الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٠

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٠

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-202-1
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥١

عليه ، فراجع (١) ..

المدينة تنفي خبثها ، وخير دور الأنصار :

عن أبي حميد الساعدي ، وأنس ، وجابر ، وأبي قتادة قالوا : أقبلنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» من غزوة تبوك حتى أشرفنا على المدينة قال : «هذه طابة ـ وزاد ابن أبي شيبة : أسكننيها ربي ، تنفي خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد» انتهى.

فلما رأى أحدا قال : «هذا أحد ، جبل يحبنا ونحبه ، ألا أخبركم بخير دور الأنصار».

قلنا : بلى يا رسول الله.

__________________

(١) راجع : الطرائف ص ٤٦٦ وذخائر العقبى ص ٢١٣ وقاموس الرجال ج ١٢ ص ١٨٥ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٢٤٣ و ٢٤٤ وصحيح البخاري ج ٥ ص ٨٠ وصحيح مسلم ج ٧ ص ١٧٢ وفضائل الصحابة ص ٨٧ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٢٥١ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٥١٥ وج ٨ ص ٤٦٦ والآحاد والمثاني ج ٥ ص ٤٥٥ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ١٠٤ ومسند أبي يعلى الموصلي ج ١٣ ص ٣٠٤ والمعجم الأوسط ج ٦ ص ٢٣١ وج ٢٤ ص ١٥٣ وكنز العمال ج ١٣ ص ٣٢٣ وج ١٦ ص ٦٧٧ وقاموس الرجال ج ١٢ ص ١٨٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ ص ٢٨١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٢ ص ٣٠ و ٣٢ وسير أعلام النبلاء للذهبي ج ٢ ص ٢٨٣ و ٤٣١ والوافي بالوفيات ج ٩ ص ٣٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٨٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٥ و ١٣٦ ونهج الحق وكشف الصدق ص ٣٤٧ وإحقاق الحق (الأصل) ص ٢٨٩.

١٨١

قال : «خير دور الأنصار بنو النجار ، ثم دار بني عبد الأشهل ، ثم دار بني ساعدة».

فقال أبو أسيد : ألم تر أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» خيّر دور الأنصار فجعلنا آخرها دارا؟

فأدرك سعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقال : يا رسول الله ، خيرت دور الأنصار فجعلتنا آخرها دارا؟!

فقال : «أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار»؟ (١).

ونقول :

إن ما تقدم يحتاج إلى بعض البيانات التي تفيد في فهم مقاصده ومراميه.

ونذكر من ذلك الأمور التالية :

خبث أهل المدينة :

بالنسبة لطابة ، وأنها تنفي خبث أهلها نقول :

أولا : إنه لا شك في أن نفي طابة لخبث أهلها ليس بنحو الجبرية ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٦٩ عن أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة في مصنفيهما ، وقال في هامشه : أخرجه البخاري ج ٨ ص ١٢٥ (٤٤٢٢) ومسلم في الحج (٥٠٣) والبيهقي في الدلائل ج ٥ ص ٢٦٦ وفي السنن الكبرى ج ٦ ص ٣٧٢ وانظر الكنز (٣٤٩٩٣) وابن عساكر كما في التهذيب ج ٧ ص ٢٢٦. وراجع : وفاء الوفاء ج ١ ص ٤١ وراجع مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٤٢ والمعجم الكبير ج ٦ ص ١٢٥ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٦.

١٨٢

والتصرف التكويني ، فلعل ذلك يكون على معنى أن أجواءها ومحيطها الإيماني يساعد على تصفية النفوس وتزكيتها ، وإبعاد الشوائب السيئة عن أهلها .. بالإضافة إلى الألطاف والبركات التي تحل على الناس ، لأجل تاريخها المجيد ، في خدمة الإسلام وأهله ، وبركات حلول رسول الله «صلى الله عليه وآله» فيها ..

ثانيا : إن ثمة ما يبرر شكنا في صحة نسبة هذا الكلام إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، إذ إن أهل المدينة سرعان ما انقلبوا على أعقابهم ، واختاروا خط العداء لأهل البيت «عليهم السلام» ومنابذتهم ، حتى لم يبق في المدينة وفي مكة عشرون (١) رجلا يحبهم «عليهم السلام» (٢).

فما معنى هذا الثناء على أناس ستكون هذه حالهم مع أهل بيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، الذين أمر الله ورسوله بمحبتهم ومودتهم؟!

ثالثا : لم نعرف المراد بنفيها خبث أهلها!! فإن كان يراد به تطهيرهم من الخبث الباطني والأخلاقي ، وإعادتهم إلى حالة الصفاء والنقاء من الشوائب كما أشير إليه فيما رووه : «إنها طيبة ، تنفي الذنوب كما ينفي الكير خبث الفضة» (٣) ، فنقول :

__________________

(١) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ١٠٤ والغارات لللثقفي ج ٢ ص ٥٧٣ والبحار ج ٣٤ ص ٢٩٧ وج ٤٦ ص ١٤٣ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٥٧٩ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧٣٠ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٢٩٨.

(٢) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ١٠٤ والبحار ج ٤٦ ص ١٤٣.

