الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٠

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٠

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-202-1
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥١

«صلى الله عليه وآله» (١) ..

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٦١ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ١٠٣٢ ونقله العلامة الأحمدي «رحمه الله» في مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٩٧ وراجع ج ٢ ص ٤٨٠ عن المصادر التالية : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٢٨٩ وفي (ط أخرى) ج ١ ق ١ ص ٣٧ واللفظ له ، وتهذيب تأريخ ابن عساكر ج ١ ص ١١٥ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٨١ وفي (ط أخرى) ص ١٦٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٠ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٦ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٢ ص ٣٧٤ والثقات ابن حبان ج ٢ ص ٩٤ و ٩٥ والأموال لأبي عبيد ص ٢٠٠ وفي (ط أخرى) ص ٢٨٧ ورسالات نبوية ص ٣١٧ والجمهرة ج ١ ص ٤٨ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٢٧ وتأريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٧ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣١٠ ومنشآت السلاطين ج ١ ص ٣٣ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ١ ص ٤٦٨ وراجع : البحار ج ٢١ ص ٢٤٥ (بهامشه) عن ابن هشام ، والمقريزي ، وشرح الزرقاني ج ٣ ص ٣٥٩ وفتح الباري ج ٣ ص ٢٧٣ وج ٥ ص ١٦٩ وج ٦ ص ١٩١ وعمدة القاري ج ٩ ص ٦٤ ـ ٧٠ وج ١٣ ص ١٦٨ ـ ١٧٠ وج ١٥ ص ٧٦ و ٨٥ وعون المعبود ج ٣ ص ١٤٤ وإرشاد الساري ج ٣ ص ٦٨ و ٦٩ وزاد المعاد ج ٣ ص ٥ والأموال لابن زنجويه ج ٢ ص ٤٦٣ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ٢٤٧ وسيرة النبي «صلى الله عليه وآله» لإسحاق بن محمد. ومسند أحمد ج ٥ ص ٤٢٥ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٢٣٣ وابن أبي شيبة ج ١٤ ص ٥٤٠ وإعلام الورى ص ١٣٣ وفي (ط أخرى) ص ٧٥ والتنبيه والإشراف ص ٢٣٦ وفتوح البلدان للبلاذري ص ٨٠ واليعقوبي ج ٢ ص ٥٧ ومعجم البلدان ج ١ ص ٢٩٢ في «إيلة» وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨٣ والكامل ج ٢ ص ٢٨٠ والطبري ج ٣ ص ١٠٨ والمفصل ج ٧ ص ٣٤٨ وج ٦ ص ٦٠١ وتأريخ ابن خلدون ج ٢ ق ٢ ص ٥٠ والنهاية في

٨١

كتابه صلّى الله عليه وآله لأهل أذرح وجربا :

وكتب رسول الله «صلى الله عليه وآله» لأهل أذرح كتابا ، وكانوا يهودا أيضا ، وقد أعطاهم الأمان فيه ، وفرض عليهم الجزية ، وفيما يلي نص الكتاب :

«بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب محمد النبي «صلى الله عليه وآله» لأهل أذرح وجربا ، إنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد ، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة ، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان إلى المسلمين ، ومن لجأ من المسلمين من المخافة والتعزير ، إذا خشوا على المسلمين فهم آمنون ، حتى يحدث إليهم محمد «صلى الله عليه وآله» قبل خروجه».

قالوا : وأتى أهل جربا وأذرح بجزيتهم بتبوك فأخذها» (١).

__________________

مادة : بحر ، وسيرة ابن كثير ج ٤ ص ٢٩ والتأريخ المختصر لأبي الفداء ج ١ ص ١٤٢ ومجموعة الوثائق السياسية ص ١١٧ والمطالب العالية لابن حجر ص ٢٦٣١ ، وانظر كايتاني ج ٩ ص ٣٨ (التعليقة الأولى) و (اشپربر) ص ٤١ و (اشپرنكر) ج ٢ ص ٤٢٢) وراجع : البخاري ج ٢ ص ١٥٥ وج ٣ ص ٢١٣ وج ٤ ص ١١٩ وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٧٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٢١٥ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٧٨٥ وكنز العمال ج ١٠ ص ٤١٥ وفي (ط أخرى) ج ٥ ص ٣٢٥ وشرح النووي لمسلم ج ١٥ ص ٤٢ والبخاري شرح الكرماني ج ٨ ص ٢٧ وتذكرة الفقهاء ج ١ ص ٤٤١.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٦١ عن الواقدي ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ١١٣ و ١١٤ عن المصادر التالية : البداية والنهاية ج ٥ ص ١٦ و ١٧ (واللفظ له)

٨٢

كتابه صلّى الله عليه وآله لأهل مقنا :

وصالح رسول الله «صلى الله عليه وآله» أيضا أهل مقنا على ربع ثمارهم ، وربع غزولهم. وكانوا قد وفدوا إليه مع يحنّة عظيم إيلة ، وكنا قد أشرنا إلى كتابه في أوائل كتابنا هذا ، حيث تحدثنا عن : أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة ، حيث بحثنا موضوع وضع التاريخ الهجري ..

