الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-201-3
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

غزوة تبوك في القرآن الكريم :

قال تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (١).

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ عَفَا

__________________

(١) الآية ٢٩ من سورة التوبة.

٦١

اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) (١).

__________________

(١) الآيات ٣٨ ـ ٥٧ من سورة التوبة.

٦٢

وقال تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) (١).

وقال تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٢).

وقال تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ

__________________

(١) الآيات ٦٢ ـ ٦٦ من سورة التوبة.

(٢) الآية ٧٤ من سورة التوبة.

٦٣

وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ

٦٤

ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).

وقال تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢).

وقال تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٣).

(ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤).

__________________

(١) الآيات ٨١ ـ ٩٩ من سورة التوبة.

(٢) الآيتان ١٠١ و ١٠٢ من سورة التوبة.

(٣) الآيتان ١١٧ و ١١٨ من سورة التوبة.

(٤) الآيتان ١٢٠ و ١٢١ من سورة التوبة.

٦٥
٦٦

الفصل الأول :

الإعداد والإستعداد

٦٧
٦٨

تبوك علم لا ينصرف :

تبوك اسم موضع ، ولفظه لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل ، وقيل للعلمية والتأنيث ، فإن أريد صرفها ، فيراد منها «الموضع» ـ كقول كعب بن مالك كما في بعض الروايات ـ : «فلم يذكرني حتى بلغ تبوكا» (١).

تبوك هي أقصى موضع بلغه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غزواته .. وهي في طرف الشام من جهة القبلة ، وبينها وبين المدينة المشرّفة اثنتا عشرة مرحلة (٢). وقيل : أربع عشرة (٣).

قال في النور : وقد سرناها مع الحجيج في اثنتي عشرة مرحلة ، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة (٤).

__________________

(١) مسند أحمد ج ٦ ص ٣٨٧ ، وشرح مسلم للنووي ج ١٧ ص ٨٩ ، والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٠٠ ، وصحيح ابن حبان ج ٨ ص ١٥٧.

(٢) معجم البلدان ج ٢ ص ١٥ وكتاب العين ج ٥ ص ٣٤٢.

(٣) فتح الباري ج ٨ ص ٨٤ وعمدة القاري ج ٩ ص ٦٥ وج ١٨ ص ٤٥ وتحفة الأحوذي وج ٥ ص ٣١٠ ج ٨ ص ٤٠٢ وعون المعبود ج ١ ص ١٧٤.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٩ ، وراجع : فتح الباري ج ٨ ص ٨٥ وعمدة القاري ج ٩ ص ٦٥ وج ١٨ ص ٤٥.

٦٩

وهذا الإختلاف لا يضر ولا نرى كثير فائدة في تحقيقه ، فإن هذا الموضع معروف اليوم.

سبب تسمية الغزوة بتبوك :

قال في الروض تبعا لابن قتيبة : سميت الغزوة بعين تبوك ، وهي العين التي أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ألا يمسوا من مائها شيئا ، فسبق إليها رجلان ، وهي تبض بشيء من ماء ، فجعلا يدخلان فيها سهمين ليكثر ماؤها ، فسبهما رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقال لهما : ما زلتما تبوكانها منذ اليوم ، فلذلك سميت العين تبوك.

والبوك : كالنقش والحفر في الشيء ، ويقال : منه باك الحمار الأتان يبوكها إذا نزا عليها (١).

ونقول : إن لنا مع هذا النص وقفات :

الأولى : فسبهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

زعم هذا النص : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سب ذينك الرجلين اللذين حاولا إثارة ماء العين بسهميهما ..

وهذا كلام باطل لما يلي :

أولا : إن هذين الرجلين لم يقصدا الخلاف على رسول الله «صلى الله

__________________

(١) سبيل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٧٩ وراجع : وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٥٩ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ٦٥. وراجع : معجم البلدان ج ٢ ص ١٥ ، وعمدة القاري ج ١٨ ص ٤٤ ، وفتح الباري ج ٨ ص ٨٤.

