الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-225-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٩٢

وروى ابن إسحاق والبخاري عن أنس قال : لما بويع أبو بكر في السقيفة ، وكان الغد جلس أبو بكر فقام عمر فتكلم ، وأبو بكر صامت.

فقال : أيها الناس ، إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت إلا عن رأيي ، وما وجدتها في كتاب الله ، ولا كانت عهدا عهده إلي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». ولكن كنت أرجو أن يعيش رسول الله فيدبرنا ، ويكون آخرنا موتا ، وإن الله أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله ورسوله ، فإن اعتصمتم هداكم الله كما هداكم به (١).

وقد أشار حافظ إبراهيم إلى هذه الحادثة فقال :

__________________

ج ٣ ص ٢٠١ وعن الكامل في التاريخ ج ٢ ص وعن السيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٣ ص ٣٧١ ـ ٣٧٤ وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ١٧٨ وج ٢ ص ٤٠ والإحكام لابن حزم ج ٤ ص ٥٨١ والطرائف لابن طاووس ص ٤٥٢ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١١٤ والمعجم الكبير ج ٧ ص ٥٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٤٢ وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٥٦ والمواهب اللدنية ج ٤ ص ٥٤٤ و ٥٤٦ وروضة المناظر لابن شحنة (مطبوع بهامش الكامل) ج ٧ ص ٦٤ وإحياء العلوم ج ٤ ص ٤٣٣. وراجع : إحقاق الحق (الأصل) ص ٢٣٨ و ٢٨٧ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٥٤٧

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٥. وراجع : الفصول المختارة للشريف المرتضى ص ٢٤٣ والبحار ج ٣٠ ص ٥٩٢ وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج ٢ ص ٤٠٦ وكنز العمال ج ٥ ص ٦٠٠ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ١٥٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٥٠ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ٢٦٨ وج ٦ ص ٣٣٢ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٧٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٩٢.

٢٦١

يصيح من قال : نفس المصطفى قبضت

علوت هامته بالسيف أبريها (١)

ونقول :

إن لنا مع ما تقدم وقفات ، هي التالية :

أسئلة تحتاج إلى جواب :

إن ثمة أسئلة تحتاج إلى إجابات مقنعة ومقبولة ، وهي التالية :

١ ـ من الذي أخبر عمر : أن القول بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد مات محرم وممنوع ، ويستحق قائل ذلك العقوبة؟!

٢ ـ من أين جاء عمر بهذا الخبر ، الذي يقول : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سوف يرجع؟!.

٣ ـ هل المقصود : أنه سوف يرجع من سفر ، فإلى أين كان ذلك السفر ، ليقال : إنه سيرجع منه؟!

أم المقصود : إنه سيرجع بعد الموت ، فإن هذا الأمر توقيفي ، لا يعلمه الله إلا إلى رسول من رسله أطلعه على غيبه.

ويبدو لنا : أنه يقصد المعنى الأول ، فقد أشارت بعض النصوص إلى أن عمر قد أشار إلى أن غيبته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كغيبة موسى بن عمران .. وغيبة موسى هو عبارة عن سفر رجع منه موسى في الوقت المناسب .. ولكن الوقائع أظهرت على كل حال أن هذا الخبر الذي جاء به عمر غير صحيح.

٥ ـ إذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سيرجع ويعاقب من أرجف بموته

__________________

(١) ديوان حافظ إبراهيم ج ١ ص ٨١.

٢٦٢

بقطع الأيدي والأرجل ، فلما ذا يتهددهم عمر بالضرب بالسيف؟!

فهل لهذا الذنب عقوبتان هما : الضرب بالسيف تارة ، وقطع الأيدي والأرجل أخرى؟!

٦ ـ من الذي خول عمر إجراء عقوبة الضرب بالسيف على الناس؟!

٧ ـ من أين علم عمر أن النبي لم يمت؟!

٨ ـ من أين علم عمر أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله.

٩ ـ ولما ذا وعلى أي شيء اعتمد عمر حين كان يحلف للناس ، ليقنعهم بصحة أقواله ، وبأنه على يقين مما يقول؟!

السنح على بعد ميل واحد :

وقد ذكروا : أن السنح يبعد عن المسجد بمقدار ميل واحد (١).

