الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-201-3
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

عليه وآله» ، وطلبوا منه ذلك ..

ويجاب عن هذا أيضا بأن من الواضح : أن طلب اليهود هذا لا بد أن ينتشر وأن يتداوله الناس ، وسوف يحاولون تحليله وتأويله كل بحسب ما لديه.

ثالثا : حتى لو كانت الشام هي أرض المحشر والمنشر فلماذا يجب عليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يلحق بها؟! وهل أرض المحشر والمنشر أفضل من مكة والمدينة؟ وما سواهما مما أخبر الله تعالى بفضله؟! ..

رابعا : هل صحيح أن أنبياء الله تعالى كانوا بالشام ، أم أنهم كانوا منتشرين في لبنان والشام وفي فلسطين وفي الحجاز وغيره؟!

خامسا : لماذا تأخر إعلام الله تعالى لرسوله بالحقيقة حتى بلغ تبوك ، فأمره حينئذ بالرجوع إلى المدينة ، مع أن الطبيعي هو : أن يعلمه تعالى بالأمر فور إعلام اليهود إياه بما يخالف الحقيقة؟! ولماذا أفسح المجال لشماتتهم ، بالرسول وبالمسلمين ، وأتعب قلب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وكلف المسلمين هذه النفقات الباهظة في أيام يزعمون أن المسلمين فيها يعانون من العسرة والحاجة والجهد ، ولا يجدون ما ينفقون؟! ..

سادسا : إن قول الله تعالى لنبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إنه يحيا ويموت ويبعث في المدينة (١) ، يدل أيضا على عدم صحة ما زعموه من أن بيت المقدس هي أرض المحشر والمنشر.

سابعا : إن قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ

__________________

(١) راجع : تفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٥٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ١ ص ١٧٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٦٢.

٨١

مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) (١) رغم أنه في سورة مكية ، لا ينطبق على قصة اليهود المزعومة ، لأن الآية قد صرحت بما يلي :

١ ـ إنهم كادوا أن يستفزوه من أرضه. أي كادوا أن يصلوا إلى هذا الأمر ، ولكنهم لم يصلوا إليه فعلا ، مع أن الرواية المتقدمة تدّعي : أنهم قد استفزوه بالفعل ، ونفر مع جيش قوامه ثلاثون ألفا ، وسار حتى بلغ تبوك.

إلا إن كان المراد بالإستفزاز : الإخراج من الأرض إلى أرض أخرى ، والبقاء فيها ..

٢ ـ إن الآية تقول : إن عقوبة أو عاقبة هذا الإستفزاز هي : أن لا يلبث اليهود خلافك إلا قليلا. مع أن أمر اليهود كان قد حسم قبل ذلك بزمان ، من الناحية العسكرية أو السياسية في المنطقة ، وإن كان المقصود هو هلاكهم واستئصالهم ، فإننا لم نجد أن شيئا من ذلك قد حصل لليهود بعد استفزازهم إياه من الأرض ، رغم أنه قد بلغ تبوك. وهذا يدل على أن الآية لا تعنيهم ، بل تعني مشركي مكة كما سنرى.

إلا إن كان المراد الإستفزاز إلى أرض أخرى والبقاء فيها ، فهذا لم يتحقق ، فلم يصبهم عذاب الإستئصال ، الذي علق على هذا الإستفزاز ..

ثامنا : عن قتادة ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير : أن مشركي مكة هم الذين حاولوا أن يستفزوا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليلتحق بالشام (٢) ، ربما

__________________

(١) الآيتان ٧٦ و ٧٧ من سورة الإسراء.

(٢) الدر المنثور ج ٤ ص ١٩٥ عن عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي

٨٢

ليواجه الروم ، الذين يظنون أنهم سيكونون أقدر على حسم أمره منهم ، ولا سيما مع سعة سلطانهم ، وكثرة عساكرهم ، مع عدم وجود أية إحراجات قبائلية تمنع من الإمعان في مواجهته ، واتخاذ أي إجراء يروق لهم ضده.

تاسعا : زعمت تلك الرواية : أن قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) (١). قد نزلت عليه مرجعه من تبوك.