٧٠

عليه وآله» وإنما وجداها تبض بماء قليل ، فأرادا إثارتها ، ليزداد ماؤها لينتفع به المسلمون .. وهذا معناه : أن نيتهما كانت صالحة ، فلم يفعلا ما يستحقان به السبّ بحسب ظاهر الأمر ..

ومع غض النظر عن ذلك ، فقد كان اللازم هو الرفق بهما ، والإستعلام عن نيتهما ، ثم تكون العقوبة ، أو يكون العفو ، وهو الأمثل والأجمل برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، المأمور بالعفو عن الناس ..

ثانيا : لو سلمنا أنهما قصدا الخلاف عليه ، فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يزل ينهى عن سب الناس ، والتفوه بالألفاظ الفاحشة ، فقد روي أن عائشة قالت له معترضة عليه : قلت لفلان : بئس أخو العشيرة ، فلما دخل ألنت له القول؟

فقال : «يا عائشة ، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش» (١).

وقال لها : «.. إن الفحش لو كان مثالا لكان مثال سوء» (٢).

__________________

(١) المجموع للنووي ج ١٨ ص ١٧٩ والمغني لابن قدامة ج ٩ ص ١٧٣ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٩ ص ١٥٧ والكرم والجود للبرجلاني ص ٣٩ وكتاب الصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا ص ١٨٤ وكنز العمال ج ٣ ص ٥٩٧ وفيض القدير ج ٢ ص ٣٤٤ والجامع لأحكام القرآن ج ١٧ ص ٢٩٢ ومستند الشيعة للنراقي ج ١٤ ص ١٦٦ والكافي للكليني ج ٢ ص ٣٢٦ وشرح أصول الكافي ج ١ ص ٢٦٧ وج ٩ ص ٣٦٥ ومستدرك الوسائل ج ٩ ص ٣٦.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٣٢٤ و ٣٢٥ و ٦٤٨ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٢ ص ٧٨ وج ١٦ ص ٣٢ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٤٥٣ وج ١١ ص ٣٢٧ والبحار ج ١٦ ص ٢٥٨ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ٤٣٢ وج ١٥ ص ٦٠٨ والحدائق ـ

٧١

وقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لو كان الفحش خلقا لكان شر خلق الله» (١).

وقال : «إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام» (٢).

وروي عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قوله : «ألا أخبركم بأبعدكم مني شبها»؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال : «الفاحش المتفحش البذيء» (٣).

__________________

الناضرة ج ٩ ص ٧١ ومفتاح الكرامة ج ٨ ص ١٢٨ وجواهر الكلام ج ١١ ص ١١٤ ومصباح الفقيه (ط. ق) ج ٢ ق ٢ ص ٤٢٢ وشرح أصول الكافي ج ٩ ص ٣٦٣ وج ١١ ص ١١٨ والبحار ج ١٦ ص ٢٥٨ وج ١٠٨ ص ٢٢٥.

(١) كنز العمال ج ٣ ص ٥٩٩ وميزان الحكمة ج ٣ ص ٢٣٧٧ وكتاب الصمت وآداب اللسان لابن ابي الدنيا ص ٢٩٣ والجامع الصغير ج ٢ ص ٤٣٤ وفيض القدير ج ٥ ص ٤١٢ وكشف الخفاء ج ٢ ص ١٦١.

(٢) مسند أحمد ج ٥ ص ٨٩ ومجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٥ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٦ ص ٨٨ وكتاب الصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا ص ١٨٤ ومسند أبي يعلى ج ١٣ ص ٤٥٨ والمعجم الكبير ج ٢ ص ٢٥٦ والجامع الصغير ج ١ ص ٣١٩ وكنز العمال ج ٣ ص ٥٩٨ والتاريخ الكبير ج ٦ ص ٢٩١ وجامع السعادات ج ١ ص ٢٧٧ وعيون الحكم للواسطي ص ٢٧ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ٤٣٢ وميزان الحكمة ج ٣ ص ٢٣٧٦.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٩١ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٥ ص ٣٤١ و (ط دار الإسلامية) ج ١١ ص ٣٧٠ والبحار ج ٦٩ ص ١٠٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ٣٩٧ و ٥٤٤ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيخ هادي النجفي ج ٣ ص ٢٩٧ وج ٤ ص ١٦٣ وج ٨ ص ٣٢٥ وج ٩ ص ١٢٩ وميزان الحكمة ج ١ ص ٦٤٨ و ٨٠٧ وج ٣ ص ٢٣٧٦.