ولكنهم يقولون مقابل ذلك : أن السنح عالية من عوالي المدينة (٢). وأدنى العوالي كما يقول ياقوت الحموي يبعد أربعة أميال أو ثلاثة (٣) ، فلما ذا

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٦ و ٣٠٢ وراجع : زهر الربي على المجتبى ج ١ ص ٢٥٣ و ٢٥٤ وعون المعبود ج ٢ ص ٧٧ وشرح مسلم للنووي ج ٥ ص ١٢٢ وإرشاد الساري ج ١ ص ٤٩٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٦ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٦١.

(٣) راجع : معجم البلدان ج ٤ ص ١٦٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٢٦٠ وراجع : السنن الكبرى ج ١ ص ٤٤٠ وعمدة القاري ج ٥ ص ٣٧ عنه ، وصحيح البخاري ج ٤ ص ١٧٠ وفتح الباري ج ٢ ص ٢٣ ووفاء الوفاء ج ١٢٦١.

٢٦٣

اختار أبو بكر لزوجته أن تسكن بعيدة عنه هذا المقدار؟!

وهل كانت أعرابية الهوى والمشرب ، وترفض السكنى في الحضر؟!

أم أن أبا بكر هو الذي اختار لها هذا المكان ليكون خلوة له كلما احتاج إلى أن يختلي بنفسه؟!

أم أن له صداقات وارتباطات يريد أن يحفظها ولا يقطعها؟!

أم ماذا؟!!

صدمة محسوبة :

إن الناس كانوا ـ بلا شك ـ حين موت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على حالة لا يحسدون عليها من الخوف والوجل ، والترقب ، والضياع والحيرة ، فإن وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لها مساس مباشر بمصيرهم ، وبمستقبلهم ، فإذا جاءهم من هو مثل عمر بمثل هذه المقالة ، وأطلقها بصورة صارمة وحازمة ، مع تهديد ووعيد ، وحلف أيمان ، فإن حالة من البلبلة الفكرية والمشاعرية سوف تنتابهم ، وتهيمن على كل كيانهم ووجودهم بما تحمله معها من كتل من الأوهام والخيالات التي تزيدهم حيرة وضياعا ..

ولا شك في أن هذا سوف يصرفهم عن التفكير بالمستقبل ، وبآثار وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. ويعطي مهلة لمن يريد إضاعة بعض الوقت ، بانتظار أمر ما ليتدبر أمره ، وليجد المخرج المناسب من مأزق يعاني منه.

أفإن مات أو قتل :

وحين قرأ أبو بكر الآية الشريفة (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى

٢٦٤

أَعْقابِكُمْ) (١). اقتنع عمر مباشرة بموت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكأنه لم يسمع هذه الآية من قبل.

غير أننا نقول :

أولا : إن عمرو بن زائدة كان قد قرأ هذه الآية في مسجد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الصحابة وعلى عمر قبل مجيء أبي بكر ، وقرأ عليهم أيضا قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٢)» (٣).

فلما ذا بقي عمر مصرا على موقفه أولا ، ثم تراجع عنه ثانيا حين سمع الآية من أبي بكر؟!

ثانيا : إن عمر لم يكن منكرا لموت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولكنه كان يدعي : أنه إنما يموت بعد أن يظهر الله دينه على الدين كله ..

والآية الشريفة التي تلاها أبو بكر لم تقل : إنه سوف يموت قبل ظهور الدين أو بعده ..

فكيف اقتنع عمر بها يا ترى؟!

ثالثا : إن عمر قد رد كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده بقوله : حسبنا كتاب الله ، أي أنه بعد موت الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تكون هدايتنا

__________________

(١) الآية ١٤٤ من سورة آل عمران.

(٢) الآية ٣٠ من سورة الزمر.

(٣) البداية والنهاية ج ٥ ص ٢٤٣ و (نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت) ج ٥ ص ٢١٣ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٥ ص ٢٦٣ وشرح المواهب للزرقاني ج ٨ ص ٢٨١ والغدير ج ٧ ص ١٨٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٨١ وراجع : كنز العمال ج ٧ ص ٢٤٥.

٢٦٥

منوطة بالكتاب ، ولا تحتاج إلى شيء آخر.

وهذا التقرير يستبطن القبول بأن الناس هم الذين سوف يتولون استفادة الهداية من كتاب الله ، وذلك لا يكون إلا إذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ارتحل إلى الرفيق الأعلى.

