصيان.

ودلالة هذه الآيات مقصورة على إضلاله تعالى لمن اختار الكفر أو الظلم أو الفسوق ، وليس فيها دلالة بوجه من الوجوه على أنه تعالى يضل أحدا قبل اختياره بنفسه الكفر والظلم والفسوق ، وستأتى الآيات الدالة على تنزيهه تعالى عن الظلم وان ما أصابهم من السوء كان بسوء اختيارهم كقوله تعالى : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) «النحل ١١٨» وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) «النحل ١١٨» وقوله تعالى (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) «آل عمران ٢٥».

النوع الثاني الآيات المتضمنة لاسناد الهداية التكوينية الى الله تعالى وهي ثمان وسبعون آية.

(١) البقرة ١٤٣ (٢) البقرة ٢١٣ (٣) الانعام ٩٠ (٤) الأعراف ٣٠ (٥) الرعد ٣١ (٦) النحل ٣٦ (٧) طه ١٢٢ (٨) الاعلى ٣ (٩) الضحى ٧ (١٠) الانعام ١٤٩ (١١) النحل ٩ (١٢) الأعراف ٤٣ (١٣) الزمر ٥٧

٤٠٧

__________________

(١٤) النحل ١٢١ (١٥) الزمر ١٨ (١٦) آل عمران ٨ (١٧) الانعام ٨٤ (١٨) الانعام ٨٨ (١٩) مريم ٥٨ (٢٠) الأعراف ١٥٥ (٢١) القصص ٥٦ (٢٢) الشورى ٥٢ (٢٣) العنكبوت ٦٩ (٢٤) الأعراف ١٧٨ (٢٥) الاسراء ٩٧ (٢٦) الكهف ١٧ (٢٧) الزمر ٣٧ (٢٨) التغابن ١١ (٢٩) الانعام ٧٧ (٣٠) البقرة ٢٦ (٣١) البقرة ١٤٢ (٣٢) البقرة ٢٥٨ (٣٣) البقرة ٢٦٤ (٣٤) البقرة ٢٧٢ (٣٥) آل عمران ٨٦ (٣٦) المائدة ١٦ (٣٧) المائدة ٥١ (٣٨) المائدة ٦٧ (٣٩) المائدة ١٠٨ (٤٠) الانعام ٨٨ (٤١) الانعام ١٤٤ (٤٢) التوبة ١٩ (٤٣) التوبة ٢٤ (٤٤) التوبة ٣٧ (٤٥) التوبة ٨٠ (٤٦) التوبة ١٠٩ (٤٧) يونس ٢٥ (٤٨) يوسف ٥٢ (٤٩) الرعد ٢٧ (٥٠) ابراهيم ٤ (٥١) النحل ٣٧ (٥٢) النحل ٩٣ (٥٣) النحل ١٠٧ (٥٤) الحج ١٦ (٥٥) النور ٣٥ (٥٦) النور ٤٦ (٥٧) القصص ٥٠ (٥٨) القصص ٥٦ (٥٩) فاطر ٨ (٦٠) الزمر ٣ (٦١) الزمر ٢٣ (٦٢) غافر ٢٨ (٦٣) الشورى ١٣ (٦٤) الأحقاف ١٠ (٦٥) الصف ٥ (٦٦) الصف ٧ (٦٧) الجمعة ٥ (٦٨) المنافقون ٦ (٦٩) المدثر ٣١ (٧٠) الفتح ٢ (٧١) الكهف ٢٤ (٧٢) الانعام ١٢٦ (٧٣) النساء ١٣٧ (٧٤) النساء ١٦٨ (٧٥) النحل ١٠٤ (٧٦) الحج ٥٤ (٧٧) الانعام ٣٥ (٧٨) السجدة ١٣.

وهذه الآيات تدل على ان الهداية من الله تعالى الا ان هناك آيات أخر تدل على ان لاختيار العبد مدخلا في هدايته كقوله تعالى في سورة الكهف. الآية ٢٩ (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) وفي سورة الروم. الآية ٤٤ (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ). فكون الهداية من الله تعالى بمعنى أن الله تعالى قد اعطى عبده قوة الإدراك ، وجعله محفوفا ومحاطا بآيات الهداية وبراهين المعرفة ، ومنع عنه تسويلات شياطين الانس والجن ، كل ذلك مع انه تعالى خلى بين العبد وبين إرادته حيث لم يرد خلافه والا كان العبد ساقطا في حضيض الكفر والعصيان ، فهو تعالى شأنه أحق بحسنات العبد من نفسه. وأما ضلالة العبد فهي ناشئة من سوء اختياره والا فمع تواتر تسويلات إبليس وغيره فهو غير مسلوب الاختيار وقد أعطاه الله تعالى قدرة الايمان والكفر وقوة

