بحوث في مباني علم الرجال

محمّد صالح التبريزي

بحوث في مباني علم الرجال

المؤلف:

محمّد صالح التبريزي


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-6642-97-7
الصفحات: ٣٤٣

لأنّ الروايات الضعيفة ليست بمعنى المدسوسة والمدلّسة وغير الصادرة عنهم عليهم‌السلام وكم هو الفارق بينهما ، وإن اشتبه ذلك على كثير من المبتدءين ، حيث أنّ المدسوس والمدلّس هو ما يحكم بوضعه وتزويره بقرائن شاهدة على ذلك ، بخلاف الرواية الضعيفة أو المجهولة السند أو المرسلة أو المرفوعة أو المقطوعة أو الحسنة أو القويّة ، فإنّ المراد من ضعفها عدم واجديّتها في نفسها لشرائط الحجّية ، لا أنّها موضوعة فلربّما كانت صادرة ومضمونها حقّ وإن لم نحتجّ بها ، كما أنّ للخبر الضعيف حكمين آخرين غير الحجّية يشترك فيهما مع الخبر الصحيح المعتبر : ـ

أوّلهما : حرمة الردّ الثابتة بروايات متواترة ، وموضوعها كلّ رواية لم يُعلم ولم يُقطع بوضعها ولا تناقضها مع ضروريات الكتاب والسنة ، وهذه الحرمة المسلّمة بين علماء الإمامية موضوعها كلّ من الخبر الصحيح والضعيف.

ثانيها : تشكّل وتولّد وتكوّن الخبر المستفيض والمتواتر من كلّ من الخبر الصحيح أو الضعيف ، حيث إنّ النسبة الاحتماليّة المتصاعدة بالصدور بالعامل الكمّي والكيفي في نظرية الاحتمالات الرياضية البرهانية تتصاعد بهذين العاملين إلى أن يصبح مستفيضاً أو متواتراً ، لا سيّما بعد ما نبّه عليه الآخوند من تقسيم التواتر والمستفيض إلى المتواتر والمستفيض اللفظي والمعنوي والإجمالي ، وأدناها درجةً هو الإجمالي وهو حاصل في غالب الأبواب.

فمن ثمّ من الخطورة بمكان تضييع التراث الروائي الديني عنهم عليهم‌السلام بالغفلة والجهالة عن هذين الحكمين (١).

__________________

(١) نظير ما ألّف من كتاب (الصحيح من الكافي).

٤١

والحال أنّ التواتر والمستفيض على درجة من الأهميّة الكبيرة التي لا تقارن بآحاد الأخبار الصحاح من الحجّة المنفردة ، إذ المتواتر والمستفيض مدرك قطعي ومن بيّنات الدين الحنيف فكيف يُستهان ويُغفل عن منابع تولّده.

ونظير هذه الغفلة ما يطلقه بعض الأجلّة حول كتاب مستدرك الوسائل ، أو غيرها من المجاميع الروائية لمصادر الأدلّة الشرعية أو ما يطلقه بعض المبتدءين حول كتاب بحار الأنوار ، فإنّ في هذه المجاميع كثيراً من الطرق الصحيحة والمتعاضدة لحصول الوثوق بالصدور ، ومن الغريب أيضاً ما يُشاهد عن بعضهم من استعراض العديد من الروايات التي قد تصل أحياناً إلى الثمانية المختلفة في درجات الضعف أو المأخوذة من مصادر معتبرة ، حيث يطرحها سنداً مع أنّ الوثوق بالصدور الحاصل منها بسبب العامل الكيفي كأن تكون الطرق مختلفة من حيث المدرسة الروائية حيث إنّ في بعضها سلسلة من الرواة القميين وأخرى البصريين وثالثة البغداديين ورابعة الكوفيين ممّا يبعّد تواطئهم على أمر واحد ، مضافاً إلى العامل الكمّي مع أنّه أكبر درجة في الوثوق من الخبر الصحيح الأعلائي.

إضافة إلى أنّ جلّ ومعظم أبواب بحار الأنوار لا يقلّ عدد روايات كلّ باب منه عن حدّ الاستفاضة ، هذا فضلاً عن كثرة وجود الصحاح والموثّق والمعتبر فيه.

وبالجملة : فالالتفات إلى هذه القاعدة من علم الدراية وهي كيفيّة نشوء المستفيض والمتواتر وكيفيّة اجتماع وتظافر القرائن لحصول الوثوق بالصدور في الخبر مع الالتفات إلى الاختلاف في درجات الضعف عاصم عن مثل هذه الورطات العلمية.

فمثلاً : إنّ الإرسال في الخبر المرسل على درجات ، إذ قد يكون الإرسال فيه في طبقة واحدة وقد يكون في طبقات عديدة وقد يكون المرسل من كبار الرواة

٤٢

(كجميل بن درّاج) ، وهكذا الحال في لفظ الإرسال ، فنرى الاختلاف فيه كما في التعبير تارة : (عن بعض أصحابنا) ، وأخرى : (عمّن ذكره) ، وثالثة : (عن رجاله) ، ورابعة : (عن رجل) ، فإنّ بينها اختلافاً في درجة احتمال الصدور.