ونقول :

إنه رغم أن هذه الآية كآية الإستفزاز من الأرض مكية وليست مدنية ، فإن الروايات تقول ما يلي :

١ ـ عن ابن عباس قال : «كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بمكة ، ثم أمر بالهجرة ، فأنزل الله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ)» (٢).

__________________

حاتم عن قتادة ، وعن ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس. وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير. وجامع البيان للطبري ج ١٥ ص ١٦٦ ، وأسباب نزول الآيات ص ١٩٧ ، وفتح القدير ج ٣ ص ٢٤٩.

(١) الآية ٨٠ من سورة الإسراء.

(٢) الدر المنثور ج ٤ ص ١٩٨ عن أحمد ، والترمذي والحاكم وصححاه ، وابن المنذر ، وابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبي نعيم ، والبيهقي معا في دلائل النبوة والضياء المختارة. وراجع : مسند أحمد ج ١ ص ٢٢٣ ، وسنن الترمذي ج ٤ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، وجامع البيان للطبري ج ١٥ ص ١٨٥ ، وزاد المسير ج ٥ ص ٥٥ ، والجامع لأحكام القرآن ج ١٠ ص ٣١٣ ، وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٦٢ ، والكامل لابن عدي ج ٦ ص ٤٩.

٨٣

٢ ـ عن قتادة في معنى الآية ، قال : أخرجه الله من مكة مخرج صدق ، وأدخله المدينة مدخل صدق. قال : وعلم نبي الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله تعالى ، وحدوده ، وفرائضه ، وإقامة كتاب الله تعالى ، فإن السلطان عزة من الله تعالى ، جعلها بين عباده ، ولو لا ذلك لغار بعضهم على بعض ، وأكل شديدهم ضعيفهم (١).

ونقول :

إن قتادة هنا قد خلط وخبط ، وجاء بخطابات طنانة ، وشعارات رنانة ليفسر السلطان النصير الذي طلبه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من ربه ، فجاءت النتيجة بعد الإبراق والإرعاد ، منسجمة مع القاعدة المعروفة والمألوفة : «تمخض الجبل فولد فأرة» .. وقد تابعه زيد بن أسلم أيضا على ذلك ، كما سيأتي في الرواية التالية ، فجانب الحق ، وتجاهل الحقيقة فيما ادّعاه من أن المقصود بالسلطان النصير هو الأنصار.

والحقيقة هي : أن السلطان هي القوة التي ترهب العدو ، وتسقط مقاومته عسكريا وماديا وعلميا أيضا ، وغير ذلك مما يفيد في التأييد والتسديد.

وقد كان علي «عليه‌السلام» هو ذلك السلطان الناصر له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في كل مجال ، والذاب والمؤيد له في كل مقام ومقال كما أوضحته

__________________

(١) الدر المنثور ج ٤ ص ١٩٨ و ١٩٩ عن الحاكم وصححه ، وعن البيهقي في الدلائل. وراجع : المستدرك للحاكم ج ٣ ص ٣ ، وجامع البيان للطبري ج ١٥ ص ١٨٨ ، وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٦٢ ـ ٦٣ ، وتفسير الثعلبي ج ٦ ص ١٢٧ ، وتفسير البغوي ج ٣ ص ١٣٢.

٨٤

الرواية الآتية عن ابن عباس.

٣ ـ عن زيد بن أسلم في الآية ، قال : جعل الله مدخل صدق المدينة ، ومخرج صدق مكة ، وسلطانا نصيرا ، الأنصار (١).

وهذا وإن كان غير سليم عن النقاش ، ولكنه هو الآخر يخالف ما زعمته الرواية السابقة من أن المقصود هو الدخول والخروج من المدينة وإليها في قضية تبوك.

٤ ـ عن ابن عباس : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) ، يعني مكة ، (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً). قال : لقد استجاب الله لنبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دعاءه ، فأعطاه علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» سلطانا ينصره على أعدائه (٢).

٥ ـ وقال القمي في هذه الآية : نزلت يوم فتح مكة لما أراد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دخولها : وقال : قل يا محمد (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ

__________________

(١) الدر المنثور ج ٤ ص ١٩٩ عن الزبير بن بكار في أخبار المدينة. وراجع : تفسير القرآن للصنعاني ج ٢ ص ٣٨٩ ، وجامع البيان للطبري ج ١٥ ص ١٨٦ ، وتفسير الثعلبي ج ٦ ص ١٢٧ ، وتفسير البغوي ج ٣ ص ١٣٢ ، وتفسير الرازي ج ٢١ ص ٣٢ و ٣٣ ، وتفسير العز بن عبد السلام ج ٢ ص ٢٢٧ ، وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٦٢ ، وغيرهم.