٤٠٨

__________________

المعرفة والتمييز ، وجعل آيات الهداية وبراهين التوحيد بمعرض نظره ومرئى بصره ، فليس ضلال العبد من ناحية الله وان كان له تعالى قوة قاهرة على عباده (لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) وقهر عليهم بالهداية طوعا أو كرها ، الا انه تعالى حيث سهل على عبده طريق الهداية وأعطاه أسبابها وجعله مختارا في الاهتداء وعدمه كان لله المنة عليه وان اختار الضلال وترك الاهتداء ، مثله ان من اعطى فقيرا درهما ليشتري به الخبز فاشترى به سما فأكله وقتل به لم يكن لمعطى الدرهم لوم في ذلك بل له المنة على الفقير حيث أعطاه الدرهم.

النوع الثالث الآيات المتضمنة لاسناد ما هو بمعنى الإضلال اليه تعالى شأنه وهي نحو من تسع عشر آية. (١) الحج ٤٤ (٢) الرعد ٣٢ (٣) الحج ٤٨ (٤) الأعراف ١٨٣ (٥) القلم ٤٥ (٦) يونس ٣٣ (٧) النساء ١٥٥ (٨) التوبة ٩٣ (٩) النحل ١٠٨ (١٠) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ١٦ (١١) الأعراف ١٠٠ (١٢) يونس ٧٤ (١٣) الأعراف ١٠١ (١٤) الروم ٥٩ (١٥) غافر ٣٥ (١٦) التوبة ٨٧ (١٧) المنافقون ٣ (١٨) البقرة ٧ (١٩) الكهف ٢٨ وقد مر المراد من هذه الآيات في ذيل آيات النوع الاول.

النوع الرابع ما توهم من الآيات دلالتها على اسناد فعل العبد اليه تعالى وهي آيتان (الاولى) قوله تعالى في سورة الصافات. الآية ٩٦. (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ). بناء على كون ما مصدرية ، وتبطله قرينة سابقها وتدل على كونها موصولة فان ظاهر السياق ان المراد من ما تعملون هو ما تنحتون يعنى الأصنام والخشب (الثانية) قوله تعالى في سورة الأنفال. الآية ١٧ : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).

وهذه ايضا لا تدل على مطلوبهم فإنها صريحة في اسناد الرمي الى نفس العبد لقوله تعالى : (إِذْ رَمَيْتَ) ، وان كانت متضمنة لسلب الاستناد عنه ايضا بقوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ) ، فهي تدل على مذهب الأمربين الأمرين دون مذهب الجبر.

النوع الخامس ما دل على نفى القوة والقدرة عن غير الله جلت عظمته كقوله تعالى شأنه في سورة الكهف. الآية ٣٩ : (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ). ولا تنافى بين هذا المعنى وبين اختيار العبد وقدرته على فعله ، فانه إذا لو حظ في قبال القدرة الربوبية يكون

٤٠٩

__________________

عاجزا محضا لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وإذا لو حظ في طول قدرته تعالى وان الله قد أعطاه القدرة والقوة وان قدرته من آثار قدرته تعالى يرتفع التنافي بين ثبوت القدرة للعباد ومفاد قوله تعالى (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ). وقد دل على ثبوت القدرة للعباد من كلامه تعالى آيات كقوله عز من قائل في سورة الكهف. الآية ٢٩ : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ). وفي سورة الروم. الآية ٤٤ : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ). وفي سورة النحل. الآية ٤ : (مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ).

النوع السادس ما دل على ان النفع والضرر بيد الله كقوله تعالى في سورة الأعراف الآية ١٨٨ : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ). والمراد منه بملاحظة نحو قوله تعالى في سورة الكهف. الآية ٢٩ : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ). وفي سورة البقرة. الآية ٢٣١ : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ). مع ملاحظة نحو قوله تعالى في سورة الانعام. الآية ١١٢ : (لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) والآية ١٣٧. (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) ، ان العبد قد أعطاه الله قدرة الفعل يؤمن ان شاء ويكفر ان شاء الا ان الله تعالى لو أراد المنع عنه لم يقدر العبد على فعل ما أراده وينسلب عنه القدرة ، وسيجيء ان هذا أحد وجوه الأمر بين الأمرين.

