الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-203-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٦

يريد تكريمه وتشريفه.

ولكننا لا يمكن أن نصدق : أن هذا الأمر قد أصبح ظاهرة سلوكية ، وكأنه مهنة له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ولا سيما إذا كان يردف أشخاصا ليسوا ممن يحتاج إلى راحلة ، ولا ينقصهم المال الذي يهيئون به ما يحتاجون إليه ، كما أنهم ليسوا أهلا للتكريم ، بل قد يستفيدون من هذا التكريم لخداع الناس ، والمكر بهم.

من أجل هذا وذاك ، فنحن نشك كثيرا في صحة قولهم : إنه أردف معاوية أيضا في مسيره من منى إلى مكة ، أو إلى غيرها .. فإن معاوية لم يكن عاجزا عن تهيئة الراحلة ، كما أنه لم يكن ثمة موجب لتكريمه من قبل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

تحويل وجه فضل بن عباس :

وقد رأينا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يزجر فضل بن عباس عن النظر إلى تلك المرأة ، بل هو قد مارس الفعل عوضا عن القول ، فحول وجه فضل بن عباس إلى الجهة الأخرى بصورة عملية ، فنستفيد من ذلك :

أولا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يفسح المجال لممارسة التدليس ، بمسارقة النظر ، مع التظاهر بغض البصر ، مع تعذر مراقبته ومراقبتها في لحظة واحدة ، حسبما تجري به العادة ..

ثانيا : إنه بفعله هذا قد سلب الشابين القدرة على النظر غير البريء إلى بعضهما البعض ..

ثالثا : إن فعله هذا قد لفت نظر الآخرين ودعاهم للتساؤل عن سببه ،

٨١

لكي يأتيهم التصريح بعد التلويح .. فيكون أوقع في النفس ، وأكثر تعبيرا عن المطلوب.

رابعا : إن ذلك يعطي درسا مفاده أن الحكمة تقضي بعدم السماح لأسباب الفساد بالوجود ، لا أن يتركها توجد وتتنامى ، ثم يحاول اقتلاعها ، وهيهات أن يوفق لذلك ..

خامسا : إنه لم يتهم فضل بن عباس ، ولا تلك المرأة بشيء ، بل صرح : بأنه أراد أن لا يقعا في خلاف ما يرضي الله تبارك وتعالى ..

سادسا : إن هذا الأمر يعطي : أن على الحاكم أن يقدر الأمور ، وأن يحتاط لأي طارئ قبل حدوثه ، وأنّ للإجراءات الإحتياطية قوتها في مجال التطبيق والعمل ، كغيرها مما يكون لمعالجة واقع راهن ..

تطبيق للقاعدة :

أما بالنسبة لحج الإنسان عن أمه ، واعتبار الحج دينا ، فنقول :

إن هذا ليس من قبيل الإستدلال بالقياسات الظنية ، التي منع عنها الشارع ، وحاشا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يمارس أمرا نهى هو نفسه عنه .. بل هذا من قبيل تطبيق الكبرى على الصغرى ، والقاعدة على موردها.

فإن الحج دين على تلك المرأة ، سوف يطالبها الله تعالى به ، وولدها مطالب بقضاء ديونها ، فلا فرق بين ما كان دينا لله ، وما كان دينا للناس ، إذا كان الذي لله مما يمكن أداؤه وقضاؤه ..

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ينشد الشعر :

وفي حديث ابن عمر : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أفاض من

٨٢

عرفات وهو يقول :

«إليك تغدو قلفا وضينها

مخالفا دين النصارى دينها»

رواه الطبراني وقال : المشهور في الرواية أنه من فعل ابن عمر (١).