(٢) البرهان (تفسير) ج ٢ ص ٤٤١ عن ابن شهرآشوب من كتاب أبي بكر الشيرازي.

والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٣٤١ ، وشواهد التنزيل للحسكاني ج ١ ص ٤٥٢ والبحار ج ٤١ ص ٦١.

٨٥

صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ). قال : قوله : (سُلْطاناً نَصِيراً) ، أي معينا (١).

أهداف هذه الفرية :

إنه قد يفهم من تلك الرواية المزعومة أنها تهدف إلى الإنتقاص من مقام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حين تظهره على أنه ألعوبة بيد اليهود ، حتى إنه ليجرد الجيش الجرار ـ ثلاثين ألفا ـ في وقت عسر وجهد كما يدّعون ، دون أن يراجع ربه ويسأله عن تكليفه أمام هذه الترهات التي يسمعها من أناس لم يعرف منهم الصدق ولا الأمانة ، بل هو ما عرف منهم إلا الكذب والكيد والخيانة ، واشتراءهم بآيات الله ثمنا قليلا ..

وقد حدّثه الله عنهم ، ووصفهم له في كتابه الكريم بما لا يدع مجالا لأي شك أو شبهة في أمرهم ، ولا أقل من أن كل هذه البيانات الواضحة والفاضحة تحتم على أي إنسان مهما كان عاديا التثبت فيما يعرضه عليه هؤلاء الناس.

يضاف إلى ذلك : أن هذه الرواية تريد أن تطعن وتستخف بقيمة هذه الغزوة التي ظهرت خيراتها وبركاتها ولو بفضحها لواقع النفاق المستشري ، وبإيجابها التأكيد على أمر الإمامة التي يكون بها حماية هذا الدين وبقاؤه ، وقد تجلى هذا الإستخفاف حين اعتبرت أن خروج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى تبوك لم يكن بأمر من الله تبارك وتعالى ، ولا كان خروج صحة وصدق ، فلا عبرة بعد هذا بأي شيء مما قاله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مما يرتبط

__________________

(١) البرهان (تفسير) ج ٢ ص ٤٤١ وتفسير القمي ج ٢ ص ٢٦ وتفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٢١٢ والبحار ج ٢١ ص ١١٤ عن تفسير القمي.

٨٦

بأمر الإمامة ، وبذلك يتم التعتيم والتمويه ، والتستر على الفعلة الشنعاء التي ظهرت من أهل النفاق ، فإن لله وإنا إليه راجعون ..

٢ ـ الأخبار الكاذبة هي السبب :

وقد اختلف في سبب غزوة العسرة والفاضحة ، فقيل : إن جماعة من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة ذكروا للمسلمين : أن الروم جمعوا جموعا كثيرة بالشام ، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة ، وأجلبت معهم لخم وجذام ، وعاملة وغسان ، وغيرهم من متنصرة العرب ، وجاءت مقدمتهم إلى البلقاء.

ولم يكن لذلك حقيقة ، ولما بلغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك ندب الناس إلى الخروج (١).

ونقول :

إن هذا الزعم غير معقول ولا مقبول.

إذ المعروف الذي لا شك فيه من أحد هو أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يرصد تحركات أعدائه بدقة متناهية ، لكي لا يؤخذ على حين غرة. ولذلك كان يستبق حملاتهم بالمبادرة إلى تسديد ضربات حاسمة تحبط كيدهم ، وتسقط مقاومتهم ، بأيسر طريق ، وأقلها تكلفة وخسائر ..

وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعلم بعداوة الروم له ، وكان قد كاتب

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٣ عن ابن سعد ، والواقدي. وراجع : عمدة القاري ج ١٨ ص ٤٥ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٦٥ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٣٤ ، وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٤٧.

