الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٠

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٣٠

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-202-1
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥١

وإن كنت غير نبي ، فإن دولتك التي أوقعتني في يدك بهذه الخصلة العجيبة ، والسبب اللطيف ستوقعني في يدك بمثلها.

قال : فصالحه رسول الله «صلى الله عليه وآله» على ألف أوقية من ذهب في رجب ومأتي حلة ، وألف أوقية في صفر ومائتي حلة ، وعلى أنهم يضيفون من مر بهم من العساكر ثلاثة أيام ، ويزودونهم إلى المرحلة التي تليها ، على أنهم إن نقضوا شيئا من ذلك فقد برئت منهم ذمة الله ، وذمة محمد رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ثم كرّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» راجعا إلى المدينة إلى إبطال كيد المنافقين في نصب ذلك العجل الذي هو أبو عامر ، الذي سماه النبي «صلى الله عليه وآله» الفاسق.

وعاد رسول الله «صلى الله عليه وآله» غانما ظافرا ، وأبطل الله كيد المنافقين.

وأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بإحراق مسجد الضرار ، وأنزل الله عز وجل : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً)(١) الآيات.

وقال موسى بن جعفر «عليهما السلام» : فهذا العجل في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله» دمر الله عليه ، وأصابه بقولنج ، وفالج ، وجذام ، ولقوة. وبقي أربعين صباحا في أشد عذاب ، صار إلى عذاب الله (٢).

__________________

(١) الآية ١٠٧ من سورة التوبة.

(٢) راجع : تفسير الإمام العسكري «عليه السلام» ص ١٦٩ ـ ١٩٩ و (ط مدرسة الإمام المهدي «عليه السلام» سنة ١٤٠٩ ه‍) ص ٤٨٠ ـ ٤٨٨ والبحار ج ٢١ ص ٢٥٧ ـ ٢٦٣ عنه ، وراجع : التفسير الصافي ج ٢ ص ٣٧٦.

١٦١

ونقول :

إن هذا النص قد تضمن أمورا هامة ، نحب لفت النظر إليها ، وهي التالية :

الإنقلاب يبدأ بضرب نقطة الإرتكاز :

قد أظهر النص المتقدم : أن المؤامرة على النبي «صلى الله عليه وآله» لم تكن وليدة ساعتها ، بل جاءت ضمن خطة شاملة ودقيقة ، حددت الأهداف وطريقة العمل ، وتوقعت النتائج ، وتوخت أن تكون ضرباتها حاسمة ومؤثرة ، ومحمية ، وحسبت لكل أمر حسابه ..

فكان على رأس أولياتهم تسديد ضربة حاسمة لمركز القرار ، ونقطة الإرتكاز ، ورأس الهرم الحافظ والضامن لوحدة الكيان العام كله ، والمؤثر في حركته كلها. ثم لكل امتداداته المؤثرة ، أو التي يحتمل أن تؤثر في إعادة انتظام عقد الإجتماع ، وامتلاك زمام المبادرة بنفس ما حكموا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، كما أوضحه نص آخر ، وقرروا سبي جميع ذراري النبي «صلى الله عليه وآله» ، وسائر أهله وصحابته ..

كل ذلك لإدراكهم أن حدوث الفراغ في مركز القرار ، سيؤدي إلى شل حركة سائر الخلايا الفاعلة والحية في الكيان كله ، وسيضع الكيان كله على طريق التمزق والتلاشي ..

ولأجل ذلك حاولوا أن يتخلفوا عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فلا يسيروا معه إلى تبوك ..

١٦٢

الخطة الملعونة :

وقد صرحوا : بأنهم سوف يضعون المسلمين بين خطرين داهمين : خطر يأتي من قبلهم ، فهم يهاجمونهم ، فيصطلون مخلّفي المسلمين إذا خرجوا ، فإذا عادوا من تبوك ، فإن أكيدر يلاحقهم ، والمتخلفون في المدينة يهاجمونهم من جهة المدينة ، وأكيدر يهاجمهم بجموعه من الخلف ، ويحده في ذلك هرقل ، وملك غسان من جهة الشام ، إن نجح أبو عامر الراهب في إقناعهما بذلك.

