الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-204-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٨

بالناس»؟ وبسط الكلام على ذلك.

فقلت : وفيما ذكره نظر من وجهين :

أولهما : قوله : لم ينقل أحد من أهل العلم الخ .. فقد ذكره محمد بن عمر ، وابن سعد ، وهما من أئمة المغازي.

ثانيهما : قوله : وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة؟ الخ .. ليس بلازم ، فان إرادة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعث جيش أسامة كان قبل ابتداء مرض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلما اشتد به المرض استثنى أبا بكر ، وأمره بالصلاة بالناس.

وقال ابن سعد : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال : حدثنا المعمري عن نافع عن ابن عمر :

أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعث سرية فيها أبو بكر وعمر ، واستعمل عليهم أسامة بن زيد ، وكان الناس طعنوا فيه أي في صغره ، فبلغ ذلك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الخ .. فذكر الحديث (١).

ونقول :

إن علينا أن نضيف إلى ما تقدم ما يلي :

١ ـ إن النص المتقدم يقول : «لم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار ، إلا انتدب (بالبناء للمفعول) في تلك الغزوة ، منهم أبو بكر الخ ..».

ومن الواضح : أن انتداب وجوه المهاجرين والأنصار ، إنما كان من قبل

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٥٠ و ٢٥١.

١٨١

رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه.

٢ ـ إن الذين ذكروا أبا بكر في جيش أسامة لا ينحصرون بالواقدي وابن سعد ، بل فيهم اليعقوبي ، والبلاذري ، وكثيرون آخرون (١).

٣ ـ بالنسبة لاستخلاف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» له ليصلي بالمسلمين ..

نقول :

قد تعرضنا لهذا الموضوع بالتفصيل في فصل مستقل ، وبيّنّا وهن ما استندوا إليه في ذلك ، مع أن الروايات الصحيحة قد دلت على : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد عزله عن الصلاة ، حين رآه يؤم الناس .. الأمر الذي يعزز الروايات التي تقول : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن يعلم بتصديه للصلاة ، بل كان ذلك بتدبير من عائشة ، كما نقله المعتزلي عن علي «عليه‌السلام» ، أو عن أبي بكر نفسه.

على أن نفس التناقض الشديد فيما بين الروايات يسقطها عن درجة الإعتماد ، فراجع ما ذكرناه حين الحديث عن هذا الأمر ..

٤ ـ يضاف الى ما تقدم : أنه إذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد جعله في

__________________

(١) راجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧٤ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٤٧٤ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٢ ص ٣٩١ وج ٣ ص ٢١٥ وأسد الغابة ج ١ ص ٦٨ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٧٢ وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٥٦ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٩٠ وج ٤ ص ٦٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٤٨ وسمط النجوم العوالي للعاصمي ج ٢ ص ٢٢٤ وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ١٥٩ وج ٦ ص ٥٢ والكامل ج ٢ ص ٣١٧ عن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٣٤ وعن السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٣٩ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٧٠ ومنتخب كنز العمال ج ٤ ص ١٨٠ وحياة محمد ص ٤٦٧.

١٨٢

جيش أسامة ، فلماذا تراجع عن قراره وغيّر رأيه بهذه السرعة؟! فإن حاجة الناس إلى من يؤمهم في صلاتهم لا توجب استدعاء أبي بكر ، إلا إذا فرض : أنه لم يكن بين الذين تخلفوا عن جيش أسامة من هو مؤهل لإمامتهم في الصلاة!!

وهذا لا يمكن قبوله. إذ ما هو النقص الذي كان يحول بينهم وبين ذلك؟! هل هو بأنهم كانوا بأجمعهم لا يحسنون القراءة مثلا؟!

أم هو عدم وجود من يملك صفة العدالة بينهم؟ إن ذلك بعيد ، ولا مجال للمصير إليه ، لما يلي :

أولا : لمنافاته لقولهم بعدالة جميع الصحابة.

ثانيا : إنهم يروون عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه قال : صلوا خلف كل بر وفاجر.

ثالثا : إننا إذا قلنا باشتراط العدالة في الإمام ، فمن الصعب الحكم بفسق أولئك الناس كلهم. فالحديث عن أن استثناء أبي بكر قد كان بعد اشتداد مرض النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لا معنى له ..

أقلل اللبث فيهم :

ولا بد لنا من التأمل في السبب الذي دعا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يأمر أسامة بأن يقلّ اللبث في أهل أبنى ، بعد أن يظفر بهم ، فهل هو لا يريد أن يفسح المجال أمام أولئك الأعداء لانتهاز الفرصة لتسديد ضربتهم للمسلمين على حين غفلة منهم؟! فإن هذا ما يوجبه النصح للمسلمين والمحافظة عليهم ، وحفظهم من أن يتعرضوا لصدمة روحية ، قد تبلغ حد

١٨٣

الإحباط لدى بعض ضعفاء النفوس ..