٧٢

وقال : «يا عائشة ، لا تكوني فاحشة» (١).

وأما بالنسبة لسباب المسلم ، فقد روي عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه قال : «سباب المسلم فسق» (٢).

وقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «سباب المسلم فسق وقتاله كفر» (٣).

__________________

(١) الدر المختار للحصكفي ج ٤ ص ٤٠٠ ورياض السالكين للسيد علي خان ج ٣ ص ٣٦٨ ومسند أحمد بن حنبل ج ٦ ص ٢٢٩ وصحيح مسلم ج ٧ ص ٥ وتحفة الأحوذي ج ٦ ص ٩٣ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٦ ص ٨٩ وكنز العمال ج ٣ ص ٥٩٧ والجامع لأحكام القرآن ج ١٧ ص ٢٩٣ وتفسير الآلوسي ج ٥ ص ١٠٠ والقاموس المحيط ج ٢ ص ٢٨٢ وتاج العروس ج ٩ ص ١٥٧.

(٢) حديث مروي عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أخرجه : البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأحمد ، والبيهقي ، والطبري ، والدارقطني ، والخطيب ، وغيرهم من طريق : ابن مسعود ، وأبي هريرة ، وسعد بن أبي وقاص ، وجابر ، وعبد الله بن مغفل ، وعمرو بن النعمان. راجع : الغدير ج ١٠ ص ٢٦٧ والفتح الكبير للنبهاني ج ٢ ص ١٥٠ و ١٥١ وراجع : جامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ٤٣٧.

(٣) راجع : الغدير ج ١٠ ص ٢٧٢ والفتح الكبير ج ٢ ص ١٥٠ و ١٥١ وأسنى المطالب للحوت ص ١٦٨ ح ٧٤٦ والجامع الصغير ح ٤٦٣٤ وصحيح الجامع الصغير ح ٣٥٨٠ والتمييز بين الخبيث والطيب ح ٧٠٢ وتاريخ بغداد ج ٥ ص ١٤٤ وج ١٠ ص ٨٦ وج ١٣ ص ١٨٥ وصحيح البخاري ج ٧ ص ٧٦٩ ك الأدب ، و (ط دار الفكر) ج ١ ص ١٧ وج ٧ ص ٨٤ وج ٨ ص ٩١ ، وحلية الأولياء ج ٥ ص ٢٣ و ٢٤ وج ٦ ص ٢٠٤ و ٣٤٣ وج ٨ ص ١٢٣ و ٣٥٩ وج ١٠ ص ٢١٥. وراجع : مسند أحمد ج ١ ص ٣٨٥ و ٤١١ و ٤٥٤ وصحيح مسلم ج ١ ص ٥٨ وسنن ابن ماجة

٧٣

فما معنى أن ينسب إليه أنه قد بادر إلى سب ذينك الرجلين؟!

ثالثا : لعل المقصود بنهيه عن مساس ذلك الماء بشيء هو عدم الأخذ منه ، تماما كما جرى في قضية ، قول طالوت لعسكره : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) (١).