والآيات التي يستفاد منها اقداره تعالى للعبد ويمكن للمتوهم استشمام رائحة التفويض منها مجتمعة في سبعة انواع.

النوع الاول ما تضمنت اسناد الإساءة والإحسان الى نفس العبد كقوله تعالى في سورة الاسراء. الآية ١٥. وفي سورة يونس. الآية ١٠٨. وفي سورة الزمر. الآية ٤١ : (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها). وقوله تعالى في سورة سباء.

الآية ٥٠ : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي). والآيات على هذا النمط كثيرة جدا.

النوع الثاني الآيات المشتملة على تنزيه الساحة الربوبية عن الظلم كقوله تعالى (١) في سورة النساء الآية ٤٠ : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ). وهي أربعون آية (٢) هود ١٠١ (٣) النحل ١١٨ (٤) الزخرف ٧٦ (٥) آل عمران ١١٧

٤١٠

__________________

(٦) النحل ٣٣ (٧) البقرة ٢٧٩ (٨) يونس ٤٤ (٩) الكهف ٤٩ (١٠) التوبة ٧٠ (١١) العنكبوت ٤٠ (١٢) الروم ٩ (١٣) آل عمران ١١٧ (١٤) الأنبياء ٤٧ (١٥) يس ٥٤ (١٦) النساء ٧٧ (١٧) الأنفال ٦٠ (١٨) البقرة ٢٨١ (١٩) آل عمران ٢٥ (٢٠) آل عمران ١٦١ (٢١) النساء ٤٩ (٢٢) النساء ١٢٤ (٢٣) الانعام ١٦٠ (٢٤) يونس ٤٧ (٢٥) يونس ٥٤ (٢٦) النحل ١١١ (٢٧) الاسراء ٧١ (٢٨) مريم ٦٠ (٢٩) المؤمنون ٦٢ (٣٠) الزمر ٦٩ (٣١) الجاثية ٢٢ (٣٢) الأحقاف ١٩ (٣٣) غافر ١٧ (٣٤) آل عمران ١٠٨ (٣٥) غافر ٣١ (٣٦) آل عمران ١٨٢ (٣٧) الأنفال ٥١ (٣٨) الحج ١٠ (٣٩) فصلت ٤٦ (٤٠) ق ٢٩.

النوع الثالث الآيات الدالة على ان الله تعالى يختبر عباده في أفعالهم هل يختارون الايمان والطاعة أو الكفر والمعصية كقوله تعالى (١) في سورة الملك الآية ٢ : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، وهي نحو من سبع وستين آية (٢) الأنفال ١٧ (٣) آل عمران ١٨٦ (٤) النمل ٤٠ (٥) المائدة ٩٤ (٦) النحل ٩٢ (٧) هود ٧ (٨) الانعام ١٦٥ (٩) المائدة ٤٨ (١٠) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ٤ (١١) الكهف ٧ (١٢) البقرة ١٥٥ (١٣) الأنبياء ٣٥ (١٤) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ٣١ (١٥) القلم ١٧ (١٦) الأعراف ١٦٨ (١٧) آل عمران ١٦٦ (١٨) آل عمران ١٤٢ (١٩) آل عمران ١٤٠ (٢٠) سبأ ٢١ (٢١) البقرة ١٤٣ (٢٢) الفجر ١٥ (٢٣) البقرة ١٢٤ (٢٤) الحجرات ٣ (٢٥) المائدة ٩٤ (٢٦) آل عمران ١٦٧ (٢٧) آل عمران ١٥٤ (٢٨) آل عمران ١٥٢ (٢٩) الأحزاب ١١ (٣٠) البقرة ٤٩ (٣١) الأعراف ٧ (٣٢) ابراهيم ١٦ (٣٣) الصافات ١٠٦ (٣٤) الدخان ٣٣ (٣٥) البقرة ٢٤٩ (٣٦) المؤمنون ٣٠ (٣٧) الانعام ٥٣ (٣٨) طه ٥٨ (٣٩) العنكبوت ٣ (٤٠) ص ٣٤ (٤١) الدخان ١٧ (٤٢) طه ٤٠ (٤٣) ص ٢٤ (٤٤) الحديد ١٤ (٤٥) طه ١٣١ (٤٦) الجن ١٧ (٤٧) طه ٩٠ (٤٨) النمل ٤٧ (٤٩) النحل ١١٠ (٥٠) التوبة ١٢٦

٤١١

__________________

(٥١) العنكبوت ٢ (٥٢) البقرة ١٠٢ (٥٣) الأنفال ٢٨ (٥٤) يونس ٥٨ (٥٥) الاسراء ٦٠ (٥٦) الأنبياء ٣٥ (٥٧) الأنبياء ١١١ (٥٨) الحج ٥٣ (٥٩) الفرقان ٢٠ (٦٠) الصافات ٦٣ (٦١) الزمر ٤٩ (٦٢) القمر ٢٧ (٦٣) الممتحنة ٥ (٦٤) التغابن ١٥ (٦٥) المدثر ٣١ (٦٦) الأعراف ١٥٥ (٦٧) الفجر ١٦.