أو لأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أن يبقي على حالة الإبهام والغموض ، والتهيب للمسلمين ، في نفوس أولئك الأعداء؟!

أو لأنه يريد منه أن يسرع بالرجوع إلى المدينة ، لأن طول غيابه قد يفسح المجال أمام بعض الفئات لجمع قواهم ، والإنقضاض على المدينة عاصمة الإسلام.

أو لأنه يريد أن يحميه من أن يتمكن هر قل من إرسال جيوشه الهائلة لنجدة أهل أبنى ، ويتمكن من إلحاق الأذى بأسامة وبجيشه.

أو أن كل ذلك كان مقصودا؟!!

ربما يكون هذا الأخير هو الأولى والأظهر ..

إشارة إلى حديث اللدود :

وقد أشارت بعض النصوص المتقدمة إلى الحديث الذي يقول : إنهم لدّوا رسول الله في مرضه ، وقد تكلمنا عن هذا الحديث في هذا الجزء من الكتاب وقلنا : إنه حديث خرافة ، فراجع ..

حرّق عليهم :

وقد نسبوا إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه أمر أسامة بأن يحرق على أهل أبنى ، ونحن نشك في صحة هذه الرواية ، وذلك لما يلي :

١ ـ إن كان المراد تحريق الشجر مثل النخل وغيره ، فنقول :

قد ورد عن ثوبان أنه سمع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقول : من قتل صغيرا أو كبيرا ، أو أحرق نخلا ، أو قطع شجرة مثمرة ، أو ذبح شاة

١٨٤

لإهابها ، لم يرجع كفافا (١).

فإنه يدل على أن هذا العمل مرجوح عند الشارع ، ولا يأمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بما هو مرجوح ..

بل قد ورد ما يدل على حرمته أيضا ، وبذلك أفتى عدد من الفقهاء إلا في حال الضرورة (٢).

وحكم كثير منهم بالكراهة (٣).

__________________

(١) راجع : مسند أحمد ج ٥ ص ٢٧٦ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣١٧ وج ١٤ ص ٢٦١ وكنز العمال ج ١٥ ص ٣٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ١١٨ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٢٦١ وكنز العمال ج ١٥ ص ٣٥.

(٢) راجع : المهذب لابن البراج (مطبوع ضمن الينابيع الفقهية) كتاب الجهاد ص ٨٨ مقيدا للأشجار ب «المثمرة» وفي منتهى المطلب ج ٢ ص ٩٠٩ عن أحمد ، وقد حكي القول بعدم الجواز عن الليث بن سعد ، وأبي ثور ، والأوزاعي فراجع : فتح الباري ج ٥ ص ٧ والجامع الصحيح ج ٤ ص ١٢٢ وفقه السيرة ص ٢٨٠ وشرح مسلم للنووي ج ٥ ص ٧ وج ١٢ ص ٥٠ وعمدة القاري ج ٤ ص ١٧٩ ورياض المسائل للطباطبائي ج ٧ ص ٥٠٢ والبحار ج ٧٣ ص ٣١٩.

(٣) تذكرة الفقهاء ج ١ ص ٤١٢ و ٤١٣ وراجع : السرائر ص ١٥٧ وتحرير الأحكام ج ١ ص ١٣٥ وشرائع الإسلام ج ١ ص ٣١٢ والقواعد (المطبوع مع الإيضاح) ج ١ ص ٣٥٧ والجامع لأحكام الشرائع ص ٢٣٦ ومنتهى المطلب ج ٢ ص ٩٠٩ والوسيلة (المطبوع ضمن الجوامع الفقهية) ص ٦٩٦ والخراج لأبي يوسف ص ٢١٠ والمبسوط للسرخسي ج ١٠ ص ٣١ عن الأوزاعي ، والمبسوط للشيخ الطوسي «رحمه‌الله» ج ٢ ص ١١ وعون المعبود ج ٧ ص ٢٧٥ ومجمع الأنهر ج ١ ص ٥٩٠ وإيضاح الفوائد لابن العلامة ج ١ ص ٣٥٧ ومسالك الأفهام ج ٣ ص ٢٥ وجامع

١٨٥

والنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يأمر بالمكروه فضلا عن الحرام إلا مع الضرورة. فيرتفع معها عنوان الحرمة أو الكراهة.

