السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-225-0
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٩٢
وقعة الجمل. وأبو مخنف من المحدثين ، وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولا معدودا من رجالها.
ومما رويناه من أشعار صفين ، التي تتضمن تسميته «عليهالسلام» بالوصي ما ذكره نصر بن مزاحم المنقري ، في كتاب «صفين» ، وهو من رجال الحديث.
قال زحر بن قيس الجعفي : «ونسبها في موضع آخر إلى جرير بن عبد الله البجلي» (١) :
فصلى الإله على أحمد |
|
رسول المليك تمام النعم |
رسول المليك ومن بعده |
|
خليفتنا القائم المدّعم |
عليا عنيت وصي النبي |
|
نجالد عنه غواة الأمم |
قال نصر : ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس :
أتانا الرسول رسول الإمام |
|
فسرّ بمقدمه المسلمونا |
رسول الوصي وصي النبي |
|
له السبق والفضل في المؤمنينا |
ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث أيضا :
أتانا الرسول رسول الوصي |
|
علي المهذب من هاشم |
وزير النبي وذو صهره |
|
وخير البرية والعالم |
وقال جرير بن عبد الله البجلي شعرا ، بعث به إلى شرحبيل بن السمط ، من أصحاب معاوية ، وقد جاء فيه :
__________________
(١) راجع : شرح نهج البلاغة ، (ط دار مكتبة الحياة) ج ١ ص ٥٥٣.
مقال ابن هند في علي عضيهة |
|
ولله في صدر ابن أبي طالب أجل |
وما كان إلا لازما قعر بيته |
|
إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل |
وصي رسول الله من دون أهله |
|
وفارسه الحامي به يضرب المثل |
وقال النعمان بن عجلان الأنصاري :
كيف التفرق والوصي أمامنا |
|
لا كيف إلا حيرة وتخاذلا |
لا تغبنن عقولكم لا خير في |
|
من لم يكن عند البلابل عاقلا |
وذروا معاوية الغويّ وتابعوا |
|
دين الوصي لتحمدوه آجلا |
وقال عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي :
ألا ابلغ شر حبيل بن حرب |
|
فما لك لا تهش إلا الضراب |
فإن تسلم وتبق الدهر يوما |
|
نزرك بجحفل عدد التراب |
يقودهم الوصي إليك حتى |
|
يردك عن ضلال وارتياب |
ويقول المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب :
فيكم وصي رسول الله قائدكم |
|
وصهره وكتاب الله قد نشرا |
ويقول عبد الله بن العباس بن عبد المطلب :
وصي رسول الله من دون أهله |
|
وفارسه إن قيل : هل من منازل |
قال المعتزلي : «والأشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جدا ، ولكننا ذكرنا منها ها هنا بعض ما قيل في هذين الحزبين. فأما ما عداهما ، فإنه يجل عن الحصر ، ويعظم عن الإحصاء والعدد. ولو لا خوف الملالة والإضجار ،
لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقا كثيرة» (١).
وقد ذكر المعتزلي نفسه في نفس الكتاب موارد أخرى ، نذكر منها ما يلي :
قال عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، مجيبا للوليد بن عقبة بن أبي معيط :
وإن ولي الأمر بعد محمد |
|
علي وفي كل المواطن صاحبه |
وصي رسول الله حقا وصنوه |
|
وأول من صلى ، ومن لان جانبه |
وقال خزيمة بن ثابت في هذا :
وصي رسول الله من دون أهله |
|
وفارسه مذ كان في سالف الزمن |
وأول من صلى من الناس كلهم |
|
سوى خيرة النسوان والله ذو منن (٢) |
وقال زفر بن بن يزيد بن حذيفة الأسدي :
فحوطوا عليا وانصروه فإنه |
|
وصي وفي الإسلام أول أول (٣) |
وقال النعمان بن العجلان ، مخاطبا عمرو بن العاص ، وذلك بعد بيعة السقيفة ، في جملة قصيدة له :
وكان هو انا في علي وإنه |
|
لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري |
فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى |
|
وينهى عن الفحشاء والبغي والنكر |
__________________
(١) جميع ما تقدم قد ذكره المعتزلي في شرح نهج البلاغة (ط دار مكتبة الحياة ـ سنة ١٩٦٣ م) ج ١ ص ١٢٨ و ١٣٣ والبحار ج ٣٨ ص ٢٠ و ٢٦ عنه.
