الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-204-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٨

عن أن يكون قد سمى أحدا لها ، فاغتنم البعض الفرصة ليوهم الناس : أن فلانا بعينه هو المرضي بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فخرج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بنفسه لينقض هذا التصرف منهم ..

صلاة أبي بكر والخلافة :

وروى البلاذري عن علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» قال : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يمت فجأة ، كان بلال يأتيه في مرضه فيؤذنه بالصلاة ، فيأمر أبا بكر أن يصلي بالناس ، وهو يرى مكاني ، فلما قبض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رأوا أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ولاه أمر دينهم ، فولوه أمر دنياهم (١).

وروى البلاذري عنه قال : لما قبض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نظرنا في أمرنا ، فوجدنا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قدم أبا بكر في الصلاة ، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لديننا ، فقدمنا أبا بكر ، ومن ذا كان يؤخره عن مقام أقامه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيه؟! (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٦ عن البلاذري ، وكنز العمال ج ١١ ص ٣٢٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٤٤١ و ٤٤٣ وراجع : السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٤٩٠.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٦ عن البلاذري ، والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٢ ص ١٢٩ والغدير ج ٨ ص ٣٦ عن الرياض النضرة ج ١ ص ١٥٠ والوافي بالوفيات ج ١٧ ص ١٦٦ وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ١٨٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٦٥.

٣٠١

وروى الحسن البصري عن قيس بن عباد قال : قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مرض ليالي وأياما ينادى بالصلاة ، فيقول : مروا أبا بكر يصلي بالناس.

فلما قبض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نظرت ، فإذا الصلاة علم الإسلام ، وقوام الدين ، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لديننا ، فبايعنا أبا بكر (١).

وروى البلاذري عن أبي الجحاف قال : لما بويع أبو بكر ، وبايعه الناس ، قام ينادي ثلاثا : أيها الناس قد أقلتكم بيعتكم.

فقال علي : والله لا نقيلك ولا نستقيلك ، قدمك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الصلاة ، فمن ذا يؤخرك؟! (٢).

وروى البلاذري ـ بسند جيد ـ : أن عمر بن عبد العزيز بعث ابن الزبير الحنظلي إلى الحسن ، فقال له : هل كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» استخلف أبا بكر؟

فقال الحسن : أو في شك؟! صاحبك والله الذي لا إله إلا هو ، استخلفه

__________________

(١) الإستيعاب (ط دار الجيل) ج ٣ ص ٩٧١ والبحار ج ٢٨ ص ١٤٦ عنه ، والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٢ ص ١٢٩ والغدير ج ٨ ص ٣٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٧ عن البلاذري ، والجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ٢٧٢ وكنز العمال ج ٥ ص ٦٥٧ وأضواء البيان للشنقيطي ج ١ ص ٣١ والعثمانية ص ٢٣٥ وراجع : عيون أخبار الرضا «عليه‌السلام» للصدوق ج ١ ص ٢٠١ والبحار ج ٣١ ص ٦٢١ وج ٤٩ ص ١٩٢.

٣٠٢

حين أمره بالصلاة دون الناس ، ولهو كان أتقى لله من أن يتوثب عليها (١).

وروى البلاذري عن إبراهيم التيمي ، وابن سيرين قال : «لما مات رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أتوا أبا عبيدة بن الجراح ، فقالوا : ابسط يدك نبايعك ، فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقال : أتأتوني وفيكم الصديق ثاني اثنين؟

وفي لفظ : ثالث ثلاثة ، قيل : لابن سيرين : وما ثالث ثلاثة؟

قال : ألم تقرأ هذه الآية (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) (٢)» (٣).

ونقول :

أولا : إن الإستدلال المنقول عن علي «عليه‌السلام» لا يمكن أن يصدر عنه ، لأنه باطل من أصله ، فإن من يصلح لإمامة الجماعة في الصلاة قد لا يصلح لقيادة الجيوش ، ولا للقضاء بين الناس ، ولا للإفتاء ، ولا ليعلّم الناس الكتاب والحكمة ، فضلا عن أن يكون أهلا للقيام بجميع مهمات الحاكم والإمام.

ثانيا : إذا كان الوجع قد غلب على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أو

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٧ عن البلاذري ، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص ٥٣٧ والامامة والسياسة (بتحقيق الزيني) ج ١ ص ١٠ و (بتحقيق الشيري) ج ١ ص ١٨ راجع : التمهيد لابن عبد البر ج ٢٢ ص ١٢٧.

