الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-203-x
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٦

وقبلوا هم والنصارى بإعطاء الجزية (١).

ثالثا : إن هذا مجرد اجتهاد من الرازي في مقابل النص الذي يقول : إنها نزلت في مناسبة الغدير.

رابعا : لو كانت الآية ناظرة لأهل الكتاب ، فالمناسب هو أن يقول : «والله يعصمك منهم» ، فالتصريح بكلمة «الناس» إنما يشير إلى الناس الذين لم يسبق الحديث عنهم ، وهم الذين معه ، حيث كان كثير منهم من أهل النفاق. وقد ذكرت هذه الآية بين الآيات التي تتحدث عن أهل الكتاب ربما لتشير إلى أن المنافقين مثلهم في الكفر.

على أي شيء يخاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

إنه لا شك في أن خوف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن على نفسه ، لأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يضنّ بنفسه ولا بأي شيء يعود إليه ، عن أن يبذله في سبيل الله سبحانه وتعالى ..

فالأقرب إلى الإعتبار هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يخاف من الناس أن يتهموه فيما يبلّغه بما يبطل أثر تبليغه ، ويوجب فساد دعوته ، أي أنه يخاف على الرسالة ، فهو بصدد تحصينها من أن ينالها المبطلون بسوء.

وبذلك تبطل الروايات التي تدّعي : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يحرس فلما نزل قوله تعالى (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٢) أوقف الحرس (٣) ،

__________________

(١) الميزان (تفسير) ج ٦ ص ٤٢.

(٢) الآية ٦٧ من سورة المائدة.

(٣) الميزان ج ٦ ص ٦١ عن تفسير المنار عن أهل التفسير المأثور ، وعن الترمذي ، ـ

٣٢١

أو أن الله أرسله برسالته فضاق بها ذرعا ، وعرف أن الناس سيكذبونه ، وإن كان يخشى من العذاب ، لو لم يفعل ، فنزلت الآية (١). فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يفعل فعلا يخاف معه من عذاب الله. إلا إن كان المقصود بهذه الكلمات وأشباهها ما ينسجم مع المعنى الذي أشرنا إليه.

أما ما ورد في رواية أخرى : «أنه لما أمر بتبليغ ما أمر به قال : يا رب إنما أنا واحد ، كيف أصنع؟ يجتمع عليّ الناس ، فنزلت : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٢)» (٣) فهو مما لا مجال لقبوله بما له من معنى ظاهر ..

أهمية الحكم المعني بالآية :

وقد أظهر قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) أن الحكم الذي يراد تبليغه للناس ، لم يكن كسائر الأحكام ، بل هو يوازي في خطورته وأهميتة الرسالة كلها ، بحيث لولاه فإن الشريعة كلها تصبح كالجسد بلا

__________________

وابي الشيخ والحاكم ، وأبي نعيم ، والبيهقي ، والطبراني ، وفتح القدير ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه. وراجع المصادر في الهوامش السابقة.

(١) الميزان ج ٦ ص ٦١ عن الدر المنثور وفتح القدير ..

(٢) الآية ٦٧ من سورة المائدة.

(٣) الميزان ج ٦ ص ٦١ عن الدر المنثور وفتح القدير ، عن عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ. وراجع : مناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ١٣٠ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٢٥٥ و ٢٧٠ وج ٩ ص ٢٢٦ والغدير ج ١ ص ٢٢١ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٨ وفتح القدير ج ٢ ص ٦٠.

٣٢٢

روح ، وسيترتب على إهماله أثر حقيقي يطال جميع الأحكام ، وليس هو إلا أمر الولاية الذي به يكون قبول الأعمال كلها ، وبه يكون قوامها ..

وقد كان هذا الحكم بالغ الحساسية ، شديد الخطورة ، عظيم الأثر ، لا يتورعون عن فعل أي شيء من أجل إبطاله واستبداله ، حتى لو كلفهم ذلك قتل علي والزهراء «عليهما‌السلام» ، وإسقاط جنينها ، وإبادة بني هاشم ..

وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يترقب الفرصة المناسبة لإبلاغ هذا الحكم الخطير .. فوعده الله بالإمداد الغيبي ، وبالعصمة من كيد أهل الباطل.

الله يبرئ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقد عبرت الآية المباركة عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بكلمة «الرسول» لا بكلمة «النبي» ، ربما لتشير إلى أن ما يأتيهم به ليس من الأمور التدبيرية التي يكون للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أي دور فيها ، كما قد يتوهمون أو قد يشيعون ، وإنما هو مجرد رسول ، يأتيهم بالقرار الرباني المحض ، الذي لا خيار له ولهم فيه.

كما أنه لم يطلب منه أن يبين لهم أمر الولاية مثلا ، بل هو قد أمره بمجرد التبليغ فقال (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (١).

