الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-204-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٨

وهكذا يتضح : أن هذه الرواية لا يمكن أن تصح ، وأن ذكرها في صحيح البخاري وغيره لا يبرر الالتزام بها ، وتصديقها ..

ولعل سر اختلاقها هو إظهار صحة نسبة الهجر إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مرضه. ولعل النقيب المعتزلي يشير إلى هذا في عبارته الآنفة.

وما أكثر الأكاذيب والمفتريات على نبي الأمة الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، رد الله كيد الكاذبين والمنحرفين إلى نحورهم ، وعصمنا من الزلل في الفكر وفي القول والعمل.

الدنانير وعائشة :

عن سهل بن سعد قال : كان عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سبعة دنانير وضعها عند عائشة ، فلما كان في مرضه قال : يا عائشة ، ابعثي الذهب إلى علي ، ثم أغمي عليه ، وشغل عائشة ما به ، حتى قال ذلك مرارا ، كل ذلك يغمى على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويشغل عائشة ما به ، فبعث به إلى علي فتصدق به (١).

وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب : أن رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٥٠ عن ابن سعد والطبراني برجال الصحيح ، وراجع : مجمع الزوائد ج ٣ ص ١٢٤ والعهود المحمدية للشعراني ص ١٥٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٢٣٩ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٥١٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٨ ص ٦٢٧ والمعجم الكبير ج ٦ ص ١٩٨ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٤٧٢.

١٤١

وآله» قال لعائشة ـ وهي مسندته إلى صدرها ـ : «يا عائشة ، ما فعلت تلك الذهب؟

قالت : هي عندي.

قال : فأنفقيها ، ثم غشي عليه وهو على صدرها ، فلما أفاق قال : هل أنفقت تلك الذهب يا عائشة؟!

قالت : لا والله يا رسول الله.

قالت : فدعا بها فوضعها في كفه ، فعدها ، فإذا هي ستة دنانير ، فقال : ما ظن محمد بربه أن لو لقي الله وهذه عنده؟ فأنفقها كلها ، ومات من ذلك اليوم (١).

وعن عائشة قالت : قال لي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في وجعه الذي مات فيه : ما فعلت بالذهب؟

قلت : هو عندي يا رسول الله.

قال : ائت بها.

فأتيت بها ، فجعلها في كفه ، وهي بين الخمس والسبع ، فرفع بها كفه وقال : أنفقيها ، وقال : ما ظن محمد إن لقي الله وهذه عنده ، أنفقيها (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٥٠ عن ابن سعد ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٢٣٧ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٥١٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٥٠ عن مسدد ، وأبي عمر ، وابن أبي شيبة ، وأحمد برجال الصحيح ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٤ ص ١١٠ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٢٩٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٢٣٨ وصحيح ابن حبان ج ٨ ص ٨.

١٤٢

وعن سهل بن يوسف عن أبيه عن جده قال : أعتق النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مرضه أربعين نفسا (١).

ونقول :

١ ـ لا ندري لماذا تتوانى عائشة في تنفيذ أمر النبي الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لها بإرسال الذهب إلى علي «عليه‌السلام» ، حتى تلجئه إلى معاودة هذا الأمر مرارا وتكرارا ، من دون فائدة أو عائدة؟! حتى اضطر أن يبادر هو بنفسه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى أن يبعث به لعلي «عليه‌السلام» ليتصدق به؟!

وما الذي كان يشغل عائشة عن امتثال ما يأمرها به النبي الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟! ألم تكن عائشة تستطيع أن تقول لأي إنسان دخل عليها : خذ تلك الدنانير التي في ذلك المكان إلى علي ليتصدق بها؟!

وإذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي يعاني من الأوجاع ، فمم كانت عائشة تعاني؟!

وما الذي كانت تفعله للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين كان يتوجع ، أو يغمى عليه؟! أليس غاية ما تدّعي أنها فعلته له أنها أسندته وهو في وجعه إلى صدرها؟!

ومع افتراض صحة ذلك ، فهل كان هذا يمنعها من امتثال أمره «صلى

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٥٠ عن أبي طاهر المخلص ، وإمتاع الأسماع ج ٦ ص ٣٠٢ وج ١٤ ص ٥١٦ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٤٢٢ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٧.

١٤٣

الله عليه وآله» الذي كرره عليها مرارا وتكرارا؟!

