الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-225-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٩٢

٤ ـ قد ذكروا : أن إبراهيم الديزج قد نبش قبر الإمام الحسين «عليه‌السلام» ، بأمر من المتوكل ، فوجده طريا ، على بارية جديدة .. (١).

٥ ـ إنهم يقولون : إنهم حفروا في الرصافة بئرا ، فوجدوا فيها شعيب بن صالح (٢).

ويروى أن أبا هارون العبدي «المكفوف» دخل على الإمام الصادق «عليه‌السلام» وأنشده قوله في رثاء الإمام الحسين «عليه‌السلام» :

أمرر على جدث الحسين

وقل لأعظمه الزكية

يا أعظما لا زلت من

وطفاء ساكبة روية (٣)

ولم يعترض عليه الإمام «عليه‌السلام» في ذلك ، ولم يقل له : إن جسد الحسين ليس موجودا في ذلك الجدث ، بل هو في السماء.

مع ملاحظة : أن الحديث عن الأعظم الزكية من قبل الشاعر يراد به

__________________

ومصباح الفقيه (ط. ق) ج ١ ق ٢ ص ٤٣٠ والتفسير الصافي ج ٣ ص ٥١ وجواهر الكلام ج ٤ ص ٣٤٤ وراجع : جامع أحاديث الشيعة ج ٣ ص ٣٩٤.

(١) الأمالي للطوسي ص ٣٢٦ والبحار ج ٤٥ ص ٣٩٤ والعوالم للشيخ عبد الله البحراني ص ٧٢٤ ، ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٣٨٦ وراجع : مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهانى ص ٣٩٦.

(٢) البحار ج ٩٧ ص ١٣١.

(٣) البحار ج ٤٤ ص ٢٨٧ و ٢٨٨ ، والعوالم ص ٥٤١ ، والغدير ج ٢ ص ٢٣٥ و ٢٣٦ والجوهرة في نسب الإمام علي وآله للبري ص ٤٨ ومثير الأحزان لابن نما الحلي ص ٦٤ والمجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة للسيد شرف الدين ص ١٤٦.

٢٠١

الحديث عن الجسد كله ، ولا يراد به الإشارة إلى فنائه.

فذلك كله يدل على أن أجساد الأنبياء والأوصياء موجودة في القبور ، ولم ترفع إلى السماء.

وقفات مع الروايات :

ولا بد لنا هنا من إلقاء نظرة على الروايات المذكورة ، لكي نرى إن كانت تكفي للدلالة على المدّعى أم لا ، فنقول :

ألف : حديث الإستسقاء بعظم نبي :

إن الحديث الذي ذكر : أن نصرانيا وجد عظم نبي فكان يكشفه للسماء ، فيهطل المطر ، لا يدل على أن الأنبياء لا بد أن يكونوا في قبورهم بالفعل ..

وذلك لعدة أسباب :

أولا : لقد دلت الروايات على أن الله تعالى قد حرم لحوم الأنبياء على الأرض. في حين أن هذه الروايات تقول : إن أجسادهم فنيت ، وبقيت عظام منها ..

وقد أثبتت الوقائع : أن أجساد بعض المؤمنين والشهداء ، ومنهم الحر بن يزيد الرياحي قد بقيت غضة طرية رغم توالي القرون والأحقاب.

وورد أن من يواظب على غسل الجمعة ، لا يفنى جسده ، كرامة من الله تعالى له.

إلا أن يقال : إن الحديث الوارد عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، يقول :

٢٠٢

«إن الله حرم لحومنا على الأرض ، الخ ..» (١) ، وليس بالضرورة أن يكون الضمير في هذا الخبر راجعا للأنبياء ، فلعله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، يتحدث عن نفسه ، وعن أهل بيته الطاهرين ..

ثانيا : إنه ليس بالضرورة أن يكون العظم الذي أخذه ذلك الراهب من الأجزاء المتصلة بالجسد ، فقد يكون عظما من قبيل الضرس ، أو السن ، أو الظفر المدفون مع الجسد ، حيث يستحب دفن هذه الأجزاء ، التي تؤخذ من الجسد حال الحياة ..

