الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-203-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٦

طواف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستلام الركن والحجر :

وكان طوافه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالبيت في حجة الوداع ماشيا ، فقد روي عن جابر بن عبد الله أنه قال : «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى ، فأتى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» باب المسجد ، فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد ، فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه بالبكاء ، ثم رمل ثلاثا ، ومشى أربعا حتى فرغ ، قبّل الحجر ، ووضع يديه عليه ، ومسح بهما وجهه» (١).

هل طاف ماشيا؟! :

ولكن وفي مقابل ما ذكرناه آنفا هناك نصوص تقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد طاف راكبا لا ماشيا ، فقد روي عن عائشة أنها قالت : «طاف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على بعيره ، يستلم الركن ، كراهة أن يضرب

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ عن البيهقي ، وابن كثير ، وفي هامشه عن : البيهقي ج ٥ ص ٧٤ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٤٥٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٧٤ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٢١٢ و ٢٢٩ والدرر لابن عبد البر ص ٢٦١ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٧٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣١٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١٤.

٤١

عنه الناس» (١).

وعن ابن عباس قال : «قدم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مكة يشتكي ، فطاف على راحلته ، وكلما أتى الركن استلم بمحجن ، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين (٢).

وعن ابن عباس وأبي الطفيل وجابر وغيرهم : «طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن» (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ عن مسلم والمجموع للنووي ج ٨ ص ٢٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ عن أبي داود ، وفي هامشه عن : أبي داود ج ٢ ص ١٧٧ (١٨٨١).

(٣) راجع : المجموع للنووي ج ٨ ص ٢٦ وبدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني ج ٢ ص ١٤٦ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٤١٥ والشرح الكبير لابن قدامة ج ١ ص ٤٢٢ وج ٣ ص ٣٩٤ والمحلى لابن حزم ج ٧ ص ١٨٠ ونيل الأوطار للشوكاني ج ٥ ص ١١٤ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٦٢ وصحيح مسلم ج ٤ ص ٦٧ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٨٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ عن البيهقي ج ٥ ص ١٠٠ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤١٩ وسنن النسائي ج ٢ ص ٤٧ وج ٥ ص ٢٣٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٩٩ وشرح مسلم للنووي ج ٩ ص ١٨ وعمدة القاري ج ٩ ص ٢٥٢ وج ٢٠ ص ١٥٦ والسنن الكبرى للنسائي ج ١ ص ٢٦٢ وج ٢ ص ٤٠١ والمنتقى من السنن المسندة ص ١٢١ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٤ ص ٨٦ ونصب الراية ج ٣ ص ١١٨ و ١١٩ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج ٢ ص ١٤ وتغليق التعليق ج ٣ ص ٧٠ وكنز العمال ج ٥ ص ١٧٩ وأضواء البيان للشنقيطي ٤ ص ٤٠٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٨ ص ٩٧ وج ٣١ ص ٥١ وتهذيب الكمال للمزي ج ١٩ ص ٧٠.

٤٢

زاد في نص آخر قوله : «ويقبل المحجن» (١).

قال : طاف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجته بالبيت على ناقته الجدعاء ، وعبد الله بن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز

وقد أجابوا عن هذه الأحاديث : بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كما يقول ابن كثير : كان له في حجة الوداع ثلاثة أطواف ، هذا الأول.

والثاني : طواف الإفاضة ، وهو طواف الفرض وكان يوم النحر.

والثالث : طواف الوداع.

فلعل ركوبه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان في أحد الأخيرين ، أو في كليهما.

فأما الأول : وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه ، وقد نص على هذا الشافعي.

والدليل على ذلك : ما رواه البيهقي بإسناد جيد ، عن جابر قال : «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى ، فأتى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» باب المسجد فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه بالبكاء ، ثم رمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، حتى فرغ ، فلما فرغ قبّل الحجر ، ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه (٢).