ويبدو أن أبا عامر قد نجح في إيجاد صلة بين منافقي المدينة وبين ملك غسان ، كما ربما تشير إليه رسالة ملك غسان إلى كعب بن مالك.

القرار النبوي في ثلاثة اتجاهات :

ولكن القرار النبوي الذي فاجأهم ، قد حسم الأمور في ثلاثة اتجاهات :

الإتجاه الأول : أنه أبطل كيدهم بجعل علي «عليه السلام» خليفته في المدينة ، فلم يمكّنهم من فعل أي شيء فيها ، حسبما أوضحته الرواية المتقدمة عن الإمام الكاظم «عليه السلام» ..

الإتجاه الثاني : القضاء على أكيدر بصورة سريعة وحاسمة ، والإتيان به أسيرا إلى المدينة لكي يروا جميعا وبأم أعينهم ضعفه ، وذله ..

الإتجاه الثالث : الإثبات العملي لهم بأن قيصر ، ومن تبعه ، بما فيهم الحارث الغساني ، لا يجرؤون على مواجهته ، بل هم يخطبون وده ، ويراعون جانبه ، ويسعون لكسب رضاه.

ومما زاد في خزيهم وذلهم : أنه «صلى الله عليه وآله» كان قد أخبرهم بما يجري على أكيدر ، وبمقدار الجزية التي يضعها عليه ..

١٦٣

وربما يكون هذا هو السبب أيضا في إعلانه «صلى الله عليه وآله» جهة السير حين خرج بجيشه من المدينة ، فإنه أراد أن لا يدخل في وهم أحد أنه «صلى الله عليه وآله» قد أخذ أعداءه على حين غرة ، وأنه لو لا ذلك فلربما كانت النتائج على عكس ما جاءت عليه .. وذلك أبعد أثرا في قطع آمال أهل النفاق ، وفي خزي أهل الشقاق ..

الإخبار بالغيب ، والمعجزات في تبوك :

ورغم أنه «صلى الله عليه وآله» كان يظهر لأصحابه المعجزات والكرامات بين الفينة والفينة ، خصوصا في ساعات العسرة ، ليكون ذلك أوقع في نفوسهم ، وليربط على قلوبهم ، وأدعى لتلمسهم مواقع الإعجاز وخصوصية الكرامة فيما يرونه ويعيشونه .. فإن ما ظهر لهم في غزوة تبوك على الخصوص كان يزيد على ما ظهر لهم في غيرها بأضعاف كثيرة ، حتى ليخيّل لقارئ نصوص هذه الغزوة : أن كل ما يجري مرتبط بالغيب ، ويراد به إظهار الكرامة والرعاية ، والتدخل الإلهي ، من دون التفات يذكر إلى الأسباب الظاهرة ..

حتى لقد أخبرهم حسبما تقدم عن الإمام الكاظم «عليه السلام» بما يجرى على أكيدر ، وبمقدار الجزية التي يضعها عليه ..

وهذا يدل على أن لتبوك خصوصية انفردت بها عما عداها .. ولعل خصوصيتها تكمن في أنها تريد أن تسدد إلى النفاق وأهله ضربة مهلكة ، فإن الحرب مع المنافقين قد بلغت الذروة وأصبحت مصيرية ، وحاسمة ..

وكان ظهور أي ضعف أو توان في هذا المجال ، من شأنه أن يعرّض

١٦٤

كل جهود الأنبياء إلى خطر داهم وأكيد ، كما أظهرته رواية الإمام الكاظم «عليه السلام» المتقدمة ..

وظهور هذا الإرتباط العميق بالغيب قد حفظ الكثيرين من أن يتأثروا بوسوسات المنافقين ، وأباطيلهم وأضاليلهم ..