٨٧

ملكهم ، قبل سنوات ، وخاض معهم حربا قوية قبل مدة وجيزة ، لا تزيد على سنة وشهرين .. وقد قتل في تلك الحرب قادته الثلاثة ، جعفر بن أبي طالب ، وزيد بن حارثة ، وعبد الله بن رواحة ..

فهل يعقل أن يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أهمل رصد تحركات هذا الجبار والعدو الخطر جدا ، الذي كان يعيش لتوّه نشوة الإنتصار على مملكة فارس. فاعتمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على إخبار أنباط وافدين ، لا يدينون بدينه ، في حين أن القرآن يقول له : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) (١).

ولنفترض : أنه أهمل الرصد ، لسبب أو لآخر ، وجاءه هذا الخبر من هؤلاء ، فلماذا لا يبحث عن صحة هذا الخبر ، مع اتخاذ جانب الإحتياط والحذر ، بل يترك ذلك جانبا ، ويبادر إلى جمع جيش يعد بعشرات الألوف ، ويخض المنطقة بأسرها ، ويعطي ذلك العدو الخطر المبرر للقيام بأي عمل لصد ما يعتبره عدوانا عليه ، ويزين لأتباعه بأن عليهم مواجهة أعدائهم بحرب هم أوقدوا نارها ، وأثاروا إعصارها.

٣ ـ تعويض قريش عن متاجرها :

وقيل : إن سبب غزوة تبوك هو أن الله سبحانه وتعالى لما منع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام في الحج وغيره قالت قريش : لتقطعن عنا المتاجر والأسواق ، وليذهبن ما كنا نصيب منها ، فعوضهم الله تعالى عن ذلك بالأمر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم

__________________

(١) الآية ٧٣ من سورة آل عمران.

٨٨

صاغرون ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (١).

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (٢)».

وعزم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على قتال الروم ، لأنهم أقرب الناس إليه ، وأولى الناس بالدعوة إلى الحق لقربهم إلى الإسلام (٣).

ونقول :

١ ـ إن ذلك لا يمكن قبوله أيضا ، فإن الله لم يكن ليشرع الجهاد ، وأخذ الجزية وما يترتب على ذلك من قهر للناس ، وقتل ، وأسر ، وسبي ، واغتنام لأموالهم ، لمجرد تعويض قريش أو غيرها عن بعض المتاجر التي فاتتها ، مع صرف النظر عن أنها أمضت أكثر من عقدين من الزمن ، وهي تحارب الإسلام وأهله ، بغيا منها عليه ، وجحودا لآياته ، من أجل الدنيا وزينتها ..

٢ ـ لو صح هذا الزعم ، فينبغي أن تكون الجزية أو الغنيمة خاصة

__________________

(١) الآيتان ٢٨ و ٢٩ من سورة التوبة.

(٢) الآية ٧٣ من سورة آل عمران.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٣ عن ابن مردويه عن ابن عباس ، وابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد ، وابن جرير عن سعيد بن جبير. وراجع : البداية والنهاية ج ٥ ص ٥ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣.

٨٩

لقريش ، ولا يشاركها فيها احد. لا الأنصار ، ولا غيرهم من أهل الإسلام المنتشرين في المنطقة العربية وغيرها ..

وإن شاركها أحد في الغنائم ، فينبغي أن يكون بعد حصول التعويض لقريش ، بحيث يصل إلى الآخرين ما يزيد عن هذا المقدار ، بعد اكتفاء قريش بهم ..

٣ ـ إن أخذ الجزية من أهل الكتاب قد سبق غزوة تبوك ، التي كانت في شهر رجب سنة تسع .. وأخذ من العديد من الجماعات ، فلاحظ الموارد التالية :

ألف : كتب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سنة ثمان مع العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ، وإلى سيبخت مرزبان هجر ، أو مرزبان البحرين يدعوها إلى الإسلام أو الجزية ، (وفي نص آخر : أرسله ليدعو أهل البحرين إلى الإسلام أو الجزية) ، فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم الخ .. (١).

ب : بل قيل : إنه وجّه العلاء إلى البحرين في سنة ست (٢).