ألم يكن بإمكانها أن تستفيد من نفس الوسيلة التي استفاد منها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين اضطر هو إلى مباشرة إرسال تلك الدنانير إلى عليه «عليه‌السلام»؟!

وهل كانت ستتلكأ إلى هذا الحد لو كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أمرها بإرسال تلك الدنانير إلى أبيها ، أو إلى أي كان من الناس غير علي «عليه‌السلام»؟!

وألا يعتبر تلكؤها هذا من موجبات الأذى لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

وأين كانت سائر نساء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عنه في يوم موته؟! فلا نسمع إلا اسم عائشة يتردد في كل اتجاه؟!

ولماذا تركه الناس كلهم حتى علي «عليه‌السلام» ، وتركته نساؤه كلهم إلا عائشة ، فتكون هي الوحيدة التي تسنده إلى صدرها ، وتهتم بأوجاعه ، وتعصي أوامره؟! كما ترويه لنا عائشة نفسها!!

وأين كانت عنه ابنته الوحيدة فاطمة «عليها‌السلام» في ساعاته الأخيرة والحرجة؟!

٢ ـ أما رواية ابن حنطب ، فقد استبعدت عليا «عليه‌السلام» بالكلية ، وقررت أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وضع الدنانير في كفه ، ولم تذكر أنه أنفقها بنفسه ، أو أرسلها إلى أحد من الناس!! وإلى من أرسلها!!

لقد سكتت ولم تذكر شيئا من ذلك ، ثم جاءت رواية عائشة لتستأثر هي بإنفاق هذه الدنانير ، وتستبعد عليا «عليه‌السلام» حتى من دائرة

١٤٤

الإحتمال بالكلية ..

فتبارك الله أحسن الخالقين ..

٣ ـ أما ما رواه أبو طاهر فنلاحظ عليه : أنه لم يذكر لنا عن هؤلاء الأربعين الذين أعتقهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مرض موته شيئا يعرفنا بهم ، أو بأسمائهم ، وانتماءاتهم ، وخصوصياتهم. كما أننا لم نجد أحدا ممن تقدم على أبي طاهر قد روى شيئا من ذلك ، وإن كنا لا نمنع من وقوعه ..

فاطمة عليها‌السلام أول أهل بيته لحوقا به :

عن عائشة قالت : اجتمع نساء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يغادر منهم امرأة في وجعه الذي مات فيه ، وما رأيت أحدا أشبه سمتا وهديا ودلّا برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، في قيامها وقعودها من فاطمة ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها ، وقبلها ، وأجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها فعلت ذلك.

فلما مرض جاءت تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : مرحبا يا بنتي. فأجلسها عن يمينه ، أو عن شماله ، فأكبت عليه تقبله ، فسارها بشيء ، فبكت ، ثم سارها فضحكت.

فقلت : ما رأيت اليوم فرحا أقرب من حزن ، فسألتها عن ذلك ، قلت لها : ما خصك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالسرار وتبكين.

فلما أن قامت قلت لها : أخبريني بما سارك؟

قالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فلما أن توفي قلت لها : أسألك بما لي عليك من الحق لما أخبرتيني.

١٤٥

قالت : أما الآن فنعم ، سارني فقال : إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين ، وإنه لم يكن نبي كان بعده نبي إلا عاش بعده نصف عمر الذي كان قبله ، ولا أرى ذلك إلا اقترب أجلي.

وفي لفظ : فقالت : إنه أخبرني أنه يقبض في وجعه ، فاتقي الله واصبري ، إن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المؤمنين أعظم رزنة منك ، فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرا ، فنعم السلف أنا لك ، فبكيت.

ثم سارني فقال : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة.

وفي لفظ : «أخبرني أني أول أهله لحوقا به ، فضحكت ضحكي الذي رأيت» (١).

قال الصالحي الشامي :

قال الحافظ ـ أي العسقلاني ـ : اتفقت الروايات على أن الذي سارها به أولا فبكت هو إعلامه إياها بأنه ميت في مرضه ذلك ، واختلف فيما سارها به فضحكت.

ففي رواية عروة : أنه إخباره إياها بأنها أول أهله لحوقا به.

وفي رواية مسروق : بأنه إخباره إياها أنها سيدة نساء أهل الجنة ، وجعل كونها أول أهله لحوقا به ، مضموما إلى الأول وهو الراجح ، ويحتمل تعدد

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٥١ عن الخمسة ، والطبراني ، وابن حبان ، والحاكم.