إن تهلك هذه العصابة لا تعبد :

وقد فسرت لنا الرواية المشار إليها أيضا ما عناه رسول الله «صلى الله عليه وآله» بقوله على المنبر ، وهو يحث الناس على الجهاد : «اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض» (١).

فإن المؤامرة كانت كبيرة وخطيرة ، وكان استهداف رسول الله «صلى الله عليه وآله» وجميع صحابته الأخيار ، وكذلك أهل بيته واصطلامهم يشير إلى قلة أهل الإيمان ، بالنسبة إلى من عداهم من أهل النفاق ، فإنهم كانوا هم الكثرة الساحقة التي جعلت المنافقين يستسهلون ارتكاب هذه الجريمة ، غير مكترثين بتبعاتها .. إذ لو كان المنافقون هم القلة القليلة ـ ثمانين رجلا أو أكثر بقليل مثلا ـ فإن ارتكابهم لجريمتهم سوف يستتبع ثورة عارمة ضدهم لا بد أن تنتهي باستئصالهم ..

ولعل مما يشير إلى ذلك : أن حشود أكيدر مهما كانت كثيرة وخطيرة ، فإنها لا تستطيع إبادة ثلاثين ألفا ، حتى مع مساعدة أهل النفاق المتواجدين في المدينة لهم.

__________________

(١) المعجم الكبير ج ١٨ ص ٢٣٢ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٩١ وكنز العمال ج ١٣ ص ٣٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٦٣.

١٦٥

وهذا يعطي : أنهم كانوا يتكلون على مساعدة لهم على ذلك تكون من نفس الجيش الذي كان مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ولو بقيام مجموعة منه باغتيال رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ثم يتولى فريق آخر السيطرة على الموقف ، مع قدرتهم على ذلك ، بسبب كثرتهم العارمة ، وقلة جماعة أهل الإيمان ..

ومما يدل على ذلك : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمر المضرّب ، بأن يعدّ له العسكر في تبوك ، فعدّهم فكانوا ثلاثين ألفا ، ثم أمره بأن يعد المؤمنين منهم ، فكانوا خمسة وعشرين رجلا فقط (١) ، حسبما تقدم.

وما أسهل كسر شوكة عشرين رجلا على يد ثلاثين ألفا يحسبون أنهم معهم ، فكيف إذا انضم إليهم ما يحشده أكيدر ، ثم ما يقوم به منافقوا المدينة بعد أن يستأصلوا من عندهم من أهل النبي «صلى الله عليه وآله» ، ومن المؤمنين؟!.

وتتأكد فرص نجاح هذه المؤامرة الخبيثة إذا نجح المنافقون في قتل رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وقتل علي «عليه السلام» ..

قائد السرية خالد؟! أم الزبير وأبو دجانة؟! :

وقد زعمت الروايات التي نقلها أتباع مناوئي علي «عليه السلام» : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمّر خالدا على سرية دومة الجندل ..

__________________

(١) راجع : تفسير القمي ج ١ ص ٢٩٦ والبرهان (تفسير) ج ٢ ص ١٣٢ والبحار ج ٢١ ص ٢١٨ والتبيان للطوسي ج ٥ ص ٢٨٠ وتفسير مجمع البيان للطبرسي ج ٥ ص ١٠٤.

١٦٦

ولكن الرواية التي ذكرناها آنفا عن الإمام الكاظم «عليه السلام» ، تقول : إنه «صلى الله عليه وآله» قد أوكل أمر أكيدر إلى الزبير ، وأبي دجانة.

ونحن لا نمنع أن يكون خالد قد حضر في تلك السرية أيضا ، فاغتنمها محبوه فرصة ، فنسبوا السرية إليه ، لينيلوه فضيلة كان بحاجة ماسة إليها ، بعد أن كان السبب في تضييع النصر العظيم الذي كان ينتظره المسلمون في مؤتة ، وبعد ما فعله ببني جذيمة ، ومالك بن نويرة.