وتكون النتيجة هي : أن عمر كان يعرف قبل ذلك بمدة أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يموت ، وأن الأمة سوف تهتدي بعده بكتاب الله ، فلا ذا أنكر موته هذه الساعة على النحو الذي ذكرناه؟!

ثلاثة احتمالات لا تفيد عمر :

وقد يقال : إن أمر عمر في هذه القضية يدور بين ثلاثة احتمالات :

الأول : أن يكون جاهلا حقا في أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يموت.

ويقال في الجواب : إن من يجهل مثل هذا الأمر البديهي ، لا يصلح للإمامة والخلافة. ومن يكون جهله مركبا إلى حد أنه يواصل إصراره ، ويتبرع بالأيمان على صحة ما يقول .. لا يمكن أن تقنعه حجة أبي بكر ، لأنها لا تدل على موت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فعلا ، فلعله سيرجع كما يقول عمر!!

ولما ذا أقنعته الآية حين تلاها أبو بكر ، ولم تقتعه حين تلاها غيره؟!

وإذا كان قد تراجع اعتمادا على قول أبي بكر ، فلما ذا لم يتراجع عند قول غيره؟!

ولما ذا صار قول أبي بكر حجة دون سواه؟!

الثاني : أن يكون قد دهش لموت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى حد أنه فقد توازنه ، واختل تفكيره ..

٢٦٦

قال ابن سيد الناس : خبل عمر في وفاة النبي ، فجعل يقول : إنه والله ما مات ولكن ذهب إلى ربه (١).

وقال التفتازاني : إن ذلك لتشوش البال ، واضطراب الحال ، والذهول عن جليات الأحوال (٢).

ويجاب عن ذلك : بأن من دهش بالمصيبة ، إلى حد الخبل ، فإنه حين يتيقن وقوعها سيكون أكثر اختلالا ، وأشد خبلا .. مع أن الأمور قد سارت في الإتجاه المعاكس.

الثالث : أن يكون ذلك قد جاء على سبيل كسب الوقت إلى حين مجيء أبي بكر ، لأنه خشي أن يكون أمام مأزق يحتاج فيه إلى أبي بكر دون سواه ، لأنه هو الذي يساعده على الخروج منه. ألا وهو مأزق طرح اسم من يقوم مقام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإعلان تولي علي «عليه‌السلام» لهذا الأمر مباشرة ، فلما تحقق له ما أراد ، وهو مجيء أبي بكر كان المخرج له من هذا الجو هو أن يتظاهر بلباقة يتقنها : أنه صعق إلى الأرض حين عرف بالحقيقة.

وعمر هو الذي يقول : إنه كان على اتفاق تام مع أبي بكر ، فكان إذا أراه أبو بكر الشدة أراه هو اللين ، وكذلك العكس.

شجاعة أم عدم اكتراث لموت الرسول؟! :

وإذا أردنا أن نجعل الدهشة وعدمها معيارا للحزن ، فلا بد أن نحكم

__________________

(١) عيون الأثر ج ٢ ص ٤٣٣ والغدير ج ٧ ص ١٨٥ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٥٤.

(٢) شرح المقاصد ج ٥ ص ٢٨٢.

٢٦٧

على أبي بكر أنه لم يكن مهتما لاستشهاد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويؤيد هذا : ما ورد من أن أبا بكر اعترض على علي «عليه‌السلام» في ظهور حزنه على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : ما لي أراك متحازما؟!

فقال له علي «عليه‌السلام» : إنه قد عناني ما لم يعنك.

فاضطر أبو بكر إلى إنكار ذلك ، والتظاهر بالإهتمام والحزن على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فراجع (١).

وقد يحاول البعض أن يؤيد صحة ذلك أيضا بإهمال أصحاب السقيفة جنازة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وانصرافهم إلى السعي للحصول على الخلافة ، وقد دفن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولم يحضروه لانشغالهم بهذا الأمر ، ثم إنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء حتى إخبار علي «عليه‌السلام» ، وبني هاشم بما يفعلونه ويدبرونه ..

شجاعة أبي بكر :

وبذلك كله يعلم عدم صحة ما يدعيه بعضهم ، من أن موقف أبي بكر هنا أدل دليل على شجاعته وجرأته ، معللا ذلك بقوله : «فإن الشجاعة والجرأة حدّهما ثبوت القلب عند حلول المصائب ، ولا مصيبة أعظم من موت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فظهرت عنده شجاعته وعلمه ، وقال الناس : لم يمت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، منهم : عمر ، وخرس

__________________

(١) راجع : كنز العمال ج ٧ ص ١٥٩ و (ط مؤسسة الرسالة) ج ٧ ص ٢٣٠ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٣١٢ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٨٤.

