الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٠

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٠

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-202-1
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥١

لعل هذه أمارات شرعية؟!

إن ما ذكر عن النبي «صلى الله عليه وآله» من أن المولود الذي سيأتي إن كان فيه صفات كذا فهو لفلان ، وإن لم تكن فيه تلك الصفات فهو لغيره ، لا يمكن القبول بنسبته إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» .. فإن ذلك لم يجعل من أمارات النسب ، ولأجل ذلك نقول :

أولا : إنه إن كان قوله هذا أمارة معتبرة شرعا ، فلا حاجة إلى الملاعنة ، بل كان يجب أن ينتظر بالمرأة حتى تضع حملها فينظر إلى صفات الولد ، ليحكم عليها بالزنا أو بعدمه ..

وإن كان ذلك لا يثبت شيئا ، فإنه يدخل في سياق قذف تلك المرأة من دون حجة ظاهرة ، وهذا لا يصدر عن نبي الرحمة ، المعصوم ، والداعي إلى الستر على الناس.

ويزيد الأمر إشكالا : أن بعض الروايات قد بينت أن ذلك أدى إلى تكريس اتهام تلك المرأة بالزنا ونفي الولد عن أبيه بين الناس ، مع أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أورد ذلك على سبيل الظن والإحتمال ، ففيها : أنه «صلى الله عليه وآله» قال : انظروا ، فإن جاءت به أسحم ، أدعج العينين ، عظيم الإليتين ، خدلّج الساقين ، فلا أحسب عويمرا إلا صدق عليها.

وإن جاءت به أحيمر ، كأنه وجرة ، فلا أحسب عويمرا إلا كذب عليها.

فجاءت به على النعت الذي نعته «صلى الله عليه وآله» من تصديق عويمر. فكان بعد ذلك ينسب إلى أمه (١).

__________________

(١) راجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٣٤ وراجع : كتاب الأم للشافعي ج ٥ ص ١٣٤

٢٢١

ثانيا : إن الكلام المنسوب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» قد جاء شبه متناقض فإن قوله «صلى الله عليه وآله» : «فهو لغير الذي رميت به ..» قد أكد أن الولد ابن زنا على كل تقدير. ثم لم يحكم بأنه ابن الزوج على التقدير الآخر.

مع أنه حكم بأن عويمرا قد كذب عليها.

إلا أن يقال : إن أبوة الزوج للولد قد انتفت بنفس اللعان وإن كان لا يصح نسبته إلى الزاني أيضا ..

ولكن يبقى السؤال عن معنى توصيف الولد بصفات محددة حتى في الحالتين.

نزول آية اللعان واعتراض سعد :

وقد ذكرت الرواية : أن آية اللعان قد نزلت في مناسبة قصة عويمر التي حصلت بعد تبوك.

وقد روى ابن عباس : أن سعد بن عبادة كان بصدد الإعتراض على حكم الله ، حتى قال النبي «صلى الله عليه وآله» للأنصار : «يا معشر الأنصار ، ألا تسمعون إلى ما قال سيدكم»؟

__________________

و ٣٠٧ وج ٧ ص ٣١١ والبحر الرائق ج ٤ ص ١٨٩ واختلاف الحديث للشافعي ص ٥٤٧ وكتاب المسند للشافعي ص ١٨٨ وكتاب المسند للشافعي ص ٢٥٧ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٣٤ وصحيح البخاري ج ٦ ص ٣ وج ٨ ص ١٤٦ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٦٦٧ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٣٩٩ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٢ ص ٣٨٦ وفتح القدير ج ٤ ص ١١ والدر المنثور ج ٥ ص ٢٣ وتفسير الثعلبي ج ٧ ص ٧١ والكشاف للزمخشري ج ٣ ص ٥٢.

٢٢٢

فاعتذروا له بشدة غيرة سعد ، ثم إن سعدا نفسه اعتذر : بأنه إنما قال ذلك تعجبا.

وتضمن هذا الحديث نفسه : أن النبي «صلى الله عليه وآله» همّ بأن يجلد الذي قذف زوجته ثمانين.

