الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-225-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٩٢

وقد يجاب عن هذا : باحتمال أن يكون الرسم المتقارب للكلمتين هو الذي أوقع الرواة في الاشتباه في القراءة.

٥ ـ في بعض تلك الروايات : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اتهم جماعة من اليهود بالأمر ، فجمعهم ، وسألهم عنه ، فأقروا به ..

وفي بعضها الآخر : أن المتهم به هو خصوص تلك المرأة منهم ..

٦ ـ بعضها يقول : إن الذي أكل هو بشر بن البراء فقط ، وبعضها الآخر يضيف قوله : وأكل القوم .. وبعض ثالث يقول : كانوا ثلاثة ، وضعوا أيديهم في الطعام ، ولم يصيبوا منه.

٧ ـ بعضها يقول : إن الذي حجم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في هذه المناسبة هو أبو طيبة وقيل : بل حجمه أبو هند ..

٨ ـ بعض الروايات يقول : إنه بعد اعتراف اليهودية بما فعلت ، أمرهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالتسمية ، والأكل من الشاة ، فأكلوا فلم يضر ذلك أحدا منهم ..

وبعضها الآخر يقول : لم يأكلوا .. وتضرر الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وتضرر بشر بن البراء ..

ثالثا : كيف يحسّ بشر بن البراء بالسم ، ثم لا يخبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالأمر ، ويتركه يمضغ ما تناوله ، ثم يبتلعه؟! ..

فهل كان يعتقد أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يموت؟! ..

أو أنه كان يعرف أنه يموت ، وأراد له ذلك؟!.

أو أنه لم يرده له .. ولكنه سكت عن إعلامه بالأمر؟!.

وكيف سكت؟!. ولما ذا؟!.

١٦١

رابعا : يقول بشر : إنه خاف أن ينغص على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» طعامه .. وهذا غريب حقا ، إذ كيف رضي من لا يحب أن ينغص على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» طعامه : أن يتناول هذا النبي ذلك السم ، ويموت به؟! ..

وهل تنغيص الطعام على الرسول أعظم وأشد عليه من موته «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!.

خامسا : كيف أقدم بشر على ازدراد ما يعلم أنه مسموم؟!.

وما معنى هذه المواساة منه للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بنفسه؟! ..

وهل يجوز له أن يقتل نفسه لمجرد المواساة؟!.

وما هي الفائدة التي توخاها من ذلك؟! ..

سادسا : هل الحجامة تنجي من السم حقا؟! .. ولو كانت كذلك ، فلما ذا لا يستفاد منها في معالجة من تلدغه الحية .. أو من يشرب سما خطأ ، أو عمدا؟! ..

ولما ذا أمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الذين وضعوا أيديهم في الطعام ولم يأكلوا منه أن يحتجموا؟!

سابعا : ما معنى قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : هذا أوان انقطاع أبهري ، فهل تناول السم يقطع العرق الأبهر ، حتى بعد أن تمضي على تناول ذلك السم سنوات عدة؟! ..

وما هو الربط بين هذا العرق ، وبين ذلك السم؟! ..

وهل كل من تناول سما ينقطع أبهره؟!

ثامنا : إن زينب بنت الحارث اليهودية قد اعتذرت للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن فعلتها الشنعاء تلك ، بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قتل أباها ،

١٦٢

وعمها ، وزوجها ، وأخاها ..

وأخوها ـ كما يزعمون ـ هو مرحب اليهودي (١) ، الذي قتله الإمام علي «عليه‌السلام»

ونحن نشك في صحة كون مرحب أخا لتلك المرأة ..

فإن هناك من يقول : إنه عمها (٢).

تاسعا : إن بعض الروايات كما في شرف المصطفى تحدثت عن أن اليهودية قد قتلت وصلبت ، حين مات بشر.

غير أننا نعلم : أنه ليس في العقوبات الإسلامية الصلب للقاتل .. لا سيما إذا أخذنا بروايات العفو عنها من قبل الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل ذلك .. حيث لا يحتمل أن تكون عقوبة قاتل غير النبي القتل والصلب ..

