بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

الشيخ محمّد رضا المظفّر

بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١٠
ISBN الدورة:
964-470-180-1

الصفحات: ٢٨١
الجزء ١ الجزء ٢

على هذا الأمر منتظرا له ، كان كمن كان في فسطاط القائم عليه‌السلام» (١) ، وعن محاسن البرقي أيضا ، عن عبد الحميد الواسطي قال : «قلت لأبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ أصلحك الله ، والله لقد تركنا أسواقنا انتظارا لهذا الأمر ، حتى أوشك الرجل منّا يسأل في يديه ، فقال : يا عبد الحميد ، أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجا؟ بلى ، والله ليجعلن الله له مخرجا ، رحم الله عبدا حبس نفسه علينا ، رحم الله عبدا أحيا أمرنا قال : قلت : فإن مت قبل أن أدرك القائم ، فقال : القائل منكم إن أدركت القائم من آل محمّد نصرته كالمقارع معه بسيفه ، والشهيد معه له شهادتان» (٢). ولعلّ المراد من ترك الأسواق هو ترك ما لا يليق بالمنتظر.

وعن إكمال الدين عن عمار الساباطي قال : «قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ العبادة مع الإمام منكم المستتر في السرّ في دولة الباطل أفضل ، أم العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟ فقال : يا عمّار ، الصدقة في السرّ والله أفضل من الصدقة في العلانية ، وكذلك عبادتكم في السرّ ، مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل لخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة ، ممن يعبد الله في ظهور الحقّ مع الإمام الظاهر في دولة الحقّ ، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق اعلموا أنّ من صلّى منكم صلاة فريضة وحدانا مستترا بها من عدوّه في وقتها فأتمّها ، كتب الله عزوجل له بها خمسة وعشرين صلاة فريضة وحدانية ، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمّها كتب الله عزوجل له بها عشر صلوات نوافل ، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة ، ويضاعف الله تعالى حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ، ودان الله بالتقية على دينه ،

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ١٢٥.

(٢) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ١٢٦.

١٦١

وعلى إمامه وعلى نفسه ، وأمسك من لسانه ، أضعافا مضاعفة كثيرة إنّ الله عزوجل كريم.

قال : فقلت : جعلت فداك قد رغّبتني في العمل ، وحثثتني عليه ، ولكنّني أحبّ أن أعلم : كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الإمام منكم الظاهر في دولة الحقّ ، ونحن وهم على دين واحد ، وهو دين الله عزوجل؟

فقال : إنّكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله ، وإلى الصلاة والصوم والحج وإلى كلّ فقه وخير ، وإلى عبادة الله سرا من عدوّكم مع الإمام المستتر ، مطيعون له ، صابرون معه ، منتظرون لدولة الحق ، خائفون على إمامكم وعلى أنفسكم من الملوك تنظرون إلى حقّ إمامكم وحقّكم في أيدي الظلمة ، قد منعوكم ذلك ، واضطروكم إلى جذب الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة ربّكم والخوف من عدوكم ، فبذلك ضاعف الله أعمالكم فهنيئا لكم هنيئا.

قال : فقلت جعلت فداك فما نتمنى إذا أن نكون من أصحاب القائم ـ عليه‌السلام ـ في ظهور الحق؟ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالا من أعمال أصحاب دولة الحق.

فقال : سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله عزوجل الحقّ والعدل في البلاد ، ويحسن حال عامّة الناس ، ويجمع الله الكلمة ويؤلّف بين القلوب المختلفة ، ولا يعصى الله في أرضه ، وتقام حدود الله في خلقه ، ويردّ الحقّ إلى أهله ، فيظهروه حتّى لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق.

أما والله يا عمّار لا يموت منكم ميّت على الحال التي أنتم عليها إلّا كان أفضل عند الله عزوجل من كثير ممن شهد بدرا واحدا فابشروا» (١).

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ١٢٧ ـ ١٢٨.

١٦٢

وعن إكمال الدين عن محمّد بن الفضيل عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ قال : «سألته عن شيء من الفرج ، فقال : أليس انتظار الفرج من الفرج؟ إنّ الله عزوجل يقول : «فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين» (١).

وعن إكمال الدين عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ : «ما أحسن الصبر وانتظار الفرج أما سمعت قول الله تعالى : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) وقوله عزوجل : (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) فعليكم بالصبر فإنّه إنّما يحبيء الفرج على اليأس فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم» (٢).