أما أبو دجانة فليس له أحد يهتم بحفظ تاريخه ، والذب عن مواقفه ، وبيان مواقع التجني عليه ، والإغارة على منجزاته ..

كما أن الزبير ، فهو وإن كان ـ عند هؤلاء المخذولين ـ قد نال شرف القتال ضد علي «عليه السلام» ، لكنه لم يعد يستحق الذكر ، بعد أن نازع ولده المشؤوم بني أمية وانتزع منهم الحجاز .. وهذا ذنب لا يغفره له الأمويون ، وهم الشجرة الملعونة في القرآن ، وأشياعهم ، ومحبوهم ، وما أكثرهم.

مناديل سعد ، أم مناديل الزبير؟! :

وقد تقدم في الرواية التي نحن بصدد الحديث عنها : أنه «صلى الله عليه وآله» قال : لمنديل ابن عمتى الزبير ، وسماك (يعني أبا دجانة) في الجنة أفضل من هذا ، إن استقاما على ما أمضيا من عهدي ، إلى أن يلقياني عند حوضي في المحشر ..

ونقول :

أولا : إن الكلام عن منديلي الزبير وأبي دجانة في الجنة اقترن باشتراط

١٦٧

استقامتهما على العهد إلى أن يلقياه في المحشر .. وهذا لا يختص بهما بل هو يجري على كل الناس ، ولعل تخصيصهما بالذكر لأنه ولا هما أخذ أكيدر. ويريد «صلى الله عليه وآله» أن يظهر قيمة الإيمان والإسلام ، وأنه هو المعيار ، وليس كونه ملكا ، أو سوقة ..

ثانيا : إن اشتراط بقاء الزبير وأبي دجانة على العهد ، قد جاء بلفظ «إن» التشكيكية ، أي التي يؤتى بها عند الشك في تحقق مدخولها ، بخلاف «إذا» التحقيقية ، فإنها يؤتى بها للدلالة على تحقق مدخولها ، قال الزمخشري :

سلم على شيخ النحاة وقل له :

عندي سؤال من يجبه يعظم

أنا إن شككت وجدتموني جازما

وإذا جزمت فإنني لم أجزم

قل في الجواب بأن إن في شرطها

جزمت ومعناها التردد فاعلم

وإذا لجزم الحكم إن شرطية

وقعت ولكن لفظها لم يجزم (١)

ثالثا : إن الوقائع اللاحقة قد أظهرت : أن الزبير لم يبق على العهد ، فقد خرج على إمام زمانه علي أمير المؤمنين «عليه السلام» ، وقد قتل في تلك الوقعة من المسلمين ما يعد بالألوف ، وربما بعشرات الألوف أيضا ، طمعا منه في الدنيا ، ورغبة عن الآخرة ..

رابعا : إن الروايات الأخرى قد ذكرت مناديل سعد بن معاذ بدلا عن مناديل الزبير ، ونحن لا نمنع من أن يكون قد قال هذه الكلمة مرتين ، أو أنه «صلى الله عليه وآله» قالها في مناسبة أخرى ، ولكن الرواة نقلوها إلى هنا ، فعن البراء قال : أهدى إلي رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثوب حرير ،

__________________

(١) راجع : حاشية رد المحتار لابن عابدين ج ١ ص ٩٥.

١٦٨

فجعلوا يعجبون من لينه ، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : أتعجبون من هذا؟ لمناديل سعد في الجنة أحسن من هذا (١).