قال : واجتمعت الأنصار وقالوا : ابتلينا بما قال سعد : أيجلد هلال (١) ، وتبطل شهادته؟

فنزل الوحي باللعان ..

ثم ذكرت الرواية قول النبي «صلى الله عليه وآله» : إن جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها. وإن جاءت به كذا وكذا فهو للذي قيل فيه (٢).

ونقول :

إن من المناسب ملاحظة ما يلي :

متى نزلت آية اللعان؟! :

إن سورة النور قد نزلت دفعة واحدة على الأرجح ، لقوله تعالى في أول

__________________

(١) يعني هلال بن أمية.

(٢) البحار ج ٢٢ ص ٤٦ ومجمع البيان ج ٧ ص ١٢٧ و ١٢٨ والدر المنثور ج ٥ ص ٢١ و ٢٢ عن أحمد ، وعبد الرزاق ، والطيالسي ، وعبد بن حميد ، وأبي داود ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وراجع : مسند أبي داود الطيالسي ص ٣٤٨ وتفسير مجمع البيان ج ٧ ص ٢٢٥ وجامع البيان للطبري ج ١٨ ص ١٠٩ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٨ ص ٢٥٣٣ وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٣٥٥ و ٣٦٤ وتفسير الثعلبي ج ٧ ص ٦٩ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٣ ص ٣٥٠.

٢٢٣

آية منها : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها)(١) .. وهي إنما نزلت كما يقال : في غزوة المريسيع ، التي كانت قبل تبوك بعدة سنوات.

إن قلت : لعل الآية نزلت مع السورة أولا دفعة واحدة ، ثم بعد سنوات حصلت مناسبتها ، فنزلت مرة ثانية؟!.

فإنه يقال : لو كان الأمر كذلك لم يتحير عاصم ، أو سعد بن عبادة في هذا الأمر ..

فإن قلت : إن من الممكن أن لا يلتفت المتحير للآية التي ذكرت اللعان.

فنقول : قد كان يكفي في هذه الحال مبادرة النبي «صلى الله عليه وآله» الى تذكير المتحير بالآية والسورة ، من دون حاجة إلى إنزالها على يد جبرئيل مرة أخرى.

وقد تقدم : عدم صحة ما نسب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» من حكمه بأن الولد للزاني إن جاءت به بصفة كذا وكذا.

جلد هلال بن أمية :

إن ما زعمته رواية ابن عباس ـ كما في الدر المنثور ـ : من أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد جلد هلال بن أمية. لا يمكن قبوله ، وذلك :

أولا : لما ذكرناه من أن هذا الحكم قد ورد في سورة النور التي نزلت دفعة واحدة على ما يظهر ، وقد نزلت آيات الأمر بجلد القاذف ، وآيات اللعان في صيغة واحدة ، فالنبي «صلى الله عليه وآله» كان يعلم الحكم قبل هذه الواقعة.

__________________

(١) الآية ١ من سورة النور.

٢٢٤

ثانيا : قد يقال : إن ظاهر الرواية : أنه «صلى الله عليه وآله» قد جلد هلالا.

والجواب : أن الرواية لا تدل على ذلك ، فإن قول سعد بن عبادة : «الآن ، فضرب رسول الله «صلى الله عليه وآله» هلال بن أمية ، وأبطل شهادته في المسلمين» ، يراد به : توقع حصول ذلك منه «صلى الله عليه وآله» لا أنه قد حصل بالفعل.

ويدل عليه قوله في آخر الرواية : «والله لم يعذبني عليها ، كما لم يجلدني عليها».

ولو سلمنا أنه جلده فعلا فيرد عليه :

ألف : إن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يقدم على جلد ذلك الرجل بدون إذن من ربه ، فإن كان الحكم هو اللعان ، فلما ذا يأذن الله بجلده ، وإن كان الحكم هو الجلد ، فلا حاجة إلى حكم اللعان ..

ونسبة الظلم إلى الله تعالى ، أو التسرع إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» والإقدام على عمل لم يؤذن له به ، يوجب الكفر.

ب : تقول الرواية المزعومة ـ التي وردت في الدر المنثور ـ عن المصادر المتقدمة : أن هلال بن أمية ، بعد أن جلد قال : «والله ، إني لأرجو أن مخرجا ..» مع أنه قد جلد وانتهى الأمر ، فأي مخرج يرجوه من عند الله؟!.

