بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

الشيخ محمّد رضا المظفّر

بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١٠
ISBN الدورة:
964-470-180-1

الصفحات: ٢٨١
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

الفصل الثالث

الإمامة

١ ـ عقيدتنا في الإمامة

٢ ـ عقيدتنا في عصمة الإمام (ع)

٣ ـ عقيدتنا في صفات الإمام وعلمه (ع)

٤ ـ عقيدتنا في طاعة الأئمة (ع)

٥ ـ عقيدتنا في حب آل البيت (ع)

٦ ـ عقيدتنا في الأئمة (ع)

٧ ـ عقيدتنا في أنّ الامامة بالنصّ

٨ ـ عقيدتنا في عدد الأئمة (ع)

٩ ـ عقيدتنا في المهدي (ع)

١٠ ـ عقيدتنا في الرجعة

١١ ـ عقيدتنا في التقيّة

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ عقيدتنا في الإمامة

نعتقد أنّ الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلّا بالاعتقاد بها ، ولا يجوز فيها تقليد الآباء والأهل والمربين مهما عظموا وكبروا ، بل يجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوة.

وعلى الأقل أنّ الاعتقاد بفراغ ذمة المكلّف من التكاليف الشرعيّة المفروضة عليه يتوقف على الاعتقاد بها إيجابا أو سلبا فإذا لم تكن أصلا من الأصول لا يجوز فيها التقليد لكونها أصلا ، فإنّه يجب الاعتقاد بها من هذه الجهة أي من جهة أنّ فراغ ذمة المكلّف من التكاليف المفروضة عليه قطعا من الله تعالى واجب عقلا ، وليست كلّها معلومة من طريقة قطعيّة ، فلا بد من الرجوع فيها إلى من نقطع بفراغ الذمة باتباعه إمّا الإمام على طريقة الإمامية أو غيره على طريقة غيرهم.

كما نعتقد أنّها كالنبوة لطف من الله تعالى فلا بدّ أن يكون في كلّ عصر إمام هاد يخلف النبيّ في وظائفه من هداية البشر وإرشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين ، وله ما للنبيّ من الولاية العامّة على الناس لتدبير شئونهم ومصالحهم وإقامة العدل بينهم ورفع الظلم

٥

والعدوان من بينهم.

وعلى هذا فالإمامة استمرار للنبوّة والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو نفسه يوجب أيضا نصب الإمام بعد الرسول.

فلذلك نقول : إنّ الإمامة لا تكون إلّا بالنصّ من الله تعالى على لسان النبيّ أو لسان الإمام الذي قبله ، وليست هي بالاختيار والانتخاب من الناس ، فليس لهم إذا شاءوا أن ينصبوا أحدا نصبوه وإذا شاءوا أن يعيّنوا إماما لهم عينوه ، ومتى شاءوا أن يتركوا تعيينه تركوه ؛ ليصح لهم البقاء بلا إمام ، بل من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية على ما ثبت ذلك عن الرسول الأعظم بالحديث المستفيض.

وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى سواء أبى البشر أم لم يأبوا ، وسواء ناصروه أم لم يناصروه ، أطاعوه أم لم يطيعوه ، وسواء كان حاضرا أم غائبا عن أعين الناس ، إذ كما يصحّ أن يغيب النبيّ كغيبته في الغار والشعب ، صحّ أن يغيب الإمام ، ولا فرق في حكم العقل بين طول الغيبة وقصرها.

قال الله تعالى : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) الرعد : ٨ وقال : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) فاطر : ٢٢ (١)

______________________________________________________

(١) يقع الكلام في مقامات :

المقام الأوّل : في معنى الإمامة لغة : وهي بحسبها تقدّم شخص على الناس بنحو يتبعونه ويقتدون به ، فالإمام هو المقتدى به والمتقدّم على الناس. قال في المفردات : والإمام المؤتم به إنسانا كان يقتدى بقوله أو فعله أو كتابا أو غير

٦

ذلك ، محقا كان أو مبطلا ، وجمعه أئمة ، انتهى موضع الحاجة منه. وعن الصحاح : الإمام الذي يقتدى به وجمعه أئمة ، ويشهد له الاستعمال القرآني كقوله عزوجل : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (١) وقوله تبارك وتعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) (٢) إذ الظاهر أنّه ليس مستعملا في هذه الموارد إلّا في معناه اللغوي. ثم إنّ الإمام إن كان إماما في جهة خاصة يقيّد بها ، ويقال : إنّه إمام الجماعة أو إمام الجمعة أو إمام العسكر ونحوها وإلّا اطلق وعلم أنّه إمام في جميع الجهات ، كقوله تعالى في حقّ إبراهيم الخليل ـ عليه‌السلام ـ : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (٣).