(٢) شرح نهج البلاغة ج ٤ ص ٢٢٧ و ٢٢٨ (ط دار مكتبة الحياة سنة ١٩٦٤).
(٣) المصدر السابق ج ٤ ص ٢٢٨.
وصي النبي المصطفى وابن عمه |
|
وقاتل فرسان الضلالة والكفر (١) |
وقال حسان بن ثابت :
ألست أخاه في الهدى ووصيه |
|
وأعلم منهم بالكتاب وبالسنن (٢) |
وقال حجر بن عدي الكندي في يوم الجمل أيضا :
يا ربنا سلم لنا عليا |
|
سلم لنا المهذب التقيا |
المؤمن المسترشد الرضيا |
|
واجعله هادي أمة مهديا |
احفظه رب حفظك النبيا |
|
لا خطل الرأي ولا غبيا |
فإنه كان لنا وليا |
|
ثم ارتضاه بعده وصيا (٣) |
وقال المنذر بن أبي خميصة الوداعي مخاطبا عليا :
ليس منا من لم يكن لك في الله |
|
وليا يا ذا الولا والوصية (٤) |
بل إن عليا أمير المؤمنين «عليهالسلام» نفسه قد ذكر الوصية له في الشعر ، فقال : في أمر بيع عمرو بن العاص دينه لمعاوية :
يا عجبا! لقد سمعت منكرا |
|
كذبا على الله يشيب الشعرا |
يسترق السمع ويغشى البصرا |
|
ما كان يرضى أحمد لو أخبرا |
__________________
(١) المصدر السابق ج ٢ ص ٢٨٠.
(٢) المصدر السابق ج ٢ ص ٢٨٣.
(٣) المصدر السابق ج ٢ ص ٨٢٨ وج ١ ص ١٢٩ و ١٣٠.
(٤) المصدر السابق ج ٢ ص ٨٢٨.
أن يقرنوا وصيه والأبترا |
|
شاني الرسول واللعين الأخزرا |
كلاهما في جنه قد عسكرا |
|
قد باع هذا دينه فأفجرا |
من ذا بدنيا بيعه قد خسرا |
|
بملك مصران أصاب الظفرا |
الخ .. (١).
واللافت هنا : أن ابن أبي الحديد نفسه قد قرر هذه الوصاية في شعره ، فقال :
وخير خلق الله بعد المصطفى |
|
أعظمهم يوم الفخار شرفا |
السيد المعظم الوصي |
|
بعل البتول المرتضى علي |
وابناه ، الخ .. (٢).
ولو أردنا استقصاء ذلك في مصادره لا حتجنا إلى وقت طويل ولنتج عن ذلك ما يملأ عشرات الصفحات ..
أما في غير الشعر ، فالأمر أعظم وأعظم .. ولعل ما ذكرناه يكفي لمن ألقى السمع وهو شهيد.
__________________
(١) المصدر السابق ج ١ ص ٣٢٤ و ١٣٢.
(٢) المصدر السابق ج ٣ ص ٦٤٥.
الفصل الثاني :
ما جرى في السقيفة
روايتهم لأحداث السقيفة :
ثم إن أتباع الخلفاء يروون أحداث السقيفة بطريقتهم الخاصة ، متجاهلين الكثير من الأمور الهامة والحساسة التي وردت في مصادرهم ، ونحن نذكر هنا النص الذي اورده الصالحي الشامي ، فنقول :
روى ابن إسحاق والإمام أحمد والبخاري وابن جرير عن ابن عباس : أن عمر بن الخطاب قال وهو على المنبر : إنه قد بلغني أن فلانا ، وفي رواية البلاذري عن ابن عباس : أن قائل ذلك الزبير بن العوام ، قال : والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا (١).