إلا إن كان يريد أن يظهر الله صدقه فيما ادّعاه ، لأنه لا يريد أن يشيع بين الناس أنه قد افترى وكذب ..

لو لا ما مضى من كتاب الله :

وقد ذكرت رواية ابن عباس : أنه «صلى الله عليه وآله» قال : «لو لا ما

٢٢٥

مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ، أو كذا وكذا» (١). أو «لو لا هذه الأيمان لكان في أمرها رأي أو شأن» (٢).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٥ ص ٢٢ و ٢٤ عن البخاري ، والترمذي ، النسائي ، وأبي يعلى ، وابن ماجة ، وابن مردويه ، وراجع : المجموع للنووي ج ١٧ ص ٣٨٩ والمحلى لابن حزم ج ١٠ ص ١٤٥ وج ١١ ص ٢٨٠ ونيل الأوطار ج ٧ ص ٦٧.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ج ٥ ص ٨ وج ٦ ص ٣٥٠ و ٤٤٢ والمبسوط للشيخ الطوسي ج ٥ ص ١٨٣ والسرائر لابن إدريس ج ٢ ص ٧٠٥ وجامع الخلاف والوفاق ص ٤٩٤ وتذكرة الفقهاء (ط. ق) ج ٢ ص ٢٧٨ وكشف اللثام (ط. ج) ج ٨ ص ٣٣٢ و (ط. ق) ج ٢ ص ١٧٩ وجواهر الكلام ج ٣٤ ص ٦٣ والمجموع للنووي ج ١٥ ص ٣١٠ وج ١٧ ص ٤١٣ و ٤٣٣ والمغني لابن قدامة ج ٦ ص ٣٩٦ و ٣٩٧ وج ٩ ص ٤ و ٦ و ٤٤ وج ٦ ص ٤٠٤ و ٤٠٥ وج ٩ ص ٤ و ١٦ وج ١٠ ص ٢٢٠ وكشاف القناع للبهوتي ج ٥ ص ٤٦٠ وسبل السلام ج ٣ ص ١٩٤ وج ٤ ص ١٣٧ ونيل الأوطار ج ٧ ص ٧٠ و ٨١ و ٢٧١ وج ٩ ص ١٨٨ و ١٩٩ وعوالي اللآلي ج ٣ ص ٤١٨ وجامع أحاديث الشيعة ج ٢٢ ص ٣٦٣ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٣٩ وسنن أبي داود ج ١ ص ٥٠٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٣٩٥ وشرح مسلم للنووي ج ١٢ ص ٥ وفتح الباري ج ٩ ص ٣٩١ و ٤٠٨ وج ١٣ ص ١٥٣ وعمدة القاري ج ١٣ ص ٦ و ٢٥١ وشرح سنن النسائي للسيوطي ج ٨ ص ٢٣٤ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٣٤٨ ومسند أبي يعلى ج ٥ ص ١٢٧ ومعرفة السنن والآثار ج ٥ ص ٥٤٦ والتمهيد لابن عبد البر ج ١٥ ص ٤٣ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٤٢١ وكنز العمال ج ١٥ ص ٢٠٣ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٨ ص ٢٥٣٤ وأحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٣٠٦ وتفسير السمرقندي ج ٢ ص ٤٩٨ تفسير السمعاني ج ٣ ص ٥٠٥ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٣ ص ٣٥٣ وتفسير

٢٢٦

ونقول :

إن نسبة هذا الكلام إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» مرفوضة ، فإنه «صلى الله عليه وآله» لا يمكن أن يكون له رأي يغاير شرع الله تبارك وتعالى.

كما لا يمكن أن يكون التشريع تابعا لآراء الرجال .. بل إذا كان لا بد من إعمال نظر في أية قضية ، فلا بد أن ينطلق من الضابطة التي وضعها الله ، وفي الحدود التي رسمها ..

إن هؤلاء يريدون أن يشرعوا لأئمتهم القول في الدين بآرائهم ، حين يجهلون أحكام الله ، وتطلب منهم الفتوى ، أو اتخاذ الموقف.