ومما ذكر يظهر أيضا أنّ الإمام لغة أعمّ من الإمام الأصل وغيره ، كما أنّه أعمّ من الإمام الحقّ وغيره ، وإن كان في بعض المقامات ظاهرا في الإمام الأصل فلا تغفل.

ثم إنّ النسبة بين الإمام بالمعنى المذكور والنبيّ ـ سواء كان بمعنى المخبر عن الله تعالى بالإنذار والتبشير كما هو الظاهر أو بمعنى تحمّل النبأ من جانب الله كما يظهر عن بعض ـ هي العموم من وجه فيمكن اجتماعهما في شخص واحد كما قد يجتمع عنوان الإمام مع عنوان خليفة الرسول أو وصيّ الرسول.

المقام الثاني : في معنى الإمامة اصطلاحا : ولا يذهب عليك أن جمهور العامّة فسّروها بما اعتقدوه في الإمامة من الخلافة الظاهريّة والإمارة ، وقالوا : إنّ الإمامة عند الأشاعرة هي خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملّة بحيث يجب اتباعه على كافة الامة (٤) ومن المعلوم أن مرادهم منها هي الخلافة

__________________

(١) الأنبياء : ٧٣.

(٢) القصص : ٤١.

(٣) البقرة : ١٢٤.

(٤) دلائل الصدق : ج ٢ ص ٤ نقلا عن الفضل بن روزبهان الأشعري المعروف.

٧

الظاهريّة الّتي هي إقامة غير النبيّ مكانه في إقامة العدل ، وحفظ المجتمع الإسلامي ، ولو لم ينصبه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ للخلافة بإذنه تعالى ، ولذا حكي عن شرح المقاصد أنّه قال : إن قيل الخلافة عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إنما تكون فيما استخلفه النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، فلا يصدق التعريف على إمامة البيعة ونحوها ، فضلا عن رئاسة النائب العام للإمام.

قلنا : لو سلم فالاستخلاف أعم من أن يكون بواسطة أو بدونها (١) ، ولذا لم يشترطوا فيها العصمة ، بل لم يشترط بعضهم العدالة ، كما قال شارح المقاصد على المحكي : إنّ من أسباب انعقاد الخلافة القهر والغلبة ، فمن تصدى لها بالقهر والغلبة من دون بيعة الامة معه فالأظهر انعقاد الخلافة له ، وإن كان فاسقا (٢) ، ونسب ذلك أيضا إلى الحشوية وبعض المعتزلة (٣) ، كما لم يشترطوا فيها العلم الإلهي ، بل اكتفوا فيها بالاجتهاد ولو كان اجتهادا ناقصا قال الفضل بن روزبهان : ومستحقها أن يكون مجتهدا في الاصول والفروع ليقوم بأمر الدين (٤) وهذا مع ذهابهم إلى عدم وجوب كون الإمام أفضل الامة (٥) ، بل جواز اشتباهه في الأحكام كما يشهد لذلك ما ورد عن عمر بن الخطاب أنّه قال مكررا : لو لا عليّ لهلك عمر.

وكيف كان فمعنى الإمامة عند العامة هي الخلافة الظاهريّة مع أنّها لو كانت واجدة لشرائطها لكانت شأنا من شئون الإمامة عند الشيعة ، فإنّ الإمامة عند الشيعة هي الخلافة الكليّة الإلهيّة التي من آثارها ولايتهم التشريعية الّتي منها الإمارة والخلافة الظاهريّة ؛ لأنّ ارتقاء الإمام إلى المقامات الإلهية

__________________

(١) گوهر مراد : ص ٣٢٩.

(٢) گوهر مراد : ص ٣٢٩.