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٥ و ١٥٥ عن سنن أبي داود ، وبه جزم السهيلي وعن سنن أبي ج ٢ ص ٣٦٩ وشرح مسلم للنووي ج ١٤ ص ١٧٩ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٣٨١ والديباج على مسلم ج ٥ ص ٢٠٧ وعن عون المعبود ج ١٢ ص ١٤٨ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ١٢٨ وعمدة القاري ج ١٥ ص ٩١ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٨١.

(٢) راجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٢٠١ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٦ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٤٣٧ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٦٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٣٩ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٣١٠ و ٣١٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٩٨ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ٧٦٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٥٥ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٥٣. وفتح الباري (المقدمة) ص ٢٨٢ وج ٧ ص ٣٨١ والمعجم الكبير ج ٢ ص ٣٥ وكنز العمال ج ٧ ص ٣٧١ وراجع : البحار ج ٢١ ص ٦ وتفسير مجمع البيان ج ٩ ص ٢٠٤.

١٦٣

وأما آية : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١) ، فإنما هو في المحارب شرط أن يكون قد شهر السلاح ، وأخذ المال ، وضرب وعقر ، ولم يقتل ..

هذا كله : مع غض النظر عن أن روايات العفو عنها تناقض الروايات القائلة بأن بشرا قد مات من ساعته ، ولم يبق إلى سنة ..

يضاف إلى ذلك : أنها إنما فعلت ما فعلت قبل أن تسلم ، فإسلامها يجبّ ما قبله ، فلا معنى لقتلها إذا كانت قد أسلمت ، حتى لو مات بشر بعد العفو عنها.

عاشرا : ما ذكره أنس من أنه ما زال يعرف فيها ـ أي آثار السم ـ في لهوات رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»!! غريب ، إذ كيف يمكن أن يرى أنس ـ باستمرار ـ لهوات رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!. فإن اللهاة لا تكون ظاهرة للناس ، إذ هي لحمة حمراء معلقة في أصل الحنك ..

ولو أنه كان يرى لهواته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فما الذي كان يراه فيها ، هل كان يرى السم نفسه ، أو يرى صفرة أو خضرة ، أو ما ذا؟

وهل كان غير أنس يرى لهوات رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» علي الصفة التي كان أنس يراها فيها؟!

حادي عشر : ظاهر رواية المنتقى : أن بشرا قد التقط اللقمة التي لفظها

__________________

(١) الآية ٣٣ من سورة المائدة.

١٦٤

الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأكلها ، فمات منها ..

فلما ذا فعل ذلك يا ترى؟!. ألم يلتفت إلى أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد لفظها ، وأن ذلك قد كان لأمر غير محبب دعاه إلى ذلك؟!.

ولنفترض : أنه إنما أخذها ليتبرك بأثر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبريقه الشريف ، فإن السؤال هو : ألم يكن ينبغي أن ينهاه الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن أكلها ، بعد أن أحس بما فيها من سم قاتل؟! ..

أم تراه لم يره حين التقطها ، وأكلها!! وإذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعلن في نفس تلك اللحظة بأن الشاة أخبرته بأنها مسمومة ، ولفظ ما كان في فيه منها. فلما ذا يلتقطه بشر بعده؟!

هذا الحديث من طرق الشيعة :

أما ما رواه الشيعة في مصادرهم حول محاولة سم اليهودية له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فنذكر منه ما يلي :

١ ـ لقد جاء في التفسير المنسوب للإمام العسكري «عليه‌السلام» ما ملخصه :

إنه لما رجع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من خيبر ، جاءته امرأة من اليهود ـ قد أظهرت الإيمان ـ بذراع مسمومة ، وأخبرته أنها كانت قد نذرت ذلك له ..

وكان مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» البراء بن معرور ، والإمام علي «عليه‌السلام» ، فطلب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الخبز ، فجيء به ، فأخذ البراء لقمة من الذراع ، ووضعها في فيه ..

١٦٥

فقال الإمام علي «عليه‌السلام» : لا تتقدم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقال له البراء : كأنك تبخّل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

فأخبره الإمام علي «عليه‌السلام» : بأنه ليس لأحد أن يتقدم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأكل ولا شرب ، ولا قول ولا فعل ..

فقال البراء : ما أبخّل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

فقال الإمام علي «عليه‌السلام» : ما لذلك قلت. ولكن هذا جاءت به يهودية ، ولسنا نعرف حالها ، فإذا أكلتها بدون إذنه وكلت إلى نفسك ..