ويلاحظ : أن الروايات قد اختلفت فيما بينها ، فلاحظ مثلا اختلافها في اسم الرجل الذي لاعن زوجته ، هل هو هلال ، أو عويمر؟

وفي اسم أبيه ، هل هو أبيض ، أو أمية؟

وهل الذي كلم رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الذي يرى مع زوجته رجلا ما ذا يصنع ، هل هو عاصم بن عدي ، أم هلال بن أمية ، أم سعد بن عبادة؟

يضاف إلى ذلك : الإختلاف في الكلام المنسوب للنبي «صلى الله عليه وآله» ، إلى غير ذلك مما يجده المتتبع.

__________________

الرازي ج ٢٣ ص ١٦٦ والجامع لأحكام القرآن ج ١٢ ص ١٨٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٢٧٧ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٥ ص ٤٦٧ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٢ ص ٣٨٢.

٢٢٧

آمنة بنت وهب المؤمنة الطاهرة :

ورووا عن ابن عباس أنه قال : إنه «صلى الله عليه وآله» «لما أقبل من غزوة تبوك اعتمر ، فجاء قبر أمه ، فاستأذن ربه أن يستغفر لها. ودعا الله تعالى أن يأذن له في الشفاعة لها يوم القيامة ، فأبى الله أن يأذن له ، ونزلت الآية : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى)(١)» (٢).

ونقول :

إن هذا الكلام مختلق ومكذوب من أساسه ، وذلك لما يلي :

أولا : قد تقدم : أن كلمة الإمامية قد اتفقت على أن أبوي رسول الله «صلى الله عليه وآله» بل جميع آبائه «عليه السلام» ، كانوا مؤمنين صالحين ، وليس فيهم كافر أصلا ، وقال الصدوق «رحمه الله» : إن أم النبي «صلى الله عليه وآله» آمنة بنت وهب كانت مسلمة أيضا (٣).

وهناك جماعة من غير الإمامية يوافقونهم على ذلك ..

وقد ألف السيوطي عدة رسائل لإثبات إيمان آباء النبي «صلى الله عليه وآله» مثل : «التعظيم والمنة» في أن أبوي رسول الله «صلى الله عليه وآله» في

__________________

(١) الغدير ج ٨ ص ١٣ عن مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣٦٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ١ ص ١٨٩ والمعجم الكبير ج ١١ ص ٢٩٦ وتفسير جامع البيان ج ١١ ص ٣١ وإرشاد الساري ج ٧ ص ٢٧٠ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٨٣.

(٢) الآية ١١٣ من سورة التوبة.

(٣) الإعتقادات في دين الإمامية للصدوق ص ١١٠ والبحار ج ١٥ ص ١١٧.

٢٢٨

الجنة ، وغير ذلك.

ثانيا : قال كعب : إنه وجد في الكتب التي أنزلت من السماء : «ما ضرب على آدمية حجب الجنة غير مريم ، وآمنة أم محمد أو أحمد» (١) ..

ثالثا : قال الشيخ المفيد : «لا خلاف بين الأمة أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما فرغ من حجة الوداع لاذ بقبر قد درس ، فقعد عنده طويلا ، ثم استعبر ، فقيل له : يا رسول الله ، ما هذا القبر؟!.

فقال : هذا قبر أمي آمنة بنت وهب ، سألت الله تعالى في زيارتها فأذن لي» (٢).

رابعا : قال تعالى في سورة «المنافقون» التي نزلت في غزوة بني المصطلق ، أي قبل غزوة تبوك بعدة سنوات : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(٣).

فإذا كان الله لا يغفر للمنافق ، فهل يغفر للمعلن بشركه؟!.

خامسا : لماذا لم يتذكر النبي «صلى الله عليه وآله» الإستغفار لأمه إلا في آخر أيام حياته؟!.

سادسا : عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال : نزل جبرئيل «عليه السلام» على النبي «صلى الله عليه وآله» فقال : يا محمد ، إن ربك يقرؤك السلام ويقول : «إني قد حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك ..