ومثلاً الرجل الضعيف تختلف درجات ضعفه ، فتارة هو ممدوح غير مطعون عليه أو له كتاب أو قد روى عنه الأجلّاء أو إنّ له رواياتاً كثيرة أو إنّه شيخ إجازة ، وأخرى يكون مهملاً أو مجهولاً أو موصوفاً بالكذب أو طعن عليه بالغلوّ فقط أو طعن عليه بالتخليط وعدم الضبط وعدم التثبّت أي إنّه ثقة في نفسه إلّا أنّ ضعفه من جهة أخرى ، فإنّ كلّ ذلك تختلف معه درجات احتمال الصدور ، أي إنّ منشأ الضعف تارة يرجع إلى صدق اللهجة من حيث العمد وأخرى من جهة عدم الاشتباه والضبط ، كما ذكروا ذلك في أنّ حجّية الخبر من حيث الصدور يجب أن يؤمّن اعتبار الصدور من جنبتين : عدم العمد إلى الكذب وعدم الاشتباه. أو كما أنّه يمكن أن يكون في سلسلة السند عدّة مجاهيل أو مجهول واحد فقط ، كما أنّ الرواية الضعيفة قد تكون منفردة بمضمونها في الباب وقد تكون متعاضدة في أبعاض مضامينها بروايات أخرى معتبرة.

إلى غير ذلك ممّا يتنوّع ويختلف درجات الضعف في الرواية ممّا تكون مقاربة ومشارفة للاعتبار أو تكون بعيدة عنه ؛ فإنّ مثل هذه التقسيمات الروائيّة والدرائية للحديث مع الالتفات إلى صغرياتها في الأبواب أمر بالغ الأهميّة في تحديد العامل الكمّي والكيفي للوثوق بالصدور أو الاستفاضة والتواتر.

٤٣

دعوى الثالثة

وهي دعوى الميرزا النوري وتابعه عليها الميرزا النائيني ٠ ، حيث قال في خاتمة المستدرك في الفائدة الرابعة (١) :

«وكتاب الكافي ..... امتاز عنها ـ الكتب الأربعة ـ بأمور إذا تامّل فيها المنصف يستغني عن ملاحظة حال آحاد رجال سند الأحاديث المودعة فيه وتورثه الوثوق ويحصل له الاطمئنان بصدورها وثبوتها وصحّتها بالمعنى المعروف عند الأقدمين ـ مطلق المعتبر ـ :

الأوّل : ما ذكر في مقام مدحه تصريحاً أو تلويحاً ، ثمّ ذكر عبارات المفيد والمحقّق الكركي ووالد الشيخ البهائي والمجلسي والأسترابادي والشيخ حسن الدمستاني.

الثاني : ما ذكره عن السيّد ابن طاوس في كشف المحجّة (٢) من كون الكليني في حياة النواب الأربعة أي في الغيبة الصغرى وكان مقيماً في بغداد في النصف الثاني من عمره «فتصانيف هذا الشيخ ـ محمّد بن يعقوب ـ ورواياته في زمن الوكلاء المذكورين في وقت يجد طريقاً إلى تحقيق منقولاته وتصديق مصنّفاته».

ثمّ ذكر الميرزا النوري إنّه من المطمئنّ به عرض الكتاب على أحدهم وإمضائه حيث كان وجهاً وعيناً ومرجعاً للطائفة ؛ مع اعترافه بأنّ الخبر الشائع من عرض الكتاب على الحجّة عليه‌السلام وقوله : «إنّ هذا كافٍ لشيعتنا» لا أصل له ولا أثر ، وصرّح المحدّث الأسترابادي بعدمه ، مع أنّ الأخير يبني على كون أحاديث كتاب الكافي

__________________

(١) خاتمة المستدرك ٣ / ٤٦٣ ، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) كشف المحجّة / ١٥٩.

٤٤

قطعيّة كما هو الحال في مكاتيب الحميري للناحية المقدّسة عبر النوّاب الأربعة.

وكما في عرض كتاب الشلمغاني ـ ابن أبي عزاقر ـ على النائب الثالث (١).

الثالث : قول النجاشي في حقّه رحمه‌الله : «إنّه أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنّف الكتاب المعروف بالكليني يسمّى الكافي في عشرين سنة» (٢) ثمّ ذكر أنّ هذا التوثيق يفوق توثيق العديد من كبار الرواة وأصحاب الكتب ، فلا يتمّ إطلاق تلك العبارة إلّا باعتبار سند أحاديث كتبه. ثمّ ذكر عبارة الشيخ المفيد بأنّه أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة.

الرابع : شهادته قدس‌سره بصحّة أخباره في خطبة الكتاب ، ثمّ ذكر أنّ المراد عن صحّة الحديث عند القدماء هي ليست الصحّة عند المتأخّرين ، بل المراد منها الخبر المعتبر بكافّة أقسامه ، كما ذكر ذلك الشيخ بهاء الدين في كتاب مشرق الشمسين.

ثمّ استعرض النوري عدّة من الشبهات في قبال دعواه وأجاب عنها (٣).

الجواب على هذه الدعوى

أمّا الأمر الأوّل الذي عنونه فإنّه هناك فرق بيّن ، بين وثاقة الكتاب ووثاقة مشايخ صاحب الكتاب والكتب الذي اعتمد عليها الكتاب كمأخذ ومنبع له ، وبين اعتبار كلّ الطرق الموجودة فيه إلى المعصوم عليه‌السلام.