الحرب الإعلامية وأثرها :

والمراجع لآيات القرآن الكريم يلمس الإهتمام الظاهر في آياته المباركة

__________________

(١) أسد الغابة ج ٢ ص ٢٩٨ وراجع : الإحتجاج للشيخ الطبرسي ج ١ ص ٢١١ ومسند أحمد ج ٣ ص ١١١ وج ٣ ص ٢٣٤ وصحيح البخاري ج ٧ ص ٢٢٠ وسنن الترمذي ج ٣ ص ١٣٣ وسنن النسائي ج ٨ ص ٢٠٠ وفضائل الصحابة للنسائي ص ٣٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٣ ص ٢٧٤ وج ٥ ص ٦٢ و ٤٧٢ وشرح مسلم للنووي ج ١٦ ص ٢٣ وفتح الباري ج ١٠ ص ٢٤٥ وعمدة القاري ج ١٣ ص ١٧٠ وج ١٦ ص ٢٦٧ وج ٢٢ ص ١٤ وج ٢٣ ص ١٧٢ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٥٠٨ وج ٨ ص ٤٩٧ ومسند أبي يعلى ج ٣ ص ٢٧٣ ـ ٢٧٤ والمعجم الكبير ج ٦ ص ١٣ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٧ ص ١٣٨ وتغليق التعليق ج ٥ ص ٦٢ و ١٩٤ وخلاصة تذهيب تهذيب ص ١٣٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٤٣٥ وأسد الغابة ج ٤ ص ١٠٧ وتهذيب الكمال ج ٢٢ ص ٢٤٦ وميزان الإعتدال للذهبي ج ٣ ص ١٢٨ والإصابة ج ٤ ص ٥٢٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٤٨ وعيون الأثر ج ٢ ص ٧٦ وصحيح البخاري ج ٢ ص ٢٠٠ وصحيح مسلم ج ٧ ص ١٥٠ و ١٥١ راجع : سيرة مغلطاي ص ٥٧ ومرآة الجنان ج ١ ص ١٠ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٧٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٩ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٨ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠٠ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٧١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٨ و ٢٤٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٠.

١٦٩

بالتصدي للإعلام المسموم ، وبيان ما فيه من زيف ، وما يكمن وراءه من خلفيات ، وأهداف ، ويبدو هذا الإهتمام واضحا من خلال الآيات الكثيرة النازلة في مناسبة حرب تبوك التي تسجل إدانات واضحة للشائعات الكاذبة ، التي تهدف إلى التأثير على روحية الناس ، وإسقاطهم ، وهزيمتهم نفسيا ..

وقد بين النص المتقدم مدى تأثير شائعات ووسوسات المنافقين على الناس الذين لا يملكون ثقافة واسعة ، أو حصانة كافية ..

فكان لا بد من مواجهة هذا الكيد الرخيص ، الذي لا يؤمن بقيم ، ولا يلتزم بمبادئ بصورة قوية وحاسمة ، وهكذا كان ..

سياسة الفضائح :

وقد واجه الله هذا الكيد الإعلامي بسياسة مرة وقوية ، لم يعرفوها من قبل ، لأن النبي «صلى الله عليه وآله» إنما كان يرفق بهم حيثما كان الرفق سديدا ومفيدا ..

ولعله يحق لنا أن نسمي هذه السياسة التي اتبعها الله عز وجل ب «سياسة الفضائح» ، ـ خصوصا بعد ما سميت سورة التوبة التي جاءت كثير من آياتها فيهم بالفاضحة ـ حيث بيّن تبارك وتعالى فنون مكرهم ، وخفايا أساليبهم التي اتبعوها في قضية تبوك بصراحة ووضوح ، فذكر أنهم منافقون.

١ ـ قد ابتغوا الفتنة.

٢ ـ وأنهم قلبوا للنبي «صلى الله عليه وآله» الأمور.

٣ ـ وقالوا : هو أذن.

١٧٠

٤ ـ وأنهم يلمزون المطّوّعين.

٥ ـ يسخرون من المؤمنين الذين لا يجدون إلا جهدهم.

٦ ـ يكذبون.

٧ ـ يستهزؤن.

٨ ـ يقولون للناس : لا تنفروا في الحر.

٩ ـ بنوا مسجدا ضرارا.

إلى غير ذلك مما يمكن استخلاصه من آيات سورة التوبة التي فضحتهم ، فسميت السورة بالفاضحة ..