(٣) اللوامع الإلهية : ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٤) دلائل الصدق : ج ٢ ص ٤ نقلا عن الفضل.

(٥) سرمايه ايمان : ص ١١٦ الطبع الجديد.

٨

المعنويّة يوجب أن يكون زعيما سياسيّا لإدارة المجتمع الإسلامي أيضا ، فالإمام هو الإنسان الكامل الإلهي العالم بجميع ما يحتاج إليه الناس في تعيين مصالحهم ومضارّهم ، الأمين على أحكام الله تعالى وأسراره ، المعصوم من الذنوب والخطايا ، المرتبط بالمبدإ الأعلى ، الصراط المستقيم ، الحجّة على عباده ، المفترض طاعته ، اللائق لاقتداء العام به والتبعيّة له ، الحافظ لدين الله ، المرجع العلمي لحلّ المعضلات والاختلافات وتفسير المجملات ، الزعيم السياسي والاجتماعي ، الهادي للنفوس إلى درجاتها اللائقة بهم من الكمالات المعنويّة ، الوسيط في نيل الفيض من المبدأ الأعلى إلى الخلق ، وغير ذلك من شئون الإمامة التي تدلّ عليها البراهين العقليّة والأدلّة السمعيّة وستأتي الإشارة إلى بعضها إن شاء الله تعالى.

وينقدح من ذلك أن ما ذكره جماعة من علماء الإمامية تبعا لعلماء العامّة في تعريف الإمامة من أنّها رئاسة عامّة في امور الدين والدنيا ليس تعريفا جامعا للإمامة وإنّما هو إن تمّ شأن من شئون الإمامة ولعل علماءنا ذكروه في قبال العامّة من باب المماشاة ، وإلّا فمن المعلوم أنّ هذا التعريف ليس إلّا تعريفا لبعض الشئون التشريعيّة للإمام ، وهو الزعامة السياسيّة والاجتماعيّة ولا يشمل سائر المقامات المعنويّة الثابتة للإمام كما أشرنا إليه في تعريف الإمام ، والعجب من المحقق اللاهيجي ـ قدس‌سره ـ حيث ذهب إلى تطبيق التعريف المذكور على الإمامة عند الشيعة مستدلا بأنّ الرئاسة في امور الدين لا يتحقق إلّا بمعرفة الامور الدينيّة (١) ، مع أنّ المعرفة بالامور الدينيّة أعمّ من العلم الإلهي ، ويصدق مع الاجتهاد في الامور الدينيّة إن لم نقل بكفاية التقليد في جلّها هذا ، مضافا إلى خلوّه عن اعتبار العصمة.

__________________

(١) راجع گوهر مراد : ص ٣٢٩.

٩

وكيف كان فالأمر سهل بعد ما عرفت من ماهيّة الإمامة عند الشيعة ، فالاختلاف بيننا وبين العامّة اختلاف جوهريّ لا في بعض الشرائط ؛ ولذلك قال الاستاذ الشهيد المطهري ـ قدس سرّه ـ : لزم علينا أن لا نخالط مسألة الإمامة مع مسألة الحكومة ونقول : إنّ العامّة ما ذا تقول؟ ونحن ما ذا نقول؟ بل مسألة الإمامة مسألة اخرى ، ومفهوم نظير مفهوم النبوّة بما لها من درجاتها العالية ، وعليه فنحن معاشر الشيعة نقول بالإمامة ، والعامّة لا تقول بها أصلا ، لا أنهم قائلون بها ، ولكن اشترطوا فيها شرائط اخرى (١).