__________________

(١) التبرك للأحمدي ص ٣٨٤ عن المصادر التالية : صحيح مسلم ج ٢ ص ٨٩٣ و ٩٢٤ و ٩٢٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٤٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٩٤ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٨٣ ومسند الإمام الشافعي (هامش كتاب الأم) ج ٦ ص ٢٧٢ / ١٤٩ والبداية والنهاية ج ٦ ص ١٢ وسنن أبي داود ج ٢ ص ١٧٦ والمصنف للصنعاني ج ١٥ ص ٤١ بسندين.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ و ٤٦٣ عن البيهقي ، والمستدرك للحاكم ج ١

٤٣

قال ابن القيم : وحديث ابن عباس إن كان محفوظا فهي في إحدى عمره ، وإلا فقد صح عنه : الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم ، إلا أن يقول كما قال ابن حزم في السعي : إنه رمل على بعيره ، فقد رمل لكن ليس في شيء من الأحاديث أنه كان راكبا في طواف القدوم. فلما حاذى «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الحجر الأول استلمه ، ولم يزاحم عليه قلت : وقال لعمر : «يا عمر ، إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر ، تؤذي الضعيف ، إن وجدت خلوة فاستلمه ، وإلا فاستقبله وهلل وكبر (١).

وثبت عنه : أنه استلم الركن اليماني ، ولم يثبت عنه أنه قبّله ، ولا قبل يده حين استلامه.

وقول ابن عباس : كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقبل الركن

__________________

ص ٤٥٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٧٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١٥ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٢١٣ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٧٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣١٧.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٣ وفي هامشه عن : أحمد ج ١ ص ٢٨ ، وسبل السلام ج ٢ ص ٢٠٦ ونيل الأوطار ج ٥ ص ١١٤ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٨٠ ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٣ ص ٢٤١ وتحفة الأحوذي ج ٤ ص ٢٨ وعون المعبود ج ٥ ص ٢٣٤ وشرح معاني الآثار ج ٢ ص ١٧٨ ونصب الراية ج ٣ ص ١١٥ و ١١٧ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج ٢ ص ١٣ وكنز العمال ج ٥ ص ٥٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٧٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣١٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣١٦.

٤٤

اليماني ، ويضع خده عليه (١).

قال ابن القيم : «المراد بالركن اليماني هاهنا الحجر الأسود ، فإنه يسمى الركن اليماني مع الركن الآخر يقال لهما : اليمانيان.

ويقال له مع الركن الذي يلي الحجر من ناحية الباب : العراقيان.

ويقال للركنين اللذين يليان الحجر : الشاميان.

ويقال للركن اليماني ، والذي يلي الحجر من ظهر الكعبة : الغربيان.

ولكن ثبت عنه : أنه قبّل الحجر الأسود ، وثبت عنه أنه استلمه بيده ، فوضع يده عليه ثم قبلها.

وثبت عنه : أنه استلمه بمحجنه ، فهذه ثلاث صفات.

وروي عنه : أنه وضع شفته عليه طويلا يبكي (٢).

وعن عمر بن الخطاب : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل الركن ، ثم سجد عليه ، ثم قبله ، ثم سجد عليه ، ثلاث مرات ، ولم يمس من الركنين إلا اليمانيين فقط (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٤ عن الدارقطني ، والوفاء لابن الجوزي ج ٢ ص ٥٢٦ وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٢٦ وراجع : نيل الأوطار ج ٥ ص ١١٥ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ٢١٥ وسنن الدارقطني ج ٢ ص ٢٥٤ وتنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للذهبي ج ٢ ص ٣٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٤ عن ابن القيم.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٤ عن الطيالسي والبيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ص ٥٢١ والبيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ص ٥٢١.

٤٥

وعن جعفر بن عبد الله قال : رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ، ثم قال : رأيت خالك ابن عباس يقبله ويسجد عليه ، وقال ابن عباس : رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه ، ثم قال : رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فعل هكذا ، ففعلت (١).

وعن ابن عباس : رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يسجد على الحجر (٢).

ونص آخر يقول : استقبل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الحجر ، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا (٣).

__________________

(١) راجع : التبرك للأحمدي ص ٣٨٣ عن المصادر التالية : السنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٧٤ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٥٣ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٤٥٥ والنسائي ج ٥ ص ٢٢٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٥٤ ومنحة المعبود ج ١ ص ٢١٥ والبيان لآية الله الخوئي قسم التعليقات ص ٥٥٨ المرقم ١٣ وراجع : المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٧ والبيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ص ٥٢١.

(٢) السنن الكبرى ج ٥ ص ٧٥ وراجع : المجموع للنووي ج ٨ ص ٣٣.

