الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-204-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٨

(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (١).

ويقول : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) (٢).

وقد حاول المعتزلي أن يلطف الأجواء بنحو آخر ، اعتمد فيه أسلوب إظهار حسن الظن بقائل تلك الكلمة الخطيرة.

فقال : «وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة ، يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد ، ويتوهم من تحكى له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصده ، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ومعاذ الله أن يقصد بها ظاهرها! ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته ، ولم يتحفظ منها. وكان الأحسن أن يقول : «مغمور» أو «مغلوب بالمرض» ، وحاشاه أن يعني بها غير ذلك»! (٣).

ونقول :

إن هذا كلام خطابي ، لا قيمة له ، لأن الأحسن عند ابن أبي الحديد لا يختلف عن ذلك الأسوأ الذي أراد أن يهرب منه ، ويبرئ عمر من تبعاته ..

وهو أيضا ينافي عصمة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ويمثل أذى وجرأة عليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، واتهاما له بما صرح القرآن بنفيه عنه.

__________________

(١) الآيتان ٣ و ٤ من سورة النجم.

(٢) الآية ٥٠ من سورة الأنعام.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ١٨٣ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٥٥٠ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧٢٣.

٢٢١

وأما حسن ظن ابن أبي الحديد بعمر ، والحكم بعدم قصد مضمونه ، واعتباره ذلك من الخشونة الغريزية ، فتبقى عهدته على مدّعيه ، وهو رجم بالغيب ، ولا يصح الإحتجاج به على أحد ، ولا ترتيب الأثر عليه.

والخشونة الغريزية ، لا تبرر عصيان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولا إغضابه ، ولا الجرأة عليه ، ولا سيما بعد أن تبناها قسم من الصحابة ، وقالوا : القول ما قاله عمر. وتنازعوا ، ورفعوا أصواتهم ، ولغطوا إلى آخر ما تقدم .. فهل كان الجميع يعانون من الخشونة الغريزية؟! أم أن الأمر يتعدى ذلك إلى ما هو أسوأ وأخطر؟!

إساءات لمقام النبوة :

ومع غض النظر عن نسبة الهجر والهذيان إلى النبي المعصوم ، فإننا نلاحظ : أن الأمر لم يقتصر على ذلك ، لأنهم قد ارتكبوا العديد من الإساءات الأخرى أيضا ، مثل :

١ ـ مخالفتهم لأمر الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وامتناعهم عن تلبية طلبه ، ومنعهم سائر من حضر من ذلك أيضا ..

٢ ـ إنهم قد رفعوا أصواتهم ، وضجوا ، ولغطوا في محضر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وقد امرهم الله بأن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأن يغضوا أصواتهم عنده.

٣ ـ إنهم قد تنازعوا في محضره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولم يردوا الأمر إلى النبي ، حتى طردهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من محضره. وقد نهاهم الله تعالى عن التنازع ، وأمرهم برد ما يتنازعون فيه إلى الله وإلى الرسول.

٢٢٢

٤ ـ إنهم أغضبوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وفعلوا في حضرته ما لا ينبغي كما صرحت به بعض النصوص أيضا ، ومن ذلك قولهم لتلك المرأة : إنها لا عقل لها ، وغير ذلك.

٥ ـ إنهم قالوا : حسبنا كتاب الله ، وهذا قرار منهم باستبعاد السنة النبوية الشريفة عن التداول. مع أن الله تعالى يقول لهم : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (١). وثبت عندهم : حديث الثقلين بصيغة «كتاب الله وسنتي» (٢).

حسبنا كتاب الله في الميزان :

واللافت هنا :

أولا : أنهم قد تخلوا حتى عن العمل بالقرآن الكريم في نفس هذا المورد فضلا عن غيره ، فإن القرآن هو الذي يأمرهم بطاعة الرسول «صلى الله عليه

__________________

(١) الآية ٧ من سورة الحشر.

(٢) راجع : المستدرك للحاكم ج ١ ص ٩٣ والعلل لأحمد بن حنبل ج ١ ص ٩ وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ٢ ص ١٨٠ والجامع الصغير ج ١ ص ٥٠٥ و ٦٠٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١٠ ص ١١٤ وسنن الدار قطني ج ٤ ص ١٦٠ وكنز العمال ج ١ ص ١٧٣ و ١٨٧ ومسند زيد بن علي ص ٤٠٤ والإستذكار لابن عبد البر ج ٨ ص ٢٦٥ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٤ ص ٣٣١ وتفسير الرازي ج ٢ ص ٤ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٧ ص ٢٥٩ وج ٨ ص ٢٤٧ والاحكام لابن حزم ج ٦ ص ٨١٠ والأحكام للآمدي ج ١ ص ٢٤٨ وضعفاء العقيلي ج ٢ ص ٢٥١ والكامل لابن عدي ج ٤ ص ٦٩ وميزان الاعتدال للذهبي ج ٢ ص ٣٠٢ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ١ ص ٥٤٣.