يضاف إلى ذلك :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٢ عن الطبراني في الكبير والأوسط ، ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٥٦ وراجع : كتاب الأم للشافعي ج ٢ ص ٢٣٤ والمجموع للنووي ج ٨ ص ١٤٤ ومغني المحتاج ج ١ ص ٥٠١ وإعانة الطالبين ج ٢ ص ٣٤٩ والمبسوط للسرخسي ج ٤ ص ١٨ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٤٤٤ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٣ ص ٤٤٤ وكشاف القناع للبهوتي ج ٢ ص ٥٧٩ وتلخيص الحبير ج ٧ ص ٣٧٠ والبحار ج ٢١ ص ٣٣٦ و ٣٣٩ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٩٤ وكتاب المسند للشافعي ص ٣٧٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٢٦ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٥٦ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٤ ص ٥٢٩ وج ٦ ص ١٧٦ والمعجم الأوسط ج ١ ص ٢٨٢ والمعجم الكبير ج ١٢ ص ٢٣٨ ومعرفة السنن والآثار ج ٤ ص ١٢٠ والإستيعاب لابن عبد البر ج ٣ ص ٨٩٠ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٤ ص ٤٢٣ والفايق في غريب الحديث ج ٣ ص ٣٦٧ وجزء أحاديث الشعر ٨٥ وكنز العمال ج ٥ ص ١٩٥ وكنز العمال ج ٥ ص ٢٠٧ و ٢١٥ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ٢ ص ٣٨٢ وتفسير السمعاني ج ٥ ص ٣٤٥ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ٥ ص ٢٤١ وتفسير البحر المحيط ج ٨ ص ٢٠١ والدر المنثور ج ١ ص ٢٢٣ و ٢٢٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ١٦٥ و ٣٥٧ والكامل لابن عدي ج ١ ص ٣٧٨ وميزان الإعتدال للذهبي ج ١ ص ٢٦٣ والإصابة ١ ص ٤٤٦ وج ٥ ص ٤٣٨ وغير ذلك من المصادر.

٨٣

أولا : لماذا خص النصارى بمقالته هنا ، مع أن اليهود كانوا هم الأشر والأضر ، وكان العرب والمشركون مبهورين بهم أكثر من كل أحد سواهم؟.

ثانيا : إنهم يزعمون ، وإن كنا لم نرتض ذلك ـ : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن يحسن حتى التفوه بالشعر ، ولو على سبيل النقل والحكاية. فكيف استطاع أن يتفوه بهذا الشعر هنا؟!.

ثالثا : إننا لا نظن أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ينشد الشعر في هذا الوقت وفي هذه الأمكنة بالذات ، إذ إن الذي يعهد من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، هو انشغاله بتسبيح الله وتقديسه ، ولا سيما في المشاعر المقدسة ، وحيث يريد لكل حركة من حركاته أن تحمل عبرة ، وكل كلمة من كلماته أن تتضمن درسا وعظة ..

الصلاة قبل الوقت :

قالوا : فلما برق الفجر ، صلاها (يعني صلاة الصبح) في أول الوقت خلافا لمن زعم أنه صلاها قبل الوقت بأذان وإقامة ، يوم النحر ، وهو يوم العيد ، ويوم الحج الأكبر ، ويوم الأذان ببراءة الله ورسوله من كل مشرك (١) ..

ومن الواضح : أن دعوى أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صلى الصبح قبل وقتها ، افتئات وافتراء على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ولا نرى حاجة إلى الإستدلال على كذب هذه الترهات التي ربما يكون وراءها أعداء الله وأعداء رسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لإشغال الناس

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٣.

٨٤

بأباطيل ، وأضاليل وإثارة شبهات من شأنها أن تسقط محل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من نفوسهم ..

الغلو في الدين هو الأخطر :

وأمر الفضل بن عباس أن يلقط له حصى الجمار سبع حصيات ، ولم يكسرها من الجبل تلك الليلة ، كما يفعل من لا علم عنده ، ولا التقطها بالليل.

فالتقط له سبع حصيات من حصى الخذف ، فجعل ينفضهن في كفه ويقول : «أمثال هؤلاء ، فارموا ، وإياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (١).

ويلاحظ هنا :

١ ـ قوله : إنه لم يلتقط حصيات الجمار بالليل ، لا يدل على كراهة

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٣ والمجموع للنووي ج ٨ ص ١٧١ والمبسوط للسرخسي ج ٤ ص ٦٩ والمحلى لابن حزم ج ٧ ص ١٣٣ وتلخيص الحبير ٧ ص ٣٩٧ وعوالي اللآلي ج ١ ص ١٨٥ ومسند أحمد ج ١ ص ٢١٥ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٦٨ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٤٦٦ وفتح الباري ج ١٣ ص ٢٣٤ وعمدة القاري ج ٢٥ ص ٣٧ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٤٣٥ ومسند أبي يعلى ج ٤ ص ٣١٦ و ٣٥٧ والمنتقى من السنن المسندة ص ١٢٧ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٢٧٤ و ٢٧٦ وأمالي المحاملي ص ٨٤ وصحيح ابن حبان ج ٩ ص ١٨٣ والإستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ٣٥٠ ونصب الراية ج ٣ ص ١٦٥ وموارد الظمآن ٣ ص ٣٣٠ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج ٢ ص ٢٥ وفيض القدير ج ١ ص ٦١٣ والجامع لأحكام القرآن ج ٣ ص ١٢ والدر المنثور ج ١ ص ٢٣٥.