وقد ذكرنا هناك : أن الظاهر هو : أنه «صلى الله عليه وآله» قد كتب لهم هذا الكتاب في المدينة ، ولعلهم وفدوا إليه مرة أخرى بعد عودته إليها ، لأن كاتب الكتاب هو علي بن أبي طالب «صلوات الله وسلامه عليه» ، وهو لم يكن في غزوة تبوك ..

__________________

والطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٩٠ وفي (ط أخرى) ج ١ ق ٢ ص ٣٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٠ وزيني دحلان (بهامش الحلبية) ج ٢ ص ٣٧٥ ورسالات نبوية ص ٨٩ وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٤٩ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٤٩.

ومجموعة الوثائق السياسية ص ١١٨ / ٣٢ عن جمع ممن تقدم ، وعن إمتاع الأسماع للمقريزي ج ١ ص ٤٦٨ و ٤٦٩ وأخرى في القسم الغير المطبوع (خطية كوپرلو) ص ١٠٤٠ ومنشآت السلاطين ج ١ ص ٣٤ وشرح الزرقاني ج ٣ ص ٣٦٠ ودلائل النبوة للبيهقي (خطية كوپرولو) ج ١ ورقة ٢٣ ـ ب. وشرح السيرة لإبراهيم الحلبي ورقة ١١٥ ـ ب ، وفتوح البلدان ص ٥٩ والخراج لقدامة ورقة ١٢٤ ، مخطوطة باريس ، ولسان العرب ، والمواهب اللدنية ج ٣ ص ١٦٠ والتنبيه والإشراف ص ٢٨٢ والنهاية لابن الأثير مادة جرب ، وانظر مجلة تحقيقات علمية في مراجع المكتوب ص ٢٦ (كايتاني) ج ٩ ص ٢٣٩ التعليقة الثانية و (اشپرنكر) ج ٣ ص ٤٢٢ و ٤٢٤ و (اشپربر) ص ٤٤ و ٤٥.

٨٣

ونص الكتاب هو التالي :

«بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد رسول الله إلى بني حبيبة وأهل مقنا :

سلم أنتم ، فإنه أنزل علي أنكم راجعون إلى قريتكم ، فإذا جاءكم كتابي هذا فإنكم آمنون ، ولكم ذمة الله وذمة رسوله ، وإن رسول الله قد غفر لكم ذنوبكم ، وكل دم اتبعتم به ، لا شريك لكم في قريتكم إلا رسول الله ، أو رسول رسول الله ، وإنه لا ظلم عليكم ولا عدوان ، وإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يجيركم مما يجير منه نفسه ، فإن لرسول الله بزتكم ورقيقكم ، والكراع والحلقة إلا ما عفا عنه رسول الله أو رسول رسول الله ، وإن عليكم بعد ذلك ربع ما أخرجت نخيلكم ، وربع ما صادت عرككم ، وربع ما اغتزلت» (١).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ١٠٠ و ١٠١ و ١٠٥ عن المصادر التالية : الطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٧٧ وفي (ط أخرى) ج ١ ق ٢ ص ٢٨ وفتوح البلدان للبلاذري ص ٧١ وفي (ط أخرى) ص ٨٠ (واللفظ للأول) ورسالات نبوية ص ١١٥ (عن المصباح المضيء عن ابن سعد) ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣١١ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٣٨٠ ومجموعة الوثائق السياسية ص ١١٩ / ٣٣ عن المصادر المذكورة وعن الخراج لقدامة ورقة ١٢٤ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ١ ص ٤٣٩ ومرة أخرى في القسم الغير المطبوع (خطية كوپرولو) ص ١٠٤٠ وانظر مجلة تحقيقات علمية المقالة المذكورة في مراجع المكتوب ص ٢٦ وكايتاني ج ٩ ص ٤٠ و (اشپرنكر) ج ٣ ص ٤١٩ ـ ٤٢١ و (اشپربر) ص ٤٥ و ٤٦ وراجع : الطبقات ج ١ ق ٢ ص ٣٨ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ١٠٣٢ والسيرة

٨٤

كتاب إلى مالك بن أحمر :

وقالوا أيضا : لما خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» سنة تسع إلى تبوك ، حين سمع باجتماع طوائف من الروم ، وعاملة ، ولخم ، وجذام لحربه ، سمع بذلك مالك بن أحمر الجذامي ، فوفد إليه ، فقبل «صلى الله عليه وآله» إسلامه ، وسأله مالك أن يكتب له كتابا يدعو قومه به إلى الإسلام ، فكتب في رقعة أدم عرضها أربعة أصابع ، وطولها قدر شبر (١) ..