٢٢٣

وآله» ، فيقول : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (١) ويأمرهم بأخذ ما آتاهم إياه فيقول أيضا : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٢) .. ونهاهم عن أذى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعن إغضابه ، وعن رفع الصوت في محضره ، وعدم التنازع. وألزمهم بالرجوع إليه فيما يتنازعون فيه ..

وقد صرحت الآيات بذلك كله ، ولم تبق عذرا لمعتذر ، أو حيلة لمتتطلب حيلة ، وهم لم يعملوا بالقرآن حتى في هذا المورد!!.

ثانيا : إن القرآن فيه بيان كل شيء بلا ريب ، لكن إنما يعرف القرآن من خوطب به ، وكل شيء اصله في الكتاب ، ولكن لا تدركه عقول الرجال من سائر الناس ، بل لا بد من أن يرجعوا إلى من يفسره لهم ، وهم خصوص النبي الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثم الأئمة الطاهرون «عليهم‌السلام» من بعده ، العارفون بتنزيله وبتأويله ، ومحكمه ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ، فلا أحد يستطيع استخراج حقائقه سواهم «عليهم‌السلام».

وكيف يمكن لعمر ، أو لغير عمر أن يعرف عدد ركعات الصلاة اليومية ، وشرائط الإعتكاف في المساجد ، وسائر الأحكام الفرعية من القرآن الكريم إلا بدلالة من عنده علم الكتاب «عليه الصلاة السلام» وعلى آله الطاهرين؟! ..

على أن الوقائع قد بينت عدم معرفتهم لمعنى الأبّ ، وعدم معرفتهم

__________________

(١) الآية ٥٩ من سورة النساء.

(٢) الآية ٧ من سورة الحشر.

٢٢٤

بالكلالة ، وبأمور كثرة أخرى نطق بها القرآن ..

ثم إنهم قد منعوا الناس من السؤال عن معاني آيات القرآن ، وضربوهم ، واضطهدوهم كما تقدم في الجزء الأول من هذا الكتاب ..

فهل معنى قولهم : حسبنا كتاب الله ، هو أن يكون القرآن للقراءة على القبور ، وفي المحافل الرسمية ، وأن يكون من جملة التمائم التي تعلق على المرضى.

لماذا يريد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الكتابة؟! :

وقد يسأل سائل عن السبب في لجوء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى كتابة الكتاب؟! ألم يكن يكفيه ما جرى في يوم الغدير من البيعة والتهنئة لعلي «عليه‌السلام» بمقام الولاية؟!

ونجيب :

أولا : إن نفس ما جرى في مرض موته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من جرأة وإباء وإصرار على عدم تمكينه من كتابة الكتاب يدل على ضرورة كتابة هذا الكتاب ..

ثانيا : لعل هؤلاء الناس كانوا يخططون إلى إنكار دلالة ما جرى ، والإعتماد على إرهاق الحدث بالتأويلات والتمحلات الباطلة لتعمية الأمور على العوام.

أو لعلهم يزعمون للناس أن أمورا قد استجدت ، وتقلبات حدثت ، دعت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى العدول عن ذلك الأمر ، حيث رأى أن صرف النظر عنه أصلح.

٢٢٥

لماذا لا يصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الكتابة؟! :

ونجيب عن سؤال : إذا كانت كتابة الكتاب ضرورية ، وإذا كان هو الذي يحفظ الأمة من الضلال ، فلماذا صرف النظر عن كتابته؟!

ولماذا يستسلم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما أراده عمر وغيره ، ألم يكن الإصرار على كتابته هو المتعين؟!

ما دام أن نفع الكتاب الذي سوف يكتبه لا يقتصر على أهل ذلك الزمان ، بل سيكون شاملا للأمة بأسرها إلى يوم القيامة؟! ..

ونجيب : بما قاله العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين «قدس‌سره» :

«وإنما عدل عن ذلك ، لأن كلمتهم تلك التي فاجؤوه بها إضطرته إلى العدول ، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة ، والإختلاف من بعده في أنه هل هجر فيما كتبه ـ والعياذ بالله ـ ، أو لم يهجر؟

كما اختلفوا في ذلك ، وأكثروا اللغو واللغط نصب عينيه ، فلم يتسنّ له يومئذ أكثر من قوله لهم : «قوموا عني» كما سمعت.

ولو أصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم : هجر ، ولأوغل أشياعهم في إثبات هجره ـ والعياذ بالله ـ فسطروا به أساطيرهم ، وملأوا طواميرهم ، ردا على ذلك الكتاب ، وعلى من يحتج به.

لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، عن ذلك الكتاب صفحا ، لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم بابا إلى الطعن في النبوة ـ نعوذ بالله ، وبه نستجير.

وقد رأى «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أن عليا وأولياءه خاضعون لمضمون

٢٢٦

ذلك الكتاب ، سواء عليهم أكتب أم لم يكتب ، وغيرهم لا يعمل به ولا يعتبره لو كتب.

فالحكمة ـ والحال هذه ـ توجب تركه ، إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى» (١).

فائدة ما جرى :

وكان هذا الإجراء النبوي في غاية الدقة ، وكان جليل الأثر عظيم الفائدة في أكثر من اتجاه ، فهو قد فضح مرة أخرى أولئك الذين يتظاهرون بالخضوع والطاعة لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعرّف الناس أن باطنهم لا يلائم ظاهرهم ..

كما أنهم لم يعد بإمكانهم أن يدّعوا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بدل رأيه ، أو أنه أسرّ لهم بشيء كتمه عن الناس ، يضاف إلى ذلك : أنه اضطرهم إلى الإعلان بأن في نيتهم تجاهل سنة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإبطالها ، وأفقدهم القدرة على ادّعاء أن هذا اجتهاد منهم يعذرون فيه .. فقد ظهر أنه اجتهاد جاء على خلاف النص الصريح ، وقد كان ثمنه إغضاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والجرأة عليه ، وانتهاك حرمته ، والطعن في عصمته ، ومخالفة النصوص القرآنية الواضحة ، والصريحة ..

وأظهر أيضا : أنهم لا يصدقون رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيما يخبرهم به من أن الكتاب الذي يريد أن يكتبه سوف يحصن الأمة من

__________________

(١) المراجعات ص ٢٨٤ و ٢٨٥ والنص والإجتهاد ص ١٧٠ و ١٧١ والفصول المهمة ص ٩١ فما بعدها.

٢٢٧

الضلال إلى يوم القيامة.

كما أنه قد دل على أنهم لا يهتمون بمصلحة الأمة ، ولا يفكرون في هدايتها وصيانتها من الضلال والغواية ..

وسيأتي : أنهم قد أتوا ما أتوه في الوقت الذي قدم لهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» المعجزة الظاهرة من خلال انطباق إخباره الغيبي على ما جرى وصدر منهم ، وذلك حين أخبرهم بالذي سيقول : خسبنا كتاب الله .. إلى غير ذلك من أمور يمكن استخلاصها مما حدث ..

لو لبس المسلمون السواد ، وأقاموا المآتم :

وتأتي كلمة السيد ابن طاووس «رحمه‌الله» لتصدق ابن عباس في تعبيره عما جرى برزية يوم الخميس ، ولتكون أصدق وأوفى تعبير عن حجم الكارثة التي حلت بالمسلمين نتيجة لما فعله هؤلاء القوم ، فهو يقول :

«والله ، لو لبس المسلمون السواد ، وأقاموا المآتم ، وبلغوا غاية الأحزان ، كان ذلك يسيرا لما أدخل عمر عليهم من المصيبات ، وأوقعهم فيه من الهلاك والضلال والشبهات» (١).

وذلك لما ترتب على هذا الأمر من اختلاف في الأمة ، وسفك للدماء ، واختلال في أمور الدين ، وهلاك اثنتين وسبعين فرقة بسبب الشبهات والضلالات التي ظهرت ، والتي هي السبب في خلود من يخلد في النار منهم (٢).

__________________

(١) الطرائف ص ٤٣٣.

(٢) راجع : الطرائف ص ٤٣١.

٢٢٨

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يخبر عما يجري :

وقد ورد عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه قال : «يوشك رجل منكم متكئا على أريكة يحدث بحديث عني ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مثل الذي حرم الله» (١).

وفي نص آخر قال : «لا ألفين أحدكم على أريكته يأتيه الأمر من أمري ، مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله

__________________

(١) راجع : مكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٠٩ وفي هامشه عن : جامع بيان العلم ج ٢ ص ٢٣٢ واللفظ له ، وراجع : أدب الإملاء والإستملاء ص ٣ و ٤ وابن ماجة ج ١ ص ٦ و ٧ ومسند أحمد ج ٤ ص ١٣١ و ١٣٢ وسنن أبي داود ج ٤ ص ٢٠٠ وسنن الدارمي ج ١ ص ١٤٤ والترمذي ج ٥ ص ٣٨ وراجع : الكفاية ص ٨ ـ ١٠ وكنز العمال ج ١ ص ١٥٥ (عن أحمد ، وأبي داود) وص ١٥٦ (عن أحمد ، وابن ماجة) وأضواء على السنة المحمدية ص ٥٢ والمعجم الكبير ج ٤ ص ١٣٠ (عن المقدام ، عن خالد بن الوليد) والسنن الكبرى للبيهقي ج ١ ص ١٠٩ وموارد الظمآن ص ٥٥ ودلائل النبوة للبيهقي ج ١ ص ٢٤ والتمهيد لابن عبد البر ج ١ ص ١٥٠ بسندين ، وتدوين السنة ص ٣٥٢ عن جمع ممن تقدم ، وعن دلائل النبوة ج ٦ ص ٥٤٩ والفقيه والمتفقه ج ١ ص ٨٨ والإعتبار للحازمي ص ٧ والصحيح لابن حبان ج ١ ص ١٤٧ وراجع : الحديث والمحدثون لأبي زهرة ص ١١ و ٢٤ وراجع : تفسير القرطبي ج ١ ص ٣٧ والسنة قبل التدوين ص ٧٨ و ٧٩ وسؤالات حمزة للدار قطني ص ٥ وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ٢ ص ١٩٠ وتاريخ ابن معين ج ١ ص ٦ عن أبي داود.

٢٢٩

اتبعناه» (١).

أو ما هو قريب من هذا ، مصرحا بأن هذا القائل يأكل من بيت المال أيضا (٢).

__________________

(١) راجع : مكاتيب ج ١ ص ٥٠٩ وفي هامشه عن : أدب الإملاء والإستملاء ص ٣ وجامع بيان العلم ج ٢ ص ٢٣٢ و (ط دار الكتب العلمية) ج ٢ ص ١٨٩ والكفاية للخطيب ص ١١ و ١٢ ومسند أحمد ج ٦ ص ٨ وسنن أبي داود ج ٤ ص ٢٠٠ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ٣٩٢ والترمذي ج ٥ ص ٣٧ وابن ماجة ج ١ ص ٦ والمعجم الكبير ج ١ ص ٢٩٥ بسندين وص ٣٠٧ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ١ ص ٣١٦ والشفاء للقاضي عياض ج ٢ ص ٣٨ وموارد الظمآن لزوائد ابن حبان ص ٥٥ والتمهيد لابن عبد البر ج ١ ص ١٥١ وراجع : لسان العرب والنهاية في «أرك» و «لفى» وكنز العمال ج ١ ص ١٥٥ عن أحمد ، وأبى داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، والمستدرك ، وراجع : المستدرك ج ١ ص ١٠٨ و ١٠٩ بأسانيد متعددة. ولا يخفى أن ألفاظ الحديث حيث نقل بالمعنى مختلفة والمعنى واحد ، ورواه في الكفاية هكذا : «لا أعرفن الرجل يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : ما أدري ما هذا ، عندنا كتاب الله ، ليس هذا فيه» ـ واللفظ لأبي الفضل ـ ورواه في معاني الأخبار ص ٣٩٠ عن أبي إبراهيم «عليه‌السلام» ، وراجع : الرسالة للشافعي ص ٨٩ و ٢٦٦ و ٤٠٣ والكفاية في علم الرواية ص ٢٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٧٦ وكتاب الأم الشافعي ج ٧ ص ١٦ وج ٧ ص ٣٠٣ وشرح معاني الآثار ج ٤ ص ٢٠٩ ومسند الحميدي ج ١ ص ٢٥٢ وكتاب المسند للشافعي ص ١٥١ و ٢٣٤.

(٢) راجع : كنز العمال ج ١ ص ١٥٥ و ١٧٤ عن أحمد ، وعن الإبانة لأبي نصر وأبي داود ، والبيهقي ، وسنن أبي داود ج ٤ ص ٢٠٠ وج ٣ ص ١٧٠ وسنن ابن ماجة

٢٣٠

ربما ليشير إلى أن الأحرى والأجدر بمن يأكل من بيت المال ، أن يحفظ شريعة سيد المرسلين ، وأن يصون دين المسلمين من أي خطر يمكن أن يتعرض له.

وقوع ما أخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وعلى كل حال ، فإن هذا من الإخبارات الغيبية لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، التي ظهر مصداقها قبل وفاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وذلك حين طلب كتفا ودواة ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده ، فقال عمر : إن النبي ليهجر ، حسبنا كتاب الله ، أو نحو ذلك ..

وعلى كل حال .. فإن مصداق كلام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حال حياته ، في قول عمر : حسبنا كتاب الله (١). ظهر أيضا في وفاته في قول أبي

__________________

ج ١ ص ٩ و ١٠ وكشف الأستار ج ١ ص ٨٠ ومسند احمد ج ٤ ص ١٣١ وج ٢ ص ٣٦٧ والكفاية للخطيب ص ١٢ و ١٠ و ١١ و ١٣ وجامع بيان العلم ج ٢ ص ٢٣١ و ٢٣٢ والتمهيد لابن عبد البر ج ١ ص ١٥٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٢٠٤ والسنة قبل التدوين ، عن ابن ماجة ، والبيهقي ، والدارمي ، والجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ٣٧.