وبعبارة أخرى : إنّ هناك فرقاً واضحاً بين اعتبار الكتاب في مقابل الدسّ

__________________

(١) الغيبة / الشيخ الطوسي / ٢٥١.

(٢) رجال النجاشي ٣٧٧ / ١٠٢٦.

(٣) خاتمة المستدرك ٣ / ٤٨٥ ـ ٥٠٥.

٤٥

والوضع وبين اعتبار طرق الكتاب في مقابل ضعف تلك الطرق ، وكم وقع الخلط بينهما ، نظير ما سيأتي في عبارة كامل الزيارات وعبارة علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ، ونظير تعبير الكليني نفسه في ديباجته وكذا الفقيه والتهذيب في ديباجتهما ، إذ ديدن أصحاب الكتب الأجلّاء في تدوينهم لها هو اعتماد المصادر والأصول التي ليس فيها شبهة الوضع والدسّ ، بل موثّق انتسابها لأصحابها ، والسبب في هذه الظاهرة العلمية لديهم ، هو أنّ تلك الفترة كانت فترة تشدّد في تصفية الحديث وتنقيته عن الكتب المخلّطة والأحاديث الموضوعة والمدسوسة ، كما هو معروف من المدرسة القمّية بإسقاطها اعتبار أيّ محدّث يروي عن غير المأمونين من الدسّ والوضع ، مهما بلغ مقامه العلمي وجلالته ، وهذه الحالة نشأت تحفّظاً عن التسيّب في نقل الحديث واندساس الكذّابة والوضّاعة في طرق الحديث ، إلى غير ذلك من قرائن وشرائط تجنّب المدسوس والموضوع ، وهذا الباب غير باب اعتبار الطريق مقابل ضعفه.

كما قد نبّهنا إلى التفرقة بين الضعيف بأقسامه وبين المدسوس والموضوع والمجعول فكذلك فرق بين الخبر الصحيح ـ أي المعتبر بأقسامه ـ مع الضعيف بأقسامه ، فبين الأقسام الثلاثة تعدّد ، فتارة تقام الشواهد على نفي القسم الثالث وأخرى تقام الشواهد على نفي القسم الثاني ، نظير ما ذكرناه في الجواب الرابع عن دعوى أصحابنا الأخباريّين من وجود العلم التفصيلي بقرائن وشواهد عديدة على تمحيص وغربلة الأخبار ؛ فإنّ مؤدّى هذا العلم هو نفي القسم الثالث لا نفي القسم الثاني ، ومن ثمّ اقتصرنا في مؤدّاه على حلّ دعوى العلم الإجمالي بوجود القسم الثالث.

والحاصل : إنّ لدى المحدّثين والرجاليّين نمطين من الاعتبار والصحّة

٤٦

لا يخفيان على مثل المحدّث الميرزا النوري.

وأمّا الجواب على الأمر الثاني ، فقد نقل الميرزا النوري نفسه عن العلّامة المجلسي في مرآة العقول ما لفظه : «وأمّا جزم بعض المجازفين بكون جميع الكافي معروضاً على القائم عجّل الله فرجه لكونه في بلد السفراء ، فلا يخفى ما فيه ، نعم عدم انكار القائم عجّل الله فرجه وآبائه في أمثاله في تأليفاتهم ورواياتهم ممّا يورث الظن المتاخم للعلم بكونهم عليهم‌السلام راضيين بفعلهم ومجوّزين للعمل بأخبارهم» (١).

ووجه ضعف هذا الأمر الثاني هو أنّه كان نصب النوّاب الأربعة من الناحية المقدّسة في الأمور التنفيذيّة من قبض مال الصاحب عجّل الله فرجه ورفع الأسئلة في وقائع الحوادث المستجدّة وارتباط الطائفة بالأصل ونحو ذلك ، ولم يكن ديدنهم عرض ما يرويه الرواة عن آبائه عليهم‌السلام عليه عجّل الله فرجه حتّى إنّ في كثير من الأسئلة الموجّهة للناحية المقدّسة يجيبهم عجّل الله فرجه بالرجوع إلى كتب الروايات عن آبائه تعليماً للطائفة على هذا النهج ، حتّى في مثل مكاتبات الحميري التي استشهد بها المحدّث النوري فإنّ في كثير منها يرجعه إلى موازين معالجة تعارض الروايات المرويّة عن آبائه عليهم‌السلام تعليماً للطائفة بالرجوع إلى روايات الرواة عن الأئمّة الماضين عليهم‌السلام بأعمال موازين الحجّية وعدم التوقّف والحيرة ، بل إنّ ذلك كان ديدن النوّاب الأربعة أنفسهم ، حيث يذكر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة (٢) إنّ النائب الثالث الحسين بن روح قد ألّف كتاباً جمع فيه روايات عن

__________________

(١) مرآة العقول ١ / ٢٢.

(٢) الغيبة / ٣٩٠ ، طبعة مؤسسة المعارف.