(٣) سنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٨٢ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ٤٥٤ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٣٨٤ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٣ ص ٣٨٤ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٨٢ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٤٥٤ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ٢٤ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٢١٢ والعهود المحمدية للشعراني ص ٢٢٤ وفيض القدير ج ٦ ص ٤٥٦ وكشف الخفاء للعجلوني ج ٢ ص ٣٣٤ والدر المنثور ج ١ ص ١٣٥ وكتاب المجروحين لابن حبان ج ٢ ص ٢٧٢ وتهذيب الكمال ج ٢٦ ص ٢٤٢ وميزان الاعتدال للذهبي ج ٣ ص ٦٧٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٧ ص ٧٣ ولسان العرب ج ١٢ ص ٢٩٨.

٤٦

وعن نافع قال : رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده وقبل يده ، وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يفعله (١).

وكان جابر وأبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وابن عباس يفعلون ذلك أيضا (٢).

وثمة مصادر أخرى ذكرت استلام أركان البيت ، وتقبيل الحجر عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعن الصحابة ، وعن أئمة أهل البيت «عليهم‌السلام» (٣).

__________________

(١) السنن الكبرى ج ٥ ص ٧٥ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٠٨ وعن صحيح مسلم ج ٢ ص ٩٢٤ وعن فتح الباري ج ٣ ص ٣٧٨ و ٣٨٠ و ٣٨١.

(٢) راجع : التبرك للأحمدي ص ٣٨٤ عن المصادر التالية : السنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٧٥ وكتاب الأم للشافعي ج ٢ ص ١٤٦ وفتح الباري ج ٣ ص ٣٧٨ والترمذي ج ٣ ص ٢١٥ ومسند أحمد ج ١ ص ٣٣٨ وفيه : «أنه ـ يعني ابن عباس ـ كان عند الحجر وعنده محجن يضرب به الحجر فيقبله».

(٣) راجع : كتاب التبرك للأحمدي ص ٣٨٥ عن المصادر التالية : البداية والنهاية ج ٥ ص ١٥٣ ـ ١٥٥ والوفاء لابن الجوزي ج ٢ ص ٥٢٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ١ ص ١٥٣ والوسائل ج ٩ ص ٤٠٢ ـ ٤١٣ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٤٨ و ١٤٩ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ٤٥٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٦ ومسلم ج ٢ ص ٩٢٤ وما بعدها ، وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٨٧ ـ ٩٨٣ والبخاري ج ٢ ص ١٨٣ وما بعدها ، وفتح الباري عن شرحه للأحاديث ، ومسند الشافعي (هامش كتاب الأم) ج ٦ ص ١٤٦ والترغيب والترهيب ج ٢ ص ١٥٢ وكتاب الأم للشافعي ج ٢ ص ١٤٥ وما بعدها ، والنسائي ج ٥ ص ٢٦٦ و ٤٣١ و ٢٦٢ و ٢٣٣ و ٢٢٨ والترمذي ج ٣ ص ٢٩٢ و ٢١٤ وما ـ

٤٧

قالوا : وروى الشيخان ، عن ابن عباس قال : طاف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجنه.

قال ابن القيم : وهذا الطواف ليس بطواف الوداع ، فإنه كان ليلا ، وليس بطواف القدوم ، لوجهين :

أحدهما : أنه قد صح عنه : أن الرمل في طواف القدوم. ولم يقل أحد قط رملت به راحلته ، وإنما قالوا رمل نفسه.

والثاني : قول عمرو بن الشريد : أفضت مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فما مست قدماه الأرض حتى أتى جمعا ، وهذا ظاهره : أنه من حين أفاض معه ، ما مست قدماه الأرض إلى أن رجع (١).

فلما فرغ من طوافه جاء إلى خلف المقام ، فقرأ : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) (٢). فصلى ركعتين ، والمقام بينه وبين البيت (٣).