٢٦٨

عثمان ، واستخفى علي ، واضطرب الأمر ، وكشفه الصديق بهذه الآية» (١).

ونقول :

إن هذا الكلام غير صحيح.

أولا : إن القرطبي يقول : استخفى علي «عليه‌السلام» ، والحلبي يقول : أقعد علي ، فأيهما هو الصحيح؟! (٢).

ثانيا : إن الحديث عن خبل عمر ، لمجرد احتمال موت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» غير صحيح أيضا ، إذ لما ذا أفاق حين تيقن موته ، وكأن شيئا لم يكن؟! ثم ذهب إلى السقيفة ، وتصرف على ذلك النحو المعروف والموصوف.

ثالثا : إن أبا بكر لم يزد على أن استدل بالآية على موت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأي ربط لهذا الأمر بالشجاعة؟!

رابعا : لقد كان عمرو بن زائدة قد استدل على موت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بهذه الآية ، وبآية أخرى في المسجد ، فلما ذا لا يعدونه من الشجعان أيضا؟!

خامسا : إذا أخذ بالرواية المتقدمة التي ذكرت أن عليا «عليه‌السلام» قال لأبي بكر : إنه قد عناني ما لم يعنك ، فهي تدل على عدم اكتراث أبي بكر لموت الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولا تدل على شجاعته.

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ج ٤ ص ٢٢٢ وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٥٤ والغدير ج ٧ ص ٢١٣. وراجع : الفتح المبين لدحلان (بهامش سيرته النبوية) ج ١ ص ١٢٣ ـ ١٢٥ والوافي بالوفيات ج ١ ص ٦٦.

(٢) راجع : الجامع لأحكام القرآن ج ٤ ص ١٤٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٥٤.

وراجع : الوافي بالوفيات ج ١ ص ٦٦.

٢٦٩

سادسا : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بكى عثمان بن مظعون ، وكانت الدموع تسيل على وجنتيه ، وله شهيق. وبكى على حمزة ، وجعفر ، وزينب ، وإبراهيم ، ورقية و .. و .. فهل يمكن اعتبار أبي بكر أشجع من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لأن النبي بكى وشهق على الأحباب والأصحاب ، أما أبو بكر فلم يتأثر ، ولم يبك حتى لموت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

الشيخان إلى السقيفة :

وقد ذكر العلامة المظفر «رحمه‌الله» : أنه بعد أن اجتمع الرجلان : أبو بكر وعمر ، وانتهت مهزلة إنكار موت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لم يطل مقامهما «حتى جاء اثنان من الأوس مسرعين إلى دار النبي ، وهما : معن بن عدي وعويم بن ساعدة ، وكان بينهما وبين سعد الخزرجي المرشح للخلافة موجدة قديمة ، فأخذ معن بيد عمر بن الخطاب ، ولكن عمر مشغول بأعظم أمر ، فلم يشأ أن يصغي إليه ، لو لا أن يبدو على معن الإهتمام ، إذ يقول له : «لا بد من قيام» ، فأسرّ إليه باجتماع الأنصار ففزع أشد الفزع ، وهو الآخر يصنع بأبي بكر ما صنع معن معه ، فيسر إلى أبي بكر بالأمر ، وهو يفزع أيضا أشد الفزع. فذهبا يتقاودان مسرعين إلى حيث مجتمع الأنصار ، وتبعهما أبو عبيدة بن الجراح ، فتماشوا إلى الأنصار ثلاثتهم.

أما علي ومن في الدار ، وفي غير الدار من بني هاشم ، وباقي المهاجرين والمسلمين ، فلم يعلموا بكل الذي حدث ، ولا بما عزم عليه أبو بكر وعمر.

ألم تكن هذه الفتنة التي فزع لها أشد أبو بكر وعمر أشد الفزع ـ على حد تعبيرهم ـ تعم جميع المسلمين بخيرها وشرها ، وأخص ما تخص عليا

٢٧٠

«عليه‌السلام» ، ثم بني هاشم؟

أو ليس من الجدير بهما أن يوقفاهم على جلية الأمر ، ليشاركوهما في إطفاء نار الفتنة الذي دعاهما إلى الذهاب إلى مجتمع الأنصار مسرعين؟

ثم لما ذا يخص عمر أبا بكر بالإسرار إليه دون الناس ، ثم أبا عبيدة»؟ (١).