ثم بين لهم الأمر الصادر بصورة صريحة وواضحة ، فقال لهم : إنه قد أنزل إليه من ربه ..

ثم بين : أن عدم إبلاغ ذلك يساوق عدم تبليغ الرسالة من أساسها ،

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.

٣٢٣

وهذا ليس له فيه أي دور.

العصمة من الناس :

ثم يأتي قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١) ليكون تأكيدا على صحة فعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وسلامة وصدق توقعاته ، وأن ما فعله قد كان في محله .. ولا لوم عليه فيه ، إذ لولا العصمة الإلهية لم يصح التبليغ ، لأنه سيكون بمثابة التفريط بالمهمة ، والتقصير في اتخاذ الإحتياطات اللازمة ، وعدم توخي الظرف الملائم. والإستعجال وعدم انتظار توفر الشرائط.

فما بلغت رسالته :

وبعد أن عرفنا : أن القضية ليست قضية شخص ، وإنما هي قضية الرسالة ، أن تكون ، أو لا تكون ، وهو يساوق القول : بأنها قضية أن يكون هناك إنسان وحياة أو لا يكون. فقد أصبح واضحا أن المنع من إبلاغ الرسالة والإمامة معناه حرمان الإنسان من الهداية الإلهية ، ومن الرعاية الربانية ، وليس هناك جريمة أعظم ولا أخطر من ذلك.

ومن هنا ، كان لا بد من إلقاء نظرة على ما كانت عليه الحال في زمن الرسول الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فيما يرتبط بهذه النقطة بالذات ، لنتعرف على أولئك الناس الذين حاولوا منع الرسول الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من إبلاغ أمر الإمامة إلى الناس ، وسعوا لزعزعة أركان هذا

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.

٣٢٤

الأمر الخطير ، والعبث بمستقبل الإنسان ، وبكل حياته ، ووجوده .. وتلك هي الجريمة الأكبر والأضر ، والأخطر والأشر .. فكان أن عقدنا فصلا لنتعرف فيه على بعض ما جرى في هذا الإتجاه .. وهو الذي سيأتي إن شاء الله بعد تمام حديثنا عن الآيات الشريفة ، فانتظر ..

سورة المعارج مكية :

ثم إنهم قد زعموا : أن سورة المعارج مكية ، وهو ما ذكرته الرواية عن ابن عباس (١) ، وابن الزبير (٢) ، فتكون قد نزلت قبل بيعة الغدير بسنوات.

والصحيح : أنها نزلت في المدينة ، بعد حادثة الغدير ، حيث طار خبر ما جرى في غدير خم في البلاد ، فأتى الحارث بن النعمان الفهري أو (جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري).

«قال الأميني : لا يبعد صحة ما في هذه الرواية من كونه جابر بن النضر ، حيث إن جابرا قتل أمير المؤمنين «عليه‌السلام» والده النضر صبرا ، بأمر من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما أسر يوم بدر» (٣).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٦٣ عن ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي ، وسعد السعود لابن طاووس ص ٢٩١ وراجع : فتح القدير ج ٥ ص ٢٨٧ وتفسير الميزان ج ٦ ص ٥٦ وج ٢٠ ص ١١ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) و (ط دار الكتب العلمية) ص ٢٠٢ وتفسير ابن أبي حاتم ج ١٠ ص ٣٣٧٢ عن السدي.

(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٦٣ عن ابن مردويه ، وتفسير الميزان ج ٦ ص ٥٦.

(٣) الغدير ج ١ ص ٢٣٩ هامش.

٣٢٥

فقال : يا محمد ، أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وبالصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، فقبلنا منك ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ، ففضلته علينا ، وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أم من الله؟!

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : والذي لا إله إلا هو ، إن هذا من الله.

فولى جابر ، يريد راحلته ، وهو يقول : اللهم ، إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم.

فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته ، وخرج من دبره ، وقتله. وأنزل الله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) الآية» (١).

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ٢٣٩ عن غريب القرآن لأبي عبيد ونقله أيضا عن كثير من المصادر التالية : شفاء الصدور لأبي بكر النقاش ، والكشف والبيان للثعلبي ، وتفسير فرات ص ١٩٠ و (١٤١٠ ه‍ ـ ١٩٩٠ م) ص ٥٠٥ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص ٨٨ وكنز الفوائد للكراجكي ، وشواهد التنزيل ج ٢ ص ٣٨٣ و ٣٨١ ودعاة الهداة للحاكم الحسكاني. والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٨ ص ٢٧٨ وتذكرة الخواص ص ٣٠ والإكتفاء للوصابي الشافعي ، وفرائد السمطين ج ١ ص ٨٢ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج ٢ ص ٢٥١ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ٢٤٠ والبحار ج ٣٧ ص ١٣٦ و ١٦٢ و ١٧٦ وكتاب الأربعين لماحوزي ص ١٥٤ و ١٦١ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١١٥ ومعارج الوصول للزرندي الحنفي ، ونظم درر السمطين ص ٩٣ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٤١ وجواهر العقدين للسمهودي الشافعي ، وتفسير أبي السعود العمادي ج ٩ ص ٢٩ والسراج المنير (تفسير) ج ٤ ص ٣٦٤ ـ

٣٢٦

وقد رد ابن تيمية هذا الحديث ، لعدة أدلة أوردها ، وتبعه فيها غيره (١).