ونقول :

إننا نسجل حول النصوص المتقدمة بعض الإيضاحات ، أو التحفظات على النحو التالي :

__________________

بعدها ، وأبي داود ج ٢ ص ١٧٥ و ١٧٦ و ١٨١ والدارمي ج ٢ ص ٤٢ و ٤٦ ومسند أحمد ج ١ ص ٢١٣ و ٢١٧ و ٢٣٧ و ٢٦٧ و ٢٩١ وج ٣ ص ٤٣٠ والبيان للسيد الخوئي ص ٥٥٨ وكنز العمال ج ٥ ص ٩١ و ٩٥ والغدير ج ٦ ص ١٠٣ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٢٩ و ٤٠ و ٤١ و ٤٣ و ٧١.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٨٠.

(٢) الآية ٨١ من سورة مريم.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٤.

٤٨

السعي والطواف راكبا :

وقد تقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد طاف راكبا.

وعن الإمام الصادق «عليه‌السلام» أنه قال : طاف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ناقته العضباء ، وجعل يستلم الأركان بمحجنه ، ويقبل المحجن (١).

وعن الإمام الباقر ، عن أبيه «عليهما‌السلام» : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» طاف على راحلته ، واستلم الحجر بمحجنه ، وسعى عليها بين الصفا والمروة (٢).

وفي نص آخر : أنه كان يقبل الحجر بالمحجن (٣).

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٣٠ وراجع : مجمع الفائدة ج ٧ ص ١٠٠ والحدائق الناضرة ج ١٦ ص ١٢٩ ومستند الشيعة ج ١٢ ص ٨٣ والكافي ج ٤ ص ٤٢٩ والوسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٤٤١ و (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٤٩٢ والبحار ج ٢١ ص ٤٠٢ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ٣١٥ ومستدرك سفينة البحار ج ٢ ص ١٩٧ وج ٦ ص ٥٩٦ وج ٨ ص ٣٩٤ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ٣١٣.

(٢) الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٤٤٢ وج ١٣ ص ٤٩٧ و (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٤٩٢ و ٥٣٣ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٤٠٢ والحدائق الناضرة ١٦ ص ١٢٩ و ٢٧٠ ومستند الشيعة ج ١٢ ص ٧٠ وجواهر الكلام ج ١٩ ص ٢٨٩ ومستدرك الوسائل ج ٩ ص ٤٢٠ و ٤٥٠ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ٣١٥ والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص ٧٦.

(٣) وسائل الشيعة ج ٩ ص ٤٩٢ عن من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٤٠٢ والحدائق الناضرة ج ١٦ ص ١٢٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ٣٠٧.

٤٩

سؤال .. وجوابه :

غير أن من الواضح : أن الأفضل هو الطواف والسعي ماشيا.

فعن أبي عبد الله «عليه‌السلام» : سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة راكبا؟!

قال : لا بأس ، والمشي أفضل (١).

ونحن نعلم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : ابن سمية (أو عمار) ما عرض عليه أمران قط إلا اختار الأرشد منهما (أو أرشدهما) (٢) فإن كان هذا حال عمار فكيف بالنبي الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!.

فركوبه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الناقة مع كون المشي أفضل لا بد له من سبب موجب.

وقد وجدنا بعض النصوص المتقدمة عن ابن عباس تصرح : بأن السبب في ذلك هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قدم مكة يشتكي.

ورواية عائشة المتقدمة تقول : إنه طاف راكبا كراهة أن يضرب عنه الناس.

غير أننا نعلم : أن المقصود إن كان هو إضرب الناس عن استلام الركن لو لم يستلمه بالمحجن ، فيكفي لتلافي هذه السلبية أن يصدر لهم أمره

__________________

(١) الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٤٩٦ و (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٥٣٢ عن التهذيب ج ٥ ص ١٥٥ والكافي ج ٤ ص ٤٣٧ وراجع : المقنعة ص ٧١ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٤١٦ ومستند الشيعة ج ١٢ ص ١٧١.

(٢) راجع المصادر في الهوامش المتقدمة.

٥٠

باستلامه ، وأن يبادر هو إلى استلامه حين يطوف ماشيا بعد ذلك ..

وإن كان المقصود هو أن الناس حين يطوفون مشاة يزدحمون على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فيضربون ليتفرقوا عنه ، فالجواب هو : أن أحدا لم يكن ليتجرأ على ضرب أحد بمحضر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكان يكفي أن يأمر الناس بأمره ليلتزموا به ، خصوصا إذا كان ذلك بمحضره ..

فقول ابن عباس : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يشتكي هو الأولى والأقرب ، إن لم نقل : إنه الأصح والأصوب.