(١) راجع : مكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٠٩ و ٥١٣ عن منهج النقد ص ٢٤ وعن البخاري ج ٢ ص ٧٧ و (ط دار الفكر) ج ١ ص ١٣٨ وج ٧ ص ٩ وتدوين السنة ص ٣٦١ وراجع : صحيح مسلم ج ٥ ص ٧٦ والسقيفة وفدك للجوهري ص ٧٦ وسنن الدارمي ج ١ ص ١٤٤ والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص ٢٤ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٦ ومسند أحمد ج ٤ ص ١٣٢ و (ط دار صادر) ج ١ ص ٣٢٥ و ٣٢٦ وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ٢ ص ١٩٠

٢٣١

بكر : فلا تحدثوا عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» شيئا ، فمن سألكم فقولوا : «بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه». أو نحو ذلك (١).

وقالت عائشة بنت أبي بكر أيضا : حسبكم القرآن (٢).

__________________

وأدب الإملاء والإستملاء للسمعاني ص ١٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٥٥ وج ٦ ص ٥١ وج ١١ ص ٤٩ وج ١٢ ص ٨٧ والمواقف للإيجي ج ٣ ص ٦٥٠ وشرح مسلم للنووي ج ١١ ص ٩٠ و ٩٣ وفتح الباري ج ١ ص ١٨٦ وج ٨ ص ١٠٢ وعمدة القاري ج ٢ ص ١٧٢ وج ١٨ ص ٦٣ وج ٢١ ص ٢٢٤ والسنن الكبرى للنسائي ج ٣ ص ٤٣٣ وج ٤ ص ٣٦٠ وصحيح ابن حبان ج ١٤ ص ٥٦٢ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٣٨ والديباج على مسلم ج ٤ ص ٢٣٢ وكنز العمال ج ١ ص ١٧٥ والتعديل والتجريح للباجي ج ١ ص ٢٠ إضافة إلى مصادر كصيرة أخرى.

(١) راجع : تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٢ و ٣ وراجع : تدوين السنة ص ٢٦٥ و ٣٥٧ و ٤٢٣ عن التذكرة ، والأنوار الكاشفة ص ٥٣ والسنة قبل التدوين ص ١١٣ إضافة إلى مصادر أخرى تقدمت في الهوامش السابقة.

(٢) راجع : وكتاب المسند ص ١٨٢ ومعرفة السنن والآثار ج ٣ ص ٢٠١ والقول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع ص ١٧٣ ووضوء النبي ج ١ ص ٨ وعمدة القاري ج ٨ ص ٧٧ وتحفة الأحوذي ج ٤ ص ٧٤ وأضواء على السنة المحمدية ص ٧٤ وراجع : صحيح البخاري (ط سنة ١٠٣٩ ه‍) ج ١ ص ١٤٦ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ٨١ وصحيح مسلم ج ٣ ص ٤٣ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٨١ وإختلاف الحديث للشافعي (بهامش الأم) ج ٧ ص ٢٦٦ و (ط أخرى) ص ٥٣٧ وجامع بيان العلم ج ٢ ص ١٠٥ ومنحة المعبود ج ١ ص ١٥٨ ـ

٢٣٢

ثم إنهم تابعوا سياساتهم هذه ، فمنعوا من رواية الحديث ومن كتابته بعده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وجمعوا ما كتبه الصحابة من ذلك وأحرقوه .. وجرت سيرتهم على ذلك برهة من الزمن ، تطبيقا لمقولة عمر الآنفة الذكر.

شكليات وظواهر :

وحتى هذا المقدار من الرجوع إلى القرآن ، فإنهم لم يلتزموا به أيضا إلا على مستوى الشكل ، والظاهر ، ولكنهم خالفوه ونبذوه وراء ظهورهم ، فيما عدا ذلك. ولا سيما فيما يرتبط بالآيات التي تتحدث عن الموقف من الظالمين ، والآيات التي ذكرت مقامات وفضائل وكرامات أهل البيت «عليهم‌السلام» وأكدت على إمامتهم ، ومسائل كثيرة فيما يرتبط بصفات الله ، وبغيرها من الأمور الإعتقادية والسلوكية ، وحتى آية الوضوء فإنهم لم يعملوا بها ، فضلا عن غيرها .. ولهذا البحث مجال آخر.