وأدلته هي التالية :

١ ـ إن قصة الغدير إنما كانت بعد حجة الوداع بالإجماع ـ والروايات تقول : إنه لما شاعت قصة الغدير جاء الحارث وهو بالأبطح ، والأبطح بمكة. مع أن اللازم أن يكون مجيئه إلى رسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في المدينة.

٢ ـ إن سورة المعارج مكية باتفاق أهل العلم ..

__________________

للشربيني الشافعي ، والأربعين في مناقب أمير المؤمنين لجمال الدين الشيرازي ص ٤٠ وينابيع المودة ج ٢ ص ٣٧٠ وفيض القدير ج ٦ ص ٢١٨ ومنهاج الكرامة للعلامة الحلي ص ١١٧ والعقد النبوي والسر المصطفوي لابن العيدروس ، ووسيلة المآل لأحمد بن باكثير الشافعي ص ١١٩ و ١٢٠ ونزهة المجالس ج ٢ ص ٢٠٩ للصفوري الشافعي ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٠٢ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٣٣٧ والصراط السوي في مناقب النبي للقادري المدني ، وشرح الجامع الصغير ج ٢ ص ٣٨٧ للحفني الشافعي ، ومعارج العلى في مناقب المرتضى لمحمد صدر العالم ، وتفسير شاهي لمحمد محبوب العالم ، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٧ ص ١٣ وذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآلي لعبد القادر الحفظي الشافعي ، والروضة الندية لمحمد بن إسماعيل اليماني ص ١٥٦ ونور الأبصار ص ١٥٩ للشبلنجي الشافعي والمنار (تفسير) لرشيد رضا ج ٦ ص ٤٦٤ والأربعون حديثا لابن بابويه ص ٨٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٣٤٢ و ٣٥٧ و ٣٦٢ و ٣٦٨ و ٣٧٠ والمراجعات للسيد شرف الدين ص ٢٧٤ وجامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ٥٢.

(١) راجع : منهاج السنة ج ٤ ص ١٣ وتفسير المنار لرشيد رضا ج ٦ ص ٤٦٤ فما بعدها.

٣٢٧

٣ ـ إن قوله : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء ، نزلت عقيب بدر بالاتفاق. وقصة الغدير كانت بعد ذلك بسنين.

٤ ـ إن هذه الآية ـ أعني آية : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (١) ـ نزلت

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ٢٣٩ عن غريب القرآن لأبي عبيد ونقله أيضا عن كثير من المصادر التالية : شفاء الصدور لأبي بكر النقاش ، والكشف والبيان للثعلبي ، وتفسير فرات ص ١٩٠ وكنز الفوائد للكراجكي وشواهد التنزيل ج ٢ ص ٣٨٣ و ٣٨١ ودعاة الهداة للحاكم الحسكاني. والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٨ ص ٢٧٨ وتذكرة الخواص ص ٣٠ والإكتفاء للوصابي الشافعي وفرائد السمطين ج ١ ص ٨٢ ومعارج الوصول للزرندي الحنفي ، ونظم درر السمطين ص ٩٣ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٤١ وجواهر العقدين للسمهودي الشافعي وتفسير أبي السعود العمادي ج ٩ ص ٢٩ والسراج المنير (تفسير) ج ٤ ص ٣٦٤ للشربيني الشافعي ، والأربعين في مناقب أمير المؤمنين لجمال الدين الشيرازي ص ٤٠ وفيض القدير ج ٦ ص ٢١٨ والعقد النبوي والسر المصطفوي لابن العيدروس ووسيلة المآل لأحمد بن باكثير الشافعي ص ١١٩ و ١٢٠ ونزهة المجالس ج ٢ ص ٢٠٩ للصفوري الشافعي وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٠٢ والصراط السوي في مناقب النبي للقادري المدني وشرح الجامع الصغير ج ٢ ص ٣٨٧ للحفني الشافعي ومعارج العلى في مناقب المرتضى لمحمد صدر العالم وتفسير شاهي لمحمد محبوب العالم ، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٧ ص ١٣ وذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآلي لعبد القادر الحفظي الشافعي والروضة الندية لمحمد بن إسماعيل اليماني ص ١٥٦ ونور الأبصار ص ١٥٩ للشبلنجي الشافعي والمنار (تفسير) لرشيد رضا ج ٦ ص ٤٦٤.