١٤٦

القضية (١).

ونقول :

١ ـ إن من القريب جدا أن يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، قد أخبر ابنته

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٢٥١ وراجع : ينابيع المودة ج ٢ ص ٥٥ وراجع : صحيح البخاري (ط مطبعة الأميرية) ج ٤ ص ٢٠٣ وصحيح مسلم ج ٧ ص ١٤٢ ومسند الطيالسي ص ١٩٦ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ ص ٢٦ وحلية الأولياء ج ٢ ص ٣٩ والخصائص للنسائي (ط دار التقدم بمصر) ص ٣٤ ومصابيح السنة (ط دار الخيرية بمصر) ج ٢ ص ٢٠٤ ومسند أحمد ج ٦ ص ٢٨٢ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٥٥٢ وصفة الصفوة (ط حيدر آباد) ج ٢ ص ٥ وطرح التثريب ج ١ ص ١٤٩ والمختار من مناقب الأخيار (ط دمشق) ص ٥٦ ونظم درر السمطين ص ١٧٩ وتذكرة الخواص ص ٣١٩ ومنتخب تاريخ ابن عساكر ج ١ (ط الترقي بدمشق) ص ٢٩٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٦ وجمع الفوائد ج ٢ ص ٢٣٣ وتكملة المنهل العذب المورود ج ٣ ص ٢٢٢ والثغور الباسمة (ط بمبي) ص ١٣ وأشعة اللمعات في شرح المشكاة ج ٤ ص ٦٩٣ ووسيلة النجاة للمولوي ص ٢٢٨ ومرآة المؤمنين ص ١٩٠ وأضواء على الصحيحين ص ٣٤٥ وفضائل الصحابة ص ٧٧ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٥١٨ ومسند أبي يعلى ج ١٢ ص ١١٢ والمعجم الكبير ج ٢٢ ص ٤١٩ وعن أسد الغابة ج ٥ ص ٥٢٢ والأوائل للطبراني ص ٨٤ وعن المصادر التالية : كتاب الأربعين للماحوزي ص ٣١٤ وفتح الباري ج ٨ ص ١٠٣ ومسند أبي يحيى الكوفي ص ٧٩ ومسند ابن راهويه ج ٥ ص ٧ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٩٦ و ١٤٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٤٨ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ١٢٠ وكشف الغمة ج ٢ ص ٨٠.

١٤٧

السيدة الزهراء «عليها‌السلام» بالأمرين معا ، أي أنه قال لها أولا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ميت في مرضه ذلك ، فبكت. ثم أخبرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة ، وبأنها أول أهل بيته لحوقا به ، فضحكت.

٢ ـ إنه لا بد من الوقوف عند دلالات هذا الإجلال والتعظيم من قبل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لابنته فاطمة «عليها‌السلام» ، حتى إنه يقوم إعظاما لها ، ويجلسها في مجلسه ، مع أن من عادة الآباء إسقاط الكلفة مع أبنائهم ، ولا سيما إذا كانوا يعيشون معهم ، ويرونهم في كل يوم ، فإذا كانوا يقومون للغير فإنهم لا يقومون لأبنائهم ، فضلا أن يجلسوهم في مجلسهم.

ومن الواضح : أن تعظيم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأي إنسان ليس لمجرد قرباه النسبيه به ، وإنما هو لقربه من الله ، ولعظيم فضله وموقعه من هذا الدين ..

٣ ـ قد يستفاد من سياق الحديث أن هذا الذي جرى قد كان في أول مرض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقد قالت عائشة عن فاطمة «عليها‌السلام» : «فلما مرض جاءت تمشي الخ ..».

٤ ـ إن رفض الزهراء «عليها‌السلام» إفشاء سر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى لزوجته في حال حياته يدل على أنها أهل لهذا السر ، وأن من تسعى إلى الاطلاع على ما يريد الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يستره عنها وعن غيرها ليست أهلا له ، إذ لا معنى لأن تطلب هذه المرأة من الزهراء «عليها‌السلام» أن تفعل ما لا يرضاه الرسول ، ومن يدعو غيره إلى ذلك ، فإنه لا يؤمن من أن يخالف أمره ، ويرتكب ما لا يرضيه في حياته وبعد مماته ..