ثم لا يخفى عليك أنّ الإمامة بالمعنى المختار والنبوّة قد يجتمعان كما في إبراهيم الخليل ـ عليه‌السلام ـ كما نص عليه في قوله بعد مضي مدة من الزمن لنبوته : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (٢) بل في عدة اخرى من الأنبياء كما يشهد له قوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (٣) ولا سيّما نبينا محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وقد يفترقان إذ بعض الأنبياء كانوا يأخذون الوحي ويبلغونه إلى الناس وأطاع عنهم من أطاع فيما بلغ إليهم ، ولكن مع ذلك لم يكونوا نائلين مقام الإمامة ، واقتداء الخلق بهم وقيادة الناس ، وسوقهم نحو السعادة والكمال ، كما أنّ أئمتنا ـ عليهم‌السلام ـ كانوا نائلين مقام الإمامة ، ولكن لم يكونوا أنبياء فالنسبة بين الإمامة والنبوة عموم من وجه (٤). ثم إنّ المقصود من البحث في الإمامة حيث كان هو الإمام الذي يكون خليفة عن النبيّ قيّدت الإمامة في التعاريف بالنيابة عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما يظهر من تعاريف القوم ، بل أصحابنا ومنهم العلّامة ـ قدس‌سره ـ حيث عرّفوها بأنّها رئاسة عامّة في امور الدنيا والدين لشخص من الأشخاص نيابة عن

__________________

(١) امامت ورهبرى : ص ١٦٣.

(٢) البقرة : ١٢٤.

(٣) الأنبياء : ٧٣.

(٤) راجع : امامت ورهبرى : ٢٨ ، شيعه در اسلام : ص ٢٥٢.

١٠

النبيّ ، وعليه فيصدق على كل واحد من أئمتنا عنوان الإمام وعنوان خليفة الرسول أو وصيّ الرسول ، كما يصدق عليه عنوان خليفة الله أيضا ولا مانع من اجتماع هذه العناوين فيه كما لا يخفى.

المقام الثالث : في شئون الإمامة ومنزلتها : ولا يخفى عليك أنّ الإمام حيث كان خليفة الله في أرضه فليكن مظهر أسمائه وصفاته ، كما أنه يتّصف بصفات النبيّ أيضا ؛ لكونه خليفة له فإن كان النبيّ معصوما فهو أيضا معصوم ، وإن كان النبيّ عالما بالكتاب والأحكام والآداب فهو أيضا عالم بهما ، وإن كان النبيّ عالما بالحكمة فهو أيضا عالم بها وإن كان النبيّ عالما بما كان وما يكون فهو أيضا عالم به ، وهكذا فالإمام يقوم مقام النبيّ في جميع صفاته عدا كونه نبيا.

وبالجملة فالأئمة هم ولاة أمر الله ، وخزنة علم الله ، وعيبة وحي الله ، وهداة من بعد النبيّ ، وتراجمة وحي الله ، والحجج البالغة على الخلق ، وخلفاء الله في أرضه ، وأبواب الله عزوجل التي يؤتى منها ، و... فهذه منزلة عظيمة لا ينالها الناس بعقولهم أو بآرائهم.

ثم إنّ أحسن رواية في تبيين هذه المنزلة هو ما نصّ عليه مولانا علي بن موسى الرضا ـ عليهما‌السلام ـ حيث قال : ...

إنّ الإمامة أجلّ قدرا ، وأعظم شأنا ، وأعلا مكانا ، وأمنع جانبا ، وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو يناولها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم أنّ الإمامة خصّ الله عزوجل بها إبراهيم الخليل ـ عليه‌السلام ـ بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد (١) بها ذكره فقال : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فقال الخليل ـ عليه‌السلام ـ سرورا بها : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) قال الله تبارك

__________________

(١) أي رفع بهذه ذكره

١١

وتعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة ، وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة ، فقال : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (١) فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله تعالى النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فقال جلّ وتعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) فكانت له خاصة فقلّدها ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عليا ـ عليه‌السلام ـ بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله ، فصارت في ذريته الأصفياء الّذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) (٣) فهي في ولد عليّ ـ عليه‌السلام ـ خاصة إلى يوم القيامة ، إذ لا نبيّ بعد محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟!

إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وارث الأوصياء ، إنّ الإمامة خلافة الله ، وخلافة الرسول ، ومقام أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ وميراث الحسن والحسين ـ عليهما‌السلام ـ إنّ الإمامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعزّ المؤمنين ، إن الإمامة اس الإسلام النامي ، وفرعه السامي (٤) ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ، وتوفير الفيء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والأطراف ، الإمام يحلّ حلال الله ويحرّم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة

__________________

(١) الأنبياء : ٧٢.

(٢) آل عمران : ٦٨.

(٣) الروم : ٥٦.

(٤) أي العالي.