٨٥

التقاطها فيه ، ما لم يرد نص صريح في كراهة ذلك ..

٢ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أخذ الحصيات وأراهم إياها ، ولاحظوا نوعها ، وألوانها ، وأشكالها ، وأحجامها ، وأمرهم أن يرموا بأمثالها ، فاستغنى بذلك عن وصفها بما ربما يلتبس المراد منه لدى بعض القاصرين لسبب أو لآخر ..

٣ ـ ثم نهاهم عن الغلو في الدين ، وأخبرهم أن سبب هلاك من كان قبلهم ، هو الغلو في الدين ..

والغلو : هو الخروج عن حد الإعتدال فيه ، وهو أخطر بكثير من التفريط في الإلتزام بأحكامه ، لأن الغلو يؤدي إلى الإبتداع وإدخال ما ليس من الدين في الدين ، حيث تتبدل حقائقه ، بسبب تبدل حدوده ، من الأدنى إلى الأعلى ، ومن الأقل إلى الأكثر ، فتدخل مساحات من الإعتقاد والممارسة لم تكن من قبل .. فإذا انتقل إلى الآخرين على هذه الحالة ، فإن الخطر سيتضاعف ويزداد تبعا لسعة انتشاره .. فتصبح الأولوية هي منع هذا الإتساع والإنتشار ، ومحاربة الجهود التي تبذل في ذلك.

أما التفريط في الإلتزام فغاية ما يترتب عليه هو المخالفة العملية لأحكامه وشرائعه مع بقائها على ما هي عليه .. وذلك يبقى أثره محصورا بالشخص ، ولا يتعداه إلى غيره .. فيمكن أن يصل الدين إلى الغير سليما وقويما ، ولا يكون هناك أي ضير من هذا الإنتقال.

خذوا عني مناسككم :

عن جابر قال : رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على راحلته يوم

٨٦

النحر ، يقول لنا : «خذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» (١).

ونقول :

١ ـ إن هناك روايات تقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال للناس ذلك حين كان يطوف (٢) ، وحين صلى خلف المقام (٣) ، وحين سعى ، وحين رمى الجمار ، وحين كان بعرفة ، وغير ذلك.

ولا مانع من أن يتكرر هذا القول منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، في المواضع المختلفة ، ولا سيما في المناسك ، حين وصوله إلى مكة ، وشروعه بالأعمال ، بل قبل ذلك أيضا ..

٢ ـ وغني عن البيان : أن الرؤية التطبيقية للفعل هي أفضل أنواع التعليم وأدقه ، حيث يبقى ما يراه الإنسان في وعيه وفي ذاكرته ، أكثر من الذي يلقى إليه كأوامر وزواجر يراد لها أن تحفظ في الذاكرة ..

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٥ عن مسلم ، وابن سعد ، والبيهقي ، وقال في هامشه :

أخرجه مسلم ج ٢ ص ٩٤٣ (٣١٠ / ١٢٩٧) وأبو داود ج ٢ ص ٢٠١ (١٩٧٠) والنسائي ج ٥ ص ٢١٩ والبيهقي ج ٥ ص ١٢٥ وأحمد ج ٣ ص ٣٠١ وراجع : المجموع للنووي ج ٨ ص ٢١ والمبسوط للسرخسي ج ٤ ص ٢٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٢٥ وتفسير الرازي ج ٤ ص ٦٩ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٤ ص ٤١٨ والإحكام لابن حزم ج ٣ ص ٣٠٠ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٠٣.

(٢) راجع : المجموع ج ٨ ص ٣٠ ومغني المحتاج ج ١ ص ٤٨٦ ومواهب الجليل ج ٤ ص ٩٧ و ١٠١.

(٣) مغني المحتاج ج ١ ص ٤٩١.