وعن إكمال الدين ، عن أبي إبراهيم الكوفيّ إلى أن قال : فقال لي أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ إلى أن قال : «المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه وبين يدي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يذبّ عنه» (٣).

عن غيبة الشيخ الطوسي ـ قدس‌سره ـ عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم ، قالوا : يا رسول الله نحن كنّا معك ببدر واحد وحنين ، ونزل فينا القرآن ، فقال : إنّكم لو تحمّلوا لما حمّلوا لم تصبروا صبرهم» (٤).

عن غيبة النعماني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال ذات يوم : «ألا اخبركم بما لا يقبل الله عزوجل من العباد عملا إلّا به ، فقلت : بلى فقال : شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، والإقرار بما أمر الله والولاية لنا ، والبراءة من أعدائنا ، يعني أئمة خاصّة والتسليم لهم ، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم ، ثم قال : إنّ لنا دولة يجيء الله بها إذا

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ١٢٨.

(٢) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ١٢٩.

(٣) (٤) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ١٢٩ و ١٣٠.

١٦٣

شاء ، ثم قال : من سرّ أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدّوا وانتظروا هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة» (١) عن غيبة النعماني عن أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ جعلت فداك متى الفرج؟ فقال : يا أبا بصير ، أنت ممن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه بانتظاره» (٢).

وعن تفسير النعماني عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «يا أبا الحسن ، حقيق على الله أن يدخل أهل الضلال الجنّة وإنّما عني بهذا المؤمنين الذين قاموا في زمن الفتنة على الائتمام بالإمام الخفيّ المكان ، المستور عن الأعيان ، فهم بإمامته مقرون ، وبعروته مستمسكون ، ولخروجه منتظرون موقنون غير شاكّين ، صابرون مسلمون وإنّما ضلّوا عن مكان إمامهم ، وعن معرفة شخصه» الحديث (٣).

وعن إكمال الدين عن علي بن محمّد بن زياد قال : كتبت إلى أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ أسأله عن الفرج ، فكتب إليّ : «إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج» (٤).

وعن إكمال الدين عن أبي بصير قال : «قال الصادق جعفر بن محمّد ـ عليهما‌السلام ـ في قول الله عزوجل (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) قال : يعني يوم خروج القائم المنتظر منّا.

ثم قال ـ عليه‌السلام ـ : يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا ، المنتظرين لظهوره في

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ١٤٠.

(٢) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ١٤٢.

(٣) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ١٤٤.

(٤) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ١٥٠.

١٦٤

غيبته والمطيعين له في ظهوره اولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (١).

تنبيه

واعلم أنّ الانتظار ليس بمعنى رفض المسئولية والعمل والتعهد ، وإحالة ذلك إلى الإمام المهديّ ـ عليه‌السلام ـ لقيام الضرورة على بقاء التكاليف ، هذا مضافا إلى التصريح في رواية غيبة النعماني وغيرها ، بلزوم الالتزام بأمر الله والولاية للأئمة والبراءة من أعدائهم ، واختيار الورع والاجتهاد والطمأنينة ، فمن ادعى أنّه من المنتظرين ، ومع ذلك خالف أمر الله أو تولّى لأعداء الله أو أراد غير الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ من الطواغيت ، ولا يكون من أهل الورع ولا يجتهد في العمل بالدين ، وليس له طمأنينة في هذا السبيل وسلب عن نفسه المسئولية وتكاليفه ، فهو من الضالّين المنحرفين ، وليس في الحقيقة من المنتظرين ، وإنّما المنتظر من يصلح نفسه وأصلح الامور ، وينتظر ويتوقع الفرج ، فيما لم يقدر على اصلاحه فالمنتظر لمقدم مولانا الإمام القائم ـ أرواحنا فداه ـ أتى بما عليه وأعدّ نفسه لنصرة الإمام ، ولا يزال مراقبا ، والمراقب هو المعدّ لذلك سيّما إذا انتظر الفرج صباحا ومساء ، فالمنتظرون هم الجند المجند ، والمسئولون المتعهدون ، والصالحون المصلحون ، ومن المعلوم أنّ هؤلاء يحتاجون إلى الصبر والمقاومة ، وأمّا الذين سلبوا عن أنفسهم المسئولية فلا حاجة لهم إلى الصبر ، وتعبير رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عن الانتظار بالعبادة يناسب انتظار هؤلاء المتعهدين لا الذين رفضوا التكاليف والمسئولية ، كما أنّ الانتظار بالمعنى المذكور يوجب الفرج عن الضلالة والنجاة عن الانحراف عن المسير بحيث إن ظهر الإمام

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ١٤٩ ـ ١٥٠

١٦٥

الثاني عشر ـ أرواحنا فداه ـ أمكن له أن يدخل في زمرة ناصريه ، فإيمانه بالإمام قبل ظهوره وانتظاره ينفعه عند ظهوره ، ويصير كما نصّ عليه الإمام الصادق ـ عليه‌السلام ـ من مصاديق قوله تعالى : «اولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون».