١٤٨

٥ ـ واللافت هنا : أن الله سبحانه كان قبل ذلك قد أنزل آيات قرآنية فضحت عائشة ورفيقتها حفصة في أمر مشابه لهذه الحادثة ، أي لإفشائهما سر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وتظاهر هما عليه.

قال تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (١).

فمطالبتها فاطمة الزهراء «عليها‌السلام» بأن تفشي سر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، يدل على عدم توبتها من هذا الذنب.

٦ ـ إن ما أخبر به النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فاطمة «عليها‌السلام» هو من الغيوب التي اختصها به ، وهو من الأمور التي لا يمكن إدراكها بالعقول ، ولا بالتحليلات ، لأنه أخبرها بوقت موته ، وبوقت موتها أيضا ، ليظهر لعائشة ، ولكل من هو على رأيها : أن الله ورسوله وأهل البيت كانوا يعرفون حتى مثل هذا الأمر ، فكيف بغيره مما دلت عليه قرائن الأحوال ، وأظهرت بواطنه فلتات الألسن ، وسيئات الأقوال والأعمال ، فلا يظن هؤلاء أنهم يتذاكون على الله ورسوله وأهل بيته ، وأن ما يضمرونه ويريدونه يخفى عليهم ، وأنهم تمكنوا من خداعهم ، والتلبيس عليهم ..

__________________

(١) الآيتان ٣ و ٤ من سورة التحريم.

١٤٩

وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام :

عن علي «عليه‌السلام» قال : «أوصاني النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إذا أنا مت ، فغسلني بست قرب من بئر غرس ، فإذا فرغت من غسلي ، فادرجني في أكفاني ، ثم ضع فاك على فمي.

قال : ففعلت ، فأنبأنى بما هو كائن إلى يوم القيمة».

وروي نحو ذلك عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» (١).

وعن عمرو بن أبي شعبة قال : «لما حضر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الموت دخل عليه علي «عليه‌السلام» فأدخل رأسه معه ثم قال : يا علي ، إذا أنا مت فاغسلني ، وكفني ، ثم أقعدني ، وسائلني ، واكتب» (٢).

ونقول :

يدلنا هذا النص على عدة أمور نذكرها فيما يلي :

١ ـ حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موته :

إن هذا النص يدل على أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حي حتى بعد أن يموت ، ولأجل ذلك نقرأ في زياراتنا للمعصومين والنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أعظم شأنا منهم : «أشهد أنك ترى مقامي ، وتسمع كلامي ، وترد

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ٣٠٤ والبحار ج ٤٠ ص ٢١٣ و ٢١٤ و ٢١٥ وج ٢٢ ص ٥١٧ و ٥١٤ عنه ، ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٨٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ٣ ص ١٩٠ ومستدركات علم رجال الحديث ج ١ ص ٦٤٩.

(٢) البحار ج ٤٠ ص ٢١٣ و ٢١٤ وج ٢٢ ص ٥١٨ عن بصائر الدرجات ، وعن الخرائج والجرائح ، والكافي.

١٥٠

سلامي» (١).

بل قالوا : إن الأخبار قد تواترت بحياة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في قبره ، وكذلك سائر الأنبياء «عليه‌السلام» (٢).

وقالوا أيضا : إن صلاتنا معروضة على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإن سلامنا يبلغه ، وهم أحياء عند ربهم كالشهداء (٣).

ويؤكد ذلك النص القرآني على : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» شاهد على أمته ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) (٤).

وشهادته على الأمة لا تقتصر على خصوص من عاشوا معه في حال حياته ..

٢ ـ علي عليه‌السلام هو الوصي :

وغني عن البيان : أن وصية النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعلي «عليه‌السلام» بأن يضع فمه على فمه ، وسماعه منه ما هو كائن إلى يوم القيامة

__________________

(١) راجع : عدة الداعي لابن فهد الحلي ص ٥٦ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٢ ص ٣٦٤ و ٥١٦ و ٥٢٣ ومستدرك الوسائل ج ١٠ ص ٣٤٥ والبحار ج ٩٧ ص ٢٩٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٤٦٦ و ٤٨٦ وج ١٢ ص ٣٥٥ و ٣٥٦ و ٣٦٠ عن إنباه الأزكياء بحياة الأنبياء ، وعن التذكرة للقرطبي والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ٨٢ و ٨٤ و ٤٣٢ وج ٣٥ ص ٣٨٥.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣٥٥ عن الأنوار في أعمال الأبرار للأردبيلي الشافعي ، وعن التذكرة للقرطبي. وراجع : فتاوى عبد القاهر بن طاهر البغدادي ، وتنوير الحلك للسيوطي ص ٥.

