الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-204-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٨

بكر وعمر) في جيشه.

وما زال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى أن فاضت نفسه يقول : «انفذوا جيش أسامة».

فمضى جيشه إلى الشام ، حتى انتهوا إلى أذرعات الخ ..» (١).

فلو كانت حاله «عليه‌السلام» في التخلف عن جيش أسامة حال غيره لم تصح منه الإشارة إلى تخلفهما ، وعصيانهما أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

هذا .. ولم يزل الشيعة يستدلون على غيرهم بتخلف أبي بكر وعمر عن جيش أسامة ، وقد اقتصرت إجابات أتباع أبي بكر وعمر على إنكار تخلف أبي بكر ، ولو بالاستناد إلى ما زعموه من أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمره بالصلاة .. ولم نجد أحدا منهم نقض على الشيعة بتخلف علي «عليه‌السلام» ..

وذلك يدل على أن من المتسالم عليه أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن قد جعل عليا «عليه‌السلام» في ذلك الجيش.

وحسبنا ما ذكرناه آنفا عن علي «عليه‌السلام» ، وعن الحسن البصري ، وغير ذلك ، مما يدل على هذا الأمر دلالة قاطعة ، فليلا حظ ذلك ..

__________________

(١) الخطبة في البحار ج ٣٠ ص ٧ ـ ١٢ وكشف المحجة ص ١٧٦ ، ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للمير جهاني ج ٤ ص ٧٤ ، ونهج السعادة ج ٥ ص ٢٠٥ ، والإمامة وأهل البيت لمحمد بيومي مهران ج ١ ص ٧٩.

٢٠١

مغزى تأمير أسامة :

وغني عن البيان : أن تأمير أسامة وهو شاب في مقتبل العمر لم يخض حربا ، ولم يتسلم قبل ذلك قيادة على جيش يضم كبار الصحابة ، والزعماء ، والقادة ، والطامحين لأعظم مقام وأسماه ، وهو مقام خلافة النبوة .. سيكون صعبا وثقيلا على قلوب هؤلاء الناس ، ولا سيما قادة طالما تباهوا بأنفسهم ، وافتخروا على غيرهم من أمثال خالد ، وابن العاص ، وغيرهما .. وقد كان هذا الجيش يريد غزو بلاد بعيدة ، ترتبط بأعظم أمبراطورية في ذلك الزمان ، وهي أمبراطورية الروم.

فإن ذلك يدل على : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يرمي إلى تحقيق أهداف عظيمة ، لا بد أن يعيها المسلمون ، وأن يتأمل بها المتأملون ، وأن يوصلها إلى بر الأمان ، ويحقق لها النصر ، المؤمنون المخلصون.

ويمكن أن نشير إلى جملة من هذه الأهداف فيما يلي :

أولا : قال الشيخ محمد رضا المظفر «رحمه‌الله» :

إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أن يهيئ المسلمين لقبول قاعدة «الكفاية» في ولاية أمورهم ، من ناحية عملية ، فليست الشهرة ولا تقدم العمر هما الأساس لاستحقاق الإمارة والولاية ، فلذا قال عن أسامة ، مؤكدا جدارته بالقسم ولام التأكيد : «وأيم الله ، إن كان لخليقا للأمارة ـ يعني زيدا ـ وإن ابنه لخليق للأمارة» (١).

ويأتي هذا بمثابة الرد لمقولة عمر ، التي أشرنا إليها حين الكلام حول

__________________

(١) السقيفة للشيخ المظفر «رحمه‌الله» (ط مكتبة الزهراء ، قم ، إيران) ص ٧٧.

٢٠٢

حديث الغدير : أن السبب في إبعاد علي «عليه‌السلام» عن الخلافة هو : أن قومه استصغروه ..

ثانيا : إن تأمير أسامة كما يقوله العلامة المظفر «يقيم الحجة لهم وللناس بأن من يكون مأمورا طائعا لشاب يافع ، ولا يصلح لأمارة غزوة مؤقتة ، كيف يصلح لذلك الأمر العظيم ، وهو ولاية أمور جميع المسلمين العامة ، وهي في مقام النبوة؟! وصاحبها (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١)» (٢).

وقال «رحمه‌الله» : «فهذا البعث الذي كان تدبيرا لإخلاء المدينة لعلي «عليه‌السلام» وحزبه ، كان حجة على المستصغرين لسنه ، ودليلا على عدم صلاح غيره لهذا المنصب العظيم ..