وفي رواية البلاذري عن ابن عباس : «بايعت عليا» لا يغرن امرءا أن يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت (٢).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٢٧ وج ١٢ ص ٣١١ عن ابن إسحاق ، وأحمد ، والبخاري ، وابن جرير. وراجع : صحيح البخاري ج ٨ ص ٢٥ وفتح الباري (المقدمة) ص ٣٣٧ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٦٢ وج ٢٤ ص ٦ وصحيح ابن حبان ج ٢ ص ١٥٤ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٥ ص ٣٦٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٨٠ و ٢٨١.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١١. وراجع : خلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ـ
[والله ما كانت بيعة أبي بكر فلتة ، ولقد أقامه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» مقامه ، واختاره لدينهم على غيره ، وقال : «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» فهل منكم أحد تقطع إليه الأعناق كما تقطع إلى أبي بكر؟ فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين ، فإنه لا بيعة له ، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله «صلىاللهعليهوآله».
وإن الأنصار خالفونا ، واجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة ، وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ، ومن معهما.
واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان : عويم بن ساعدة ، ومعن بن عدي (١).
إلى أن قال :
فذكر لنا ما تمالأ عليه القوم ، وقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين؟
__________________
ص ٣٠٥ وصحيح ابن حبان ج ٢ ص ١٥٥ و ١٥٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٨١ و ٢٨٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٧٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٨٧.
(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١١. وراجع : البحار ج ٢٨ ص ٣٣٨ ومسند أحمد ج ١ ص ٥٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٢٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٤٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٨١ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٦٦ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٢٧ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ١٥٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٣٠٨ و ٣١١ و ٣١٥ وصحيح ابن حبان ج ٢ ص ١٤٨ و ١٥٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٨٧.
قلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار.
قالا : فلا عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين ، اقضوا أمركم.
قال : قلت : والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل ، فقلت : من هذا؟
فقالوا : سعد بن عبادة.
فقلت : ما له؟
فقالوا : وجع. فلما جلسنا تشهّد خطيبهم ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد .. فنحن الأنصار ، وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا ، وقد دفت إلينا دافة من قومكم.
قال : وإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، ويغصبونا الأمر ، فلما سكت أردت أن أتكلم ، وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر ، وكنت أداري منه بعض الجد ، فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر ، فكرهت أن أعصيه ، فتكلم. وكان هو أعلم مني ، وأوقر ، فو الله ما ترك من كلمة أعجبتني كنت زورتها في نفسي إلا قالها في بديهته أو مثلها أو أفضل منها ، حتى سكت (١).
إلى أن قال :
فتشهد أبو بكر ، وأنصت القوم ، ثم قال : بعث الله محمدا بالهدى ، ودين
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٢. وراجع : شرح نهج للمعتزلي ج ٢ ص ٢٤ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٢٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٣٠٥ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٧٣.
الله حق ، فدعى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى الإسلام ، فأخذ الله بقلوبنا ونواصينا ، إلى ما دعانا إليه ، فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما ، ونحن عشيرته ، وأقاربه ، وذوو رحمه ، فنحن أهل النبوة ، وأهل الخلافة ، وأوسط الناس أنسابا في العرب ، ولدتنا كلها ، فليس منا قبيلة إلا لقريش فيها ولادة ، ولن تعترف العرب ولا تصلح إلا على رجل من قريش.
هم أصبح الناس وجوها ، وأبسطهم لسانا ، وأفضلهم قولا ، فالناس لقريش تبع ، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ، وهذا الأمر بيننا وبينكم قسمة إلا بثلمة.
وأنتم يا معشر الأنصار إخواننا في كتاب الله ، وشركاؤنا في الدين ، وأحب الناس إلينا ، وأنتم الذين آووا ونصروا ، وأنتم أحق الناس بالرضا بقضاء الله والتسليم لفضيلة ما أعطى الله إخوانكم من المهاجرين ، وأحق الناس ألا تحسدوهم على خير آتاهم الله إياه.
وأما ما ذكرتم فيكم من خير ، فأنتم له أهل ، ولن تعرف العرب هذا الأمر ، إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح ، وهو جالس بيننا (١).
إلى أن قال :
فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لأحد بعد رسول الله «صلى الله عليه
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٢ و ٣١٣. وعن الرياض النضرة ج ١ ص ٢١٣.
