الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-225-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٩٢

قريش والخلافة :

والحقيقة هي : أن قريشا كانت تفهم الخلافة بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على أنها مجرد حكم وسلطان ، يجلب لها المكاسب ، ويعزز نفوذها ، ويؤكد عظمتها وهيبتها ، ويعيد إليها احترامها في نفوس الناس ، ليصبح الخضوع والإنقياد لها على أساس من التدين ، لا لمجرد هيبة السلطان ، وأبهة الملك ..

أما النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكذلك علي «عليه‌السلام» ، فيرون أن المقام الذي أعطاه الله تعالى لعلي «عليه‌السلام» هو مقام الإمامة بمفهومها الإيماني العميق والدقيق. وما الخلافة إلا شأن من شؤونها ، مع إدراك عميق لمدى تأثير مبادرة قريش إلى إغتصاب الخلافة في تضييع قدر كبير من جهد الإمامة في العديد من جهات إمامته «عليه‌السلام» في الواقع العملي ..

أجواء دعت إلى السقيفة :

١ ـ لقد رأى الأنصار بأم أعينهم كيف تعامل المهاجرون مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فيما يرتبط بولاية علي «عليه‌السلام» بعد وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولا سيما محاولتهم قتله حين التنفير به في العقبة.

ثم ما جرى في حجة الوداع في عرفات ومنى.

٢٢١

ثم العصيان شبه المعلن للأمر بالمسير في سرية أسامة.

والعصيان الأكثر وضوحا وظهورا وإعلانا في قضية كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده.

ثم جرأتهم على الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وإيذاءه باتهامه في عقله ، وقولهم : غلبه الوجع ، أو إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليهجر.

ثم ما جرى في قضية صلاة أبي بكر ، وغير ذلك.

٢ ـ والأنصار يعلمون : أن أهل مكة حديثوا عهد بالإسلام ، كما أن أكثر المسلمين إنما أعلنوا إسلامهم أو استسلامهم في سنة تسع وعشر ..

٣ ـ ثم إنهم يعلمون أن قريشا كانت تعتبر أن الأنصار هم السبب في ظهور محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليهم ، وقد نصروه وآزروه ، وشاركوا في قتل صناديد العرب ، وفرسان قريش. وكانت مراجل حقدهم تغلي وتفور على الأنصار ، ولا تجد متنفسا لها مقبولا أو معقولا ..

٤ ـ إنهم كانوا يعلمون أيضا : أن قريشا وأكثر المهاجرين ، وسائر من يدور في فلكهم ، وما أكثرهم ، مصممون على عدم تمكين علي «عليه‌السلام» من الوصول إلى مقام الخلافة بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، مهما كلفهم الأمر .. وها هم يلمحون بوادر نجاحهم في مشروعهم الإستئثاري بالأمر ، والإقصائي للخليفة الشرعي تظهر بوضوح في ثنايا في الأحداث الأخيرة ..

٥ ـ ومن جهة أخرى فإنهم كانوا يخشون من انتقام قريش وأعوانها منهم ، إذا وصلت إلى الحكم والسلطان ، وأن تأخذ بثاراتها بصورة قاسية وشرسة.

٢٢٢

وقد صرحوا بخوفهم هذا في يوم السقيفة بالذات ، فقد قال الحباب بن المنذر : «ولكنا نخاف أن يليها بعدكم من قتلنا أبناءهم ، وآباءهم ، وإخوانهم» (١).

٦ ـ وإذا كانت الأمور تسير باتجاه إبعاد الأمر عن صاحبه الشرعي ، فإن في الأنصار من يملك هذا الطموح إلى تولي أمر الخلافة ، ويرى أن الساعين لإبعاد الأمر عن علي «عليه‌السلام» ليسوا بأفضل منه .. فلما ذا لا يتصدى هو لهذا الأمر ، ويبادر إليه؟!

وتاريخ الأنصار في نصرة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والتضحية في سبيل الدين لا يقل عن تاريخ المنافسين ، إن لم يكن هو الأكثر إشراقا وتألقا .. فلم يروا حرجا في استباق الأحداث ، والإجتماع في سقيفة بني ساعدة ، لينجزوا هذا الأمر ، وليجعلوا الآخرين أمام الأمر الواقع ..

التناقض في الموقف من الخلافة :

ثم إن شيعة أهل البيت «عليهم‌السلام» لا ينكرون وصول أبي بكر وعمر وعثمان إلى الخلافة ، ولكنهم يقولون : إنهم قد استولوا على هذا الأمر من صاحبه الشرعي المنصوب من قبل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غدير خم ، ولو أنهم لم يفعلوا ذلك ، وتركوا الأمور تسير بالإتجاه الذي

__________________

(١) راجع : حياة الصحابة ج ١ ص ٤٢٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٥٣ والبحار ج ٢٨ ص ٣٢٦ وقاموس الرجال ج ١٢ ص ١٠٨ وفتح الباري ج ١٢ ص ١٣٥ والسقيفة للمظفر ص ٩٧ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ١٨٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٧٥.