إلا أن يقال : إن المرجوح هو فعل ذلك بالمسلمين ، أو في نخلهم ، وشجرهم ، ولا يشمل نخل المحاربين وشجرهم ، وأملاكهم.

ويجاب : بأن الكلام قد جاء مطلقا ، كما أن النهي عن ذلك قد يكون لأجل أنه من مصاديق الإفساد في الأرض ، وهذا صادق على صورة كون النخل للمحاربين أيضا ، إلا مع الحاجة إليه لكسر شوكة العدو ، وتحقيق النصر عليه.

٢ ـ وإن كان المراد تحريق الناس بالنار ، فقد روي عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه قال : لا يعذب بالنار إلا رب النار. أو نحو ذلك (١).

__________________

المقاصد للمحقق الكركي ج ٣ ص ٣٨٥ وكشف الغطاء (ط. ق) ج ٢ ص ٤٠٦ وجواهر الكلام ج ٢١ ص ٦٦.

(١) راجع : صحيح البخاري كتاب الجهاد ، باب لا يعذب بعذاب الله ج ٣ ص ١٠٩٨ ح (٢٨٥٣) ومسند أحمد ج ٣ ص ٤٩٤ وج ٢ ص ٣٠٧ وعن سنن أبي داود ج ٢ ص ٢١٩ و (ط دار الفكر) ج ١ ص ٦٠٣ وج ٢ ص ٥٣٢ والجامع الصحيح للترمذي ج ٤ ص ١١٧ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٧١ و ٧٢ ومصابيح السنة ج ٢ ص ٥٢٨ و ٥٣٠ وفتح الباري ج ٦ ص ١٠٥ وج ١٢ ص ٢٣٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ٥ ص ٦ وج ١٤ ص ١٩٤ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج ٤ ص ١٥٣٦ والمعجم الكبير ج ٣ ص ١٦١ ومسند أبي يعلى ج ٣ ص ١٠٦ والآحاد والمثاني ج ٤ ص ٣٤٠ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٢١٥ وتحفة الأحوذي ج ٦ ص ١٧٣ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٢٢٠ وتيسير الوصول ج ١ ص ٢٧٩ وـ

١٨٦

إلا أن يقال : إن التعذيب بالنار المنهي عنه هو : أن يكون من يراد تعذيبه في قبضة الإنسان المؤمن ، ويريد أن يورد عليه عقوبة أو أذى مشروعا من حدّ أو تعزير.

وأما الإستفادة من النار في قتال العدو فلا مانع منه.

٣ ـ ما نسب إلى علي «عليه‌السلام» من أنه أحرق عبد الله بن سبأ .. لعله غير دقيق ، فقد روي :

أنه «عليه‌السلام» حفر له ولأصحابه حفائر ، وخرق بعضها إلى بعض ، ثم دخن عليهم حتى ماتوا (١).

٤ ـ من الممكن أن يكون هذا الحديث قد نسب إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بهدف تبرير فعل صدر عن أبي بكر ، الذي أحرق الفجاءة

__________________

مجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٥١ وحاشية رد المحتار لابن عابدين ج ٤ ص ٣١٧ والشرح الكبير لابن قدامه ج ٩ ص ٤٠٥ وج ١٠ ص ٣٩٦ والمحلى لابن حزم ج ١٠ ص ٣٧٦ وج ١١ ص ٣٨٣ ونيل الأوطار ج ٨ ص ٤ وج ٩ ص ٩٥ والبحار ج ١٩ ص ٣٥٢ والغدير ج ٧ ص ١٥٥ وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد ج ١ ص ٣٠٩ وكشاف القناع للبهوتي ج ٣ ص ٥٥ والمغني لابن قدامه ج ٩ ص ٣٩١ و ٥٠٢.

(١) راجع : السنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٧١ والغدير ج ٧ ص ١٥٦ وفتح الباري ج ٦ ص ١٠٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ٥ ص ٥ وج ٨ ص ١١٩ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٣ ص ٥١٥ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٢٦٤ وشرح إحقاق الحق ج ٨ ص ٦٤٥.

١٨٧

السلمي (١) ، وصدر أيضا من خالد بن الوليد (٢) ، ثم صدر من أسامة تجاه أهل أبنى ، ومعه جماعات من الصحابة ممن لا يحب هؤلاء الناس أن تنسب إليهم مخالفات صريحة ، لأنهم كانوا ـ عموما ـ من أنصار الحاكم الجديد.