(٢) الآية ٤٠ من سورة التوبة.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣١٧ عن البلاذري ، والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥٧٣.

٣٠٣

كان يهجر ـ كما زعمه عمر ، ووافقه عليه طائفة ممن معه ، حتى صاروا يقولون : القول ما قاله عمر ـ فلا قيمة لما يصدر عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مثل هذا الحال .. وفق منطق من يلتزمون بقول عمر ، ويصرون على تصويبه ومتابعته فيما يقول ويفعل!!

ثالثا : إن الروايات قد صرحت بأن أبا بكر قد عزل عن هذه الصلاة أو أن ذلك محتمل بصورة قوية ، كما دلت عليه الروايات الصحيحة ، فلا يصح الإستدلال بصلاة هذه حالها على الخلافة ، بل هي على خلاف ما يحبون أدل.

رابعا : إن موقف علي «عليه‌السلام» من البيعة لأبي بكر معلوم لكل أحد ، وهم يقولون : إنه «عليه‌السلام» لم يبايع إلا بعد استشهاد زوجته فاطمة «عليها‌السلام» ، وكلماته «عليه‌السلام» في نهج البلاغة وفي غيره ، وفي كتب الحديث والرواية والتاريخ مشحونة بما يدل على اعتراضه على أبي بكر في توليه أمرا ليس له ..

خامسا : إن نصب إنسان للصلاة ، لا يعني توليته لأمور الدين كلها .. ليس فقط لأجل أن ذلك الرجل قد لا يحسن كثيرا من أمور الدين .. لا سيما وأن هؤلاء يجيزون الصلاة خلف العالم والجاهل ، والأمي والمتعلم ، بل والعادل والفاسق .. بل لأنه قد يكون هناك مانع من توليته لجميع ما يحسنه ، بل إن الإكتفاء بالتنصيص على توليته في جانب مما يحسنه ، وترك التصريح بتوليته لسائر المهام يكون أقوى في الدلالة على صرف النظر عن التولية العامة ..

سادسا : إن عليا «عليه‌السلام» قد جعل أبا الأسود على الصلاة في البصرة ، وولى ابن عباس ما عدا ذلك ، فلو كان نصبه للصلاة دليلا على

٣٠٤

ولايته ، أو أحقيته بالولاية لأمور الدنيا لم يصح نصب ابن عباس على البصرة إلى جانب أبي الأسود. أو هو على الأقل سيكون مثار تساؤل لدى الناس!!

سابعا : إن إمامة الصلاة ليست من الولايات ، بل هي حكم شرعي خاص في مورده ، فما معنى قياس ولاية أمور الدنيا التي تحتاج إلى إنشاء وجعل .. على جعل إنسان إماما في الصلاة؟!

ثامنا : قوله : من ذا يؤخره عن مقام أقامه الله فيه غير سديد ، فإن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يقمه إماما للأمة ، وإنما هم يدّعون أنه أقامه إماما للصلاة ، ولم يؤخره أحد عنها ، وإنما هو تقدم ليتولى أو ليستولي على ما عداها.

تاسعا : بالنسبة لمناداة أبي بكر ثلاثة أيام ليقيله الناس البيعة نقول :

إنها مغالطة فاشلة ، فإن المطلوب أن يقيلهم هو بيعتهم ، وليس العكس ، فإذا أحلهم منها إنتهى الأمر ، ولا تبقى حاجة لأي تصرف منهم ، لأنهم هم الذين أعطوه عهدا ببيعتهم ، وصاروا يرون أنفسهم ملزمين بالوفاء به.

عاشرا : بالنسبة لكلام الحسن عن تقوى أبي بكر التي تمنعه من التوثب على ما ليس له ، نقول :

إنه كلام لا يجدي ، لأن الوقائع هي التي تحدد لنا إن كان قد توثب على هذا الأمر ، أو لم يتوثب عليه.

على أن التوثب على هذا الأمر قد يكون لأجل ما يزعمونه من الغيرة على الدين ، والخوف على المسلمين .. فلا يتنافى مع التقوى ، إلا إذا كان قد سمع النص من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على علي «عليه‌السلام» بالخلافة والإمامة ، أو بايعه في يوم الغدير ، ثم نقض بيعته ، كما هو المفروض ..

