بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

الشيخ محمّد رضا المظفّر

بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١٠
ISBN الدورة:
964-470-180-1

الصفحات: ٢٨١
الجزء ١ الجزء ٢

السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ» (١) : «إنّ للناس رجوعا إلى الله وحسابا على أعمالهم ليجازوا عليها ثوابا وعقابا ، فمن الواجب أن يكون هناك نبوّة ودعوة ، ليدلوا بها إلى ما يجازون عليه من الاعتقاد والعمل ، فالمعاد هو الغرض من الخلفة الموجب للنبوّة ، ولو لم يكن معاد لم يكن للخلقة غرض وغاية ، فكانت الخلقة لعبا ولهوا منه تعالى ، وهو غير جائز ، ولو جاز عليه اتخاذ اللهو لوجب أن يكون بأمر غير خارج من نفسه لا بالخلق الذي هو فعل خارج من ذاته ؛ لأنّ من المحال أن يؤثر غيره فيه ويحتاج إلى غيره بوجه ، وإذ لم يكن الخلق لعبا فهناك غاية وهو المعاد ، ويستلزم ذلك النبوّة ، ومن لوازمه أيضا نكال بعض الظالمين إذا ما طغوا وأسرفوا وتوقف عليه إحياء الحقّ ، كما يشير إليه قوله بعد ، بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق» (٢).

وقال أيضا في ذيل قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (٣) : «وهو احتجاج من طريق الغايات ؛ إذ لو لم يكن خلق السماء والأرض وما بينهما ـ وهي امور مخلوقة مؤجلة توجد وتفنى ـ مؤديا إلى غاية ثابتة باقية غير مؤجلة كان باطلا ، والباطل بمعنى ما لا غاية له ممتنع التحقّق في الأعيان ، على أنّه مستحيل من الحكيم ، ولا ريب في حكمته تعالى» (٤).

وقرّب في كنز الفوائد في اصول العقائد دليل الحكمة بما حاصله : «أنّ بعد ثبوت حكمة الله تعالى في أفعاله نعلم بأنّ خلقة العالم ليست عبثا ، بل فيها حكمة

__________________

(١) الأنبياء : ١٦ ـ ١٧.

(٢) تفسير الميزان : ج ١٤ ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

(٣) ص : ٢٧.

(٤) تفسير الميزان : ج ١٧ ص ٢٠٦.

٢٦١

ومصلحة ، ثم ننظر أنّ المصلحة ترجع إلى الله تعالى ، أو إلى خلقه وحيث علمنا أنّه تعالى غنيّ بالذات وكامل من جميع الجهات ، فالمصلحة والحكمة ترجع إلى الخلق لا محالة ، ولا تكون الخلقة بمصلحتهم إلّا إذا كانت نشأة اخرى عقيب هذه الدنيا ، وإلّا لزم عدم كون الخلقة بمصلحتهم ، وهو نقض للغرض ، والنقض من أقبح الامور ، ووجهه أنّ المنافع والمصالح الدنيويّة منقطعة لا دوام ولا ثبات لها ، ووجودها لقلّة دوامها كعدمها ، ولا يكون إعطاء هذه المنافع والمصالح لائقا بشأن الحكيم على الاطلاق.

هذا مضافا إلى اختلاطها وشوبها بأضعاف مضاعفة من الصعوبات والمشاكل ، والمصائب والمحن ، والأمراض والفتن ، والمنافرات ، وحصول هذه المنافع والمصالح لا تكون غرضا من الخلقة ، وإلّا لزم نقضا للغرض ؛ لأنّه خلاف الإحسان ، هذا نظير كريم يدعو جمعا كثيرا للضيافة ، وغرضه من الدعوة هو الإحسان إليهم لا غير ، فيدخلهم في مجلس الضيافة ، وحضر لهم أنواع الأطعمة والأشربة ، مع إدخال أنواع الموذيات من السباع والذئاب والكلاب والحيّات والعقارب ونحوها مما تمنعهم ، قبل الالتذاذ الكامل بالأطعمة والأشربة ، ولا يعدّ ذلك عند العقلاء إلّا من أقبح القبائح التي لا تصدر ممن لا يبالي ، فضلا عمّن يبالي ، فضلا عن الحكيم على الإطلاق ، هذا بخلاف ما إذا أمر المولى الكريم عباده بالمشقات الجزئية في زمان قليل لينال في النشأة الاخرى النعمة الدائمة ، والمناصب الجليلة ، والعطايا العظيمة ، فإنّ الخلقة حينئذ تصير مستحسنة وقابلة للمدح والثناء ، وهذا برهان قاطع أرشد إليه الحقّ سبحانه وتعالى في كلامه المجيد بقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (١).

