الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-201-3
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

مني وأنا منه (١).

فتدل الآية الشريفة على إمامة أمير المؤمنين «عليه‌السلام» لأن مساواته للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في خصائصه عدا مزية النبوة تستوجب أن يكون مثله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأفضل من غيره بكل الجهات ، وأن يمتنع صيرورته رعية ومأمورا لغيره كالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

ونقل الرازي عن الشيخ محمود بن حسن الحمصي : أنه استدل بجعل علي «عليه‌السلام» نفس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على كونه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لأن النبي «صلى الله عليه

__________________

(١) دلائل الصدق ج ٢ ص ٨٥ والكافي ج ٨ ص ٣٢١ ودعائم الإسلام ج ١ ص ٣٨٣ وأمالي الصدوق ص ٢٦٤ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ١ ص ٤٤٩ وأمالي الطوسي ص ١٣٤ ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ٦٠ وج ٣ ص ١٤ والعمدة لابن البطريق ص ١٩٨ و ٢٠٣ والطرائف لابن طاووس ص ٦٥ وذخائر العقبى للطبري ص ٦٨ والبحار ج ٢٠ ص ١٠٨ وج ٢٤ ص ٢٦١ وج ٣١ ص ٦٥٥ وج ٣٧ ص ٢٢١ و ٢٣٥ وج ٣٨ ص ٦٧ و ٩٧ و ١١٩ وج ٣٩ ص ٣٣٣ وج ٥٦ ص ٢٥٦ والغدير ج ٣ ص ٢١٥ ومسند احمد ج ٤ ص ٤٣٨ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٢٩٦ وفضائل الصحابة للنسائي ص ١٥ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١١١ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٨ وعمدة القاري ج ١٦ ص ٢١٤ ومسند أبي داود الطيالسي ص ١١١ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٤٥ و ١٢٦ وخصائص أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للنسائي ص ٨٧ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٣٧٤ والمعجم الأوسط للطبراني ج ٦ ص ١٦٢ والمعجم الكبير للطبراني ج ١٨ ص ١٢٩ وتفسير فرات الكوفي ص ٨١.

(٢) دلائل الصدق ج ٢ ص ٨٥ والصراط المستقيم لابن يونس العاملي ج ٢ ص ٢٦.

٢١

وآله» أفضل منهم ، وعلي «عليه‌السلام» نفسه.

ثم رد الرازي على ذلك بقيام الإجماع على أن الأنبياء «عليهم‌السلام» أفضل من غيرهم.

وأجاب المظفر «رحمه‌الله» : بأن المجمع عليه هو تفضيل صنف من الأنبياء على صنف آخر منهم ، وتفضيل كل نبي على جميع أمته ، لا تفضيل كل شخص من الأنبياء على جميع من عداهم ، حتى لو كان من أمم غيرهم.

فذلك نظير تفضيل صنف الرجال على صنف النساء ، فإنه لا ينافي تفضيل امرأة بعينها على كثير من الرجال.

والقول بما قاله الحمصي قال به الشيعة قبل الحمصي ..

سبب إثارة الشبهات :

وأخيرا .. فإننا لا نجد مبررا لكل تلك التمحلات البالية ، والتوهمات والخيالات الخاوية سوى التخلص من شبح إثبات كرامة وفضيلة لأهل البيت «عليهم‌السلام» ، وذلك بعد أن وجدوا : أن علماءهم مرغمون على الإقرار بهذا الأمر ، والبخوع له ، حتى لقد قال الزمخشري وغيره : «وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء» (١).

__________________

(١) راجع : الكشاف ج ١ ص ٣٧٠ والصواعق المحرقة ص ١٥٣ عنه ، وإقبال الأعمال لابن طاووس ج ٢ ص ٣٥١ والطرائف لابن طاووس ص ٤٣ وكشف الغمة للإربلي ج ١ ص ٢٣٥ والصراط المستقيم لابن يونس العاملي ج ١ ص ٢٤٩ والبحار ج ٢١ ص ٢٨٢ وج ٣٥ ص ٦٠ وراجع : الإرشاد للمفيد ص ٩٩ وتفيسر الميزان ج ٣ ص ٢٣٨ وتفسير جوامع الجامع للطبرسي ج ١ ص ٢٩٤ وتفسير ـ

٢٢

تناقضات الشعبي :

ويلاحظ هنا : أن الشعبي يقع في المتناقضات ، فقد روى تارة : أن عليا «عليه‌السلام» هو المقصود بقوله تعالى : (وَأَنْفُسَنا) كما تقدم (١).

ولكنه في مورد آخر يروي قضية المباهلة ولا يذكر عليا «عليه‌السلام» ، فتحيّر الراوي في ذلك ، وعزاه إما إلى سقط في رواية الشعبي ، أو لسوء رأي بني أمية في علي (٢). ولا ريب في أن الثاني هو الأصوب ، حسبما عرفناه وألفناه من أفاعيلهم.

