الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-204-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٨

فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (١)» (٢) ..

٢ ـ عن ابن إسحاق ، قال : لما دعا الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قومه للإسلام ، قال له زمعة بن الأسود ، والنضر بن الحارث ، وعبدة بن عبد يغوث ، وأبي بن خلف ، والعاص بن وائل : لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ، ويرى معك. فأنزل الله في ذلك من قولهم : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) (٣)» (٤) ..

٣ ـ عن الإمام علي «عليه‌السلام» قال : قال أبو جهل للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إنا لا نكذبك ، ولكن نكذب بما جئت به ، فأنزل الله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٥)» (٦) ..

__________________

(١) الآية ٤١ من سورة الأنبياء.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ٥ عن ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وفتح القدير ج ٢ ص ١٠٢ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٣٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٢٦٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٨٥.

(٣) الآية ٨ من سورة الأنعام.

(٤) الدر المنثور ج ٣ ص ٥ عن ابن المنذر وابن أبي حاتم ، وتفسير ابن أبي حاتم ج ٤ ص ١٢٦٥ وفتح القدير ج ٢ ص ١٠٢ وتفسير الآلوسي ج ٧ ص ٩٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٢٦٦.

(٥) الآية ٣٣ من سورة الأنعام.

(٦) الدر المنثور ج ٣ ص ٩ و ١٠ عن الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، والحاكم وصححه ، والضياء في المختارة وابن مردويه. وعن أبي ميسرة كما رواه عبد بن حميد ، وابن المنذر وابن مردويه ، وسنن الترمذي ج ٤ ص ٣٢٦ والمستدرك للحاكم ج ٢ ص ٣١٥ ومعاني القرآن للنحاس ج ٢ ص ٤١٧ و ٤١٨ وتفسير

٤١

وعن أبي صالح قال : كان المشركون إذا رأوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، قال بعضهم لبعض ، فيما بينهم : إنه لنبي ، فنزلت هذه الآية : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) (١)» (٢) ..

٤ ـ عن ابن مسعود ، قال : مر الملأ من قريش على النبي «صلى الله عليه

__________________

الثعلبي ج ٤ ص ١٤٥ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٣٤ وتفسير البيضاوي ج ٢ ص ٤٠٤ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٠٠ و (ط دار الكتب العلمية) ص ٨٨ والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ٤١٦ وزاد المسير ج ٣ ص ٢١ وتفسير النسفي ج ١ ص ٣٢٠ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٩٤ وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ١٤٥ وكنز العمال ج ٢ ص ٤٠٩ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٤ ص ١٢٨٢ وعلل الدار قطني ج ٤ ص ١٤٣ و ١٤٤ والشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ج ١ ص ٣٠ و ١٣٤ وتفسير الآلوسي ج ٧ ص ١٣٦ وفتح القدير ج ٢ ص ١١٣ وتفسير أبي السعود ج ٣ ص ١٢٧ وجامع البيان ج ٧ ص ٢٤٠ وراجع : تفسير مجمع البيان للطبرسي ج ٤ ص ٤٣.

(١) الآية ٣٣ من سورة الأنعام.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ١٠ عن أبي الشيخ ، وراجع : البحار ج ٩ ص ٢٠٢ وج ١٨ ص ١٥٧ و ١٨٣ وج ٦٨ ص ٦٠ و ٨٧ وبشارة المصطفى للطبري ص ٣٠٤ وتفسير السمرقندي ج ١ ص ٤٦٥ والكافي ج ٢ ص ٨٨ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٥ ص ٢٦٢ و (ط دار الإسلامية) ج ١١ ص ٢٠٧ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٤ ص ٢٤٩ ومشكاة الأنوار للطبرسي ص ٦٢ ومستدرك سفينة البحار ج ٦ ص ١٤٩ ونهج السعادة للمحمودي ج ٧ ص ٢٨٩ وتفسير القمي ج ١ ص ١٩٧ والتفسير الصافي ج ٢ ص ١١٧ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٧١١ وج ٤ ص ٢٣٢ وج ٥ ص ١١٧.

٤٢

وآله» وعنده صهيب وعمار ، وبلال ، وخباب ، ونحوهم من ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء ..

إلى أن قال : فأنزل الله فيهم القرآن : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) .. إلى قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) (١)» (٢) ..

ولنا تساؤل حول ذكر صهيب ، فقد وردت في ذمه روايات ، قدمنا بعضها في بعض فصول هذا الكتاب (٣).