وربما يشير إلى ذلك ما أظهرته الرواية المشار إليها ، من صغر حجم ذلك العظم ، حتى إن الراهب قد وضعه بين إصبعيه : السبابة والوسطى ..

وإذا كان الأمر كذلك ، فإن الحصول على هذا العظم لا يتناقض مع النصوص القائلة : إن أجساد الأنبياء لا تفنى ، فلعل الجسد باق ، وقد بقي معه ما دفن من أجزاء منفصلة عنه .. كالظفر ، والسن ، وما إلى ذلك ..

بل إن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة قد دلت على أن المجرمين والطغاة كانوا يقتلون النبيين بغير حق ، وكانوا يقطعون أجسادهم بالمناشير .. فلعل هذا الجزء من ذلك الجسد الطاهر قد قطع ثم دفن. وهو لم يفن بعد ..

__________________

(١) راجع : بصائر الدرجات ص ٤٦٣ و ٤٦٤ ومن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٩١ والبحار ج ٢٢ ص ٥٥٠ وج ٢٧ ص ٢٩٩ وتفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٣٩٤ ومستدرك سفينة البحار ج ١ ص ١٢٢ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ٣٠٢ والذكرى للشهيد الأول ج ٢ ص ٩٠.

٢٠٣

ب : حديث زيارة عظام آدم ويوسف :

وأما بالنسبة لحديث المفضل بن عمر ، حول زيارة عظام النبي آدم ، وبدن النبي نوح ، وجسم الإمام علي «عليه‌السلام» ، فنقول :

أولا : إن الحديث لا يصرح بموضع وجود تلك العظام ، وذلك البدن ، أو الجسد ، فلعله يزورها وهي في السماء ، لكن تكون زيارتها من ذلك الموضع الذي كانت قد دفنت فيه مطلوبة ، لأنها توجب وصول السلام والزيارة إلى المزور عن قرب (١) ، لخصوصية في موضع الدفن ..

ثانيا : قد يكون المراد بقوله : زر عظام آدم ، وبدن نوح ، وجسم علي ، هو التصريح بذلك في الكلام الذي يزورهم به ، فيقول مثلا : السلام على بدن نوح ، أو عظام آدم .. ونحو ذلك ..

وأما السبب في طلب هذا التصريح ، فيبقى سرا من الأسرار ، ليس لنا سبيل إلى معرفته ..

ثالثا : إننا حول نقل عظام النبي آدم والنبي يوسف «عليهما‌السلامه» ، نقول :

إنه لا بد من ثبوت ذلك بسند قابل للاحتجاج به ..

رابعا : لو سلمنا صحة الخبر بذلك ، فإننا نقول : قد صرحت الرواية بوجود عظام النبي آدم «عليه‌السلام» في تابوت تحت الماء ، وبأن عظام

__________________

(١) قد دلت على ذلك بعض الأحاديث ، فراجع الحديث الذي يصرح فيه برفع العظم ، واللحم ، والروح إلى السماء ، وهو الآتي في ضمن القسم الثاني من الأحاديث التي ذكرت رفع أجساد الأنبياء والأوصياء إلى السماء ..

٢٠٤

النبي يوسف «عليه‌السلام» أيضا قد استخرجت في صندوق من مرمر ـ وذلك يشير إلى أن تلك الجثة لم تكن قد دفنت بعد ، وأنها كانت مودعة في ذلك الموضع .. ربما ليتولى دفنها نبي من أولي العزم ، تشريفا للنبي آدم ، وللنبي يوسف «عليهما‌السلام» ، وتكريما لهما ..

خامسا : إن نقل الميت من مكان إلى مكان ، يحتاج إلى مبرر وسبب ، ولا نجد سببا معقولا يسمح بنبش قبر النبي يوسف «عليه‌السلام» ، إلا إذا كان هو الآخر ، قد وضع على سبيل الإيداع ـ لا الدفن ـ إلى أن تحين الفرصة لنقله إلى المكان الذي أعده الله ، ورضيه له ، على يد نبي من أنبياء الله تعالى ..

بل لقد ذكر البحراني رحمه‌الله في الدرة النجفية : أن المستفاد من جملة الأخبار : أن دفن الميت إنما يقع في موضع تربته التي خلق منها .. وقد جاء في صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما «عليهما‌السلام» : قال : من خلق من تربة دفن فيها ..