إجتماع المهاجرين إلى أبي بكر :

وقد ذكرت رواية البلاذري ، عن ابن عباس : أن عمر قال : «اجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : إنطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار الخ ..».

فانطلقوا إليهم ، فالتقوا بعويم بن ساعدة ورفيقه.

ونقول :

إن ذلك غير صحيح ، فإن المهاجرين لم يجتمعوا إلى أبي بكر ، وإنما ذهب إلى الأنصار ثلاثة أو أربعة أشخاص فقط ، وهم : أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة.

قيل : وسالم ، وربما يذكر أيضا خالد معهم .. ولا نكاد نطمئن إلى صحة ذلك.

كما أن عويم بن ساعدة ، ومعن بن عدي ، قد جاءا إلى عمر وأبي بكر وأصرا عليهما ليقوما معهما .. (٢).

__________________

(١) السقيفة للشيخ محمد رضا المظفر «رحمه‌الله» (نشر مكتبة الزهراء ـ قم ـ إيران) ص ١٢٠ و ١٢١.

(٢) راجع : أنساب الأشراف (ط دار المعارف) ج ١ ص ٥٨١ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ٢٦٢ ، وقاموس الرجال ج ١٠ ص ١٨٣ عنه.

٢٧١

استدلالات أبي بكر على أن الخلافة لقريش :

وقد استدل أبو بكر على أن قريشا هي الأحق بالخلافة بثلاثة أمور هي :

١ ـ أنهم أصبح الناس وجوها.

٢ ـ أنهم أبسطهم لسانا.

٣ ـ أفضلهم قولا.

ولم يشر إلى نص نبوي ، ولا إلى آية قرآنية ، ولا إلى تقدم لقريش على غيرها في علم ، أو تقوى أو جهاد ، أو غير ذلك مما يفيد في سياسة الناس ، وحفظ دينهم ، وتدبير أمورهم ..

وما ذا تنفع صباحة الوجه ، وبسط اللسان ، وحسن القول ، في حفظ الدين ، وفي الذب عن حياض المسلمين ، وتدبير شؤونهم ، وتسيير أمورهم ، ونشر المعارف فيهم ، أو في بسط العدل ، وإشاعة الأمن فيهم ، إذا لم يكن هناك دين ، وزهد ، وتقوى ، وعلم ، وأمانة و .. و .. الخ ..؟!

على أن هذه الإستدلالات نفسها من شأنها أن تبعد هذا الأمر عن أبي بكر بالذات ، فقد تقدم في هذا الكتاب : أنه ليس فقط لم يكن أصبح الناس وجها ، وإنما كان على النقيض من ذلك ..

كما أنه لم يعرف عنه بلاغة ولا فضل في قول ، ولا بسطة في لسان ، ولا غير ذلك .. بل عرف عنه خلاف ما ذكر .. بل كان بنو هاشم هم القمة والمتميزون في ذلك كله ، بالإضافة إلى العلم الغزير ، والفضل الكثير ، والتقوى والحلم ، والسياسة والتدبير ، والجهاد والتضحية في سبيل الله ، وغير ذلك من صفات تفيد في حفظ الدين وأهله.

٢٧٢

بماذا استحق أبو بكر الخلافة؟! :

لقد استدل أبو بكر وعمر بن الخطاب على تقديم أبي بكر للخلافة بأمور يمكن تلخيصها في النقاط التالية :

١ ـ إنه أول من أسلم.

٢ ـ إنه صدّيق.

٣ ـ إنه صاحب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

٤ ـ إنه صاحب الغار مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وثاني اثنين.

٥ ـ إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمره أن يصلي بالناس ..

٦ ـ وفي بعض النصوص : إنه أكبرهم سنا ..

فلو كان هناك نص على أبي بكر لبادرا إلى الإحتجاج به ، ولو كانت لأبي بكر أية فضيلة أخرى لم يتوانيا عن ذكرها ، والتأكيد عليها ، فقد كانوا أحوج الناس إلى ذلك في تلك الساعة ، ولا يفيد نسبة الفضائل والكرامات إليه في غير هذا الموقف ، إذ لا عطر بعد عروس ..