النوع الرابع الآيات المتضمنة لترجى الايمان والهداية والحذر والتضرع والتقوى وأمثالها من العباد ، الظاهر بعد سلخه عن معنى الجهل والترديد في أن الله تعالى يحب تلك الأمور من عباده كقوله تعالى في سورة الانعام. الآية ١٥٤ : (لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ). وفي سورة السجدة : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) وفي سورة التوبة. الآية ١٢٦ : (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

وفي سورة الانعام. الآية ٤٢ : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ).

وفي سورة البقرة. الآية ١٨٧ : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ). وهذه الآيات بجميعها سبع وتسعون آية.

النوع الخامس : الآيات الدالة على ان الثواب والعقاب جزاء ما كسبه العبد وهي كثيرة جدا كقوله تعالى في سورة البقرة. الآية ٢٨١ وسورة آل عمران. الآية ١٦١ : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). وفي سورة الجاثية. الآية ٢٢ : (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). وفي سورة المدثر. الآية ٣٨ : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ). وفي سورة النساء. الآية ١١١ : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ). وفي سورة الكهف. الآية ١٠٦ : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً). وفي سورة التحريم. الآية ٩ : للذين كفروا عذاب (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

وفي سورة آل عمران. الآية ١٩٨ : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ). وفي سورة البينة. الآية ٨ : (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ). وهذه الآيات كثيرة جدا حازت الكثرة بين آيات الكريم.

النوع السادس آيات المذمة والتوبيخ للكفار والفساق ، فانه لا يصح إلا مع كونهم مختارين في أفعالهم كقوله تعالى في سورة البقرة. الآية ٢٨ : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَ

٤١٢

__________________

كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ). وفي سورة آل عمران. الآية ١٠١ : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ). وفي سورة المزمل. الآية ١٧ : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً). وفي سورة آل عمران. الآية ٩٨ : (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ). وفي سورة العنكبوت. الآية ١٦٧ : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ). وفي سورة المؤمنون. الآية ١٠٥ : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ).

النوع السابع الآيات المصرحة باستناد الكفر والايمان والطاعة والعصيان الى العباد كقوله تعالى في سورة ابراهيم. الآية ٨ : (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ). وفي سورة آل عمران. الآية ١٩ : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ). وفي سورة ص. الآية ٢٨ : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا كَالْمُفْسِدِينَ).

وفي سورة النور. الآية ٥٢ : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ).

وفي سورة المائدة. الآية ٧٨ : (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ.) وقد نقلنا هذه الآيات لبيان المثال ، والا فالآيات التي تدل على استناد الأفعال الى العباد أكثر من ان تحصى ، فلا تغفل.

في الأمر بين الأمرين اعلم ان المستفاد من مجموع الطائفتين المتقدمتين من الآيات الكريمة على تعدد أنواعهما ، ان ما يصدر من العبد له جهتان فمن إحدى الجهتين يستند الى العبد لكونه صادرا عنه باختياره وإرادته ، وهو واضح بحسب الآيات المتقدمة ، والقرآن مشحونة من اسناد الأفعال الى الناس. ومن الجهة الأخرى له ارتباط بالساحة الربوبية سبحانه وتعالى ، وقد عرفت الآيات الكثيرة الدالة على نسبة الهداية والإضلال اليه تعالى. وأما كيفية الارتباط فهي على ما يستفاد من الآيات على أحد من الوجوه الأربع :

الاول ان وجود العبد وما يصدر به عند الفعل من الجوارح والجوانح من ناحية الخلاق المتعال جلت عظمته ، وقد أعطاه الله قدرة فعل الخيرات والشرور ليوصل نفسه الى أعلى درجات العليين التي لا يصل إليها الا بالاختيار. فإذا صدر من العبد فعل فالعلة لتكون الفعل هو العبد والله تعالى علة لتكون نفس العبد ولآلاته وقدرة اختياره للفعل والترك

٤١٣

__________________

فهو علة بعيدة لتكون الفعل.