متى طاف راكبا؟! :

وملاحظة النصوص المختلفة تعطي : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يطف راكبا ، بل طاف ماشيا واستلم الحجر ، وسجد عليه ، ومسحه بيده ومسح بها وجهه إلى آخر ما تقدم ولكن ذلك لا يمنع من أن يكون قد طاف راكبا كما ورد في عمرة القضاء ، وربما تكرر ذلك منه ، في عمرة له في بعض طوافاته الأخرى التي طافها في حجة الوداع ، ومنها : طواف الحج وطواف النساء ، وربما العديد من الطوافات المستحبة .. حيث كان مرضه يمنعه من الطواف ماشيا.

إنك حجر لا تضر ولا تنفع :

وقد رووا : أن عمر بن الخطاب استند في تقبيله الحجر الأسود إلى فعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقالوا : لما دخل عمر المطاف قام عند الحجر ، فقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أني رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبلك ما قبلتك.

٥١

فقال له علي «عليه‌السلام» : بلى يا أمير المؤمنين هو يضر وينفع.

قال : ولم؟!

قلت : ذاك بكتاب الله.

قال : وأين من كتاب الله؟!

قلت : قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ..) (١) الآية. وكتب ذلك في رق .. فألقمه ذلك الرق ، وجعله في هذا الموضع.

فقال عمر : أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن (٢).

وكلام عمر عن أنه يعلم أنه حجر لا يضر ولا ينفع ، ولو لم ير رسول

__________________

(١) الآية ١٧٢ من سورة الأعراف.

(٢) راجع : الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان ج ٩ ص ١٣٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ١٠٠ وكنز العمال ج ٥ ص ١٧٧ والتبرك ص ٣٨٢ عن المصادر التالية : السيرة الحلبية ج ١ ص ١٨٨ والوسائل ج ٩ ص ٤٠٦ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٤٨ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٤٥٧ وتلخيص الذهبي (بهامش المستدرك) ، والبحار ج ٩٩ ص ٢١٦ وما بعدها ، وص ٢٢٨ وفتح الباري ج ٣ ص ٣٧٠ والدر المنثور ج ٣ ص ١٤٤ عن فضائل مكة ، والمطولات ، والحاكم ، والبيهقي ، وشعب الإيمان ، وابن الجوزي في سيرة عمر ص ١٠٦ والأزرقي في تاريخ مكة ، وإرشاد الساري للقسطلاني ج ٣ ص ١٩٥ وعمدة القاري ج ٤ ص ٦٠٦ والجامع الكبير للسيوطي كما في ترتيبه ج ٣ ص ٣٥ وابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٢٢ والفتوحات الإسلامية لدحلان ج ٢ ص ٤٨٦ وشرح السيوطي للنسائي (في هامشه) ج ٥ ص ٢٢٨ وكنز العمال ج ٥ ص ٩٣ والغدير ج ٦ ص ١٠٣ عن الحاكم ، وعن مصادر جمة.

٥٢

الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقبله لما قبله مذكور في مصادر كثيرة فراجع (١).

ولعل هذا الموقف العمري ، بالإضافة إلى أمره بقطع الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها ، وكان المسلمون يقصدونها للتبرك بها والصلاة عندها ، وتوعد من يعود للصلاة عندها بالقتل (٢) ، هما الأصل في النزعة التي ظهرت في المسلمين ، والتي تقضي بالمنع من التبرك بآثار الأنبياء والصالحين.

لماذا هذا الموقف من عمر؟! :

والذي نظنه : أن عمر بن الخطاب أراد أن يظهر شدة رفضه لعبادة الأصنام بهذه الطريقة وأنه يمتاز عن غيره بهذا التشدد في كل ما يشير إلى