وهؤلاء المنتظرون هم المستحقّون لما ورد من أنّ المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يذبّ عنه ، وغير ذلك من الفضائل.

ولقد أوضح ذلك آية الله السيد صدر الدين الصدر ـ قدس‌سره ـ حيث قال : «الانتظار هو ترقب حصول الأمر المنتظر وتحقّقه ، ولا يخفى ما يترتب على انتظار ظهور المهدي ، من الامور الإصلاحية الراجعة إلى كلّ إنسان ، فضلا عن الهيئة الاجتماعية سيّما الشيعة الإمامية :

الأول : أنّ الانتظار بنفسه من حيث هو رياضة مهمّة للنفس حتى قيل : الانتظار أشدّ من القتل ، ولازمه اشغال القوّة المفكرة وتوجيه الخيال نحو الأمر المنتظر ، وهذا ممّا يوجب قهرا أمرين : الأول : قوة المفكّرة ضرورة توجب ازدياد القوى بالأعمال. الثاني : تمكّن الإنسان من جمعها وتوجيهها نحو أمر واحد ، وهذان الأمران من أهمّ ما يحتاج إليهما الإنسان في معاده ومعاشه.

الثاني : يسهّل وقع المصائب والنوائب ويخفف وطأتها إذا علم الإنسان وعرف أنّها في معرض التدارك والرفع وشتّان بين مصيبة علم الإنسان تداركها وبين مصيبة لا يعلم ذلك ، سيّما إذا احتمل تداركها عن قريب والمهدي ـ عليه‌السلام ـ بظهوره يملأ الأرض قسطا وعدلا.

الثالث : لازم الانتظار محبة أن يكون الإنسان من أصحاب المهدي وشيعته ، بل من أعوانه وأنصاره ، ولازم ذلك أن يسعى في إصلاح نفسه وتهذيب أخلاقه ، حتّى يكون قابلا لصحبة المهدي ، والجهاد بين يديه ، نعم إنّ

١٦٦

ذلك يحتاج إلى أخلاق قلّما توجد بيننا اليوم.

الرابع : الانتظار كما أنّه يبعث إلى إصلاح النفس بل والغير ، كذلك يكون باعثا وراء تهيئة المقدمات والمعدات الموجبة لغلبة المهدي على عدوّه ، ولازمه تحصيل ما يحتاج إليه من المعارف والعلوم سيّما وقد علم أنّ غلبته على عدوّه تكون بالأسباب العاديّة» (١).

ثم إنّ الانتظار أثر الإيمان بمجيء الإمام الثاني عشر ، الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا مع كون ظهوره محتمل في كلّ عصر وزمان وصباح ومساء ، إذ القول بتأخير الظهور مردود بحسب الأخبار ، كما أنّ القول بتوقيته كذلك ، وأمّا ما ذكر من علائم الظهور فهي ليس جميعها من المحتومات ، مع أنّ محتوماتها أيضا قابلة للتغيير كما دلّ عليه بعض الروايات.

هذا مضافا إلى إمكان وقوعها في زمان قليل ، فالانتظار ممكن في كلّ الأحوال ؛ إذ ظهوره لا يكون معلقا بزمان آخر.

__________________

(١) المهدي : ص ٢١١ ـ ٢١٢ الطبع الحديث.

١٦٧

١٠ ـ عقيدتنا في الرجعة

إنّ الذي تذهب إليه الإمامية أخذا بما جاء عن آل البيت ـ عليهم‌السلام ـ أنّ الله تعالى يعيد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها ، فيعزّ فريقا ، ويذلّ فريقا آخر ، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسّلام.

ولا يرجع إلّا من علت درجته في الإيمان ، أو من بلغ الغاية من الفساد ، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور ، وما يستحقونه من الثواب أو العقاب كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله ، أنّ يخرجوا ثالثا لعلهم يصلحون : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) المؤمن : ١١.