__________________

وكشاف القناع للبهوتي ج ٢ ص ١٩٠ والشرح الكبير لابن قدامه ج ٢ ص ٤٣١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٣٤٦ ومختصر المزني (بهامش الأم) ج ١ ص ١٨٧ و (ط دار المعرفة) ص ٣٩ والغدير ج ٦ ص ١٦٣ ومسند أحمد عمن تقدم ، وعن صحيح مسلم ج ١ ص ٣٤٢ و ٣٤٤ و ٣٤٣ ومسند أحمد ج ١ ص ٤١ وسنن النسائي ج ٤ ص ١٧ و ١٨ والسنن الكبرى البيهقي ج ٤ ص ٧٣ و ٧٢ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٥٩ وكتاب المسند للشافعي ص ١٨٢ وموطأ مالك ج ١ ص ٩٦ والمغني لابن قدامه ج ٢ ص ٤١٢ والمجموع للنووي ج ٥ ص ٣٠٨.

٢٣٣

حتى سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يحرم تعلمها :

والحقيقة هي : أن سياسة المنع من الحديث إنما كانت تستهدف بالدرجة الأولى سيرة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فإنها كانت تتضمن السياسات ، والإعتقادات والأحكام ، والأخلاق ، وتتضمن أيضا فضائل وكرامات ، ومثالب ومخزيات لأناس من أصحاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ويلاحظ : أنه قد كان هناك اتجاهان يرتبطان بالسيرة النبوية وروايتها ، أحدهما يوجب تعلمها ، والآخر يحرم ذلك ، فالإتجاه الذي يمنع ويحرم هو ما عبر عنه أبو هريرة حين قال :

لما ولي عمر قال : أقلوا الرواية عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلا فيما يعمل به (١).

قال ابن عبد البر : إن عمر نهى عن الحديث عما لا يكون حكما ، ولا يكون سنّة.

وقد فسر الدارمي قوله هذا ، فقال : «معناه عندي : الحديث عن أيام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ليس السنن والفرائض» (٢).

__________________

(١) المصنف للصنعاني ج ١١ ص ٢٦٢ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٠٧ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٨ ص ١١٥ وجامع بيان العلم ج ٢ ص ١٤٨ والغدير ج ٦ ص ٢٩٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٧ ص ٣٤٤ وشيخ المضيرة أبو هريرة لأبي رية ص ١٠٥.

(٢) سنن الدارمي ج ١ ص ٨٥ وتدوين السنة ص ٤١٤ و ٤٧٧ والجامع لأخلاق الراوي للخطيب ج ٢ ص ٢٨٨ / ١٦٤٩ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٤٢ عن الدارمي ، وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٢٠.

٢٣٤

أي أن الخليفة كان ينهى عن الحديث عن سيرة الرسول الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بما فيها من كرامات باهرة ، ومعجزات ظاهرة لأناس بأعيانهم ، كما أنهم لا يريدون أن يظهر ما جرى في الغزوات والسرايا ، ولا ذكر من فرّ في المواطن الكثيرة ، ومن ظهر نفاقه أو تجلت بعد قتل عمرو بن عبد ود فضائله وكراماته ، مثل قلع باب خيبر ، وهزيمة جيش الأحزاب ، ورد جيوش الشرك ، بالخيبة والخسران ، في بدر ، وأحد ، وحنين ، وقريظة ، والنضير ، وذات السلاسل. وسائر ما تضمن فضائل لأشخاص ، ومثالب لآخرين.

وكذلك المواقف التي أكدت على ولاية أهل البيت «عليهم‌السلام» ، ونصب علي «عليه‌السلام» إماما وخليفة من بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، كما جرى في يوم الدار ، وفي عرفات ، والغدير ، والمباهلة ، ونزول سورة هل أتى ، وما إلى ذلك.

وقد أوضح هذا الأمر أحد علماء السنة المعاصرين ، حيث علق على ما رواه ابن أبي مليكة ، من أن أبا بكر منع الناس من الحديث بعد وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بما يلي :

«إن كان لمرسل ابن أبي مليكة أصل ، فكونه عقب الوفاة النبوية يشعر بأنه يتعلق بأمر الخلافة ، كأن الناس عقب البيعة بقوا يختلفون ، يقول أحدهم : أبو بكر أهلها ، لأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال كيت وكيت ، فيقول آخر : وفلان قد قال له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كيت وكيت ،

٢٣٥

فأحب أبو بكر صرفهم عن الخوض في ذلك وتوجيههم إلى القرآن» (١).

وأما الإتجاه الذي يحتم تعلم السيرة وروايتها ، فهو اتجاه أهل البيت «عليهم‌السلام» ، فقد روي عن الإمام السجاد «عليه‌السلام» أنه قال : «كنا نعلّم مغازي النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وسراياه كما نعلّم السورة من القرآن» (٢).