هذا .. والبراء يلوك اللقمة ، إذ أنطق الله الذراع ، فقالت : يا رسول الله ، إني مسمومة ، وسقط البراء في سكرات الموت ، ومات.

ثم دعا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالمرأة فسألها ..

فأجابته بما يقرب مما نقلناه فيما تقدم من مصادر أهل السنة.

فأخبرها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأن البراء لو أكل بأمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لكفي شره وسمه ..

ثم دعا بقوم من خيار أصحابه ، فيهم سلمان ، والمقداد ، وأبو ذر ، وصهيب ، وبلال ، وعمار ، وقوم من سائر الصحابة تمام العشرة ، والإمام علي «عليه‌السلام» حاضر ..

فدعا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الله تعالى ، ثم أمرهم بالأكل من الذراع المسمومة ، فأكلوا حتى شبعوا ، وشربوا الماء.

وحبس المرأة ، وجاء بها في اليوم التالي .. فأسلمت ..

ولم يصلّ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على البراء حتى يحضر الإمام علي «عليه‌السلام» ليحلّ البراء مما كلمه به حين أكل من الشاة .. وليكون

١٦٦

موته بذلك السم كفارة له ..

فقال بعض من حضر : إنما كان مزحا مازح به عليا ، لم يكن جدا فيؤاخذه الله عزوجل بذلك.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لو كان ذلك منه جدا لأحبط الله أعماله كلها. ولو كان تصدق بمثل ما بين الثرى إلى العرش ذهبا وفضة ، ولكنه كان مزحا وهو في حل من ذلك ، إلا أن رسول الله يريد أن لا يعتقد أحد منكم : أن عليا «عليه‌السلام» واجد عليه ، فيجدد بحضرتكم إحلالا ، ويستغفر له ، ليزيده الله عزوجل بذلك قربة ورفعة في جنانه .. الخ (١).

٢ ـ وفي رواية أخرى : أن امرأة عبد الله بن مشكم أتت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بشاة مسمومة ، ومع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بشر بن البراء بن عازب .. فتناول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الذراع فلاكها ، ولفظها ، وقال : إنها لتخبرني أنها مسمومة.

أما بشر فابتلعها فمات ..

ثم سأل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» اليهودية فأقرت (٢).

٣ ـ وفي رواية عن الأصبغ ، عن الإمام علي «عليه‌السلام» : أنه يقال

__________________

(١) راجع : البحار ج ١٧ ص ٣١٨ و ٣٢٠ و ٣٩٦ والتفسير المنسوب للإمام العسكري ص ١٧٧ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ١٢٨.

(٢) البحار ج ١٧ ص ٢٣٢ وراجع ص ٤٠٨ عن الخرائج والجرائح ، وقرب الإسناد ص ٣٢٦. وراجع : الخصائص الكبرى ج ٢ ص ٦٣ ـ ٦٥ وقرب الإسناد ص ٣٢٦ وقصص الأنبياء للراوندي ص ٣١١ والخرائج والجرائح ج ١ ص ٢٧ و ١٠٩ وج ٢ ص ٥٠٩.

١٦٧

للمرأة اليهودية : عبدة.

وأن اليهود هم الذين طلبوا منها ذلك ، وجعلوا لها جعلا.

فعمدت إلى شاة فشوتها ، ثم جمعت الرؤساء في بيتها ، وأتت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقالت : يا محمد ، قد علمت ما توجّب لي من حق الجوار ، وقد حضر في بيتي رؤساء اليهود ، فزينّي بأصحابك ..

فقام «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومعه الإمام علي «عليه‌السلام» ، وأبو دجانة ، وأبو أيوب ، وسهل بن حنيف ، وجماعة من المهاجرين ..

فلما دخلوا ، وأخرجت الشاة ، سدت اليهود آنافها بالصوف ،

وقاموا على أرجلهم ، وتوكأوا على عصيهم ..

فقال لهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : اقعدوا ..

فقالوا : إنا إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد ، وكرهنا أن يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذى به.

وكذبت اليهود لعنهم الله ، إنما فعلت ذلك مخافة سورة السم .. ودخانه ..