(٣) وفاء الوفاء ج ١ ص ٤٢ عن البخاري ، ومسند أحمد ج ٥ ص ١٨٤ وج ٥ ص ١٨٧ و ١٨٨ وصحيح البخاري ج ٥ ص ٣١ و ١٨١ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٢١

١٨٣

إننا لم نجد في الواقع العملي ما يشير إلى أن المدينة قد نفت خبث أهلها فعلا. بل بقي الذين مردوا على النفاق فيها ، وكان عددهم يزداد ، ونفوذهم وخطرهم يتضاعف ، حتى إن أكثر آيات سورة التوبة قد نزلت فيهم ، وكانت لهجتها بالغة القسوة. كما يعلم بالمراجعة.

ولو أن ذلك قد كان بالفعل ، فينبغي أن نجد سيماء الصلاح ظاهرة على جميع أهلها ، أو على أكثرهم ، أو على الكثيرين منهم على الأقل ..

مع أننا نلاحظ : أن ثمة اختلافا كبيرا بينهم وبين غيرهم من أهل البلاد الأخرى .. حيث ظهر منهم الإنحراف عن أهل بيت النبوة ، ثم أشاع فيهم الأمويون المجون والفسق ، والفجور ، واللهو والباطل كما هو معروف ، وفي التاريخ موصوف.

وإن كان المراد بنفي الخبث : إخراج شرارها منها ، كما صرحت به بعض الروايات : «لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير

__________________

وشرح مسلم للنووي ج ٩ ص ١٥٣ وعمدة القاري ج ١٨ ص ١٨٠ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٤٩٣ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ٤٥٢ والسنن الكبرى للنسائي ج ٦ ص ٣٢٦ واللمع في أسباب ورود الحديث لجلال ص ٥٤ وجامع البيان للطبري ج ٥ ص ٢٦٢ وتفسير الثعلبي ج ٣ ص ٣٥٥ وتفسير البغوي ج ١ ص ٤٥٩ والجامع لأحكام القرآن ج ٥ ص ٣٠٦ والدر المنثور ج ٢ ص ١٩٠ وفتح القدير ج ١ ص ٤٩٧ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ١٦٧ وعيون الأثر ج ١ ص ٤٠٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٣٠٨ وج ٤ ص ١٨٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٦ والفتوحات المكية لابن العربي ج ١ ص ٧٥٩.

١٨٤

الخبث» (١).

وفي آخر : «وهي المدينة تنفي الناس ، كما ينفي الكير خبث الحديد» (٢).

فنقول :

إن الواقع الخارجي كان ولا يزال على خلاف ذلك أيضا .. وإن كان

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٤١ عن الصحيحين ، وراجع : المحلى لابن حزم ج ٧ ص ٢٨١ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٢٠ وشرح مسلم للنووي ج ٩ ص ١٥٤ وفتح الباري ج ٤ ص ٧٥ وج ١٣ ص ٢٥٧ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٢٣٥ وتحفة الأحوذي ج ١٠ ص ٢٨ وصحيح ابن حبان ج ٩ ص ٥٢ وج ١٥ ص ١٧٩ والمعجم الأوسط ج ٣ ص ١٥٧ وكنز العمال ج ١٢ ص ٢٤٠ وإمتاع الأسماع ج ١٠ ص ٣٤٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٣٠٧ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ٢٨٦.

(٢) وفاء الوفاء ج ١ ص ٤٢ عن مسلم ، وكتاب الموطأ ج ٢ ص ٨٨٧ والمحلى لابن حزم ج ٧ ص ٢٨٠ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٣٧ و ٢٤٧ وصحيح البخاري ج ٢ ص ٢٢١ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٢٠ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٢٣٤ والمصنف للصنعاني ج ٩ ص ٢٦٧ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٤٨٨ والسنن الكبرى للنسائي ج ٦ ص ٤٣٠ ومسند أبي يعلى ج ١١ ص ٢٦٢ وصحيح ابن حبان ج ٩ ص ٣٩ والإستذكار لابن عبد البر ج ٨ ص ٢٢٦ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٣ ص ١٧٠ و ١٧١ والجامع الصغير ج ١ ص ٢٥٠ وكنز العمال ج ١٢ ص ٢٣٢ وفيض القدير ج ٢ ص ٢٤٣ والدر المنثور ج ٥ ص ١٨٨ وفضائل المدينة ص ٢٦ وإمتاع الأسماع ج ١٠ ص ٣٤٨ والإمامة والسياسة لابن قتيبة (بتحقيق الزيني) ج ٢ ص ١٥١ و (بتحقيق الشيري) ج ٢ ص ٢٠٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٢٩٦ و ٣٠٨.

١٨٥

ابن عبد البر وغيره قد ادّعوا : أن ذلك يختص بزمنه «صلى الله عليه وآله» (١).

ودعواه باطلة أيضا ، فإن ذلك لم يحصل في زمن النبي «صلى الله عليه وآله» ، بل كان المنافقون والفاسدون مقيمين فيها ولم يخرجوا منها.

فلذلك ادّعى النووي : أن ذلك سيكون في زمن الدجال حسبما تقدم عن البخاري (٢).