قال الأحمدي : «لما في ذلك من معرفة الله ورسوله ، وآياته ، ومعرفة أوليائه وأعدائه ، وأعداء أهل البيت «عليهم‌السلام» ، الذين حاربوا رسول الله وقاتلوه ، والذين لا يريدون ذلك ، ولما يرون فيه من فضيحة قريش ، وسوء حالهم ، ومعرفة من جاهد وقاتل ، ممن تجنب القتال وفر» (٣).

هل أراد صلى‌الله‌عليه‌وآله كتابة ولاية علي عليه‌السلام :

لعل هناك من يريد أن يدّعي : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يصرح بما يريد أن يكتبه في مرض موته. فمن يستطيع أن يجزم بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أن يكتب ولاية علي «عليه‌السلام»؟! (٤) فلعله أراد أن يكتب شيئا

__________________

(١) الأنوار الكاشفة ص ٥٤ وعنه في تدوين السنة ص ٤١٨.

(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٩٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٣٥٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ١٠.

(٣) مكاتيب الرسول ج ١ هامش ص ٦٤٤.

(٤) راجع : مكاتيب الرسول ج ١ ص ٦٠٩ عن عن الدهلوي ، والخفاجي ، والكرماني ، وقال في هامشه : وراجع تشييد المطاعن (ط هند) ج ١ ص ٤٢٦ وشرح الشفاء للخفاجي ج ٤ ص ٣٢٥ وفتح الباري ج ١ ص ١٨٦ وج ٨ ص ١٠١ و ١٠٢ وعمدة القاري ج ٢ ص ١٧١ وهامش صحيح مسلم ج ٣ ص ١٢٥٧.

٢٣٦

من الأحكام أو الوصايا الأخرى ، مثل : أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، أو نحو ذلك!!

والجواب : أن علينا أن نطرح سؤالين :

أحدهما : إنه لا شك في أن ما اراد أن يكتبه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يرتبط بالضلال والهدى للأمة كما صرح به هو نفسه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ومما لا شك فيه أيضا : أن عمر بن الخطاب كان مصرا على منع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من كتابة الكتاب. وأن إصراره على هذا المنع كان بالغا إلى حد أنه بادر إلى اتهام النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأنه يتكلم بالهجر ..

فلماذا يغضب عمر إلى هذا الحد ، من أمر يقول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عنه : إنه يؤدي إلى حفظ الأمة من الضلال إلى يوم القيامة؟!

السؤال الثاني : ما هي طبيعة ذلك الشيء الذي يستطيع أن يحقق هذا الإنجاز العظيم الهائل ، وهو صيانة الأمة من الضلال إلى الأبد؟!

لا شك في أن هذا الشيء ليس من الأحكام الفرعية ، «بل هو قطب رحى الإسلام ، ومفتاح كل خير ، ومغلاق كل شر» على حد تعبير العلامة الأحمدي «رحمه‌الله» (١).

ولكي نجيب على هذين السؤالين بدقة وأمانة ، علينا أن نرجع إلى النصوص ، وإلى ما يقوله حتى محبو عمر بن الخطاب ، الراغبون في الدفاع عنه ، أو في التخفيف من حدة النقد الموجه إليه ، لجرأته البالغة على مقام النبوة الأقدس ، فلا حظ الأمور التالية :

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧٠٣.

٢٣٧

١ ـ قال الخفاجي والكرماني والدهلوي : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أن يكتب ولاية علي «عليه‌السلام» (١).

٢ ـ وقال عمر لابن عباس عن علي «عليه‌السلام» : «أراد أن يذكره للأمر في مرضه ، فصددته عنه ، خوفا من الفتنة ، وانتشار أمر الإسلام. فعلم رسول الله ما في نفسي ، وأمسك ، وأبى الله إلا إمضاء ما حتم» (٢).

٣ ـ عن ابن عباس : أن عمر سأله عن علي «عليه‌السلام» : «هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟

قلت : نعم.

قال : أيزعم أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نص عليه؟

قلت : نعم.

وأزيدك : سألت أبي عما يدّعيه ، فقال : صدق.

فقال عمر : لقد كان من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في أمره ذرو من قول لا يثبت حجة ، ولا يقطع عذرا. ولقد كان يربع في أمره وقتا ما. ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك ، إشفاقا وحيطة على

__________________

(١) راجع : شرح الشفاء للخفاجي ج ٤ ص ٣٢٥ وتشييد المطاعن ج ١ ص ٤٢٦ عن شرح المشكاة للدهلوي ، وعن الخفاجي ، والكرماني في شرح البخاري ، وعن فتح الباري ج ١ ص ١٨٦ وج ٨ ص ١٠١ و ١٠٢ وعمدة القاري ج ٢ ص ١٧١.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٧٩ وراجع : غاية المرام (المقصد الثاني) فصل الفضائل ، باب ٧٣ ص ٥٩٦ والبحار ج ٣٠ ص ٥٥٥ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧٠٦.