١٢

والموعظة الحسنة ، والحجة البالغة ، الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة (١) بنورها للعالم وهي في الافق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار ، الإمام البدر المنير ، والسراج الزاهر (٢) ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى (٣) ، وأجواز (٤) البلدان والقفار ، ولجج (٥) البحار ، الإمام الماء العذب على الظمأ ، والدالّ على الهدى ، والمنجي من الردى ، الإمام النار على اليفاع (٦) ، الحار لمن اصطلى به ، والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك ، الإمام السحاب الماطر ، والغيث الهاطل (٧) ، والشمس المضيئة ، والسماء الظليلة ، والأرض البسيطة ، والعين الغزيرة (٨) ، والغدير والروضة ، الإمام الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق (٩) ، والأخ الشقيق (١٠) ، والام البرة بالولد الصغير ، ومفزع العباد في الداهية الناد (١١) ، الإمام أمين الله في خلقه ، وحجته على عباده ، وخليفته في بلاده ، والداعي إلى الله ، والذاب عن حرم الله ، الإمام المطهّر من الذنوب ، والمبرّأ عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم ، نظام الدين ، وعزّ

__________________

(١) بكسر اللام أي المحيطة.

(٢) أي المضيء.

(٣) الغياهب : جمع الغيهب وهو الظلمة الشديدة والدجى جمع الدجية وهي الظلمة ، وعليه فالإضافة بيانية وقد يعبر بالدجية عن الليل ، وعليه فليست الإضافة بيانيّة.

(٤) الأجواز : جمع الجوز وهو وسط كلّ شيء.

(٥) اللجج : جمع اللجة وهي معظم الماء.

(٦) أي ما أرتفع من الأرض مثل الجبل.

(٧) أي المتتابع.

(٨) أي كثيرة الماء.

(٩) الذي لا يريد بك إلّا خيرا.

(١٠) الأخ من الأب والام.

(١١) الداهية : الأمر العظيم أو المصيبة والنآد كسحاب الداهية ، وإنما وصفت الداهية به للمبالغة في عظمتها وشدتها.

١٣

المسلمين ، وغيظ المنافقين ، وبوار الكافرين ، الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهّاب فمن ذا الّذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره هيهات هيهات ، ضلت العقول وتاهت الحلوم (١) ، وحارت الألباب ، وخسئت العيون ، وتصاغرت العظماء ، وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشعراء ، وعجزت الادباء ، وعييت (٢) البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله ، وأقرّت بالعجز والتقصير ، وكيف يوصف بكلّه ، أو ينعت بكنهه ، أو يفهم شيء من أمره ، أو يوجد من يقوم مقامه ، ويغني غناه ، لا كيف وأنّى وهو بحيث النجم من يد المتناولين ، ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا ، وأين العقول عن هذا ، وأين يوجد مثل هذا؟ ـ إلى أن قال ـ : والقرآن يناديهم : «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (٣) ـ إلى أن قال ـ : فكيف لهم باختيار الإمام؟ والإمام عالم لا يجهل ، وراع لا ينكل (٤) ، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول ونسل المطهرة البتول ، لا مغمز (٥) فيه في نسب ، ولا يدانيه ذو حسب (٦) ، فالبيت من قريش والذروة (٧) من هاشم

__________________

(١) أي ضلّت الحلوم أي العقول.

(٢) بكسر الياء الأولى أي عجزت.

(٣) القصص : ٦٨.

(٤) أي لا يمتنع ولا يضعف ولا يجبن.

(٥) المغمز : اسم مكان من الغمز أي الطعن ، ويأتي أيضا بمعنى العيب.

(٦) الحسب الشرف بالإباء وما يعدّه الإنسان من مفاخره.

(٧) بضم الذال أي أعلى الشيء.