غير أنهم يروون : أنه حين خروج الدجال يأتي أحدا ، فيصعد أحدا ، أو ينزل بذباب يخرج إليه مشركوها وكفارها ومنافقوها .. وهذا لا ينطبق على الرواية التي تتحدث عن أنها تنفي خبثها في آخر الزمان ، لأنها هي لم تخرج المنافقين والكفار ، بل هم خرجوا منها (٣).

ويؤكد ما نرمي إليه : أن الرواية تشبه المدينة بالكير الذي ينفي خبث الفضة ، وخروجهم منها ، من دون أي فعل أو تأثير لها يجعل تشبيهها بالكير في غير محله ..

ولأجل ذلك ادّعى الآقشهري : أن المراد بنفي خبثها أمر الملائكة بنقل

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٤٢ عن ابن عبد البر ، وعمدة القاري للعيني ج ١٠ ص ٢٣٥ عن عياض ، وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٣٠٩.

(٢) وفاء الوفاء ج ١ ص ٤٢ عن أحمد وغيره برجال الصحيح.

(٣) وفاء الوفاء ج ١ ص ٦٢ عن أحمد برجال الصحيح ، والطبراني في الأوسط ، والحاكم ، وابن حجر ، وراجع : مجمع الزوائد ج ٣ ص ٣٠٨ والمعجم الأوسط ج ٢ ص ٣٤٠ وج ٤ ص ٢٤ وكنز العمال ج ١٤ ص ٣٣٠ ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٣٨ وفتح الباري ج ١٣ ص ٨٢ وج ١٣ ص ٢٥٧.

١٨٦

المذنبين إلى غيرها من الأرض (١).

وهذا معناه : عدم صحة ما زعموه من أنه «صلى الله عليه وآله» وعد من يموت بالمدينة بالشفاعة (٢).

نفي الخبث هو فضح المنافقين :

وزعموا : أن المقصود بنفي الخبث هو فضح أهل النفاق فيها (٣).

مع أن هذا الإحتمال منقوض بقوله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)(٤). فأبقي أمرهم على حال الخفاء والإبهام ..

كما أن الواقع التاريخي لا يؤيد هذا الإحتمال أيضا ، فإن الكثيرين من المنافقين لم يفتضح أمرهم ، أو على الأقل لا يمكن التأكد من أن أمر جميع المنافقين فيها قد افتضح ، فلا مجال للتأكد من صحة هذا الإحتمال.

نقل الوباء إلى خم :

وقد يقال : إن المراد هو نفي الأمراض عن أهلها ، مثل الوباء والطاعون ، فقد ورد : أنه «صلى الله عليه وآله» قال : «اللهم حبب إلينا المدينة».

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٤٢.

(٢) وفاء الوفاء ج ١ ص ٤٢. وراجع : كنز العمال ج ١٤ ص ٣٩٩ ومجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٨١ وكتاب الأوائل ص ٧٤ والمعجم الأوسط ج ٢ ص ٢٣٠ وكتاب الأوائل ص ١٠٥ وفيض القدير ج ٣ ص ١١٧ وأسد الغابة ج ٣ ص ٣٣٢ والإصابة ج ٤ ص ٣١٩.

(٣) وفاء الوفاء ج ١ ص ٤٣.

(٤) الآية ١٠١ من سورة التوبة.

١٨٧

إلى أن قال : «وانقل حماها ، واجعلها بالجحفة» (١).

وفي نص آخر : «واجعل ما بها من وباء بخم» (٢).

وفي نص ثالث : أنه «صلى الله عليه وآله» قال على المنبر : «اللهم انقل عنا الوباء» (٣).

أو قال : «أتيت هذه الليلة بالحمى ، فإذا بعجوز سوداء ملببة في يدي الذي جاء بها ، فقال : هذه الحمى ، فما ترى؟

فقلت : اجعلوها بخم» (٤).

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٥٥ عن فضائل المدينة للجندي وراجع : كتاب الموطأ لمالك ج ٢ ص ٨٩١ وتنوير الحوالك ص ٦٤٢ ومسند أحمد ج ٦ ص ٢٦٠ وصحيح البخاري ج ٤ ص ٢٦٤ وج ٧ ص ٥ وج ٧ ص ١١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٣ ص ٣٨٢ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٦١ وج ٢١ ص ٢١٧ وج ٢١ ص ٢٢٩ والأدب المفرد للبخاري ص ١١٦ والسنن الكبرى للنسائي ج ٤ ص ٣٥٥ والإستذكار لابن عبد البر ج ٨ ص ٢٣٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٠ ص ٤٥١ وفضائل المدينة ص ٢٠ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٦٩ وإمتاع الأسماع ج ١١ ص ٢٩٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٣١٥.

(٢) وفاء الوفاء ج ١ ص ٥٥ و ٥٧ عن أحمد برجال الصحيح ، وعن ابن زبالة ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٠٩ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٣٠٤ وكنز العمال ج ١٢ ص ٢٤٤ ومعجم البلدان ج ٥ ص ٨٣.

(٣) اللمع في أسباب ورود الحديث ص ٣١ وكنز العمال ج ٣ ص ٧٩٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٢٩٨.