فإذا كان الإخلاء ، لم يتم لتمانع القوم وعرقلتهم للبعث ، فإن الحجة ثابتة مع الدهر ..

ولا يصح للباحث أن يدّعي : أن السبب الحقيقي لتخلف القوم هو ما تظاهروا به من عدم الرضى بإمارة قائدهم الصغير ، وإن تذرعوا به عذرا لاحقا ، تلك الشنشنة التي عرفها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أخزم.

لأنّا نرى : أن لو كان هذا السبب الحقيقي لما تنفذ البعث ، بعد أن تم أمر الخلافة الذي به زال المانع الحقيقي. والمسلمون إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أطوع منهم إلى أبي بكر ، لو كان يمنعهم صغر القائد. ولم يتأبّ عمر

__________________

(١) الآية ٦ من سورة الأحزاب.

(٢) السقيفة للشيخ المظفر «رحمه‌الله» (ط مكتبة الزهراء ، قم ، إيران) ص ٧٨.

٢٠٣

نفسه بعد ذلك أن يخاطب أسامة بالأمير طيلة حياته ، اعترافا بأمارته» (١) بل عرفانا منه بالجميل له.

وقال «رحمه‌الله» : «أما الشفقة على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إن لم تكن عذرا آخر تذرعوا به ـ فلا يصح أن تكون سببا حقيقيا ، إذ ينبغي أن يكونوا عليه أشفق بالتحاقهم بالبعث ، وقد غضب أشد الغضب من تأخرهم ، على ما فيه من حال ومرض.

ولئن ذهبوا يسألون عنه الركبان ، كان أكثر برا بنبيهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أن يعصوا أمره ، ويغضبوه ذلك الغضب المؤلم له» (٢).

ثالثا : إنه لا ريب في أنه لو تم غزو تلك البلاد في هذا الظرف بالذات ، وانتظام أمر الخلافة وفق ما رسمه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فإنه سيكون تأكيدا لهيبة الإسلام ، وتحصينا للدولة الإسلامية من مطامع أهل الزيغ والنفاق في الداخل ، والأعداء المتربصين بها شرا في الخارج ..

وسيعطي الإنطباع بأن مفاهيم وقيما جديدة قد وجدت لها مكانا في ذهنية المجتمع الإسلامي ، وفرضت نفسها في مجال العمل والممارسة ، وأن نفوس الناس قد روضت لتقبل ما كان يكاد يدخل في عداد المستحيلات في السابق ، وهو أن ينقاد شيوخ وزعماء القبائل لشاب هو بمثابة ولد وحفيد ، وليس هو من القبائل التي تمسك بأسباب القوة والنفوذ ، والتي يعترف لها بالزعامة والرياسة على نطاق واسع في ذلك المحيط الذي كانت مفاهيم

__________________

(١) نفس المصدر ص ٧٨ و ٨٠.

(٢) المصدر السابق.

٢٠٤

الزعامة بهذا المعنى هي المهيمنة عليه بجميع فئاته وطبقاته ..

وهذا سوف يجعل الكثيرين يفكرون مليا بما أحدثه هذا الدين من انقلاب عميق ، في كل الواقع الإنساني القائم آنذاك ..

بعث أسامة مدهش :

ولا شك في أن بعث أسامة يبقى أهم إجراء مثير للدهشة لدى أي باحث منصف ، ولا سيما بملاحظة ما يلي :

١ ـ أن هذا النبي الذي جاء بدين ولقي كل هذه التحديات ، وتعرض لمختلف أنواع التآمر والكيد ، يواجه حالة نفاق مستشرية في داخل مجتمعه الناشئ. وهي حالة تحدث عنها القرآن بإسهاب ، وبأسلوب حازم وقوي ، ينبئ عن عظيم خطرها ، وبالغ أثرها .. حتى لقد قال سبحانه لنبيه : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) (١). وأكد له على أنهم يتربصون الدوائر بالإسلام وبالمسلمين.

٢ ـ إن هذا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعلم أن هذا أوان فراقه لهذه الدنيا. وقد أخبر الناس بذلك في حجة الوداع ..

٣ ـ إنه يعلم أيضا : أن الفتن قد أقبلت على قومه كقطع الليل المظلم ..