٨٧

٣ ـ وحين تهتز مشاعرهم بقوله : «لا أدري ، لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» ، فإن اندفاعهم إلى التأسي بأفعاله في هذه الحالة سيصاحبه شعور بالحنين والإشفاق ، فتتحقق درجة من الإرتباط بين الفعل والفاعل ، لتحتفظ به الذاكرة ، كحدث مميز ، تعرف حدوده ، وتدرك دقة تطابقها مع الرمز الكبير ، ويستمر ذلك إلى ما شاء الله ..

التظليل :

وقالوا : «وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مسيره ذلك يلبي حتى شرع في الرمي ، وبلال وأسامة معه ، أحدهما : آخذ بخطام ناقته ، والآخر : يظله بثوب من الحر» (١).

والذي كان يظله بلال كما في حديث أبي أمامة ، عن بعض الصحابة (٢) ..

وحديث أم جندب : أنه كان راكبا يظلله الفضل بن العباس ..

قال بعضهم : وهو غريب مخالف للروايات الصحيحة (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٤ وفتح العزيز ج ٧ ص ٤٣٤ ومواهب الجليل ج ٤ ص ٢٠٦ وكشاف القناع للبهوتي ج ٢ ص ٤٩٣ والإحتجاج ج ١ ص ٦٥ ومعرفة السنن والآثار ج ٤ ص ٤٣ وتفسير الإمام العسكري «عليه‌السلام» ص ٣٨٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٤ عن ابن سعد ، وفي هامشه عن : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٢٧.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٤ وفي هامشه : عن أبي داود ج ٢ ص ٢٠٠ (١٩٦٦) وابن ماجة ج ٢ ص ١٠٠٨ (٣٠٣١) عن أحمد ، والبيهقي.

٨٨

ونقول :

١ ـ المفروض : أن يقطع التلبية بزوال الشمس من يوم عرفة ، فلا معنى للعودة إليها في مسيره إلى منى ، والإستمرار فيها إلى حين الشروع في الرمي ..

٢ ـ إن اختلافهم في تحديد الشخص الذي كان يظلل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، يلقي بظلاله على مستوى الوثوق بصحة هذا النقل.

يضاف إلى ذلك : أنه كيف يصح حديث تظليل بلال ، أو الفضل بن العباس على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين مسيره ، وحين رميه ، مع أنه لا يجوز التظليل؟!

إلا إذا فرض : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان مريضا أو مضطرا ، وليس لدينا ما يثبت ذلك أو يشير إليه ، لا من قريب ولا من بعيد؟!

بطن محسّر :

قالوا : فلما أتى بطن محسّر حرك ناقته ، وأسرع السير ، وهذه كانت عادته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه ، فهنالك أصاب الفيل ما قص الله علينا. ولذلك سمي الوادي وادي محسر ، لأن الفيل حسر فيه. أي أعيى وانقطع عن الذهاب (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٤ وراجع : عون المعبود ج ٥ ص ٢٦٦ وتحفة الأحوذي ج ٣ ص ٥٣٤.

٨٩

خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في منى :

وبعد أن رمى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جمرة العقبة .. رجع إلى منى ، فخطب الناس خطبة بليغة.

قال بعض الصحابة : خطب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الناس بمنى ، وأنزلهم منازلهم ، فقال : «لينزل المهاجرون هاهنا» وأشار إلى يمين القبلة ، «والأنصار هاهنا» وأشار إلى ميسرة القبلة ، «ثم لينزل الناس حولهم» ، وعلمهم مناسكهم ، ففتحت أسماع أهل منى ، حتى سمعوه في منازلهم (١).

وسئل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يبنى له بناء بمنى يظله من الحر ، فقال : «لا ، منى مناخ لمن سبق إليه» (٢).

وقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو على ناقته العضباء ، بعد أن حمد الله وأثنى عليه :

«ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ، والسنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم. ثلاث متواليات : ذو القعدة ، وذو

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٥ وفي هامشه عن أحمد ج ٤ ص ٦١ وراجع : مسند أحمد ج ٥ ص ٣٧٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٠٦ وعيون الأثر ج ٢ ص ٣٤٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣٧٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٧ وفي هامشه عن أحمد ج ٦ ص ٢٠٧ والحاكم ج ١ ص ٤٦٧ وابن ماجة (٣٠٠٦ ، ٣٠٠٧) وانظر صحيح مسلم (١٢١٨) وأبو داود (١٩٠٧) وراجع : المغني لابن قدامة ج ٤ ص ٣٠٦ ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٧٢ ومسند أحمد ج ٦ ص ٢٠٧ ومسند أبي يعلى ج ٨ ص ١٦ وتهذيب الكمال ج ٣٥ ص ٣٠٨.