(٤) وفاء الوفاء ج ١ ص ٥٥ عن ابن زبالة ، واللمع في أسباب ورود الحديث ص ٣١ وكنز العمال ج ٣ ص ٧٩٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٢٩٨.

١٨٨

وفي نص آخر : أنه «صلى الله عليه وآله» قال : «وانقل (أو فحول) حماها الى الجحفة» (١).

وفي نص آخر : «اللهم انقل ما كان بالمدينة من وباء إلى مهيعة» (٢). «وهي الجحفة».

قال السمهودي : «وإنما دعا «صلى الله عليه وآله» بنقل الحمى إليها ، لأنها كانت دار شرك ، ولم تزل من يومئذ أكثر بلاد الله حمى».

قال بعضهم : وإنه ليتقى شرب الماء من عينها التي يقال لها : عين خم ، فقلّ من شرب منها إلا حمّ (٣).

وقيل : لم يبق أحد من أهلها إلا أخذته الحمى (٤).

قال النووي : الجحفة من يومئذ وبيئة ، ولا يشرب أحد من مائها إلا حمّ (٥).

قال هشام بن عروة : وكان المولود إذا ولد بالجحفة لم يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى (٦).

(والطاعون) بثرة مع لهب واسوداد من مادة سمّية من وخز الجن.

قال الزمخشري : هو من الطعن لأنهم يسمون الطواعين رماح الجن

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٥٦ و ٥٧ عن البخاري ، ومسلم ، والموطأ ، وعن ابن إسحاق.

(٢) وفاء الوفاء ج ١ ص ٥٧ و ٥٨.

(٣) وفاء الوفاء ج ١ ص ٥٨ وفيض القدير ج ٤ ص ١٤ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٢٥١.

(٤) وفاء الوفاء ج ١ ص ٥٨ عن الخطابي وعمدة القاري ج ١٠ ص ٢٥١.

(٥) وفاء الوفاء ج ١ ص ٥٨ وراجع : فتح الباري ج ٣ ص ٣٠٥.

(٦) وفاء الوفاء ج ١ ص ٥٨ عن البيهقي.

١٨٩

(فأمسكت) حبست (الحمى بالمدينة) النبوية لكونها لا تقتل غالبا بل قد تنفع كما بينه ابن القيم. وهذا كان أولا ثم لما رأى ما أصاب أصحابه حين هاجروا إليها من حماها من البلاء والسقم دعى الله فنقلها إلى الجحفة حتى صارت لا يمر بها طائر إلا حم (١).

ونقول :

إن هذه الترهات والأباطيل مرفوضة جملة وتفصيلا ، وذلك للأمور التالية :

١ ـ لماذا نقلت الحمى إلى خصوص الجحفة ، وغدير خم ، دون سائر البلاد؟! فإن كان السبب هو شرك أهلها أو كفرهم ، فلما ذا لم ينقلها إلى جميع بلاد المشركين والكافرين؟!.

٢ ـ إذا كان كفرهم أو شركهم هو السبب فما ذنب أبنائهم الذين أسلموا ، وذرياتهم الذين لم يأتوا بعد؟! ولماذا تلازم الحمى الناس الذين يشربون من ماء الجحفة إلى يومنا هذا؟!.

٣ ـ إن الحمى لم تنقطع عن أهل المدينة ، سواء في ذلك ما كان منها وباء ، كما يدل عليه ما يروونه في صحاحهم عن أبي الأسود قال : «قدمت المدينة ، وهم يموتون بها موتا ذريعا» (٢).

__________________

(١) فيض القدير ج ١ ص ١٢٤.

(٢) وفاء الوفاء ج ١ ص ٦١ عن البخاري ، وفتح الباري لابن حجر ج ٣ ص ١٨٢ وج ١٠ ص ١٥١ و ١٦١ وعمدة القاري ج ٨ ص ١٩٦ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٢ و ٣٠ و ٤٥ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٤٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١٠ ص ١٢٣ وعمدة القاري ج ٨ ص ١٩٦ وج ١٣ ص ٢٠٢ وشرح سنن النسائي للسيوطي ج ٤ ص ٥١ ومسند أبي يعلى ج ١ ص ١٣٥ وصحيح ابن حبان ج ٧

١٩٠

وكذلك سائر أنواع الحمى ، فإنها لم تنقطع عنهم أيضا ، بل بقيت تنتابهم كما تنتاب سائر العباد في مختلف البلاد (١).

٤ ـ قال الصالحي الشامي في أحداث حجة الوداع : «وأصاب الناس جدري ، أو حصبة ، منعت من شاء الله أن تمنع من الحج» (٢).

ومن المعلوم : أن حجة الوداع كانت في سنة عشر.

وقد صرّحوا : بأن الحمى قد كثرت في المدينة سنة إحدى وثمانين وثمان مائة (٣).

٥ ـ لماذا يدعو لنقل وتحويل الحمى؟! ألم يكن الأولى والأوفق برحمة الرسول بالناس هو أن يطلب رفع الحمى عن أهل المدينة ، دون أن يجعلها في غيرهم ، لا من أهل الجحفة ولا من غيرهم؟! بل يترك الأمور على ما هي عليه بحسب طبيعتها ..