قال : «أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضى الله عنه كتاب التأديب إلى (قم) وكتب إلى جماعة

٤٧

الرواة عن الأئمّة الماضين عليهم‌السلام ثمّ عرض ذلك الكتاب على محدّثي وفقهاء قم ومنهم علي بن بابويه فصحّحوا له روايات كتابه عدا ما رواه في القدر الواجب في زكاة الفطرة ، فإنّه خلاف مسلّمات المذهب.

وكذا ما ذكره الشيخ (١) عن النائب الأوّل والثاني من تأليفهما لكتاب جمعا فيه ما روياه عن الإمامين العسكريين عليهما‌السلام ، وما روياه عن الرواة عن الأئمّة الماضين ، وورثته بنتهما العالمة الجليلة وقد تلقّت الطائفة هذا الكتاب كبقيّة الكتب الروائية من النظر إلى أسانيده وغير ذلك ؛ فإذا كان الحال في النوّاب الأربعة ذلك فكيف بغيرهم!

والحاصل : انّه كان ديدن الناحية المقدّسة عجّل الله فرجه بل وكان ديدن الأئمّة الماضين عليهم‌السلام ذلك ، إذ هي الطريقة المألوفة ، فهل يتوهّم أنّ ما ألّف من كتب روائيّة في عهد الصادقين أو الكاظمين والرضا والعسكريين عليهم‌السلام إنّه قد عُرضت جميع تلك الكتب عليهم وصحّحت جميع طرقها ، مع أنّ عهدهم كان عهد الحضور والتقيّة فيه ، دون التقيّة في زمن الغيبة الصغرى.

وأمّا الجواب عن الأمر الثالث ، فإنّ أوثقيّة الكليني وأثبتيّته حتّى سُمّي بثقة الإسلام لا تعني إلّا الإعتبار لنفي الدسّ والوضع عن كتابه وعن المنابع والمآخذ التي استند إليها ، لا إنّها تعني توفّر الكليني رحمه‌الله على ما يرفع الإرسال أو القطع أو المجهولية في سلسلة الطرق التي قد تكون في روايات كتابه ، إذ قد ذكرنا أنّ ذكر

__________________

ل لا الفقهاء بها ، وقال لهم : انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شيئاً يخالفكم ، فكتبوا إليه : انّه كلّه صحيح ، وما فيه شيء يخالف إلّا قوله في الصاع : في الفطرة نصف صاع من طعام ، والطعام عندنا مثل الشعير من كلّ واحد صاع».

(١). الغيبة / ٣٦٣.

٤٨

أصحاب الكتب الأربعة وغيرهم لصورة أسانيد الروايات هي لكون السند ميزان اعتبار الرواية وأنّه ليس ورائه ميزان آخر وإلّا لذكروه لكون غرضهم ذكر ما يوجب اعتبار ما يروونه.

ويكفي ـ مثلاً ـ في المقام ما ذكر في أصحاب الإجماع ـ الطبقات الثلاث ـ فإنّه حكى كلّ من الكشّي والشيخ إجماع الطائفة على تصحيح ما يصحّ عنهم وهم أقرب عهد بصدور الروايات وهم مشيخة أصحاب الكتب التي روى عنها الكليني ومع ذلك سيأتي أنّ الإجماع المزبور في حقّهم إنّما هو بمعنى وثاقتهم وتحفظهم عن رواية المدسوس والموضوع ، وأنّ ديدنهم كان على التثبّت وتنقيد صدور الروايات لا بمعنى صحّة الطريق بينهم وبين المعصوم ممّا يتوسط من الرواة الآخرين.

وأمّا الجواب على الأمر الرابع ، فيتّضح الجواب عنه بما ذكرناه في الجواب عن الأوّل فتدبّره فإنّه نافع في مقامات كثيرة

دعوى رابعة

اعتبار طرق المشيخة المشهورين ومقتضاها التفصيل في اعتبار طرق روايات الكتب الأربعة ، وذلك بالتفصيل في تلك الطرق بين طرق أصحاب الكتب الأربعة إلى الكتب المشهورة ـ طرقهم إلى كتب المشيخة ـ وبين طرق أصحاب كتب المشيخة إلى المعصوم وكذا الحال في طرق من أتى بعد أصحاب الكتب الأربعة من القدماء كالراوندي وابن إدريس وابن شهرآشوب بالنسبة إلى طرقهم إلى الكتب المشهورة ، فيترتّب على هذه الدعوى لو تمّت حصر الحاجة لعلم الرجال وتمحيص السند في قطعة منه من صاحب الكتاب المشهور في ما يرويه بسلسلة معنعنة عن الإمام عليه‌السلام أو في الفوائد الاخرى التي ذكرت آنفاً من حفظ التراث وتحصيل التواتر والمستفيض وغير ذلك.

٤٩

وقد تبنّى هذه الدعوى العلّامة المجلسي رحمه‌الله في كتاب الأربعين (١) في شرح الحديث الخامس والثلاثين عند كلامه في تحقيق سند الحديث ، الذي رواه الكليني الذي وقع فيه محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير حيث قال :

«وكُتُب ابن أبي عمير كانت أشهر عند المحدّثين من اصولنا الأربعة (٢) عندنا ، بل كانت الاصول المعتبرة الأربعمائة عندهم أظهر من الشمس في رابعة النهار ، فكما إنّا لا نحتاج إلى سند لهذه الأصول الأربعة وإذا أوردنا سنداً فليس إلّا للتيمّن والتبرّك والاقتداء بسنّة السلف وربّما لم ينال [ينل] بذكر سند فيه ضعف أو جهالة لذلك فكذا هؤلاء الأكابر من المؤلّفين ، لذلك كانوا يكتفون بذكر سند واحد إلى الكتب المشهورة وإن كان فيه ضعف أو مجهول. وهذا باب واسع شاف نافع إن أتيتَها يظهر لك صحّة كثير من الأخبار التي وصفها القوم بالضعف.