__________________

(١) البحار ج ١٥ ص ٢٦١ عن أمالي الصدوق ص ٣٥٧ و (ط مؤسسة البعثة) ص ٦٩٨ وروضة الواعظين ص ٦٧ والبحار ج ١٥ ص ٢٦١.

(٢) الفصول المختارة للشريف المرتضى ص ١٣١ والبحار ج ١٠ ص ٤٤١ عنه.

(٣) الآية ٦ من سورة المنافقون.

٢٢٩

فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب ، والبطن الذي حملك بطن آمنة بنت وهب ، وأما الحجر الذي كفلك فحجر أبي طالب» (١).

زاد في رواية قوله : «وفاطمة بنت أسد».

سابعا : عن علي «عليه السلام» ؛ قال : قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : «هبط علي جبرئيل ، فقال لي : إن الله تعالى مشفعك في (خمسة أو) ستة : بطن حملك ، آمنة بنت وهب ، وصلب أنزلك ، عبد الله بن عبدالمطلب ، وحجر كفلك ، أبو طالب الخ ..» (٢).

وفي نص آخر : «حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك الخ ..» (٣).

__________________

(١) روضة الواعظين ص ١٢١ وفي (ط أخرى) ج ١ ص ١٣٩ و (ط منشورات الشريف الرضي) ص ٦٧ والجواهر السنية ص ٢١٨ والبحار ج ١٥ ص ١٠٨ وج ٣٥ ص ١٠٩ والكافي ج ١ ص ٤٤٦ ومعاني الأخبار ص ١٣٦ وتفسير أبي الفتوح الرازي ج ٨ ص ٤٧٠ والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص ٤٨ والغدير ج ٧ ص ٣٨٥ وإيمان أبي طالب للأميني ص ٧٦ وأمالي الصدوق ص ٧٠٣ ومعاني الأخبار ص ١٣٧.

(٢) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٤ ص ٦٧ والبحار ج ٣٥ ص ١٠٨ وج ٣٥ ص ١٥٦ والغدير ج ٧ ص ٣٧٨ و ٣٨٦ وراجع : الخصال للشيخ الصدوق ص ٢٩٤ والبحار ج ١٥ ص ١٢٦.

(٣) التعظيم والمنة للسيوطي ص ٣٥ عن ابن الجوزي ، وراجع : الغدير للأميني ج ٧ ص ٣٧٨ والموضوعات لابن الجوزي ج ١ ص ٢٨٣ ولسان الميزان ج ٦ ص ٢٤٨ وينابيع المودة ج ٢ ص ٣٣١ والكافي ج ١ ص ٤٤٦ والأمالي للصدوق ص ٧٠٣ ومعاني الأخبار ص ١٣٧ وروضة الواعظين ص ٦٧ وشرح أصول الكافي ج ٧ ص ١٧٧ وكنز الفوائد ص ٧٠ والصراط المستقيم ج ١ ص ٣٤١ والجواهر

٢٣٠

ثامنا : أخرج تمام الرازي في فوائده عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : «إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وأخ كان لي في الجاهلية» (١).

تاسعا : عنه «صلى الله عليه وآله» : «إن الله عز وجل وعدني في أربعة ، في أبي وأمي وعمي ، وأخ كان لي في الجاهلية» (٢).

عاشرا وأخيرا : سيأتي في آخر غزوة تبوك تحت عنوان : «إعتمار النبي «صلى الله عليه وآله» بعد حجة الوداع». أن الروايات عن الأئمة المعصومين «عليهم السلام» تقول : إن النبي «صلى الله عليه وآله» اعتمر ثلاث مرات : في الحديبية ، وفي عمرة القضاء ، ومن الجمرانة بعد الطائف وحنين (٣) ..

أما الروايات عند غير الشيعة ، فتزيد على ذلك عمرة رابعة ، وهي

__________________

السنية ص ٢١٨ و ٢١٩ والبحار ج ١٥ ص ١٠٨ وج ٣٥ ص ١٠٩ والغدير ج ٧ ص ٣٧٨ و ٣٨٥ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٢٥٦ والتفسير الصافي ج ٤ ص ٩٦ والدر النظيم ص ٢٧.