٢٢٣

يريده الله ورسوله لتغير وجه التاريخ بلا ريب ..

ويقولون أيضا : إن المشروعية تنشأ من النص .. فما قرره النص الصحيح من الله ورسوله هو الأساس.

ولكن هناك من يقول : إن الخلفاء لم يخالفوا فيما فعلوه ما أمر الله به ورسوله .. بل كان عملهم مشروعا ..

ولكنهم حين يريدون تحديد سبب هذه المشروعية ، فإنهم لا يكادون يستقرون على رأي ، وقد بدأ هذا الإضطراب في التبرير من الساعة الأولى. بل قبل بيعة عمر وأبي عبيدة لأبي بكر في السقيفة ، لأن أبا بكر وعمر قد استدلا على الأنصار بالقرابة من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وادعيا أنهما أمس برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ورحمه (١) ، وأنهم أولياؤه وعشيرته (٢) ، وأنهم عترة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأصله ، والبيضة

__________________

(١) راجع : نهاية الإرب ج ٨ ص ١٦٨ وعيون الأخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٣٣ والعقد الفريد (ط دار الكتاب العربي) ج ٤ ص ٢٥٨ والأدب في ظل التشيع ص ٢٤ نقلا عن البيان والتبيين للجاحظ.

(٢) راجع : تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج ٣ ص ٢٢٠ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج ٢ ص ٤٥٧ والإمامة والسياسة (ط الحلبي بمصر) ص ١٤ و ١٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٣٨ وج ٦ ص ٧ و ٨ و ٩ و ١١ والإمام الحسين للعلايلي ص ١٨٦ و ٢٩٠ وغيرهم .. وراجع : الإحتجاج ج ١ ص ٩٢ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ١٩٤ والبحار ج ٢٨ ص ١٨١ و ٣٢٥ و ٣٤٥ وج ٤٤ ص ٥٥ و ٦٤ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٢٩ و ٣٣٠ والامامة والسياسة (بتحقيق الزيني) ج ١ ص ١٤ و ١٥ و (بتحقيق الشيري) ج ١ ص ٢٤ و ٢٥ وكتاب الفتوح لابن أعثم ج ٤ ص ٢٨٥.

٢٢٤

التي تفقأت عنه (١).

واستدل أبو بكر على أهل السقيفة بأن الأئمة من قريش بعد حذف صدره ، هو قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : الأئمة اثنا عشر (٢) ، وأصبح كون الأئمة من قريش في جملة عقائد أهل السنة المعترف بها ، وقد اعترف ابن خلدون على ذلك بالإجماع ، ولم يخالف أبو بكر هذا الأصل ، لأنه حين شارف على الموت ، أوصى بالخلافة لعمر بن الخطاب ، ولكن من دون مراعاة لعنصر القرابة .. لا برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولا قرابته من نفسه.

لكن قول عمر : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته (٣) ، يعد خروجا

__________________

(١) راجع : العثمانية للجاحظ ص ٢٠٠ والمجموع للنووي ج ١٥ ص ٣٥٣ والشرح الكبير لابن قدامه ج ٦ ص ٢٣٢ وكشاف القناع للبهوتي ج ٤ ص ٣٤٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٣١٨ والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص ١٩ والسنن الكبرى لبيهقي ج ٦ ص ١٦٦ وغريب الحديث لابن قتيبة ج ١ ص ٤٧ و ٢٥٦ ولسان العرب ج ٤ ص ٥٣٨ وتاج العروس ج ٧ ص ١٨٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ٤١٦ والفايق في غريب الحديث ج ١ ص ١٥٠

(٢) راجع : الصواعق المحرقة ص ٦ والطرائف لابن طاووس ص ٤٠٠ والصوارم المهرقة ص ٥٩ و ١٩٠ والبحار ج ٣٤ ص ٣٧٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٣١٣ وج ٩ ص ٣٢٥ وفتح الباري ج ١٢ ص ١٣٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٨٦ والتفسير الكبير للرازي ج ٣ ص ١٤٧ والإحكام لابن حزم ج ٧ ص ٩٨٨ والمحصول للرازي ج ٢ ص ٣٥٧ وج ٤ ص ٣٢٢ و ٣٦٨ و ٣٨٣ وج ٦ ص ٥١ والإحكام للآمدي ج ٢ ص ٢٠٣ و ٢١١ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٣٣٩.