وفي نص آخر عن عكرمة قال ـ ما ملخصه ـ : مشى عتبة وشيبة ، وقرضة بن عبد عمرو وغيرهم إلى أبي طالب ، وطلبوا منه أن يطرد أولئك الضعفاء من حوله .. وقال له عمر : لو فعلت يا رسول الله ، حتى ننظر ما يريدون بقولهم ، وما يصيرون إليه من أمرهم ، فأنزل الله : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا) ..

إلى أن قال : ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء ، (وَكَذلِكَ

__________________

(١) الآيات ٥١ ـ ٥٨ سورة الأنعام.

(٢) مسند أحمد ج ١ ص ٤٢٠ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٠١ و (ط دار الكتاب العلمية) ص ٨٨ والوافي بالوفيات ج ١٦ ص ١٩٦ وسير أعلام النبلاء للذهبي ج ٢ ص ٢٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٤ ص ٢٢٢ وفتح القدير ج ٢ ص ١٢١ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ٢١ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٣٩ والدر المنثور ج ٣ ص ١٢ عن أحمد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم والطبراني ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، وأبي نعيم في الحلية.

(٣) راجع : قاموس الرجال للمحقق التستري ، وتنقيح المقال للمحقق المماقاني ، ترجمة صهيب.

٤٣

فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا) الآية. فلما نزلت ، أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر من مقالته ، فأنزل الله : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ..) (١)» (٢) ..

ونحن وإن كنا نسجل العديد من الإشكالات على هذه الرواية أيضا ، فإننا نقول :

إن ذلك لا يضر في ما نريد أن نثبته ، لأنها دلت على أنهم يرون أن الآيات كانت تنزل مرة ثانية بعد نزولها في ضمن سورتها التي نزلت دفعة واحدة.

٥ ـ عن خباب قال ما ملخصه : جاء الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن ، فوجدا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قاعدا مع بلال وصهيب ، وعمار وخباب ، وغيرهم من ضعفاء المؤمنين. فخلوا بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يجعل لهم مجلسا منه لا يكون فيه أولئك ، فأجابهم إلى ذلك ، فقالوا : «فاكتب لنا عليك بذلك كتابا ، فدعا بالصحيفة ، ودعا عليا «عليه‌السلام» ليكتب ، ونحن قعود في ناحية ، إذ نزل جبرئيل بهذه الآية : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ

__________________

(١) الآية ٥٤ من سورة الأنعام.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ١٣ عن ابن جرير ، وابن المنذر ، ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٠١ و (ط دار الكتاب العلمية) ص ٨٩ وتفسير الآلوسي ج ٧ ص ١٥٩ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٤٠ وتفسير السمرقندي ج ١ ص ٤٧١ وجامع البيان ج ٧ ص ٢٦٥ وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٤٣ ص ٣٧٦ وج ٦٠ ص ١٥٦ وتذكرة الحفاظ للذهبي ج ٢ ص ٤٦٠ وتفسير الميزان ج ٧ ص ١٠٩.

٤٤

يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) .. إلى قوله : (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ..

فألقى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الصحيفة من يده ، ثم دعانا ، وهو يقول : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) .. فكنا نقعد معه ، فإذا أراد أن يقوم ، قام وتركنا. فأنزل الله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (١) ..

قال : فكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقعد معنا بعد ، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ..

وهذا معناه : أن الآية قد نزلت مرة أخرى في المدينة (٢) .. بعد أن كانت قد نزلت في ضمن السورة التي نزلت دفعة واحدة ، غير أننا نشك في صحة هذه الرواية أيضا لأسباب كثيرة ، منها : أنها تذكر أن النبي «صلى الله عليه

__________________

(١) الآية ٢٨ من سورة الكهف.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ١٣ عن ابن أبي شيبة ، وأبي يعلى ، وابن ماجة ، وأبي نعيم في الحلية ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، والمعجم الكبير ج ٤ ص ٧٦ و ٤٣٨ وجامع البيان ج ٧ ص ٢٦٣ وتخريج الأحاديث والآثار ج ١ ص ٤٣٨ والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ٤٣٢ زاد المسير ج ٣ ص ٣٢ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٩٩ وتفسير الثعلبي ج ٤ ص ١٤٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٠ ص ٤٤٧ وج ٢٤ ص ٢٢٣ وج ٣٤ ص ٢٣٠ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٦٤ وراجع : البحار ج ٢٢ ص ٣٣ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٣٨٢ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٥٦٤ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٤ ص ١٢٩٧.

٤٥

وآله» أراد أن يكتب كتابا بأمر يرفضه دينه وعقله ، ووجد أنه يظلم به بعض الناس لا لشيء إلا لكونهم ضعفاء ، وفقراء ، ومؤمنين. لصالح أناس ظالمين ، ومنحرفين ، ومشركين.

ومنها : ذكره لبعض من لا تنطبق عليه الآية ، إذ لم يكونوا ممن يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.