(١) ذخائر العقبى ص ٧ والدرج المنيفة ص ٧ ومسالك الحنفا ص ١٤ عن أبي نعيم ، وراجع : من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ٣٦٨ ومكارم الأخلاق للطبرسي ص ٤٤٢ والبحار ج ٨ ص ٣٦ وج ٧٤ ص ٥٨ ومستدرك سفينة البحار ج ٦ ص ٣ وتفسير القمي ج ٢ ص ٢٥ وتفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٢٠٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٥ والغدير ج ٧ ص ٣٧٨.

(٣) راجع تذكرة الفقهاء (ط. ج) ج ٨ ص ٤٣٧ و (ط. ق) ج ١ ص ٤٠١ وكشف اللثام (ط. ج) ج ٥ ص ٢٢٢ والمجموع للنووي ج ٧ ص ١٧٠ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٣٤١ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٢٤٧.

٢٣١

العمرة في حجة الوداع في السنة العاشرة (١) ، ولا توجد عمرة في سنة تسع ، بعد تبوك أصلا.

__________________

(١) راجع : المغني لابن قدامة ج ٣ ص ٤١١ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٣ ص ٢٤٨ وكشاف القناع للبهوتي ج ٢ ص ٤٨٣ ونيل الأوطار ج ٥ ص ٢٦.

٢٣٢

الباب العاشر

تبليغ سورة براءة وحجة الوداع

الفصل الأول : أبو بكر وسورة براءة : هكذا يزوّرون الحقائق

الفصل الثاني : حجة الوداع

الفصل الثالث : حج النبي صلّى الله عليه وآله برواية الإمام الصادق عليه السّلام

الفصل الرابع : قبل أن يسير صلّى الله عليه وآله إلي عرفات (بروايتهم)

الفصل الخامس : حج النبي صلّى الله عليه وآله برواية أهل السنة

٢٣٣
٢٣٤

الفصل الأول :

أبو بكر وسورة براءة :

هكذا يزوّرون الحقائق

٢٣٥
٢٣٦

أبو بكر يحج بالناس :

قالوا : وفي سنة تسع في ذي القعدة حج أبو بكر بالناس ، بأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله». فخرج من المدينة في ثلاث مائة رجل. وبعث معه «صلى الله عليه وآله» عشرين بدنة ، قلّدها ، وأشعرها بيده ، وعليها ناجية بن جندب الأسلمي ، وساق أبو بكر خمس بدنات.

وحج عبد الرحمن بن عوف أيضا ، وساق هديا (١).

إرجاع أبي بكر وبعث علي عليه السّلام :

قالوا : وبعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» عليا «عليه السلام» على أثر أبي بكر ليقرأ على الناس سورة براءة ، فأدركه بالعرج في قول ابن سعد ، أو في ضجنان (٢) كما قاله ابن عائذ. وكان علي «عليه السلام» على العضباء ناقة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فلما رآه أبو بكر قال : أميرا أو مأمورا؟!

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٧٣ وراجع ج ١١ ص ٣٣٨.

(٢) العرج : قرية تبعد عن المدينة نحو ثمانية وسبعين ميلا. وضجنان : جبل يبعد عن مكة اثني عشر ميلا.

٢٣٧

قال : لا بل مأمور. ثم مضيا (١).

وحسب نص آخر : بعث أبا بكر على إقامة الحج سنة تسع ، وبعث في أثره عليا يقرأ على الناس سورة براءة.

فقيل : لأن أولها نزل بعد أن خرج أبو بكر إلى الحج (٢).

وقيل : بل لأن عادة العرب كانت أنه لا تحل العقود والعهود ويعقدها إلا المطاع ، أو رجل من أهل بيته ، فلهذا بعث عليا «عليها السلام» في أثره (٣).

وقيل : أردفه به عونا له ومساعدا ، ولهذا قال له الصديق : أأميرا أو مأمورا؟

قال : بل مأمورا.

وأما أعداء الله الرافضة ، فيقولون : عزله بعلي ، وليس هذا ببدع من بهتهم وافترائهم (٤).

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٧٣ و ٧٤ والدرر لابن عبد البر ص ٢٥٠ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٣٢٢.

(٢) راجع : الدرر لابن عبد البر ص ٢٥٠ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٣٢١ و ٣٢٢.