__________________

(١) كتاب كنز الفوائد في اصول العقائد : ص ٣٥٨

٢٦٢

٢ ـ دليل العدالة :

ويمكن تقريبه بأن الله تعالى عادل والعادل لا يسوّي بين الظالم والمظلوم كما لا يقدّمه ولا يقدّره عليه ، بل ينتقم من الظالم ، فهو تعالى ينتقم من الظالم ، ولا يسوّي بين الظالم والمظلوم ، ولا يقدّمه ولا يقدّره على المظلوم.

ثم ينضم إليه القياس الاستثنائي ، ويقال : لو لم يكن للإنسان معاد ، لزم التسوية بين الظالم والمظلوم ، ولزم إقدار الظالم على المظلوم ، ولزم الإخلال بالانتقام من الظالمين ، ولكنّه تعالى منزّه عن تلك الامور فالمعاد ثابت للإنسان حتّى يجزي كلّ إنسان بما يستحقّه.

وتوضيح ذلك أيضا يحتاج إلى بيان امور :

الأوّل : أنّ الله تعالى عادل ولا يظلم شيئا ؛ لأنّه كمال محض ومحض الكمال لا يكون ناقصا ، حتّى يظلم ، والظلم معلول النقص ؛ إذ سببه إمّا الجهل أو حاجة الظالم ، أو شقاوته وخبث ذاته ، أو حسادته ، وكلّ واحد نقص ، وهو منتف فيه تعالى ، وقد مرّ تفصيل ذلك في بحث العدل فراجع.

الثاني : أنّ التسوية بين الظالم والمظلوم في الجزاء ، كتقديم الظالم على المظلوم ، وإعداده وإعانته ، في كونه ظلما وقبيحا ، وتنافي العدل ؛ لأنّ العدل هو إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ، والتسوية كالتقديم إبطال الحقّ وهو عين الظلم.

الثالث : أنّه لو لم يكن معاد لجزاء الإنسان لزم التسوية بين المجرمين والصالحين ، وتقديم الظالمين على المظلومين ، وإعداد الأشرار واقدارهم ؛ لأنّ أبناء البشر كانوا ويكونون على الصلاح والفساد ، وعلى الإصلاح والإفساد ، وعلى الهداية والضلالة ، وكثيرا ما تتغلّب الفئة الظالمة على المظلومة ، والأشرار على الصلحاء ، وعليه فإن اكتفى بهذه الدنيا ولا يكون ورائها الآخرة ، كان معناه هو عدم مكافاة الظالمين والمجرمين ، وعدم جزاء الصالحين والمتّقين ، بل

٢٦٣

معناه هو تقديم الطائفة الظالمة على الطائفة المظلومة ، لإعدادهم بأنواع النعمات دون الطائفة المغلوبة.

لا يقال : هذه الدنيا تكفي لجزاء الصالحين والطالحين فمن عمل صالحا أعطاه النعم الدنيويّة والعزّة ، ومن عمل سيئا سلب منه النعم ، وابتلاه بالخزي والذلّة ، ومع جزاء كلّ فرقة بما يناسبهم ، لا يلزم التسوية بين المجرمين وغيرهم ، كما لا يلزم تقديم إحدى الطائفتين على الاخرى.

لأنّا نقول : ليس كذلك إذ نرى عدم جزاء كثير من الظالمين والفاسدين والمفسدين بل هم يعيشون إلى آخر عمرهم في غاية العزّة الدنيويّة ، والقدرة ، بخلاف غيرهم فإنّهم في غاية المهانة والصعوبة ، وهو أمر محسوس لا سترة فيه ، هذا مضافا إلى أنّ أعمال المؤمنين والكافرين على درجات مختلفة وقد يكون بعضها ممّا لا يمكن جزاؤه في عالم الدنيا ، كمن يقتل ألف ألف نفس ببعض أنواع الصواريخ ، ومن المعلوم أنّ سلب نعمة الحياة ، أو إعدام هذا القاتل مرّة واحدة لا يكون جزاء إفساده ، كما أن من يحيى النفوس الكثيرة بالمعالجة أو الهداية ، لا يمكن أن يكون جزاؤه هو نعمة الدنيا مع محدوديتها فضلا عن الأنبياء والأولياء الذين لا يمكن تقويم عملهم ، ولا تصلح مثل الدنيا الدنيّة لجزائهم ، لا سيّما محمّدا وآله ، إذ قد فاق بعض دقائق عمرهم على جميع عمر الآخرين ، وقد اشتهر في جوامع الحديث ، أنّ ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين. على أنّ بعض الأعمال في حال الموت وبعده ، فلا يمكن جزاء العامل في الدنيا بعد موته ، كما إذا جاهد المؤمنون مع الكافرين فمن استشهد من المؤمنين لا يمكن جزاؤه ، كما أنّ من هلك من الكافرين لا يمكن جزاؤه ، وكما إذا أسّس سنّة حسنة أو سنّة سيئة ، فحمله بعد الموت يدوم بدوام ما أسّسه مع عدم إمكان جزاء العامل ، فطبع الدنيا لا يليق بكونها جزاء كاملا للعاملين.