الثاني ان قدرة الباري جلت عظمته محيطة بافعال العباد ، فان شاء منعهم عما يختارون من الأفعال وأوقعهم في غيرها ، قال الله تعالى : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) ، فهو جلت عظمته حيث خلق هذه النشأة لأجل الامتحان ، فقال عز من قائل : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، فلم يمنعهم عما يختارون من الكفر والايمان وجعلها في حبالة مشيتهم فقال تعالى في سورة الكهف الآية ٢٩ : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ). ملخص هذا الوجه ارتباط أفعال العباد اليه تعالى من حيث عدم المانع وعدم معارضتهم بنقيض ما يريدون الثالث ان الشهوات النفسانية ومشتهياتها من الأمور أعنى غرائز الشهوة ومتعلقاتها في الخارج التي توقع العبد في الضلالة والزلل عن طريق الهدى كلها من قبل الله تعالى وقد أعطاه القدرة في إيجاد أى عمل يريده من الحسنات أو السيئات لأجل الفتنة والامتحان ليبلوه في هذه النشأة. فحيث ان تلك الغرائز التي مثلها مثل بعض أجزاء العلة لاتمامها من ناحيته تعالى صدق بنحو من الصدق ان الإضلال من الله تعالى ، وان كان وقوع العبد في الضلالة باختياره وإرادته ويشهد لصدق الإضلال مع عدم إرادة وقوع الغير في الضلالة قوله تعالى حكاية عن ابراهيم في سورة ابراهيم. الآية ٣٦ : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ) عبادك ، مع ان وقوعهم في الضلال كان بارادة أنفسهم لا محالة والا فالاصنام ليست الا خشبا مسندة فاقدة للإدراك لا يمكن وقوع العباد في الضلال بارادة الأصنام. ومحصل هذا الوجه كون شرائط فعل العبد التي هي جزء من العلة التامة من ناحية الله تعالى.

الرابع تصرفه تعالى في قلوب العباد وتزيينه لهم سوء عملهم عقوبة لما صدر عنهم من الكفر والفسوق كما بينه تعالى بقوله (١) في سورة يونس. الآية ١٢ : (زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) وفي سورة التوبة. الآية ٣٧ : (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) (٣) وفي سورة غافر. الآية ٣٧ : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ).

وتزيينه حسن عملهم لما صدر عنهم من الطاعة والايمان كما (٤) في قوله تعالى سورة الحجرات.

الآية ٧ (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ). ويدل على هذا المعنى عدة من الآيات (٥) الانعام ١٣٨ (٦) الانعام ١٠٨ (٧) النمل ٤ (٨) البقرة ٢١٢ (٩) آل عمران ١٤ (١٠) الانعام ١٢٢ (١١) الرعد ٣٣ (١٢) فاطر ٨ (١٣) محمد ١٤ (١٤) الفتح ١٢.

٤١٤

استناد الأفعال إلينا وتنطبق على المذهب الحقّ أعني قولنا : إنّه لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين (١) ، كما روى عن الامام الهمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلامواختاره الشّارح القديم للتّجريد فقال : والحقّ في هذه المسألة أن لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين أمرين ، وذلك لأنّ لقدرة العبد تأثيرا في أفعال نفسه لكن قدرته على الفعل لا تكون مقدورة له بل يخلقها الله تعالى فيه ، ولقدرة الله تعالى أيضا مدخل في صدور الفعل عنه فلا يكون جبرا صرفا ولا تفويضا صرفا بل أمر بين الأمرين.

__________________

(١) روى في الكافي بسنده عن محمد بن يحيى عمن حدثه عن أبى عبد الله قال لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، قال : قلت : وما أمر بين أمرين؟ قال مثل ذلك رجل رأيته على معصيته ، فنهيته فلم ينته ، فتركته ، ففعل تلك المعصية ، فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية.

وروى فيه بسنده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت أجبر الله العباد على المعاصي؟ قال : لا ، قلت : ففوض إليهم الأمر؟ قال : لا ، قال : قلت : فما ذا؟ قال : لطف من ربك بين ذلك.

وروى فيه بسنده عن أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام قالا : ان الله ارحم بخلقه من ان يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها ، والله أعز من ان يريد أمرا فلا يكون قال : فسئلا عليهما‌السلام : هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا : نعم أوسع مما بين السماء والأرض.