وآله» أن يكون فوقك يا أبا بكر ، أنت صاحب الغار مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وثاني اثنين ، وأمرك رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حين اشتكى ، فصليت بالناس ، فأنت أحق بهذا الأمر.
قالت الأنصار : والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم ، وما خلق الله قوما أحب إلينا ، ولا أعز علينا منكم ، ولا أرضى عندنا هديا منكم ، ولكنا نشفق بعد اليوم ، فلو جعلتم اليوم أصلا منكم ، فإذا مات أخذتم رجلا من الأنصار فجعلناه ، فإذا مات أخذنا رجلا من المهاجرين فجعلناه ، فكنا كذلك أبدا ما بقيت هذه الأمة ، بايعناكم ، ورضينا بذلك من أمركم ، وكان ذلك أجدر أن يشفق القرشي ، إن زاع ، أن ينقض عليه الأنصاري.
فقال عمر : لا ينبغي هذا الأمر ، ولا يصلح إلا لرجل من قريش ، ولن ترضى العرب إلا به ، ولن تعرف العرب الإمارة إلا له ، ولن يصلح إلا عليه ، والله لا يخالفنا أحد إلا قتلناه (١).
وعند الإمام أحمد : قال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، منا أمير ، ومنكم أمير يا معشر قريش.
قال : فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حتى خشينا الإختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته ، وبايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار (٢).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٣.
(٢) مسند أحمد ج ١ ص ٥٦ وصحيح البخاري ج ٨ ص ٢٧ وعمدة القاري ج ٢٤ ص ٨ وصحيح ابن حبان ج ٢ ص ١٥٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٨٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٤٦ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٢٧ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ٧.
وعند ابن عقبة : فكثر القول حتى كادت الحرب تقع بينهم ، وأوعد بعضهم بعضا ، ثم تراضى المسلمون ، وعصم الله لهم دينهم ، فرجعوا وعصوا الشيطان.
ووثب عمر فأخذ بيد أبي بكر ، وقام أسيد بن حضير الأشهلي ، وبشير بن سعد أبو النعمان بن بشير يستبقان ليبايعا أبا بكر ، فسبقهما عمر فبايع ، ثم بايعا معا (١).
وعند ابن إسحاق في بعض الروايات ، وابن سعد : أن بشير بن سعد سبق عمر (٢).
إلى أن قال :
ووثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة ، وسعد بن عبادة مضطجع يوعك ، فازدحم الناس على أبي بكر ، فقال رجل من الأنصار : اتقوا سعدا ، لا تطأوه ، فتقتلوه.
فقال عمر ، وهو مغضب : قتل الله سعدا ، فإنه صاحب فتنة.
فلما فرغ أبو بكر من البيعة رجع إلى المسجد ، فقعد على المنبر ، فبايعه
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٣. وراجع : شرح أصول الكافي ج ١٢ ص ٤٨٨.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٣. وراجع : الكافي ج ٨ ص ٣٤٣ وشرح أصول الكافي ج ١٢ ص ٤٨٨ والإحتجاج ج ١ ص ١٠٦ والبحار ج ٢٨ ص ٢٦٢ و ٣٢٥ و ٣٢٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ١٠ و ١٨ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٣٠ وكنز العمال ج ٥ ص ٦٠٦ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ١٨٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٠ ص ٢٩٢ وج ٣٠ ص ٢٧٥.
الناس حتى أمسى ، وشغلوا عن دفن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» (١).
إلى أن قال :
روى ابن إسحاق ، والبخاري ، عن أنس بن مالك قال : لما بويع أبو بكر في السقيفة ، وكان الغد جلس أبو بكر ، فقام عمر فتكلم ، وأبو بكر صامت لا يتكلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : ..
إلى أن قال :
.. وإن الله قد جمع أمركم على خيركم ، صاحب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ثاني اثنين إذ هما في الغار ، فقوموا فبايعوه ، فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ، ثم تكلم أبو بكر فحمد الله ، وأثنى عليه بالذي هو أهله (٢).