لا يقال : هذا صحيح لو كان التناسخ محالا وإلّا يمكن العودة المتكرّرة

٢٦٤

حتّى يتكامل الجزاء ، فمن كان صالحا يعود بعد موته في بدن يعيش عيشا مباركا ، ومن كان طالحا يعود بعد موته في بدن يعيش عيش سوء ، وهذا أمر واسع ، ولا يكون محدودا ، وإنّما يتكرّر بحسب ما يستحقّه ، وعليه فيجزى كلّ عامل بجزاء عمله ومعه لا تسوية ولا تقديم للفرقة الظالمة على الفرقة المظلومة.

لأنّا نقول : إنّ التناسخ ممّا قامت ضرورة الأديان على خلافه ، فلا مجال لاحتماله ، فهو مفروض العدم ، هذا مضافا إلى عدم إمكانه لوجوه كثيرة ، منها : ان النفس بخروج البدن السابق من القوة الى الفعلية ، قد خرجت من القوة إلى الفعلية ، فلو تعلقت بعد خروجها عن البدن السابق إلى بدن آخر ، لكانت النفس في مرتبة الفعلية ، والبدن الذي تعلقت به كالجنين مثلا في مرتبة القوة ، فيلزم عدم تكافؤهما في مرتبة القوة والفعلية (١).

ومنها : أنّ انتقال النفس المستنسخة إلى نطفة مستعدة ، لا يمنع فيضان النفس الابتدائية ، فيلزم اجتماع النفسين في بدن واحد ، وهو مستحيل لامتناع كون الشيء ذا ذاتين ، أعني ذا نفسين ، وما من شخص إلّا وهو يشعر بنفس واحدة له (٢).

ومنها : ما أشار إليه العلّامة الطباطبائي ـ قدس‌سره ـ في تفسيره حيث قال : «إنّ التناسخ وهو تعلّق النفس المستكملة بنوع كمالها بعد مفارقتها البدن ببدن آخر محال ، فإنّ هذا البدن إن كان ذا نفس استلزم التناسخ تعلق نفسين ببدن واحد ، وهو وحدة الكثير ، وكثرة الواحد ، وإن لم تكن ذا نفس استلزم رجوع ما بالفعل إلى القوة» (٣).

ويمكن إيضاح امتناع رجوع ما بالفعل إلى القوّة بما في المبدأ والمعاد ، من أنّ

__________________

(١) راجع در الفوائد : ج ٢ ص ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٢) المبدأ والمعاد : ص ٢٣٨.

(٣) تفسير الميزان : ج ١ ص ٢١١.

٢٦٥

النفس ما دامت تكون بالقوّة يمكن لها اكتساب أيّ مرتبة شاءت لمكان استعدادها قبل صيرورتها بالفعل شيئا من الأشياء المتحصلة ، وأمّا إذا صارت مصوّرة بصورة فعلية ، واستحكمت فعليّتها ورسوخها ، وقوي تعلّقها ، ولصوقها بالنفس ، فاستقرّت على تلك المرتبة ، وبطل عنها استعداد الانتقال من النقص إلى الكمال ، والعبور من حال إلى حال ، فإنّ الرجوع إلى الفطرة الاولى ، والعود إلى مرتبة التراب ، والهيولاني ، كما في قوله تعالى : (لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) مجرد تمنّي أمر مستحيل كما مرّ ، والمحال غير مقدور عليه (١).

هذا مضافا إلى احتفاف الدنيا بأنواع المصيبات والآلام التي لا تكون معها لائقة لجزاء الأولياء والأنبياء والصالحين ، بل المناسب لهم هو جزاؤهم بما لا يحتف بهذه المكاره والمصائب ، وهو لا يكون إلّا الآخرة ، على أنّ مجازاة الكفرة والعصاة بدون تنبههم بما فعلوا في الدورات السابقة ، ليست بمجازاة ، فالتناسخ لا يمكن أولا ، وعلى فرض إمكانه قامت الضرورة على خلافه ثانيا.

هذا مضافا إلى عدم مناسبتها للجزاء بالنسبة إلى الصالحين ، لاحتفافها بالمكاره ، وبالنسبة إلى الصالحين لغفلتهم عن المكافاة ، ومضافا إلى ما أفاد بعض أساتيذنا مدّ ظله ، من أنّ الجزاء هو النعمة المحضة التي لا يشوبها تكليف ، ومسئولية ، والنعم الدنيويّة ليست كذلك ؛ لعدم خلوّها عن التكليف ، والمسئولية كما لا يخفى.

فإذا عرفت هذه المقدمات ظهر لك أنّ عدالته تعالى ، تقتضي المعاد ، وهو أمر أرشد إليه القرآن الكريم في ضمن آيات عديدة ، منها : قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) (٢).

__________________

(١) المبدأ والمعاد : ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(٢) إبراهيم : ٤٢.