وعن الصادق «عليه‌السلام» : إن النطفة إذا وقعت في الرحم بعث الله ملكا ، فأخذ من التربة التي يدفن فيها ، فماثها في النطفة. فلا يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها ..

فلعل نقل عظام النبي آدم ويوسف ، قد جاء على هذا السبيل ، أي أنه قد أودع أولا في غير المكان المعد له .. ثم نقل ليدفن في تربته الحقيقية ..

تذكير :

قد يظن البعض : أن التعبير بكلمة عظام النبي آدم ، يشير إلى فناء جسم هذا النبي الكريم «عليه‌السلام» ..

٢٠٥

ونقول :

إنه بعد أن دلت الروايات على أن لحومهم محرمة على الأرض ، فإن ذلك يصلح قرينة على أنه «عليه‌السلام» ، قد أراد بالعظام جثة النبي آدم «عليه‌السلام» ..

لكنه عبر بهذه الكلمة ، لأنه بالعظام يكون قوام البدن ، فحملها ونقلها ، حمل ونقل للبدن كله ..

كما أن كون تلك العظام في التابوت المغمور بالمياه ، يشير إلى أن الأرض لم يكن لها مع بدنه «عليه‌السلام» ، صلة أو رابطة ، ولا طريق لها إليه لتأكل منه أو تترك ..

وأما ما ورد في الزيارة ، فالظاهر هو : أن المراد تخصيص العظام للنبي آدم بالزيارة ، والبدن للنبي نوح ، والجسم للإمام علي صلوات الله وسلامه عليهم ، لحكمة يعلمها الله تعالى ..

وربما يكون على طريقة التنويع في التعبير ، لغرض لا نعلمه ..

ج : إبراهيم الديزج وقبر الإمام الحسين عليه‌السلام :

أما فيما يرتبط بما يزعمونه من أن الديزج قد نبش قبر الإمام الحسين «عليه‌السلام» ، بأمر المتوكل ، فلا يصح الاحتجاج به أيضا ، وذلك لما يلي :

أولا : إن ذلك إنما يستند إلى إخبار الديزج نفسه ، وليس الديزج بمأمون ، بعد أن كان هو المتولي لحرث قبر الإمام الحسين ، وإجراء الماء عليه.

وقد أقر بأنه حتى بعد أن زعم أنه رأى جسد الإمام «عليه‌السلام» على بارية جديدة ، لم يرتدع عن إجراء الماء عليه ، وانتهاك حرمته بأمور أخرى.

٢٠٦

ولعله بأقواله هذه يريد أن يخفف من انتقاد الناس ، ومقتهم له ، وأن يلطف الأمر ، وأن يتخلص من بعض ما لحق به من سوء السمعة بسبب فعله ذاك ..

ثانيا : لو سلمنا صحة ما قاله الديزج ، فمن الذي قال : إن الذي شاهده هو خصوص جسد الإمام الحسين «عليه‌السلام» ، وما الذي أدراه به ، فلعله جسد بعض الشهداء الآخرين أو غيرهم ممن دفن في تلك البقاع المباركة ..

ثالثا : لو سلمنا صدق الديزج فيما أخبر به ، فنقول :

إن ذلك لا يمنع من أن يكون الجسد قد تمثل له ، أو أنه عاد إلى ذلك المكان الطاهر في تلك اللحظات ، لحكمة بالغة أرادها الله سبحانه ..

د : شعيب بن صالح :

وأما فيما يرتبط بجثة شعيب بن صالح ، التي وجدت في بئر ، فإننا نقول :

أولا : من الذي قال : إن الجثة التي وجدوها هي جثة شعيب بن صالح ، فلعلها جثة رجل آخر مدفون هناك ..

ثانيا : من الذي حدد لهم مكان دفن شعيب بن صالح؟! .. وما مدى صدق من أخبرهم بمكان دفنه هذا؟! .. ومن أين استقى معلوماته حول هذا الموضوع؟! ..