ونص الكتاب :

«بسم الله الرحمن الرحيم :

هذا كتاب من محمد رسول الله لمالك بن أحمر ، ولمن تبعه من المسلمين أمانا لهم ما أقاموا الصلاة ، وآتو الزكاة ، واتبعوا المسلمين ، وجانبوا المشركين ، وأدوا الخمس من المغنم ، وسهم الغارمين ، وسهم كذا وكذا ، فهم آمنون بأمان الله عز وجل ، وأمان محمد رسول الله (٢) ..

__________________

الحلبية ج ٣ ص ١٦٠ ودحلان (بهامش الحلبية) ج ٢ ص ٣٧٥ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٢٥ و ٣٢٦ ومعجم البلدان في «مقنا» ، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٢٨٠ والفائق ج ٢ ص ٤١١ والنهاية لابن الأثير ، واللسان في «عرك» و «غزل».

(١) الإصابة ج ٣ ص ٣٣٨ والإستيعاب ج ٣ ص ٣٨١ وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٧١.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٢٤٩ و ٢٥٠ عن المصادر التالية : أسد الغابة ج ٤ ص ٢٧١ (واللفظ له) والإصابة ج ٣ ص ٣٣٨ (عن البغوي وابن شاهين) ورسالات نبوية ص ٢٥٣ (عن جامع أزهر عن الطبراني في الأوسط ، وابن الأثير وابن حجر) ولسان الميزان ج ٣ ص ٢٠ (نقله لمبارك بن أحمر ولعله سهو من

٨٥

ونقول :

إن لنا مع ما تقدم الوقفات التالية :

وفدان لجذام :

والظاهر : أن لجذام وفدين إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» :

أحدهما : حيث كان «صلى الله عليه وآله» في تبوك ، فجاءه مالك بن أحمر وقومه من بني عوف من جذام ، فكتب له الكتاب المتقدم.

الثاني : وفد رفاعة بن زيد الجذامي ، فقد وفد على رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة مع رهط من بني صبيبة من جذام.

__________________

قلمه ، لأنه لم يذكر مبارك بن أحمر في الإصابة ولا ابن الأثير في أسد الغابة) ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٣٦ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٤٤ والمعجم الأوسط للطبراني ج ٧ ص ٤١٩ وأوعز إليه في الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٣ ص ٣٨١ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ١٢٢ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٢٧٩ / ١٧٤ (عن أسد الغابة والإصابة ومعجم الصحابة لابن قانع (خطية) ورقة ١٦٥ ـ ب ١٦٦ ـ ألف ، وميزان الإعتدال للذهبي ج ٢ ص ١٥ ثم قال : قابل الجرح والتعديل لأبي حاتم الرازي ج ٤ ص ١ وراجع : اللباب ج ١ ص ٢٦٥ : وجذام هو الصدف بن أسلم بن زيد بن مالك بن زيد بن حضرموت ، وكذا في الأنساب للسمعاني ج ٢ ص ٣٣ وفيه أيضا : جذام هو الصدف بن شوال بن عمرو بن دعمى بن زيد ، ولكن المشهور هو ما ذكرنا ، ولعل هؤلاء طائفة أخرى كما في هامش الأنساب للسمعاني.

٨٦

من بركات تبوك :

ويلاحظ هنا : أن من جملة بركات مسير تبوك هو : أن الله تعالى قد ألقى الرعب في قلوب أعداء الله ، فبادروا إلى إعلان إسلامهم أو استسلامهم ، فكانت هذه المعاهدات مع الفئات المختلفة ، هي النتيجة الطبيعية لذلك ، ووفد إليه أهل مقنا ، وإيلة ، وجربا ، وأذرح ، ومالك بن أحمر وقومه يطلبون العهد والأمان ، وفتح الله دومة الجندل ، وما إلى ذلك ..

يضاف إلى ذلك كله ، رعب الروم وعمالهم ، وسائر القبائل المعادية ، مثل عاملة ، ولخم ، وجذام ، وسائر الذين جمعوا الجموع ، وأرادوا مهاجمة المسلمين ..