٢٦٦

قال العلّامة الطباطبائي ـ قدس‌سره ـ في ذيل قوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (١) : «هذه هي الحجّة الثانية على المعاد ، وتقريرها : أنّ للإنسان كسائر الأنواع كمالا بالضرورة ، وكمال الإنسان هو خروجه في جانبي العلم والعمل من القوّة إلى الفعل ، بأن يعتقد الاعتقادات الحقّة ، ويعمل الأعمال الصالحة ، اللتين يهديه إليهما فطرته الصحيحة ، وهما الإيمان بالحقّ والعمل الصالح ، اللذين بهما يصلح المجتمع الانساني الذي في الارض ، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم المتقون الكاملون من الإنسان والمفسدون في الأرض بفساد اعتقادهم وعملهم ، وهم الفجّار هم الناقصون الخاسرون في إنسانيّتهم حقيقة ، ومقتضى هذا الكمال والنقص ، أن يكون بإزاء الكمال حياة سعيدة وعيش طيّب ، وبإزاء خلافه خلاف ذلك.

ومن المعلوم أنّ هذه الحياة الدنيا التي يشتركان فيها هي تحت سيطرة الأسباب والعوامل الماديّة ونسبتها إلى الكامل والناقص والمؤمن والكافر على السواء ، فمن أجاد العمل ووافقته الأسباب الماديّة فاز بطيب العيش ومن كان على خلاف ذلك لزمه الشقاء وضنك المعيشة. فلو كانت الحياة مقصورة على هذه الحياة الدنيويّة ، التي نسبتها إلى الفريقين على السواء ولم تكن حياة تختص بكلّ منهما ، وتناسب حاله ، كان ذلك منافيا للعناية الإلهيّة ، بإيصال كلّ ذي حقّ حقّه ، وإعطاء المقتضيات ما تقتضيه ، وإن شئت فقل تسوية بين الفريقين وإلغاء ما يقتضيه صلاح هذا وفساد ذلك خلاف عدله تعالى» (٢).

ومن الآيات المذكورة قوله تعالى : «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ

__________________

(١) ص : ٢٨.

(٢) تفسير الميزان : ج ١٧ ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

٢٦٧

وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» (١) ، وغير ذلك من الآيات.

ثم إنّ هذا الدليل لا يثبت إلّا المعاد للمكلّفين والعاملين ، فإنّ محدودة كلّ برهان تابع لحدّ وسطه ، والحدّ الوسط في هذا البرهان ، هو العدل ، وهو لا يكون إلّا في موارد استحقاق الجزاء بالطاعة أو المخالفة ، وهما من أفعال المكلفين ، فتسوية المطيع مع المسيء ، تنافي العدالة ، أو في موارد ظلم بعض العباد على بعض آخر ، فإنّ مقتضى العدل هو استيفاء حقّ المظلوم من الظالم ، فكلّ موارد العدل من موارد التكليف ، وعليه فلا يشمل هذا الدليل معاد غير المكلّفين.

٣ ـ دليل الوعد :

هذا الدليل مركب من الدليل الشرعي والعقلي إذ الجزء الأوّل منه شرعي وهو الآيات الدالّة على الوعد بالثواب والعقاب ، وبالجنّة والنار ، منها : قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٢) ، ولمّا كان الوعد بهما مكرّرا وشايعا صار عنوان اليوم الموعود من عناوين يوم القيامة كما صرّح به في قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) (٣).

والجزء الثاني منه عقلي وهو أنّ الله تعالى لا يخلف الوعد ؛ لأنّ الخلف ناش عن النقص ، وهو تعالى لا نقص فيه ، أو ناش عن الاضطرار والضرورة ، وهو أيضا لا مورد له في حقّه ؛ لأنّه سبحانه لا يضطره ضرورة ، ولذا قال العلّامة الطباطبائي ـ قدس‌سره : «وخلف الوعد وإن لم يكن قبيحا بالذات لأنّه ربّما

__________________

(١) الجاثية : ٢١.

(٢) يونس : ٤.

(٣) البروج : ٢.

٢٦٨

يحسن عند الاضطرار لكنّه سبحانه لا يضطره ضرورة ، فلا يحسن منه خلف الوعد في حال» (١) وقد أرشد إليه بقوله عزوجل : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٢).

وعليه فصورة القياس هكذا : إنّ الله تعالى وعد بالثواب والعقاب الاخرويّين ، وبالجنّة والنار ، وكلّ ما وعده الله آت ولا يخلفه الله تعالى ، فالجنّة والنار والثواب والعقاب الاخرويّان حتميّان ، ولا خلف فيهما.

وإليه أشار المحقّق الطوسي في متن تجريد الاعتقاد حيث قال : «ووجوب إيفاء الوعد ... يقتضي وجوب البعث ، وقال الشارح العلّامة في شرحه : إنّ الله تعالى وعد بالثواب وتوعّد بالعقاب ، مع مشاهدة الموت للمكلّفين فوجب القول بعودهم ، ليحصل الوفاء بوعده ووعيده» (٣).