أغز عليهم :

تقدم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لأسامة : «أغز عليهم» وهو تصحيف ، إذ لا معنى لتعدية كلمة «أغز» بعلى ، فقوله : «أغز عليهم» كلام ركيك ، إلى حد الغلط ، وهو لا يصدر عن أفصح وأبلغ الناس ، فالصحيح هو : «أغر عليهم» .. ولعل عدم وجود النقط للحروف هو الذي أوقع في الإشتباه ..

الغارة على الآمنين :

ولا مجال للإعتراض بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يأمر بالإغارة على الآمنين. وذلك لأن أهل أبنى كانوا معلنين للحرب على الإسلام

__________________

(١) راجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢٦٤ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٣١٩ والإصابة ج ٥ ص ٢٢٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٣٧ وكتاب الفتوح لابن أعثم ج ١ ص ١٠ والخصال ص ١٧١ والبحار ج ٣٠ ص ١٢٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٣٢٢ و ٣٢٤ والغدير ج ٧ ص ١٧٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٠ ص ٤١٨ و ٤٢٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٦١٩.

(٢) راجع : الرياض النضرة ج ١ ص ١٢٩ والمحلى لابن حزم ج ١١ ص ٣٨٠ وتذكرة الفقهاء (ط. ق) ج ٩ ص ٦٩ و (ط. ق) ج ١ ص ٤١٢ و.

١٨٨

وأهله ، وقد كان لهم دور بارز في مؤتة.

ولا مانع من صحة ما روي ، من أن قاتل زيد بن حارثة كان فيهم أو منهم ، وليس للمحارب أن يتوقع من عدوه أن يعلمه بموقعه ، وبخططه ، أو بما يحمله من سلاح ، أو بساعة إغارته عليه .. بل عليه هو أن يكون حذرا ، وأن يستعد للمفاجآت ، ويحسب لها حسابها.

ولعدوه الحق بأن يموه عليه ، وأن يطلب غرته ويغير عليه .. فلا محذور في أن يأمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أسامة بن زيد بأن يغير على أهل أبنى في أي وقت شاء.

سبب التثاقل والتخلف عن أسامة :

قال العلامة البحاثة السيد عبد الحسين شرف الدين «رحمه‌الله» ، في بيانه لأسباب تثاقلهم ثم تخلفهم عن جيش أسامة :

«لا يفوت البعث بتثاقلهم عن السير ، ولا بتخلف من تخلف منهم عن الجيش». أما الخلافة فإنها تنصرف عنهم لا محالة ، إذا انصرفوا إلى الغزوة قبل وفاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله ..

وكان بأبي هو وأمي ـ أراد أن تخلو منهم العاصمة ، فيصفو الأمر من بعده لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» على سكون وطمأنينة.

فإذا رجعوا وقد أبرم أمر الخلافة ، وأحكم لعلي «عليه‌السلام» عقدها ، كانوا عن المنازعة والخلاف أبعد ..

١٨٩

وإنما أمّر عليهم أسامة وهو ابن سبع عشرة سنة (١) ليا لأعنة البعض ، وردّا لجماح أهل الجماح منهم ، واحتياطا من الأمن في المستقبل من نزاع أهل التنافس لو أمّر أحدهم كما لا يخفى.

لكنهم فطنوا إلى ما دبر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فطعنوا في تأمير أسامة ، وتثاقلوا عن السير معه ، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بربه ، فهمّوا حينئذ بإلغاء البعث ، وحلّ اللواء تارة ، وبعزل أسامة أخرى ، ثم تخلف من تخلف منهم عن الجيش ، وفي أولهم أبو بكر وعمر (٢).

تثاقل أسامة والجيش إلى أي مدى؟! :

ويفهم من قول الجوهري «فتثاقل أسامة ، وتثاقل الجيش بتثاقله» : أن السبب في تثاقل الجيش هو أسامة بالذات ..

__________________

(١) راجع : الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ١ ص ٣٤ والإصابة ج ١ ص ٤٦ والوافي بالوفيات ج ٩ ص ٢٦٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١١٣ والمراجعات للسيد شرف الدين ص ٣٦٩ ومستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ٣٧ والنص والإجتهاد ص ٣٦ وأسد الغابة ج ١ ص ٦٤ والفصول المهمة في تأليف الأمة ص ١٠٤ وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٣٤ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٢٢٧ وقيل : كان عمره ١٨ سنة ، وقيل : ٢٠ سنة.

(٢) النص والإجتهاد ص ٣٦ و ٣٧. وراجع : مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٦٨١ وفي هامشه عن : أسد الغابة ج ١ ص ٦٤ والإصابة ج ١ ص ٣١ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ٥٧ وقاموس الرجال ج ١ ص ٤٦٨ وتنقيح المقال ج ١ ص ١٠٨ والكشي ص ٣٩ / ٨٠ و ٨١ والطبقات الكبرى ج ٤ ق ١ ص ٤٢.