(٣) راجع : تفسير البحر المحيط ج ٤ ص ٣١٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ١ ـ

٢٢٥

على هذا الأصل لعدم كون سالم قرشيا ، وقد أحرج ذلك ابن خلدون ، وغيره من علماء أهل السنة وأوقعهم في حيص بيص (١).

كما أن ابن الأثير يقول وهو يتحدث عن البيعة لمحمد بن الشعث :

«.. والعجب كل العجب من هؤلاء الذين بايعوه بالإمارة وليس من قريش ، وإنما هو كندي من اليمن ، وقد اجتمع الصحابة يوم السقيفة على أن الإمارة لا تكون إلا في قريش ، واحتج عليهم الصديق بالحديث في ذلك ، حتى إن الأنصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين ، فأبى الصديق عليهم ذلك ، ثم مع هذا كله ضرب سعد بن عبادة الذي دعا إلى ذلك أولا ثم رجع عنه» (٢).

لكن ليت شعري متى رجع سعد عن ذلك. إنه أصر عليه إلى أن اغتالته يد السياسه بالشام على يد خالد بن الوليد ، ثم اتهموا الجن في ذلك ،

__________________

ص ١٩٤. وراجع : الطرائف ص ٤٨٣ والصوارم المهرقة ص ٧٣ والبحار ج ٢٨ ص ٣٨٣ وج ٢٩ ص ٣٧٨ وج ٣١ ص ٧٦ و ٨١ والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص ٣٩١ والغدير ج ٥ ص ٣٦٤ وج ٧ ص ٢٣١ وج ١٠ ص ٩ وعمدة القاري ج ١٦ ص ٢٤٦ وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ١١٥ و ٢٨٥ والإستيعاب لابن عبد البر ج ٢ ص ٥٦٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٢٦٥ والمحصول للرازي ج ٤ ص ٣٢٢ وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٤٦ والأعلام للزركلي ج ٣ ص ٧٣ والعثمانية للجاحظ ص ٢١٧ والوافي بالوفيات ج ١٥ ص ٥٨ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٨٦.

(١) راجع : العبر وديوان المبتدأ والخبر ج ١ ص ١٩٤.

(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٩ ص ٥٤. و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٩ ص ٦٦.

٢٢٦

ثم جاء الأمويون فادعوا لأنفسهم الخلافة بالإستناد إلى القربى النسبية ، حتى لقد حلف عشرة من قواد أهل الشام ، وأصحاب النعم والرياسة فيها ـ حلفوا للسفاح ـ على أنهم إلى أن قتل مروان لم يكونوا يعرفون أقرباء للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولا أهل بيت يرثونه غير بني أمية (١).

وقد قال الكميت :

وقالوا : ورثناه أبانا وأمنا

وما ورثتهم ذاك أم ولا أب (٢)

وقالت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب لمعاوية : «فوليتم علينا من بعده ، تحتجون بقرابتكم من رسول الله ونحن أقرب إليه منكم» (٣).

وكانت القربى النسبية هي الحجة التي استند إليها العباسيون في طلبهم للخلافة.

وخلاصة الأمر : أن أبا بكر وعمر استدلا على الأنصار بالقربى النسبية من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

__________________

(١) راجع : النزاع والتخاصم ص ٢٨ و (ط أخرى) ص ٧١ وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٥٩ ومروج الذهب ج ٣ ص ٣٣ والفتوح لابن أعثم ج ٨ ص ٩٥ و (ط دار الأضواء) ج ٨ ص ٣٣٩ ووفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان ج ٦ ص ١٠٢ وسير أعلام النبلاء ج ٦ ص ٧٩.

(٢) راجع : العقد الفريد ج ٢ ص ١٢٠ الروضة المختارة (شرح القصائد الهاشميات) للكميت ص ٣٢ والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ص ٥٦٦.

(٣) راجع : الطرائف ص ٢٨ والغدير ج ١٠ ص ١٦٧ وقاموس الرجال ج ١٢ ص ١٨٣ وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي «عليه‌السلام» لابن الدمشقي ج ٢ ص ٢٤٩.

٢٢٧

ولكن أتباعهما يقولون : إن سبب مشروعية بيعة أبي بكر هو بيعة أهل الحل والعقد له.

ويبقى موضوع النص يراود أحلامهم ، فلا يصرفون النظر عنه بسهولة ، فيدّعون تارة : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نص على أبي بكر ، وأنه أشار إليه تارة أخرى ، ولو في موضوع صلاة أبي بكر بالناس ، إبان مرض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

وقد حاول عمر بن الخطاب التسويق لهذا المنطق ، حيث ادّعوا أنه قال : «لقد أقامه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مقامه ، واختاره لدينهم على غيره ، وقال : يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».