يريد كتابا يدعو قومه به :

وقد صرحت الروايات : بأن الكتاب الذي طلبه مالك بن أحمر ، قد أراد أن يدعو قومه به ..

ويلاحظ : أن ما كتبه رسول الله «صلى الله عليه وآله» لهم ، هو نفس ما كتبه لغيرهم ، وهو : أن يلتزموا بأحكام الدين ، وأن يكونوا مع المسلمين ، ويتركوا المشركين ..

وهذا يدل على : أن هذا الدين لا يحتاج إلى أي جهد لإقناع الناس به ، بل إن مجرد عرض نفس حقائقه وأحكامه يكفي للرغبة فيه والتعلق به ، والزهد بغيره إلى حد النفور ..

أمان الله ، وأمان رسوله :

والأمان الذي جعله رسول الله «صلى الله عليه وآله» لمالك بن أحمر

٨٧

وقومه هو أمان الله تعالى أولا. الذي يكفي في الحصول عليه أن يلتزموا بأحكام الدين ، كما أن أمان رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يحتاج إلى أكثر من ذلك .. فهو إذن لم يطلب لنفسه شيئا ، بل ما طلبه يعود نفعه إليهم ..

إرفع رأسك :

وحين كفّر رؤبة (أي وضع إحدى يديه على الأخرى) أمام النبي «صلى الله عليه وآله» وأومأ برأسه ، لم يوافق فعله هذا رضى من رسول الله ، لأنه «صلى الله عليه وآله» يريد أن يكون الإحترام والتعظيم من منطلق الوعي للقيمة الأخلاقية والإنسانية التي تعطي القيمة للإنسان الذي يعيش إنسانيته ، والإرتباط بالله تبارك وتعالى بصدق ، وبإخلاص.

أما إذا كان الإحترام للإنسان ، لأنه غني ، أو قوي أو ذو جاه وشوكة ، وسلطان ، فالإحترام ليس لإنسانيته ، وإنما لماله ، ولقوته ، وخوفا من سلطانه وهيبة لموقعه وجاهه .. وما إلى ذلك ..

كما أنه «صلى الله عليه وآله» يرى أن الخضوع والخشوع ، لا بد أن يكون لله تبارك وتعالى لا لسواه .. وأن الجميع سواسية أمامه سبحانه ، وأن هذه الطاعة له سبحانه تغني عن كل ما عداها .. فكل ما يكون لغيره فلا بد أن ينتهي إليه ، ويكون من خلاله تعالى ، وإلا فهو باطل وزائف ، لأن قطع الصلة بين أي شيء وبين الله تعالى ، سوف يفقده قيمته ، ويسقط معناه ..

اليهودي والصليب :

إنهم يقولون : إن أهل أيلة ، وجربا وأذرح ، وسواها ، كانوا يهودا فما معنى أن يكون على يحنّة صليب من ذهب ، والحال أن النصارى هم الذين

٨٨

يعتمدون الصليب؟!

لمحة توضيحية في كتاب يحنّة :

هذا .. وقد تضمن كتابه «صلى الله عليه وآله» ليحنة وأهل إيلة الأمان لهم ولأنفسهم ، وأموالهم وقوافلهم ، وسفنهم ، بشرط أن لا يحدثوا حدثا يوجب نقض العهد ، فإن من ينقض العهد لا حرمة لماله ولا لدمه ، ولا تقبل منهم الفدية لو بذلوها في هذه الحال ..

والحدث الموجب لنقض العهد هو الإمتناع عن إعطاء الجزية ، وإظهار التمرد والعصيان ..

وقد تضمن كتابهم التنصيص على حرية تحركهم ، وقد أباح لهم أن يردوا أي ماء شاؤا ، وأن يسلكوا أي طريق أرادوا ..

أهل مقنا معتدون :

إن نص كتاب أهل مقنا يفيد : أنهم كانوا قد ارتكبوا من السيئات والذنوب تجاه الإسلام ، وآذوا المسلمين ما جعلهم يستحقون معه العقوبة دون سائر الناس ، ولكن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، قد غفر ذلك لهم .. بل هو قد أحسن إليهم بأن أجارهم «صلى الله عليه وآله» ، حتى أنه ليدفع عنهم كل ما يدفعه عن نفسه ..

وهذا غاية الرفق بهم ، والإحسان إليهم.

ولكنه شدد عليهم من جهة أخرى ، فأجرى فيهم حكم التوراة ، ربما لكي لا يستسهلوا العودة إلى الجريمة ، حين يرون أن العفو ، والحماية بانتظارهم ، وأن ثم من يدفع عنهم.