وثمة إشكالات أخرى على هذه الرواية أيضا ..

وفي نص آخر : عن عمر بن عبد الله بن المهاجر : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان أكثر ما يصلي نافلته عند اسطوان التوبة. وكان إذا صلى الصبح انصرف إليها وقد سبق إليها الضعفاء والمساكين والضيفان ، والمؤلفة قلوبهم وغيرهم ؛ فيتحلقون حول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حلقا بعضها دون بعض. فينصرف إليهم ويتلو عليهم ما أنزل الله عليه في ليلته ، ويحدثهم ، حتى إذا طلعت الشمس جاء أهل الطول والشرف والغنى ، فلا يجدون إليه مخلصا. فتاقت أنفسهم إليه ، وتاقت نفسه إليهم ، فأنزل الله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) .. إلى منتهى الآيتين ..

فلما نزل ذلك فيهم قالوا له : لو طردتهم عنا ونكون من جلساءك وإخوانك ولا نفارقك ، فأنزل الله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ)» (١) ..

وهذا معناه : أن الآية قد نزلت في المدينة ، وسورة الأنعام قد نزلت

__________________

(١) الدر المنثور ج ٣ ص ١٣ عن الزبير بن بكار في أخبار المدينة ، وخلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى ج ١ ص ١١٦.

٤٦

دفعة واحدة في مكة ..

وعن سعد بن أبي وقاص ، قال : نزلت هذه الآية في ستة : أنا وعبد الله بن مسعود ، وبلال ، ورجل من هذيل ، واثنين ، قالوا : يا رسول الله ، اطردهم ، فإننا نستحي أن نكون تبعا لهؤلاء ، فوقع في نفس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما شاء الله أن يقع ، فأنزل الله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) إلى قوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)» (١) ..

علما بأننا لا نصدق دعوى سعد بن أبي وقاص : أنه كان في جملة من نزلت الآية فيهم ، لأن ممارسات ومواقف هؤلاء لا تتلاءم مع مضمون الآية الكريمة ، يضاف إلى ذلك : أن تصريح الرواية بأنه قد وقع طلب المشركين في نفس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا شك في أنه مكذوب على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وهناك روايات عديدة أخرى كلها تصب في هذا الإتجاه (٢) ..

٦ ـ عن ماهان قال : أتى قوم إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقالوا : إنا

__________________

(١) الدر المنثور ج ٣ ص ١٣ عن الفريابي ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، ومسلم ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والحاكم ، وأبي نعيم في الحلية ، والبيهقي في الدلائل ، وتفسير ابن أبي حاتم ج ٤ ص ١٢٩٦ ومعاني القرآن للنحاس ج ٢ ص ٤٢٩ وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ١٤٦.

(٢) راجع ما رواه في الدر المنثور ج ٣ ص ١٣ و ١٤ عن مجاهد ، والربيع بن أنس.

ورواها عن ابن عساكر ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن جرير ، فراجع ..

٤٧

أصبنا ذنوبا عظاما ، فما رد عليهم شيئا ، فانصرفوا ، فأنزل الله : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) .. فدعاهم ، فقرأها عليهم (١).

٧ ـ عن زيد بن أسلم ، قال : لما نزلت : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً) (٢) .. قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف ..

فقالوا : ونحن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله؟! ..

قال : نعم.

فقال بعض الناس : لا يكون هذا أبدا.

فأنزل الله : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) (٣)» (٤) ..

٨ ـ عن ابن جريج قال ما ملخصه : كان المشركون يجلسون إلى النبي

__________________

(١) الدر المنثور ج ٣ ص ١٤ عن الفريابي ، وعبد بن حميد ، ومسدد في مسنده ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وتفسير الثوري ص ١٠٧ وجامع البيان ج ٧ ص ٢٧١ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٤ ص ١٣٠٠ وأسباب نزول الآيات ص ١٤٧ وتفسير السمرقندي ج ١ ص ٤٧٢ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٠٢ و (ط دار الكتب العلمية) ص ٨٩ وفتح القدير ج ٢ ص ١٢١.

(٢) الآية ٦٥ سورة الأنعام.

(٣) الآيتان ٦٥ و ٦٦ من سورة الأنعام.

(٤) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠ عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وجامع البيان ج ٧ ص ٢٩٤ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٤ ص ١٣١٢ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٤٨ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٠٢ و (ط دار الكتب العلمية) ص ٩٠.

٤٨

«صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فإذا سمعوا منه استهزؤوا ، فنزلت : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) (١) .. فجعلوا إذا استهزؤوا قام ، فحذروا ، وقالوا : لا تستهزؤوا فيقوم ، فذلك قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أن يخوضوا فيقوم .. ونزل : (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (٢)» (٣).