وقد قلنا : إن هذا الكلام غير صحيح ، لا في مبناه ، ولا في معناه ..

أما عمر بن الخطاب نفسه فقد اعتمد مبدأ الشورى المفروضة بالقوة على بضعة أشخاص اختارهم هو بعناية. ومن دون أن يقدم مبررا لاستثناء جميع من عداهم ـ لقد اختارهم ـ بعد أن قرر أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يستخلف أحدا ..

وكل هذه التبريرات والإدعاءات لا يمكن القبول بها ، ولا الإعتماد عليها ، وقد روي أن عليا «عليه‌السلام» قال :

فإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وإن كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيب (١)

__________________

(١) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ٤ ص ٤٣ والتعجب للكراجكي ص ٥٤ والبحار ج ٢٩ ص ٦٠٩ وج ٣٤ ص ٤٠٦ والمراجعات للسيد شرف الدين ص ٣٤٠

٢٢٨

دعوى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف :

ثم إن هؤلاء الناس قد حشدوا روايات مجعولة ، زعموا أنها تصلح لرد النصوص المتواترة في إمامة علي «عليه‌السلام» ، أو أنها توجب الريب والشبهة فيها ، لدى من لا خبرة له بالأمر ، فقد ذكر الصالحي الشامي هنا ما يلي :

١ ـ حديث عن عمر بن الخطاب أنه قال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني ـ يعني : أبا بكر ـ وإن أترك فقد ترك من هو خير مني ، وهو رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

__________________

والنص والإجتهاد ص ٢١ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٣٨٤ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ٤١٦ وخصائص الأئمة للشريف الرضي ص ١١١.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣٠٩ وقال في هامشه : أخرجه البخاري ج ١٣ ص ٢١٨ (٧٢١٨) والبيهقي في الدلائل ج ٧ ص ٢٢٢ ومسلم في الإمارة باب الإستخلاف ج ٣ ص ١٤٥٤ (١١). وراجع : الإقتصاد للطوسي ص ٢٠٨ والرسائل العشر للطوسي ص ١٢٣ والكافئة للمفيد ص ٤٦ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٥٦٦ والبحار ج ٣٠ ص ١٤٣ وج ٣١ ص ٣٨٦ والغدير ج ١٠ ص ٩ ومسند أحمد ج ١ ص ٤٣ وصحيح البخاري ج ٨ ص ١٢٦ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٩٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ١٤٨ وعمدة القاري ج ٢٤ ص ٢٧٩ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ٤٢ وصحيح ابن حبان ج ١٠ ص ٣٣١ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١ ص ١٨٥ وج ١٧ ص ٢٢٠ وكنز العمال ج ٥ ص ٧٣٤ وتمهيد الأوائل للباقلاني ص ٥٠٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٣٤٣ والكامل لابن عدي ج ٥ ص ٣٧ وعلل الدارقطني ج ٢ ص ٧٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٤٢٨ وج ٤٤ ص ٤٣٢ و ٤٣٤ و ٤٣٥ وسير أعلام النبلاء ج ٩ ص ٢٦٧ وميزان الإعتدال ج ٣ ص ٢١١ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢٩٢

٢٢٩

٢ ـ عن علي «عليه‌السلام» أنه قال «يوم الجمل» : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا ، حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر ، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله ، ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر ، فأقام واستقام حتى ضرب بالدين بجرانه ، ثم إن أقواما طلبوا هذه الدنيا ، فكانت أمور يقضي الله عزوجل فيها (١).

٣ ـ عن ابن عباس : «أن عليا خرج من عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في وجعه الذي توفي فيه ، فقال الناس : يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟

فقال : أصبح بحمد الله بارئا.

قال : فأخذ بيده العباس ، فقال له : أنت والله بعد ثلاث عبد العصا.

__________________

والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٦٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٧٠ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ١ ص ٢١٢ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٧٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٩٧ وسبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣٠٩ والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج ٢ ص ١١٥ وج ٣ ص ١٠٢.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣٠٩ عن البيهقي وقال في هامشه : أخرجه البيهقي ج ٧ ص ٢٢٣. وراجع : الغدير ج ٥ ص ٣٦٥ وج ٨ ص ٤٠ ومسند أحمد ج ١ ص ١١٤ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٠٤ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ١٧٥ وتحفة الأحوذي ج ٦ ص ٣٩٦ وكنز العمال ج ٥ ص ٦٥٥ وضعفاء العقيلي ج ١ ص ١٧٨ وعلل الدارقطني ج ٤ ص ٨٦ و ٨٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٩١ و ٢٩٢ وكتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي ص ٤٦ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٧١.