الطائفة الثانية :

أما الروايات التي تشير إلى أن أجساد الأوصياء تكون في السماء مع أجساد الأنبياء ، وأن أجساد الأنبياء ترفع ، فنذكر منها :

١ ـ ما روي عن حذيفة بن اليمان ، أنه قال : قال رسول الله «صلى الله

٢٠٧

عليه وآله» : «الأوصياء مع الأنبياء حيث كانوا. لو أن نبيا مات بالمغرب ، ومات وصيه بالمشرق ، لأمر الله تعالى الأرض أن تنقله إليه» (١).

٢ ـ روي : أن مما أوصى به الإمام علي ولده الإمام الحسن «عليهما‌السلام» ، قوله : «فإذا أردت الخروج من قبري ، فافتقدني ، فإنك لا تجدني ، وإني لا حق بجدك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

واعلم يا بني ، ما من نبي وإن كان مدفونا بالمشرق ، ويموت وصيه بالمغرب ، إلا ويجمع الله عزوجل بين روحيهما ، وجسديهما ، ثم يفرقان فيرجع كل واحد منهما إلى موضع قبره ، إلى موضعه الذي حط فيه ، الخ ..» (٢).

٣ ـ عن سعد الإسكاف ، عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» ، قال : لما أصيب أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، قال للحسن والحسين «عليهما‌السلام» : غسلاني ، وكفناني ، وحنطاني ، واحملاني على سريري ، واحملا مؤخره تكفيا مقدمه ، فإنكما ستنتهيان إلى قبر محفور ، ولحد ملحود ، ولبن موضوع ، فالحداني ، واشرجا اللبن علي ، وارفعا لبنة مما يلي رأسي ، فانظرا ما تسمعان ..

فأخذا اللبنة من عند رأسه ، بعد ما أشرجا عليه اللبن ، فإذا ليس في القبر شيء ، وإذا هاتف يهتف : أمير المؤمنين كان عبدا صالحا ، فألحقه الله بنبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء ، حتى لو

__________________

(١) المزار للمفيد ص ١٩٣ و (دار المفيد) ص ٢٢٤ وعن كنز الفوائد للكراجكي ص ٢٥٨ حديث ١٦ والبحار ج ٩٧ ص ١٣١ وج ١٨ ص ٢٩٨.

(٢) البحار ج ٤٢ ص ٢٩٢ والأنوار العلوية ص ٣٨٦.

٢٠٨

أن نبيا مات في المشرق ، ومات وصيه في المغرب ، لألحق الله الوصي بالنبي (١).

٤ ـ وفي نص آخر لوصية الإمام علي لولده «عليهما‌السلام» : «ثم ضع علي سبع لبنات كبار ، ثم انظر ، فإنك لن تراني في لحدي ..» (٢).

٥ ـ وفي حديث آخر عن أم كلثوم بنت علي ، تروي فيه حديث دفن أبيها الإمام علي «عليه‌السلام» :

«قالت أم كلثوم : فانشق القبر ، فلا أدري أغار سيدي في الأرض ، أم أسري به إلى السماء ..» (٣).

٦ ـ وروي عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أنه قال : أنا أكرم على الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث .. (٤).

٧ ـ عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» : ما من نبي ولا وصي يبقى في

__________________

(١) المزار للمفيد ص ١٩٢ والبحار ج ٤٢ ص ٢١٤ و ٢٣٦ وتهذيب الأحكام ج ٦ ص ١٠٦ وإثبات الهداة ج ٥ ص ٢ وفرحة الغري (منشورات الرضي ـ قم ـ إيران) ص ٣٠ و (نشر مركز الغدير للدراسات الإسلامية) ص ٦٠ وعن المناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٤٨٢ و ٤٨٣.

(٢) فرحة الغري (منشورات الرضي ـ قم ـ إيران) ص ٣٤ و (نشر مركز الغدير للدراسات الإسلامية) ص ٦٢ والبحار ج ٤٢ ص ٢١٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ٣ ص ٤٠٣ والغارات للثقفي ج ٢ ص ٨٤٦ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٣٣٢.

(٣) فرحة الغري ص ٣٥ و (نشر مركز الغدير للدراسات الإسلامية) ص ٦٤ والبحار ج ٤٢ ص ٢١٦ ح ١٧ وراجع : المناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ٣٤٨.