٤ ـ إنه يعلم أن هناك من لا يهتم بالإسلام ، بل هو يريد أن يتخذ منه وسيلة لأغراضه ، وذريعة لتحقيق مآربه في الحكم والحاكمية ، والحصول على المناصب ، والأموال ، والنفوذ ، والجاه العريض.

__________________

(١) الآية ١٠١ من سورة التوبة.

٢٠٥

٥ ـ إنه يعلم كذلك : أن الرؤساء والزعماء هم الذين يهيمنون على الواقع العام ، لو حدث بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حدث ، وهم من يفترض فيهم أن يتدبروا الأمور بحكمة وروية ، وأناة ، فالإحتفاظ بهم في مواقع الخطر ، وحين يحدث الفراغ الكبير ، باستشهاد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، يصبح ضرورة لا بد منها ، ولا غنى عنها.

٦ ـ إنه يعلم : أن وجود قوة الردع من شأنه أن يحمي الواقع الداخلي من أطماع الأعداء ، ويجعلهم غير ميالين إلى المغامرة ، ولا راغبين بالمخاطرة ، التي تكلفهم أثمانا ليسوا على استعداد لبذلها.

٧ ـ إننا مع ذلك كله نرى : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يرسل جيشا للإغارة على موقع تحميه أعظم وأقوى أمبرطورية في الدنيا. وقد استثنى عليا «عليه‌السلام» من هذا الجيش ، ليكون معه ، كما أننا لم نسمع أنه ذكر اسم أي من مناصري علي «عليه‌السلام» في جملة جيش أسامة ..

علما بأن هؤلاء لم يكونوا نكرات ، ولا مجاهيل في محيطهم ومجتمعهم ، بل كانوا من البارزين والمرموقين ، فهم لم يذكروا سلمان الفارسي ، ولا المقداد ، ولا أباذر ، ولا أحدا من بني هاشم ، ولا أبا الهيثم بن التيهان ، ولا .. ولا .. في جملة من فرض عليهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الخروج في ذلك الجيش ، فهل اكتفى «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأوامره العامة الشاملة لهم ولغيرهم؟!

أم أنه استثناهم كما استثنى عليا «عليه‌السلام»؟!

إن ذلك لم نتمكن من استيضاحه من النصوص المتوفرة لدينا ..

٨ ـ ونحن نعلم أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أعقل الخلق ، وأحكمهم

٢٠٦

حكمة ، وأفضلهم رأيا ، وأحسنهم تدبيرا ، وهو مسدد بالوحي ، مرعي بالألطاف الإلهية. وهذا يجعلنا ندرك أن هناك أهدافا كبيرة وخطيرة كان يريد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تحقيقها ..

وأنها كانت أهدافا تستحق اقتحام الأخطار ، ومواجهة الصعوبات ..

ولا نتعقل هذه الأهمية لأي شيء ، إلا إذا كان أمرا يتوقف عليه حفظ هذا الدين ، وبقاؤه ، وصيانته في حقائقه وشرائعه ..

٩ ـ إننا نتوقع أن يكون الباحث الأريب ، والمراقب اللبيب قد حدد من خلال كل هذا الذي أشرنا إليه آفاق المرامي والأهداف ، وأصبحت معالم الصورة لديه أكثر وضوحا ، وأوفر استجماعا لملامح الواقع ، حيث سيصبح على قناعة تامة : بأن عليا «عليه‌السلام» ومناصريه ، ومحبيه ، والميّالين إليه كانوا في توجهاتهم وممارساتهم ، ومواقفهم ، وطبيعة تفكيرهم وغير ذلك في جانب .. وأن الذين يسعون لاستلاب ما جعله الله تعالى لعلي «عليه‌السلام» في يوم الغدير وفي غيره من المواقف ، ومحبيهم ومناصريهم ، والميالين إليهم في الجانب الآخر المقابل ..

وأن سياسة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كانت تقضي بإظهار هذا التمايز ، فقد آن الآوان لوضع النقاط على الحروف ، ليتحمل كل إنسان مسؤولية أعماله ، فلا مجال بعد لغض النظر ، ولا يجوز إفساح المجال لهم للتستر تحت أي شعار ، ولا التخفي وراء أي دثار ..

١٠ ـ وقد اضطرتهم سياسة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هذه لفضح أنفسهم ، وإسقاط أقنتعهم بأيديهم ، ومن خلال ما ظهر من أفعالهم وتصرفاتهم ..