٢٣٠

وإني والله لأرى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سوف يتوفاه الله من وجعه هذا ، إني أعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت ، فاذهب بنا إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فلنسأله فيمن هذا الأمر ، فإن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا كلمناه ، فأوصى بنا.

قال علي : إنا والله لئن سألناها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فمنعناها ، لا يعطيناها الناس بعده أبدا. وإني والله ، لا أسألها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

٤ ـ عن إبراهيم بن الأسود قال : قيل لعائشة : إنهم يقولون : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أوصى إلى علي.

قالت : بما أوصى إلى علي؟! وقد رأيته دعا بطست ليبول فيها ، وأنا مسندته إلى صدري ، فانخنس ، أو قال : فانحنث ، فمات ، وما شعرت. فيم يقول هؤلاء : إنه أوصى إلى علي؟! (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣٠٩ عن البخاري ، وابن جرير ، والبيهقي ، وقال في هامشه : أخرجه البخاري في المغازي حديث (٤٤٤٧) والبيهقي في الدلائل ج ٧ ص ٢٢٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣٠٩ عن البخاري ، والبيهقي ، وقال في هامشه : أخرجه البخاري في الوصايا وفي مرض النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومسلم ج ٣ ص ١٢٥٧ (١٩) وأحمد ج ٦ ص ٣٢ والبيهقي في الدلائل ج ٧ ص ٢٢٦. وراجع : ذخائر العقبى ص ٢٠٤ وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج ٥ ص ١٤١ والسنن الكبرى ج ٨ ص ١٤٩ وعمدة القاري ج ١٨ ص ٦٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٣١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٢٤٥ والتاريخ الكبير للبخاري ج ٥ ص ١٧٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٤٢٣ و ٤٢٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢

٢٣١

٥ ـ عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه قال : خطبنا علي فقال : من زعم أن عندنا كتابا نقرؤه ، ليس إلا كتاب الله وهذه الصحيفة صحيفة معلقة في سيفه ، فيها أسنان الإبل ، وأشياء من الجراحات ، فقد كذب (١).

٦ ـ عن أبي حسان أن عليا «عليه‌السلام» قال : ما عهد إلي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» شيئا خاصة دون الناس إلا شيئا سمعته منه في صحيفة في قراب سيفي الخ .. (٢).

__________________

ص ٤٣٦ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٢١ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٤٧ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٨٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٥٠ والنزاع والتخاصم للمقريزي ص ٧٧.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣٠٩ و ٣١٠ عن البخاري ، والبيهقي ، وقال في هامشه : أخرجه البخاري ، باب ذمة المسلمين ، وفي باب إثم من عاهد ثم غدر ، وعن أحمد ج ١ ص ٨١ وعن أبي داود في المناسك ج ٢ ص ٢١٦ والبيهقي في الدلائل ج ٧ ص ٢٢٧ و ٢٢٨. وصحيح البخاري ج ٨ ص ١٤٤ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١١٥ و ٢١٧ وسنن الترمذي ج ٣ ص ٢٩٧ وعمدة القاري ج ٢٥ ص ٣٨ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٣٩١ ومسند أبي يعلى ج ١ ص ٢٢٨ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٧ ص ٣٣ ورياض الصالحين للنووي ص ٦٩٥ وتنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للذهبي ج ٢ ص ٣٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٠ عن أبي داود في المناسك ج ٢ ص ٢١٦ (٢٠٣٥).

وراجع : المحلى لابن حزم ج ١٠ ص ٣٥٤ ومسند أحمد ج ١ ص ١١٩ وسنن النسائي ج ٨ ص ٢٤ وفتح الباري ج ٤ ص ٧٣ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٢٣٢ وعون المعبود ج ٦ ص ١٣ والسنن الكبرى للنسائي ج ٤ ص ٢٢٠ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٤ ص ٢٠٤ وكنز العمال ج ١٤ ص ١٢٩ وإمناع الأسماع ج ١٤ ص ٤٨٣.

٢٣٢

ونقول :

إنه لا يمكن قبول ذلك كله ، لأسباب عديدة :

١ ـ إن بيعة الغدير حجة دامغة تكذب كل هذه الأباطيل ، يضاف إلى ذلك عشرات النصوص الصريحة والصحيحة في إمامة علي «عليه‌السلام» ، ووصايته لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

٢ ـ ما جرى على الزهراء «عليها‌السلام» ، من ضرب ، وإسقاط جنين ، وإهانة ، وكذلك عليها وعلى علي «عليهما‌السلام» حين أرادوا إحراق بيتهما على من فيه ، حتى إن عليا «عليه‌السلام» لم يبايع حتى رأى الدخان يخرج من بيته .. بل هو لم يبايع إلا مكرها ، حتى بعد استشهاد السيدة الزهراء «عليها‌السلام». إن ذلك يدل دلالة واضحة على عدم صحة تلك الروايات عن علي «عليه‌السلام» وغيرها مما ذكر آنفا ..