ثم ذكرت الرواية : تكلّم كتف الشاة ، وسؤال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعبدة عن سبب فعلها ، وجوابها له .. وأن جبرئيل هبط إليه وعلّمه دعاء ، فقرأه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكذلك من معه ، ثم أكلوا من الشاة المسمومة ، ثم أمرهم أن يحتجموا (١).

__________________

(١) راجع : الأمالي للصدوق ص ٢٩٤ والبحار ج ١٧ ص ٣٩٥ و ٣٩٦ وج ٩٢ ص ١٤٠ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٨٠ وروضة الواعظين ص ٦١ ومستدرك الوسائل ج ١٦ ص ٣٠٧ والثاقب في المناقب ص ٨١ والجواهر السنية ص ١٣٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ٢٣ ص ٥٤٢.

١٦٨

٤ ـ عن إبراهيم بن هاشم ، عن جعفر بن محمد ، عن القداح ، عن إبراهيم ، عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» : سمت اليهودية النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ذراع.

إلى أن قال : فأكل ما شاء الله ، ثم قال الذراع : يا رسول الله ، إني مسمومة.

فتركها ، وما زال ينتقض به سمه حتى مات «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

٥ ـ أحمد بن محمد ، عن الأهوازي ، عن القاسم بن محمد ، عن علي ، عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» : سم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم خيبر ، فتكلم اللحم ، فقال : يا رسول الله ، إني مسموم.

قال : فقال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، عند موته : اليوم قطعت مطاياي الأكلة التي أكلت بخيبر ، وما من نبي ولا وصي إلا شهيد (٢).

نقد الروايات :

وكما لم نتعرض لمناقشة أسانيد روايات أهل السنة ، رغم ما فيها من هنات وهنات ، فإننا سوف نغض النظر عن الحديث عن مناقشة روايات الشيعة أيضا ، وإن كنا نجد من بينها ما هو معتبر من حيث السند ، ونكتفي بمناقشة متونها ، فنقول :

أولا : قد ذكرت الرواية الأولى : أن البراء بن معرور هو الذي أكل من

__________________

(١) البحار ج ١٧ ص ٤٠٦ وج ٢٢ ص ٥١٦ وبصائر الدرجات ص ٥٢٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ٢٣ ص ٣١٨.

(٢) بصائر الدرجات ص ٥٢٣ والبحار ج ٢٢ ص ٥١٦ وج ١٧ ص ٤٠٥ وإثبات الهداة ج ١ ص ٦٠٤ ومختصر بصائر الدرجات ص ١٥.

١٦٩

الشاة المسمومة فمات.

مع أن البراء بن معرور ، قد توفي قبل أن يهاجر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى المدينة بشهر (١).

ولم يحضر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» موت البراء ، لكنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين هاجر زار قبره.

ويقال : إنه قد صلى على قبره (٢).

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ١ ص ٣٠٨ أسد الغابة ج ١ ص ١٧٤ والإصابة ج ١ ص ١٤٤ و ١٤٥ و (ط دار الكتب العلمية) الإصابة ج ١ ص ٤١٥ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ١٣٦ و (ط دار الجيل) ج ١ ص ١٥٢ وفتح الباري ج ٥ ص ٢٧٦ وج ٧ ص ١٧٣ والثقات لابن حبان ج ١ ص ١٣٦ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٦٢٠ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٣ ص ٢٣٩ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٤٧٤ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٨١ والبحار ج ١٩ ص ١٣٢ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٩١ وإعانة الطالبيين ج ٢ ص ١٢٣ وراجع : كنز العمال ج ١٣ ص ٢٩٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٦ ص ١٩.

(٢) راجع : السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ١ ص ٣٠٨ أسد الغابة ج ١ ص ١٧٤ والإصابة ج ١ ص ١٤٤ و ١٤٥ و (ط دار الكتب العلمية) الإصابة ج ١ ص ٤١٥ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ١٣٦ و (ط دار الجيل) ج ١ ص ١٥٢ والثقات لابن حبان ج ١ ص ١٣٦ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٦٢٠ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٩١ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٣ ص ٢٣٩ والبحار ج ١٩ ص ١٣٢ وإعانة الطالبيين ج ٢ ص ١٢٣ وراجع : كتاب الأم ج ١ ص ٣٠٩ وتلخيص الحبير ج ٥ ص ١٩٦ وتحفة الأحوذي ج ٤ ص ١١٢ وبغية الباحث ص ٩٨.