فكان من مظاهر هذا التعري ، تباطؤهم عن الخروج في ذلك البعث ،

٢٠٧

وكان إصرار النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على شخوص أسامة بجيشه ، وتتابع أمره له بالمسير ، واضطرارهم إلى رفض ذلك ، والتثاقل فيه ، والنزول بالجيش في الجرف ، والتعلل بالمعاذير الباطلة ، مثل صغر سن قائدهم. ومثل إظهار الحرص على الإطمئنان على صحة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وغير ذلك كان يزيد في وضوح أمرهم ، وكشف ما كانوا يبيتونه من نوايا وأهداف ..

١١ ـ ولا شك في أن فضيحة هؤلاء الناس ، قد فتحت نافذة كبيرة أمام الأجيال الآتية لتعرف الحقيقة ، ولا تأخذ بالمظاهر الخادعة ، والشعارات اللامعة .. وشكل ذلك امتدادا لما جرى في حجة الوداع ، وتأكيدا على أنهم لا يزالون يسيرون في نفس الإتجاه ، وأن لديهم نفس النوايا.

١٢ ـ لقد أوضح ما جرى في حجة الوداع ، في منى وعرفات ، وما جرى في تجهيز جيش أسامة ، حيث لم ينفع مع هؤلاء القوم كل هذا التدبير الحازم والقوي والصارم ، وكل هذا الإصرار النبوي ، الذي بلغ حد المبادرة إلى لعن من يتخلف ـ قد أوضح ـ : أن هؤلاء يصرون على نيل مراداتهم ، وأن سكوتهم في يوم الغدير ما كان إلا انحناء أمام العاصفة ..

وأن أقوال الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وحتى أفعاله التي بلغت حد أخذ البيعة منهم ومن غيرهم لعلي «عليه‌السلام» بالخلافة من بعده ، ثم تجهيزة جيشا يرغمهم على الكون فيه ، هم وأشياعهم ، مع استثنائه عليا «عليه‌السلام» وربما بعض محبيه ومناصريه منه .. قد أوضح : أن ذلك كله لم يفد في إقناعهم بالتراجع عما عقدوا العزم عليه ، بل هو قد دفعهم للتمرد والعصيان ، وانتهى الأمر بهم إلى اتهام النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في عقله ،

٢٠٨

ثم مواجهة علي والزهراء «عليهما‌السلام» بالعدوان ، بما يصل إلى حد ارتكاب جريمة القتل ، بإحراق بيت الزهراء «عليها‌السلام» بالنيران ..

١٣ ـ إن ذلك كله يشير إلى أن مبادرة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى فضح نواياهم ، ونزع كل قناع عن وجوههم كان ضروريا إلى أقصى حد ، لأن ذلك أمانة في عنقه ، لا بد أن يؤديها للأمة على أتم وجه ، مع يقيننا بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان عارفا بأصحابه ، مقتنعا بأنهم لن يطيعوا أمره ، ولن يخرجوا في جيش أسامة ولن .. ولن ..

وقد أخبر عليا «عليه‌السلام» بحقيقة ما يضمره هؤلاء لعلي «عليه‌السلام» بعد وفاته كما ألمحت إليه النصوص التي ذكرنا شطرا وافرا منها حين الكلام عما جرى في حجة الوداع ، ثم ما جرى يوم الغدير ..

وأخبر أيضا عن أن أصحابه لا يزالون مرتدين على أعقابهم القهقرى منذ فارقهم (١).

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٥٠ و ١٥١ (ط دار المعرفة) ج ٥ ص ١٩٢ و ٢٤٠ وج ٧ ص ١٩٥ و ٢٠٦ و ٢٠٧ و ٢٠٨ وج ٨ ص ٨٧ وصحيح مسلم (ط دار المعرفة) ج ١ ص ١٥٠ وج ٧ ص ٦٧ و ٦٨ و ٧١ وج ٨ ص ١٥٧ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٠١٦ وسنن الترمذي ج ٤ ص ٣٨ وج ٥ ص ٤ وسنن النسائي ج ٤ ص ١١٧ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٥٠١ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٨٥ وج ٩ ص ٣٦٧ وج ١٠ ص ٣٦٥ والمصنف لعبد الرزاق ج ١١ ص ٤٠٦ وعن الجمع بين الصحيحين الحديث (٢٦٧) والسنن الكبرى للنسائي ج ٦ ص ٤٠٩ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٣٥ وج ٣ ص ٢٨١ وج ٥ ص ٤٨ و ٥٠ و ٣٣٩ و ٣٣٨ و ٣٩٣ و ٤٠٠ و ٤١٢ وراجع : الإيضاح لابن شاذان ص ٢٣٣ والأمالي للمفيد ص ٣٨ ـ