١٤

والعترة من الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والرضا من الله عزوجل ، شرف الأشراف ، والفرع (١) من عبد مناف نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلع (٢) بالإمامة عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر الله عزوجل ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله ، إنّ الأنبياء والأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ يوفقهم الله ، ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمة ما لا يؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣) ـ إلى أن قال ـ : فهو معصوم مؤيّد موفّق مسدّد ، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار ، يخصه الله بذلك ، ليكون حجته (البالغة) على عباده ، وشاهده على خلقه (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه؟. أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه ... الحديث (٤)

المقام الرابع : في أنّها أصل من اصول الدين أو فرع من فروعه : وقد عرفت مما ذكرنا أنّ الإمامة هي الخلافة الإلهية الّتي تكون متممة لوظائف النبيّ وإدامتها عدا الوحي ، فكل وظيفة من وظائف الرسول من هداية البشر وإرشادهم وسوقهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في الدارين ، وتدبير شئونهم ، وإقامة العدل ، ورفع الظلم والعدوان ، وحفظ الشرع ، وبيان الكتاب ، ورفع الاختلاف ، وتزكية الناس ، وتربيتهم ، وغير ذلك ثابتة للإمام وعليه فما أوجب إدراج النبوّة في اصول الدين أوجب إدراج الإمامة بالمعنى المذكور فيها ، وإلّا

__________________

(١) والفرع من كل قوم هو الشريف منهم والفرع من الرجل أول أولاده وهاشم أول أولاد عبد مناف وأشرفهم.

(٢) أي قوي على حمل أثقال الإمامة.

(٣) يونس : ٣٥.

(٤) الاصول من الكافي : ج ١ ص ١٩٨.

١٥

فلا وجه لإدراج النبوّة فيها أيضا. قال في دلائل الصدق : ويشهد لكون الإمامة من اصول الدين أنّ منزلة الإمام كالنبيّ في حفظ الشرع ووجوب اتباعه والحاجة إليه ورئاسته العامّة بلا فرق ، وقد وافقنا على أنّها أصل من اصول الدين جماعة من مخالفينا كالقاضي البيضاوي في مبحث الأخبار ، وجمع من شارحي كلامه ، كما حكاه عنهم السيد السعيد رحمه‌الله (١).

نعم لو كانت الإمامة بمعنى خصوص الزعامة الاجتماعيّة والسياسية ، فالإنصاف أنّها من فروع الدين كسائر الواجبات الشرعيّة من الصوم والصلاة وغيرها ، لا من اصولها ، فما ذهب إليه جماعة من المخالفين من كون الإمامة من اصول الدين مع ذهابهم إلى أنّ الإمامة بمعنى الزعامة الاجتماعية والسياسية منظور فيه.

وإليه أشار الاستاذ الشهيد المطهري ـ قدس‌سره ـ حيث قال : إن كانت مسألة الإمامة في هذا الحد يعني الزعامة السياسيّة للمسلمين بعد النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فالانصاف أنّا معاشر الشيعة جعلنا الإمامة من أجزاء فروع الدين لا اصوله ونقول : إنّ هذه المسألة مسألة فرعية كالصلاة ، ولكن الشيعة الّتي تقول بالإمامة لا يكتفون في معنى الإمامة بهذا الحد (٢).

ثم إنّه يمكن الاستدلال لذلك مضافا إلى ما ذكر بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٣) فإنّ الآية بعد كونها نازلة في الإمامة والولاية عند أواخر حياة الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ دلّت على أنّها أصل من اصول الدين ، إذ الإمامة على ما تدل عليه الآية المباركة أمر لو لم يكن كان كأن لم يكن شيء من الرسالة والنبوة ، فهذه تنادي بأعلى صوت أنّ الإمامة من الأجزاء الرئيسية الحياتية للرسالة والنبوة ، فكيف

__________________

(١) دلائل الصدق : ج ٢ ص ٨.

(٢) امامت ورهبرى : ص ٥٠ ـ ٥١.

(٣) المائدة : ٦٧.

١٦

لا تكون من اصول الدين وأساسه؟

وأيضا يمكن الاستدلال بقوله تعالى في سورة المائدة التي تكون آخر سورة نزلت على النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١) فإنّ الآية كما نصّت عليه الروايات نزلت في الإمامة والولاية لعليّ ـ عليه‌السلام ـ ويؤيده عدم صلاحية شيء آخر عند نزولها لهذا التأكيد فالآية جعلت الإمامة مكملة للدين ومتممة للنعمة ، فما يكون من مكملات الدين ومتمماته كيف لا يكون من اصول الدين وأساسه؟

هذا مضافا إلى النبويّ المستفيض عن الفريقين أنّه قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية (٢) ، وهذا الحديث يدل على أنّ معرفة الإمام إن حصلت ثبت الدين ، وإلّا فلا دين له إلّا دين جاهلي.