وقال المحقّق اللاهيجي ـ قدس‌سره ـ : «وليعلم أنّ ... إيصال ثواب وعقاب جسمانيّين يتوقف لا محالة على إعادة البدن ؛ لأنّ اللّذة والألم الجسمانيّين ، لا يمكن بدون وجود البدن ، ثم لا ينافي ثبوت اللّذة والألم الجسمانيّين مع ثبوت اللّذة والألم الروحانيّين ، كما هو مذهب المحقّقين ، الذين قالوا بتجرّد النفس الناطقة ، فالحقّ هو ثبوت الثواب والعقاب الروحانيّين والجسمانيّين ، أمّا الروحاني : فهو بناء على تجرّد النفس الناطقة وبقائها بعد مفارقتها عن البدن ، والتذاذه بالكمالات الحاصلة له من ناحية العلم والعمل ، وتألمه عن ضد الكمالات المذكورة ، وأمّا الجسماني : فهو بناء على وجوب الإيفاء بالوعد والوعيد الموجبين لإيصال الثواب والعقاب الجسمانيّين» (٤).

__________________

(١) تفسير الميزان : ج ١٦ ص ١٦٣.

(٢) الحج : ٤٧.

(٣) شرح تجريد الاعتقاد : ص ٤٠٥ الطبع الجديد.

(٤) سرمايه ايمان : ص ١٦٠ الطبع الجديد.

٢٦٩

٤ ـ دليل حبّ البقاء والخلود :

ولا خفاء في كون الإنسان بالفطرة محبا للبقاء والخلود ، ولعلّه لذا تنافر الناس عن الموت لزعمهم أنّه فناء ومناف لمحبوبهم الفطري من البقاء ، ويشهد أيضا على فطرية هذا الحبّ ، أنّ الحبّ المذكور لا يزول عن النفس بالعلم بفناء الدنيا ، هذه صغرى القياس ، وينضمّ إلى هذه الكبرى ، وهي أنّ كلّ ما كان فطريا فهو مطابق لواقع الأمر ، لأنّ الفطرة أثر الحكيم المتعال ، ولا يكون فعله تعالى لغوا وعبثا ، فكما أنّ غريزة الأكل والشرب والنكاح حاكية عن وجود ما يصلح للأكل والشرب والنكاح ، كذلك تشهد هذه المحبّة الفطريّة على وجود عالم آخر يصلح للبقاء والخلود.

ولعلّ إليه يرجع ما ذكره شيخ مشايخنا آية الله الشيخ محمّد علي الشاه آبادي ـ قدس‌سره ـ في «الإنسان والفطرة» حيث قال : «ويدلّ عليه عشق اللقاء والبقاء مع القطع بعدم البقاء مثل هذا البقاء الملكي ، والحياة الدنيويّة مع عدم فتور العشق الكذائي ، فإنّه بحكم الفطرة المعصومة ، ينكشف أنّ هناك عالما غير داثر ، وتلاقي معشوقك في مقعد صدق عند مليك مقتدر» (١) كما حكى الاستدلال به عن الحكيم المتأله آية الله السيد أبو الحسن الرفيعي (٢) وغيره من الأعلام والفحول ، وكيف كان فمحبّة البقاء آية وجود الآخرة ودليلها ، وإلّا لزم الخلف في حكمته تعالى ، هذا مضافا إلى أنّ رحمته تعالى تقتضي إيصال كلّ شيء إلى ما يستحقّه ، ورفع حاجة كلّ محتاج ، وعليه فهو تعالى يوصل كلّ محبّ للخلود والبقاء إلى محبوبه برحمته كما أفاده عزوجل بقوله : «قُلْ لِمَنْ ما فِي

__________________

(١) كتاب رشحات البحار ، كتاب الانسان والفطرة : ص ٢٦٢ الطبع الجديد.

(٢) راجع تقريرات بحث شريف معاد : ص ٥ ـ ٨.

٢٧٠

السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ» (١).

وفي ما ذكر غنى وكفاية فمن شاء الزيادة فليراجع المطوّلات.

التاسع : في حشر الحيوانات ، وقد يستدلّ له بقوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٢).

قال العلّامة الطباطبائي ـ قدس‌سره ـ : «أمّا السؤال الأوّل : (هل للحيوان غير الإنسان حشر؟) فقوله تعالى في الآية : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) يتكفّل الجواب عنه ، ويقرب منه قوله تعالى : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) ، كورت : ٥ (٣).

وقال أيضا : «وببلوغ البحث هذا المبلغ ، ربّما لاح أنّ للحيوان حشرا ، كما أنّ للإنسان حشرا ، فإنّ الله سبحانه يعدّ انطباق العدل والظلم والتقوى والفجور على أعمال الإنسان ، ملاكا للحشر ، ويستدلّ به عليه كما في قوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ، ص : ٢٨» (٤).