٣٢٨

بسبب ما قاله المشركون بمكة ، ولم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لقوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ).

٥ ـ لو صح ذلك لكانت آية كآية أصحاب الفيل ، ومثلها تتوفر الدواعي على نقله ، مع أن أكثر المصنفين في العلم وأرباب المسانيد والصحاح ، والفضايل والتفسير والسير قد أهملوا هذه القضية ، فلا تروى إلا بهذا الإسناد المنكر.

٦ ـ إن الحارث المذكور في الرواية كان مسلما حسبما ظهر في خطابه المذكور مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ومن المعلوم بالضرورة أن أحدا لم يصبه عذاب على عهد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

٧ ـ إن الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة ، ولم يذكر في الإستيعاب ، ولا ذكره ابن منده ، وأبو نعيم وأبو موسي في تآليفهم في أسماء الصحابة.

ونقول :

إن جميع ذلك لا يمكن قبوله .. وسوف نكتفي هنا بتلخيص ما ذكره العلامة الأميني «رحمه‌الله» ، فنقول :

بالنسبة للدليل الأول نقول :

ألف : إن كلمة الأبطح إنما وردت في بعض الروايات دون بعض ، فإطلاق الكلام بحيث يظهر منه أن الإشكال يرد على جميعها في غير محله ..

وورد في بعض نصوص الرواية : أن مجيء السائل كان إلى المسجد (١).

__________________

(١) تذكرة الخواص ص ٣٠ والغدير ج ١ ص ٢٤٨ عنه ، وعن معارج العلى للشيخ ـ

٣٢٩

وقد نص في السيرة الحلبية : على أن ذلك كان في مسجد المدينة (١).

ب ـ إن كلمة الأبطح لا تختص ببطحاء مكة ، بل هي تطلق على كل مسيل فيه دقائق الحصى (٢).

وقد ورد في البخاري في صحيحه (٣) ، أحاديث ترتبط بالبطحاء بذي الحليفة.

وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إذا رجع إلى المدينة دخل من معرس الأبطح ،

__________________

محمد صدر والعالم ، العدد القوية للحلي ص ١٨٥ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٣٦٨.

(١) الغدير ج ١ ص ٢٤٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٧٤ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٣٣٧ وشرح إحقاق الحق ج ٤ ص ٤٤٢.

(٢) راجع : معجم البلدان ج ٢ ص ٢١٣ و ٢١٥ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ١ ص ٤٤٦ والغدير ج ١ ص ٢٥٠ وراجع : عمدة القاري ج ١٠ ص ١٠١.

(٣) عن صحيح البخاري ج ٢ ص ٥٥٦ حديث ١٤٥٩ وج ١ ص ١٨٣ حديث ٤٧٠ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ١٤٣ و ١٩٧ وراجع : صحيح مسلم (كتاب الحج) ج ٣ ص ١٥٤ و ١٥٥ و (ط دار الفكر) ج ٤ ص ١٠٦ والتمهيد لابن عبد البر ج ١٥ ص ٢٤٣ وج ٢٤ ص ٤٢٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٢ ص ٢٢٦ وسنن النسائي ج ٥ ص ١٢٧ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٥٣ وعمدة القاري ج ٩ ص ١٤٦ وج ١٠ ص ١٠٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٢٤٤ و ٢٤٥ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٤ ص ٤٢٩ و ٤٧٧ والإستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ٣٣٩ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٣ ص ٥٤٠ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٣٠ وكتاب الموطأ لمالك ج ١ ص ٤٠٥ والغدير ج ١ ص ٢٤٨ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٨ و ٨٧ و ١١٢ و ١١٩ و ١٣٨.

٣٣٠

فكان في معرسه ببطن الوادي ، فقيل له : إنك ببطحاء مباركة (١).

وورد التعبير بذلك أيضا في كلام عائشة عن موضع قبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

وثمة أحاديث عن حذيفة بن أسيد ، وعامر بن ليلى ، تذكر في أحاديث الغدير : أنه حين رجوع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من حجة الوداع ، لما كان

__________________

(١) إمتاع الأسماع للمقريزي ج ٢ ص ١٢٢ والغدير ج ١ ص ٢٤٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٨٥ وراجع : مسند أحمد ج ٢ ص ٩٠ و ١٣٦ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٤٤ وج ٣ ص ٧١ وج ٨ ص ١٥٥ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٠٦ وسنن النسائي ج ٥ ص ١٢٧ وشرح مسلم للنووي ج ٩ ص ١١٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ٢٤٥