ولا أقل من أن ذلك قد يكون مما احتمله أو ظنه الرجلان المشار إليهما ،

__________________

ج ١ ص ٢٧ وج ٢ ص ١٢٩٩ و ١٣٠٠ وسنن الترمذي ج ٣ ص ٢٣٨ وج ٤ ص ١٣٢ وسنن النسائي ج ٧ ص ١٢١ و ١٢٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ٢٠ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ١٧٢ وج ٧ ص ٣٠٠ وج ٨ ص ٧٣ وفتح الباري ج ١١ ص ٤٤٨ وج ١٣ ص ٢٢ وعمدة القاري ج ١ ص ٢٧٧ و ٢٧٩ وج ٩ ص ١٩٠ وج ٢٢ ص ١٢٣ وج ٢٤ ص ١٨٨ ومسند الحميدي ج ١ ص ٥٨ ومسند ابن راهويه ج ١ ص ٣٧٩ والأدب المفرد للبخاري ص ٩٧ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣١٣ و ٣١٤ ومسند أبي يعلى ج ٨ ص ٤٠٨ وصحيح ابن حبان ج ١٣ ص ٢٦٦ والمعجم الأوسط ج ١ ص ٢٢٣ وج ٤ ص ٤٤ وج ٦ ص ٣٧ والمعجم الكبير ج ١ ص ١٤٥ وج ١٠ ص ١٠٥ و ١٥٧ و ١٥٩ و ١٧٨ وج ١٧ ص ٣٩ وكتاب الدعاء للطبراني ص ٥٦٦ و ٥٦٧ ومسند الشاميين ج ٣ ص ٣٠٩ والتمهيد لابن عبد البر ج ٤ ص ٢٣٦ و ٢٣٧ وج ١٧ ص ١٥ والأذكار النووية ص ٣٦٥ وتغليق التعليق ج ٥ ص ٩٤ والجامع الصغير ج ٢ ص ٤٠ و ٤١ وكشف الخفاء ج ١ ص ٤٤٧ جامع البيان ج ٢ ص ٣٧٦ ونيل الأوطار للشوكاني ج ١ ص ٣٧٥ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٢ ص ٢٨١ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٥٩٨ ومستدرك الوسائل ج ١٨ ص ٢١٥ وأمالي الطوسي ص ٥٣٧ والبحار ج ٧٤ ص ٨٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٦ ص ٣٢٤ وج ٢٣ ص ١٤٥ وج ٢٦ ص ١٠٤.

(١) الآية ٢٤٩ من سورة البقرة.

٧٤

فما معنى سبهما قبل التأكد من الأمر؟!

رابعا : إن كلمة : «فسبهما» من الراوي كما لا يخفى ، في حال أنّا لا نرى في قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ما زلتما تبوكانها منذ اليوم» أي سباب ، بعد ما تقدم من أن البوك هو النقش والحفر!!

إلا إذا كان المراد : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سبهما بكلام آخر غير هذه الكلمة ..

الثانية : تسمية العين تبوك :

ولا مجال أيضا لقبول ما زعمته تلك الرواية : من أن تسميتها بتبوك بسبب قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لذينك الرجلين : ما زلتما تبوكانها .. لأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه قد أطلق اسم تبوك على تلك البقعة قبل أن يصل إلى تبوك بيوم ، حيث رووا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لأصحابه : «إنكم ستأتون غدا ـ إن شاء الله ـ عين تبوك» (١).

فهذا الاسم كان ثابتا للموضع ، ومتداولا قبل وصول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والمسلمين ، ومنهم ذانك الرجلان إليه ، فما معنى قولهم : أن تسميتها بتبوك متفرع على اعتراضع «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الرجلين.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٥٠ ، والموطأ لمالك ج ١ ص ١٤٣ ، ومسند أحمد ج ٥ ص ٢٣٨ ، وصحيح مسلم ج ٧ ص ٦٠ ، وفتح الباري ج ٨ ص ٨٤ و ٨٥ ، وعمدة القاري ج ١٨ ص ٤٤ ، وصحيح ابن خزيمة ج ٢ ص ٨٢ ، وصحيح ابن حبان ج ٤ ص ٤٦٩ وج ١٤ ص ٤٧٥ ، والإستذكار لابن عبد البر ج ٢ ص ٢٠٤ ، والمعجم الكبير ج ٢٠ ص ٥٧ والتمهيد لابن عبد البر ج ١٢ ص ١٩٣ ، وغيرهم.

٧٥

تاريخ غزوة تبوك وهي آخر مغازيه :

وقد صرحوا : بأن تبوك آخر مغازيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١) ، وهي المعروفة بغزوة العسرة ، وتعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقين فيها كما سيأتي إن شاء الله تعالى ..