(٣) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٣٣٨ وج ١٢ ص ٧٥ ودلائل الصدق ج ٢ ص ٢٤٥ و ٢٤٦ عن الفضل بن روزبهان ، والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ٦١ والبحار ج ٣٠ ص ٣١٩ عن الجبائي ، والمغني للقاضي عبد الجبار ج ٢٠ ص ٣٥١ وتفسير الرازي ج ١٥ ص ٢١٨ والكشاف للزمخشري ج ٢ ص ١٧٢ وتفسير البيضاوي ج ١ ص ٤٠٥ وشرح التجريد للقوشجي ص ٣٧٢ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٣٤٥.

(٤) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٣٣٨.

٢٣٨

وقيل : كان في سورة براءة الثناء على الصديق ، فأحب أن يكون على لسان غيره ، قال في الهدي : لأن السورة نزلت بعد ذهاب أبي بكر إلى الحج (١).

وإن مكرهم لتزول منه الجبال :

إن هذا العرض لما جرى لأبي بكر في تبليغ مضامين سورة براءة في موسم الحج يمثل أنموذجا لمكر الماكرين ، وجحود الجاحدين ، (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ)(٢) .. مع أن أحداث هذه القضية كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار ، ولم يزل العلماء يتداولونها ، ويستدلون بها في قضايا الإمامة ، ولا يجد الآخرون مناصا عن البخوع لمقتضيات مضامينها ، والتسليم بدلالاتها ، ولو وجدوا أي مجال للتأويل أو التحوير .. لما ترددوا في اللجوء إليه ، والتعويل عليه.

ونحن نوضح الحقيقة في هذه القضية هنا ، فنقول :

أساس القضية :

عن الحارث بن مالك : أنه سأل سعد بن أبي وقاص (سعد بن مالك) : هل سمعت لعلي منقبة؟!

قال : قد شهدت له أربعا ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا ، أعمّر فيها مثل عمر نوح : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش ، فسار بها يوما وليلة. ثم قال لعلي : اتبع أبا

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٧٥.

(٢) الآية ٤٦ من سورة إبراهيم.

٢٣٩

بكر فخذها وبلغها. فردّ عليّ أبا بكر ، فرجع يبكي ، فقال : يا رسول الله ، أنزل فيّ شيء؟

قال : لا ، إلا خيرا ، إنه ليس يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني.

أو قال : من أهل بيتي الخ ..» (١).

وكان مع أبي بكر ، قبل أن يرجع ثلاث مائة رجل (٢).

ويظهر من النصوص المتوافرة لدينا : أنه «صلى الله عليه وآله» أمر أبا بكر أن يسير إلى مكة ليقيم للناس حجهم في سنة تسع ، وليبلغ عنه إلى الناس صدر سورة براءة ، بالإضافة إلى قرارات يريد أن يلزم الناس بمراعاتها.

ويستفاد من مجموع الروايات : أنه «صلى الله عليه وآله» كتب عشر آيات ، أو ثلاثين أو أربعين آية من سورة براءة ، وكتب أيضا :

١ ـ أن لا يطوفنّ بالبيت عريان.

٢ ـ ولا يجتمع المسلمون والمشركون.

٣ ـ ومن كان بينه وبين رسول الله «صلى الله عليه وآله» عهد ، فأجله إلى مدته ومن لم يكن بينه وبينه عهد فأجّله إلى أربعة أشهر.

__________________

(١) كفاية الطالب ص ٢٨٧ والبحار ج ٣٥ ص ٢٨٥ عن علل الشرايع ص ٧٤ ومقام الإمام علي «عليه السلام» لنجم الدين العسكري ص ٣٦ والغدير للشيخ الأميني ج ١ ص ٤٠ والغدير للشيخ الأميني ج ٦ ص ٣٤٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج ٤ ص ٤٤٥ وج ١٥ ص ٦٦١ وج ٢٢ ص ٤٢٩ عن مختصر تاريخ دمشق (ط إسلامبول) ج ١٧ ص ١٣٠.

(٢) البحار ج ٣٥ ص ٣٠٩ عن الكامل لابن الأثير.

٢٤٠