٦ ـ إذا كانت الحمى لا تدع أحدا من أهل خم حتى تأخذه ، وإذا كان

__________________

ص ٢٩٧ وكنز العمال ج ١٥ ص ٧٥٠ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ١٩٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٥ ص ١٧٦.

(١) راجع : وفاء الوفاء ج ١ ص ٦١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٥٠ وراجع : الغدير ج ١ ص ٩ ونظرة الغدير ص ٥٢ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٣٠٨ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ٢ ص ٢٥٢ وعيون الأثر ج ٢ ص ٣٤١ وحجة الوداع لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ج ١ ص ١١٥.

(٣) وفاء الوفاء ج ١ ص ٦٧.

١٩١

المقصود بالحمى التي نقلها من المدينة إلى الجحفة هي تلك التي تكون وباء وليست الحمى العادية (١) ، فإن المتوقع هو : أن يكون أهل تلك البلاد قد بادوا على عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ولكان الناس قد هجروا تلك البلاد ، وتوقف كل أهل الأرض عن الدخول إليها ، ولأصبح بنيانها خرابا ، وبيوتها يبابا ..

٧ ـ بل إن اللازم هو : أن يبتلى بالحمى كل أولئك الذين يحرمون من الجحفة ، وأن يفتك ذلك الوباء بالحجاج على مر الأزمان .. ولكان الناس قد امتنعوا عن المرور من ذلك الميقات وحولوا قوافلهم إلى سواه ، ولشاع ذلك وذاع في جميع البلاد والأصقاع ..

ولجاء السؤال المحرج عن السبب في اعتبار هذه البقعة بالذات من المواقيت ، فهل المراد التسبيب لابتلاء الناس بالأمراض ، والأوبئة المهلكة؟

٨ ـ إن النبي «صلى الله عليه وآله» وتسعين ألفا من المسلمين ، أو أكثر من ذلك ، قد جاؤوا إلى غدير خم بعد حجة الوداع ، حيث نصب «صلى الله عليه وآله» عليا «عليه السلام» إماما ومولى للمسلمين ، ولم نسمع أن أحدا من هؤلاء أصيب بالوباء ، ولا حتى بالحمى.

وعلى كل حال ، فإن من الواضح : أنهم إنما يريدون برواياتهم هذه توهين هذا الموقع ، ليوهنوا هذه الواقعة ، أعني واقعة الغدير ، حيث نصب النبي «صلى الله عليه وآله» عليا «عليه السلام» إماما للناس.

٩ ـ وعن المرأة التي أتي بها إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ليلة دعائه

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٦٦ وراجع ص ٦٠ و ٦١.

١٩٢

بنقل الوباء عن المدينة ، فأرسلها إلى الجحفة نقول :

ألف : إن ظاهر الحديث الذي ذكره ابن زبالة أنه «صلى الله عليه وآله» أتي بالمرأة التي هي الحمى في حال اليقظة فأمر بجعلها بخم (١).

لكن حديث البخاري يقول : إنه رأى امرأة سوداء ثائرة الرأس ذهبت إلى مهيعة ، فتأولها بنقل حمى المدينة إلى هناك (٢).

وعند ابن زبالة : أن إنسانا جاء إلى المدينة من طريق مكة ، فأخبره أنه رأى امرأة سوداء عريانة ، ثائرة الشعر فقال «صلى الله عليه وآله» : «تلك الحمى ولن تعود بعد اليوم أبدا» (٣).

إلا أن يقال : إن هذه الرواية لا تتنافى مع رواية البخاري المشار إليها آنفا.

ب : ورووا بسند صحيح : أن الحمى استأذنت على النبي «صلى الله عليه وآله» فقال : من هذا؟

فقالت : أم ملدم.

فأمر بها إلى أهل قباء ، فلقوا ما لا يعلمه إلا الله تعالى .. فشكوها إليه الخ .. (٤). فلا ندري هل أرسلها إلى خم أو إلى قباء؟! وما ذنب هؤلاء وأولئك؟!

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٥٥ و ٥٦.

(٢) وفاء الوفاء ج ١ ص ٥٩ عن البخاري ، والطبراني في الأوسط ، والبحار ج ٥٨ ص ٢٢٥ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٠٧ و ١١٧ وسنن الدارمي ج ٢ ص ١٣٠ و ١٣٧.

(٣) وفاء الوفاء ج ١ ص ٦٠ عن ابن زبالة ، وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٢٩٨.

(٤) وفاء الوفاء ج ١ ص ٦٠ عن أحمد برجال الصحيح ، وعن ابن حبان ، وأبي يعلى ، والطبراني ، ومسند أحمد ج ٣ ص ٣١٦ ومجمع الزوائد ج ٢ ص ٣٠٥ وفتح الباري ج ١٠ ص ٩٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٥ وراجع : مستدرك الحاكم ج ١

١٩٣

ج : ورووا بسند رجاله ثقات عنه «صلى الله عليه وآله» أنه قال : «أتاني جبريل بالحمى والطاعون ، فأمسكت الحمى بالمدينة ، وأرسلت الطاعون بالشام.