وقد بينت الآيات القرآنية للناس حقيقة تصرفاتهم ، وأهدافهم ، ونواياهم منها .. فتحدثت بالإضافة إلى ما تقدم عن سبب بنائهم لمسجد الضرار ، وأنهم قد بنوه ضرارا وكفرا ، وتفريقا بين المؤمنين ، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل ..

وأنهم إذا قيل لهم : انفروا تثاقلوا إلى الأرض ، رضا بالحياة الدنيا ، ورغبة عن نصر رسول الله «صلى الله عليه وآله» ..

وأنهم يحلفون أن لو استطاعوا لخرجوا ، وهم كاذبون ، وأنهم يستأذنونه بالتخلف عنه. وأنهم لو خرجوا مع المسلمين ما زادوهم إلا خبالا ، ولأوضعوا خلالهم ، وأن منهم من يقول : إءذن لي ولا تفتني. وأنه إن تصب النبي «صلى الله عليه وآله» حسنة تسؤهم ، وإن تصبه مصيبة يقولوا : قد أخذنا أمرنا من قبل ، ويتولوا وهم فرحون. وأنهم ينفقون وهم كارهون.

وأنهم يحلفون إنهم لمن المسلمين ، وما هم منهم. وأن منهم من يلمز النبي «صلى الله عليه وآله» في الصدقات ، فإن أعطوا منها رضوا ، وإن لم

١٧١

يعطوا منها إذا هم يسخطون. وأنهم إن سألهم عن استهزائهم يقولون : كنا نخوض ونلعب. وأنهم يأمرون بالمنكر ، وينهون عن المعروف.

ويقبضون أيديهم ، ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصّدقن ، فلما آتاهم من فضله بخلوا به ، وقد فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، وقالوا : لا تنفروا في الحر.

وإذا ما أنزلت سورة : أن آمنوا بالله ، وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم ، وقالوا : ذرنا نكن مع القاعدين ..

وأنهم يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم ، وسيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم ، ولترضوا عنهم ..

وأن منهم من يتخذ ما ينفق مغرما ، ويتربص بكم الدوائر ..

وغير ذلك مما صرحت به الآيات الكريمة في تلك السورة المباركة (١).

عدد سرية آسري أكيدر :

وقد ذكرت الرواية المتقدمة عن الإمام الكاظم «عليه السلام» : أن عدد أفراد السرية التي أرسلها النبي «صلى الله عليه وآله» لأسر أكيدر كان حوالي عشرين رجلا فقط ..

لكن الروايات التي رواها الآخرون تقول : إن عددهم كان أربع مائة وعشرين ..

__________________

(١) راجع سورة التوبة.

١٧٢

ونرى : أن تنفيذ هذه المأمورية على النحو الذي وصفه لهم النبي «صلى الله عليه وآله» لا يحتاج إلى أكثر من عشرين رجلا .. إذ إن أسر هذا الرجل سيتم دون أن يتمكن أحد من نجدته أو الدفاع عنه ، بل دون أن يعلم أحد بالأمر ..

على أن وجود جيش يتألف من ثلاثين ألفا بالقرب من هذه الجماعة ، وكان أكيدر على علم بوجوده ، وقد حذرته منه زوجته حين حاولت أن تثنيه عن الخروج في تلك الليلة كما تقدم ستكون أقوى رادع لأتباع أكيدر عن القيام بأي تحرك لملاحقه آسريه ، كما أن أسر أكيدر سيجعل الرعية بلا راع ، والجند بلا قائد ، وسيكون سببا آخر لمزيد من التخبّط والإحباط ، والخضوع للأمر الواقع.