٣٠٥

ولربما يدّعى : أن ثمة شبهة تسوغ هذا التوثب ، وتمنع من الحكم بتعمد مخالفة أحكام الشريعة ، والعهدة في ذلك على من يدّعيه.

حادي عشر : حديث ابن سيرين ، وإبراهيم التيمي لا يصح ، إذ إن أبا بكر فقط هو الذي طرح اسم أبي عبيدة يوم السقيفة ، ولا يستطيع الحسن أو التيمي أن يذكرا لنا اسم أحد غيره فعل ذلك. وظواهر الأمور تشير إلى أنه قد طرح اسمه ليردها عليه أبو عبيدة ، الذي لم يكن أحد سوى أبي بكر وعمر يراه أهلا لهذا الأمر.

بل إن سعد بن عبادة ، ومن معه كانوا كلهم لا يرون أبا بكر أهلا لهذا الأمر ، فهل يرون أبا عبيدة حفار القبور أهلا له؟!

على أن حديث الحسن وإبراهيم ، لم ينقل لنا بسند متصل ..

يوم الوفاة هو يوم العزل :

قد دلت الروايات المتقدمة أيضا : على أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد مات في نفس اليوم الذي صلى فيه أبو بكر بالناس ، فقد روى ابن أبي مليكة قال :

«لما كان يوم الإثنين خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عاصبا رأسه إلى الصبح ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تفرج الناس ، فعرف أن الناس لم يفعلوا ذلك إلا لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فنكص عن مصلاه ، فدفع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ظهره الخ ..» (١).

__________________

(١) تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ١٩٦ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج ٢ ص ٤٤٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٦٨ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٤٦٧.

٣٠٦

فقد دلت هذه الرواية : على أن خروج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى المسجد كان في صلاة الصبح وأن مشاركته في الصلاة كانت يوم الإثنين ..

وهناك روايات عديدة دلت على أن ذلك كان نفس يوم وفاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلا حظ ما يلي :

١ ـ عن ابن جرير ، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه : قال «صلى (أي النبي) في اليوم الذي مات فيه في المسجد» (١).

٢ ـ ويدل على ذلك أيضا : حديث أنس ، قال : «لما مرض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مرضه الذي مات فيه أتاه بلال فآذنه بالصلاة ، فقال : يا بلال ، قد بلّغت. فمن شاء فليصلّ ، ومن شاء فليدع.

قال : يا رسول الله ، فمن يصلي بالناس.

قال : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس.

فلما تقدم أبو بكر رفعت الستور عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فنظر إليه كأنه ورقة بيضاء عليه خميصه سوداء ، فظن أبو بكر أنه يريد الخروج ، فتأخر ، فأشار إليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فصلى أبو بكر. فما رأينا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى مات من يومه (٢).

٣ ـ وعن عائشة : أن بلالا جاء صباح يوم وفاة رسول الله «صلى الله

__________________

(١) كنز العمال ج ٧ ص ٢٧٢ وراجع : سنن الدارمي ج ١ ص ٣٦ وعمدة القاري ج ٥ ص ١٩١ ونصب الراية ج ٢ ص ٥٦.

(٢) كنز العمال ج ٧ ص ٢٦١ وراجع : مسند أبي يعلى ج ٦ ص ٢٦٤ ومختصر تاريخ دمشق ج ٢ ص ٣٨١ و ٣٨٢ ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٠٢ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٢ ص ٢٢٧ وحديث خيثمة ص ١٤٠ وشرح الأخبار ج ٢ ص ٢٣٨.

٣٠٧

عليه وآله» فآذنه بالصلاة ، فقال لها «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : مري أباك أن يصلي بالناس (١).

وبذلك يتضح : أن ما زعمته بعض الروايات : من أن أبا بكر قد صلى بالناس أياما ، غير مسلّم (٢) ..

إلا إذا كان المقصود : أنه صلى بهم من دون علم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالأمر.

التشاؤم هو السبب :

وقد تقدم : أن عائشة تزعم : أن الداعي لها لمراجعة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في أمر صلاة أبي بكر بالناس هو الفرار من تشاؤم الناس بأبيها إذا صلى في مرض الرسول ، لو حدث به «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حدث (٣) ..

ولكنها في رواية أخرى تبرر مراجعتها للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : بأن أبا بكر رجل أسيف ، لا يسمع الناس بسبب بكائه.