٢٠٩

__________________

والبحار ج ٢٨ ص ٢٢ و ٢٧ وتفسير مجمع البيان ج ٢ ص ٣٦٠ وتفسير العياشي ج ٢ ص ٢٩٨ والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص ٥٢٥ والأحاديث المصرحة بذلك صحيحة ومتواترة. ومصادر كثيرة أخرى ، فراجع شطرا منها من كتابنا : «دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام» البحث الذي بعنوان «عدالة الصحابة في الكتاب والسنة» ج ٢ ص ٢٥٣ و ٢٧٣.

٢١٠

الفصل الثالث :

الكتاب الذي لم يكتب

٢١١
٢١٢

عمر يمنع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من كتابة الكتاب :

كان ابن عباس يذكر رزية يوم الخميس ، ويبكي حتى يخضب دمعه الحصباء ، ويقول : «يوم الخميس ، وما يوم الخميس!! الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وبين كتابه».

أو «إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ، من اختلافهم ولغطهم».

أو «الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب نبينا» (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٧ وراجع : نفحات اللاهوت ص ١١٧ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٦٠٨ وج ٣ ص ٦٩٣ و ٦٩٥ و ٦٩٩ ومسند أحمد ج ١ ص ٣٢٥ و ٣٣٦ وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج ٥ ص ١٣٨ وج ٧ ص ٩ وج ٨ ص ١٦١ و (ط دار ابن كثير) ج ١ ص ٥٤ وج ٤ ص ١٦١٢ وج ٥ ص ٢١٤٦ وج ٦ ص ٢٦٨٠ وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج ٥ ص ٧٦ و (ط دار إحياء التراث) ج ٣ ص ٢٢٥٩ وشرح مسلم للنووي ج ١١ ص ٨٩ وعمدة القاري ج ٢ ص ١٧٠ وج ١٨ ص ٦٢ و ٦٣ وج ٢١ ص ٢٢٥ وج ٢٥ ص ٧٦ وفتح الباري ج ٨ ص ١٣٢ والملل والنحل للشهرستاني (ط دار المعرفة) ج ١ ص ٢٢ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٣٩ والسنن الكبرى للنسائي ج ٣ ص ٤٣٣ وج ٤ ص ٣٦٠ وصحيح ابن حبان ج ١٤ ص ٥٦٢ والجمع بين

٢١٣

__________________

الصحيحين ج ٢ ص ٩ ومسند أبي عوانة ج ٣ ص ٤٧٦ والدرر لابن عبد البر ص ٢٧٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٥٥ وج ٦ ص ٥١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٢٤٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٤٨ و ٢٧١ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٣ ص ١٧١ والمنتقى من منهاج الإعتدال للذهبي ج ١ ص ٣٤٧ و ٣٤٩ ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية ج ٦ ص ١٩ و ٢٥ و ٣١٦ و ٥٧٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٧ ص ١٨٤ وسلوة الكئيب بوفاة الحبيب لابن ناصر الدين الدمشقي ج ١ ص ١٠٧ والبدء والتاريخ للمطهر بن طاهر المقدسي ج ٥ ص ٥٩ وسمط النجوم العوالي لعبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي العاصمي المكي ج ٣ ص ٣٥٦ والأنس الجليل لمجير الدين الحنبلي العليمي ج ١ ص ٢١٦ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٤٦ و ٤٤٧ و ٤٤٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٥١ و ٤٩٨ ومجمع النورين ص ٢٠٣ وموسوعة الإمام علي «عليها‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٢ ص ٣٨٧ و ٣٨٨ و ٤٠٧ ومنهاج الكرامة ص ١٠٣ ونهج الحق ص ٣٣٣ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٩٤ و ٤٢٤ و ٤٢٦ والدرجات الرفيعة ص ١٠٣ ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج ١٤ ص ٣٧ ومعجم الرجال والحديث لمحمد حياة الأنصاري ج ١ ص ١٢٧ وج ٢ ص ٣ و ٩٧ و ١١١ و ٢٢٩ والمسترشد للطبري (الشيعي) ص ٦٨١ وتشييد المطاعن ج ١ ص ٣٥٥ ـ ٤٣١ ومناقب آل أبي طالب ج ٢١ ص ٢٠٣ وأمالي المفيد ص ٣٧ والطرائف ص ٤٣٣ واليقين ص ٥٢١ وسعد السعود ص ٢٩٧ وكشف المحجة لثمرة المهجة ص ٦٥ والصراط المستقيم ج ٣ ص ٦ و ١٠٠ ووصول الأخيار إلى كتاب الأخبار ص ٧٣ والصوارم المهرقة ص ١٩٢ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٥٣٤ والبحار ج ٢٢ ص ٤٧٣ و ٤٧٤ وج ٣٠ ص ٥٣١ و ٥٣٢ و ٥٣٤ و ٥٣٦ و ٥٥٢ ومناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ٣٨٤ و ٣٨٨ والمراجعات ص ٣٥٣ والنص والإجتهاد ص ١٤٩ والغدير ج ٣