٣ ـ ما ذا يصنع هؤلاء القوم بالنصوص التي امتلأت بها كتبهم ، والتي تتحدث عن امتناع كثيرين من كبار صحابة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ومن جملتهم علي «عليه‌السلام» والهاشميون ، من القبول بخلافة أبي بكر ، كما أن الكثير منهم إنما بايعوا تحت وطأة التهديد والوعيد ، بل والضرب والإهانة ..

٤ ـ ما ذا يصنع هؤلاء أيضا بما رووه عن علي «عليه‌السلام» وأبنائه من بعده من خطب ورسائل ، وكلمات ، واحتجاجات ، تدل على عدم رضاهم بأبي بكر ، وتبين أنه غاصب لحقهم ، متصد لما ليس له ..

٥ ـ إن خطبة علي «عليه‌السلام» ، وقوله فيها : من زعم أن عندنا كتابا نقرؤه إلا كتاب الله ، وهذه الصحيفة ، إنما هي رد على اتهامهم إياه بأنه يدعي

٢٣٣

أن عند أهل البيت «عليهم‌السلام» كتابا سوى القرآن ، كانوا يتداولونه فيما بينهم.

ولعل هناك من نسب إليهم أنهم يدعون وجود كتاب لهم من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في أمر الخلافة ، فيطالبهم بإخراجه لهم.

مع أن الثابت هو : أن عمر بن الخطاب قد منع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من كتابة ذلك الكتاب ، واتهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بما اتهمه به ، مما نربأ بأنفسنا عن التفوه به إلا على سبيل الحكاية لما جرى.

٦ ـ إن حديث قول علي «عليه‌السلام» يوم الجمل لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا .. مكذوب على علي «عليه‌السلام» ، فإن أهل السقيفة لم يستشيروا عليا «عليه‌السلام» ولا أشركوه في شيء من أمرهم ، بل استبدوا بالأمر ، ثم هو جم بيت علي «عليه‌السلام» ، وضربت زوجته ، وأسقط جنينها لإجباره على البيعة ، ثم لم يبايع إلا جبرا بعد أن استشهدت «عليها الصلاة والسلام» ، فقد روي عن عائشة : لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة ، وصرحت بذلك نصوصهم ، فراجع (١).

ولم يكن علي «عليه‌السلام» ليقول في حرب الجمل ما يكذب به حديث البيعة له في يوم الغدير ، ولا غيره من الأحاديث الثابتة والصريحة.

__________________

(١) راجع : فتح الباري ج ٧ ص ٣٧٩ وراجع : الفصول المختارة للشريف المرتضى ص ٥٦ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٥٤ والبحار ج ١٠ ص ٤٢٧ وج ٢٨ ص ٣١٢ و ٣٤٩ و ٣٥٨ و ٣٩١ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٢٢ وج ٦ ص ١٢ والإمامة والسياسة لابن قتيبة (بتحقيق الزيني) ج ١ ص ٢٠ و (بتحقيق الشيري) ج ١ ص ٣١.

٢٣٤

٧ ـ دعوى عمر : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يستخلف ، إنما جاءت ممن يجر النار إلى قرصه ، ويريد تبرئة نفسه.

٨ ـ حديث العباس وعلي «عليه‌السلام» لا يصح أيضا ، إذ هو يتضمن الإتهام لأمير المؤمنين «عليه‌السلام» بعدم مراعاته لجانب التقوى والدين ، لرفضه «عليه‌السلام» سؤال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن حكم شرعي ، يرتبط بأمر الخلافة بعد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، طمعا منه في الدنيا ، وحبا منه لها ، وهذا ما نجله «عليه‌السلام» عنه ، ولا يرضى مسلم بأن ينسبه إليه.

٩ ـ إن ما يقولونه هنا يكذب ما يدّعونه من دلالة صلاة أبي بكر على استخلاف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» له ، بالإضافة إلى روايات أخرى مزعومة في هذا المجال.

١٠ ـ حديث العباس وعلي «عليه‌السلام» لا يمكن أن يصح ، وإن رواه البخاري ، فإن حديث الغدير المتواتر بأسانيد صحيحة يكذبه.

١١ ـ من أين عرف العباس أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سيموت بعد ثلاث ، أو أنه سوف يموت من وجعه ذاك؟ هل أطلعه الله على غيبه؟ أم أن ملك الموت أخبره؟!