__________________

(١) التبرك للعلامة الأحمدي «رحمه‌الله» ص ٣٨٢ و ٣٨١ عن المصادر التالية : السنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٧٤ وصحيح مسلم ج ٢ ص ٩٢٥ و ٩٢٦ والنسائي ج ٥ ص ٢٢٧ والترمذي ج ٣ ص ٢١٤ ومسند أحمد ج ١ ص ١٦ و ٢١ و ٢٦ و ٣٤ و ٣٥ و ٣٦ و ٣٩ و ٤٦ و ٥١ و ٥٣ و ٥٤ والبخاري ج ٢ ص ١٨٣ و ١٨٥ و ١٨٦ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٥٣ و ١٥٤ بأسانيد متعددة ، وفتح الباري ج ٣ ص ٣٦٩ بأسانيد متعددة عن عابس وغيره ، وكنز العمال ج ٥ ص ٩١ و ٩٢ والموطأ ج ١ ص ٣٣٤ وأبي داود ج ٢ ص ١٧٥ وابن ماجة ج ٢ ص ٩٨١ والدارمي ج ٢ ص ٥٣ ومنحة المعبود ج ١ ص ٢١٥ و ٢١٦.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ١٠١ وج ١ ص ١٧٨ وراجع : الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٠٠ وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الحوزي ص ١١٥ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٢٢٠ والدر المنثور ج ٦ ص ٧٣ وفتح القدير ج ٥ ص ٥٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٥٠ وعن فتح الباري ج ٧ ص ٤٤٨ وعن إرشاد الساري ج ٩ ص ٢٣١ وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٢ ص ٢٦٩.

٥٣

تقديس الأحجار ، حتى لو كان هو الحجر الأسود. فهو مغرق في التوحيد ، حتى إنه ليتجاوز فيه ويفوق رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه.

عمر يخطّئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ولكن إغراق عمر في التوحيد والإنقطاع إلى الله ، يتضمن التعريض بغيره ، والإتهام لهم بمن فيهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بأنهم مقصرون في هذا الأمر ، بل إن شائبة عبادة الأحجار والأوثان لا تزال تظهر فيهم ..

نعم .. لقد تضمن كلام عمر عن الحجر الأسود ، وأنه لا يضر ولا ينفع تسفيها لفعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإفراغا له من محتواه ، بل فيه اتهام للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في دينه ، وفي صحة توحيده ، فإنه ومن معه لا يقدسون حجرا هو الحجر الأسود وحسب ، بل يرونه معبودا ولذلك قال له عمر : إني لأعلم أنك حجر ـ المشعر بأن غيره لا يراه حجرا .. لأنه يرى له من القدر ما يرفعه عن مستوى الحجرية ، ويجعله وثنا يعبد.

بل إن قوله : إنه يعلم أنه حجر لا يضر ولا ينفع ، ولو لا التأسي برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما قبله. يثير سؤالا عن حكمة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وسلامة عقله ، وصحة تصرفاته ، إذ لا جدوى من تقبيل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لحجر لا يضر ولا ينفع.

على أنه إما قبّله بأمر من الله ، أو من عند نفسه ، فإن كان بأمر من الله ، فهل يأمر الله تعالى بشىء عبثي؟! وإن كان من عند نفسه فذلك يمثل طعنا في رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». كما هو واضح ..

٥٤

التبرك في أجلى مظاهره :

إن تقبيل المحجن وتقبيل اليد بعد استلام الحجر أو الركن بهما ، وكذلك وضع اليد على الحجر ، ثم مسح الوجه بها ، لهو من أجلى مظاهر التبرك ، وأقواها دلالة ، إذ هو لا يتبرك بملامسة الشيء المبارك ، بل يتبرك بما لامسه أيضا ، ولو كان محجنا.

سجود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الحجر :

ويذكرنا سجود النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الحجر بما يرمى به الشيعة من قبل أهل السنة ، حين يرونهم يسجدون على التربة الحسينية ويقبلونها ، فيتهمونهم بأنهم يعبدون الحجر.

وليت شعري هل يتهم هؤلاء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا بأنه يعبد الحجر ، لأنه يسجد على الحجر الأسود ويقبله؟!.

وهل يمكن أن يقال : إن أهل السنة قد أخذوا هذه التهمة من عمر بن الخطاب حين لّمح في كلامه إلى أن الذين يقبلون الحجر ، ويسجدون عليه إنما يقبلون حجرا لا يضر ولا ينفع ، فهو بمثابة الوثن الذي يعبد؟!

فإن كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والصحابة لا يعبدون الحجر الأسود حين يسجدون عليه ويقبلونه ، فلماذا يعتبرون الشيعة عبّاد أحجار ، ولماذا لا يقلعون عن اتهامهم في دينهم ، وعن مضايقتهم ، وتوجيه أنواع الأذى والتجريح إليهم؟!.