(٤) البحار ج ١٨ ص ٢٩٨ وج ٢٦ ص ٣٠٣ وج ٩٧ ص ١٣١ وكنز الفوائد للكراجكي ص ٢٥٨ ومستدرك سفينة البحار ج ٩ ص ٥١٧.

٢٠٩

الأرض بعد موته أكثر من ثلاثة أيام حتى ترفع روحه وعظمه ، ولحمه إلى السماء. وإنما تؤتى مواضع آثارهم ، ويبلغهم السلام من بعيد ، ويسمعونه في مواضع آثارهم من قريب (١).

٨ ـ عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» : لا تمكث جثة نبي ولا وصي في الأرض ، أكثر من أربعين يوما .. (٢).

٩ ـ عن عبد الله بن بكير ، بعد ما سأل الإمام الصادق «عليه‌السلام» عن مسائل عديدة ، قلت : جعلت فداك ، أخبرني عن الحسين «عليه‌السلام» ، لو نبش كانوا يجدون في قبره شيئا؟! ..

قال : يا ابن بكير ، ما أعظم مسائلك ، إن الحسين مع أبيه ، وأمه ، وأخيه الحسن ، في منزل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، يحيون كما يحيى ، ويرزقون كما يرزق ، فلو نبش في أيامه ، لوجدوا. وأما اليوم فهو حي عند ربه يرزق ،

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٦٧ والمزار للمفيد ص ١٨٩ و (ط دار المفيد) ص ٢٢١ وبصائر الدرجات ص ٤٦٥ وكامل الزيارات ص ٣٢٩ و ٣٣٠ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٣٤٥ وتهذيب الأحكام ج ٦ ص ١٠٦ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ١١٩ ومنتقى الجمان ج ١ ص ٣١٨ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٢ ص ٢٥٩ والبحار ج ١١ ص ٦٧ وج ٢٢ ص ٥٥٠ وج ٢٧ ص ٢٩٩ و ٣٠٠ وج ٩٧ ص ١٢٩ و ١٣٠ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٠ ص ٢٥٤.

(٢) البحار ج ٩٧ ص ١٣٠ وتهذيب الأحكام ج ٦ ص ١٠٦ والمزار ص ١٨٩ و (ط دار المفيد) ص ٢٢٠ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ١١٩ ومستدرك سفينة البحار ج ١ ص ١٢١.

٢١٠

وإنه لينظر إلى .. الخ .. (١).

وقفات مع الروايات :

إننا بغض النظر عن اعتبار أسانيد هذه الروايات وعدمه ، نقول : إن لنا مع هذه الروايات عدة وقفات ، يمكن أن نعرضها ضمن العناوين التالية :

إلحاق الوصي بالنبي بعد الموت :

هناك عدة روايات تحدثت عن لحوق الوصي بالنبي بعد الموت ، ويرد عليها :

أولا : إن رواية حذيفة قد ذكرت أن الأرض هي التي تنقل جسد الوصي إلى النبي ، وهذا يعني : أن اللقاء بينهما سوف يكون في الأرض ، لا في السماء .. إذ لو كان في السماء ، فلا بد من أن يكون الناقل لجسده هو ملك أو غيره ، وليس الأرض نفسها ..

ثانيا : لو سلمنا أنها لا تدل على ذلك ، فإننا نقول : إن الرواية لم تبين موضع هذا اللقاء بين النبي والوصي .. فلا بد من دليل آخر يثبت : أنه سيكون في السماء ..

__________________

(١) كامل الزيارات ص ٤٣٨ و ٢٠١ والبحار ج ٢٧ ص ٣٠٠ وج ٤٤ ص ٢٩٢ ومقاتل الطالبيين ص ٤٢٨ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٠ ص ٣٩٧ ومستدرك الوسائل ج ١٠ ص ٢٣٠ ومدينة المعاجز ج ٤ ص ٢١٧ والعوالم (المجلد الخاص بالإمام الحسين) ص ٥٣٤ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٢ ص ٢٦١ و ٥٥٥.