فأي ذلك هو الصحيح؟!

__________________

(١) كنز العمال ج ٧ ص ٢٦٦ عن أبي الشيخ.

(٢) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ج ٣ ص ٢٧٦ و ٢٧٧ ومسند أبي عوانة ج ١ ص ٤٤٠ وسنن النسائي ج ٢ ص ١٠١ وصحيح البخاري ج ١ ص ٢٧٨ و ١٧٩ ح ٧٨ وصحيح مسلم ج ٢ ص ٢٠ و ٢١.

(٣) صحيح البخاري ج ٦ ص ٣٣ ح ٤٣٢ وصحيح مسلم ج ٢ ص ٢٢ والسنن الكبرى ج ٨ ص ١٥٢.

٣٠٨

مروا من يصلي بالناس :

وفي رواية عبد الله بن زمعة : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لهم : مروا من يصلي بالناس .. ولم يعين أحدا بعينه .. فلما أمر ابن زمعة عمر بأن يصلي بالناس أنكر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك حسب ما زعمته الرواية ، وقال : «يأبى الله ذلك والمسلمون» (١).

وقد قلنا : إن هذه الزيادة باطلة ، لما يلي :

١ ـ إن المسلمين قد رضوا بعمر حسب الفرض ، وقد شرع بالصلاة بالفعل ..

٢ ـ كيف يأبى الله ذلك والحال أن عمرو بن العاص كان يؤم أبا بكر وعمر معا في غزوة ذات السلاسل ، وأمهما أيضا عبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك؟ ..

٣ ـ قد جاء في رواية أنس قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : حين آذنه بلال بالصلاة : «يا بلال قد بلغت. فمن شاء فليصلّ ، ومن شاء فليدع» ..

__________________

(١) الإستيعاب (ط دار الجيل) ج ٣ ص ٩٧٠ والمحلى لابن حزم ج ٤ ص ٢١٠ وشرح الأخبار ج ٢ ص ٢٣٩ والبحار ج ٢٨ ص ١٤٥ و ١٥٦ و ١٥٧ ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٢٢ وج ٦ ص ١٠٦ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٤٠٥ وعمدة القاري ج ٥ ص ١٨٨ وعون المعبود ج ١٢ ص ٢٧٣ والمعجم الأوسط ج ٢ ص ١٢ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٢ ص ١٢٨ وكنز العمال ج ١١ ص ٥٥٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٦٢ و ٢٦٣ و ٢٦٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٥٢ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٥٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٥٩ وسبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٤.

٣٠٩

فما معنى زيادة فقرة : مروا أبا بكر فليصل بالناس (١).

٤ ـ أن صلاة أبي بكر بالناس لا تنسجم مع كونه قد جعله في جيش أسامة ، ولم يرد إحداث أي خلل في عزيمة ذلك الجيش ، فكيف يخرج أبا بكر منه للصلاة بالناس بسبب شدة مرضه؟!

عزله في الصلاة الأولى :

إن الروايات المتقدمة ، ومنها روايات عائشة نفسها ، المروية في صحيحي البخاري ومسلم قد دلت على : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد عزل أبا بكر في أول صلاة صلاها ، لأنها صرحت بأنه قال لهم : مروا أبا بكر فليصل بالناس ..

ثم ذكرت : أنه وجد من نفسه خفة ، فعزله عنها بنفسه ، فكان أبو بكر مأموما والنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إماما.

صويحبات يوسف :

وقوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لنسائه : «إنكن لصويحبات يوسف» يدل على : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن هو الذي أمر أبا بكر بالصلاة ، لأن صويحبات يوسف لم يخالفن يوسف في شيء ، ولا راجعنه في أمر صدر عنه ، وإنما فتنهن حسنه ، وأرادت كل واحدة منهن أن تنال الحظوة عنده ..

وهذا ما أرادته عائشة وحفصة ، فإنهن أردن الحصول على الشرف والمقام ،

__________________

(١) تقدمت مصادر حديث أنس.

٣١٠

بالتقرب من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١) .. فقدمتا أبويهما من أجل الإفتخار والتجمل بمقام القرب من الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أي أنهن لم ينازعنه لصرف إمامة الجماعة عن أبويهما ..