(٤) الآية ٤٥ من سورة الأحزاب.

١٥١

تؤكد أن لعلي «عليه‌السلام» خصوصية ليست لأحد سواه ، وهي ترتبط بعلم الإمامة ، من خلال اتصاله بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد موته.

٣ ـ العلم بما هو كائن :

وقد قلنا أكثر من مرة : إن معرفة الإمام تقوم على ركنين :

أحدهما : النص الدال على الإختيار الإلهي لشخص بعينه لمنصب الإمامة.

والآخر : العلم الخاص ، الذي يؤثر الله به من يشاء من عباده.

وربما يحتاج أيضا إلى إظهار الكرامة والمعجزة.

وقد ألمح الحديث الآنف الذكر إلى ذلك بصورة أو بأخرى ، فأشار إلى الإختيار بما ظهر من وضع فمه «عليه‌السلام» على فم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإظهار المعجزة بكلامه بعد موته ..

والعلم الخاص هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد علّمه ما هو كائن ، إلى يوم القيامة ، وذلك ظاهر لا يخفى.

وصايا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حول تجهيزه ودفنه :

وكان فيما أوصى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» به عليا «عليه‌السلام» قوله : «ضع يا علي رأسي في حجرك ، فقد جاء أمر الله تعالى ، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك ، وأمسح بها وجهك.

ثم وجهني إلى القبلة.

وتول أمري.

وصل علي أول الناس.

ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي.

١٥٢

فأخذ علي «عليه‌السلام» رأسه ، فوضعه في حجره ..

إلى أن تقول الرواية :

ثم قبض «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويد أمير المؤمنين تحت حنكه ، ففاضت نفسه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيها ، فرفعها إلى وجهه ، فمسحه بها.

ثم وجّهه ، وغمضه ، ومد عليه إزاره ، واشتغل بالنظر في أمره (١).

وكان مما أوصى به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يدفن في بيته الذي قبض فيه. ويكفن بثلاث أثواب. أحدهما : يمان. ولا يدخل قبره غير علي «عليه‌السلام» (٢).

وفي نص آخر عن ابن عباس : لما مرض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعنده أصحابه قام إليه عمار بن ياسر ، فقال له : فداك أبي وأمي يا رسول الله ، من يغسلك منا ، إذا كان ذلك منك؟!

__________________

(١) الإرشاد للمفيد ص ٩٤ ـ ٩٨ و (ط دار المفيد) ج ١ ص ١٨٧ والبحار ج ٢٢ ص ٤٧٠ و ٥٢١ عنه ، وعن إعلام الورى ص ٨٢ ـ ٨٤ و (ط أخرى) ١٤٣ ـ ١٤٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ١ ص ٢٦٧ وعن مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٢٠٣ ومصباح الفقيه (ط. ق) ج ١ ق ٢ ص ٣٤٦ وجواهر الكلام ج ٤ ص ١١ وراجع : قصص الأنبياء للراوندي ص ٣٥٧ والدر النظيم ص ١٩٤ والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب للسيد فخار بن معد ص ٣٠٤.

(٢) البحار ج ٢٢ ص ٤٩٣ و ٤٩٤ وج ٨٧ ص ٣٧٩ عن الطرائف ص ٤٢ و ٤٣ و ٤٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ٣ ص ٢٣١ و ٢٣٤ و ٣٥٠ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ٣ ص ٨٣ و (ط دار الإسلامية) ج ٢ ص ٧٧٩ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٢٠٦.

١٥٣

قال : ذاك علي بن أبي طالب ، لأنه لا يهم بعضو من أعضائي إلا أعانته الملائكة على ذلك.

فقال له : فداك أبي وأمي يا رسول الله ، فمن يصلي عليك منا إذا كان ذلك منك؟!

قال : مه رحمك الله! ثم قال لعلي : يا ابن أبي طالب ، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني.