٥٥

الصلاة خلف مقام إبراهيم :

وقد صلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خلف مقام إبراهيم ، وقد قال تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (١) ، ومقام إبراهيم هو الموضع الذي في الأصل حجر أو صخرة كان يقف عليها إبراهيم وإسماعيل لما بنيا البيت ، وكان ملصقا بالكعبة أعزها الله تعالى ، ولكن العرب بعد إبراهيم وإسماعيل أخرجوه إلى مكانه اليوم.

ولما بعث الله محمدا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وفتح الله له ألصقه بالبيت كما كان على عهد أبويه إبراهيم وإسماعيل ..

فلما ولي عمر أخره إلى موضعه اليوم ، وكان على عهد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأبي بكر ملصقا بالبيت (٢).

فما هذا الولع في العودة إلى رسوم الجاهلية ، كما هي الحال هنا وفي رجوعهم في التاريخ الهجري إلى جعل شهر محرم هو أول السنة ، كما كان في الجاهلية ، بدلا من شهر ربيع الأول ، وكما في المنع من العمرة في أشهر الحج كما كانوا في الجاهلية .. وكما في منعهم من زواج المتعة ، الذي لم يكن في الجاهلية .. و .. و ..

__________________

(١) الآية ١٢٥ من سورة البقرة.

(٢) راجع : النص والإجتهاد ص ٢٧٨ وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٢٨٤ وتاريخ الخلفاء ص ١٣٧ والوسائل ج ٩ ص ٤٧٩ وعن شرح النهج للمعتزلي ج ٣ ص ١١٣ وعن تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ٦٠ وعن حياة الحيوان مادة : الديك. والكافي ج ٨ ص ٥٨ ـ ٦٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٥٥ باب ٩ حديث ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ ومقدمة مرآة العقول ج ٢ ص ١٢٨.

٥٦

ثم إنهم يرمون الناس كلهم بالشرك ، ويكفرونهم لمجرد تقبيلهم قبر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أو سجودهم على تربة الحسين «عليه‌السلام» مع مبالغتهم في إظهار شدة تعلقهم بالتوحيد ، حتى ليخيل للناظر أنهم يكادون يرمون رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالوثنية ، لأنه قبّل الحجر الأسود واستلم الأركان .. فما هذه المفارقات في تصرفاتهم وفي مواقفهم؟!

بكاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين استلام الحجر :

وعن بكاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين استلام الحجر الأسود نقول :

إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يبك خوفا من عقوبة على ذنب اقترفه ، فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نبي معصوم عن الخطأ ، مبرأ من الزلل ..

ولكنه بكاء الشوق إلى الله تعالى ، والفرح بالوفاء بالميثاق ، وبمصافحة أول ملك من الملائكة أقر بالميثاق. فأودعه الله تعالى مواثيق الخلائق (١) ..

بل في بعض الروايات عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه قال : الحجر يمين الله ، فمن شاء صافحه لها (٢).

قال المجلسي : «وهذا القول مجاز ، والمراد : أن الحجر جهة من جهات القرب إلى الله تعالى ، فمن استلمه وباشره قرب من طاعته تعالى ، فكان

__________________

(١) البحار ج ٩٦ صباب فضل الحجر ، وعلة استلامه وراجع : من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ١٩٢ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٣١٨ و (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٤٠٤ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣١ وج ١١ ص ٣٠٥ و ٣٠٦.

(٢) المجازات النبوية ص ٤٤ والبحار ج ٩٦ ص ٢٢٨.

٥٧

كاللاصق بها ، والمباشر لها ..» (١).

ابن أم مكتوم آخذ بزمام الناقة :

ولا نستطيع أن نؤيد صحة الخبر الذي يقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد طاف على ناقته ، وابن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز (٢) .. لأن ابن أم مكتوم كان أعمى ، وقد يرتبك الأعمى في طوافه حول البيت وحده ، ومن دون مرشد ودليل ، فكيف يتولى هداية ناقة غيره أيضا في الطواف؟!.

طواف الوداع :

وقد مرت في النصوص المتقدمة الإشارة إلى طواف الوداع ، الذي يكون بعد طواف الفرض.