بل إن عدم ذكر شيء من ذلك في مناسبة السقيفة يثير ألف سؤال وسؤال حول صحة تلك الفضائل ، ويقوي احتمال كونها منحولة ومصنوعة في وقت متأخر ، حينما احتاجوا إليها في احتجاجاتهم ودفاعاتهم.

وحتى هذه الأمور الثلاثة التي استدلوا بها في السقيفة ، لا تفيد أبا بكر في شيء ، بل هي في غير صالحه ، لو أن العقول كانت هي الحكم والمرجع ، وهي التي تهيمن وتتصرف ..

ونستطيع أن نبين خطلها وفسادها على النحو التالي :

٢٧٣

١ ـ كبر سن أبي بكر :

بالنسبة لاستدلالهم على أحقية أبي بكر بالخلافة : بأنه الأكبر سنا في أصحاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

حتى لقد رووا : أنه هو وسهيل بن عمرو بن بيضاء كانا أسن الصحابة (١).

نقول :

١ ـ لو كان المعيار في استحقاق الخلافة هو كبر السن ، وصغره لكانت نبوة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» باطلة ، لأن الكثيرين في طول البلاد وعرضها كانوا أكبر منه ، ومنهم أعمامه ، أبو طالب ، والعباس أكبر سنا ..

٢ ـ إن أبا قحاقة كان حين وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يزال حيا ، وهو أكبر سنا من ولده أبي بكر ، فهو إذن أولى منه بالخلافة.

كما أن العباس عم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان موجودا أيضا ، وهو أكبر سنا من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومن أبي بكر ..

وهناك عشرات وربما مئات من الصحابة المهاجرين والأنصار وغيرهم كانوا أكبر سنا من أبي بكر ، وقد عدّ العلامة الأميني «رحمه‌الله» أربعين صحابيا كلهم كان أسن من أبي بكر ، وهم :

أماناة بن قيس ، أمد بن أبد الحضرمي ، أنس بن مدرك ، أوس بن

__________________

(١) الإستيعاب ج ١ ص ٥٧٦ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٧٠ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٦٠ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٤١٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٥ والمجموع للنووي ج ٥ ص ٢١٢ والإصابة ج ٢ ص ٨٥ وتاريخ الخلفاء ص ١٠٠ عن ابن سعد والبزار.

٢٧٤

حارثة ، ثور بن كلدة ، الجعد بن قيس المرادي ، حسان بن ثابت ، حكيم بن حزام ، حمزة بن عبد المطلب ، حنيفة بن جبير ، حويطب بن عبد العزى ، حيدة بن معاوية ، خنابة بن كعب ، خويلد بن مرة ، ربيعة بن الحارث ، سعيد بن يربوع ، سلمة السلمي ، سلمان الفارسي ، أبو سفيان ، صرمة بن أنس ، صرمة بن مالك ، طارق بن المرقع ، الطفيل بن زيد ، عاصم بن عدي ، العباس بن عبد المطلب ، عبد الله بن الحارث ، عدي بن حاتم ، عدي بن وداع ، عمرو بن المسبح ، فضالة بن زيد ، قباث بن أشيم ، قردة بن نفاثة ، لبيد بن ربيعة ، اللجلاج الغطفاني ، المستوعز بن ربيعة ، معاوية بن ثور ، منقذ بن عمرو ، النابغة الجعدي ، نوفل بن الحارث ، نوفل بن معاوية. وأبو قحافة (١).

٣ ـ بماذا استحق عمر بن الخطاب التقديم على سائر الناس ، الذين كانوا أكبر منه سنا ، حتى أوصى إليه أبو بكر بالخلافة دونهم!!.

٤ ـ إن كبر السن لا يعطي للإنسان قدرات جسدية ولا فكرية ، ولا يجعله متحليا بفضائل الأخلاق ، وبالمزايا الحميدة ، ولا يعطيه أهلية لقيادة الأمة ، لأن ما يوجب ذلك هو العلم والتقوى ، والشجاعة والسياسة ، والتدبير والعقل الراجح و .. و .. ولم يذكر كبر السن في جملة صفات القائد والخليفة والحاكم.

ومجرد كبر السن لا يعني أن أبا بكر كان حائزا على شيء من ذلك.