(٢) كما في مصابيح السنة للبغوي ج ١ ص ٨٣ وإعانة الطالبين للدمياطي ج ٢ ص ١٣٥ والمحلى لابن حزم ج ٥ ص ١٣٤ والجوهر النقي ج ٤ ص ٣ ومسند أبي يعلى ج ٨ ص ٥٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٦١٤ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٣ ص ٩٤٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٩٣ والتنبيه والإشراف ص ٢٥١ وتهذيب الكمال ج ٢٢ ص ١٥٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٢٠٩ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج ١ ص ٢٤٢ ونصب الراية ج ٢ ص ٣٥٨ وسبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣٤٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٥٤١ وتحفة الأحوذي ج ٤ ص ١٣٠ وعمدة القاري ج ٨ ص ٢٢٤ وفتح الباري ج ٣ ص ٢٠٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٤ ص ٣ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٣٦٩ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٨٤ ونيل الأوطار ج ٤ ص ١٢٩ وسبل السلام ج ٢ ص ١١٠ وتلخيص الحبير ج ٥ ص ٢٢٥ وفيض القدير ج ٤ ص ١٥٣.

٣٣١

بالجحفة نهى عن سمرات متقاربات بالبطحاء أن لا ينزل تحتهن أحد (١).

وثمة حديث عن بطحاء واسط ، وبطحاء ذي الحليفة ، وبطحاء ابن ازهر ، وبطحاء المدينة ، وهو أجل من بطحاء مكة (٢) ، وقد نسب البطحاوي العلوي إلى جده قوله :

وبطحا المدينة لي منزل

فيا حبذا ذاك من منزل ..

وفي قول حيص بيص المتوفي سنة ٥٧٤ ه‍.

ملكنا فكان العفو منا سجية

فلما ملكتم سال بالدم أبطح (٣)

ويوم البطحاء (منسوب إلى بطحاء ذي قار) من أيام العرب المعروفة.

ومن الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين «عليه‌السلام» :

أنا ابن المبجل بالأبطحين

وبالبيت من سلفي غالب

قال الميبذي في شرحه : يريد أبطح مكة والمدينة (٤).

وأما الجواب عن الدليل الثاني ، وهو أن سورة المعارج مكية بالإجماع لا

__________________

(١) راجع : الغدير ج ١ ص ١٠ و ٢٦ و ٢٤٩ وفي معجم البلدان ص ٢١٣ ـ ٢٢٢ والبلدان لليعقوبي ص ٨٤ والفصول المهمة لابن الصباغ ج ١ ص ٢٤١ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٧ ص ١٥٥ و ٢٤٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٦ ص ٣٤٢ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ١٣٩.

(٢) معجم البلدان ج ١ ص ٤٤٤.

(٣) راجع : ديوان حيص بيص ج ٣ ص ٤٠٤ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٨ ص ٣٩١ والغدير ج ١ ص ٢٥٥.

(٤) راجع : شرح ديوان أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ص ١٩٧ والبحار ج ٣٤ ص ٣٩٧ والغدير ج ١ ص ٢٥٢.

٣٣٢

مدنية ، فنقول :

أولا : إن الإجماع إنما هو على أن مجموع السورة كان مكيا ، لا جميع آياتها. فلعل هذه الآية بالخصوص كانت مدينة ..

وقد يعترض على ذلك : بأن المتيقن في اعتبار السورة مكية أو مدنية هو تلك التي تكون بداياتها كذلك ، أو تكون تلك الآيات التي انتزع اسم السورة منها كذلك ..

والجواب عن ذلك ..

ألف : إن هناك سورا كثيرة يقال عنها إنها مكية مثلا مع أن أوائلها تكون مدنية ، وكذلك العكس ، وذلك مثل :

سورة العنكبوت .. فإنها مكية إلا عشر آيات من أولها (١).

سورة الكهف .. مكية إلا سبع آيات من أولها (٢).

__________________

(١) راجع : جامع البيان ج ٢٠ ص ٨٦ والجامع لأحكام القرآن ج ١٣ ص ٣٢٣ والسراج المنير للشربيني ج ٣ ص ١٢٣ وسعد السعود لابن طاووس ص ٢٨٩ والغدير ج ١ ص ٢٥٥ والبيان في عد آي القرآن للداني ص ٢٠٣ وزاد المسير ج ٦ ص ١١٩ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للأندلسي ج ٤ ص ٣٠٥ وتفسير السمعاني ج ٤ ص ١٦٥ وتفسير ابن زمنين ج ٣ ص ٣٣٩ والتفسير الكبير للرازي ج ٢٥ ص ٢٥ وفتح القدير ج ٤ ص ١٩١ وتفسير الثعالبي ج ٤ ص ٢٨٨ والجامع لأحكام القرآن ج ١٣ ص ٣٢٣ وتفسير العز بن عبد السلام ج ٢ ص ٥٠٤ والتفسير الصافي ج ٤ ص ١١٠ والتبيان ج ٨ ص ١٨٥ وعمدة القاري ج ١٩ ص ١٠٨.