٢١٤

وذلك أنه لما اشتد برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وجعه قال : «إيتوني بكتاب (أو بكتف ودواة) أكتب لكم كتابا لا (أو لن) تضلوا بعده» أو «لا يظلمون ولا يظلمون» ، وكان في البيت لغط ، فنكل عمر ، فرفضها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقال عمر : إن النبي غلبه الوجع.) أو مدّ عليه الوجع) ، (أو إن النبي يهجر (١)) وعندنا كتاب الله ، (أو وعندكم القرآن ، حسبنا) كتاب الله.

فاختلف أهل البيت واختصموا ، واختلفوا ، أو كثر اللغط ، بين من يقول : قربوا يكتب لكم ، وبين من يقول : القول ما قال عمر ..

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : قوموا عني ، ولا ينبغي عندي. (أو عند نبي تنازع) (٢).

__________________

ص ٢١٥ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ٤٢٥ وإحقاق الحق (الأصل) ص ٢٨٠ وغاية المرام ج ٦ ص ٩٥ والفصول المهمة في تأليف الأمة ص ١٠٥.

(١) صرح بأن عمر قال : «إن النبي يهجر» في شرح الشفاء للخفاجي ج ٤ ص ٢٧٨ والبحار ج ٢٢ ص ٤٦٨ ولا بأس بمراجع جميع الهوامش في مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٦٩٣ ـ ٧٠٢.

(٢) راجع فيما تقدم : سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٨ عن أبي يعلى بسند صحيح عن جابر وعن ابن عباس كذلك ، وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٢ ق ٢ ص ٣٧ ومسند أحمد ص ٣٢٤ و ٣٢٦ وراجع : مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٦٩٣ و ٦٩٤ و ٦٩٦ في هامشه عن : البخاري ج ١ ص ٣٩ وج ٦ ص ١١ وج ٧ ص ١٥٦ وج ٩ ص ١٣٧ وفتح الباري ج ١ ص ١٨٥ وج ٨ ص ١٠٠ و ١٠١ وج ١٣ ص ٢٨٩ وعمدة القاري ج ٢ ص ١٧٠ وج ٢٥ ص ٧٦ والطبقات ـ

٢١٥

__________________

الكبرى ج ٢ ق ٢ ص ٣٧ وابن سبأ ص ٧٩ ومسلم ج ٣ ص ١٢٥٩ والمناقب لابن شهر آشوب (ط قم) ج ١ ص ٢٣٥ عن ابن بطة ، والطبري ، ومسلم ، والبخاري ، قال : واللفظ للبخاري ولم يسم الراوي عن ابن عباس. والبحار ج ٢٢ ص ٤٦٨ عن إعلام الورى ، والإرشاد للمفيد ، وص ٤٧٢ عن المناقب لابن شهر آشوب ، وج ٣٦ ص ٢٧٧ عن الغيبة للنعماني ص ٣٨ و ٣٩ عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم ، عن علي «عليه‌السلام» والبحار (ط حجري) ج ٨ ص ٢٦١ وما بعدها و (ط جديد) ج ٣٠ ص ٥٣١ و ٥٣٣ و ٥٣٥ وعبد الرزاق ج ٥ ص ٤٣٨ وتأريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٨٤٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٨٢ والإرشاد للمفيد ص ٨٧ ومسند أحمد ج ١ ص ٣٢٤ و ٣٣٦ والشفاء للقاضي عياض ج ٢ ص ٤٣١ والدرر لابن عبد البر ص ١٢٥ و ٢٠٤ وكشف المحجة ص ٦٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٧ و ٢٥١ والفائق للزمخشري ج ٤ ص ٩٣ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٤١ و ٢٤٣ والأدب المفرد ص ٤٧ وشرح الخفاجي للشفاء ج ٤ ص ٢٧٧ وشرح القاري بهامشه ص ٢٧٧ والطرائف ص ٤٣٢ عن الجمع بين الصحيحين وغيره ، وغاية المرام ص ٥٩٦ وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ٢ ص ٥٤ عن الشيخين ، وكذا ص ٥٥ وج ٦ ص ٥١ عن الجوهري.