وروى فيه بسنده عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الجبر والقدر فقال : لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما فيها الحق التي بينهما لا يعلمها الا العالم أو من علمها إياه العالم.

أقول ومرادهما عليهما‌السلام من القدر المقابل للجبر الذي حكم بكون المنزلة بينهما

٤١٥

__________________

أوسع مما بين السماء والأرض ليس القدر المصطلح الذي ذهب اليه الجبرية ، بل القدر بمعنى القدرة اى قدرة العبد وكمال سلطته بحيث كانت ازمة الأمور طرا بيده ، وهذا هو المعنى الذي يساوق التفويض ، ولا تستبعدن أيها القاري الكريم حمل القدر على هذا المعنى فإنك إذا راجعت كتب اللغة رأيت اطلاق القدر على القدرة شايعا.

ويشهد لهذا المعنى ما رواه هاهنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الجبر والقدر فقال : لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما فيها الحق التي بينهما لا يعلمها الا العالم أو من علمها إياه العالم.

وروى بسنده الى يونس عن عدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال له رجل : جعلت فداك أجبر الله العباد على المعاصي؟ قال : فقال : الله أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها فقال له : جعلت فداك ففوض الله الى العباد؟ قال : فقال : لو فوض إليهم لم يحصرهم بالأمر والنهى ، فقال له : جعلت فداك فبينهما منزلة؟ قال : فقال : نعم أوسع ما بين السماء والأرض ، وما رواه بسنده عن احمد بن محمد بن أبى نصر قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام ان بعض أصحابنا يقول بالجبر ، وبعضهم يقول بالاستطاعة قال : فقال لي : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، قال على بن الحسين : قال الله عزوجل : يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء وبقوتي أديت الى فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي ، جعلتك سميعا بصيرا ، (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ، وذلك انى اولى بحسناتك منك ، وأنت اولى بسيئاتك منى ، وذلك أنى لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، قد نظمت لك كل شيء تريد.

وروى في امالى شيخنا حجة الإسلام الصدوق بسنده عن صباح بن عبد الحميد وغير واحد قالوا : قال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام انا لا نقول جبرا ولا تفويضا.

وروى فيه بسنده عن سليمان بن جعفر الجعفري عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام قال ، ذكر عنده الجبر والتفويض قال : الا أعطيكم في هذا اصلا لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم فيه احد الا كسرتموه قلت : ان رأيت ذلك فقال : ان الله عزوجل لم يطع بإكراه ولم

٤١٦

__________________

يعص بغلبة ولم يهمل العباد في ملكه هو المالك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم عليه ، فان اهتم العباد بطاعة لم يكن الله عنها صادا ولا مانعا ، وان ائتمروا بمعصية فشاء ان يحول بينهم وبين ذلك فعل ، وان لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه.

قال (ع) : من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه.

وروى في كتاب التوحيد بسنده عن ابراهيم بن عمر اليماني عن أبى عبد الله (ع) قال : ان الله عزوجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون اليه وأمرهم ونهاهم ، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل الى الأخذ به وما نهاهم عنه من شيء فقد جعل لهم السبيل الى تركه ولا يكونوا آخذين ولا تاركين الا بإذن الله.

وروى فيه بسنده عن الحسين بن خالد عن أبى الحسن على بن موسى الرضا (ع) قال : قلت له : يا ابن رسول الله ان الناس ينسبون الى القول بالتشبيه والجبر لما روى في ذلك عن آبائك الأئمة ، فقال : يا ابن الخالد أخبرني ان الاخبار التي رويت عن آبائي الأئمة في التشبيه أكثر ام الاخبار التي رويت عن النبي (ص). فقلت : بل ما روى عن النبي (ص) في ذلك أكثر ، قال : فليقولوا ان رسول الله (ص) كان يقول بالتشبيه والجبر ، إذا فقلت له : انهم يقولون ان رسول الله لم يقل من ذلك شيئا وانما روى عليه ، قال : فليقولوا في آبائي : انهم لم يقولوا من ذلك شيئا وانما روى عليهم. ثم قال (ع) : من قال بالتشبيه فهو كافر مشرك ونحن منه برآء في الدنيا والآخرة يا بن خالد انما وضع للأخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله ، فمن أحبهم فقد أبغضنا ومن ابغضهم فقد أحبنا ، ومن والاهم فقد عادانا ، ومن عاداهم فقد والانا ، ومن وصلهم فقد قطعنا ، ومن قطعهم فقد وصلنا ، ومن جفاهم فقد برنا ، ومن برهم فقد جفانا ، ومن أكرمهم فقد أهاننا ، ومن أهانهم فقد أكرمنا ، ومن قبلهم فقد ردنا ، ومن ردهم فقد قبلنا ، ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا ، ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا ، ومن صدقهم فقد كذبنا ، ومن كذبهم فقد صدقنا ، ومن أعطاهم فقد حرمنا ، ومن حرمهم فقد أعطانا.