١٢ ـ لقد كان بإمكان العباس أن يسأل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن أي شيء ، من دون حاجة إلى أخذ علي «عليه‌السلام» معه.

ولو صح ، فلما ذا لم يأخذ معه أي رجل آخر غير علي «عليه‌السلام».

١٣ ـ ما معنى أن يطلب العباس من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يوصي خليفته أو الناس ببني هاشم ، إن كان الخليفة من غيرهم؟! فهل لم

٢٣٥

يكن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعرف واجباته ، ولا يميز ما ينبغي له أن يفعله ، مما لا ينبغي؟! فإن كانت هناك حاجة لهذه الوصية ، فسيفعلها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإن لم يكن لها حاجة فلا معنى لطلبها منه.

١٤ ـ إن العباس لم يكن يريد من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يخبره بالغيب ، بل هو يريد منه أن يخبره بالحكم والشرع الإلهي. مما يعني : أن الأمر بنظر العباس يدور بين أمرين ، لا ثالث لهما ، فهو إما في بني هاشم ، ولا يحق لغيرهم التصدي له ، أو في غيرهم ، ولا يحق لبني هاشم التصدي له. مع أن أحدا لم يدّع ذلك سوى عمر بن الخطاب .. ومن زعم عمر أنهم من قريش ، وأنهم يوافقونه عليه ، حين قال : لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد ، أو نحو ذلك مما ذكرناه في موضع آخر من هذا الكتاب ..

ولكن الفرق هو : أن عمر بن الخطاب لم يدّع أن ذلك من القرارات الشرعية الإلهية ، بل ادّعى أن قريشا لا ترضى بذلك ، ولم ينسبه لا إلى الله ولا إلى رسوله.

ولكن العباس يقول : إن ذلك من القرارات الإلهية.

١٥ ـ بناء على ما تقدم : فإن رواية العباس وعلي «عليه‌السلام» تدعونا إلى مطالبة من ينكر استخلاف علي «عليه‌السلام» بالنص الذي يعين غير علي «عليه‌السلام» للخلافة ، ويصرح بإبطال خلافة بني هاشم من أساسها ..

فإذا سلّم هذا الفريق بضرورة وجود هذا النص ، استنادا إلى تلك الرواية ، انحلت المشكلة ، لأن النصوص التي لا مجال لإحصائها لكثرتها وتنوعها تعيّن خلافة علي «عليه‌السلام» وتؤكدها ، وهم أنفسهم لا يدّعون النص على أبي بكر ، بل يثبتون خلافته ببيعة أهل الحل والعقد له ..

٢٣٦

١٦ ـ وأما حديث عائشة : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مات على صدرها ، ولم يوص لأحد .. فيكذبه :

أولا : إنه قد مات على صدر علي «عليه‌السلام» ، والروايات في ذلك كثيرة (١).

ثانيا : إن الوصية لعلي «عليه‌السلام» لا تنحصر بلحظة الوفاة ، بل يمكن

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٦١ عن الشيخين ، وعن ابن سعد ، وراجع : صحيح البخاري ج ٥ ص ١٤١ وفتح الباري ج ٨ ص ١٠٦ و ١٠٧ وعمدة القاري ج ١٨ ص ٦٦ و ٧٠ و ٧١ والمعجم الكبير ج ٢٣ ص ٣٢ وضعفاء العقيلي ج ٢ ص ٢٥٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٦ ص ٣٠٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٦٠ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٩٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٧٥ الأمالي للمفيد ص ٢٣ ونهج البلاغة (بشرح عبده) ج ٢ ص ١٧٢ و ١٨٢ والبحار ج ٢٢ ص ٥٤٠ و ٤٥٩ و ٥٤٢ وج ٣٢ ص ٥٩٥ وج ٣٤ ص ١٠٩ و ١٤٧ وج ٣٨ ص ٣٢٠ وج ٤٣ ص ١٩٣ وج ٧٤ ص ٣٩٧ والمراجعات للسيد شرف الدين ص ٣٢٩ و ٣٣٠ والكافي ج ١ ص ٤٥٩ وروضة الواعظين ص ١٥٢ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للمير جهاني ج ٢ ص ٢١٥ والغدير ج ٩ ص ٣٧٤ ودلائل الإمامة للطبري (الشيعي) ص ١٣٨ وشرح نهج للمعتزلي ج ١٠ ص ١٧٩ و ١٨٢ و ٢٦٥ و ٢٦٦ وقاموس الرجال ج ١٢ ص ٣٢٤ وكشف الغمة ج ٢ ص ١٢٧ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ١٠ ص ٤٨١ وج ٢٥ ص ٥٥١ وج ٣٣ ص ٣٨٥ وعلل الشرائع للصدوق ج ١ ص ١٦٨ وخصائص الأئمة للشريف الرضي ص ٥١ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٩٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ٣ ص ١٤٦ ومستدرك سفينة البحار ج ١٠ ص ١١٧ وينابيع المودة ج ٣ ص ٤٣٦.

والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٢٦٣ وراجع : ومجمع الزوائد ج ١ ص ٢٩٣.

٢٣٧

أن يوصي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» له قبل ذلك بسنوات ، أو بأشهر ، أو بأيام ، ويمكن أن يوصي له في بيته ، وفي مسجده ، وفي سفره وحضره و .. الخ ..

ثالثا : إن كون علي «عليه‌السلام» هو الوصي لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من بديهيات التاريخ ، والنصوص في ذلك كثيرة ، ويكفي أن نشير إلى بعض ما قيل في ذلك في عهد علي «عليه‌السلام» نفسه.

قال عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب :

ومنا علي ذاك صاحب خيبر

وصاحب بدر يوم سالت كتائبه

وصي النبي المصطفى وابن عمه

فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه

وقال عبد الرحمن بن جعيل :

لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة

على الدين معروف العفاف موفقا

عليا وصي المصطفى وابن عمه

وأول من صلى أخا الدين والتقى

وقال أبو الهيثم بن التيهان ، وكان بدريا :

إن الوصي إمامنا وولينا

برح الخفاء ، وباحت الأسرار

وقال عمر بن حارثة الأنصاري ، وكان مع محمد بن الحنفية يوم الجمل ، وقد لامه أبوه «عليه‌السلام» لما أمره بالحملة ، فتقاعس :

أبا حسن أنت فصل الأمور

يبين بك الحل والمحرم

إلى أن قال :

فأعجلته والفتى مجمع

بما يكره الرجل المحجم

سمي النبي وشبه الوصي (١)

ورايته لونها العندم

__________________

(١) أي أن محمد بن الحنفية يشبه أباه الذي هو الوصي.

٢٣٨

وقال رجل من الأزد يوم الجمل :

هذا علي وهو الوصي

آخاه يوم النجوة النبي

وقال : هذا بعدي الولي

وعاه واع ونسي الشقي

وخرج يوم الجمل غلام من بني ضبة ، شاب معلم ، من عسكر عائشة وهو يقول :

نحن بن ضبة أعداء علي

ذاك الذي يعرف فينا بالوصي

وفارس الخيل على عهد النبي

ما أنا عن فضل علي بالعمي

وقال سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل ، وكان في عسكر علي «عليه‌السلام» :

أية حرب أضرمت نيرانها

وكسرت يوم الوغى مرّانها

قل للوصي أقبلت قحطانها

فادع بها تكفيكها همدانها

هم بنوها وهم إخوانها

وقال زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل ، وكان من أصحاب علي «عليه‌السلام» :

كيف ترى الأنصار في يوم الكلب

إنا اناس لا نبالي من عطب

ولا نبالي في الوصي من غضب

وإنما الأنصار جدّ لا لعب

هذا علي وابن عبد المطلب

ننصره اليوم على من قد كذب

من يكسب البغي فبئسا اكتسب

وستأتي أبيات حجر بن عدي أيضا :

وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري ، ذو الشهادتين ـ وكان بدريا ـ في يوم

٢٣٩

الجمل أيضا :

يا وصي النبي قد أجلت الحر

ب الأعادي وسارت الأضعان

واستقامت لك الأمور سوى الشام

وفي الشام يظهر الأذعان

وقال خزيمة أيضا في يوم الجمل :

أعائش خلي عن علي وعيبه

بما ليس فيه إنما أنت والدة

وصي رسول الله من دون أهله

وأنت على ما كان من ذاك شاهدة

وقال ابن بديل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل أيضا :

يا قوم للخطة العظمى التي حدثت

حرب الوصي وما للحرب من آسي

الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربت

تلك القبائل أخماسا لأسداس

وقال عمرو بن أحيحة يوم الجمل ، في خطبة الحسن بن علي «عليه‌السلام» بعد خطبة عبد الله بن الزبير :

حسن الخير يا شبيه أبيه

قمت فينا مقام خير خطيب

إلى أن قال :

وأبى الله أن يقوم بما قام

به ابن الوصي ، وابن النجيب

ان شخصا بين النبي لك الخير

وبين الوصي غير مشوب

وقال زحر بن قيس الجعفي يوم الجمل أيضا :

أضربكم حتى تقروا لعلي

خير قريش كلها بعد النبي

من زانه الله وسماه الوصي

إن الولي حافظ ظهر الولي

كما الغوي تابع أمر الغوي

ذكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف ، لوط بن يحيى ، في كتاب :

٢٤٠