١٩٠

غير أن من الواضح : أن أكثر الجيش ، ربما لم يكن مدركا لما يجري ، وكان يتعامل مع الأمور بعفوية ، وسلامة طوية وانقياد وطاعة ، غير أن المفروض بأعيان القوم ، وزعمائهم أن لا يستسلموا للأمور ببساطة ، بل لا بد أن يتساءلوا عن مبررات هذا التثاقل ، وسير فضونه إن وجدوا أنه لا يملك مبررات تقنعهم ، وسترتفع عقيرتهم بالإعتراض والإدانة ..

ولكننا حين نراجع موقفهم هنا نجد : أنهم لم يرتفع لهم صوت ، رغم شدة وتواصل حثّ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهم على المسير ، إلى حد لعن المتخلفين ، بل كان هؤلاء الأعيان والزعماء يشاركون في هذا التثاقل ، ويمعنون فيه .. مما يعني أنه تثاقل قد تفاهموا عليه مع أسامة ، إن لم يكونوا هم الذين جروه إليه ، أو فرضوه عليه ..

ويؤكد هذا الذي نقوله : أن هذا التثاقل ، أو فقل : هذا التمرد على أوامر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد استمر حوالي نصف شهر ..

وحتى حينما لم يجد أسامة بدا من المسير ، تحت وطأة إصرار رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فإنه سار قليلا ، وبمقدار ساعة فقط ، ثم حط رحاله في الجرف على بعد فرسخ واحد من المدينة ، ربما ليبقى جيشه في أجواء ما يجري في المدينة ، وعلى علم بالشائعات عن حياة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، التي ربما كانت فئات في المدينة تغذيها ، بالتعاون مع مجموعات في الجيش نفسه.

وكان أسامة يترك الجيش ويدخل المدينة ، ويصر على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالتريث ، ويصر عليه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالإستعجال ، حتى لقد رجع في اليوم الأخير مرتين كانت الأخيرة منهما برفقة عمر وأبي

١٩١

عبيدة ، فوجده يجود بنفسه.

إعتذارات البشري عن تثاقلهم :

ثم ذكر السيد شرف الدين : أن الشيخ سليم البشري قد اعتذر عنهم بما حاصله :

١ ـ بالنسبة لتثاقلهم ، نقول :

إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإن كان قد حثهم على الإسراع ، ولكنه تمرض بعد ذلك مباشرة ، فثقل حتى خيف عليه ، فلم تسمح نفوسهم بفراقه وهو في تلك الحال ، فتربصوا ينتظرون في «الجرف» ما تنتهي إليه حاله.

وهذا من وفور إشفاقهم عليه ، وولوع قلوبهم به. ومقصدهم في تثاقلهم : إما قرة عيونهم بصحته ، وإما التشرف بتجهيزه ، وتوطيد الأمر لمن يتولى عليهم من بعده. فهم معذورون في تربصهم.

٢ ـ واعتذر عن طعنهم في إمارة أسامة : بأن سببها هو حداثة سنه ، وهم شيوخ وكهول ، ونفوس الشيوخ والكهول تأبى النزول على حكم الشبان (١).

ونقول :

إننا نضيف إلى ما تقدم ما يلي :

أولا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكتف في أمره لهم بالمسير مع أسامة على ما قبل اشتداد مرضه ، بل هو قد استمر يأمرهم بذلك مرة بعد أخرى

__________________

(١) المراجعات للسيد شرف الدين ص ٣٧٠ والنص والإجتهاد ص ٣٧ ـ ٣٩ وراجع المصادر المتقدمة في الهوامش السابقة.

١٩٢

حتى بعد اشتداد المرض أيضا ، وقد أكد هذا الإلتزام بلعنه لمن يتخلف. فليس لأحد أن يعتذر عن معصية الأمر الوجوبي من أجل أمر مستحب فهو كمن يترك الحج الواجب ، والصلاة الواجبة ، لأنه أراد أن يزور أحد المؤمنين ، أو لا نشغاله بالتسبيح والتهليل.

ثانيا : لقد كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أعرف بالمصالح والمفاسد منهم. فمواصلة حثه لهم على الإسراع بالمسير حتى بعد اشتداد مرضه ، مع علمه بأن صحابته قلقون عليه يدل على أن ما يتوخاه من هذا الإسراع أعظم من مصلحة طمأنتهم على مصيره ، أو مشاركتهم في مراسم دفنه ، أو في توطيد الأمر لمن يتولى الأمر بعده .. فإن هذه الأمور لا تخفى على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فكان يجب أن يمتثلوا أمره ، على قاعدة : (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١). ولا يحق لهم أن يعتبروا رأيهم مقدما على أوامره ، فإن رأيهم ينتهي إلى الحدس والظن ، أما هو فلا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ..