بل إننا حتى لو أخذنا برواية الأربع مائة وعشرين رجلا ، فسوف لن نستفيد شيئا : إذا كان لدى أكيدر ألوف من المقاتلين ، كما ورد في سائر الروايات ، خصوصا وأن خالدا قد عودنا على الهزيمة ، بلا حاجة إلى عساكر جرارة ، بل هو قد عودنا على التخلي عن النصر المحقق لصالح أعداء الدين كما هو الحال في مؤتة .. فلا فرق بين الأربع مائة والألف ، لأن النتيجة ستكون واحدة.

المطلوب من الزبير خاصة :

ويلاحظ : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد طلب من الزبير خاصة أن يعترف بالولاية لأمير المؤمنين «عليه السلام» ، وذلك لأنه «صلى الله عليه وآله» كان يعرف ابن عمته حق المعرفة ، وقد أخبره بأنه سيقاتل عليا «عليه

١٧٣

السلام» وهو له ظالم (١).

__________________

(١) علي والخوارج ج ١ ص ٢٥٣ و ٢٥٨ وراجع : أنساب الاشراف (بتحقيق المحمودي) ج ٢ ص ٢٥٨ وراجع : مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٦٦ وأسد الغابة ج ٢ ص ١٩٩ والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج ٤ ص ٣٢٣ والوافي بالوفيات ج ١٤ ص ١٢٣ ورسائل المرتضى للشريف المرتضى ج ٤ ص ٧٢ وكفاية الأثر ص ١١٥ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للميرجهاني ج ٤ ص ٨٤ وكشف المحجة لثمرة المهجة للسيد ابن طاووس ص ١٨٣ والصراط المستقيم ج ٣ ص ١٢٠ و ١٧١ والجمل لابن شدقم ص ١٠ و ١٣١ والبحار ج ١٨ ص ١٢٣ وج ٣٠ ص ١٩ وج ٣٢ ص ١٧٣ وج ٣٦ ص ٣٢٤ وفتح الباري ج ٦ ص ١٦١ وج ١٣ ص ٤٦ والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ٢٤١ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٧١٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٢٣٤ وج ١٣ ص ٢٨٧ وكنز العمال ج ١١ ص ٣٣٠ وفيض القدير ج ٤ ص ٣٥٨ وكشف الخفاء ج ٢ ص ٤٢٣ والضعفاء للعقيلي ج ٣ ص ٦٥ والعلل للدار قطني ج ٤ ص ٢٤٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٨ ص ٤٠٩ و ٤١٠ وتهذيب الكمال للمزي ج ١٨ ص ٩٣ والإصابة ج ٢ ص ٤٦٠ وتهذيب التهذيب ج ٦ ص ٢٩٠ والعثمانية للجاحظ ص ٣٣٥ والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٢٤٠ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٢٣٧ و ٢٣٨ وج ٧ ص ٢٦٨ و ٢٦٩ وكتاب الفتوح لأعثم ج ٢ ص ٤٧٠ والإستغاثة ج ٢ ص ٦٨ وبشارة المصطفى للطبري ص ٣٨٠ وإعلام الورى ج ١ ص ٩١ والمناقب للخوارزمي ص ١٧٩ ومطالب السؤول في مناقب آل الرسول «عليه السلام» لمحمد بن طلحة الشافعي ص ٢١٥ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٤٢ وكشف اليقين ص ١٥٤ والفصول المهمة لابن الصباغ ج ١ ص ٤١٢ و ٤١٥ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ١٤٩ وخزانة الأدب للبغدادي ج ٥ ص ٤١٦ وج ١٠ ص ٤٠٣.

١٧٤

وأخبر عليا «عليه السلام» ، وسائر الناس بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين لعلي «عليه السلام» ، والمراد بالناكثين أصحاب الجمل بقيادة عائشة ، وطلحة والزبير ..

١٧٥
١٧٦

الفصل الثاني عشر :

النبي صلّى الله عليه وآله في المدينة بعد تبوك

١٧٧
١٧٨

بالمدينة أقوام لهم أجر المجاهدين :

عن أنس وجابر : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما رجع من غزوة تبوك ، فدنا من المدينة فقال : «إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم».