أستاذ المعتزلي يشرح ما جرى :

وقد ذكر المعتزلي كلاما عن شيخه أبي يعقوب ، يوسف بن إسماعيل اللمعاني ، جاء فيه ما يلي :

«فلما ثقل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مرضه أنفذ جيش أسامة ، وجعل فيه أبا بكر وغيره من أعلام المهاجرين والأنصار. فكان علي «عليه‌السلام» حينئذ بوصوله إلى الأمر ـ إن حدث برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حدث ـ أوثق. وتغلب على ظنه : أن المدينة لو مات لخلت من منازع ينازعه الأمر بالكلية ، فيأخذه صفوا عفوا ، وتتم له البيعة ، فلا يتهيأ فسخها لو رام ضدّ منازعته عليها ..

فكان من عود أبي بكر من جيش أسامة ـ بإرسالها إليه ، وإعلامه بأن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يموت ـ ما كان ، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف.

فنسب علي «عليه‌السلام» إلى عائشة أنها أمرت بلالا مولى أبيها أن يأمره فليصل بالناس ، لأن رسول الله ـ كما روي ـ قال : ليصل بهم أحدهم ، ولم يعين. وكانت صلاة الصبح ؛ فخرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

__________________

(١) تلخيص الشافي ج ٣ ص ٣٠.

٣١١

وهو في آخر رمق يتهادى بين علي والفضل بن العباس ، حتى قام في المحراب ـ كما ورد في الخبر ـ ثم دخل فمات ارتفاع الضحى.

فجعل يوم صلاته حجة في صرف الأمر إليه ، وقال : أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين قدمهما رسول الله في الصلاة.

ولم يحملوا خروج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لصرفه عنها ، بل لمحافظته على الصلاة مهما أمكن .. فبويع على هذه النكتة التي اتهمها علي «عليه‌السلام» على أنها ابتدأت منها.

وكان علي «عليه‌السلام» يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيرا ، ويقول : إنه لم يقل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إنكن لصويحبات يوسف إلا إنكارا لهذه الحال ، وغضبا منها ، لأنها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما ، وأنه استدركها بخروجه ، وصرفه عن المحراب ، فلم يجد ذلك ولا أثّر. مع قوة الداعي الذي كان يدعو إلى أبي بكر ، ويمهد له قاعدة الأمر ، وتقرر حاله في نفوس الناس ، ومن اتبعه على ذلك من أعيان المهاجرين والأنصار ..

فقلت له «رحمه‌الله» : أفتقول أنت : إن عائشة عينت أباها للصلاة ، ورسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يعينه؟!

فقال : أما أنا فلا أقول ذلك ، ولكن عليا كان يقوله ، وتكليفي غير تكليفه. كان حاضرا ، ولم أكن حاضرا .. الخ» (١).

ونقول :

قد أظهرت الفقرة الأخيرة : أن المعتزلي فاجأ اللمعاني بسؤاله ، وربما يكون

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٩ ص ١٩٦ ـ ١٩٨.

٣١٢

قد أخافه ، فاضطر إلى أن يميز نفسه عن علي «عليه‌السلام» في هذا الأمر ، مع إلماحه إلى أن عليا «عليه‌السلام» هو الذي يعيش الحدث ، ويعرف تفاصيله ـ فقد كان علي حاضرا ، ولم يكن اللمعاني حاضرا ـ ..

ونحن تكفينا شهادة علي «عليه‌السلام» حول هذا الأمر ، فقد قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «علي مع الحق والحق مع علي ، يدور معه كيفما دار» أو نحو ذلك (١).

يوم بنت خارجة :

وتقول رواية تقدمت : أن أبا بكر استأذن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليذهب إلى السنح (٢) ، لأن زوجته أسماء بنت خارجة كانت تنتظره ..

والذي يثير عجبنا : أن أبا بكر يرى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» غير قادر على المشي من شدة المرض. ولم يستطيع الوصول إلى موضع الصلاة إلا

__________________

(١) المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٢٤ والجامع الصحيح للترمذي ج ٣ ص ١٦٦ وكنوز الحقائق للمناوي ص ٧٠ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٣٣ وجامع الأصول ج ٩ ص ٤٢٠ وراجع : كشف الغمة ج ٢ ص ٣٥ وج ١ ص ١٤١ ـ ١٤٦ والجمل ص ٣٦ وتاريخ بغداد ج ١٤ ص ٣٢٢ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١١٩ و ١٢٤ وتلخيصه للذهبي بهامشه ، وراجع نزل الأبرار ص ٥٦ وفي هامشه عن مجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٣٤ وعن كنوز الحقائق ص ٦٥ وكنز العمال ج ٦ ص ١٥٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٢٩٧ وج ١٨ ص ٧٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٤٤٩.