ثالثا : إن حديث الإشفاق ، لا يمكن القبول به ، لأن المعيار هو ما يحكم به العقل ، وتقتضيه الحكمة ، لا ما تدعو إليه العاطفة ، ويسوق إليه الهوى. ألا ترى أن لو كان لإحدى النساء طفل مريض ، وقد وصف له الطبيب دواء مرا ، أن عقلها يحتم عليها أن تسقيه الدواء ، وإن كانت عاطفتها تصدها عن ذلك ، لأنها لا تريد أن تؤذي طفلها بمرارة الدواء ..

رابعا : بالنسبة لنفرة نفوس الشيوخ من الإنقياد إلى الشباب ، نقول :

__________________

(١) الآية ٦٥ من سورة النساء.

١٩٣

إن هذا لو كان عذرا لوجب أن يكون جميع الذين كانوا أكبر سنا من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معذروين في اختيارهم الكفر والشرك على الإسلام ، لأن نفوسهم تأبى الإنقياد لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأنه كان شابا بالنسبة إليهم ..

ولكان يجب أن لا ينقاد كثير من أهل الممالك لرؤسائهم وملوكهم ، حين يكونون أكبر منهم سنا ، أو حين يكونون شيوخا ، وملوكهم ورؤساؤهم شبانا.

خامسا : حتى لو سلمنا أن الأمر كذلك ، فإن ثمة فرقا ظاهرا بين أوامر الأنبياء وأوصيائهم ، وأوامر الرؤساء والملوك ، وسائر الناس لبعضهم بعضا ، فإن أوامر الأنبياء والأوصياء تنتهي إلى الله سبحانه ، وهي تعبر عن إرادته ، وتنتهي بمرضاته ، وليست أوامر الرؤساء والملوك والناس مع بعضهم البعض كذلك.

وقد قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١).

وقال : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٢).

إرتداد العرب متى كان؟! ولماذا؟! :

وقد ذكر النص المتقدم : أن العرب ارتدت قبل أن يتحرك أسامة من

__________________

(١) الآية ٦٥ من سورة النساء.

(٢) الآية ٣٦ من سورة الأحزاب.

١٩٤

المدينة ، وهو كلام غير دقيق ، ولا صحيح ، فإنهم يصرحون : أنه بمجرد أن تمت البيعة لأبي بكر سيّر أبو بكر جيش أسامة.

ويبدو لنا أن العرب لم يرتدوا ، وإنما هم قد امتنعوا من البيعة لأبي بكر ، لأنهم كانوا قد حضروا يوم الغدير ، وبايعوا عليا «عليه‌السلام» ، فلا معنى لقبولهم بنكث بيعتهم التي أمرهم بها الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأشرف عليها بنفسه ، ليبايعوا أبا بكر الذي أخذ هذا المقام بالقهر والغلبة وبالتهديد ، بالإستناد إلى ألوف المقاتلين من بني أسلم وغيرهم كما سيأتي.

والذين ارتدوا حقيقة إنما ارتدوا في زمن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، مثل : مسيلمة ، وطليحة ، وسجاح ، والأسود العنسي ..

وأما مالك بن نويرة ، وأضرابه ، فهؤلاء إنما امتنعوا عن بيعة أبي بكر ، ولم يؤدوا الزكاة إليه ، وقالوا : إنهم لا يؤدونها إلا إلى أهل بيت نبيهم ، أو يقسمونها على فقرائهم ، فاستحل أبو بكر دماءهم وقتلهم ..

ولهذا البحث مجال آخر ..

إشكال مشترك الورود :

وقد يقال : إن إشكال التخلف عن جيش أسامة مشترك الورود ، وبيان ذلك كما يلي :

أولا : إن أبا بكر وعمر ، وغير هما ، وإن كانوا قد تخلفوا عن جيش أسامة (١) ، وقد شملهم قول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

__________________

(١) الإستغاثة (ط دار الجيل) ج ١ ص ٢١ ومنهاج الكرامة للعلامة الحلي ص ١٠٠ ونهج الحق للعلامة الحلي ص ٢٦٣ عن : الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ـ

١٩٥

«لعن الله من تخلف عن جيش أسامة». ولكن عليا «عليه‌السلام» قد تخلف أيضا ؛ فلماذا لا يشمله؟!.