نعم قد جاء القرآن الكريم بوقوع الرجعة إلى الدنيا وتظافرت بها الأخبار عن بيت العصمة والإمامية بأجمعها عليه إلّا قليلون منهم تأوّلوا ما ورد في الرجعة بأنّ معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلى آل البيت

١٦٨

بظهور الإمام المنتظر من دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الموتى. والقول بالرجعة يعدّ عند أهل السنّة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها ، وكان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدّون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها. ويبدو أنّهم يعدّونها بمنزلة الكفر والشرك بل أشنع ، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تنبز به الشيعة الإمامية ويشنّع به عليهم.

ولا شكّ في أنّ هذا من نوع التهويلات التي تتخذها الطوائف الإسلامية فيما غبر ذريعة لطعن بعضها في بعض والدعاية ضدّه ، ولا نرى في الواقع ما يبرّر هذا التهويل ؛ لأنّ الاعتقاد بالرجعة لا يخدش في عقيدة التوحيد ولا في عقيدة النبوّة ، بل يؤكد صحة العقيدتين ؛ إذ الرجعة دليل القدرة البالغة لله تعالى ، كالبعث والنشر ، وهي من الامور الخارقة للعادة التي تصلح أن تكون معجزة لنبينا وآل بيته ـ صلّى الله عليه وعليهم ـ وهي عينا معجزة إحياء الموتى التي كانت للمسيح ـ عليه‌السلام ـ بل أبلغ هنا لأنّها بعد أن يصبح الأموات رميما (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يس : ٧٩.

وأمّا من طعن في الرجعة باعتبار أنّها من التناسخ الباطل ؛ فلأنّه لم يفرّق بين معنى التناسخ وبين المعاد الجسماني والرجعة من نوع المعاد الجسماني ، فإنّ معنى التناسخ هو انتقال النفس من بدن إلى بدن آخر منفصل عن الأوّل ، وليس كذلك معنى المعاد الجسماني ، فإنّ معناه رجوع نفس البدن الأوّل بمشخصاته النفسية فكذلك الرجعة.

وإذا كانت الرجعة تناسخا فإنّ إحياء الموتى على يد عيسى

١٦٩

ـ عليه‌السلام ـ كان تناسخا ، وإذا كانت الرجعة تناسخا كان البعث والمعاد الجسماني تناسخا.

إذن لم يبق إلّا أن يناقش في الرجعة من جهتين (الأولى) : أنّها مستحيلة الوقوع. (الثانية) : كذب الأحاديث الواردة فيها. وعلى تقدير صحّة المناقشتين ، فإنّه لا يعتبر الاعتقاد بها بهذه الدرجة من الشناعة التي هوّلها خصوم الشيعة. وكم من معتقدات لباقي طوائف المسلمين هي من الامور المستحيلة ، أو التي لم يثبت فيها نصّ صحيح ، ولكنّها لم توجب تكفيرا وخروجا عن الإسلام ، ولذلك أمثلة كثيرة : منها : الاعتقاد بجواز سهو النبيّ أو عصيانه ، ومنها : الاعتقاد بقدم القرآن ، ومنها : القول بالوعيد ، ومنها : الاعتقاد بأنّ النبيّ لم ينص على خليفة من بعده.

على أنّ هاتين المناقشتين لا أساس لهما من الصحة ، أمّا أنّ الرجعة مستحيلة فقد قلنا أنّها من نوع البعث والمعاد الجسماني غير أنّها بعث موقوت في الدنيا ، والدليل على إمكان البعث دليل على إمكانها ، ولا سبب لاستغرابها إلّا أنّها أمر غير معهود لنا فيما ألفناه في حياتنا الدنيا.

ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما يقرّبها إلى اعترافنا أو يبعدها وخيال الإنسان لا يسهل عليه أن يتقبل تصديق ما لم يألفه ، وذلك كمن يستغرب البعث فيقول : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) فيقال له : (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ).

نعم في مثل ذلك ممّا لا دليل عقلي لنا على نفيه أو إثباته أو نتخيّل عدم وجود الدليل ، يلزمنا الرضوخ إلى النصوص الدينية التي هي مصدر الوحي الإلهي ، وقد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلى

١٧٠

الدنيا لبعض الأموات ، كمعجزة عيسى ـ عليه‌السلام ـ في إحياء الموتى (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) وكقوله تعالى : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) والآية المتقدمة (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ...) فإنّه لا يستقيم معنى هذه الآية بغير الرجوع إلى الدنيا بعد الموت ، وإن تكلّف بعض المفسّرين في تأويلها بما لا يروي الغليل ولا يحقّق معنى الآية.