٩٠

الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ، أتدرون أي يوم هذا»؟

قلنا : الله ورسوله أعلم.

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، فقال : «أليس هذا يوم النحر»؟

قلنا : بلى.

قال : «أي شهر هذا»؟

قلنا : الله ورسوله أعلم.

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : «أليس ذو الحجة»؟

قلنا : بلى.

قال : «فأي بلد هذا»؟

قلنا : الله ورسوله أعلم.

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : «أليس البلدة»؟

قلنا : بلى.

قال : فإن دماءكم وأموالكم ـ قال محمد : وأحسبه قال : وأعراضكم ـ عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه» ، ثم قال : «ألا هل بلغت»؟

قلنا : نعم.

٩١

قال : «اللهم فاشهد» (١).

وعن ابن عباس قال : خطب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم النحر ، فقال : «أيها الناس ، أي يوم هذا»؟

قالوا : يوم حرام.

قال : «فأي بلد هذا»؟

قالوا : بلد حرام.

قال : «فأي شهر هذا»؟

قالوا : شهر حرام.

قال : «فإن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ، في شهركم هذا».

فأعادها مرارا ، ثم رفع رأسه [إلى السماء] فقال : «اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت»؟ (٢).

وعن ابن عمر قال : قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجة الوداع : «ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة»؟

قالوا : شهرنا هذا.

قال : «ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة»؟

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٥ لا و ٤٧٦ عن أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وقال في الهامش : أنظر مسند أحمد ج ٥ ص ٣٧ وراجع : المعجم الأوسط ج ١ ص ٢٩٣ وفضائل الأوقات للبيهقي ص ٤٢٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢١٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٦ عن أحمد والبخاري ، وقال في هامشه : مسند أحمد ج ١ ص ٢٣٠ والبخاري ج ٣ ص ٦٧٠ حديث (١٧٣٩) (٧٠٧٩).

٩٢

قالوا : بلدنا هذا.

قال : «ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة»؟

قالوا : يومنا هذا.

قال : «فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، ألا هل بلغت ثلاثا»؟

كل ذلك يجيبونه : ألا نعم.

قال : «ويحكم ـ أو قال : ويلكم ـ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» (١).

النص الكامل لخطبة منى :

قالوا : وخطب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الناس بمنى خطبة عظيمة.

وكان عم أبي حرّة الرقاشي آخذا بزمام ناقة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يذود عنه الناس.

وسببها أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنزلت عليه سورة النصر في هذا اليوم ، فعرف أنه الوداع ، فأمر براحلته القصواء فرحّلت له ، فوقف للناس بالعقبة ، فاجتمع إليه الناس ـ وفي رواية : ما شاء الله من المسلمين ـ فحمد الله تعالى ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٦ عن البخاري ومسلم ، وفي هامشه قال : البخاري ج ٣ ص ٦٧١ (١٧٤٢ و ٤٤٠٣ و ٦٠٤٣ و ٢١٦٦ و ٦٧٨٥ و ٦٨٦٨ و ٧٠٧٧).

٩٣

«أما بعد أيها الناس ، ألا إن ربكم واحد ، ألا وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأسود على أحمر ، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

ألا هل بلغت»؟

قالوا : بلّغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قال : «فليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلّغ أوعى من سامع» ، ثم قال : «أي شهر هذا»؟

فسكتوا.

فقال : شهر حرام ، أي بلد هذا؟

فسكتوا ، فقال : بلد حرام ، أي يوم هذا؟

فسكتوا.

قال : «يوم حرام».

ثم قال : «إن الله تعالى قد حرم دماءكم وأموالكم ، وأعراضكم ، كحرمة شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، في يومكم هذا ، إلى أن تلقوا ربكم ، ألا هل بلغت»؟

قالوا : نعم.

قال : «اللهم اشهد».

ثم قال : «إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا هل بلغت»؟

قال الناس : نعم.