إلى أن قال : واحملوني حتى تضعوني شفير قبري [ثم أخرجوا عني ساعة ، فإن الله تعالى أول من يصلي علي] فأول من يصلي علي الجبار جل جلاله من فوق عرشه ، ثم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل [ثم ملك الموت]. في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله عزوجل ، ثم الحافون بالعرش ، ثم سكان أهل سماء فسماء ، [ثم أدخلوا علي زمرة زمرة ، فصلوا علي وسلموا تسليما]. ثم جلّ أهل بيتي ونسائي ، الأقربون فالأقربون. يومون إيماء ، ويسلمون تسليما ، لا يؤذوني بصوت نادبة ، ولا مرّنة.

[قال أبو بكر : فمن يدخل قبرك؟!

قال : الأدنى فالأدنى من أهل بيتي مع ملائكة لا ترونهم.

قوموا نادوا عني إلى من وراءكم.

فقلت للحارث بن مرة : من حدثك هذا الحديث؟

قال : عبد الله بن مسعود].

وذكر الثعلبي ما يقرب من هذه القضية ، لكنه ذكر اسم أبي بكر بدل

١٥٤

عمار ، وعلي ثم ما وضعناه بين قوسين إنما هو من رواية الثعلبي (١).

وفي نص آخر : أوصى أن يخرجوا عنه ، حتى تصلي عليه الملائكة (٢).

ويذكر نص آخر : أن مما أوصى به النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليا «عليه‌السلام» قوله : «يا علي ، كن أنت وابنتي فاطمة ، والحسن والحسين ، وكبروا خمسا وسبعين تكبيرة ، وكبر خمسا وانصرف. وذلك بعد أن يؤذن لك في الصلاة.

قال علي «عليه‌السلام» : بأبي وأمي ، من يؤذن غدا؟!

قال : جبرئيل «عليه‌السلام» يؤذنك. قال : ثم من جاء من أهل بيتي يصلون علي فوجا فوجا ، ثم نساؤهم ، ثم الناس بعد ذلك (٣).

أداء أمانات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته :

ويبقى سؤال ، وهو : أنه هل كانت هناك أمانات مالية لدى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أداها عنه علي «عليه‌السلام» بعد استشهاده «صلى الله

__________________

(١) الأمالي للصدوق ص ٧٣٢ و ٧٣٣ والبحار ج ٢٢ ص ٥٠٧ و ٥٣١ عنه ، وعن كشف الغمة ص ٦ ـ ٨ عن الثعلبي ، وروضة الواعظين للفتال النيسابوري ص ٧٢ وجامع أحاديث الشيعة ج ٣ ص ٢٣١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣٢٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٥٢٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٨٥.

(٣) البحار ج ٢٢ ص ٤٩٣ و ٤٩٤ وج ٧٨ عن الطرائف ص ٤٢ و ٤٣ و ٤٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ٣ ص ٣٥٠ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ٣ ص ٨٣ و (ط دار الإسلامية) ج ٢ ص ٧٧٩.

١٥٥

عليه وآله».

ونجيب :

إننا نلاحظ ما يلي :

١ ـ قال ابن شهر آشوب : «وقد ولاه في رد الودائع لما هاجر إلى المدينة ، واستخلف عليا في أهله وماله ، فأمره أن يؤدي عنه كل دين ، وكل وديعة ، وأوصى إليه بقضاء ديونه» (١).

ولكن هذه العبارة ليس لها ظهور في وجود ودائع عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين وفاته ، وأنه أمر عليا «عليه‌السلام» بردها إلى أصحابها. لأنها إنما تتحدث عن أمر الهجرة من مكة إلى المدينة ، وهي قد كانت قبل استشهاده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأكثر من عشر سنوات.

٢ ـ هناك روايات كثيرة حول أن الإمام عليا «عليه‌السلام» هو الذي يقضي دين رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وينجز عداته ، ويبرئ ذمته .. (٢) ،

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٣٢٩ ـ ٣٣٣ و (ط المكتبة الحيدرية ـ النجف) ج ١ ص ٣٩٦ والبحار ج ٣٨ ص ٧٣ عنه.