فالطاعون شهادة لأمتي ، ورحمة لهم ، ورجز على الكفار» (١).

وأسئلتنا كثيرة هنا : إذ لماذا خص أهل الشام بالطاعون ، ولم يرسله إلى العراق أو إلى فارس ، أو الروم ، أو الحبشة؟! ..

__________________

ص ٣٤٦ ومسند أبي يعلى ج ٣ ص ٤٠٩ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ٣١٤ والآحاد والمثاني ج ٦ ص ٢١٩ وصحيح ابن حبان ج ٧ ص ١٩٧ والمعجم الكبير الطبراني ج ٢٥ ص ١٤٥ وموارد الظمآن ج ٢ ص ٤٥٠ وكنز العمال ج ١٠ ص ٩٩ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ ص ٣٠٣ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ٥٠ وإمتاع الأسماع ج ١١ ص ٣٨٨ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٥ و ٣٣٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٥ ومسند ابن راهويه ج ٥ ص ٢٣٨.

(١) مسند أحمد ج ٥ ص ٨١ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٦٠ عنه ، ومجمع الزوائد ج ٢ ص ٣١٠ عن أحمد ، وراجع : فتح الباري ج ١٠ ص ١٦٢ وبغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص ٩٢ والمعجم الكبير ج ٢٢ ص ٣٩٢ والجامع الصغير ج ١ ص ١٦ وكنز العمال ج ١٠ ص ٧٦ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٧ ص ٦١ والثقات لابن حبان ج ٥ ص ٣٩٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ١ ص ٣٥٧ وج ٤ ص ٢٩٥ وأسد الغابة ج ١ ص ٥٤ وج ٥ ص ٢٥٤ والآحاد والمثاني ج ١ ص ٣٤٢ وعمدة القاري ج ٢١ ص ٢٦٠ وعون المعبود ج ٨ ص ٢٦٣ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٤٧٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٣٤٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٦٣٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٣٠٤ وج ١٠ ص ٣٣٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٣.

١٩٤

ولماذا لا نجد هذا الطاعون في الشام في الأزمنة المتعاقبة ، إلا مثل ما تراه في جميع الناس في غيرها من البلاد؟!

وإذا كان الطاعون رحمة وشهادة للأمة ، فلما ذا يحرم أهل المدينة وسائر البلاد من هذه الرحمة والشهادة ويفوز بها اهل الشام؟!

ولماذا عاد فأخرج الحمى من المدينة إلى غدير خم (أو مهيعة ، أو الجحفة)؟!

أحد جبل يحبنا ونحبه :

ولعلنا قد أشرنا في بعض الموارد إلى حديث : «أحد جبل يحبنا ونحبه» (١).

__________________

(١) الأحكام ليحيى بن الحسين ج ٢ ص ٥٤٦ وكتاب الموطأ لمالك ج ٢ ص ٨٨٩ و ٨٩٣ وتنوير الحوالك ص ٦٤١ والمجازات النبوية للشريف الرضي ص ١٥ و ١٦ وعوالي اللآلي ج ١ ص ١٧٧ والبحار ج ٢١ ص ٢٤٨ والغدير ج ٥ ص ١٦٢ ومستدرك سفينة البحار ج ٢ ص ٣٠ ومسند أحمد ج ٣ ص ١٤٠ و ١٤٩ و ١٥٩ و ٢٤٣ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٣٣ وج ٣ ص ٢٢٣ و ٢٢٥ وج ٤ ص ١١٨ وج ٥ ص ٤٠ و ١٣٦ وج ٦ ص ٢٠٧ وج ٨ ص ١٥٣ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١١٤ و ١٢٤ وج ٧ ص ٦١ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٠٤٠ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٣٧٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٩٧ وج ٦ ص ٣٠٤ و ٣٧٢ وج ٩ ص ١٢٥ وشرح مسلم للنووي ج ٩ ص ١٣٩ و ١٦٢ وج ١٥ ص ٤٣ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ١٣ وج ٦ ص ١٥٥ وج ١٠ ص ٤٢ وفتح الباري ج ٣ ص ١٥٧ و ٢٧٤ و ٢٩٩ وج ٦ ص ٦٤ وج ٧ ص ٣٢ و ٢٦٦ و ٢٨٩ و ٢٩٠ ج ١٣ ص ٢٦٠ وعمدة القاري ج ٨ ص ١٢٨ وج ٩ ص ٦٥ وج ١٤ ص ١٧٣ و ١٧٧ وج ١٥ ص ٢٦٢ وج ١٧ ص ١٣٨ و ١٦٥ وج ١٨ ص ٥٧ وج ٢١ ص ٥٨ وج ٢٣ ص ٢ وج ٢٥ ص ٥٨ والديباج على مسلم ج ٣ ص ٤٠٨ وشرح سنن النسائي ج ٤ ص ٥٦ وتحفة