٥ ـ ولو أغمضنا النظر عن جميع ذلك ، فإننا نقول :

إنهم يدّعون : أن أبا بكر كان مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في سفره إلى

__________________

(١) الغدير ج ٧ ص ٢٨١ ـ ٢٨٥.

٢٧٥

الشام ، حيث نزلوا على بحيرا الراهب ، الذي عرف أن محمدا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو النبي الموعود ، وطلب من أبي طالب أن يعيده إلى مكة ، فأرسل معه أبو بكر بلالا (١).

وكان عمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تسع سنين كما قاله الطبري ، والسهيلي ، أو اثنا عشر سنة كما قاله آخرون (٢).

فالمفروض : أن يكون أبو بكر آنئذ في سن العشرين فما فوقها .. وهذا معناه : أنه أكبر من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بحوالي عقد من الزمن.

ويدل على ذلك : قولهم في حديث الهجرة : كان أبو بكر شيخا يعرف ، والنبي شاب لا يعرف. وكان يسألون أبا بكر : من هذا الغلام بين يديك؟!

وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم في الفقرة : «عاش أبو بكر وعمر ثلاثا

__________________

(١) الجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٥٥٠ ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ٦١٦ ودلائل النبوة لأبي نعيم ج ١ ص ٥٣ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٢٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣ ص ٤ و ٨ ومختصر تاريخ دمشق ج ٢ ص ٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٨ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٨٤ عن الخرائطي وغيره ، وعيون الأثر ج ١ ص ٦٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٨٧.

(٢) الروض الأنف ج ١ ص ٢٢١ وإمتاع الأسماع ج ٨ ص ١٨٢ وعيون الأثر ج ١ ص ٦٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ١٢١ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣ ص ٩ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٨٥ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٢ ص ٢٨٩ وج ٦ ص ٣١١ وشرح المواهب اللدنية ج ١ ص ١٩٦ والبحار ج ١٥ ص ٣٦٩ وعيون الأثر ج ١ ص ٦١ وأسد الغابة ج ١ ص ١٥ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٧ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج ١ ص ٣٤.

٢٧٦

وستين» فراجع.

ويؤيد ذلك أيضا : روايتهم عن يزيد الأصم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لأبي بكر : «أنا أكبر أو أنت»؟!

قال : لا ، بل أنت أكبر مني وأكرم ، وخير مني ، وأنا أسن منك» (١). فكيف يدّعون : أن أبا بكر عاش ثلاثا وستين سنة فقط؟! (٢).

وإذا كان أبو بكر أكبر من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سنا ، وكان كبر السن يوجب التقدم في المقامات والمناصب الإلهية ، فالمفروض أن يكون أبو بكر هو النبي.

مع الإشارة إلى أن ما يشبه هذه الرواية ينقل عن العباس مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا (٣).

__________________

(١) الرياض النضرة ج ١ ص ١٦٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٥ وتاريخ الخلفاء ص ٩٩ وعن تاريخ خليفة بن خياط ، وأحمد ، وابن عساكر ، والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٢ ص ٢٢٦ والغدير ج ٧ ص ٢٧٠. وراجع المصادر المتقدمة في الهوامش السابقة.

(٢) راجع : المعارف لابن قتيبة ص ١٧٢ والجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٥٦٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢١٦ وج ٢ ص ١٥٥ والإستيعاب ج ١ ص ٣٣٥ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٢٠٥ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٧٥ وأسد الغابة ج ٣ ص ٢٢٣ وعيون الأثر ج ١ ص ٦٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٦٧ والإصابة ج ٢ ص ٣٤١ و ٣٤٤ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٦٠ ومرآة الجنان ج ١ ص ٥٦ و ٦٩.

(٣) راجع : تهذيب الكمال للمزي ج ١٤ ص ٢٢٧ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٩٧ وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٢٦ ص ٢٨٢.

٢٧٧

٢ ـ ثاني اثنين إذ هما في الغار :

وأما بالنسبة لكون أبي بكر ثاني اثنين إذ هما في الغار ، فنقول :

١ ـ قد تقدم : أن هذا ليس من فضائل أبي بكر ، لأن الآية قد جاءت في سياق الذم والإدانة ، فراجع ما ذكرناه حين الحديث عن الهجرة.

٢ ـ إن كون أبي بكر ثاني اثنين في الغار لا يدل على أن أبا بكر كان متميزا في علم أو تقوى ، أو شجاعة ، أو تدبير وسياسة ، أو عقل ، أو ما إلى ذلك مما لا بد منه في الخليفة ..