فقالوا : يا رسول الله ، وهم في المدينة؟

قال : «وهم بالمدينة ، حبسهم العذر» (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٦٨ عن البخاري ، وابن سعد ، وقال في هامشه :

أخرجه البخاري ج ٦ ص ٤٦ في الجهاد ، باب من حبسه عذره عن الغزو ، وفي المغازي (٤٤٢٣) وأبو داود (٢٥٠٨) وأحمد ج ٣ ص ١٠٣ و ١٠٦ و ١٨٢ و ٣٠٠ وابن ماجة ج ٢ ص ٩٢٣ (٢٧٦٤) والبيهقي في الدلائل ج ٥ ص ٢٦٧ وراجع : البحار ج ٢١ ص ٢٤٨ وفتح الباري ج ٦ ص ٣٥ ج ٨ ص ١٩٧ وعمدة القاري ج ١٤ ص ١٣٠ و ١٣٣ وج ١٨ ص ٥٧ وتحفة الأحوذي ج ٣ ص ٢٤٧ وج ٨ ص ٣٠٩ وعون المعبود ج ٧ ص ١٣٣ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٢٦١ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥٦٢ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ٤١٢ وبغية الباحث ص ٢١٠ ومسند أبي يعلى ج ٤ ص ١٩٣ وج ٦ ص ٤٥١ وج ٧ ص ٢١٤ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ٣٣ والإستذكار لابن عبد البر ج ٢ ص ٨٢ وج ٣ ص ٦٨ والتمهيد لابن عبد البر ج ٦ ص ٣١٩ وج ١٢ ص ٢٦٨

١٧٩

ولعله إنما قال لمن معه ذلك ، حتى لا يخطر في بال أحد منهم أن يدلّ على أولئك الناس الضعفاء ، بأنه قد سار مع النبي «صلى الله عليه وآله» إلى الجهاد ، ويحاول أن يسوّق لنفسه عن هذا الطريق ، فقد حدث نظير ذلك في مرة سابقة ، وذلك حين قال عمر بن الخطاب لأسماء بنت عميس : سبقناكم بالهجرة ، فنحن أحق بالنبي «صلى الله عليه وآله» منكم ، فشكته إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فوقف «صلى الله عليه وآله» إلى جانبها ، ونصرها

__________________

وج ١٩ ص ٢٠٤ و ٢٠٥ ورياض الصالحين للنووي ص ٥٨ وتخريج الأحاديث والآثار ج ١ ص ٣٥٠ وموارد الظمآن ج ٥ ص ٢١١ و ٢١٢ وتغليق التعليق ج ٣ ص ٤٣٤ وكنز العمال ج ٣ ص ٤٢٢ وفيض القدير ج ٣ ص ٤٧٤ وتفسير البغوي ج ١ ص ٤٦٨ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢ ص ٦٠١ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ٢ ص ٩٨ والتفسير الكبير للرازي ج ١١ ص ٨ والجامع لأحكام القرآن ج ٥ ص ٣٤٢ وج ٨ ص ٢٢٦ و ٢٩٢ وتفسير البحر المحيط ج ٥ ص ٨٧ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٥٥٤ وتفسير الثعالبي ج ٣ ص ٢٢٧ وج ٥ ص ٦٠٧ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٦٧ وتفسير أبي السعود ج ٢ ص ٢٢٢ وفتح القدير ج ١ ص ٥٠٣ وج ٢ ص ٣٩٢ وتفسير الآلوسي ج ٥ ص ١٢٤ وأضواء البيان للشنقيطي ج ١ ص ٢٤٧ وطبقات المحدثين بأصبهان ج ٤ ص ٢٨٩ وذيل تاريخ بغداد لابن النجار البغدادي ج ٣ ص ١٤٤ وذكر أخبار إصبهان ج ٢ ص ٣٦٢ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٤٩ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٨ وإمتاع الأسماع ج ٨ ص ٣٩٤ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٤٧ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٦١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٢٢.

١٨٠