٩ ـ عن ابن عباس في حديث .. : «قالت اليهود : يا محمد ، أنزل الله عليك كتابا؟!

قال : نعم.

قالوا : والله ، ما أنزل الله من السماء كتابا.

فأنزل الله : (قُلْ) يا محمد ، (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) (٤) ..» (٥).

__________________

(١) الآية ٦٨ سورة الأنعام.

(٢) الآيتان ٦٨ و ٦٩ سورة الأنعام.

(٣) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠ و ٢١ عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وراجع ما رواه في الدر المنثور ج ٣ ص ٢١ عن أبي الشيخ عن مقاتل ، وجامع البيان ج ٧ ص ٢٩٨ و ٢٩٩ وتفسير الميزان ج ٧ ص ١٥٣.

(٤) الآية ٩١ من سورة الأنعام.

(٥) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٩ عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والبحار ج ٩ ص ٨٩ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٤ ص ١٣٤١ و ١٣٤٢ وتفسير البغوي ج ٢ ص ١١٤ وفتح القدير ج ٢ ص ١٤١ وزاد المسير ج ٣ ص ٥٧ وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ١٤٧ وتفسير الثعلبي ج ٤ ص ١٦٨ وجامع البيان ج ٧ ص ٣٤٨ وتفسير الميزان ج ٧ ص ٣٠٤ وتفسير مجمع البيان ج ٤ ص ١٠٨.

٤٩

وواضح : أن التعاطي مع اليهود والاحتجاج عليهم ، إنما كان في المدينة بعد الهجرة ، مع ملاحظة أن للآية مناسبة خاصة نزلت فيها ، مما يدل على أن هذا قد كان نزولا آخر لها غير نزولها في ضمن السورة ..

١٠ ـ وفي نص آخر ، عن سعيد بن جبير : أنها نزلت في مالك بن الصيف حينما ناشده النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هل يجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟! ، فغضب. (وكان حبرا سمينا) فأنكر ، وقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء ، فقال له أصحابه : ويحك ، ولا على موسى؟.

قال : ما أنزل الله على بشر من شيء ، فأنزل الله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (١)» (٢) ..

١١ ـ وعن محمد بن كعب القرظي : جاء ناس من اليهود إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وهو محتب. فقالوا : يا أبا القاسم ، ألا تأتينا بكتاب من السماء ، كما جاء به موسى ألواحا؟! ..

فأنزل الله : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) (٣) ..

فجثا رجل من اليهود ، فقال : ما أنزل الله عليك ، ولا على موسى ، ولا على عيسى ، ولا على أحد شيئا.

__________________

(١) الآية ٩١ من سورة الأنعام.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٩ عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وتخريج الأحاديث والآثار ج ١ ص ٤٤٣ وراجع : تفسير الثعالبي ج ٢ ص ٤٩٢ وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ١٤٧.

(٣) الآية ١٥٣ من سورة النساء.

٥٠

فأنزل الله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)» (١) ..

وهناك رواية أخرى عن محمد بن كعب في شأن نزول هذه الآية ، فراجع ..

والكلام فيها كالكلام السابق ، وهي أن مناقشاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، مع اليهود قد كانت في المدينة لا في مكة. وأنه حتى لو كان ذلك قد حصل في مكة ، فهو أيضا يدل على أن للآية نزولا آخر غير نزولها في ضمن السورة (٢).

١٢ ـ قد نزلت آية : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) (٣) .. في عبد الله بن سعد بن أبي سرح .. الذي كان يكتب القرآن لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثم فر إلى مكة فسألوه عن ذلك ، فادّعى أنه كان يكتب كيف شاء (٤) ..

__________________

(١) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٩ عن ابن جرير ، وجامع البيان ج ٧ ص ٣٤٨ وتفسير الثعلبي ج ٤ ص ١٦٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٤٠١.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٩ عن أبي الشيخ ، وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ١٤٧.

(٣) الآية ٩٣ من سورة الأنعام.

(٤) راجع : الدر المنثور ج ٣ ص ٣٠ عن الحاكم في المستدرك ، وعن ابن أبي حاتم ، عن شر حبيل بن سعد ، وعن السدي ، والبحار ج ٢٢ ص ٣٤ والبحار ج ٨٩ ص ٣٥ وتخريج الأحاديث والآثار ج ١ ص ٤٤٤ والفتح السماوي للمناوي ج ٢ ص ٦١٣ وتفسير القمي ج ١ ص ٢١٠ والتبيان ج ٤ ص ٢٠٢ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٧٤٥ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ١ ص ٣٣٥ وجامع البيان ج ٧ ص ٣٥٤ و ٣٥٥ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٤ ص ١٣٤٦ ومعاني القرآن للنحاس ج ٢ ص ٤٥٨ وتفسير السمعاني ج ٢ ص ١٢٦ وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ١٤٨ ـ

٥١

وفي نصوص أخرى أنها نزلت في مسيلمة الكذاب (١) ..