وقد وقع في الصحيح ـ يعني صحيح البخاري ـ ذكرها بعد حجة الوداع.

قال الحافظ : وهو خطأ ، ولا خلاف أنها قبلها ، ولا أظن ذلك إلا من النساخ ، فإن غزوة تبوك كانت في رجب سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف.

وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس : أنها كانت بعد الطائف بستة أشهر.

وليس هذا مخالفا لقول من قال إنها في رجب إذا حذفنا الكسور ، لأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد دخل المدينة بعد رجوعه إلى الطائف في ذي الحجة (٢).

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ٦٦ عن أحمد ، وابن عقبة ، وفتح الباري ج ١ ص ٣٦٩ وج ٨ ص ٢٣٨ ، وعمدة القاري ج ١٨ ص ٢٥٩ ، وفيض القدير ج ١ ص ٧٢٣ ، والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ٢٨٠ ، وأضواء البيان للشنقيطي ج ١ ص ٣٣٦ و ٣٣٩ ، والإحكام لابن حزم ج ٧ ص ٩٨٢ ، والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ١ ص ١٦٣ ، وغيرهم.

(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٧٩ والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٤ ص ٦٦. وراجع : فتح الباري ج ٨ ص ٨٤.

٧٦

إما تبوك ، وإما الهلاك :

في حديث عمران بن حصين : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يجلس كل يوم على المنبر فيقول : «اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض. فلم يكن للناس قوة» (١).

ونحن نعلم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال هذه الكلمة في بدر ، وهو ساجد .. وقد ذكرنا أن حرب بدر كانت مصيرية بالنسبة إلى الإسلام ، والمسلمين ، فقوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هذه الكلمة في تبوك يفيد :

أولا : أن ثمة خطرا حقيقيا يتهدد عصابة أهل الإيمان كلها. وكان ذلك في بدر ظاهرا للعيان ، فإن قريشا إذا انتصرت ، فسوف لا تبقي على أحد تتوهم فيه أنه سيكون ميّالا إلى القيام بأي نشاط في الدعوة إلى عبادة الله سبحانه .. وسوف تدخل المدينة لتلتقي مع المشركين واليهود ، وسيكونون فرحين جدا بها ، وسيتعاونون معها لاستئصال البقية الباقية من المسلمين في المدينة أيضا ، وذلك سيكون أغلى أمانيهم ، وأعظم إنجازاتهم بنظرهم ..

ثانيا : إنه لا ريب في أن هلاك تلك العصابة سينتج أن لا يعبد الله تعالى على الأرض .. وهذا يساوق محو معالم الدين ، وإزالة كل أثر له من العقول ، والنفوس ..

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٤ عن الطبراني. وقال في الهامش : أخرجه مسلم ج ٣ ص ١٣٨٣ وأحمد ج ١ ص ٣٢. وراجع : مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٩١ ، والمعجم الكبير ج ١٨ ص ٢٣٢ ، وكنز العمال ج ١٣ ص ٣٧ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٦٣.

٧٧

ثالثا : إنما كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقول ذلك على المنبر ، لأنه يريد أن يعرف الناس خطورة تلكئهم عن ذلك المسير حيث يثير ذلك شهية العدو الخارجي لانتهاز فرصة العمر بزعمه ، وليبطل كيد المنافقين الذين كانوا يتآمرون على تضييع جهد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حشد الناس للجهاد والدفاع ..

ولعل هناك من يتوهم أن الكثرة سوف تغني عنهم من الله شيئا ، فأهملوا ، وتقاعسوا ، واتكلوا عليها ، ولم يلتفتوا إلى أن كثرة المنافقين والساعين في عرقلة الأمور ، والمدبرين للمكائد والمصايد والساعين للإخلال بالأمن الداخلي بعد مسير الجيش باتجاه تبوك ، فإن ذلك كله سوف يطمع جيش الروم ، ويدفعه لاغتنام الفرصة لإنزال أقسى ضرباته بجيش الإسلام ..