(٢) كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ص ١٣٦ والبحار ج ٢١ ص ٣٨٠ و ٣٨١ وج ٢٨ ص ٥٥ وج ٣٦ ص ١٠٩ و ٣١١ و ٣٥٥ وج ٣٨ ص ١ و ٧٣ و ١٠٣ و ١١١ و ٣٣٤ وج ٣٩ ص ٣٣ و ٢١٦ وج ٧٢ ص ٤٤٥ وج ٩٩ ص ١٠٦ والخصال ج ٢ ص ٨٤ والأمالي للصدوق ص ٤٥٠ وعيون أخبار الرضا «عليه‌السلام» ج ١ ص ٩ وكفاية الأثر ص ٧٦ و ١٣٥ و ٢١٧ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ١ ص ٤٣٢ وشرح الأخبار ج ١ ص ١١٣ و ١١٧ و ٢١١ ومائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي ص ١٤٠ والأمالي للطوسي

١٥٦

فقد يستفاد من كلمة يبرئ ذمته : أنه يرد الودائع إلى أهلها.

غير أنني أشك في صحة هذا الإستنتاج ، وأرجح أن تكون هذه العبارة تفسيرية لما قبلها ، وذلك لأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لما نزلت عليه سورة : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ..) في أواسط أيام التشريق في حجة الوداع ، عرف أنه الوداع ، فركب راحلته العضباء ، وخطب الناس خطبته المعروفة ، وفيها :

«أيها الناس ، من كانت عنده وديعة ، فليؤدها إلى من ائتمنه عليها» (١).

__________________

ص ٦٠٠ والمناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٣٩٦ وج ٢ ص ٢٤٧ وج ٣ ص ١٦ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٩٢ والعمدة لابن البطريق ص ١٨١ والمزار لابن المشهدي ص ٥٧٧ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج ١ ص ٥٠٧ والطرائف ص ١٣٣ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٥٣ عن المناقب لابن المغازلي الشافعي ص ٢٦١ ح ٣٠٩ وبشارة المصطفى للطبري ص ١٠١ و ٢٥٨ وكشف الغمة ج ١ ص ٣٤١ ونهج الإيمان ص ١٩٦ و ٤٤٠ وفضائل أمير المؤمنين «عليه‌السلام» لابن عقدة الكوفي ص ٢٠٤ وتفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٦٢٤ وتفسير القمي ج ٢ ص ١٠٩ ومسند الإمام الرضا «عليه‌السلام» للعطاردي ج ١ ص ١٢٣ و ١٢٧ وجامع أحاديث الشيعة ج ٢٣ ص ٢٥٢.

(١) الكافي ج ٧ ص ٢٧٣ و ٢٧٥ والخصال ص ٤٨٧ ومن لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ٩٣ وتحرير الأحكام العلامة ج ٤ ص ٥٢٠ وج ٥ ص ٤١٦ وجواهر الكلام ج ٤١ ص ٦٧٠ ومصباح الفقيه (ط. ق) ج ٢ ق ١ ص ١٦٩ وتحف العقول ص ٣١ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ٥ ص ١٢٠ وج ٢٩ ص ١٠ و (ط دار الإسلامية) ج ٣ ص ٤٢٤ وج ١٩ ص ٣ ومستدرك الوسائل ج ٩ ص ١٢ والفصول المهمة ج ٢ ص ٨٠ والبحار ج ٢١ ص ٣٨١ وج ٧٣ ص ٣٤٩ وج ٧٤

١٥٧

فإذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يأمر الناس برد الودائع ، فالمتوقع أن يبادر هو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى ذلك حين علم بقرب أجله.

إلا أن يقال : إنه إذا كان مطمئنا إلى وجود من يوصل الودائع بعده إلى أهلها ، فلا غضاضة في أن يوكل الأمر إليه.

٣ ـ وثمة شاهد آخر لعله يشير إلى ما نرمي إليه ، وهو : أن الروايات قد صرحت بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حينما دنا أجله ، كانت لديه سبعة أو ستة دنانير ، فخاف أن يقبضه الله ، وهي عنده ، فأمر أهله بالتصدق بها .. ثم تصدق بها (١).

وهذا يشير إلى أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا بد أن يهتم بأمانات الناس ،

__________________

ص ١١٨ وج ٨٠ ص ٢٧٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ٤٧٩ وج ١٨ ص ٥٤٥ وج ٢٦ ص ١٠٠ ومستدرك سفينة البحار ج ١٠ ص ٢٧٠ ومسند أحمد ج ٥ ص ٧٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٩٧ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٦٦ و ٢٦٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ١٢٦ وكنز العمال ج ٥ ص ١٣١ وجامع البيان للطبري ج ٣ ص ٤٣٤ وإعجاز القرآن للباقلاني ص ١٣٢ وتفسير الثعلبي ج ٤ ص ٣٤٧ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٤٣ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢ ص ٥٠٣ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٣٥ والتعديل والتجريح للباجي ج ١ ص ١٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٠٢ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢١ و ٢٢٢ وج ٢ ق ٢ ص ٥٨ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١١٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٢٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٠٢ و ٤٠٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٨٢.