١٧٠

وقضية خيبر إنما كانت في السنة السابعة بعد الهجرة ، فكيف يكون البراء بن معرور قد مات من أكلة خيبر ، إذا كان قد مات قبلها بسبع سنوات؟!.

وقد يعتذر عن ذلك : بأن ثمة سقطا من الرواية.

وأن الصحيح هو : بشر بن البراء ..

غير أننا نقول :

إن تكرر كلمة البراء في الروايات مرات عديدة يأبى قبول هذا الإعتذار ، فإن السهو لا يتكرر في جميع الموارد عادة ، وهذا واضح.

ثانيا : إن هذه الروايات التي رواها الشيعة تختلف فيما بينها :

١ ـ فرواية التفسير المنسوب للإمام العسكري «عليه‌السلام» ، تقول :

إن الضحية هو البراء بن معرور.

وروايات أخرى تقول : إنه بشر بن البراء بن معرور.

ورواية ثالثة تقول : إنه بشر بن البراء بن عازب ..

٢ ـ رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري «عليه‌السلام» تقول : إن الذي مات ، قد مات وهو يلوك اللقمة.

والرواية التي بعدها تقول : إنه قد ابتلع اللقمة.

وقد يجمع بينها : بأن الذي يلوك اللقمة كثيرا ما يبتلع بعضها. فلعل كل رواية تحدثت عن شيء من ذلك بخصوصه. ولم تلحظ الخصوصية الأخرى.

٣ ـ يظهر من بعض تلك الروايات : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يأكل من الذراع ، وهي وإن كانت لا تنافي الرواية الأخرى التي تقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد لاك اللقمة ولم يسغها ..

١٧١

لكنها تناقض الرواية التي صرحت : بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أكل منها ما شاء الله ، بعد أن علمه جبرئيل دعاء ..

٤ ـ بعض الروايات يقول : إن إخبار الذراع له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأنها مسمومة كان قبل أن يسيغ اللقمة.

وغيرها يقول : إن الذراع تكلمت قبل أن يبدأ هو وأصحابه بالأكل منها.

وبعض آخر يقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أكل منها ما شاء الله ، ثم أخبرته الذراع بأنها مسمومة ..

٥ ـ الروايات تصرح بأن اليهودية هي زوجة سلام بن مشكم.

لكن رواية الخرائج والجرائح تقول : إنها امرأة عبد الله بن مشكم ، ولا نعرف أحدا بهذا الاسم فيما بين أيدينا من مصادر .. فإن وجد ، فالروايتان متناقضتان من هذه الجهة ..

٦ ـ الروايات تقول : إن اسم اليهودية زينب.

ورواية الأصبغ عن الإمام علي «عليه‌السلام» تقول : إنها يقال لها : عبدة ..

٧ ـ رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري «عليه‌السلام» تقول : إن القضية كانت في المدينة.

وسائر الروايات تقول : في خيبر ..

٨ ـ الروايات تتحدث عن أن اليهودية جاءته بذراع أو شاة مسمومة.

لكن رواية الأصبغ تقول : إن اليهودية دعته للإجتماع مع الرؤساء في بيتها ، حيث قدمت له الشاة المسمومة.

إلا أن يدّعى : أنها قد جاءته بها بعد قدومه إلى بيتها ..

١٧٢

٩ ـ وأخيرا .. هل جاءته بذراع؟! أم جاءته بشاة؟! إن الروايات قد اختلفت في ذلك.

وقد يدّعى أيضا : أنه لا مانع من إطلاق اسم الجزء على الكل.

وهناك موارد أخرى يظهر فيها هذا الإختلاف ، لا نرى حاجة إلى تتبعها.

ثالثا : إذا كان الإمام علي «عليه‌السلام» قد صرح بأنه يشك في هدية تلك اليهودية ، كما ذكرته رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري «عليه‌السلام» ، معللا ذلك بقوله : «ولسنا نعرف حالها».

فلما ذا لم يشك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيها أيضا ، ولم يحذّر من معه من الأكل منها قبل التثبت من حالها .. بل بادر فأكل منها ما شاء الله ، أو أنه لاك ما تناوله منها ، ثم أساغه ، أو لم يسغه ، حسب اختلاف الروايات؟! ..