٨٩

ثم إنه «صلى الله عليه وآله» قد أخذ منهم متاعهم ورقيقهم ، وآلة الحرب وما يتقوّون به على العدوان ، إلا ما عفا عنه لهم. مما لا بد لهم منه للدفع عن أنفسهم ..

الأمير من أهل البيت فقط :

وقد شرط لهم : أن لا أمير عليهم إلا من أنفسهم ، أو من أهل رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فهل المقصود من هذا القرار النبوي تعريف الناس : أن أهل رسول الله «صلى الله عليه وآله» هم الذين يعاملونهم بالرفق ، ويهتمون بما يصلحهم ، ولا يبغون لهم إلا الصلاح والخير ، فهم يحرصون على مصلحتهم بمستوى حرص أحدهم على مصلحة نفسه وأهله؟.

أما غير أهل النبي «صلى الله عليه وآله» ، فقد يجرون النار إلى قرصهم ، ويتخذون الدين ذريعة للدنيا ، ويتخذون مال الله دولا وعباد الله خولا ، وهذا ما أظهرته الوقائع اللاحقة ..

كما أن أهل رسول الله «صلى الله عليه وآله» أعرف من كل أحد بأحكام الدين ، وهم الواقفون على سياسات ومناهج وأخلاق وأهداف رسول الله «صلى الله عليه وآله» .. وهم الأولى من كل أحد بتولي شأن الناس من بعده ..

كتاب مزوّر لأهل مقنا :

وقد أورد بعضهم نصا لكتاب النبي «صلى الله عليه وآله» لأهل مقنا ، وهو باللغة العربية لكنه مكتوب بالخط العبراني.

٩٠

وهو يختلف عن النص المتقدم ويزيد عليه في أمور كثيرة (١) ، ولكن بعض الباحثين قد حكموا عليه بأنه مزور ومكذوب. ومستندهم في ذلك الأمور التالية :

١ ـ أن الكتاب المذكور قد أرخ بسنة خمس للهجرة ، مع أن ثمة اتفاقا على أنه «صلى الله عليه وآله» قد عاهد أهل مقنا سنة تسع ..

٢ ـ قد ورد ذكر صفية زوجة رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الكتاب ، مع أن النبي «صلى الله عليه وآله» إنما تزوجها سنة سبع بعد غزوة خيبر ..

٣ ـ إنه «صلى الله عليه وآله» قد كتب إلى ملوك الدنيا بالخط العربي ، فلما ذا كتب ليهود مقنا بالعبرانية ، وهم عرب؟! ..

٤ ـ إن خيبر قد فتحت بعد سنة خمس بالإتفاق .. والكتاب مؤرخ بسنة خمس.

ونضيف إلى ما تقدم :

أن نفوذ المسلمين لم يكن بهذا الإتساع ، كما أن عساكر الإسلام لم تكن قد وصلت إلى تلك المناطق ، ولم يكن أهلها يخافون من حملات المسلمين على بلادهم ، خصوصا قبل سقوط خيبر وقبل فتح مكة حيث كان المشركون في مكة يضغطون على المسلمين ، ويشنون عليهم الحملات ..

٥ ـ إن الجزية ـ حسب زعمهم ـ قد وضعت سنة تسع ، فهي في سنة خمس لم تكن قد وضعت بعد ..

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ١١٠ ـ ١١٢ ومجموعة من الوثائق السياسية ص ١٢١.

٩١

٦ ـ بعض الشروط التي أعطاهم إياها ، أو أعفاهم منها لم تكن تجري حتى في حق المسلمين. إذا ما معنى أن لا يحجبوا عن ولاة المسلمين؟!.

٧ ـ ما معنى أن لا يمنع أحد من اليهود من دخول المساجد؟!.

٨ ـ لماذا لا يعدّ زواج النبي «صلى الله عليه وآله» بمن كانت قبل إسلامها على الشرك إكراما للمشركين أيضا؟

ولماذا لا يعدّ زواجه «صلى الله عليه وآله» من مارية القبطية إكراما للنصارى؟!

قصة ذي البجادين :

قالوا : كان عبد الله ذو البجادين (١) من مزينة ، مات أبوه وهو صغير ، فلم يورثه شيئا ، وكان عمه مليّا ، فأخذه ، فكفله حتى كان قد أيسر ، وكانت له إبل وغنم ورقيق ، فلما قدم رسول الله «صلى الله عليه وآله» المدينة جعلت نفسه تتوق إلى الإسلام ولا يقدر عليه من عمه ، حتى مضت السنون والمشاهد كلها.