٢١١

وكذلك الحال بالنسبة للرواية الثانية ، وهي وصية الإمام علي «عليه‌السلام» ، لولده الإمام الحسن «عليه‌السلام» ، فإنها صريحة في أن النبي والإمام يرجعان إلى موضع قبريهما ، حيث قالت : ما من نبي ، وإن كان مدفونا بالمشرق ، ويموت وصيه بالمغرب ، إلا ويجمع الله عزوجل بين روحيهما ، وجسديهما ، ثم يفرقان ، فيرجع كل واحد منهما إلى موضع قبره ، إلى موضعه الذي حط فيه ..

ثالثا : بالنسبة لرواية سعد الإسكاف حول موت أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، وفقدانه من قبره بعد وضعه فيه ، بعد ما أشرجا عليه اللبن ، وأن الله تعالى ألحقه بنبيه ، نقول : إنها لم تبين لنا : إلى أين لحق به ، بل يظهر من التعبير بأنه يلحقه من المغرب إلى المشرق ، أن ذلك في الأرض ، لا في السماء ..

وبذلك يتضح : أن الرواية التي تقول : إنه «عليه‌السلام» ، قال للإمام : ثم انظر ، فإنك لن تراني في لحدي ..

وكذلك رواية أم كلثوم ، لا تدلان على أنه «عليه‌السلام» قد رفع إلى السماء أيضا ، بل هما ساكتتان عن ذلك ..

رواية الثلاثة أيام :

أما ما روي من أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، قال : أنا أكرم على الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث ..

وحديث : لا تمكث جثة نبي ، ولا وصي في الأرض ، أكثر من أربعين يوما .. فقد حاول البعض أن يسجل احتمال أن يكون المراد بقاءها على

٢١٢

الأرض قبل أن تدفن .. وقد يؤيد هذا الاحتمال : بأن الرواية لم تصرح بإصعاد الجثمان إلى السماء ..

كما وقد ورد في الروايات : أن بدن الإمام الكاظم ، وكذلك الإمام الهادي «عليهما‌السلام» ، قد بقيا ثلاثة أيام بلا دفن ..

بل لقد روي : أن بدن الإمام الهادي «عليه‌السلام» قد بقي عشرة أيام بلا دفن أيضا ..

ويروي أهل السنة أيضا مثل ذلك بالنسبة للرسول أيضا ، وأن كنا نعتقد أنه دفن بعد ساعات من استشهاده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، كما تدل عليه الشواهد القوية والحاسمة ..

غير أننا نقول :

إن جميع هذه المؤيدات لا تفيد ، إذ إن ظاهر الرواية يأبى ذلك ، فقد قالت : لا يدعني في الأرض ، وكلمة «في» تشير إلى الظرفية ، ولو كان المراد هو ما ذكروه لكان الأنسب أن يقول : على الأرض ..

إلا أن يقال : إن المقصود هو أن يتركه في الأرض مقابل السماء فتكون «في» بمعنى «على» كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (١).

رفع الروح ، واللحم ، والعظم :

وأما الرواية التي صرحت برفع روح النبي والوصي ، وعظمه ولحمه

__________________

(١) الآية ٨٤ من سورة الزخرف.

٢١٣

إلى السماء ، فلا بد من رد علمها إلى أهلها ، لأنها قالت : إن حال الروح حال العظم ، واللحم في ذلك .. مع أن الروح تصعد إلى بارئها ، بعد أن يقبضها ملك الموت ، فما معنى بقائها في الأرض مدة ثلاثة أيام؟! ..

إلا أن يقال : إن الروح بعد خروجها من الجسد تبقى قريبة منه طيلة هذه المدة ، وإن لم تكن حالة فيه ..

جسد الإمام الحسين عليه‌السلام :

وحول ما نقله ابن بكير ، عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» ، حول جسد الإمام الحسين «عليه‌السلام» ، نقول :

ألف : قد يقال : إن الجهر بالقول بأن الإمام «عليه‌السلام» قد رفع إلى السماء ، ربما يؤدي إلى إثارة جو من التشكيك والإتهام ، وله سلبيات لا بد من تحاشيها ، والتزام جانب الحكمة ، في الإجابة على الأسئلة المرتبطة به ..

ب : إن ابن بكير لم يسأل الإمام عن رفع جسد الإمام الحسين «عليه‌السلام» إلى السماء ، بل سأله عن أن جسده هل فني وبلي ، وصار ترابا ، كسائر الأبدان؟! أم أنه باق على حاله؟! ..