__________________

(١) راجع : مكاتيب الرسول ج ١ ص ٢٠٩ عن المصادر التالية : الإصابة ج ١ ص ١٠٦ (٤٦١) وفتوح البلدان للبلاذري ص ١٠٧ وفي (ط أخرى) ص ٨٩ ومعجم البلدان ج ١ ص ٣٤٨ في كلمة بحرين ، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٠٥ و ٢٠٦ وراجع : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٤ ص ١٩٧ و ٢١١ ومسند ابن راهويه ج ١ ص ٢٣ والبحار ج ٢٠ ص ٣٩٦.

(٢) معجم البلدان ج ١ ص ٣٤٧ و (نشر مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة) ج ١ ص ٩٦ والبحار ج ٢١ ص ٤٩.

٩٠

قال ابن الأثير في حوادث سنة ست : «وأما المنذر بن ساوى ، والي البحرين ، فلما أتاه العلاء بن الحضرمي يدعوه ومن معه بالبحرين إلى الإسلام أو الجزية ، وكانت ولاية البحرين للفرس ، فأسلم المنذر بن ساوى ، وأسلم جميع العرب بالبحرين.

فأما أهل البلاد من اليهود والنصارى والمجوس ، فإنهم صالحوا العلاء والمنذر على الجزية ، من كل حالم دينار» (١).

ج : هناك كتابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأهل خيبر المتضمن لإسقاط الجزية والكلف والسخرة عنهم (٢).

وقد ناقشوا في الكتاب ، بأن فيه شهادة سعد بن معاذ الذي كان قد استشهد قبل خيبر بسنتين ، وشهادة معاوية ، وإنما أسلم بعد خيبر بسنة.

وبأن الجزية لم تكن وقت فتح خيبر ، لأن آيتها قد نزلت سنة تسع.

__________________

(١) الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢١٥ والجزية وأحكامها للكلانتري ص ١٨.

(٢) مكاتيب الرسول ج ١ ص ٢٥٨ و ٢٥٩ وج ٢ ص ٣٣٦ عن : مجموعة الوثائق السياسية ص ١٢٤ عن المنتظم لابن الجوزي ج ٨ ص ٢٦٥ و ٣١٢ في أحوال أحمد الخطيب البغدادي ، وتذكرة الحفاظ للذهبي في أحوال الخطيب البغدادي ج ٣ ص ٣١٧ وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ج ٣ ص ١٢ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ٢٥١ وج ١٢ ص ١٠١ و ١٠٢ والإرشاد لياقوت ج ١ أحوال أحمد بن علي الخطيب البغدادي ، والإعلان بالتوبيخ لمن ذم التأريخ للسخاوي ص ٧٥ وأحكام أهل الذمة لابن القيم ص ٧ و ٨ والخطيب البغدادي ليوسف العش ص ٣٢ وقد أرجع إلى : كتب ابن شهبة ص ١٣٩ والسبكي ج ٣ ص ١٤ وتذكرة الحفاظ ج ٣ ص ١٧ أيضا.

٩١

ولم يكن على أهل خيبر كلف ولا سخرة في زمن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لتوضع عنهم.

ويمكن أن يجاب عن ذلك بما يلي :

إنه ليس بالضرورة أن يكون هذا الكتاب قد كتب لأصحاب الحصون في خيبر ، فلعله كتب لبعض الجماعات الأخرى في خيبر ، قبل استشهاد سعد بن معاذ.

ويمكن إلحاق شهادة معاوية بالكتاب بعد إسلامه بطلب من تلك الجماعة ، وبموافقة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

وعن تأخير تشريع الجزية نقول :

إن هذا هو أول الكلام ..

يضاف إلى ذلك : أن من الممكن ان تكون قد شرعت على لسان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل نزول الآية.

وعن الكلف والسخرة نقول :

لعلهم لم يريدوا بذلك رفع السخرة عنهم ، بل اشترطوا ذلك احتياطا لأنفسهم تحسبا من أن توضع عليهم في المستقبل.

د : وقد كتب إلى بكر بن وائل بالجزية ، وذلك بعد سنة ثمان فراجع (١).

ه : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرسل أبا زيد الأنصاري إلى عبد وجيفر ابني الجلندى الأزديين في سنة ست ، وقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأبي زيد :

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٥٢. وراجع : الإصابة ج ٣ ص ٢٩٣ ، والأنساب للسمعاني ج ١ ص ٤٥.