«لن تضلوا» كما في البخاري ج ٩ ص ١٣٧ والطبقات ج ٢ ق ٢ ص ٣٧ ومسند أحمد ج ١ ص ٣٢٤ و ٣٣٦ والطرائف.

في البخاري ج ٧ ص ١٥٦ فقال عمر : «إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..» وكذا ج ٩ ص ١٣٧.

والطبقات ، ومسلم ، وابن شهر آشوب ، وعبد الرزاق ج ٥ ص ٤٣٨ ومسند أحمد ج ١ ص ٣٢٤ والشفاء ج ٢ ص ٤٣١ : «إن النبي قد اشتد به الوجع».

والطرائف ص ٤٣١ و ٤٣٢ وفي شرح الخفاجي ج ٤ ص ٢٧٨ : «وفي بعض طرقه ،

٢١٦

زاد في نص آخر : منهم من يقول : القول ما قاله عمر ، فتنازعوا ، ولا ينبغي عند النبي التنازع ، فقالوا : ما شأنه أهجر؟! استفهموه.

فذهبوا يعيدون عليه ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : قوموا ـ لما أكثروا اللغو والإختلاف عنده ـ دعوني ، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه الخ .. (١).

__________________

فقال عمر : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يهجر».

وفي البحار ج ٢٢ ص ٤٦٨ : فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا ، فقال عمر : «ارجع ، فإنه يهجر» وص ٤٩٨ عن سليم : «فقال رجل منهم : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يهجر» كما في الإرشاد أيضا.

وفي شرح ابن أبي الحديد ج ٦ ص ٥١ : «فقال عمر كلمة معناها : إن الوجع قد غلب على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..»

وفي تأريخ ابن خلدون : «وقال بعضهم : إنه يهجر ، وقال بعضهم : «أهجر»؟ مستفهما.

وقال الحلبي : فقال بعضهم أي : وهو سيدنا عمر : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد غلبه الوجع».

وفي البحار ج ٣٦ ص ٢٧٧ عن علي «عليه‌السلام» : أنه قال لطلحة : «أليس قد شهدت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين دعا بالكنف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة بعده ولا تختلف ، فقال صاحبك ما قال : «إن رسول الله يهجر» ، فغضب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وتركها؟

وفي الطرائف : وفي رواية ابن عمر من غير كتاب الحميدي قال عمر : «إن الرجل ليهجر».

وفي كتاب الحميدي قالوا : «ما شأنه هجر»؟

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٧ عن البخاري ومسلم ، والبداية والنهاية

٢١٧

وعن ابن عباس قال : دعا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بكتف ، فقال : ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تختلفون بعدي.

فأخذ من عنده من الناس في لغط ، فقالت امرأة ممن حضر : ويحكم ، عهد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليكم.

فقال بعض القوم : اسكتي ، فإنه لا عقل لك.

فقال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنتم لا أحلام لكم (١).

فخرج ابن عباس وهو يقول : «الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه» (٢) لاختلافهم ولغطهم.