ثانيا : لم يرد لعن المتخلف عن جيش أسامة في حديث أصلا (١).

ثالثا : إن أبا بكر قد تخلف لما أمره النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالصلاة بالناس ، فليس في تخلفه غضاضة ..

ونجيب بما يلي :

إنه لا ريب في أن عليا «عليه‌السلام» لم يتخلف عن جيش أسامة ، فلا يشمله لعن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لمن تخلف ، وما ذكروه لا اعتبار به ، وذلك للأمور التالية :

أولا : قولهم لم يرد لعن المتخلف عن جيش أسامة في حديث أصلا ، غير صحيح ، فقد أرسل ذلك الشهرستاني في الملل والنحل إرسال المسلمات (٢) ، وذكر ذلك غيره أيضا (٣).

__________________

ص ٢٣ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٧ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٥٣ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢١٥ إضافة على مصادر أخرى تقدمت.

(١) السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٢٢٨.

(٢) راجع : الملل والنحل (ط دار المعرفة) ج ١ ص ٢٣ و (بهامش الفصل لابن حزم) ج ١ ص ٢٠.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ٥٢ عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري وراجع : المسترشد للطبري ص ١١٢ والبحار ج ٣٠ ص ٤٣١ و ٤٣٢ ونفحات اللاهوت ص ١١٣ وتشييد المطاعن ج ١ ص ٤٧ ومعالم المدرستين ج ٢ ص ٧٧ ووصول الأخيار إلى أصول الأخبار لوالد البهائي العاملي ص ٦٨ ـ

١٩٦

ثانيا : إنه حتى لو لم يرد لعن صريح لمن تخلف ، فإن نفس مخالفة أمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمر قبيح ، يستحق فاعله العقوبة ، فكيف إذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أصر على الناس في تنفيذ هذا البعث ، وأصروا هم على عصيان أمره ، وهو يرى ذلك منهم ، ويحاول معالجته مرة بعد أخرى ، فلا يستجيبون له ، فإن ذلك سيكون من موجبات تأذّيه منهم ، وغضبه عليهم ، وهذا من موجبات طردهم من ساحة رحمة الله تبارك وتعالى ..

ثالثا : إن الحديث عن تخلف أبي بكر بأمر من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه ، حين أمره بالصلاة بالناس ، لا يصح ، فقد ذكرنا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بادر إلى عزله عن نفس تلك الصلاة ..

كما أن عليا «عليه‌السلام» كان يقول : إن عائشة هي التي أمرت أباها بأن يصلي بالناس وليس النبي «عليه‌السلام» (١).

__________________

وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٤١ و ٥٢٧ وقاموس الرجال ج ١٢ ص ٢١ والسقيفة وفدك للجوهري ص ٧٧ ونهج السعادة للمحمودي ج ٥ ص ٢٥٩ ومستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ٢٠٩ والنص والإجتهاد ص ٤٢ والمراجعات للسيد شرف الدين ص ٣٧٤ وإحقاق الحق (الأصل) ص ٢١٨.

(١) شرح نهج للمعتزلي ج ٩ ص ١٩٧ والبحار ج ٢٨ ص ١٥٩ والهداية الكبرى للخصيبي ص ٤١١ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٦٢٠ والإستغاثة للكوفي ج ٢ ص ١٩ ومناقب أهل البيت «عليه‌السلام» للشيرواني ص ٣٩٩ وتثبيت الإمامة للهادي يحيى بن الحسين ص ٢٣ ونهج السعادة ج ٥ ص ٢٦٨ وراجع : الإرشاد ج ١ ص ١٨٢ والإفصاح للمفيد ص ٢٠٦ والمسترشد للطبري (الشيعي) ص ١٣٢ والإيضاح لابن شاذان ص ٣٤٦ وشرح الأخبار ج ٢

١٩٧

وقد ناقشنا هذه القضية في موضع آخر من هذا الجزء فلا نعيد ..

ويدل على ذلك : أن أسامة حين وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ترك المدينة وسكن وادي القرى (١) ، فكتب أبو بكر إليه يستقدمه إلى المدينة ، فأجابه أسامة بكتاب جاء فيه :

«انظر مركزك ، ولا تخالف فتعصي الله ورسوله ، وتعصي من استخلفه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليك وعلى صاحبك ، ولم يعزلني حتى قبض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإنك وصاحبك رجعتما ، وعصيتما ، وأقمتما في المدينة بغير إذن» (٢).

وفي نص آخر : «فإن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» استخلفني عليكم ، ولم يعزلني.

وقد علمت كراهة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لرجوعكم عني إلى المدينة.