ونقول :

إن طواف الوداع فيما يبدو لنا : هو في الأصل طواف النساء ، ولكنهم بدلوا حقيقته ، فلم يعد مجزيا عن طواف النساء الواجب ، لعدم توفر النية الصحيحة فيه ، فيا ليتهم تركوا هذا الحكم ، وأراحوا أنفسهم من السؤال عنه ، أو المحاسبة عليه يوم القيامة ..

__________________

(١) البحار ج ٩٦ ص ٢٢٨.

(٢) البحار ج ٩٦ ص ٢٢٨ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٦٣٤ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٤٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢.

٥٨

إنكار تقبيل الركن اليماني :

وقد أنكر ابن القيم تقبيل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الركن اليماني ، رغم صراحة الروايات في أنه قبّله ووضع خده عليه.

وادّعى : أن المراد بقول ابن عباس : كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه هو ركن الحجر الأسود ، لأنه يماني أيضا ، ولذلك يقال له ، وللركن اليماني : يمانيان.

وهو تأويل بارد ، عار من القرينة والشاهد ..

بل ربما يقال : إنه لا يصح إطلاق كلمة «الركن اليماني» على ركن الحجر الأسود ، إذ لعل إطلاق اليماني على ركن الحجر الأسود قد جاء على سبيل التغليب كقولك : العمرين ، والحسنين ، والقمرين ، ونحو ذلك.

ولكن لا يصح إطلاق هذا الوصف على الطرف الآخر مع إفراده ، فأبو بكر لا يقال له : عمر ، والشمس لا يقال لها : قمر ، والحسين «عليه‌السلام» لا يقال له : حسن هكذا.

ولو سلمنا أنه كان يطلق عليهما ذلك ، فإن إرادة الحجر من كلمة الركن اليماني ، تحتاج إلى قرينة وشاهد ، وأما مع الإطلاق ، فالمتبادر هو خصوص الركن اليماني المقابل للحجر ، دون سواه ..

عمر رجل قوي لا يزاحم :

وعن قول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعمر : «إنك رجل قوي لا تزاحم» ، نقول :

إنه لا شك في حرمة أذى الناس ، سواء جاء هذا الأذى من القوي ، أو

٥٩

من الضعيف ، ولا بد من تجنب أذى الناس وهو أمر ممكن وواقع من القوي ومن الضعيف على حد سواء ..

ولم نسمع أن قويا آذى أحدا في الزحام وعفي من المؤاخذة والعقوبة ، إلا إذا صدر عنه بلا اختيار .. ولم نسمع أحدا اعتذر في مقام الدفاع عن نفسه أمام القاضي في المحاكم بأنه «قوي» ، كما لم نسمع أن القاضي احتمل في حقه ذلك ليجعله سببا في تخفيف العقوبة ، أو شبهة توجب درء الحد عنه ..

وكل ذلك يدلنا على أن عمر بن الخطاب حين كان يؤذي الناس في الزحام ، لم يكن له عذر في ذلك ، بل السبب في صدور هذا الأذى منه أنه لم يكن يهتم لراحة الناس ، بل كان يستفيد من قوته وشدته للحصول على ما يريد .. ومن كان كذلك ، هل يكون للرعية كالوالد الرحيم ، ليصح أن يتولى أمرهم؟!.

الرمل في الطواف :

وعن الرمل في الطواف نقول :

إن ذلك لا يصح ، وإنما كان الرمل في عمرة القضاء ، فقد روي : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مر في عمرة القضاء بنفر من أصحابه جلوس في فناء الكعبة فقال : «هو ذا قومكم على رؤوس الجبال ، لا يرونكم ، فيروا فيكم ضعفا».

قال : فقاموا فشدوا أزرهم ، وشدوا أيديهم على أوساطهم فرملوا (١).

__________________

(١) الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٣ ص ٣٥٢ و (ط دار الإسلامية) ج ٩ ص ٤٢٨ عن علل الشرائع ص ١٤٣ و (ط أخرى) ج ٢ ص ٤١٢ والحدائق الناضرة ج ١٦ ص ١٢٧ وجواهر الكلام ج ١٩ ص ٣٥١ والبحار ج ٩٦ ص ١٩٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ٣١٦.

٦٠