__________________

ج ٥ ص ٢٧١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٩٩ الإيضاح لابن شاذان الأزدي ص ٣٥٩ واليقين لابن طاووس ص ٥٢١ والبحار ج ٣٠ ص ٥٣١ و ٥٣٤ وفتح الباري ج ٨ ص ١٠٢ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٣١ والإكمال في أسماء الرجال ص ٢٠٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٣٦ والكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٠ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٦٢ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٤٧ وسبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٧ ومجمع النورين للمرندي ص ٢٠٢ وسفينة النجاة للسرابي التنكابني ص ٢٠٥.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٨ عن الطبراني ، ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٦٩٨ عن غاية المرام ص ٥٩٨ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢١٥ والمعجم الكبير ج ١١ ص ٣٠.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٧ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٦٩٥ وفي هامشه عن : تشييد المطاعن (ط الهند) ج ١ ص ٣٦٦ عن البخاري في باب العلم وص ٣٦٧ عن عبيد الله عنه في كتاب الجهاد ، وكتاب الخمس عن سعيد ، وباب مرض النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتاب المرضى باب قول المريض : قوموا عني

٢١٨

غلبه الوجع ، أم هجر؟! :

وقد وردت كلمة غلبه الوجع ، أو نحوها في العديد من النصوص ، وورد أنه قال : «إن النبي يهجر» ، أو نحوها ، كما في نصوص أخرى.

وقد فسروا كلمة : أهجر؟!

فقالوا : قولهم : «أهجر»؟ بإثبات همز الإستفهام وفتح الهاء والجيم ، قالوا : ولبعضهم هجرا بضم الهاء وسكون الجيم والتنوين. أي قال هجرا ، والهجر بضم الهاء وسكون الجيم ، وهو الهذيان الذي يقع من كلام المريض ، الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته ، ووقوع ذلك من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حقه مستحيل.

وإنما هذا على طريق الإستفهام ، الذي معناه : الإنكار والإبطال ، أي أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يهجر. أي : لم يختلفوا في الأخذ عنه ، ولم ينكروا عليه الكتاب ، وهو لا يهجر أصلا (١).

ولكن في نص آخر يحاول أيضا التخفيف من وقع الكلمة فيقول : «فقال عمر كلمة معناها : أن الوجع قد غلب على رسول الله ..».

وثمة نص ثالث حاول التنصل من هذا الموضوع من أصله ، فكانت

__________________

عن عبيد الله وص ٣٦٨ عن كتاب الإعتصام ، وعن مسلم بطرق كثيرة عن سعيد وص ٣٦٩ عن سعيد أيضا ، وعن المشكاة عن عبيد الله عن ابن عباس وص ٣٨٠ عن الملل والنحل ، والبحار ج ٣٠ ص ٥٣٢ بالإضافة إلى نصوص أخرى تقدمت.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٤٩.

٢١٩

محاولة فاشلة ، يقول ذلك النص : «ما له؟ أهجر؟ استفهموه». أو نحو ذلك.

وإنما قلنا : إنها محاولات فاشلة ، لأن معنى : غلبه الوجع لا يختلف عن معنى : إنه يهجر ، إلا أن العبارة الأولى أخف وقعا على السمع ..

والسبب الذي ألجأهم إلى تبديل هذه بتلك ، هو التخفيف من حدة النقد الموجه لقائل هذه الكلمة .. باعتبار أن الهجر ينافي العصمة (١).

ويلا حظ هنا : أنهم حين يصرحون بأن عمر هو قائل هذه الكلمة يبدلون الصيغة ، من صيغة خبرية إلى صيغة إنشاء واستفهام ، أو يقولون : غلبه الوجع. أو نحو ذلك.

وإذا صرحوا بكلمة الهجر ، فإنهم يبهمون اسم القائل.

لكن عددا من أهل السنة ومنهم الخفاجي (٢) قد صرحوا : بأن عمر هو الذي قال : إن الرجل ليهجر.

ثم إن تحريف هذه الكلمة لتصبح بمثابة سؤال عن الحال ، إن كان الأمر قد بلغ بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى حد الهجر .. لا ينفعهم شيئا ، فإن السؤال عن ذلك يساوق احتمال حصوله له. ولا يصح احتمال ذلك في حق الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، لأنه من موجبات الطعن في عصمتهم ، وفي نبوتهم ، وهو من مظاهر تكذيب النص القرآني الذي يقول عن النبي الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧٢٣ عن فتح الباري ج ٨ ص ١٠١ وعمدة القاري ج ١٨ ص ٦٢ وفلك النجاة في الإمامة والصلاة لعلي محمد فتح الدين الحنفي ص ١٤٧.

(٢) شرح الشفاء ج ٤ ص ٢٧٨.

٢٢٠