(٢) راجع : الجامع لأحكام القرآن ج ١٠ ص ٣٤٦ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج ١ ص ١٦ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ١٨٥ والغدير ج ١ ص ٢٥٦ وتفسير

٣٣٣

سورة المطففين ، مكية إلا الآية الأولى ، (وفيها اسم السورة) (١).

سورة الليل ، مكية إلا أولها ، (وفيها اسم السورة أيضا) (٢).

وهناك سور أخرى كثيرة مكية ، وفيها آيات مدنية .. مثل سورة هود ، ومريم ، والرعد ، وإبراهيم ، والإسراء ، والحج ، والفرقان ، والنحل ، والقصص ، والمدثر ، والقمر ، والواقعة ، والليل ، ويونس (٣).

ب ـ وهناك سور مدنية ، وفيها آيات مكية ، مثل :

سورة المجادلة ، فإنها مدنية إلا العشر الأول ، (وفيها تسمية السورة) (٤).

__________________

الثعالبي ج ٣ ص ٥٠٥ وراجع : عمدة القاري ج ١٩ ص ٣٦ والتبيان ج ٧ ص ٣ وتفسير شبر ص ٢٨٩ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ٢ ص ٢٧٨ وتفسير العز بن عبد السلام ج ٢ ص ٢٣٧ وتفسير أبي السعود ج ٥ ص ٢٠٢ وفتح القدير ج ٣ ص ٢٦٨ وج ٩ ص ٣٧ وتفسير الآلوسي ج ١٥ ص ١٩٩.

(١) راجع : جامع البيان ج ٣٠ ص ٥٨ والغدير ج ١ ص ٢٥٧ وراجع : التفسير الصافي ج ٥ ص ٢٩٨ وج ٧ ص ٤٢١ وتفسير العز بن عبد السلام ج ٣ ص ٤٢٩ والإتقان في علوم القرآن ج ١ ص ١٧ و (ط دار الفكر) ص ٥٥ وفتح القدير ج ٥ ص ٣٩٧ وتفسير مجمع البيان ج ١٠ ص ٢٨٩ والبحار ج ٦٦ ص ١١٦.

(٢) راجع : الإتقان في علوم القرآن (ط دار الفكر) ص ٥٤ والغدير ج ١ ص ٢٥٧.

(٣) راجع في ذلك كله : الغدير ج ١ ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

(٤) راجع : إرشاد العقل السليم لأبي السعود ج ٨ ص ٢١٥ والسراج المنير ج ٤ ص ٢١٩ والغدير ج ١ ص ٢٥٧ وراجع : تفسير مجمع البيان ج ٩ ص ٤٠٧ والتفسير الصافي ج ٥ ص ١٤٢ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ٥ ص ٢٧٢ وتفسير الآلوسي ج ٢٨ ص ٢ والجامع لأحكام القرآن ج ١٧ ص ٢٦٩ وتفسير العز بن عبد السلام ج ٣ ص ٢٩١.

٣٣٤

سورة البلد ، وهي مدنية إلا الآية الأولى ، (وفيها اسم السورة). وحتى الرابعة (١) ، وغير ذلك.

ثانيا : لو سلمنا أن هذه السورة مكية ، فإن ذلك لا يبطل الرواية التي تنص على نزولها في مناسبة الغدير ، لإمكان أن تكون قد نزلت مرتين ، فهناك آيات كثيرة نص العلماء على نزولها مرة بعد أخرى ، عظة وتذكيرا ، أو اهتماما بشأنها ، أو اقتضاء موردين لنزولها ، نظير : البسملة ، وأول سورة الروم ، وآية الروح.

وقوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ..).

وقوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ).

وقوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ).

وسورة الفاتحة ، فإنها نزلت مرة بمكة حين فرضت الصلاة ، ومرة بالمدينة حين حولت القبلة ، ولتثنية نزولها سميت بالمثاني (٢).

وعن الدليل الثالث أجاب :

أن نزول آية سورة الأنفال قبل سنوات ، لا يمنع من أن يتفوه بها هذا

__________________

(١) راجع : الإتقان ج ١ ص ١٧ و (ط دار الفكر) ص ٥٥ وتفسير الآلوسي ج ٣٠ ص ١٣٣ والغدير ج ١ ص ٢٥٧.

(٢) راجع : الغدير ج ١ ص ٢٥٧ وتفسير مجمع البيان ج ١ ص ٤٧ والتفسير الصافي ج ١ ص ٨٠ والبحار ج ٨٤ ص ٧٩ والتفسير الكبير للرازي ج ١٩ ص ٢٠٧ والبرهان للزركشي ج ١ ص ٢٩ وتفسير الآلوسي ج ١٤ ص ٧٩ وتفسير الميزان ج ١٢ ص ١٩١ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٩٦ والإتقان ج ١ ص ٦٠ و (ط دار الفكر) ص ١٠٥ وفيه موارد أخرى أيضا.