ولنا على ذلك شواهد كثيرة لا يظهر على غيرنا إلّا بممارسة الأخبار وتتبّع سيرة قدماء علمائنا الأخيار ولنذكر هنا بعض تلك الشواهد ينتفع بها من لم يسلك مسلك المتعسّف المعاند.

الأوّل : إنّك ترى الكليني رحمه‌الله يذكر سنداً متّصلاً إلى ابن محبوب أو إلى ابن أبي عمير أو إلى غيره من أصحاب الكتب المشهورة ثمّ يبتدئ بابن محبوب مثلاً ويترك ما تقدّمه من السند وليس ذلك إلّا لأنّه أخذ الخبر من كتابه فيكتفي بإيراد السند مرّة واحدة فيظنّ من لا دراية له في الحديث أنّ الخبر مرسل.

__________________

(١). كتاب الأربعين / ٥٠٩ ـ ٥١٤.

(٢) اي الكتب الأربعة.

٥٠

الثاني : إنّك ترى الكليني والشيخ وغيرهما يروون خبراً واحداً في موضعين ويذكرون سنداً إلى صاحب الكتاب ثمّ يوردون هذا الخبر بعينه في موضع آخر بسند آخر إلى صاحب الكتاب أو يضمّ سنداً أو أسانيد غيره إليه ، وتراهم لهم أسانيد صحاح في خبر يذكرونها في موضع ، ثمّ يكتفون بذكر سند ضعيف في موضع آخر ولم يكن ذلك إلّا لعدم اعتنائهم بإيراد تلك الأسانيد لاشتهار هذه الكتب عندهم.

الثالث : إنّك ترى الصدوق رحمه‌الله مع كونه متأخّراً عن الكليني رحمه‌الله أخذ الأخبار في الفقيه عن الأصول المعتمدة واكتفى بذكر الأسانيد في الفهرست وذكر لكلّ كتاب أسانيد صحيحة ومعتبرة ، ولو كان ذكر الخبر مع سنده لاكتفى بسند واحد اختصاراً ولذا صار الفقيه متضمّناً للصحاح أكثر من سائر الكتب.

والعجب ممّن تأخّره كيف لم يقتف أثره لتكثير الفائدة وقلّة حجم الكتاب فظهر أنّهم كانوا يأخذون الأخبار من الكتب وكانت الكتب عندهم معروفة مشهورة متواترة.

الرابع : إنّك ترى الشيخ رحمه‌الله إذا اضطرّ في الجمع بين الأخبار إلى القدح في سند ، لا يقدح في من هو قبل صاحب الكتاب من مشايخ الإجازة ، بل يقدح إمّا في صاحب الكتاب أو في من بعده من الرواة ، كعلي بن حديد وأضرابه ، مع أنّه في الرجال ضعّف جماعة ممّن يقعون في أوائل الأسانيد.

الخامس : إنّك ترى جماعة من القدماء والمتوسّطين يصفون خبراً بالصحّة مع اشتماله على جماعة لم يوثّقوا ، فغفل المتأخّرون عن ذلك واعترضوا عليهم كأحمد بن محمّد بن الوليد وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار والحسين بن الحسن بن أبان وأضرابهم ، وليس ذلك إلّا لما ذكرنا.

٥١

السادس : إنّ الشيخ (قدّس الله روحه) فعل مثل ما فعل الصدوق ، لكن لم يترك الأسانيد طرّاً في كتبه ، فاشتبه الأمر على المتأخّرين ، لأنّ الشيخ عمل لذلك كتاب الفهرست وذكر فيه أسماء المحدّثين والرواة من الإماميّة وكتبهم وطرقه إليهم وذكر قليلاً من ذلك في مختتم كتابي التهذيب والاستبصار ؛ فإذا أورد رواية ظهر على المتتبّع الممارس أنّه أخذه من شيء من تلك الأصول المعتبرة وكان للشيخ في الفهرست إليه سند صحيح ، فالخبر صحيح مع صحّة سند الكتاب إلى الإمام وإن اكتفى الشيخ عند إيراد الخبر بسند فيه ضعف.

السابع : إنّ الشيخ رحمه‌الله ذكر في الفهرست عند ترجمة محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ما هذا لفظه : «له نحو من ثلاثمائة مصنّف ... أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة من أصحابنا ؛ منهم الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان ، وأبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري ، وأبو الحسين بن جعفر بن الحسن بن حسكة القمي ، وأبو زكريّا محمّد بن سليمان الحمراني كلّهم عنه» (١) انتهى.