يا ابن خالد من كان شيعتنا فلا يتخذ منهم وليا ولا نصيرا.

وروى في الكافي بسنده عن على بن الحكم وعبد الله بن يزيد جميعا عن رجل من أهل البصرة ، قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن الاستطاعة ، فقال : أبو عبد الله (ع) أتستطيع

٤١٧

__________________

ان تعمل ما لم يكون ، قال : لا ، قال : فتستطيع ان تنتهي عما قد كون ، قال : لا ، قال : فقال له أبو عبد الله (ع) فمتى أنت مستطيع ، قال : لا أدرى ، قال : فقال له أبو عبد الله (ع) : ان الله خلق خلقا فجعل فيهم آلة الاستطاعة ثم لم يفوض إليهم فهم مستطيعون للفعل مع الفعل إذا فعلوا ذلك الفعل وإذا لم يفعلوه لم يكونوا مستطيعين ان يفعلوا فعلا لم يفعلوه لان الله تعالى أعز من ان يضاده في ملكه أحد ، قال البصري : فالناس مجبورون؟

قال : لو كانوا مجبورين لكانوا معذورين ، قال : ففوض إليهم؟ قال : لا ، قال : فما هم قال : علم منهم فعلا فجعل فيهم آلة الفعل فإذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين قال البصري اشهد انه الحق وانكم أهل بيت النبوة والرسالة.

وروى بسنده عن صالح النيلي قال : سألت أبا عبد الله (ع) هل للعباد من الاستطاعة شيء قال : فقال لي : إذا فعلوا الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة التي جعلها الله فيهم قال : قلت : وما هي؟ قال الآلة مثل الزنا إذا زنى كان مستطيعا للزنا حين زنى ولو أنه ترك الزنا ولم يزن كان مستطيعا لتركه إذا ترك قال : ثم قال : ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل ولا كثير ولكن مع الفعل والترك كان مستطيعا قلت : فعلى ما ذا يعذبه قال : بالحجة البالغة والآلة التي ركبها فيهم ، ان الله لم يجبر أحدا على معصيته ولا أراد إرادة حتم الكفر من أحد ولكن حين كفر كان في إرادة الله ان يكفر ، وهم في إرادة الله وفي علمه ان لا يصيروا في شيء من الجبر قلت : أراد منهم ان يكفروا؟ قال : ليس هكذا أقول ولكني أقول : علم انهم سيكفرون فأراد الكفر لعلمه فيهم وليست إرادة حتم انما هي إرادة اختيار.

وروى فيه بسنده عن يونس بن عبد الرحمن قال : قال أبو الحسن الرضا (ع) يا يونس لا تقل بقول القدرية فان القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس ، فان أهل الجنة قالوا : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله. وقال أهل النار : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. وقال إبليس رب بما أغويتني. فقلت : والله ما أقول بقولهم ولكني أقول : لا يكون الا بما شاء الله وأراد وقدر وقضى ، يا يونس تعلم ما المشية؟ قلت : لا ، قال : هي الذكر الاول ، فتعلم ما الإرادة؟ قلت : لا ، قال : هي العزيمة على ما يشاء ، فتعلم ما القدر؟ قلت : لا ،

٤١٨

__________________

قال : هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء ، قال : ثم قال : والقضاء هو الإبرام وإقامة العين. قال : فاستأذنته ان اقبل رأسه وقلت له : فتحت لي شيئا كنت عنه في غفلة.