وفي خبر آخر عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : من مات ولم يعرف إمام زمانه فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا (٣). وهو يدل على أنّ معرفة الإمامة إن حصلت ثبت الإسلام وإلّا فلا اسلام له ، وكيف كان فإذا كان مفاد الحديث أنّ معرفة الإمامة من مقومات الدين أو الإسلام فكيف لا تكون داخلة في اصول الدين وأساسه (٤)؟ هذا مع الغمض عن الأحاديث الكثيرة

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) موسوعة الإمام المهدي : ص ٩ ، دلائل الصدق : ج ٢ ص ٦ ، الغدير : ج ١٠ ص ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ونحوه في مسند الإمام الكاظم : ج ١ ص ٣٥٥ وغيرها من الجوامع.

(٣) معرفت امام : ص ٦ نقلا عن رسالة المسائل الخمسون للفخر الرازي المطبوعة في ضمن كتاب مجموعة الرسائل بمصر سنة ١٣٢٨ وهذا الحديث مذكور في ص ٣٨٤.

(٤) راجع دلائل الصدق : ج ٢ ص ٤٠.

١٧

المرويّة في جوامعنا الّتي تؤيد هذا المضمون فراجع (١).

ولقد أفاد وأجاد المحقق اللاهيجي ـ قدس‌سره ـ بعد نقل كلام شارح المقاصد الّذي قال : إنّ مباحث الإمامة أليق بعلم الفروع ، حيث قال : إنّ جمهور الإمامية اعتقدوا بأن الإمامة من اصول الدين لأنّهم علموا أنّ بقاء الدين والشريعة موقوف على وجود الإمام كما أنّ حدوث الشريعة موقوف على وجود النبيّ فحاجة الدين إلى الامام بمنزلة حاجته إلى النبيّ (٢).

فإذا ثبت أنّ الإمامة أصل من اصول الدين فاللازم فيه هو تحصيل العلم ، ولا يكفي فيه التقليد الّذي لا يفيد إلّا الظن لما عرفت من أنّ احتمال الضرر لا يدفع بسلوك الطريق الظنّي كما لا يخفى.

ثم إنّ معنى كون الإمامة من الاصول هو وجوب الاعتقاد والتدين بوجود الإمام المنصوب من الله تعالى في كل عصر بعد النبيّ وخاتميته ، كما أنّ معنى كونها من الفروع هو وجوب نصب أحد للرئاسة والزعامة والانقياد له ، فيما إذا لم ينصبه بعد النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فيقع الكلام في كيفية النصب المذكور أنّه باختيار بعض آحاد الامة ، أو باختيار جميعهم ، أو باختيار أكثرهم ، أو غير ذلك؟

وأما بناء على كونها من الاصول فلا يبقى لهذا الكلام مجال ، كما لا مجال له في وجود النبيّ كما لا يخفى ، ثم إنّ الإمامة ـ إذا كانت الإمامة أصلا من اصول الدين ـ يلزم من فقدها اختلال الدين ، ولكن مقتضى الأدلة التعبدية هو كفاية الشهادتين في إجراء الأحكام الإسلامية في المجتمع الإسلامي ، في ظاهر الحال ، ولا منافاة بينهما فلا تغفل (٣)

__________________

(١) امامت ورهبرى : ص ٥٨ ـ ٦٣ ، وإحقاق الحق : ج ٢ ص ٢٩٤ ـ ٣٠٠.

(٢) گوهر مراد : ص ٣٣٣.

(٣) راجع المكاسب المحرمة للشيخ الاعظم الانصاري : مسألة الغيبة ص ٤٠ طبع تبريز.

١٨

ولما ذكر يظهر وجه تسمية الإمامة والعدل باصول المذهب فإنّ معناه بعد ما عرفت من كفاية الشهادتين تعبدا في ترتب أحكام الإسلام أنّ إنكارهما يوجب الخروج عن مذهب الإمامية لا عن إجراء الأحكام الإسلامية.