فأجابه الإمام على حسب ما يليق بحاله ، أو بحسب الظروف المحيطة به ، فأكد له : أنه لو نبش القبر في الأيام الأولى لوجد الجسد على حاله .. وأما بعد مضي عشرات السنين ، فهو حي عند ربه يرزق ..

ج : إن قوله «عليه‌السلام» : إنه حي عند ربه يرزق ، لا يثبت رفعه إلى السماء ، ولا ينفيه ، بل هو يتلاءم مع حالتي النفي والإثبات على حد سواء.

د : إنه لا يثبت أيضا فناء الجسد ولا ينفيه ، بل هو إجابة فيها مراعاة

٢١٤

لحال السائل ، الذي سوف يتفاجأ حتى لمجرد سماعه لخبر عدم فناء الجسد الطاهر ، فكيف لو أخبره بما هو أبعد من ذلك ، مثل رفعه إلى السماء مطلقا ، أو لفترة محدودة ..

ه : إن الأخبار قد دلت على أنه ليس للأرض في أبدانهم حقا ، وأن الله قد حرم لحومهم عليها .. ولكن الإمام «عليه‌السلام» لم يرد أن يجيب ابن بكير حتى بذلك ، بل ترك الأمر بدون بيان .. ولعل هذا يؤيد أن لا تكون أجسادهم «عليهم‌السلام» موجودة في قبورهم ..

النتيجة :

وبعد ما تقدم نقول :

قد ظهر أن أكثر الروايات المتقدمة لا يمكن الاستدلال بها على أن أجساد الأنبياء ترفع إلى السماء ، سوى رواية : أنا أكرم على الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث .. ورواية : أكثر من أربعين يوما ..

مع احتمال أن يكون المراد بكلمة «في» في قوله : «في الأرض» ، ليس هو الظرفية ، بل الكينونة عليها بعد الموت قبل الدفن ، على حد قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (١) ..

كما أنه يمكن أن يستدل برواية رفع الروح ، واللحم ، والعظم ، إذا قبلنا بالتوجيه الذي يقول : إن الروح تبقى قريبة من الجسد إلى أن ترفع معه إلى السماء ..

__________________

(١) الآية ٨٤ من سورة الزخرف.

٢١٥

الثلاثة أيام والأربعون :

ولكن يبقى أنه لا بد من الجمع بين رواية الثلاثة أيام ، ورواية الأربعين ..

ولم نجد في النصوص ما يصلح قرينة للجمع بين هذين النصين ، ولو بأن نحملهما على اختلاف درجات ومقامات الأنبياء ، سوى قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الرواية نفسها : أنا أكرم على الله من أن يدعني .. الخ ..

فإنه قد اعتبر ذلك من الكرامة الإلهية له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وليس في الأنبياء من يدانيه في ذلك ، فيكون إبقاؤه لمدة ثلاثة أيام فقط خاصا به «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وتمييزا له عن غيره من الأنبياء «عليهم‌السلام» ..

أما سائر الأنبياء ، حتى أولو العزم ، فإن الله أكرمهم برفعهم صلوات الله وسلامه عليهم وعلى نبينا وآله ، غير أنهم إنما يرفعون بعد مضي أيام قد تصل إلى الأربعين ..

وإنما قلنا ذلك لأن لحن الكلام ، يقتضي أن يكون رقم «الأربعين يوما» قد جاء لتحديد الغاية القصوى .. فلا مانع من أن يرفع بعضهم بعد موته بشهر ، أو أقل ، أو أكثر ، بحسب ما له من مقام عند الله تعالى ..

٢١٦

الباب الرابع عشر

السقيفة .. عرض وتحليل

الفصل الأول : ممهدات

الفصل الثاني : ما جرى في السقيفة

الفصل الثالث : الأنصار .. ضحية حنكة أبي بكر

الفصل الرابع : السقيفة .. انقلاب مسلح!!

الفصل الأخير : استدراكات لا بد منها

الخاتمة

٢١٧
٢١٨

الفصل الأول :

ممهدات

٢١٩
٢٢٠