(٢) السنح : موضع بالمدينة بينه وبين منزل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قدر ميل. كان لأبي بكر منزل هناك.

٣١٣

بمساعدة رجلين ، وكانت رجلاه تخطان في الأرض. ثم هو يستأذنه ـ كما يزعمون ـ ليذهب إلى زوجته بنت خارجة في منزله بالسنح (١).

وهذا الغياب هو الذي جعل عمر يحتاج إلى إنكار موت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لإشغال الناس عن أي تدبير في الأمر إلى حين حضور أبي بكر.

ألا يدل ذهاب أبي بكر إلى السنح ، حيث لم يصلّ بالناس صلاة الظهر يوم الإثنين. على الأقل ، وهو يوم استشهاد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لأنه استشهد بعد الزوال ، كما يقوله كثيرون ، كما سيأتي ـ ألا يدل ذلك ـ على أنه قد ذهب معزولا عن الصلاة ، (وربما غاضبا) بعد أن تصدى لها من غير إذن ، ولا رضى من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

دعوى صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خلف أبي بكر :

وإذا كانت الروايات الصحيحة تتجه لتأكيد عزل أبي بكر عن الصلاة ، فهل يمكن أن نصدق ما تضيفه بعض المرويات ، من أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صلى خلف أبي بكر ، أو أن أبا بكر قد صلى بصلاة النبي ، والناس صلوا بصلاة أبي بكر ، لأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان جالسا ، وكان أبو بكر قائما ، فكان الناس يرونه ، فيقتدون به ..

علما بأن الصف الأول والذي يليه أيضا قادر على رؤية شخص رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويشاهد حركته ، وركوعه وسجوده ، بلا حاجة إلى

__________________

(١) راجع : تاريخ دمشق ج ٢ ص ٥٦ والبداية وكنز العمال ج ١٠ ص ٧٤٥ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٢٥ وج ١٤ ص ٥٢١ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٤٩ والنهاية ج ٥ ص ١٨٤ ـ ١٨٦ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٣ ص ٣٦.

٣١٤

أبي بكر وسواه ..

وعن دعوى ائتمام النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأبي بكر يقول ابن الجوزي : «ليس هذا في الصحيح ، وإنما قد روي من طرق لا تثبت» (١).

وسيأتي المزيد مما يبطل هذا الزعم إن شاء الله تعالى ..

روايات عائشة :

وعن حديث أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صلى خلف أبي بكر نقول :

أولا : إن العمدة في هذه الرواية هو ما روته عائشة (٢). وهي إنما تجر النار

__________________

(١) آفة أصحاب الحديث ص ٤٩.

(٢) راجع : مسند أحمد ج ٦ ص ٢٢٤ وعن صحيح البخاري ج ١ ص ١٨٢ و ١٨٣ و (ط دار الفكر) ج ١ ص ١٦٢ و ١٧٥ وصحيح مسلم ج ٢ ص ٢٣ كتاب الصلاة ، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ، وآفة أصحاب الحديث ص ٥٧ و ٥٨ و ٥٩ وسبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٤ و ٢٤٥ والمجموع للنووي ج ٤ ص ٢٤١ والمبسوط للسرخسي ج ١ ص ٢١٤ وبدائع الصنائع ج ١ ص ١٤٢ والبحار ج ٢٨ ص ١٣٧ عن جامع الأصول ، وص ١٣٨ عن البخاري ، ومسند أحمد ج ٦ ص ٢١٠ و ٢٢٤ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٣٨٩ وسنن النسائي ج ٢ ص ١٠٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٢ ص ٣٠٤ وج ٣ ص ٨١ و ٩٤ وعمدة القاري ج ٥ ص ١٨٦ و ٢٤٨ و ٢٥٠ ومسند ابن راهويه ج ٣ ص ٨٣١ والسنن الكبرى للنسائي ج ١ ص ٢٩٣ وصحيح ابن خزيمة ج ٣ ص ٥٣ وشرح معاني الآثار ج ١ ص ٤٠٦ وصحيح ابن حبان ج ٥ ص ٤٨٥ و ٤٨٩ و ٤٩٥ وج ١٥ ص ٢٩٢ وكنز العمال ج ٥ ص ٦٣٤ ومصادر أخرى تقدمت.