١٩٥

__________________

الأحوذي ج ٥ ص ٣١٠ وج ١٠ ص ٢٩٢ والمصنف للصنعاني ج ٩ ص ٢٦٨ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٤٩٠ و ٥٥٩ وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ٢٤٧ والآحاد والمثاني ج ٤ ص ١٤٣ ومسند أبي يعلى ج ٥ ص ٣٢٥ و ٤٣٨ وج ٦ ص ٣٧٠ و ٣٧١ وشرح معاني الآثار ج ٤ ص ١٩٣ وصحيح ابن حبان ج ٩ ص ٤٢ و ٤٣ وج ١٠ ص ٣٥٥ وج ١٤ ص ٤٢٨ والمعجم الأوسط ج ٢ ص ٢٥٥ وج ٦ ص ٣١٥ والمعجم الكبير للطبراني ج ٧ ص ٩٠ ومسند الشاميين للطبراني ج ٤ ص ١٢ و ٢٥١ والإستذكار لابن عبد البر ج ٨ ص ٢٣٠ و ٢٣١ و ٢٤٧ والإستيعاب ج ٢ ص ٦٨١ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٠ ص ١٧٦ وج ٢٢ ص ٣٣٠ و ٣٣١ وتغليق التعليق ج ٣ ص ٣٠ و ٣١ وج ٤ ص ١٧ و ١١٠ وج ٥ ص ٣٢٤ والجامع الصغير ج ١ ص ٤١ و ٤٢ و ٣٣٢ وكنز العمال ج ١٢ ص ٢٦٨ و ٢٦٩ وج ١٤ ص ١٤٢ و ١٤٣ وشرح مسند أبي حنيفة ص ٤٠٢ وفيض القدير ج ١ ص ٢٣٩ و ٢٤٠ وج ٢ ص ٥٢٢ وكشف الخفاء ج ١ ص ٥٦ وتفسير ابن زمنين ج ٢ ص ١٢٥ وتفسير الثعلبي ج ٨ ص ٦٣ وتفسير البغوي ج ١ ص ٨٦ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢ ص ٣٢٩ والمحرر الوجيز ج ٢ ص ٤٠٤ والجامع لأحكام القرآن ج ٧ ص ٢١٣ وتفسير البحر المحيط ج ١ ص ٤٣٢ و ٤٣٣ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ١١٨ و ١٧٨ وتفسير الثعالبي ج ٣ ص ٣٣ وتفسير الآلوسي ج ١ ص ٢٩٧ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٨ ص ١٠ وتاريخ ابن معين ج ٢ ص ٤٣ والتاريخ الكبير للبخاري ج ٢ ص ٣٨٠ وج ٤ ص ١٤١ وج ٥ ص ٥٨ و ١٩٣ وضعفاء العقيلي ج ٢ ص ٣٠٨ والكامل لابن عدي ج ٤ ص ٢٢٤ وج ٦ ص ٥٩ وعلل الدار قطني ج ٢ ص ١٦٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٣٤٦ وج ٢٦ ص ٢٥٤ وج ٦٢ ص ٢٣٦ والموضوعات لابن الجوزي ج ١ ص ١٤٨ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٧٩ وذيل تاريخ بغداد لابن النجار ج ٣ ص ٦٩ وتهذيب الكمال ج ١٦ ص ١٧٦ وميزان الإعتدال للذهبي ج ٢ ص ٦٥١ ومن له رواية في مسند أحمد لابن حمزة ص ١٨٨ والإصابة

١٩٦

غير أننا نحب أن نشير هنا إلى أن للأمكنة دورا في حياة البشر يتجاوز ما عهدناه وألفناه من استفادة الإنسان منها في تيسير حاجاته ، وتحقيق غاياته ، فالأرض التي قد تكون مقدسة وقد لا تكون قد ورد في الآيات أنها تشهد عند الله للعبد إذا صلى فيها ، وربما تفتح وربما تسكن ، وقد تلعنه وقد تبكيه ، وقد تكون به برة وقد ترفضه وتلفظه ، وقد تحبه وربما تبغضه ، وقد تفتخر وتتباهى به ، وقد تخشى وربما تشفق ، وقد يحرم عليها هذا ولا يحرم عليها ذاك ، وتأتي طوعا أو كرها .. و.. و.. الخ ..

وجبل أحد يحب النبي «صلى الله عليه وآله» وأهل بيته الطاهرين «عليهم السلام» ، ومن معه من المؤمنين ، لأنهم يجلبون الخير والبركة له ، ولغيره من الموجودات ، وقد عاين صبرهم وجهادهم وتضحياتهم بكل غال ونفيس ، وحتى بأعز أحبابهم ، والخيرة من أهلهم من أجل إعزاز دين الله ، والذود عن

__________________

ج ٣ ص ١٩٢ ولسان الميزان ج ٤ ص ٥٥ ومعجم البلدان ج ٣ ص ٥١ وج ٥ ص ٨٧ وتاريخ المدينة ج ١ ص ٨٠ و ٨١ و ٨٢ و ٨٤ وفضائل المدينة ص ٢١ و ٤٤ و ٦١ و ٦٦ وذكر أخبار إصبهان ج ١ ص ٣٥٨ وج ٢ ص ٩٦ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٤٢٣ و ٦٣٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١ وج ٥ ص ٢٨ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٣٢٧ وج ١٤ ص ٤٢ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٤٧ وعيون الأثر ج ١ ص ٤٠٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٨ وج ٤ ص ٤١ وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٣١٨ وج ٤ ص ٢٤٣ وج ٥ ص ١٥٠ و ٤٦٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٤٨٧ وج ٣ ص ١٢٣ وينابيع المودة ج ٢ ص ٨٨ وغريب الحديث لابن سلام ج ٣ ص ٥٦ ومعجم ما استعجم ج ١ ص ١١٧ والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج ١ ص ٣٢٧.