ولما ذا لم يحذر الإمام علي «عليه‌السلام» النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، من الأكل منها ، كما حذر البراء بن معرور؟!

وإذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حاضرا في المجلس ينتظر إحضار الخبز ، وكان يسمع الحوار بين الإمام علي «عليه‌السلام» ، وبين ابن معرور ، فلما ذا لم يأخذ تحذير الإمام علي «عليه‌السلام» بعين الإعتبار؟! ..

بل لما ذا لم يؤثر هذا التحذير في البراء نفسه أيضا؟! فلم يرتّب أي أثر على هذا التحذير ، ولو بأن يلفظ ما كان في فمه ، حتى لو مات بعد ذلك بقليل.

رابعا : قد ذكرت رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري «عليه‌السلام» : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دعا قوما من خيار أصحابه .. ثم عددتهم ،

١٧٣

وذكرت من بينهم صهيبا. مع أن صهيب الرومي كما ذكرته الروايات والنصوص ، كان عبد سوء ، وهو ممن تخلف عن بيعة أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، وكان من أعوان المعتدين على الزهراء «عليها‌السلام» ، والغاصبين لحق الإمام علي «عليه‌السلام» ، بل كان من المعادين لأهل البيت «عليهم‌السلام» (١).

خامسا : كيف يدعو النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خيار أصحابه ليأكلوا من الشاة ، فيأكلون إلى حد الشبع ، ثم لا يصيبهم أي شيء. ويبقون أحياء بعد موته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عشرين عاما ، وأكثر من ذلك .. لكنه هو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وحده الذي يصاب؟!

حيث تذكر الروايات الأخرى : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد ثلاث سنوات قد وجد ألم أكلته بخيبر ، وأن عرقه الأبهر قد انقطع ..

بل بعض الروايات تقول : فما زال ينتقض به سمه حتى مات «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

سادسا : إن رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري «عليه‌السلام» قد ذكرت أيضا أمرا خطيرا ، نجل عنه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كل الإجلال .. وهو :

أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يصلّ على البراء ، بانتظار حضور الإمام علي «عليه‌السلام» ، لكي يحلّه مما كلمه به. وليكون موته بذلك السم كفارة له ..

ولكنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين اعترضوا عليه ، بأن البراء قد قال

__________________

(١) راجع : قاموس الرجال ج ٥ ص ١٣٥ ـ ١٣٧ وغيره من كتب التراجم.

١٧٤

ذلك مزاحا ، ولم يكن ليؤاخذه الله بذلك ، تراجع «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقال : «.. ولكنه كان مزحا ، وهو في حل من ذلك» ..

ثم اعتذر لهم عن موقفه الأول بأنه يريد أن لا يعتقد أحد منهم بأن الإمام عليا «عليه‌السلام» واجد عليه ، فأراد أن يجدد بحضرتهم إحلالا له ، ويستغفر له .. ليزيده الله بذلك قربة ورفعة في جنانه ..

وهذا معناه : أن هذه الرواية تنسب إلى رسول الله ـ والعياذ بالله ـ التدليس ، والإخبار بغير الحق .. ثم التراجع عن الموقف بعد ظهور الأمر .. و .. و .. الخ .. وحاشاه من ذلك كله ..

سابعا : هل صدّق رؤساء اليهود بنبوة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى قالوا له : إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد؟!

وكيف صدقهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والمسلمون في قولهم هذا؟!. ألم يكن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد زارهم قبل ذلك ، واجتمع بهم؟! فهل كانوا يقومون أيضا ، ويسدّون آنافهم بالصوف .. حتى لا يتأذى بأنفاسهم؟!.

وحين سدوا آنافهم بالصوف مخافة سورة السم ، هل تنفسوا من أفواههم بعد سد الآناف؟! ..

وهل التنفس من الفم يمنع من سورة السم حقا؟!

أم أنهم سدوها بالصوف ، والتزموا بأن يتنفسوا منها أيضا؟

إن الرواية لم توضح لنا ذلك!!

وإذا كان السم يؤثر إلى هذا الحد ، فلا حاجة بهم إلى إطعام الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الشاة ، بل يكفي أن يضعوها أمامه .. ويدخل السم

١٧٥

إلى بدنه الشريف عن طريق التنفس.