فظهر أنّ الشيخ روى جميع مرويّات الصدوق (نوّر الله ضريحهما) بتلك الأسانيد الصحيحة ، فكلّما روى الشيخ خبراً من بعض الأصول التي ذكرها الصدوق في فهرسته ، بسند صحيح ، فسنده إلى هذا الأصل صحيح وإن لم يذكر في الفهرست سنداً صحيحاً إليه ، وهذا أيضاً باب غامض دقيق ينفع في الأخبار التي لم تصل إلينا من مؤلّفات الصدوق رحمه‌الله.

فاذا أحطت خُبراً بما ذكرنا لك من غوامض أسرار الأخبار وإن كان ما تركنا

__________________

(١) الفهرست / ٤٤٣ و ٤٤٤ ، الرقم ٧١٠.

٥٢

أكثر ممّا أوردنا وأصغيت إليه بسمع اليقين ونسيت تعسّفات المتعصّبين وتأويلات المتكلّفين لا أظنّك ترتاب في حقّية هذا الباب ولا تحتاج بعد ذلك إلى تكلّفات الأخباريّين في تصحيح الأخبار والله الموفّق للخير والصواب ، ولنا في تصحيح الأخبار طرق لا تتّسع تلك الرسالة لإيرادها وعسى أن تقرع سمعك في عوض تلك الرسالة بعضها.

وتابعه المحقّق القمي في القوانين (١) ، بعد أن نقل عبارته بطولها لما فيها من النكات والفوائد الجمّة.

وذكر قريباً من هذا المضمون صاحب الوسائل في الخاتمة في الفائدة الرابعة «في ذكر الكتب المعتمدة التي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب ، وشهد بصحّتها مؤلّفوها وغيرهم وقامت القرائن على ثبوتها وتواترت عن مؤلّفيها أو علمت صحّة نسبتها إليهم بحيث لم يبق فيها شك ولا ريب كوجودها بخطوط أكابر العلماء وتكرّر ذكرها في مصنّفاتهم وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة أو نقلها بخبر واحد محفوف بقرينة وغير ذلك ـ ثمّ عدّد أسماء الكتب ابتداءً من الكتب الأربعة إلى ستّ وتسعين كتاباً وغيرها من الكتب ـ قال : وأمّا ما نقلوا منه ولم يصرّحوا باسمه فكثير جدّاً مذكور في كتب الرجال يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب على ما ضبطناه» (٢).

ثمّ قال في الفائدة الخامسة : «في بيان بعض الطرق التي يروي بها الكتب المذكورة عن مؤلّفيها وإنّما ذكرنا ذلك تيمّناً وتبرّكاً باتصال السلسلة بأصحاب

__________________

(١). القوانين : ج ٢ ، باب التعادل والتراجيح.

(٢) خاتمة الوسائل / ١٥٣ و ١٦٥.

٥٣

العصمة عليهم‌السلام لا لتوقّف العمل عليه لتواتر تلك الكتب وقيام القرائن على صحّتها وثبوتها كما يأتي» (١).

وقال في الفائدة السادسة : «في ذكر شهادة جمع كثير من علمائنا بصحّة الكتب المذكورة وأمثالها وتواترها وثبوتها عن مؤلّفيها وثبوت أحاديثها عن أهل العصمة عليهم‌السلام» (٢) ثمّ ذكر ما في ديباجة الفقيه من أنّه حذف الأسانيد لكي لا تكثر طرقه ومن إنّ جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع وأنّ طرقه إليها معروفة في فهرست كتب خاصّ به بطرق الروايات التي رواها عن مشايخه.

ثمّ ذكر صاحب الوسائل ما في ديباجة الكافي : «من أنّ الكتاب جُمع فيه الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم‌السلام والسنن القائمة التي عليها العمل وبها تؤدّى فرائض الله وسنّة نبيّه» (٣).

واستظهر صاحب الوسائل (٤) من عبارته تلك كالعبارة المتقدّمة عن ديباجة الفقيه دعوى أخرى ـ وهي الدعوى الأولى المتقدّمة ـ غير الدعوى الرابعة التي نحن بصددها والتي كان صاحب الوسائل في صددها في صدر الفائدة الأولى والثانية والسادسة ، وإن كان الصحيح مع الالتفات إلى ما ذكرناه حول الدعوى الأولى والثالثة بعد تدبّره بإمعان ترى أنّ مراد الكليني والصدوق رحمهما‌الله هو ما ينطبق على الدعوى الرابعة وأنّهما كانا في صدد نفي قسم الموضوع والمدسوس

__________________

(١) خاتمة الوسائل / ١٦٩.

(٢) خاتمة الوسائل / ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٣) خاتمة الوسائل / ١٩٥.

(٤) المصدر المتقدّم / ١٩٦.

٥٤

من الأحاديث.

ثمّ ذكر صاحب الوسائل عبارة الشيخ في العدّة والاستبصار (١) من أنّ أحاديث كتب أصحابنا المشهورة بينهم ثلاثة أقسام :

منها : ما يكون الخبر متواتراً.

ومنها : ما يكون مقترناً بقرينة موجبة للقطع بمضمون الخبر.

ومنها : ما لا يوجد فيها هذا ولا ذاك ولكن دلّت القرائن على وجوب العمل به وهذا القسم الثالث ينقسم إلى أقسام.

منها : خبر أجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضاً.