وقال أيضا : «وهذان الوصفان ، أعني الإحسان والظلم ، موجودان في أعمال الحيوانات في الجملة ، ويؤيده ظاهر قوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (٥) ، فإنّ ظاهره أنّ ظلم الناس لو استوجب المؤاخذة الإلهية كان ذلك ؛ لأنه ظلم ، والظلم شايع بين كلّ ما يسمّى دابّة ، الإنسان وسائر الحيوانات ، فكان ذلك مستعقبا لأن يهلك الله تعالى كلّ دابّة على ظهرها ، هذا.

__________________

(١) الأنعام : ١٢.

(٢) الانعام : ٣٨

(٣) (٤) تفسير الميزان : ج ٧ ص ٧٤ ـ ٧٥.

(٥) فاطر : ٤٥.

٢٧١

وأن ذكر بعضهم أنّ المراد بالدابّة في الآية ، خصوص الإنسان ، ولا يلزم من شمول الأخذ والانتقام يوم القيامة لسائر الحيوان أن يساوي الإنسان في الشعور والإرادة ، ويرقى الحيوان العجم إلى درجة الإنسان في نفسيّاته وروحيّاته ، والضرورة تدفع ذلك ، والآثار البارزة منها ومن الإنسان تبطله ، وذلك أنّ مجرد الاشتراك في الأخذ والانتقام ، والحساب والأجر ، بين الإنسان وغيره لا يقتضي بالمعادلة والمساواة من جميع الجهات ، كما لا يقتضي الاشتراك في ما هو أقرب من ذلك ، بين أفراد الإنسان أنفسهم أن يجري حساب أعمالهم من حيث المداقّة والمناقشة مجرى واحدا ، فيوقف العاقل والسفيه والرشيد والمستضعف في موقف واحد» (١).

قال الفاضل المقداد ـ قدس‌سره ـ : «النقل الشريف دالّ على أنّه ما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلّا امم أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربّهم يحشرون ، فهؤلاء منهم من يحكم العقل بوجوب البعثة وهو كلّ من له حقّ أو عليه حقّ للإنصاف والانتصاف ، ومنهم من لم يحكم بوجوبه بل بجوازه كمن عدا هؤلاء» (٢).

وروي عن أبي ذر قال : «بينا أنا عند رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إذ انتطحت عنزان فقال النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : أتدرون فيما انتطحا؟ فقالوا : لا ندري ، قال : لكن الله يدري وسيقضي بينهما» (٣).

قال العلّامة المجلسي ـ قدس‌سره ـ : «وأمّا حشر الحيوانات فقد ذكره المتكلمون من الخاصّة والعامّة على اختلاف منهم في كيفيته ، إلى أن قال : أقول : الأخبار الدالّة على حشرها عموما وخصوصا ، وكون بعضها ممّا يكون في

__________________

(١) تفسير الميزان : ج ٧ ص ٧٦ ـ ٧٧.

(٢) اللوامع الالهية : ص ٣٧٧.

(٣) بحار الانوار : ج ٧ ص ٢٥٦.

٢٧٢

الجنّة كثيرة سيأتي بعضها في باب الجنّة ، وقد مرّ بعضها في باب الركبان يوم القيامة وغيره ، كقولهم ـ عليهم‌السلام ـ في مانع الزكاة : تنهشه كلّ ذات ناب بنابها ويطؤه كلّ ذات ظلف بظلفها ، وروى الصدوق في الفقيه بإسناده عن السكوني بإسناده أنّ النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أبصر ناقة معقولة ، وعليها جهازها ، فقال أين صاحبها؟ مروه فليستعد غدا للخصومة ، وروي فيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال : أيّ بعير حجّ عليه ثلاث سنين ، يجعل من نعم الجنّة ، وروي سبع سنين ، وقد روي عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : استفرهوا ضحاياكم فإنّها مطاياكم على الصراط ، وروي أنّ خيول الغزاة في الدنيا خيولهم في الجنة» (١).

العاشر : في تأثير الإيمان بالآخرة ، ولا يخفى أنّه إذا علمنا بوجود الآخرة بعد الدنيا ، وأنّ أعمالنا في هذه الدنيا مضبوطة للمحاسبة في الآخرة ، ولا يمكن إخفاؤها ، وإذا علمنا أنّ الجزاء متناسب للأعمال ، وآخرتنا رهينة أعمالنا ، ولا يعطى أحد فيها شيء من دون ملاحظة إيمانه ، وعمله في الدنيا ، وأنّه لا مجال لإعمال القدرة في الآخرة ، بل المحاسبة والجزاء جرت من دون خطأ وانحراف ، وإذا آمنّا بكلّ هذه الامور ، واطمأنا بها ظهر أثره في أعمالنا وعقائدنا ، وأفكارنا ، ونيّاتنا ، ولذا أكد الأنبياء والأولياء على الإيمان بالآخرة ، واختصّ ثلث القرآن تقريبا بالآخرة وأحوالها ، والجنّة والنار ، ومقامات الأولياء ، ودركات الجحيم ، والحساب والصراط وغيرها ، وأوصى النبيّ والائمة الطاهرة ـ عليهم الصلاة والسّلام ـ بذكر الموت والآخرة ، ومنه ورد عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «أكيس الناس من كان أشدّ ذكرا للموت» (٢) ثم كلّما ازداد ذكر الموت والآخرة ازداد الصلاح والإصلاح ؛ ولذا عرف الله تعالى عباده الصالحين

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٧ ص ٢٧٦.