٩٢

«خذ الصدقة من المسلمين ، والجزية من المجوس» (١).

و : سئل الإمام الصادق «عليه‌السلام» عن المجوس : أكان لهم نبي؟

فقال : نعم ، أما بلغك كتاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى أهل مكة : أن أسلموا وإلا نابذتكم بحرب.

فكتبوا إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أن خذ منا الجزية ، ودعنا على عبادة الأوثان.

فكتب إليهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب».

فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه : زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر.

فكتب إليهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إن المجوس كان لهم نبي فقتلوه ، وكتاب أحرقوه» (٢).

__________________

(١) فتوح البلدان للبلاذري ص ٩٣ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٦٩ ونشأة الدولة الإسلامية ص ١٧٨.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤١٣ وأشار في هامشه إلى المصادر التالية : الكافي ج ٣ ص ٥٦٨ كتاب الجهاد ، والتهذيب ج ٤ ص ١١٣ وج ٦ ص ١٥٨ والتذكرة كتاب الجهاد ، والبحار ج ١٤ ص ٤٦٣ والإختصاص ص ٢٢٢ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١١ ص ٩٦ عن الكافي والتهذيب ، وجامع أحاديث الشيعة ج ١٢ ص ٢١٣ ومرآة العقول ج ١٦ ص ١١٩. وراجع : مستدرك سفينة البحار ج ٩ ص ٣٣٨ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٣٣٤ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٢٠٢ وميزان الحكمة ج ٤ ص ٣١٨٣.

٩٣

وهناك نصوص ذكر فيها وضع الجزية أيضا على بعض الفئات ، مع احتمال أن يكون وضعها عليهم قبل غزوة تبوك ، ونحن نذكر من ذلك ما يلي :

ألف : جاء في كتابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للأسبذيين : «ومن أبى فعليه الجزية على رأسه معافا ، على الذكر والأنثى» (١).

ب : وقد كتب ليهود تيماء : «أن لهم الذمة وعليهم الجزية» (٢). وذلك حين بلغهم وطء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لوادي القرى في سنة تسع. فلعل ذلك كان قبل شهر رجب الذي كانت فيه غزوة تبوك

ج : وكتب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى يحنّة بن رؤبة وفيه : «فأسلم أو أعط الجزية» (٣).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ١٢٤ عن مجموعة الوثائق السياسية ص ١٥٥ و ١٥٦ عن الأموال لابن زنجويه.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٤٢٢ و ٤٢٣ وأشار إلى المصادر التالية : الطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٧٩ وفي (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٢٩ وإعلام السائلين ص ٤٩ ونثر الدر للآبي ج ١ ص ٢٢٧ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٣٠ واللسان والنهاية في سدى ومدى. ومجموعة الوثائق السياسية ص ٩٨ / ١٩ عن : الطبقات ، ومجموعة المكتوبات النبوية لأبي جعفر الديبلي الهندي ص ٦ ثم قال : قابل الخراج لقدامة :

ورقة ١٢٠ ـ ب ، واللسان مادة عدا ، والنهاية لابن الأثير مادة عدا ، وانظر كايتاني ج ٩ ص ٥٠ واشبرنكر ج ٣ ص ٤٢١. وراجع : الفائق للزمخشري ج ٣ ص ٣٥٢ وناسخ التواريخ ص ٣٠٥ في تاريخ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

(٣) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٤٧٣ وأشار إلى المصادر التالية : الطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٧٧ وفي (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٨ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ص ١٤ ـ

٩٤

قال العلامة الأحمدي : «ولكن لم يعلم أنه كتبه إليه من تبوك أو قبل ذلك ، ولم يتعرض له الناقلون ، والذي يستفاد هو : أنه كتبه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليه بعد نزول الجزية ، إما سنة تسع ، أو قبل فتح مكة» (١).

٤ ـ وأخيرا ، فقد ذكرنا آنفا : أنه لا مانع من ان يشرع الله تعالى بعض الأحكام على لسان نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ثم تنزل الآية القرآنية بعد ذلك بمدة لحكمة تقتضي ذلك .. فلا مجال للإصرار على تأخر تشريع الجزية استنادا إلى تأخر نزول الآية.