ومنها : ما انعقد إجماعهم على صحّته وإنّ كلّ خبر عمل به في كتابي الأخبار وغيرهما لا يخلو من الأقسام الأربعة. ثمّ نقل عنه من موضع آخر أنّ كلّ حديث عمل به فهو مأخوذ من الأصول والكتب المعتمدة.

ثمّ نقل صاحب الوسائل (٢) عبارة الشيخ البهائي في مشرق الشمسين (٣) في استعراض القرائن والمعاضدات التي توجب الاعتماد والوثوق والركون إلى الحديث.

منها : وجوده في كثير من الأصول الأربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمة وكانت متداولة في تلك الأعصار مشتهرة بينهم

__________________

(١). خاتمة الوسائل / ١٩٧.

(٢) خاتمة الوسائل / ١٩٨.

(٣) مشرق الشمسين / ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

٥٥

اشتهار الشمس في رابعة النهار.

ومنها : تكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة.

ومنها وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل بن يسار أو على تصحيح ما يصحّ عنهم كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عنهم أو العمل برواياتهم كعمّار الساباطي وغيرهم ممّن عدّهم في العدّة ونقله المحقّق في بحث التراوح على نزح البئر من المعتبر.

ومنها اندراجه في أحد الكتب التي عُرضت على الأئمّة عليهم‌السلام فأثنوا على مصنّفيها.

ومنها كونه مأخوذاً من الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ككتاب عبيد الله بن علي الحلبي الذي عرضه على الصادق عليه‌السلام ، وكتابي : يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري عليه‌السلام.

ومنها كونه مأخوذاً من الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفوها من الفرقة الناجية المحقّة ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله وكتب ابني سعيد وعلي بن مهزيار ، أو من غير الإماميّة ككتاب حفص بن غياث القاضي وكتب الحسين بن عبيد الله السعدي وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.

ثمّ قال في مشرق الشمسين : «وقد جرى رئيس المحدّثين على متعارف القدماء ، فحكم بصحّة جميع أحاديثه ، وقد سلك ذلك المنوال جماعة من أعلام

٥٦

علماء الرجال لما لاح لهم من القرائن الموجبة للوثوق والاعتماد» (١).

أقول : إنّ ما ذكره الشيخ البهائي رحمه‌الله في استنتاج صحّة جميع الأحاديث المودعة في الكتب إلى المعصومين عليهم‌السلام إنّما هو منطبق على الدعوى الرابعة ، أي صحّة الطريق من أصحاب الكتب الأربعة إلى كتب المشيخة المشهورة المعروفة خاصّة ، التي استخرجوا منها روايات كتبهم لا الدعوى الأولى ، أي الصحّة إلى المعصوم عليه‌السلام كما لا يخفى ذلك على من تدبّر

مبدأ تقسيم الأحاديث

ثمّ ذكر صاحب الوسائل (٢) عنه أنّ أوّل من قرّر الاصطلاح في تقسيم الأحاديث هو العلّامة قدس‌سره مع أنّه كثيراً ما يبني العلّامة على مسلك المتقدّمين في تصحيح واعتبار الأحاديث.

أقول : سيأتي البحث مفصّلاً حول هذا الرأي للشيخ البهائي والذي تابعه عليه أكثر المتأخّرين ، وبيان أنّ هذا الاصطلاح في التقسيم كان عند القدماء في كتب الحديث والرجال والفهرست من الفقهاء أو المحدّثين أو الرواة ، وأنّ الأقسام التي لديهم تزيد بأضعاف على ما عدّده العلّامة قدس‌سره وأنّ لتلك الأقسام فوائد هامّة في كيفيّة اعتبار الطرق.

ثمّ ذكر صاحب الوسائل (٣) عن الشيخ البهائي في الوجيزة (٤) ذكر أنّ ما في

__________________

(١) مشرق الشمسين / ٢٧٠.

(٢) خاتمة الوسائل / ١٩٩.

(٣) خاتمة الوسائل / ٢٠٠.

(٤) الوجيزة / ٦ ـ ٧.

٥٧

كتاب الخاصّة من الأحاديث المرويّة عن الأئمّة عليهم‌السلام يزيد على ما في الصحاح الستّة للعامّة بكثير (١) وأنّ راوي واحد مثل أبان بن تغلب قد روى عن إمام واحد وهو الصادق عليه‌السلام ثلاثين ألف حديث ، وأنّه قد جمعت تلك الأحاديث عن الأئمّة عليهم‌السلام في أربعمائة كتاب سُميت بالاصول ، ثمّ تصدّى جماعة من المتأخّرين لجمع تلك الكتب ـ الأصول ـ وترتيبها تقليلاً للانتشار وتسهيلاً على طالبي تلك الأخبار ، فألّفوا كتباً مضبوطة مهذّبة مشتملة على الأسانيد المتّصلة بأصحاب العصمة عليهم‌السلام.