٣٣٥

المعترض على الله ورسوله ، ويظهر كفره بها. ولعله قد سمعها من قبل ، فآثر أن يستخدمها في دعائه ، لإظهار شدة عناده وجحوده أخزاه الله.

وعن الدليل الرابع أجاب :

ألف : إنه قد لا ينزل العذاب على المشركين لبعض الأسباب المانعة من نزوله ، مثل إسلام جماعة منهم ، أو ممن هم في أصلابهم ، ولكنه ينزل على هذا الرجل الواحد المعاند في المدينة لارتفاع المانع من نزوله .. ولا سيما مع طلبه من الله أن ينزل عليه العذاب.

ب : قد يقال : إن المنفي في آية (ما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) هو عذاب الاستئصال للجميع ، ولا يريد أن ينفي نزول العذاب على بعض الأفراد ..

ج : قد دلت الروايات على نزول العذاب على قريش ، وذلك حين دعا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليهم بأن يجعل سنيهم كسني يوسف «عليه‌السلام» فارتفع المطر ، وأجدبت الأرض ، وأصابتهم المجاعة حتى أكلوا العظام والكلاب والجيف (١) ..

__________________

(١) راجع : صحيح مسلم ج ٥ ص ٣٤٢ ح ٣٩ (كتاب صفة القيامة والجنة والنار) و (ط دار الفكر) ج ٨ ص ١٣١ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٥٦ والبخاري ج ٢ ص ١٢٥ و (ط دار الفكر) ج ٢ ص ١٥ وج ٥ ص ٢١٧ وج ٦ ص ١٩ و ٣٢ و ٤٠ و ٤١ ومسند أحمد ج ١ ص ٤٣١ و ٤٤١ والتفسير الكبير للرازي ج ٢٧ ص ٢٤٢ والنهاية في اللغة ج ٣ ص ٢٩٣ وج ٥ ص ٢٠٠ والخصائص الكبرى للسيوطي ج ١ ص ٢٤٦ وعمدة القاري ج ٧ ص ٢٧ و ٢٨ وج ١٩ ص ١٤٠ ودلائل النبوة ج ٢ ص ٣٢٤ والسنن الكبرى لبيهقي ج ٣ ص ٣٥٣ ودلائل

٣٣٦

د ـ إنه قد نزل العذاب أيضا على بعض الأفراد بدعاء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، كما جرى لأبي زمعة ، الأسود بن المطلب ، حيث كان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فدعا عليه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يعمى ، ويثكل ولده ، فأصابه ذلك (١).

ودعا على مالك بن الطلاطله ، فأشار جبريل إلى رأسه ، فامتلأ قيحا فمات (٢).

ثم ما جرى للحكم بن أبي العاص حيث كان يحكي مشية النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فرآه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : كن كذلك ، فكان الحكم مختلجا يرتعش منذئذ (٣).

__________________

النبوة لأبي نعيم ص ٥٧٥ ح ٣٦٩ والغدير ج ١ ص ٢٥٩ والغدير ج ١ ص ٢٥٩ والبحار ج ١٦ ص ٤١١ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ١٨٩ والبداية والنهاية ج ٦ ص ١٠١ وراجع : تفسير السمعاني ج ٢ ص ٣٥٩.

(١) راجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٧ و (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٤ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٣٣٢ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٢٢٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٢ ص ٤٦١ والغدير ج ١ ص ٢٥٩ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ١ ص ٥١٣ والجامع لأحكام القرآن ج ١٠ ص ٦٢ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٥٨٠.

(٢) راجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٧ و (ط دار صادر) ج ٢ ص ٧٥ والغدير ج ١ ص ٢٥٩ وراجع : البحار ج ١٨ ص ٤٩ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٢٢٠ وتفسير مجمع البيان ج ٦ ص ١٣٣ وجامع البيان ج ١٤ ص ٩٥ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٥٨٠ وسيرة ابن إسحاق ج ٥ ص ٢٥٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٢٧٨.

(٣) راجع الاستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ٢١٨ و (ط دار الجيل) ج ١ ص ٣٥٩ والنهاية في اللغة ج ٢ ص ٦٠ وإمتاع الأسماع ج ١٢ ص ١٠١ وشرح

٣٣٧

وما جرى لجمرة بنت الحارث ، فقد خطبها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال أبوها : إن بها سوءا ، ولم تكن كذلك ، فرجع إليها ، فوجدها قد برصت (١).

وما جرى لذلك الرجل الذي كذب على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

وما جرى لابن بن أبي لهب ، فإنه سب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فدعا الله أن يسلط عليه كلبه ، فافترسه الأسد (٣).

__________________

النهج للمعتزلي ج ٦ ص ١٥٠ والإصابة ج ١ ص ٣٤٥ و ٣٤٦ والبحار ج ٣١ ص ١٧٣ والخصائص الكبرى ج ٢ ص ١٣٢ والمعجم الكبير للطبراني ج ٣ ص ٢١٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٦ ص ٢٣٩ و ٢٤٠ والغدير ج ١ ص ٢٦٠ وج ٨ ص ٢٤٤.