٢٣٨

الإسلام. لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا» (١).

٤ ـ وحين قال له ابن عباس : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد الأمر لعلي «عليه‌السلام». أجابه عمر : يا ابن عباس ، وأراد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الأمر له ، فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك؟!

إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أمرا ، وأراد الله غيره ، فنفذ مراد الله تعالى ، ولم ينفذ مراد رسوله ، أو كلما أراد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان؟! (٢).

٥ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أشار في بياناته الأخرى إلى ذلك الشيء

__________________

(١) شرح النهج ج ١٢ ص ٢٠ و ٢١ عن كتاب تاريخ بغداد لأحمد بن أبي طاهر ، وراجع ج ١٢ ص ٧٩ و ٨٥ و ٨٦ و ٨٤ و ٨٠ و ٨٢ وقاموس الرجال ج ٦ ص ٣٩٨ وج ٧ ص ١٨٨ وبهج الصباغة ج ٦ ص ٢٤٤ وج ٤ ص ٣٨١ وعن ناسخ التواريخ (الجزء المتعلق بالخلفاء) ص ٧٢ و ٨٠. وراجع : البحار ج ٣٠ ص ٢٤٤ و ٥٥٦ وج ٣١ ص ٧٥ وج ٣٨ ص ١٥٧ ونفحات اللاهوت ص ٨١ و ١١٨ و ١٢١ والصراط المستقيم ج ٣ ص ٥ وغاية المرام (ط حجرية) ص ٥٩٥ ومناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ٤٥٠ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧٠٧ والدرجات الرفيعة ص ١٠٦ وكشف الغمة ج ٢ ص ٤٧ وكشف اليقين ص ٤٧٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٩١ و ٣٩١ والتحفة العسجدية ليحيى بن الحسين بن القاسم ص ١٤٤ وسفينة النجاة للسرابي التنكابني ص ٢٢٦

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٧٨ و ٧٩ وغاية المرام (المقصد الثاني) ص ٥٩٦ والبحار ج ٣٠ ص ٥٥٤. وراجع : مكاتيب الرسول ج ١ ص ٦١٠ وج ٣ ص ٧٠٧ والتحفة العسجدية لحيى بن الحسين بن القاسم ص ١٤٧.

٢٣٩

الذي تحفظ به الأمة من الضلال ، فقد قال : «يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن أخذتم لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي» (١).

لعله أراد إستخلاف أبي بكر :

وقد ادّعت عائشة : أن غرض النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من كتب الكتاب هو : الوصية لأبي بكر ، لا لعلي «عليه‌السلام» ، وأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لعائشة : ادعي لي أباك وأخاك ، حتى أكتب لأبي بكر كتابا ، فإني أخاف أن يقول قائل ، ويتمنى متمن ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر (٢).

__________________

(١) راجع : حديث الثقلين للوشنوي تجد شطرا وافيا من مصادر حديث الثقلين ، وراجع : المراجعات ص ٤٩ و ٥٠.

(٢) راجع : تاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٣٨٠ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٣٣ والسنن الكبرى للنسائي ج ٤ ص ٢٥٣ وكتاب الوفاة للنسائي ص ٢٦ والمعجم الأوسط ج ٦ ص ٣٤٠. ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧١٠ وفي هامشه عن : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ق ٢ ص ٢٤ وج ٣ ق ١ ص ١٢٧ و ١٢٨ و (ط دار صادر) ج ٣ ص ١٨٠ والبخاري ج ٩ ص ١٠٠ باب الإستخلاف ، وفتح الباري ج ١ ص ١٨٦ وج ١٣ ص ١٧٧ وعمدة القاري ج ٢ ص ١٧١ وج ٢٤ ص ٢٧٨ وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص ٥٤١ والدرر لابن عبد البر ص ١٢٥ و ٢٠٤ والمنتظم لابن الجوزي ج ٤ ص ٣٢ ومسلم ج ٤ ص ١٨٥٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٨١ وكنز العمال ج ١١ ص ١٦٢ وج ١٢ ص ١٦٢ وج ١٤ ص ١٥٢ ومسند أحمد ج ٦ ص ٤٧ و ١٠٦ و ١٤٤ و ١٤٦ والكامل لابن عدي ج ٦ ص ٢١٤٠ وج ٢ ص ٧٠٥ ومنحة المعبود ج ٢ ص ١٦٩ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٨ وج ٦ ص ١٩٨ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٦٣ وج ٥ ص ١٨١

٢٤٠