وفي رواية البلاذري ، عن الزهري أنه قال :
الحمد لله ، أحمده وأستعينه على الأمر كله ، علانيته وسره ، ونعوذ بالله
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٦٤ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٥٩ وعمدة القاري ج ١٦ ص ١٨٦ والبحار ج ٢٨ ص ٣٣٦ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٤٨٢.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٤. وراجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٥٠ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٦٩ وج ٦ ص ٣٣٢ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٧٥ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٤٠٦ وكنز العمال ج ٥ ص ٦٠١ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ١٥٧ والصوارم المهرقة ص ٦٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٩٣ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٤٨٣.
من شر ما يأتي بالليل والنهار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا ، قدام الساعة ، فمن أطاعه رشد ، ومن عصاه هلك ، انتهى (١).
ثم قال : أما بعد أيها الناس ، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم. وقد كانت بيعتي فلتة ، وذلك أني خشيت الفتنة ، وأيم الله ما حرصت عليها يوما قط ، ولا طلبتها ، ولا سألت الله تعالى إياها سرا ولا وعلانية ، وما لي فيها من راحة (٢).
وقال : «واعلموا أن لي شيطانا يعتريني ، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني ، لا أوثّر في أشعاركم وأبشاركم» (٣).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٤.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٤ والعثمانية للجاحظ ص ٢٣١.
(٣) راجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٢١٢ والإمامة والسياسة (بتحقيق الزيني) ج ١ ص ٢٢ و (بتحقيق الشيري) ج ١ ص ٣٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢٢٤ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج ٢ ص ٤٦٠ وصفة الصفوة ج ١ ص ٢٦١ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٢٠ وج ١٧ ص ١٥٦ و ١٥٩ وكنز العمال ج ٥ ص ٥٨٩ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٥. وراجع : الفصول المختارة للشريف المرتضى ص ١٢٤ والإحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ١٥٢ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٤٣٠ والبحار الأنوار ج ١٠ ص ٤٣٩ وج ٤٩ ص ٢٨٠ وج ٩٠ ص ٤٥ والغدير ج ٧ ص ١١٨ وراجع : تخريج الأحاديث والآثار ج ١ ص ٤٨١ و ٤٨٢ وتمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل للباقلاني ص ٤٧٦ و ٤٩٣ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٣٣٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٣٠٣ و ٣٠٤.
وروى البلاذري والبيهقي ـ بإسناد صحيح ـ من طريقين ، عن أبي سعيد : أن أبا بكر لما صعد المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير الزبير ، فسأل عنه ، فقام ناس من الأنصار فأتوا به ، فقال أبو بكر : قلت : ابن عمة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وحواريه ، أردت أن تشق عصا المسلمين؟!
فقال : لا تثريب يا خليفة رسول الله «صلىاللهعليهوآله».
فقام فبايعه ، ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا ، فسأل عنه ، فقام ناس من الأنصار فأتوا به ، فجاء ، فقال أبو بكر : قلت : ابن عم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وختنه على ابنته ، أردت أن تشق عصا المسلمين؟!
قال : لا تثريب يا خليفة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فبايعه (١).
قال أبو الربيع : وذكر غير ابن عقبة : أن أبا بكر قام في الناس بعد مبايعتهم إياه ، يقيلهم في بيعتهم ، ويستقيلهم فيما تحمله من أمرهم ، ويعيد ذلك عليهم ، كل ذلك يقولون : والله لا نقيلك ولا نستقيلك ، قدمك رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فمن ذا يؤخرك (٢).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٦. وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٧٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٦٩ وج ٦ ص ٣٣٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٩٤ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٧٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ١٤٣ وكنز العمال ج ٥ ص ٦١٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ١٠ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٤٨٥.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٧. وراجع : والامامة والسياسة (بتحقيق الزيني) ج ١ ص ٢٢ و (بتحقيق الشيري) ج ١ ص ٣٣ والعثمانية للجاحظ ص ٢٣٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٤ ص ٣٤٥ وطبقات المحدثين بأصبهان لابن حبان ج ٣
قال العلامة الأميني : اكتفى عمر بن الخطاب بقوله : «من له هذه الثلاث؟ : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) (١).
وبقوله له : إن أولى الناس بأمر نبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار ، وأبو بكر السباق المسن.
وبقوله يوم بيعة العامة : إن أبا بكر صاحب رسول الله. وثاني اثنين إذ هما في الغار (٢).
ولما قال سلمان للصحابة : أصبتم ذا السن منكم ، ولكنكم أخطأتم أهل بيت نبيكم (٣).