قال : «اللهم اشهد ، ألا وإن من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع ، وإن كل دم في الجاهلية

٩٤

موضوع ، وإن أول دمائكم أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد بن ليث ، فقتلته هذيل ، ألا هل بلغت»؟

قالوا : نعم.

قال : «اللهم فاشهد ، فليبلغ الشاهد الغائب ، ألا إن كل مسلم محرم على كل مسلم». ثم قال : «اسمعوا مني تعيشوا ، ألا لا تظلموا ، ألا لا تظلموا ، ألا لا تظلموا. إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه».

فقال عمرو بن يثربي : يا رسول الله ، أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي فأخذت شاة فاحترزتها؟

فقال : «إن لقيتها تحمل شفرة وأزنادا بخبت الجميش فلا تهجها».

ثم قال : «أيها الناس ، (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) (١).

ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض» ، ثم قرأ :

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (٢) ثلاث متواليات : ذو القعدة ، ذو الحجة ، والمحرم ، ورجب الذي يدعى شهر مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ، والشهر تسعة وعشرون وثلاثون ، ألا هل بلغت»؟

قال الناس : نعم.

__________________

(١) الآية ٣٧ من سورة التوبة.

(٢) الآية ٣٦ من سورة التوبة.

٩٥

فقال : «اللهم اشهد»

ثم قال : «أيها الناس ، إن للنساء عليكم حقا ، وإن لكم عليهن حقا ، فعليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا ، ولا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه إلا بإذنكم ، فإن فعلن فإن الله تعالى قد أذن لكم أن تهجروهن بالمضاجع ، وأن تضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين وأطعنكم ، فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وإنما النساء عندكم عوان ، لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وإنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، فاتقوا الله في النساء ، واستوصوا بهن خيرا ، ألا هل بلغت»؟

قال الناس : نعم.

قال : «اللهم اشهد».

ثم قال : «أيها الناس ، إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه ، فقد رضي به ، إن المسلم أخو المسلم ، إنما المسلمون إخوة ، ولا يحل لامرئ مسلم دم أخيه ولا ماله إلا بطيب نفس منه ، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله.

لا تظلموا أنفسكم ، لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض.

إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا : كتاب الله تعالى ، ألا هل بلغت»؟

قال الناس : نعم.

٩٦

قال : «اللهم اشهد» (١).

ونقول :

نكتفي هنا بالإشارة إلى أمور ، نتوخى منها مجرد الإيضاح والبيان.

فنقول :

تنظيم المنازل في منى :

لقد ذكر النص المتقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي حدد مواضع نزول كل فريق من الحجاج الذين حضروا الموسم ..

وقد لوحظ : أنه فصل بين المهاجرين والأنصار ، وجعل كلا على حدة ، ثم جعلهم في وسط سائر الناس.

ونظن أنه فعل ذلك لكي يعرف الناس من الذي سيثير الشغب ضده ، حين يخطب في منى ، ويذكر أهل البيت ، والأئمة الإثني عشر «عليهم‌السلام» ، وأن المهاجرين القرشيين هم الذين سيتولون ذلك .. دون الأنصار.

وجعل الناس حولهم لكي يمكّن أكبر عدد منهم ـ على اختلاف أقوامهم وانتماءاتهم ـ من الإشراف بأنفسهم على ما يجري ، «فما راء كمن سمعا».

وسيأتي بيان ذلك في باب : «الغدير والإمامة» ، إن شاء الله تعالى ..

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٨٢ و ٤٨٣ وراجع : البحار ج ٢١ ص ٣٨٠ و ٣٨١ عن الخصال ج ٢ ص ٨٤ وفيه تقديم وتأخير وزيادة ونقص ، وراجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٧٥.

٩٧

ما المراد باستدارة الزمان؟! :

١ ـ وحول المراد من استدارة الزمان ، كهيئة يوم خلق الله تعالى السماوات والأرض نقول :

إن العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر ، وهو النسيء ، ليقاتلوا فيه ، وفي السنة الثانية ينقلونه شهرا ، فيصير في ربيع الأول ، وهكذا .. فينتقل المحرم من شهر إلى شهر ، وتنتقل سائر الشهور وراءه تبعا له ، حتى يمر في جميع شهور السنة ..