٣١٥

إلى قرصها ، بل الوقائع تثبت أنها كانت تميل مع هواها في رواياتها وفي تصرفاتها ، ولأجل ذلك لم تذكر الشخص الذي توكأ عليه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حينما خرج ـ في مرضه ليعزل أبا بكر عن الصلاة ، وهو علي «عليه‌السلام» ، لأنها كما يقول ابن عباس : «لا تقدر على أن تذكره بخير» (١).

أو كما يقول معمر : «لا تطيب نفسا له بخير» (٢).

وقد دللت على أنها كانت تتصرف برأيها في هذا المجال أيضا حين ذكرت أنها كانت تسعى لإبعاد حالة التشاؤم بأبيها ، مع أنها كانت تدعي للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن أبا بكر رجل رقيق لا يسمع الناس من بكائه.

ثانيا : إن ابن الجوزي يقول : إن حديث عائشة ، عند أحمد ، والترمذي ، وأبي داود يدور على شبابة بن سوار.

وقد أنكر أحمد بن حنبل عليه.

وأما سائر الطرق ـ وهي سبعة ـ عن عائشة فليس فيها ما يثبت (٣).

__________________

(١) تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٣٣ وعمدة القاري ج ٥ ص ١٩٢ وفتح الباري ج ٢ ص ١٣١ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٢٨٧ والغدير ج ٩ ص ٣٢٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٣٢ ص ٤١

(٢) عمدة القاري ج ٥ ص ١٩٢ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٢٨٧ وفتح الباري ج ٢ ص ١٣١ وراجع : صحيح البخاري ج ١ ص ١٧٥ والمسترشد للطبري (الشيعي) ص ١٢٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٣٣ والإرشاد للمفيد ج ١ ص ٣١١ ومناقب أهل البيت «عليه‌السلام» للشيرواني ص ٤٧٢ وقاموس الرجال ج ١٢ ص ٢٩٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٣٢ ص ٤١٥.

(٣) آفة أصحاب الحديث ص ٥٠ و ٥١ و ٧٥ ـ ٩٥.

٣١٦

ثالثا : سيأتي أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد عزل أبا بكر عن هذه الصلاة بالذات.

رابعا : حتى لو فرضنا جدلا أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صلى خلف أبي بكر ، فإن ذلك لا يثبت إمامة أبي بكر وخلافته على الأمة ، وذلك لما يلي :

١ ـ إن إمامة الجماعة لا تحتاج عند أهل السنة إلا إلى أن يكون الإمام مسلما ، محسنا للقراءة .. ولا تحتاج إلى فقه ، ولا إلى علم ، ولا إلى شجاعة ، ولا إلى عدالة وتقوى ولا إلى غير ذلك من الشرائط المعتبرة في الإمامة والخلافة.

٢ ـ لو صح أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صلى خلف أبي بكر ، فإن ذلك لا يدل على أنه يرضاه لإمامة الأمة ، إذ لو دلت الصلاة خلف أبي بكر على إمامته لدلت على إمامة عبد الرحمن بن عوف أيضا ، فإنهم يدّعون أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صلى خلفه في غزوة تبوك .. حسبما تقدم ..

٣ ـ لنفترض عدم صحة النقض بصلاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خلف ابن عوف ، لأنها لم تكن في مرض موت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. أو لعدم صحتها في نفسها ، فإننا نقول :

إن عمر بن الخطاب قد أبطل تأثير فعل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الدلالة على إمامة أو خلافة أبي بكر وغيره ، لأنه قال : إن النبي ليهجر ، أو غلبه الوجع .. أو نحو ذلك .. ولا يعتد بنصب أو بعزل من يكون في حالة هذيان أو يحتمل أنه كان كذلك ـ والعياذ بالله.

٤ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أمر كثيرين من الصحابة بقيادة الجيوش والسرايا ، وجعل عددا من أصحابه ولاة على مكة وعلى غيرها.

٣١٧

وكان الأمير منهم يتولى الصلاة أيضا .. وقد جرى بين عمرو بن العاص وبين أبي عبيدة في غزوة ذات السلال ما تقدم بيانه ، فإنه أصر على أن يكون هو الإمام لهم بمن فيهم أبو بكر وعمر ، ورضخوا له ، وصلى بهم .. فلماذا لا يجعل ذلك من أدلة تقدم عمرو بن العاص على أبي بكر في الخلافة ، كما تقدمه في الصلاة؟! التي كان يرى أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي رتبه فيها.