المقام الخامس : في وجوب النظر في إمامة أئمتنا ـ عليهم‌السلام ـ ولا ريب في ذلك بناء على كونها أصلا من أصول الدين ، فيجب النظر فيها عقلا كسائر آحاد اصول الدين بملاك واحد ، كما مرّ في أول الشرح من وجوب دفع الضرر المحتمل ، ووجوب شكر المنعم.

وأما بناء على عدم كونها أصلا من اصول الدين كما ذهب إليه أكثر العامّة فعلى الأقل تكون الإمامة قابلة للنظر والبحث بعنوان المرجعية العلمية الإلهية ؛ لإمكان تعيين أشخاص من ناحيته تعالى لبيان الأحكام وحفظها ، فمع هذا الاحتمال يجب بحكم العقل الفحص والنظر فيه ، فإن ثبتت تلك المرجعية لآحاد من الامة فلا يعلم بفراغ الذمة من التكاليف الشرعيّة إلّا بمراجعتهم وأخذ الأحكام منهم ؛ لأنّهم حجة في بيان الأحكام لا غيرهم ، فالعقل يحكم بوجوب القطع بفراغ الذمّة من التكاليف الشرعيّة دفعا للضرر المحتمل ، وهو لا يحصل إلّا بالرجوع إلى من نقطع بفراغ الذمة باتباعه ، فالبحث والنظر عمن نكون مأمورين باتباعه واجب عقلي.

ونحن ندّعي ونعتقد أن الأئمة الاثني عشر ـ عليهم‌السلام ـ بعد نبينا محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ هم خلفاء الله في أرضه وأمناؤه على أحكامه ، فلو لم تثبت ولايتهم المعنوية وزعامتهم السياسيّة والاجتماعيّة لإخواننا المسلمين ، فلم لم يتفحصوا ولم ينظروا حتّى يأخذوا بآثارهم مع أن مرجعيتهم العلميّة ثابتة بالروايات المتواترة بين الفريقين.

منها : الحديث المعروف بحديث الثقلين المجمع عليه بين الفريقين ، المروي في الكتب المعتبرة عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنّه قال في مواضع متعددة

١٩

وحتّى في الخطبة الأخيرة منه : «أيّها الناس ، إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا فإنّ اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» (١) فكما أنّ القرآن بنصّ الحديث حجة ، كذلك العترة فآراؤهم وأقوالهم حجة بنفسها ، فعلى إخواننا المسلمين الفحص والنظر عن المرجعيّة العلميّة للأئمة الاثني عشر التي اعتقد بها الشيعة ، ولا يجوز بحكم العقل عدم التوجه إلى هذه المرجعية على الأقل ، إذ مع احتمالها لا يكفي في الامتثال العمل بغير طريقة الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ كما لا يخفى.

هذا مضافا إلى أنّ أئمتنا ـ عليهم‌السلام ـ هم الذين كانوا وارثين لعلم الرسول ومخزن علمه فعلى إخواننا المسلمين أن يأخذوا وظائفهم الشرعية عن طريق ائمتنا ـ عليهم‌السلام ـ ولقد أفاد وأجاد السيد المحقق المتتبع المرجع الديني آية الله العظمى البروجردي ـ قدس‌سره ـ حيث قال في مقدمة جامع أحاديث الشيعة ـ بعد نقل روايات تدل على أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أملى كل حلال وحرام لعلي ـ عليه‌السلام ـ فكتبه بيده وبقي عند الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ : وقد يظهر من هذه الاحاديث امور :

الأول : أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لم يترك الامة بعده سدى مهملة بلا إمام هاد وبيان شاف ، بل عيّن لهم أئمة هداة دعاة سادة قادة حفاظا ، وبيّن لهم المعارف الإلهية والفرائض الدينية ، والسنن والآداب ، والحلال والحرام ، والحكم والآثار ، وجميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش ، ولم يأذن ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لأحد أن يحكم أو يفتي بالرأي والنظر والقياس ، لعدم كون موضوع من الموضوعات أو أمر من الامور خاليا عن الحكم الثابت له

__________________

(١) راجع جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٩ الطبع الثاني نقلا عن ينابيع المودة ص ١١٤ ط اسلامبول سنة ١٣٠١ وغيره.

٢٠