وربما يحمل ذلك على تعدد نزولها.

وفي جميع الأحوال نقول :

إن ذلك إنما كان في المدينة بعد الهجرة ، فهو نزول آخر للآية ، حسبما ألمحنا إليه ..

١٣ ـ وتذكر بعض الروايات : أن آية : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ

__________________

ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٠٣ و (ط دار الكتاب العلمية) ص ٩٠ وفتح القدير ج ٢ ص ١٤١ وتفسير الآلوسي ج ٧ ص ٢٢٢ والإصابة (ط دار الكتاب العلمية) ج ١ ص ٥٦٢.

(١) راجع : الدر المنثور ج ٣ ص ٣٠ عن عبد بن حميد وابن المنذر ، وابن جرير ، وأبي الشيخ عن ابن جريج ، وقتادة ، وعكرمة ، وجامع البيان للطبري ج ٧ ص ٣٥٤ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٤ ص ١٣٤٦ وتفسير السمرقندي ج ١ ص ٤٨٧ وج ٢ ص ١٠٨ وتفسير الثعلبي ج ٤ ص ١٦٩ وتفسير ابن زمنين ج ٢ ص ٨٤ ومعاني القرآن للنحاس ج ٢ ص ٤٥٨ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ١ ص ٣٣٥ والبحار ج ٢٢ ص ٣٤ والتبيان للطوسي ج ٤ ص ٢٠٢ وتفسير جوامع الجامع للطبرسي ج ١ ص ٥٩٣ وتفسير النسفي ج ١ ص ٣٣٥ وتفسير العز بن عبد السلام ج ١ ص ٤٥٠ وزاد المسير ج ٣ ص ٥٩ وتفسير البغوي ج ٢ ص ١١٥ وتفسير الواحدي ج ١ ص ٣٦٥ وأسباب نزول الآيات ص ١٤٨ وتفسير القرطبي ج ٧ ص ٣٩ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٦٢ والإتقان في علوم القرآن ج ١ ص ٤٧ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٠٣ و (ط دار الكتاب العلمية) ص ٩٠ وفتح القدير ج ٢ ص ١٤١ وتفسير الآلوسي ج ٧ ص ٢٢٢ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٢ ص ٥٧٤.

٥٢

دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ) (١) .. قد نزلت حين مشت قريش إلى أبي طالب «عليه‌السلام» ، وكلمته في أمر ابن أخيه ، ثم طلبوا منه أن يكف عن شتم آلهتم ، وإلا فسوف يشتمونه ، ويشتمون من أمره (٢) ..

وهذا معناه : أن للآية مناسباتها الخاصة التي أوجبت نزولها فيها أيضا. يضاف إلى نزولها في ضمن السورة.

١٤ ـ قالوا : إن آية : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ..) إلى قوله : (يَجْهَلُونَ) (٣) .. قد نزلت حين طلب المشركون من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يجعل لهم الصفا ذهبا ..

والكلام في هذا المورد كالكلام في سابقه (٤) ..

١٥ ـ عن ابن عباس ، قال : جاءت اليهود إلى النبي «صلى الله عليه

__________________

(١) الآية ١٠٨ من سورة الأنعام.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ٣٨ عن ابن أبي حاتم ، وجامع البيان ج ٧ ص ٤٠٤ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٤ ص ١٣٦٧ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ٢ ص ٣٣٢ وتفسير القرطبي ج ٧ ص ٦١ وتفسير الثعالبي ج ٢ ص ٥٠٥ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٦٩ وتفسير البحر المحيط ج ٤ ص ٢٠١ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٤٥.

(٣) الآيات ١٠٩ ـ ١١١ من سورة الأنعام.

(٤) الدر المنثور ج ٣ ص ٣٩ عن ابن جرير ، وراجع ما رواه أيضا عن أبي الشيخ. وما أخرجه أيضا في نفس الموضع عن ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وابن أبي حاتم ، والمناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٥٠ والبحار ج ٩ ص ٩١ وج ١٨ ص ٢٠٢ وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ١٥٠ وتفسير البغوي ج ٢ ص ١٢٢ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٧٠ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٠٣ و (ط دار الكتب العلمية) ص ٩١.

٥٣

وآله» ، فقالوا : نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما يقتل الله ، فأنزل الله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ ..) إلى قوله : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (١)» (٢).

وثمة روايات عديدة أخرى بهذه المضامين (٣) ..