وقال عثمان : إن أبا بكر الصديق أحق الناس بها ، إنه لصديق ، وثاني
__________________
ص ٥٧٦ وأضواء البيان للشنقيطي ج ١ ص ٣١ والغدير ج ٨ ص ٤٠.
(١) الآية ٤٠ من سورة التوبة.
(٢) عن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٣١١ والرياض النضرة ج ٢ ص ٢٠٣ و ٢٠٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ٣٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٤٧ و ٢٤٨ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٥ ص ٢٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٩٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٥٩. وراجع : صحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٢٩٨ ومسند الشاميين ج ٤ ص ١٥٦ وموارد الظمآن ج ٧ ص ٨١.
(٣) الغدير ج ٧ ص ٩٢ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٤٩ وج ٦ ص ٤٣ والبحار ج ٢٨ ص ٣١٤ والسقيفة وفدك للجوهري ص ٤٦ و ٦٩ والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج ٣ ص ٢٢٥.
اثنين ، وصاحب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» (١).
ونقول :
إن لنا مع ما تقدم وقفات عديدة. مع تذكيرنا بأن هذا العرض للأحداث غير سليم ، بل هو مصنوع بعناية ، وقد اختزل ، وحرّف ، وزادوا وتصرفوا فيه ، حسبما رأوا أنه يخدم عقيدتهم ، وميولهم ، ونذكر من هذه الوقفات :
توضيح بضع كلمات :
السقيفة : مكان مستطيل مسقوف ، يستظل به.
وبنو ساعدة : بطن من الأنصار. وكانت السقيفة لهم وفي محلتهم.
جذيلها : تصغير جذل ، عود ينصب للإبل الجربى ، تحتك به ، فتشفى .. والتصغير هنا للتعظيم. أي أنا من يستشفى برأيه :
والمحكك : الذي كثر به الحك حتى صار أملسا.
عذيق : تصغير عذق ـ بفتح العين ـ للتعظيم. وهو هنا النخلة. وأما بالكسر فهو العرجون.
المرجب : من الرجبة ـ بضم الراء وسكون الجيم ـ الذي يحاط به النخلة الكريمة مخافة أن تسقط. وإما من رجبت الشيء أرجبه رجبا. عظمته. وقد شدد مبالغة فيه (٢).
__________________
(١) كنز العمال ج ٥ ص ٦٥٣ والغدير ج ٧ ص ٩٢ وحديث خيثمة ص ١٣٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٧٦.
(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٩.
عمر ينكر موت الرسول صلىاللهعليهوآله :
وفور انتقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى الرفيق الأعلى ، بادر عمر بن الخطاب إلى إنكار موته «صلىاللهعليهوآله» وقال : ما مات رسول الله ، ولا يموت ، حتى يظهر دينه على الدين كله. وليرجعن وليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجف بموته. لا أسمع رجلا يقول : مات رسول الله إلا ضربته بسيفي.
واستمر على هذا الحال يحلف للناس على صحة ما يقول حتى ازبد شدقاه ، إلى أن جاء أبو بكر من السنح ، وهو موضع يبعد عن المسجد ميلا واحدا ، فكشف عن وجه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ثم خرج فقال لعمر الذي ما زال يحلف : أيها الحالف على رسلك .. وأمره ثلاث مرات بالجلوس ، فلم يفعل.
ثم قام خطيبا في ناحية أخرى ، فترك الناس عمر وتوجهوا إلى أبي بكر ، فقال : من كان يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، ثم تلا قوله تعالى : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (١).
وأظهر عمر أنه سلم وصدق ، قائلا : كأني لم أسمع هذه الآية (٢).
__________________
(١) الآية ١٤٤ من سورة آل عمران.
(٢) راجع : كنز العمال (ط الهند) ج ٣ ص ٣ و ١٢٩ وج ٤ ص ٥٣ و (ط مؤسسة الرسالة) ج ٧ ص ٢٤٤ وعن البخاري ج ٤ ص ١٥٢ وعن شرح المواهب للزرقاني ج ٨ ص ٢٨٠ وذكرى حافظ للدمياطي ص ٣٦ وتاريخ الأمم والملوك