وروى في كتاب التوحيد بسنده عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله (ع) فيما كتب اليه مما اختلف فيه الناس وأجاب عنه فمنه ، وسألت رحمك الله عن الاستطاعة للفعل فان الله عزوجل خلق العبد وجعل له الآلة والصحة وهي القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل ولا متحرك الا وهو يريد الفعل وهي صفة مضافة الى الشهوة التي خلق الله عزوجل مركبة في الإنسان فإذا تحركت الشهوة في الإنسان اشتهى الشيء واراده فمن ثم قيل للإنسان مريد ، فإذا أراد الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة فمن ثم قيل للعبد مستطيع متحرك ، فإذا كان الإنسان ساكنا غير مريد للفعل وكان معه الآلة وهي القوة والصحة اللتان بهما تكون حركات الإنسان وفعله كان سكونه لعلة سكون الشهوة فقيل ساكن فوصف بالسكون فإذا اشتهى الإنسان وتحركت شهوته التي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحرك بالقوة المركبة فيه واستعمل الآلة التي بها يفعل الفعل فيكون الفعل منه عند ما تحرك واكتسبه فقيل فاعل ومتحرك ومكتسب ومستطيع أو لا ترى؟ ان جميع ذلك في صفات يوصف بها الإنسان.

وروى في الاحتجاج : ومما أجاب به أبو الحسن على بن محمد في رسالته الى أهل الأهواز ، حين سألوه عن الجبر والتفويض بعد كلام طويل ثم قال (ع): ومرادنا وقصدنا الكلام في الجبر والتفويض وشرحهما وبيانهما ، وانما قدمنا ليكون اتفاق الكتاب والخبر دليلا لما أردنا وقوة لما نحن مبينوه من ذلك إن شاء الله تعالى فقال : الجبر والتفويض بقول الصادق (ع) عندنا ، سئل عن ذلك فقال : لا جبر ولا تفويض بل امر بين الأمرين ، قيل فما ذا؟ يا ابن رسول الله ، قال : صحة العمل وتخلية السرب والمهلة في الوقت والزاد قبل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله ، فهذه خمسة أشياء ، فإذا نقص للعبد منها خلة كان العمل عنه مطرحا ، وانا اضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاث وهي الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث من شرحه ويشهد به القرآن محكم آياته وتحقق تصديقه عند ذوى الألباب والله العصمة والتوفيق. ثم قال (ع) : فأما الجبر فهو قول من زعم

٤١٩

__________________

ان الله عزوجل جبر للعباد على المعاصي وعاقبهم عليها ، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله وكذبه ورد عليه قوله : ولا يظلم ربك أحدا ، وقوله جل ذكره : بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد مع آي كثيرة في مثل هذا. فمن زعم انه يجبر على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله عزوجل وظلمه في عقوبته له ، ومن ظلم الله فقد كذب كتابه ، ومن كذب كتابه لزمه الكفر بإجماع الامة ، المثل المضروب في ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه ولا يملك عرضا من عروض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه ، فأمره على علم منه بالمصير الى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به وعلم المالك على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه الا بما يرضى به من الثمن ، وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة واظهار الحكمة ونفى الجور ، فأوعد عبده ان لم يأته بالحاجة ان يعاقبه فلما صار العبد الى السوق وحاول أخذ حاجته التي بعثه المولى للإتيان بها وجد عليها مانعا يمنعه فيها الا بالثمن ولا يملك العبد ثمنها ، فانصرف الى مولاه خائبا بغير قضاء حاجة ، فاغتاظ مولاه لذلك وعاقبه على ذلك فانه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته ، وان لم يعاقبه كذب نفسه ، أليس يجب ان لا يعاقبه ، والكذب والظلم ينفيان العدل والحكمة تعالى الله عما يقول المجبرة علوا كبيرا. ثم قال بعد كلام طويل : فأما التفويض الذي أبطله الصادق وخطأ من دان به فهو قول القائل : ان الله عزوجل فوض العباد اختيار أمره ونهيه واهملهم وفي هذا كلام دقيق لم يذهب الى غمره ودقته الا الأئمة المهديون (ع) من عترة آل الرسول (ص) فإنهم لو فوض الله إليهم على جهة الإهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه واستوجبوا به الثواب ولم يكن لهم فيما اجترموا العقاب إذا كان الإهمال واقعا ، ونتصرف هذه المقالة على المعنيين اما ان يكون العباد تظاهروا عليه فالزموه قبول اختيارهم بارائهم ضرورة ، كره ذلك ام أحب ، فقد لزمه الوهن ، أو يكون جل وتقدس من عجز عن تعبدهم بالأمر والنهى عن إرادته ففوض أمره ونهيه إليهم واجراهما على محبتهم أو عجز عن تعبدهم بالأمر والنهى على إرادته ، فجعل الاختيار إليهم في الكفر والايمان ، ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عند أمره ونهيه وادعى مالك العبد انه قاهر قادر عزيز حكيم فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع أمره

٤٢٠