٣ ـ أول من أسلم :

وأما كون أبو بكر أول من أسلم ، فلا يصح أيضا ، فراجع ما ذكرنا حول ذلك في أوائل هذا الكتاب ..

كما أن ذلك لا يدل على جامعيته لصفات الحاكم والخليفة.

٤ ـ صلاة أبي بكر بالناس :

وأما الإستدلال بصلاة أبي بكر على الخلافة ، فقد ذكرنا : أن صلاته مشكوكة الوقوع ، ولو ثبت أنه صلى ، فالصلاة أيضا لا تدل على فضيلة لأبي بكر ، خصوصا وكان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد عزله عنها.

وحتى لو لم يعزله ، وكان هو الذي نصبه للصلاة ، فذلك لا يدل على استحقاقه للإمامة والخلافة ، ولا على حيازته لشرائطها.

والذي يبدو لنا هو : أن عمر بن الخطاب حين أشار إلى هذه الصلاة كان مطمئنا إلى أن أكثر الناس كانوا لا يعرفون أن أبا بكر قد تصدى

٢٧٨

للصلاة من دون علم الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد عزله عنها ، لأن العزل جاء بنحو عملي ، ومن دون تصريح قولي بالعزل ..

وقد أشاع أنصار أبي بكر بين الناس : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يقصد العزل ، بل هو قد وجد من نفسه خفة ، فأحب أن لا يفوته ثواب الصلاة جماعة.

٥ ـ صاحب رسول الله وصديق :

وأما أن أبا بكر صاحب رسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فهو لا يفيد أيضا ، إذ ما أكثر الصحابة لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وليست الصحبة من المؤهلات للخلافة.

وأما صديقيته ، فقد تقدم : أن الصديق هو علي «عليه‌السلام» دون سواه ، فراجع.

لا يخالفنا أحد إلا قتلناه :

وحين صرح الأنصار بأنهم خائفون مشفقون من تولي المهاجرين ، ويريدون ضمانات لكي لا يتعرضوا لسوء ، ولو بأن يكون منهم أمير ، حتى يشفق القرشي من أنه لو زاغ أن ينقض عليه الأنصاري ، فاستغل عمر نقطة الضعف هذه ، وتقدم إلى الأمام في خطوة حاسمة ، فاستنصر بالعرب قائلا : «لن ترضى العرب إلا به ، ولن تعرف العرب الإمارة إلا له ، ولن يصلح إلا عليه».

ثم أطلق قراره الحاسم والجازم الذي أكده بالقسم ، فقال : «والله لا

٢٧٩

يخالفنا أحد إلا قتلناه».

فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حتى كادت الحرب تقع ، وأوعد بعضهم بعضا ، وبايع أبا بكر عمر وأبو عبيدة ، وبشير بن سعد ، وأسيد بن حضير .. ولعل عويم بن ساعدة ، ومعن بن عدي ، اللذين جاءا بأبي بكر وعمر إلى السقيفة قد بايعا أيضا.

ولم يسمّ أحد لنا غير هؤلاء ، سوى خالد بن الوليد ، وسالم مولى أبي حذيفة ، مع الشك في حضورهما في السقيفة ، فلعلهما لحقا بعض ما جرى.

وإذا كان الإختلاف قد نما حتى كادت الحرب أن تقع ، ومع توعد بعضهم بعضا ، ومع هذا التهديد والوعيد من عمر كيف يقال : إن البيعة لأبي بكر كانت عن رضى ، وإجماع؟!!

ويبدو أن أبا بكر وحزبه الذين ذكرنا أسماءهم ، تركوا الأنصار في سقيفتهم يتلاومون ، ويتجادلون ، ويتهم بعضهم بعضا ، وخرجوا إلى المسجد ، ليفاجئوا عليا «عليه‌السلام» بالأمر الواقع ، وليتدبروا الأمر قبل أن يصل الخبر إلى مسامع علي «عليه‌السلام» وبني هاشم ، فيقع ما لم يكن بالحسبان ..

رواية مكذوبة :

وبعد .. فقد روي عن حميد بن عبد الرحمن : أن أبا بكر قال لسعد بن عبادة : لقد علمت يا سعد أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال وأنت قاعد : «قريش ولاة هذا الأمر ، فبر الناس تبع لبرهم ، وفاجرهم تبع لفاجرهم».

٢٨٠