ثامنا : إذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد علم بالسم ، وقرأ الدعاء ، وأمرهم بأكل ما هو مسموم ، ليظهر المعجزة ، والكرامة بذلك ، فما معنى أمره لمن معه بالإحتجام بعد ذلك؟! ..

فهل أثّر الدعاء في حجب أثر السم ، أم لم يؤثر؟ فإن كان قد أثّر ، فما الحاجة إلى الحجامة؟!. وإن كان لم يؤثر ، فلما ذا كان الدعاء؟!

وكيف أقدم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على تناول سم يؤدي إلى الموت ، من دون تثبّت من تأثير الدعاء في منع تأثير السم؟! ..

تاسعا : إن بعض تلك الروايات يقول : إنه بعد أن أكل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما شاء الله ، كلمته الذراع ، وقالت : إني مسمومة .. فلما ذا أخرت الذراع كلامها إلى حين أكل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منها ما شاء الله؟!.

ولما ذا لم يمت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من ذلك السم من ساعته ، إذا كان ذلك السم مؤثرا؟! .. بل تأخر أثره إلى ثلاث سنوات؟! ..

أوليس قد مات بعض المسلمين بسبب أكله من نفس السم الذي أكل منه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

هل سم المسلمون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! ..

وبعد ما تقدم نقول :

إن أصابع الاتهام لا تتوجه في هذا الأمر إلى اليهود وحسب ، فإن هناك روايات تلمّح ، وأخرى تصرح بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد مات مسموما بفعل بعض نسائه .. فلاحظ ما يلي :

١٧٦

١ ـ إن من الروايات التي ربما يقال إنها تلمح إلى ذلك ، الرواية المتقدمة عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» ، وفيها : أن الإمام الحسن بن علي «عليهما‌السلام» قال لأهل بيته : إني أموت بالسم ، كما مات رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ثم ذكر لهم : أن زوجته هي التي تسممه ..

فربما يقال : إنه «عليه‌السلام» يريد الإشارة إلى هذا الأمر بالذات ، وإلا فقد كان يكفيه أن يقول : إن امرأتي تقتلني بالسم .. ولكنه لم يكتف بذلك ، بل شبه ما يجري له بما جرى لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فكما أن زوجتيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سمتاه ، فإن زوجة الإمام الحسن «عليه‌السلام» سوف تدس له السم أيضا ..

وعهدة هذا الفهم للرواية على هذا النحو تبقى على مدّعيه .. إذا لم يرد أن يؤيد ذلك بالروايات الأخرى الآتية المصرحة بهذا الأمر.

٢ ـ ما روي عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» ، في تفسير قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (١).

حيث قال «عليه‌السلام» : «أتدرون ، مات رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أو قتل؟! إنهما سقتاه قبل الموت» ..

٣ ـ وروي أيضا عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» ، قال : «أتدرون مات النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أو قتل؟! .. إن الله

__________________

(١) الآية ١٤٤ من سورة آل عمران.

١٧٧

يقول : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ). فسم قبل الموت ، إنهما سمتاه» ، أو سقتاه (١).

٤ ـ وروي عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» : في حديث الحسين بن علوان الديلمي : «أنه حينما أخبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إحدى نسائه ، لمن يكون الأمر من بعده ، أفشت ذلك إلى صاحبتها ، فأفشت تلك ذلك إلى أبيها ، فاجتمعوا على أن يسقياه سما ، فأخبره الله بفعلهما. فهمّ «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بقتلهما ، فحلفا له : أنهما لم يفعلا ، فنزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) (٢)» (٣).

أي ذلك هو الصحيح؟!

ونحن ، رغم أننا قد ذكرنا بعض الإشكالات على الطائفتين المتقدمتين أولا ، عن السنة والشيعة ، حول سم اليهود له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فإننا لا نريد أن نتسرع في إصدار الحكم النهائي حتى مع وجود هذه الطائفة الثالثة المذكورة آنفا ، وذلك لأننا إذا نظرنا إلى الطوائف الثلاث من الروايات .. نجد

__________________

(١) راجع : البحار ج ٢٨ ص ٢٠ وج ٢٢ ص ٥١٦ وج ٣١ ص ٦٤١ وتفسير العياشي ج ١ ص ٢٠٠ وتفسير البرهان ج ١ ص ٣٢٠ وتفسير الصافي ج ١ ص ٣٥٩ و ٣٨٩ و ٣٩٠ ونور الثقلين ج ١ ص ٣٣ و ٤٠١ وتفسير كنز الدقائق ج ٢ ص ٢٥١.