وأمّا المناقشة الثانية وهي دعوى أنّ الحديث فيها موضوع فإنّه لا وجه لها ؛ لأنّ الرجعة من الامور الضرورية فيما جاء عن آل البيت من الأخبار المتواترة.

وبعد هذا أفلا تعجب من كاتب شهير يدّعي المعرفة مثل أحمد أمين في كتابه (فجر الإسلام) إذ يقول : «فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة» فأنا أقول له على مدّعاه : فاليهودية أيضا ظهرت في القرآن بالرجعة ، كما تقدّم ذكر القرآن لها في الآيات المتقدمة.

ونزيده فنقول : والحقيقة أنّه لا بدّ أن تظهر اليهودية والنصرانية في كثير من المعتقدات والأحكام الإسلامية ؛ لأنّ النبيّ الأكرم جاء مصدّقا لما بين يديه ، من الشرائع السماوية ، وإن نسخ بعض أحكامها ، فظهور اليهودية أو النصرانية في بعض المعتقدات الإسلامية ، ليس عيبا في الإسلام ، على تقدير أنّ الرجعة من الآراء اليهودية كما يدّعيه هذا الكاتب.

وعلى كلّ حال فالرجعة ليست من الاصول التي يجب الاعتقاد بها والنظر فيها وإنّما اعتقادنا بها كان تبعا للآثار الصحيحة الواردة عن آل

١٧١

البيت ـ عليهم‌السلام ـ الذين ندين بعصمتهم من الكذب ، وهي من الامور الغيبية التي أخبروا عنها ولا يمتنع وقوعها (١).

______________________________________________________

(١) لا كلام في ثبوت الرجعة في الجملة بعد كونها من ضروريات المذهب كما أشار إليه المصنّف ـ قدس‌سره ـ وصرّح به غيره كالشيخ الحرّ العاملي ـ قدس‌سره ـ في الإيقاظ من الهجعة حيث قال : «إن ثبوت الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين والمصنفين المشهورين ، بل يعلم العامّة أنّ ذلك من مذهب الشيعة» (١).

وهكذا لا مجال للكلام فيه بعد كون الأخبار الدالّة على ثبوت الرجعة متواترة جدا كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره أيضا ، وصرّح به غيره كالشيخ الحرّ العامليّ فإنّه بعد اختصاص كتابه المذكور بالرجعة ، وجمع أدلتها فيه ، قال في أواخره ص ٣٩١ : «فهذه جملة من الأحاديث التي حضرتني في هذا الوقت مع ضيق المجال عن التتبع التامّ وقلة وجود الكتب التي يحتاج إليها في هذا المرام ، ولا ريب في تجاوزها حدّ التواتر المعنوي ـ إلى أن قال ـ : ولعلّ ما لم يصل إلينا في هذا المعنى أكثر ممّا وصل إلينا» وكالعلّامة المجلسي ـ قدس‌سره ـ حيث قال : «وإذا لم يكن مثل هذا متواترا ففي أيّ شيء يمكن دعوى التواتر مع ما روته كافّة الشيعة خلفا عن سلف» (٢).

وكالعلّامة الطباطبائي ـ قدس‌سره ـ حيث قال : «إن الروايات متواترة معنى عن أئمة أهل البيت حتّى عدّ القول بالرجعة عند المخالفين من مختصات الشيعة وأئمتهم من لدن الصدر الأوّل» (٣).

__________________

(١) الايقاظ من الهجعة : ص ٦٠.

(٢) بحار الانوار : ج ٥٣ ص ١٢٣.

(٣) تفسير الميزان : ج ٢ ص ١١٠.

١٧٢

وأمّا الإشكال في إمكان الرجعة فلا وقع له بعد وقوعها في الامم السالفة كما نصّ عليه في القرآن الكريم كقوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).

وقال في الإيقاظ من الهجعة : «فهذه الآية صريحة ، في أنّ المذكور فيها مات مائة سنة ثم أحياه الله وبعثه إلى الدنيا وأحيا حماره ، وظاهر القرآن يدلّ على أنّه من الأنبياء لما تضمّنه من الوحي والخطاب له ، وقد وقع التصريح في الأحاديث الآتية بأنّه كان نبيّا ، ففي بعض الروايات أنّه ارميا النبيّ ، وفي بعضها أنّه عزير النبيّ ـ عليهما‌السلام ـ وقد روى ذلك العامة والخاصة» (٢).

وكقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ ...) (٣). قال في الإيقاظ من الهجعة : «وقد روت الأحاديث الآتية وغيرها أنّ المذكورين في هذه الآية كانوا سبعين ألفا فأماتهم الله مدة طويلة ثم أحياهم فرجعوا إلى الدنيا وعاشوا أيضا مدة طويلة» (٤).

وكقوله تعالى : «يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ـ إلى قوله ـ : وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ

__________________

(١) البقرة : ٢٥٩.

(٢) المصدر : ص ٧٩.

(٣) البقرة : ٢٤٣.

(٤) المصدر : ص ٧٨.

١٧٣

وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ...» (١).

وكقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ...) (٢).

وغير ذلك من الآيات الصريحة ، فإنّ أدلّ دليل على امكان شيء وقوعه ، فيعلم من وقوعها في الامم السالفة بطلان ما يتخيل من استحالتها. هذا مضافا إلى ما أشار إليه في المتن من اختصاص الاستحالة بالتناسخ الذي هو انتقال النفس من بدن إلى بدن آخر منفصل عن الأوّل ، والرجعة ليست كذلك لأنّها من نوع المعاد الجسماني ، ومعناه رجوع النفس إلى البدن الأوّل بمشخصاته النفسية ، وإنّما الفرق بين المعاد والرجعة أنّ الرجعة عود ورجوع موقوف في الدنيا والمعاد هو عود ورجوع في الآخرة.

على أنّ الرجعة كالمعاد لا تستلزم عود ما خرج من القوّة إلى الفعل إلى القوّة ثانيا ، فإنّ من الجائز أن يستعد الإنسان لكمال موجود في زمان بعد زمان حياته الدنيوية الأولى فيموت ثم يحيى لحيازة الكمال المعدّ له في الزمان الثاني ، أو يستعدّ لكمال مشروط بتخلّل حياة ما في البرزخ فيعود إلى الدنيا بعد استيفاء الشرط ، فيجوز على أحد الفرضين الرجعة إلى الدنيا من غير محذور المحال ، وتمام الكلام موكول إلى غير هذا المقام (٣).

هذا مضافا إلى ما أفاده آية الله السيد أبو الحسن الرفيعي ـ قدس‌سره ـ في رجعة الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ بما حاصله : «من أنّ التناسخ هو عود الروح إلى البدن الآخر ، مع ما عليه من الفعلية الأوّلية ، وضعف الوجود ، وأمّا رجوع

__________________

(١) البقرة : ٥٧.

(٢) البقرة : ٢٦٠.

(٣) راجع تفسير الميزان : ج ٢ ص ١١٠.

١٧٤

الروح مع بقاء كماله وجوهريته المخصوصة التي حصلت له بالموت ، لتدبير بدن على نحو أكمل من التدبير السابق ، فليس بتناسخ محال ، بل الرجوع المذكور كتمثل بعض الملائكة ، فإنّهم مع عدم احتياجهم إلى الاستكمال من ناحية البدن المحسوس تمثّلوا في موارد بأمره تعالى في أبدان مخصوصة ، كتمثّل جبرئيل بصورة بشر في قصة مريم سلام الله عليها» (١) وبقية الكلام تطلب من مظانّها.

ثم إنّ الرجعة التي تواترت الأخبار بوقوعها في الامة الإسلامية ، تقع بعد ظهور الإمام المهديّ ـ أرواحنا فداه ـ ثم إنّ المرجوعين هم الأشخاص وذواتهم ، لا رجوع أوصافهم ودولتهم ، فإنّه أجنبيّ عن صريح الأخبار وحقيقة الرجعة ، كما أنّ رجوع الأوصاف لا اختصاص له بآخر الزمان ، بل هو أمر واقع من لدن خلقة آدم ، فإنّ كلّ نبيّ ووصيّ كان يقوم في مقام نبيّ أو وصيّ سابق ـ بل أصحابهم أيضا كانوا يقومون مقام أصحاب الماضين من الأنبياء والأوصياء (٢).

ثم إنّ الأخبار على طوائف ، منها : تدلّ على رجوع من محض الإيمان محضا ، ومن محض الكفر محضا ، وعن الشيخ الجليل أمين الدين أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن عند قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) أنّه قال : «قد تظاهرت تلك الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمّد ـ عليهم‌السلام ـ في أن الله سيعيد عند قيام المهدي ـ عليه‌السلام ـ قوما ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته ، ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم ، وينالوا بعض ما يستحقّونه من العذاب والقتل على أيدي شيعته ، والذلّ والخزي بما يشاهدون من علوّ كلمته» (٣).