١٦ ـ وقال ابن جريج : إن آية : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٤) .. نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ..

وذلك يعني : أنها قد نزلت في المدينة .. وأن لها نزولا آخر غير نزولها في ضمن السورة (٥).

__________________

(١) الآيات ١١٨ ـ ١٢١ من سورة الأنعام.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ٤١ و ٤٢ عن أبي داود والترمذي وحسنه ، والبزار وابن جرير ، وابن المنذر ، ورواه ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والحاكم وصححه ، والنحاس والطبراني ، والبيهقي في سننه .. وفي نص آخر ج ٣ ص ٤٢ عن الضحاك ، أن المشركين قالوا ذلك. روى ذلك أبو الشيخ ، وعبد بن حميد ، وابن جرير والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو داود ، وتفسير الآلوسي ج ٨ ص ١٣ وسنن أبي داود ج ١ ص ٦٤٤ وفتح الباري ج ٩ ص ٥٣٨ وتحفة الأحوذي ج ٨ ص ٣٥٣ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٢ ص ٣٠١ والجامع لأحكام القرآن ج ٧ ص ٧٤ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٧٧ وفتح القدير ج ٢ ص ١٥٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٣٠٨.

(٣) راجع الدر المنثور ج ٣ ص ٤٢ عن مصادر كثيرة.

(٤) الآية ١٤١ سورة الأنعام.

(٥) الدر المنثور ج ٣ ص ٤٩ عن ابن جرير وابن أبي حاتم ، وجامع البيان ج ٨ ص ٨١ وتفسير الثعلبي ج ٤ ص ١٩٨ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ١٨٩ وتفسير

٥٤

سورة الكهف نزلت في مكة :

ب ـ وقد ذكروا : أن سورة الكهف قد نزلت بمكة (١) ..

وعن أنس عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : قال : نزلت سورة الكهف جملة ، معها سبعون ألفا من الملائكة (٢) ..

وذكروا : أن قريشا بعثت النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى يهود المدينة في أمره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقالوا لهم : اسألوه عن ثلاث

__________________

البغوي ج ٢ ص ١٣٦ وفتح القدير ج ٢ ص ١٧٠ وتفسير الثوري ص ١١٠ وتفسير السمعاني ج ٢ ص ١٥٠ وزاد المسير ج ٣ ص ٩٣.

(١) الدر المنثور ج ٤ ص ٢٠٥ عن ابن مردويه ، والنحاس في ناسخه ، والإتقان ج ١ ص ٣٧ و ٣٨. وراجع : البرهان للزركشي ج ١ ص ٣٠ وسعد السعود ص ٢٨٨ ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٩٣ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ٢ ص ٢٧٨ ومعاني القرآن للنحاس ج ٤ ص ٢٠٩ و ٢١١ وتفسير الثعلبي ج ٦ ص ١٤٤ وتفسير السمرقندي ج ٢ ص ٣٣٤ وجامع البيان ج ١٥ ص ٢٣٧ والغدير ج ١ ص ٢٥٦ وفتح الباري ج ٥ ص ٢٤٥ وج ٩ ص ٣٧ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٧ وج ١٩ ص ٣٦ وتحفة الأحوذي ج ٨ ص ٤٦٧ وتفسير القمي ج ٢ ص ٣٠ والتبيان للطوسي ج ٧ ص ٣ وتفسير جوامع الجامع ج ٢ ص ٤٠١ وتفسير مجمع البيان ج ٦ ص ٣٠٦ والتفسير الصافي ج ٣ ص ٢٣٠.

(٢) الدر المنثور ج ٤ ص ٢١٠ عن الديلمي في مسند الفردوس والإتقان ج ١ ، وكنز العمال ج ١ ص ٥٧٨ وتفسير الآلوسي ج ١٥ ص ١٩٩ وكشف الخفاء للعجلوني ج ٢ ص ٣٢٧ وراجع : المصباح للكفعمي ص ٤٤١ وتفسير مجمع البيان ج ٦ ص ٣٠٦ وتفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٢٤١ وتفسير الثعلبي ج ٦ ص ١٤٤ والتفسير الكبير للرازي ج ٢١ ص ٧٣.

٥٥

مسائل ، فإن أخبركم فهو نبي ، والأسئلة هي عن أهل الكهف ، وعن ذي القرنين ، وعن الروح ، فرجعوا إلى مكة وسألوه عن هذه المسائل ، فجاء جبرئيل «عليه‌السلام» بسورة الكهف بعد خمسة عشر (أو أربعين) يوما (١).