فانصرف رسول الله «صلى الله عليه وآله» من فتح مكة راجعا إلى المدينة ، فقال عبد الله ذو البجادين لعمه : يا عم قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدا ، فائذن لي في الإسلام.

فقال : والله لئن اتبعت محمدا لا تركت بيدك شيئا كنت أعطيتكه إلا انتزعته منك حتى ثوبيك.

__________________

(١) البجاد : كساء مخطط من أكيسة الأعراب ، يشتملون به.

٩٢

فقال : وأنا والله متبع محمدا ومسلم ، وتارك عبادة الحجر والوثن ، وهذا ما بيدي فخذه ، فأخذ كل ما أعطاه حتى جرده من إزاره.

فجاء أمه فقطعت بجادا لها باثنين ، فائتزر بواحد وارتدى بالآخر.

ثم أقبل إلى المدينة ، فاضطجع في المسجد ، ثم صلى مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» الصبح ، وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح ، فنظر إليه فأنكره.

فقال : «من أنت»؟

فانتسب له ، فقال : «أنت عبد الله ذو البجادين».

ثم قال : «انزل مني قريبا».

فكان يكون في أضيافه ، ويعلمه القرآن ، حتى قرأ قرآنا كثيرا ، وكان رجلا صيتا فكان يقوم في المسجد ، فيرفع صوته في القراءة ، فقال عمر : يا رسول الله ، ألا تسمع هذا الأعرابي يرفع صوته بالقرآن ، حتى قد منع الناس القراءة؟

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : «دعه يا عمر ، فإنه قد خرج مهاجرا إلى الله تعالى وإلى رسوله».

فلما خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى تبوك ، قال : يا رسول الله. ادع الله تعالى لي بالشهادة.

فقال : «أبلغني بلحاء سمرة». (أي ائتني بها).

فأبلغه بلحاء سمرة ، فربطها رسول الله «صلى الله عليه وآله» على عضده ، وقال : «اللهم إني أحرم دمه على الكفار».

فقال : يا رسول الله ، ليس هذا أردت.

٩٣

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : «إنك إذا خرجت غازيا في سبيل الله فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد. وإذا وقصتك دابتك فأنت شهيد ، لا تبالي بأية كان».

فلما نزلوا تبوك أقاموا بها أياما ، ثم توفي عبد الله ذو البجادين ، فكان بلال بن الحارث المزني يقول : حضرت رسول الله «صلى الله عليه وآله» ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفا بها ، وإذا رسول الله «صلى الله عليه وآله» في القبر ، وإذا أبو بكر وعمر يدليانه إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو يقول : «أدنيا لي أخاكما».

فلما هيأه لشقه في اللحد قال : «اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا ، فارض عنه».

فقال ابن مسعود : يا ليتني كنت صاحب اللحد (١).

ونقول :

في هذه القضية أمور كثيرة تحتاج إلى بيان ، غير أننا سوف نقتصر منها على نقطتين فقط ، فلاحظ ما يلي :

إعتراض عمر على قراءة القرآن :

ذكرت الرواية المتقدمة : أن عمر بن الخطاب قد اشتكى على ذي البجادين إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه يرفع صوته بالقرآن ، ثم هو يصفه بوصف يريد أن يشينه به ، وهو أنه أعرابي ، وكأنه يريد إن يطبق عليه

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٥٩ و ٤٦٠ عن ابن إسحاق ، وابن مندة ، والواقدي ، والمغازي للواقدي ج ٣ ص ١٠١٤ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٥٤.

٩٤

قوله تعالى : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١) ، وغيرها من الآيات ..

مع أنه يعلم ويرى : أن النبي «صلى الله عليه وآله» معهم في المسجد ، ويسمع قراءة ذي البجادين كما يسمعون ، فلو أنه كان في قراءته ما يحتاج إلى تدخل ، وتحديد لكان «صلى الله عليه وآله» بادر إلى ذلك من دون حاجة إلى تذكير عمر ..

كما أن ذا البجادين لم يسئ إلى عمر ، لكي يتخذ عمر ذلك ذريعة لتوجيه الإهانة له ..

يضاف إلى ذلك : أنه لم يظهر من فعل ذي البجادين أنه يتعمد إزعاج المسلمين بقراءته ..

فلما ذا إذن يوجه له عمر بن الخطاب هذه الكلمات اللاذعة والمهينة؟!.