ثمّ ذكر صاحب الوسائل (٢) عن الشهيد الثاني في الدراية (٣) : إنّه قد استقرّ أمر المتقدّمين على أربعمائة مصنَّف ، لأربعمائة مصنّف ، سمّوها أصولاً فكان عليها اعتمادهم ، ثمّ تداعت الحال إلى ذهاب معظم تلك الأصول ولخّصها جماعة في

__________________

(١). قد حكى الميرزا النوري في الخاتمة في الفائدة الرابعة عن صاحب الحدائق في لؤلؤة البحرين ص ٣٩٤ : «إنّ جميع أحاديث الكافي حُصرت في ستة عشر ألف ومائة وتسعة وتسعين حديثاً ، الصحيح منها خمسة آلاف واثنان وسبعون حديث ، والحسن مائة وأربعة وأربعين ، والموثق مائة وألف وثمانية عشر حديثاً ، والقوي منها اثنان وثلاثمائة ، والضعيف منها أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثاً.

أقول : ولا يخفى القيمة العلمية للخبر الضعيف في تولّد المستفيض والمتواتر كما تقدّم بيان ذلك في تحقيق حال الدعوى الثالثة».

وحكى في الهامش عن الشهيد في الذكرى (ص ٦): «إنّ ما في الكافي يزيد على مجموع الصحاح الستّ. والظاهر انّ مراد الشهيد قدس‌سره هو الخالص من كلّ كتاب بعد حذف المكرر في الكتاب الواحد كما نبّه على ذلك في كشف الظنون ١ / ٥٤٤ ـ ٥٥٦».

(٢) خاتمة الوسائل / ٢٠١.

(٣) الدراية / ١٧.

٥٨

كتب خاصّة تقريباً على المتناول وأحسن ما جمع منها الكتب الأربعة ...

ثمّ ذكر صاحب الوسائل (١) عبارة كلّ من علي بن إبراهيم في تفسيره وجعفر بن محمّد بن قولويه في كامل الزيارات من أنّهما أخرجا في كتابيهما الأحاديث المرويّة عن الثقات عن الأئمّة عليهم‌السلام.

وذكر صاحب الوسائل أنّ أكثر أصحاب الكتب قد ذكروا في أوائل كتبهم أو أواخرها أو أثنائها نظير عبارتيهما ، ثمّ أشار إلى كلام الشيخ في العدّة بنحو ذلك (٢).

أقول : لا يخفى انطباق ما ذكره من القرائن على تصحيح الطرق إلى المشيخة والكتب لا تصحيحها إلى المعصومين عليهم‌السلام.

ثمّ ذكر صاحب الوسائل عن عدّة من المتأخّرين بناءهم على تصحيح الطريق لأجل تلك القرائن ، ثمّ ذكر عن المفيد في الإرشاد (٣) : إنّ الرواة عن الصادق عليه‌السلام أربعة آلاف وكذا ابن شهرآشوب في المناقب (٤) عن ابن عقدة ، وكذا المحقّق الحلّي في المعتبر (٥) ، حيث ذكر ذلك وذكر أسماء أكثرهم شهرة ، ثمّ ذكر تلامذة الإمام الجواد عليه‌السلام المصنّفين منهم ، ثمّ قال : وغيرهم ممّن يطول تعدادهم وكتبهم ـ الآن ـ منقولة بين الأصحاب ، ثمّ قال : اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر علمه وفضله وعرف تقدّمه في نقد الأخبار ـ نقل الأخبار ـ وصحّة الاختيار وجودة الاعتبار

__________________

(١). خاتمة الوسائل / ٢٠٢.

(٢) خاتمة الوسائل / ٢٠٢.

(٣). الإرشاد / ٢٧٠.

(٤) المناقب ٢ / ٧٤ ـ ٢٤.

(٥) المعتبر ١ / ٢٦.

٥٩

واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم وعرف به اهتمامهم وعليه اعتمادهم.

وكذا ذكرهم الطبرسي في إعلام الورى (١).

ثمّ حكى صاحب الوسائل عن المحقّق في كتابه معارج الأصول (٢) : ذهب شيخنا أبو جعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا ، لكن لفظه وإن كان مطلقاً فعند التحقيق يتبيّن أنّه لا يعمل بالخبر مطلقاً ، بل بهذه الأخبار المرويّة عن الأئمّة عليهم‌السلام ودوّنها الأصحاب لا أنّ كلّ خبر يرويه الإمامي يجب العمل به. هذا الذي تبيّن لي من كلامه ونقل إجماع الأصحاب على العمل بهذه الأخبار حتّى لو رواها غير الإمامي وكان الخبر سليماً عن المعارض واشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الأصحاب عمل به.

ثمّ حكى صاحب الوسائل عن المعتبر في بحث الخمس بعد ما ذكر خبرين مرسلين : الذي ينبغي العمل به اتّباع ما نقله الأصحاب وأفتى به الفضلاء ، وإذا سلم النقل عن المعارض ومن المنكر لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم ، فإنّا نعلم ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي وإن كان الناقل عنهم ممّن لا يعتمد على قوله وربّما لم يُعلم نسبته إلى صاحب المقالة ولو قال إنسان : «لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام ولا مذهب الشافعي في الفقه لأنّه لم يُنقل مسنداً» كان متجاهلاً وكذا مذهب أهل البيت عليهم‌السلام يُنسب إليهم بحكاية بعض شيعتهم سواء أرسل أو أسند إذا لم يُنقل عنهم ما يعارضه ولا ردّه الفضلاء منهم.

__________________

(١) إعلام الورى / ٤١٠ ـ ٢٨٤.

(٢) معارج الأصول / ١٤٧.

٦٠