وبعد أن اتضح : أن سورة الكهف قد نزلت جملة واحدة ، نقول :

إن الروايات تذكر : أن عددا من آياتها قد نزل في مناسبات مختلفة أيضا ، فمنها على سبيل المثال ما يلي :

١ ـ أخرج ابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في شعب الإيمان عن سلمان : أن قوله تعالى : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ ..) إلى قوله : (.. إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً) (٢) .. قد نزل حينما جاء المؤلفة قلوبهم ، وهم : عينية بن بدر ، والأقرع بن حابس ، إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» واشترطوا عليه لكي يجالسوه هم ويحادثوه ، ويأخذوا عنه ، أن يجلس في صدر المجلس ، وأن يبعد الفقراء عنه ؛ لأنهم كانوا يلبسون جباب الصوف

__________________

(١) الدر المنثور ج ٤ ص ٢١٠ عن أبي نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل ، وابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر. وراجع : والبحار ج ١٨ ص ٢٤٥ وج ٥٦ ص ٣١٣ وتفسير السمرقندي ج ٣ ص ٥٦٧ وزاد المسير ج ٥ ص ٨٩ و ١٧٤ وتفسير الكبير للرازي ج ٢١ ص ٢٣٨ والجامع لأحكام القرآن ج ١١ ص ١٢٨ وتفسير البيضاوي ج ٤ ص ٢٥ والتسهيل لعلوم التنزيل ج ٢ ص ١٨٦ وتفسير البحر المحيط ج ٦ ص ١١١ وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٨٣ وتفسير الثعالبي ج ٣ ص ٥٠٦ وتفسير أبي السعود ج ٥ ص ٢٧٣ وتفسير الآلوسي ج ١٥ ص ٢٤٧.

(٢) الآيتان ٢٧ ـ ٢٩ سورة الكهف.

٥٦

يعنون سلمان وأباذر (١) ..

وفي نص آخر : عن سلمان : نزلت هذه الآية فيّ وفي رجل دخل على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومعي شيء من خوص ، فوضع مرفقه في صدري وقال : تنح حتى ألقاني على البساط ، ثم قال : يا محمد إنا ليمنعنا من كثير من أمرك هذا وضرباؤه ، أن ترى لي قدما وسوادا ، فلو نحيتهم إذا دخلنا عليك ، فإذا خرجنا أذنت لهم إذا شئت ، فلما خرج أنزل الله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ .. ـ إلى قوله ـ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (٢) ..

ومن الواضح : أن سلمان قد أسلم في المدينة ، فالآيات قد نزلت هناك أيضا ، بالإضافة إلى نزولها السابق في ضمن السورة ..

وإن كنا لا نؤيد صحة هذه الروايات لأسباب عديدة ، فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يمكن أن يرضى بشروط العتاة من المشركين ، لأنها شروط يأباها العقل والشرع والوجدان الإنساني ، أو تنفر منها الفطرة السليمة ، وتخدش في عصمته «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

يضاف إلى ذلك : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن ليسكت عن

__________________

(١) الدر المنثور ج ٤ ص ٢١٩ ، وجامع البيان ج ١٥ ص ٢٩٤ و ٣١٤ والبحار ج ٦٩ ص ٢ والتفسير الصافي ج ٣ ص ٢٤٠ وتفسير الميزان ج ١٣ ص ٣٠٥ وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ٢٠١ وزاد المسير ج ٥ ص ٩٣ والجامع لأحكام القرآن ج ١٠ ص ٣٩٠ وفتح القدير ج ٣ ص ٢٨٣ وتفسير الآلوسي ج ١٥ ص ٢٦٢ والفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم ج ٢ ص ٣٣٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢١ ص ٤٠٥.

(٢) الدر المنثور ج ٤ ص ٢١٩ عن عبد بن حميد.

٥٧

ذلك الرجل الذي اعتدى على سلمان ، فالقاه على البساط.

كما أنه لم يكن ليسكت عن إجابة ذلك الرجل حتى خرج.

٢ ـ رووا : أن قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) (١) ..

نزلت في أمية بن خلف ، وذلك أنه دعا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى أمر كرهه ، من طرد الفقراء وتقريب صناديد أهل مكة (٢) ..

ورووا أيضا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تصدّى لأمية بن خلف وهو ساه غافل عما يقال له : فأنزل الله : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ)» (٣) ..

٣ ـ رووا : أن قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) .. قد نزل في عيينة بن حصن. قال للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل أن يسلم : لقد آذاني ريح سلمان الفارسي الخ .. (٤).

والكلام في هذا المورد ظاهر ، فإننا سواء أقلنا بتكرار نزول الآية ، أو

__________________

(١) الآية ٢٨ من سورة الكهف.