لم يدع له بالشهادة! :

ولعل السبب في أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يدع بالشهادة لذي البجادين : أن الله تعالى كان قد أعلمه بأن غزوة تبوك سوف تنتهي من دون حرب ، والذي طلبه ذو البجادين ـ فيما يبدو ـ هو الشهادة في تبوك بالذات ، فإذا دعا له النبي «صلى الله عليه وآله» بالشهادة ، ثم حضر أجل ذلك الرجل ، الذي يرى أن دعاء رسول الله «صلى الله عليه وآله» مستجاب ، فسيعتقد أنه لم يكن أهلا لكرامة الله تبارك وتعالى ، ولربما يصاب باليأس

__________________

(١) الآية ٩٧ من سورة التوبة.

٩٥

الذي قد يؤي به إلى الهلاك. هذا إن لم يرتب في استجابة الله دعاء رسوله ، ثم ينتقل إليه هنا إلى معان ومفردات أخرى ، يتجاوز بها الحدود.

فما فعله النبي «صلى الله عليه وآله» مع هذا الرجل ، إنما كان يهدف إلى حفظ إيمانه وصحة يقينه ..

هذا .. ويلاحظ : أن الرسول «صلى الله عليه وآله» قد عوضه عن المفاجأة التي أصيب بها للوهلة الأولى ، حين رأى النبي «صلى الله عليه وآله» يحرم دمه على الكفار أن يسفكوه ، بأن فتح له أبوابا أخرى تلتقي مع معنى الشهادة في أجرها ، وفي مقامها ، فأخبره بأن خروجه للغزو ، ثم إدراك الموت له ولو بالحمّى ، يجعله في مصافّ الشهداء ..

إلى دمشق :

ويقولون : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» شاور أصحابه في التقدم ، فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، إن كنت أمرت بالمسير فسر.

فقال «صلى الله عليه وآله» : «لو أمرت بالمسير لما استشرتكم فيه».

فقال : يا رسول الله ، إن للروم جموعا كثيرة ، وليس بها أحد من أهل الإسلام ، وقد دنونا منهم ، وقد أفزعهم دنوك ، فلو رجعنا هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله لك أمرا (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ٥ ص ٤٦١ و ٤٦٢ عن الواقدي ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٣٧ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٦٢ وج ٩ ص ٢٦٤ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ١١٩.

٩٦

ونقول :

إننا في الوقت الذي لا نريد فيه أن نتجنى على أحد ، لا نريد أيضا أن نورد الأحداث مجتزأة ، أو مبهمة ، فإن للقارئ علينا حقا ، لا بد أن نؤديه إليه ولا نخونه فيه ، ألا وهو أن نكون أمينين فيما ننقله له ، معتمدين الصراحة والوضوح ، ومحاولة استيفاء العناصر الأساسية التي توضح له مرامي النص الذي نعرضه.

من أجل ذلك ، نقول :

١ ـ إن ثمة أمرا لافتا للنظر ، وهو أنه «صلى الله عليه وآله» حين استشار أصحابه في أمر الحرب في بدر ، كانت مشورتهم عليه تقضي بتجنب الدخول فيها ، مع إسهاب ظاهر في التعظيم والتهويل ..

وبقريش وجبروتها في حرب حنين نراهم يعتزون بكثرة عددهم ، ثم يهربون بصورة مذلة ومهينة.

ثم جاءت تبوك ، فكانت مشورتهم عليه «صلى الله عليه وآله» هي هذا الذي قرأناه آنفا من أقوال عمر بن الخطاب .. المتضمن للتخويف من جموع الروم الكثيرة ، وعدم وجود أحد في تلك البلاد من أهل الإسلام ، وأن الإكتفاء بهذا الدنو منهم الذي أفزعهم ، والرجوع من هناك إلى المدينة هو الأولى والأصوب ..

فلما ذا هذا التحاشي لأي صدام مع أعداء الله من النصارى ، ومن المشركين؟ هل هو الجبن والخور؟ أم ما ذا؟!

٢ ـ قد تحدثنا عن سبب استشارة النبي «صلى الله عليه وآله» لأصحابه في أمر الحرب ، وذلك حين الحديث عن غزوة أحد ، فراجع.

٩٧

حديث الطاعون في الشام :

وروى عكرمة عن أبيه أو عن عمه عن جده :

أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال في غزوة تبوك : «إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها ، وإذا كنتم بغيرها فلا تقدموا عليها» (١).

قال في بذل الطاعون : يشبه ـ والله أعلم ـ أن يكون السبب في ذلك أن الشام كانت في قديم الزمان ولم تزل معروفة بكثرة الطواعين ، فلما قدم النبي «صلى الله عليه وآله» تبوك غازيا الشام لعله بلغه أن الطاعون في الجهة التي كان يقصدها ، فكان ذلك من أسباب رجوعه من غير قتال ـ والله أعلم. انتهى.