__________________

(١) راجع رساله اثبات رجعت : ص ٣٣.

(٢) راجع التفصيل في راهنماى دين : ج ٢ ص ٥٧ ـ ٩٥.

(٣) الايقاظ من الهجعة : ص ٢٥٠.

١٧٥

وروي في مختصر البصائر عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «إنّ الرجعة ليست بعامّة وهي خاصّة ، لا يرجع إلّا من محض الإيمان أو محض الشرك محضا» (١) ولذا قال العلّامة المجلسي ـ قدس‌سره ـ : «والرجعة عندنا يختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر ، دون من سوى هذين الفريقين» (٢).

ومنها : تدلّ على رجعة رسول الله والأئمة ـ عليهم‌السلام ـ روى سعد بن عبد الله في مختصر البصائر على ما نقل عنه الحسن بن سليمان بن خالد عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين عن البزنطي عن حمّاد بن عثمان عن بكير بن أعين قال : «قال لي من لا أشك فيه يعني أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ : إنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ سيرجعان» (٣).

وعن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «ليس منّا من لم يؤمن بكرّتنا ويستحل متعتنا» (٤) وقد ورد في بعض الزيارات : «إنّي من القائلين بفضلكم مقرّ برجعتكم» (٥) وفي الزيارة الجامعة : «فثبتني الله أبدا ما حييت على موالاتكم ... وجعلني ممن يقتصّ آثاركم ويسلك سبيلكم ويهتدي بهديكم ويحشر في زمرتكم ويكرّ في رجعتكم» (٦) وفي زيارة قبر الحسين ـ عليه‌السلام ـ : «اشهدكم أني بكم مؤمن وبإيابكم موقن» (٧) وروى علي بن إبراهيم عن أبيه عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبد الحميد الطائي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين ـ عليهما‌السلام ـ في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) قال : يرجع إليكم نبيكم وأمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام» (٨) وإلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

__________________

(١) الايقاظ من الهجعة : ص ٣٦٠.

(٢) بحار الانوار : ج ٥٣ ص ١٣٧.

(٣) الايقاظ من الهجعة : ص ٣٧٩.

(٤) المصدر : ص ٣٠٠.

(٥) المصدر : ص ٣٠١.

(٦) المصدر : ص ٣٠٣.

(٧) المصدر : ص ٣٠٦.

(٨) الايقاظ من الهجعة : ص ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

١٧٦

ومنها : تدلّ على بعض أشخاص الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ كأمير المؤمنين. روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في ضمن حديث «أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال لعلي ـ عليه‌السلام ـ : يا علي ، إذا كان في آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسمّ به اعداءك» (١) وكحسين بن علي ـ عليهما‌السلام ـ روى في مختصر البصائر على ما نقل عنه عن عمر بن عبد العزيز عن جميل بن دراج عن المعلّى بن خنيس وزيد الشحام عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «سمعناه يقول : أوّل من تكرّ في رجعته الحسين بن علي ـ عليه‌السلام ـ يمكث في الأرض حتّى يسقط حاجباه على عينيه» (٢) وإلى غير ذلك من الأخبار.

ومنها : تدلّ على رجعة الأنبياء روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في قوله تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ» قال : ما بعث الله نبيا من لدن آدم وهلمّ جرا إلّا ويرجع إلى الدنيا فينصر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأمير المؤمنين» الحديث (٣).

ومنها : تدلّ على رجعة بعض الخواصّ من الشيعة ، روى الشيخ الطوسي ـ قدس‌سره ـ في كتاب الغيبة عن الفضل بن شاذان عن محمّد بن علي عن جعفر بن بشير عن خالد أبي عمارة عن المفضل بن عمر قال : «ذكرنا القائم ـ عليه‌السلام ـ ومن مات من أصحابنا ينتظره ، فقال لنا أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : اذا قام اتى المؤمن في قبره فيقال له : يا هذا انه قد ظهر صاحبك

__________________

(١) الايقاظ من الهجعة : ص ٢٥٧.

(٢) الايقاظ من الهجعة : ص ٣٥٨.

(٣) الايقاظ من الهجعة : ص ٣٣٢.

١٧٧

فان شئت أن تلحق به فالحق ، وان تشأ ان تقيم في كرامة ربك فاقم» (١).