(٢) الدر المنثور ج ٤ ص ٢٢٠ عن ابن مردويه ، وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ٢٠٢ والجامع لأحكام القرآن ج ١٠ ص ٣٩٢ وزاد المسير ج ٥ ص ٩٣ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٤٤ و (ط دار الكتب العلمية) ص ١٣٠ وفتح القدير ج ٣ ص ٢٨٣ وتفسير البغوي ج ٣ ص ١٥٩ وتفسير الثعلبي ج ٦ ص ١٦٦ وتفسير الميزان ج ١٣ ص ٣٠٥.

(٣) الدر المنثور ج ٤ ص ٢٢٠ عن ابن أبي حاتم ، ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٤٤ و (ط دار الكتب العلمية) ص ١٣٠.

(٤) الدر المنثور ج ٤ ص ٢٢٠ عن ابن المنذر عن ابن جريج ، وجامع البيان ج ١٥ ص ٢٩٣ وتفسير العز بن عبد السلام ج ٢ ص ٢٤٦.

٥٨

قلنا بعدمه ، فإن الآية قد نزلت في مناسبة خاصة ، بالإضافة إلى نزولها في ضمن السورة ..

وقصة عيينة بن حصن إنما كانت في المدينة ، والسورة قد نزلت دفعة واحدة في مكة (١) ..

٤ ـ عن السدي ، قال : قالت اليهود للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : يا محمد ، إنما تذكر إبراهيم وموسى ، وعيسى ، والنبيين ، أنك سمعت ذكرهم منا ، فأخبرنا عن نبي لم يذكره الله في التوراة إلا في مكان واحد.

قال : ومن هو؟!

قالوا : ذو القرنين.

قال : ما بلغني عنه شيء ، فخرجوا فرحين ، وقد غلبوا في أنفسهم ، فلم يبلغوا إلى باب البيت ، حتى نزل جبرئيل بهؤلاء الآيات : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) (٢) ..

وذلك معناه : أن هذه الآيات قد نزلت في مناسبة خاصة ، وأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يذكر لهم نزول هذه الآيات في سورة الكهف قبل ذلك ، ربما لأجل أنه لم ينزل بها جبرئيل بعد ليحدد مناسباتها الخاصة بها (٣) ..

على أن لنا إشكالا على هذه الرواية ، وهو : أنها إذا كانت قد نزلت في مكة في ضمن سورة الكهف ، فمعنى ذلك أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان

__________________

(١) الدر المنثور ج ٤ ص ٢٢٠ وراجع المصادر في بعض الهوامش المتقدمة.

(٢) الآية ٨٣ من سورة الكهف.

(٣) الدر المنثور ج ٤ ص ٢٤٠ عن ابن أبي حاتم ، وروى نحوا من هذا ابن عمر أيضا فراجع نفس المصدر عنه.

٥٩

يعرف عن ذي القرنين نفس ما أوردته الآية التي نزلت عليه مرة ثانية عند سؤال اليهود إياه ، فما معنى أن يقول لهم : ما بلغني عنه شيء ..

إلا إذ فرض نزول الآية في هذه المناسبة قبل نزول السورة ، وهذا بعيد ، فإن مناقشات اليهود معه ، وأسئلتهم إنما كانت في المدينة .. على ما يظهر.

٥ ـ وقالوا : إن جندب بن زهير كان إذا صلى أو صام أو تصدق فذكر بخير ارتاح له ، فزاد في ذلك لمقالة الناس ، فلامه الله ، فنزل في ذلك : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) (١)» (٢) ..

وفي نص آخر ، عن مجاهد ، كان رجل من المسلمين ، يقاتل وهو يحب أن يرى مكانه ، فأنزل الله : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ)» (٣) ..

فالآية نزلت في مناسبة خاصة .. وهي واقعة في ضمن سورة نزلت دفعة واحدة أيضا ، في مكة.

__________________

(١) الآية ١١٠ سورة الكهف.

(٢) الدر المنثور ج ٤ ص ٢٥٥ عن ابن مندة ، وأبي نعيم في الصحابة ، وابن عساكر ، وأسد الغابة ج ١ ص ٣٠٣ والفتح السماوي للمناوي ج ٢ ص ٨٠٣ وتفسير الميزان ج ١٣ ص ٤٠٦ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٤٥ و (ط دار الكتب العلمية) ص ١٣١ وفتح القدير ج ٣ ص ٣١٨ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٣ ص ٣٥٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ٣٠٤ والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج ١ ص ٦١٢.

(٣) الدر المنثور ج ٤ ص ٢٥٥ عن ابن أبي حاتم ، ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ١٤٥ و (ط دار الكتب العلمية) ص ١٣١ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٣ ص ٣٥٨.

٦٠