(٢) بحار الأنوار : ج ٦ ص ١٣٠.

٢٧٣

بهذه الخصيصة وقال عزوجل : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) (١).

وفي هذه الآية الكريمة أيضا دلالة على أنّ إخلاص العباد وجعلهم من المخلصين ـ بفتح اللام ـ بواسطة هذه الخصّيصة والصفة المباركة ، وكيف كان فيكفي في أهمية ذكر الآخرة أنّ الإنذار والتبشير كان من اصول دعوة الأنبياء والمرسلين ، فمن أراد إصلاح نفسه وغيره ، فعليه بذكر الموت والآخرة وأحوالها ، وعليه أن يقتفي بالقرآن الكريم وبالأنبياء العظام وبالأولياء الكرام في تربية الناس وإصلاحهم ، بأن ينذرهم ويبشّرهم كما كانت تلك سيرة العلماء الأبرار.

إذ علّة انحراف الجوامع البشريّة في يومنا هذا هي الغفلة عن الله وعن الآخرة ، ولا يرتفع الانحراف والسقوط إلّا بإزالة هذه العلّة ، ولا تزول هذه العلّة ، إلّا بذكر الآخرة ، والالتفات المستمر إليها ، كما قال الله تبارك وتعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (٢).

فمن طلب الجنّة ومقاماتها فعليه بالإيمان الخالص وبالأخلاق الحسنة وبالأعمال الصالحة ؛ لأنّ الجنّة ومقاماتها حصيلة هذه الامور والدنيا ـ كما اشتهر عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مزرعة الآخرة ؛ لأنّ زاد الآخرة لا يمكن تحصيله إلّا في هذه الدنيا ، كما قال مولانا أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : «الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار فخذوا من ممرّكم لمقرّكم» (٣) وقال أيضا : «فتزوّدوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا» (٤) ومن المعلوم أنّ رجاء الآخرة بدون

__________________

(١) ص : ٤٥ ـ ٤٧.

(٢) الذاريات : ٥٥.

(٣) بحار الأنوار : ج ٧٣ ص ١٣٤.

(٤) نهج البلاغة فيض الاسلام : ج ١ ص ١٤٤ ، الخطبة ٦٣.

٢٧٤

الإيمان والعمل كرجاء الزارع بدون أن يحرث ويبذر ، ويسقي في أنّه لا ينتج إلّا الندامة والحسرة ، قال عزوجل : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١) ، وأنّ النفرة عن الجحيم والنار ودركاتها من دون ترك موجباتها ، كالنفرة عن السبع والعقارب والحيّات مع المشيّ نحوها ، خصوصا بناء على تجسّم الأعمال ، كما هو مفاد بعض الآيات كقوله عزوجل : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (٢) ، فعلى العاقل الخبير أن يفرّ عن المحرّمات كما يفرّ عن السبع والعقارب والحيّات ، ويبتعد عن المشتبهات ، ويستعدّ للآخرة ولا يغفل عنها طرفة عين أبدا.

هذا ما حصل لي من شرح هذا الكتاب الفخيم بعون الله وإمداده ، وأسأله أن يجعله ذخرا لمعادي وهو مجيب الدعوات ، وآخر كلامي الحمد لله ربّ العالمين.

العبد السيّد محسن الخرّازي

قم المشرفة ـ ١٦ محرم الحرام ١٤٠٩ الهجرية القمرية

__________________

(١) الكهف : ١١٠.

(٢) آل عمران : ٣٠.

٢٧٥
٢٧٦

فهرس المحتويات

الفصل الثالث : الإمامة

عقيدتنا في الإمامة............................................................. ٥

معنى الإمامة لغة............................................................ ٦

معنى الإمامة اصطلاحا....................................................... ٧

شؤون الإمامة ومنزلتها..................................................... ١١

الإمامة من أصول الدين.................................................... ١٥

وجوب النظر في إمامة أئمتنا عليهم السلام................................... ١٩

كون الإمامة لطفا ورحمة.................................................... ٢٢

لزوم الإمامة والأدلة العقلية على ذلك........................................ ٢٤

فوائد وجود الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف.............................. ٢٨

الأدلة السمعية على لزوم الإمامة............................................ ٣٠

عقيدتنا في عصمة الإمام...................................................... ٣٩

عقيدتنا في صفات الإمامة وعلمه.............................................. ٤٢

ضرورة اتصاف الإمام بالصفات الإلهية....................................... ٤٤

كيفية تعلم الإمامة........................................................ ٤٦

مقدار علم الأئمة عليهم السلام............................................. ٤٨

معنى الحدس والالهام....................................................... ٥١

٢٧٧

الميز بين علوم الأئمة والعلوم البشرية......................................... ٥٢