(٢) الآية ٧ من سورة التحريم.

(٣) البحار ج ٢٢ ص ٢٤٦ وج ٣١ ص ٦٤١ والصراط المستقيم ج ٣ ص ١٦٨ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٦٢٧.

١٧٨

أن في الطائفة الثانية روايات معتبرة ، لا ترد عليها الإشكالات في مضمونها ، إذا أخذت بمفردها ، وهي أيضا تتوافق مع بعض روايات أهل السنة في أصل المسألة.

ولأجل ذلك ، نقول :

إن النظرة المنصفة لهذه الطوائف الثلاث تدعونا إلى تقرير ما يلي :

إنه ربما يظهر من مجموع ما ذكرناه : أن المحاولات التي بذلها اليهود لقتله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد تعددت ، ولعل بعضها قد حصل في خيبر ، وبعضها حصل بالمدينة ..

ولعل التي سمته في خيبر هي زينب بنت الحارث اليهودية ، والتي سمته في المدينة هي تلك اليهودية التي يقال لها : عبدة ..

وربما تكون الذراع قد كلمت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مرتين : إحداهما في خيبر ، والأخرى في المدينة.

ولعله أهديت له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذراع تارة ، وأهديت له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» شاة مصليّة أخرى ..

ثم لعل الذي مات في إحداهما : هو مبشر بن البراء ، وأما أخوه بشر بن البراء أو بشر بن البراء بن عازب ، فمات في حادثة أخرى ..

وربما يكون بشر قد مات في إحداهما ، ولم يمت أحد من المسلمين في المحاولة الأخرى ..

ويمكن أن يقال أيضا : إن المحاولة التي جرت في المدينة ، ربما تكون قد جرت بالتواطؤ مع بعض نسائه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وربما تكون محاولة بعض نسائه قد جاءت منفصلة عن قصة اليهودية واليهود ..

١٧٩

وربما تكون محاولة بعض نسائه قد فشلت مرة ، وذلك في قضية إفشاء سره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في موضوع سورة التحريم ، إذ إن الرواية تقول :

إن الله تعالى أخبره بذلك ، ثم نجحت في المحاولة الثانية ، واستشهد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بفعل السم الذي دسسنه له ..

وإنما فضح الله أمرهن في المرة الأولى ليعرف الناس : أنهن قد يقدمن على هذا الأمر الشنيع مرة أخرى ، حتى إذا فعلن ذلك ، وذلك حين وفاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فتصديق الناس بهذا الأمر يصبح أسهل وأيسر ..

كما أن تعريف الناس بحقيقة أولئك النسوة يحصّن الناس من الاغترار بهن ، بحجة كونهن زوجات له «صلى‌الله‌عليه‌وآله»!! ..

نعم .. إن ذلك كله .. وسواه محتمل في تلك الروايات ..

ونحن وإن لم نستطع الجزم بأي من تلك الوجوه .. ولكن لا شك في أنها وفق ما ذكرناه لا تكون متعارضة فيما بينها ولا متنافرة ، لأنها إنما تكون كذلك لو فرض أنها كلها تحكي عن قضية واحدة دون سواها ..

وكونها تحكي عن قضية واحدة مما لا سبيل إلى إثباته ..

وتعدد محاولات اغتياله حسبما تقدم في أوائل هذا البحث قد يؤيد هذا الأمر ..

وتبقى حقيقة واحدة لا مجال لإنكارها من أحد أيضا ، وهي : أنه في ظل هذا الذي ذكرناه ، لا بد أن تسقط كل الآراء التي تسعى لتبرئة هذا الفريق أو ذاك ..

وتبقى الشبهة تحوم حول الذين ذكرت أسماؤهم في الروايات في الطوائف الثلاث المتقدمة. لا سيما مع وجود نصوص صحيحة السند عند

١٨٠