صلاة عمر بالناس :

ورووا : عن عبد الله بن زمعة بن الأسود قال : لما استعزّ برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأنا عنده في نفر من المسلمين ، دعا بلال للصلاة ، فقال : مروا من يصلي بالناس.

قال : فخرجت ، فإذا عمر في الناس. وكان أبو بكر غائبا ، فقال : قم يا عمر فصل بالناس.

قال : فقام ، فلما كبر عمر سمع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صوته ، وكان عمر رجلا مجهرا.

قال : فقام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقال : لا ، لا ، لا يصلي بالناس إلا ابن أبي قحافة ـ يقول ذلك مغضبا ـ فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون.

قال : فبعث إلى أبي بكر بعد ما صلى عمر تلك الصلاة ، فصلى بالناس.

قال : وقال عبد الله بن زمعة : قال عمر لي : ويحك ، ماذا صنعت بي يا بن زمعة ، والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

٣١٨

أمرك بذلك ، ولو لا ذلك ما صليت بالناس.

قال : قلت : والله ما أمرني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة (١).

ونقول :

أولا : إذا كان المسلمون يأبون ذلك ، فلماذا يأمره ابن زمعة ، ويأتم به المسلمون ، ولا يعترض أحد منهم؟!

ثانيا : إذا كان أبو بكر وعمر قد جعلهما رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في جيش أسامة ، فلماذا حضر هؤلاء النفر من المسلمين عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٤ عن أحمد ، وأبي داود ، وابن سعد ، وسنن أبي داود ج ٤ ص ٢١٥ ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٢٢ وج ٦ ص ١٠٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٦٢ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٥٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٦٦ وعون المعبود ج ١٢ ص ٢٧٢ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٦٤١. وراجع : الإستيعاب (ط دار الجيل) ج ٣ ص ٩٧٠ والمحلى لابن حزم ج ٤ ص ٢١٠ وشرح الأخبار ج ٢ ص ٢٣٩ والبحار ج ٢٨ ص ١٤٥ و ١٥٦ و ١٥٧ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٤٠٥ وعمدة القاري ج ٥ ص ١٨٨ وعون المعبود ج ١٢ ص ٢٧٣ والمعجم الأوسط ج ٢ ص ١٢ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٢ ص ١٢٨ وكنز العمال ج ١١ ص ٥٥٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٢٦٢ و ٢٦٣ و ٢٦٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٥٢ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٥٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٥٩ وسبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٤.

٣١٩

ولماذا كانت تلك الجماعة من الناس ، وفيهم عمر في المكان الذي خرج إليه ابن زمعة؟

وهل كان أبو بكر غائبا في جيش أسامة أم كان في مكان آخر؟

فإذا كان في جيش أسامة ، فهل انتظر الناس حتى جاء من هناك إلى المسجد؟

وإذا كان في غير الجيش ، فهو كان عاصيا لأمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الذي أمره وأمر غيره بأن يكونوا في ذلك الجيش .. فكيف استحق من يعصي أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يكرم هذا الإكرام من الله ورسوله؟!

ثالثا : لماذا يأبى الله والمسلمون غير أبي بكر هنا ، ولم يكن هذا الإباء منهم حين صلى عبد الرحمن بن عوف بجيش قوامه ثلاثون ألفا ، وفيهم أبو بكر وعمر وسائر الرؤساء والزعماء ، ثم التحق بهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وائتم بعبد الرحمن بن عوف ، حسب زعمهم؟!

ولماذا كان أبو عبيدة وعمرو بن العاص يصليان بأبي بكر وعمر وغيرهما من المسلمين في غزوة ذات السلاسل .. ولم يعترض عليهما أحد من المسلمين ، ولا اهتم الله وسوله لهذا الأمر على الإطلاق؟!

رابعا : إذا صح أن الله والمسلمين يأبون إلا أبا بكر ، فلماذا عاد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وخرج يتوكأ على علي «عليه‌السلام» والعباس ، لكي يعزل أبا بكر عن تلك الصلاة بالذات؟!

خامسا : لقد روي أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «مروا بلالا فليصل

٣٢٠