ومنها : تدلّ على أنّ لعلي ـ عليه‌السلام ـ كرّات ورجعات ، روي عن مختصر البصائر عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : «قال أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ... وإن لي الكرّة بعد الكرّة والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الكرّات والرجعات ، وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات ، وأنا صاحب الكرّات والرجعات ، وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات ، وأنا دابّة الأرض وأنا صاحب العصا والميسم» الحديث (٢). وإلى غير ذلك من أصناف أخبار الباب.

ثم إن الرجعة وإن كانت من حيث هي مما لا دليل عقلي على نفيه وإثباته ، ولكن يمكن إقامة الدليل العقلي على إثبات رجعة الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ فيما إذا خلت الأرض عن الحجّة بن الحسن ـ عليه‌السلام ـ إن أمكن ذلك كما أشير إليه في بعض الأخبار فإنّ برهان اللطف حينئذ يحكم بالرجعة بعد فرض عدم تجاوز عدد الأئمة عن اثني عشر ، كما لا يخفى ، هذا مضافا إلى ما في رسالة إثبات الرجعة لآية الله السيد أبي الحسن الرفيعي ـ قدس‌سره ـ فراجع (٣). ومما ذكر يظهر وجوب الاعتقاد بها عقلا في ذلك الفرض مع قطع النظر عن أخبار الرجعة فلا تغفل.

__________________

(١) الايقاظ من الهجعة : ص ٢٧١.

(٢) الايقاظ من الهجعة : ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

(٣) اثبات رجعت : ص ٧ ـ ٢٢.

١٧٨

١١ ـ عقيدتنا في التقية

روي عن صادق آل البيت ـ عليه‌السلام ـ في الأثر الصحيح :

«التقية ديني ودين آبائي» و «من لا تقية له لا دين له».

وكذلك هي لقد كانت شعارا لآل البيت ـ عليهم‌السلام ـ دفعا للضرر عنهم وعن أتباعهم ، وحقنا لدمائهم ، واستصلاحا لحال المسلمين ، وجمعا لكلمتهم ولمّا لشعثهم.

وما زالت سمة تعرف بها الإمامية دون غيرها ، من الطوائف والامم ، وكلّ إنسان إذا أحسّ بالخطر على نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أو التظاهر به ، لا بدّ أن يتكتّم ويتّقي في مواضع الخطر. وهذا أمر تقتضيه فطرة العقول ، ومن المعلوم أنّ الإمامية وأئمتهم لاقوا من ضروب المحن وصنوف الضيق على حرّياتهم في جميع العهود ، ما لم تلاقه أيّة طائفة أو امة اخرى ، فاضطروا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقية ، بمكاتمة المخالفين لهم وترك مظاهرتهم ، وستر اعتقاداتهم وأعمالهم المختصّة بهم عنهم ، لما كان يعقب ذلك من الضرر في الدين والدنيا ، ولهذا السبب امتازوا (بالتقية) وعرفوا بها دون سواهم.

١٧٩

وللتقية أحكام ـ من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر ـ مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهيّة. وليست هي بواجبة على كلّ حال ، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال ، كما إذا كان في إظهار الحقّ والتظاهر به نصرة للدين ، وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنّه عند ذلك يستهان بالأموال ولا تعزّ النفوس.

وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة ، أو رواجا للباطل أو فسادا في الدين أو ضررا بالغا على المسلمين بإضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم.

وعلى كلّ حال ليس معنى التقية عند الإمامية أنّها تجعل منهم جمعية سرّية لغاية الهدم والتخريب كما يريد أن يصورّها بعض أعدائهم غير المتورّعين في إدراك الأمور على وجهها ، ولا يكلّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا. كما أنّه ليس معناها أنّها تجعل الدين وأحكامه سرّا من الأسرار ، لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به ، كيف وكتب الإمامية ومؤلفاتهم فيما يخصّ الفقه والأحكام ومباحث الكلام والمعتقدات ، قد ملأت الخافقين وتجاوزت الحدّ الذي ينتظر من أيّة امة تدين بدينها.

بلى ، إنّ عقيدتنا في التقيّة قد استغلّها من أراد التشنيع على الإمامية ، فجعلوها من جملة المطاعن فيهم ، وكأنّهم كان لا يشفى غليلهم إلّا أن تقدّم رقابهم إلى السيوف ، لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت ، من الامويّين ، والعباسيّين ، بل العثمانيّين.

١٨٠