١٩٧

حياضه ، وفي سبيل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان .. إن جبل أحد قد عاين ذلك ، وساهم فيه بصورة أو بأخرى ، واحتضن في بعض سفوحه أجساد الشهداء الأبرار ، بمن فيهم حمزة عم النبي «صلى الله عليه وآله» ، وأسد الله ، وأسد رسوله ..

وجبل أحد لم يزل يسمع التسبيح والدعاء ، والإبتهال ، وقراءة القرآن عند تلك القبور ، فتنعش وجوده ، وتهز كيانه ، ويخشع لذكر الله تبارك وتعالى ، ويعيش لذة تسبيحه ، ويتحسس عظمته ، وجبل أحد يشعر مع أولئك الذاكرين والمسبحين بالأمان والسكينة ، ويطمئن إلى نسمات الأنس التي تزجيها تسابيحهم في كل أجوائه ، ويرتاح لنفحات الخير ، والرحمات التي تزدحم في كل محيطه ..

وهم يحبون جبل أحد لأن لهم معه ذكريات جهاد ملأت قلوبهم بالخشية ، وهمسات أسحار بهرت أنوارها وجودهم ، وغمرت بالطهر أرواحهم ، وصفت ورضيت بذكر الله فاطمأنت نفوسهم.

كما أن لهم لدى جبل أحد ودائع غالية ، ونفائس عزيزة ، وأمانات مباركات يريدون منه حفظها ، وأن يعرف حقها.

خير دور الأنصار حديث مشكوك :

ولسنا ندري لماذا ينسبون إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ما يسيء إلى مكانته ، وموقعه كنبي يهدي إلى الحق ، وهو أنه قد تدخل بلا مبرر بين القبائل ، وأثار حالات من الحسد والضغينة بينها .. وذلك حين يفضل هذه القبيلة على تلك ، ويجعل هذه القبيلة أولا ، وتلك يجعلها آخرا ، من دون

١٩٨

سبب ، وهذا ما يثير العجب ، حيث لم يبين وجه الأفضلية ، وأنه في هذا الأمر ، أو في ذاك!!

وقد رأينا أثر هذه الكلمة في أبي أسيد الساعدي ، الذي شكا من جعل النبي «صلى الله عليه وآله» بني ساعدة آخر الأنصار دارا ..

وحين طالب سعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالأمر أصر على ذلك ، ولم يذكر له أي شيء يخفف من وقع هذا التفضيل .. مع أنه قد كان بالإمكان أن يتخذ منه ذريعة لحثهم على نيل بعض المقامات والكرامات بالعمل الذي يرشدهم إليه على أنه من موجبات تصحيح الأمور ، والتغيير في المعادلة.

طلع البدر علينا :

عن السائب بن زيد قال : أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى ثنية الوداع ، مقدمه من تبوك (١).

وعن ابن عائشة قال : لما قدم رسول الله «صلى الله عليه وآله» المدينة

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٦٩ وج ٣ ص ٢٧٨ عن البخاري ، وأبي داود ، والترمذي ، وقال في هامشه : أخرجه البخاري ج ٦ ص ١٩١ (٣٠٨٢) وأبو داود ج ٣ ص ٩٠ (٢٧٧٩) وراجع : السنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٧٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٠ ص ١٠٧ و ١٠٨ والإصابة ج ٣ ص ٢٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٦ ص ٣٦٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٠ ص ١٠٧ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ١١٣ ومسند أحمد ج ٣ ص ٤٤٩.

١٩٩

جعل النساء والصبيان والولائد يقلن :

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع (١)

وعن خريم بن أوس بن لأم قال : هاجرت إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» منصرفه من تبوك ، فسمعت العباس بن عبد المطلب يقول : يا رسول الله إني أريد امتداحك؟

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : «قل لا يفضض الله فاك».

فقال :

من قبلها طبت في الظلال وفي

مستودع حيث يخصف الورق

ثم هبطت البلاد لا بشر

أنت ولا نطفة ولا علق

بل نطفة تركب السفين وقد

ألجم نسرا وأهله الغرق

تنقل من صالب إلى رحم

إذا مضى عالم مضى طبق

وردت نار الخليل مكتتما

في صلبه أنت كيف يحترق

حتى احتوى بيتك المهيمن من

حندق علياء تحتها النطق

وأنت لما ولدت أشرقت الأرض

فضاءت بنورك الأفق

فنحن في ذلك الضياء وفي

النسور وسبل الرشاد نخترق (٢)

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٦٩ عن البيهقي في دلائل النبوة ج ٥ ص ٢٥٥ وابن كثير في البداية والنهاية ج ٥ ص ٣٣.

(٢) راجع المغني لابن قدامة ج ١٢ ص ٤٣ و ٥٢ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١

٢٠٠