عقيدتنا في طاعة الأئمة....................................................... ٥٤

أدلة وجوب الرجوع إليهم عليهم السلام...................................... ٥٦

كلام للفخر الرازي والرد عليه............................................... ٥٩

كون الأئمة هم الشهداء على الناس......................................... ٦١

كونهم أبواب الله والسبيل إليه............................................... ٦٣

كونهم عيبة علم الله وتراجمة وحيه............................................ ٦٥

كونهم أمان لأهل الأرض................................................... ٦٧

كونهم العباد المكرمون المطهرون.............................................. ٦٩

الآيات الدالة على عصمتهم................................................ ٧٠

عد طاعة أهل البيت طاعة لله.............................................. ٧٧

أثر الاعتقاد بولاية أهل البيت في الغيبة...................................... ٧٨

عقيدتنا في حب آل البيت.................................................... ٧٩

معنى المودة والمحبة.......................................................... ٨٠

الحب في الله والبغض في الله................................................. ٨١

وجوب المحبة لأهل البيت عليهم السلام...................................... ٨٣

بيان المراد من القربى....................................................... ٨٧

خروج المبغض لهم عن دائرة الايمان........................................... ٩١

مدلول آخر للمودة........................................................ ٩٢

عقيدتنا في الأئمة............................................................ ٩٥

انحراف الغلاة والتحذير منهم............................................... ٩٦

عقيدتنا في أن الإمامة بالنص.................................................. ٩٨

الإمامة بالنص لا بالانتخاب................................................ ٩٩

ثبوت النصوص على إمامة الإمام علي (ع) بعد النبي (ص)................... ١٠١

٢٧٨

حديث الغدير.......................................................... ١٠٢

حديث المنزلة........................................................... ١٠٥

نص الدار يوم الانذار.................................................... ١٠٦

القرائن الدالة على ذلك.................................................. ١٠٩

الكلام في فقه حديث المنزلة............................................... ١١٥

آية الولاية ونزولها في علي عليه السلام...................................... ١١٧

عقيدتنا في عدد الأئمة...................................................... ١٢٤

الروايات الواردة في المقام.................................................. ١٢٦

استدلال العلامة الحلي على ذلك.......................................... ١٢٧

عقيدتنا في المهدي (عجل الله فرجه الشريف).................................. ١٣٠

فكرة المهدي ليست جديدة............................................... ١٣٥

كلام الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قده) في المهدي...................... ١٣٧

اختلاف الإمامية عن غيرهم في المهدي..................................... ١٣٨

كلام الطبرسي (قده) في المقام............................................. ١٤٠

رؤية المهدي (عجل) في الغيبة الكبرى...................................... ١٤١

الأحاديث الواردة في مسألة الغيبة.......................................... ١٤٢

الغيبة الصغرى تاريخها وما يتعلق بها من حوادث.............................. ١٤٤

النواب الأربعة في الغيبة الصغرى........................................... ١٤٥

ما قيل في سبب الغيبة.................................................... ١٤٨

وجود المهدي لطف في جميع أبعاده......................................... ١٥٢

٢٧٩

مسألة طول العمر وحل الاشكال فيها...................................... ١٥٥

هل انقطع الارتباط بالإمام (ع) في الغيبة الكبرى؟........................... ١٥٧

ادعاء المشاهدة في الغيبة الكبرى........................................... ١٥٨

الحث عن انتظار الفرج................................................... ١٦٠

البعد الايجابي في الانتظار................................................. ١٦٥

عقيدتنا في الرجعة.......................................................... ١٦٨

ثبوت الرجعة من ضروريات المذهب........................................ ١٧٢

الإشكال في إمكان الرجعة ودفعه.......................................... ١٧٣

أخبار الرجعة............................................................ ١٧٥

عقيدتنا في التقية........................................................... ١٧٩

التقية المداراتية والدليل عليها.............................................. ١٨١

انقسام التقية إلى الأحكام الخمسة......................................... ١٨٢

الفصل الرابع : ما أدب به آل البيت شيعتهم

تمهيد.................................................................. ١٨٩

عقيدتنا في الدعاء.......................................................... ١٩١

أدعية الصحيفة السجادية................................................ ١٩٨

عقيدتنا في زيارة القبور...................................................... ٢٠٥

آداب زيارة المشاهد المشرفة................................................ ٢٠٧

عقيدتنا في معنى التشيع..................................................... ٢١١

محاورات الأئمة عليهم السلام مع شيعتهم................................... ٢١٢

عقيدتنا في الجور والظلم..................................................... ٢١٥

عقيدتنا في التعاون مع الظالمين............................................... ٢١٧

عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة........................................... ٢٢٠

٢٨٠