(١) راجع : مسند أحمد ج ٦ ص ١٠٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٣٥٦ وصحيح ابن حبان ج ٨ ص ٩ وموارد الظمآن ج ٧ ص ٤٢ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٦١.

١٥٨

وبإيصالها إلى أهلها قبل أن يقبضه الله تعالى ، وأن لا يكل ذلك إلى وصيه من بعده ..

ولعلك تقول : إن هذه الإستفادة لا تلائم ما هو معروف عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أنه خرج من مكة حين هاجر ، دون أن يرجع الأمانات إلى أصحابها ، بل هو قد وكّل الإمام عليا «عليه‌السلام» بالقيام بهذه المهمة ، ثم هاجر.

وقد روى الواقدي ، وإسحاق الطبري : «أن عمير بن وائل الثقفي أمره حنظلة بن أبي سفيان : أن يدّعي على علي «عليه‌السلام» ثمانين مثقالا من الذهب وديعة عند محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأنه هرب من مكة وأنت وكيله ، فإن طلب بينة الشهود ، فنحن معشر قريش نشهد عليه. وأعطوه على ذلك مائة مثقال من الذهب ، منها قلادة ـ عشرة مثاقيل ـ لهند ..

فجاء ، وادّعى على علي «عليه‌السلام» ، فاعتبر الودائع كلها ، ورأى عليها أسامي أصحابها ، ولم يكن لما ذكره عمير خبر ، فنصح له نصحا كثيرا ، الخ ..» (١).

وهذا معناه : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يرجع الودائع إلى أصحابها حين الهجرة ، واكتفى بتوكيل علي «عليه‌السلام» لكي يقوم بذلك بعده .. وفيها : أنه يريد أن يظهر للناس موقع علي «عليه‌السلام» منه «صلى الله عليه

__________________

(١) المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٤٨٦ و ٤٨٧ و (ط المكتبة الحيدرية ـ النجف) ج ٢ ص ١٧٥ والبحار ج ٤٠ ص ٢١٩ و ٢٢٠ عنه وجامع أحاديث الشيعة ج ٢٥ ص ١٠٦ ومستدرك الوسائل ج ١٧ ص ٣٨٤.

١٥٩

وآله» .. وأنه هو الذي يقوم مقامه في غيبته ، وغير ذلك ..

فيجاب بأن : ثمة فرقا بين الهجرة وبين الوفاة ، فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لو باشر بنفسه بإرجاع الودائع لأصحابها حين الهجرة ، لأثار ذلك الكثير من التساؤلات ، لربما يفتضح أمر هجرته ، ويزيد الأمر تعقيدا ، ولربما يغيّر ذلك من مسار الأحداث إلى ما هو أضرّ وأمرّ .. فكان أن أو كل ذلك إلى علي «عليه‌السلام» ، مشيرا للناس إلى أن عليا «عليه‌السلام» هو الذي يقوم مقامه في غيبته ، وعليهم أن يعرفوا له هذا الموقع منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ولم يكن هذا المحذور قائما حين وفاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فالمتوقع أن يأتي تصرفه حين الوفاة موافقا لما هو المطلوب منه في الحالات الطبيعية .. ولم يكن هناك مانع آخر يمنع من ذلك ..

٤ ـ وقد ورد في حديث الغدير قوله : ثم أخذ بيد علي «عليه‌السلام» فرفعها ، فقال : هذا وليي ، ويؤدي عني ديني ، وأنا موالي من والاه ، ومعادي من عاداه (١).

غير أننا نقول :

لعل المراد هو الإعلان بأن لعلي «عليه‌السلام» هذا الموقع من رسول

__________________

(١) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي ص ٢٨ و (ط مكتبة نينوى الحديثة) ص ٤٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٠٧ ح ٨٣٩٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ٣١٣ والمراجعات للسيد شرف الدين ص ٢٦٣ والغدير ج ١ ص ٣٨ وشرح إحقاق الحق ج ٢٢ ص ١٩٠ وج ٣٠ ص ٤٢٨ وج ٣١ ص ٣١.

١٦٠