قال الصالحي الشامي :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ص ٤٦٢ عن أحمد والطبراني ، وفي هامشه عن : أحمد ج ١ ص ١٧٥ وج ٣ ص ٤١٦ وج ٥ ص ٣٧٣ ، والطبراني في الكبير ج ١ ص ٩٠ ، وانظر المجمع ج ٢ ص ٣١٥ والدولابي في الكنى ج ١ ص ١٠٠ ، والطحاوي في المعاني ج ٤ ص ٣٠٦ ونيل الأوطار ج ٧ ص ٣٧٤ وصحيح مسلم ج ٧ ص ٢٧ وسنن الترمذي ج ٢ ص ٢٦٤ وتحفة الأحوذي ج ٤ ص ١٤٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٣ ص ٣٧٦ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٢٨ و ٨٧ ومسند سعد بن أبي وقاص ص ١٣٨ و ١٤٤ و ١٤٥ و ١٨٦ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ٨١ والآحاد والمثاني ج ٢ ص ٥٢ والسنن الكبرى لنسائي ج ٤ ص ٣٦٢ والمعجم الكبير ج ١ ص ١٦٦ وج ٤ ص ٩١ وج ١٨ ص ١٥ والإستذكار لابن عبد البر ج ٨ ص ٢٥٤.

٩٨

قلت : قد ذكر جماعة : أن طاعون شيرويه أحد ملوك الفرس ، كان في أيام النبي «صلى الله عليه وآله» ، وأنه كان بالمدائن (١).

ونقول :

١ ـ إن طاعون شيرويه ، إذا كان في المدائن ، فهو في العراق ، لأن المدائن تقع قرب بغداد ، وكانت عاصمة لمملكة الفرس ، ولا يزال إيوان كسرى فيها ماثلا للعيان حتى اليوم ..

فأين المدائن عن تبوك ، وعن الشام وبلادها ، وما معنى أن يساق الحديث إليه هنا؟!.

٢ ـ قد تقدم : أن السبب في رجوعه «صلى الله عليه وآله» عن بلاد الروم ، هو ما أظهره قيصر من مقاربة لدين الإسلام ، حيث لم يعد سائغا الدخول في حرب معه قبل أن تستقر الأمور بالإتجاه الذي يفرض ذلك ..

٣ ـ إننا لم نسمع عن وجود طاعون في الشام في زمن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، سواء في الجهة التي كان «صلى الله عليه وآله» يقصدها أو في غيرها ..

٤ ـ بالنسبة للكلمة المنقولة عن النبي «صلى الله عليه وآله» آنفا فيما يرتبط بالدخول أو الخروج من البلاد التي يكون فيها الطاعون نقول :

إنها قد أسست لمبدأ الحجر الصحي للأمان من العدوى ، وإن كان بعض الناس قد فهمها بصورة خاطئة ، كما أوضحته الروايات الواردة عن أهل البيت «عليهم السلام» :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ص ٤٦٢.

٩٩

١ ـ فعن علي بن المغيرة ، قال : قلت لأبي عبد الله «عليه السلام» : القوم يكونون في البلد يقع فيها الموت ، ألهم أن يتحولوا عنها إلى غيرها؟!.

قال : نعم.

قلت : بلغنا أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» عاب قوما بذلك.

فقال : أولئك كانوا رتبة بإزاء العدو ، فأمرهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يثبتوا في موضعهم ، ولا يتحولوا منه إلى غيره ، فلما وقع فيها الموت تحولوا من ذلك المكان إلى غيره. فكان تحولهم من ذلك المكان إلى غيره كالفرار من الزحف (١).

٢ ـ وعن أبان الأحمر قال : سأل بعض أصحابنا أبا الحسن «عليه السلام» عن الطاعون يقع في بلدة وأنا فيها ، أتحول عنها؟

قال : نعم.

قال : ففي القرية وأنا فيها أتحول عنها؟

قال : نعم.

قال : ففي الدار وأنا فيها أتحول عنها؟

قال : نعم.

قلت : فإنا نتحدث أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال : الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف؟!.

__________________

(١) البحار ج ٧٨ ص ١٢١ عن علل الشرائع ص ١٧٦ و (منشورات المكتبة الحيدرية) ج ٢ ص ٥٢٠. وراجع : التحفة السنية (مخطوط) ص ٣٣٩ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ٢ ص ٤٣٠ و (ط دار الإسلامية) ج ٢ ص ٦٤٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ١٧١.

١٠٠