(١) راجع الإصابة ج ١ ص ٢٧٦ و (ط دار الكتب العلمية) ج ١ ص ٦٦٣ والخصائص الكبرى ج ١ ص ١٣٣ وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٣٩٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣١٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤١٨ والغدير ج ١ ص ٢٦٠ الجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٦٩.

(٢) راجع : الخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٤٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٦ ص ٢٤٥ والغدير ج ١ ص ٢٦٠ والموضوعات لابن الجوزي ج ١ ص ٨٤.

(٣) الغدير ج ١ ص ٢٦١ وجامع البيان للطبري ج ٢٧ ص ٥٥ وتفسير القرآن للصنعاني ج ٣ ص ٢٥٠ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٢٩٤ والدر المنثور ج ٦ ص ١٢١ والخصائص الكبرى ج ١ ص ١٤٧ و ٢٤٤ والنهاية في اللغة ج ٣ ص ٩١. ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٣٣٨ و ٣٣٩ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٥٨٨ و ٥٨٥ و ٥٨٦ حديث رقم ٣٨٣ و ٣٨١ و ٣٨٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ٦٥.

٣٣٨

ه ـ قد هدد الله قريشا بقوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (١) .. فإن كان مناط الحكم في هذه الآية هو إعراض الجميع ، فإن الصاعقة لم تأتهم لأن بعضهم قد آمن. ولو أنهم استمروا جميعا على الضلال لأتاهم ما هددهم به. ولو كان وجود النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مانعا من جميع أقسام العذاب ، لم يصح هذا التهديد .. ولم يصح أن يصيب الحكم بن أبي العاص ، وغيره ممن تقدمت أسماؤهم شيء من الأذى ..

وعن الدليل الخامس أجاب «رحمه‌الله» :

إن حادثة الفيل استهدفت تدمير أعظم رمز مقدس لأمة بأسرها ، فالدواعي متوفرة على نقلها .. أما قصة هذا الرجل الذي واجه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في قضية الغدير ، فالدواعي لنقلها أقل بكثير ، وهي ككثير من معجزات الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التي نقلت عن طريق الآحاد ، وبعضها قد قبله المسلمون من دون نظر في سنده ..

بل الدواعي متوفرة على طمس هذه القضية ، وذلك إمعانا في إضعاف واقعة الغدير ، وإبعادها عن أذهان الناس ، وإنساء الناس لها ، لأنها تمثل إدانة خطيرة لفريق تقدسه طائفة كبيرة من الناس ..

وأما دعواهم : أن المصنفين قد أهملوا هذه القضية ، فهي مجازفة ظاهرة ، إذ قد تقدم أن كثيرين منهم قد رووها ..

وعن الدليل السادس أجاب «رحمه‌الله» :

بأن الحديث كما أثبت إسلام الحارث ، فإنه قد أثبت ردته .. والعذاب

__________________

(١) الآية ١٣ من سورة فصلت.

٣٣٩

نزل عليه ، بعد ردته لا حين إسلامه ، فلا يصح قوله : إنه لم يصب العذاب أحدا من المسلمين في عهد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ثم ذكر شواهد عن عذاب لحق بعض المسلمين في عهد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كقصة جمرة بنت الحارث ، وغيرها.

وقصة ذلك الذى أكل عند النبى «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بشماله ، فقال له النبى «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : كل بيمينك.

فقال : لا أستطيع.

قال : لا استطعت. فما رفعها إلى فيه بعد (١). وقد رواها مسلم في صحيحه.

وقصة الأعرابي الذي عاده رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وأنه حين قال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لا بأس ، طهور إن شاء الله.

قال : قلت طهور؟ كلا بل حمى تفور (أو تثور) ، على شيخ كبير ، تزيره القبور.

قال له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : فنعم إذا.

فما أمسى من الغد إلا ميتا (٢).

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٤ ص ٢٥٩ ح ١٠٧ والغدير ج ١ ص ٢٦٤ وفتح الباري ج ٩ ص ٤٥٦ وعمدة القاري ج ٢١ ص ٢٩ وتحفة الأحوذي ج ٥ ص ٤٢٢ وعون المعبود ج ١٠ ص ١٧٩ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٢١٥ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٣٦٧.

(٢) راجع : صحيح البخاري ج ٣ ص ١٣٢٤ ح ٣٤٢٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٣ ص ٣٨٣ والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ١٩٧ وكنز العمال ج ٩ ص ٢١١ وصحيح ابن حبان ج ٧ ص ٢٢٥ وراجع : الجوهر النقي للمارديني ج ٣ ص ٣٨٢.

٣٤٠