فلما كانت تلك السنة ، أعني سنة حجة الوداع كان قد عاد إلى زمنه الطبيعي المخصوص به قبل ذلك النقل المتكرر ، ودارت السنة وعادت كهيئتها الأولى ، فجاء في تلك السنة متوافقا مع ذي الحجة الواقعي ..

٢ ـ وأما نسبة رجب إلى مضر ، فلأن مضرا كانت تعظم هذا الشهر ، بخلاف غيرهم ، ثم حدد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للناس الأشهر الحرم ، وذكر لهم : أن شهر رجب بين شعبان وجمادى ، لمزيد التوضيح والبيان ، لأنهم كانوا ينسئونه ، ويحولونه من شهر إلى شهر ، فكانت الأمور تختلط على الناس ، فأحب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التأكيد على موقع الشهر الحرام منذ تلك السنة لكي تستقر الأمور ، ولا يضيع الناس بسبب تأثيرات النسيء على ذهنيتهم ، وليتم ضبط أمور الشهور لديهم ..

ففتحت أسماع أهل منى :

وقد تقدم : أن الله تعالى فتح أسماع جميع أهل منى ، حتى سمعوا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في منازلهم. وقد حصلت هذه المعجزة له «صلى الله

٩٨

عليه وآله» بعد جرأتهم عليه ، ومنعهم إياه من بلوغ مراده في عرفات ، كما سيأتي بيانه بالتفصيل في فصل : «الغدير والإمامة» ، ليفهم الناس أن الجرأة على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا تبطل نبوته ، وأن عدم اتخاذ موقف صارم ضد المتجرئين لا يعني ضعف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وتخلّي ربه عنه.

ولكنه حلم وتكرم ، وإعطاء مهلة ، وإمداد للمبطلين ، الذين ظهرت حسيكة الطمع والحسد لأهل البيت «عليهم‌السلام» التي كانت تعتمل في نفوسهم ..

وإذا تأكد لدينا أن ما جرى في عرفات قد تكرر أيضا في منى ، فإن جرأتهم هذه المرة قد جاءت في نفس اللحظات التي يعاينون فيها كرامة الله تعالى له ، ولكنهم لا يبالون بها ، ويعودون لارتكاب حماقتهم في نفس هذه الخطبة التي لا تزال المعجزة تتجلى فيها مع كل كلمة ، وكل حرف ..

تحريف حديث الثقلين :

وقد حرفت رواية ابن عمر حديث الثقلين في خطبته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في منى أيضا .. كما حرفوا خطبة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في عرفات ، كما ألمحنا إليه فيما سبق فليلا حظ ذلك ..

على عليه‌السلام لم يشارك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في نحر البدن :

قالوا : ثم انصرف «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى النحر بمنى ، فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده الشريفة بالحربة ، وكان ينحرها قائمة معقولة اليسرى ، وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنيّ عمره «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ثم أمسك ، وأمر عليا «عليه‌السلام» أن ينحر ما بقي من المائة ، ثم أمره

٩٩

أن يتصدق بجلالها ، وجلودها ، ولحومها ، في المساكين ، وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئا منها ، وقال : «نحن نعطيه من عندنا» (١) ، وقال : «من شاء اقتطع» (٢).

وفي حديث ابن جريج ، عن جعفر بن محمد ، عن جابر : ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر ، فطبخت ، فأكلا من لحمها ، وشربا من مرقها.

قال ابن جريج : قلت : من الذي أكل مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وشرب من المرق؟

قال جعفر : علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» أكل مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وشرب من المرق.

وقول أنس : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نحر بيده سبع بدن قياما. حمله أبو محمد : على أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس ، وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين ، ثم زال عن ذلك المكان ، وأمر عليا «عليه‌السلام» فنحر ما بقي ، أو أنه لم يشاهد إلا نحره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سبعا فقط بيده ، وشاهد جابر تمام نحره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للباقي ، فأخبر كل واحد منهما بما رأى وشاهد ، أو أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نحر بيده مفردا سبع بدن كما قال أنس ، ثم أخذ هو وعلي الحربة معا ، فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٦ و ٤٧٧ والمجموع للنووي ج ٨ ص ٣٦١ وقد تقدمت مصادره فراجع.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٦ و ٤٧٧ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٥٥٨ وقد تقدمت مصادره فراجع.

١٠٠