__________________

ص ٢٤١ والفصول المختارة للشريف المرتضى ص ١٢٤ والجمل لضامن بن شدقم المدني ص ٤٠ وكتاب الأربعين ص ٢٧٨ والصراط المستقيم ج ٣ ص ١٣٥ و ١٣٣ عن الغزالي في الإحياء ، وراجع : كتاب الأربعين للشيرازي ص ٢٧٩ وخصائص الأئمة للشريف الرضي ص ٧٣ وفيه : أنها أمرت عمر.

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ٧٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٨ ص ٤٨ وج ١٠ ص ١٤٠ وج ١٣ ص ٢٦ وج ٧٠ ص ٨ والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج ١ ص ٢٠٢ وراجع : الأعلام للزركلي ج ١ ص ٢٩١ والمنتخب من ذيل المذيل للطبري ص ٣٣ و ٥٠.

(٢) الإحتجاج للطبرسي ج ١ ص ١١٤ والبحار ج ٢٩ ص ٩٢.

١٩٨

وقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لا يتخلفن أحد عن جيش أسامة إلا كان عاصيا لله ولرسول الله» (١).

رابعا : لا ريب عند أحد من المسلمين في أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يجعل عليا «عليه‌السلام» في ذلك الجيش ، فضلا عن أن يتوهم أنه قد تخلف عنه ، ويكفي أن نشير هنا إلى ما يلي :

ألف : قال ابن حمزة : «وهل نقل عن أحد من أهل العلم أن عليا «عليه‌السلام» كان في جيش إلا وهو أميره» (٢).

وروى الواقدي ، قال : سئل الحسن (البصري) عن علي «عليه‌السلام» ـ وكان يظن به الإنحراف عنه ، ولم يكن كما يظن ـ فقال : ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع : ائتمانه على براءة ، وما قال له الرسول في غزاة تبوك ، فلو كان غير النبوة شيء يفوته لاستثناه ، وقول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «الثقلان كتاب الله وعترتي» ، وإنه لم يؤمّر عليه أمير قط ، وقد أمّرت الأمراء على غيره (٣).

والعبارة الشائعة عن هذا الأمر هي قولهم : لم يؤمّر عليه أحدا قط ، ولم يكن في سرية قط إلا كان أميرها (٤).

__________________

(١) كتاب الأربعين للماحوزي ص ٢٥٦ وتثبيت الإمامة للهادي يحيى بن الحسين ص ٢٠.

(٢) الشافي لابن حمزة ج ٤ ص ١٦٤.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٩٥ ـ ٩٦ عن الواقدي ، والملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ١٤٤ وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص ١٢٣ و ١٣٥.

(٤) راجع : الثقات ج ١ ص ٢٤٢ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٥٨ والوفاء ص ٦٨٩ ـ

١٩٩

وهذا يدل على أنه «عليه‌السلام» لم يكن في جيش أسامة ، لأنه لو كان فيه لكانت الإمارة له لا لسواه.

ب : إن جعل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليا «عليه‌السلام» وصيا بأمر من الله تعالى ، والبيعة له في يوم الغدير يمنع من جعله إياه في جيش أسامة ، لا سيما وهو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يتوقع أن ينزل به القضاء لحظة بعد أخرى ، فقد أخبرهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بدنو أجله ، وأنه يوشك أن يدعى فيجيب.

فلم يكن «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليجعله مولى للناس ، وأولى بهم من أنفسهم ، ثم يجعل أسامة أميرا عليه ، والمتصرف فيه ، والآمر والناهي له.

ج : ورد في رسالة كتبها أمير المؤمنين «عليه‌السلام» إلى شيعته قوله :

«وقد كان نبي الله أمّر أسامة بن زيد على جيش ، وجعلهما (يعني أبا

__________________

وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦١ وكتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ص ٤١٨ ودلائل الامامة للطبري (الشيعي) ص ٢٦١ وشرح الأخبار ج ١ ص ٣٢٠ ونوادر المعجزات للطبري (الشيعي) ص ١٤٤ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ٣٥١ والطرائف ص ٢٧٧ والبحار ج ٢٠ ص ١٦٥ عن الكازروني وغيره وج ٣٧ ص ٣٣٥ وج ٤٧ ص ١٢٧ وج ٤٩ ص ٢٠٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٢١ والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص ٢٣٧ و ٣٣٨ والغدير ج ١ ص ٢١٢ وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص ١٢٣ و ١٣٥ وقاموس الرجال ج ١٢ ص ١٥١ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٤٦٧ وراجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٧٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٥٥٥ وزاد المعاد ج ١ ص ٧١ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦١.

٢٠٠