٤ ـ هلكت أموالهم :

عن عمران بن حصين قال : كانت نصارى العرب كتبت إلى هرقل : إن هذا الرجل الذي قد خرج يدّعي النبوة هلك ، وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم. فإن كنت تريد أن تلحق دينك فالآن ، فبعث رجلا من عظمائهم ، وجهز معه أربعين ألفا ، فبلغ ذلك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأمر

__________________

ورسالات نبوية ص ١٧ وراجع : التراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٠١ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٢٦ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٠٩ و ١٢٢ و ١٢٣ ومجموعة الوثائق السياسية ص ١١٦ / ٣٠ عن الزرقاني ج ٣ ص ٣٦٠ ، وابن حجر في المطالب العالية ص ٢٦٣١ عن المسدد. وقال : انظر كايتاني ج ٩ ص ٣٨ التعليقة الأولى ، واشپرنكر ج ٣ ص ٤٢١ واشپربر ص ٢١. وراجع : شرح الزرقاني ج ٣ ص ٣٦٠ والنهاية في بحر ، والمفصل ج ٤ ص ٢٤٩ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٣٧٨.

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٤٧٩.

٩٥

بالجهاد (١).

ونقول :

إنه لا مجال لقبول هذا النص على ظاهره :

فأولا : هو يقول عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إنه قد هلك ، وهذا غير صحيح ، ولا يمكن أن يقدم على هذه الكذبة أحد ، ولا سيما مع قيصر ، الذي لا بد أن يواجه الكاذبين بالعقوبات القاسية حين يظهر له كذبهم ، وأنهم قد سعوا للمكر به ..

إلا إذا فرض : أنهم يقصدون بذلك أنه هلك من الناحية الإقتصادية مثلا .. أو السياسية ، أو يعاني من الضعف العسكري أو نحو ذلك ..

ولكن هذا أيضا لا يحل الإشكال ، فإن قوته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد تضاعفت ، وقد سقطت أمام جيوشه كل حصون الكفر والشرك في المنطقة بأسرها .. فإذا ظهر لقيصر أنهم قد كذبوا عليه في هذا الأمر الواضح ، فسوف يلحق بهم الأذى والهوان.

ثانيا : قد ادّعوا : أن سنين من القحط والعدم قد اصابت المسلمين ، حتى هلكت أموالهم ، مع أن السنين إنما أصابت أهل مكة ، وقد مدّ هو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهم يد العون ، تفضلا منه وكرما ..

ثالثا : إنه لم يمض على مواجهة جيش الروم للمسلمين في مؤتة سوى

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٣ عن الطبراني بسند ضعيف ، وعن مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٩٤. وراجع : فتح الباري ج ٨ ص ٨٥ ، والمعجم الكبير ج ١٨ ص ٢٣٢ ، وكنز العمال ج ١٣ ص ٣٧ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٦٣.

٩٦

سنة وشهرين ، وقد وجد فيهم من البسالة والإقدام ما يحير العقول ، حتى لقد واجه ثلاثة آلاف منهم مئات الألوف من جيوش قيصر ، ولم تستطع تلك الحشود الهائلة أن تقتل من جيش المسلمين سوى بضعة أفراد ، وربما لم يمكنهم ذلك إلا بعد أن طحن المسلمون جيوشه الجرارة طحنا ..

ولو لا حدوث الخيانة من خالد بن الوليد ، فلربما لم يخرج من الجيوش التي حشدها إلا أقل القليل ..

فأين هي تلك السنون التي مرت على المسلمين حتى هلكت أموالهم وتمهّد السبيل للإنقضاض والقضاء عليهم؟!

رابعا : إذا كانت مئات الألوف القيصرية مع جيش منتصر على إمبراطورية فارس قد عجزت عن فعل أي شيء مع ثلاثة آلاف في بلاد بعيدة عن بلادها ، فإذا أراد قيصر أن يقضي على المسلمين ، ويستأصل شأفتهم ، فسيحتاج إلى أضعاف ما حشده في مؤتة ، ولا سيما بعد أن تعرض جيشه فيها لضربة روحية بالغة القسوة والأثر ..

فما معنى أن يكتفي الآن بأربعين ألفا ، يرسلهم مع أحد قواده؟!!

٩٧
٩٨

الفصل الثاني :

تجهيز جيش العسرة

٩٩
١٠٠