رابعا : إن هذا الذي ذكرناه يبين أن كلمة : فلم يكن للناس قوة ، قد جاءت في غير محلها ، وأنها مجرد أسلوب تضليلي عن حقيقة معاناة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مع قومه.

لماذا كانت غزوة تبوك؟! :

وقد اختلفت المزاعم والإجتهادات في بيان أسباب غزوة تبوك ، ونذكر هنا بعض ترهاتهم وأباطيلهم في هذا المجال ، مع الإشارة إلى بعض وجوه الخلل فيه ، وذلك على النحو التالي :

١ ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس ألعوبة بيد اليهود :

ورووا عن عبد الرحمن بن غنم : أن اليهود أتوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوما ، فقالوا : يا أبا القاسم ، إن كنت صادقا أنك نبي فالحق

٧٨

بالشام ، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء.

فصدّق ما قالوا ، فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام ، فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) (١) ، فأمره الله تعالى بالرجوع إلى المدينة وقال : فيها محياك ومماتك ومنها تبعث.

فرجع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأمره جبريل فقال : اسأل ربك عزوجل ، فإن لكل نبي مسألة ، وكان جبريل له ناصحا ، وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» له مطيعا.

قال : «فما تأمرني أن أسال»؟!.

قال : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (٢) ، فهذه الآيات أنزلت عليه مرجعه من تبوك (٣).

__________________

(١) الآيتان ٧٦ و ٧٧ من سورة الإسراء.

(٢) الآية ٨٠ من سورة الإسراء.

(٣) سبل الهدى الرشاد ج ٥ ص ٤٣٣ و ٤٦٢ عن البيهقي بإسناد حسن ، وابن أبي حاتم ، وأبي سعد النيسابوري ، وفي هامشه عن : دلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ٢٥٤ والدر المنثور ج ٤ ص ١٩٥ عن ابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر. وراجع : عمدة القاري ج ١٨ ص ٤٥ ، وتفسير الثعلبي ج ٦ ص ١١٩ ، وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ١٩٧ ، وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٥٧ ، وفتح الباري ج ٨ ص ٨٥ ، والدر المنثور ج ٤ ص ١٩٥ ، ولباب النقول ص ١٣٩ ، وفتح القدير ج ٣ ص ٢٤٩.

٧٩

ونقول :

إننا لا نرتاب في عدم صحة هذه الرواية أيضا لما يلي :

أولا : إنه بغض النظر عما نراه ، فإن نفس هؤلاء يزعمون أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : إن بيت المقدس هي أرض المحشر والمنشر ، فإن كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يأت بقوله هذا عن الله تعالى ، فما معنى قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)؟! (١) ، وإن كان ينطق عن الله ، فما معنى تصديقه اليهود في أمر قد أوحى الله إليه خلافه؟!

واحتمال أن يراد بالشام ما يشمل فلسطين بما فيها بيت المقدس لا مجال لقبوله ، فإن رواية ابن غنم المتقدمة قد أكدت أن غزو النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لتبوك قد كان لأجل الوصول إلى الشام ، وإنما يقصد بها البلد المعروف .. لا ما يعم بيت المقدس .. فيقع التعارض بينها وبين ما دل على أن بيت المقدس هي أرض المحشر والمنشر ..

ثانيا : لماذا لم يعترض الناس على اليهود في زعمهم ، ولماذا لم يسألوا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن سبب تصديقه اليهود في خبر يخالف ما جاءه عن الله تبارك وتعالى بل أطاع الناس كلهم ، ونفروا معه وتكبدوا المشاق والمتاعب ، وكانوا يبحثون عن سبب ـ ولو كان مثل الطحلب ـ ليتشبثوا به للإمتناع عن ذلك المسير؟!

إلا إذا فرض : أن أحدا ممن سمع من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما أخبر به عن بيت المقدس لم يكن حاضرا حين جاء اليهود إلى النبي «صلى الله

__________________

(١) الآيتان ٣ و ٤ من سورة النجم.

٨٠