ونحن لا نستطيع في هذه العجالة أن نتعرض لجميع الجوانب التي لا بد من بحثها في حديث المباهلة ، فإن ذلك يحتاج إلى تأليف مستقل ، ولكننا نكتفي هنا بالإشارة إلى الأمور التالية :

الأمر الأول : النموذج الحي :

إن إخراج الحسنين «عليهما‌السلام» في قضية المباهلة لم يكن بالأمر العادي ، أو الإتفاقي .. وإنما كان مرتبطا بمعاني ومداليل هامة ، ترتبط بنفس شخصية الحسنين «عليهما‌السلام» ، فقد كانا صلوات الله وسلامه عليهما ذلك المصداق

__________________

البحر المحيط لابي حيان الأندلسي ج ٢ ص ٥٠٣.

(١) دلائل الصدق ج ٢ ص ٨٥ والطرائف لابن طاووس ص ٤٧ والبحار ج ٢١ ص ٣٤٩ وج ٣٥ ص ٢٦٢ وتفسير فرات الكوفي ص ٨٧ وتفسير مجمع البيان للطبرسي ج ٢ ص ٣١١ وأسباب نزول الآيات الواحدي النيسابوري ص ٦٨ وشواهد التنزيل ج ١ ص ١٥٩ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٣٤٦.

(٢) راجع : جامع البيان ج ٣ ص ٢١١ وفي (ط دار الفكر) ج ٣ ص ٤٠٤.

٢٣

الحقيقي ، والمثل الأعلى ، والثمرة الفضلى التي يعنى الإسلام بالحفاظ عليها ، وتقديمها على أنها النموذج الفذ لصناعته الخلاقة ، والبالغة أعلى درجات النضج والكمال .. حتى إنه ليصبح مستعدا لتقديمها على أنها أعز وأغلى ما يمكن أن يقدمه في مقام التدليل على حقانيته وصدقه ، بعد أن فشلت سائر الأدلة والبراهين ـ رغم وضوحها ، وسطوع نورها ، وقاطعيتها لكل عذر ـ في التخفيف من عنت أولئك الحاقدين ، وصلفهم ، وصدودهم عن الحق الأبلج ..

فالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حينما يكون على استعداد للتضحية بنفسه ، وبهؤلاء ، الذين هم القمة في النضج الرسالي ، بالإضافة إلى أنهم أقرب الناس إلى الله ، وهم النموذج الأعلى للتربية الإلهية ، فإنه لا يمكن أن يكون كاذبا ـ والعياذ بالله ـ في دعواه.

كما لاحظه نفس رؤساء أولئك الذين جاؤوا ليباهلوه ، وذلك لأن محبة النفس ، ثم محبة الأقارب ، وإن كانت قد تجعل الإنسان على استعداد للتفريط بكل شيء ، قبل أن يفكر في التفريط بنفسه وبهم ، إلا أن الأنبياء لا يفكرون بهذه الطريقة ، وإنما يفكرون بما من شأنه حفظ الدين والرسالة ، وهم لا يبخلون عليها بمال ولا بنفس ولا بولد حتى لو كان هذا الولد يملك من المزايا والفضائل والكمالات ، ما لا يملكه أحد على وجه الأرض (١).

__________________

(١) ويرى المحقق العلامة الأحمدي «رحمه‌الله» : أن من الممكن أن يكون العباس قد اقتدى بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حينما أخرج العباس الحسنين «عليهما‌السلام» للإستسقاء ، ومنع عمر من الإلتحاق بهم ، وقال له : لا تخلط بنا غيرنا ـ وذلك في قضية تبرك عمر بهم في حادثة الإستسقاء. راجع : تبرك الصحابة والتابعين ص ٢٨٣ ـ ٢٨٧.

٢٤

فإذا كان على استعداد للتضحية بنفسه ، وبنوعيات كهذه ـ من أهل بيته ـ فإن ذلك يكون أدل دليل على صدقه ، وعلى فنائه المطلق في هذا الدين ، وعلى ثقته بما يدعو إليه ـ وليس هدفه هو الدنيا الفانية ، وحطامها الزائل ، لأنه يعلم أن أي ضرر يلحق به وبهؤلاء سوف يسقط محل هذه الدعوة التي جاء بها ، لأنهم هم المحور والأساس لها ..

وهذا بالذات هو ما حصل في قضية المباهلة ، التي كان النزاع يدور فيها حول بشرية عيسى عليه الصلاة والسلام ، وإبطال ما يقوله النصارى فيه ، تمهيدا للتأكيد على صحة الإسلام ، وأحقية ما جاء به النبي الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

بل إن بعض الإخوة قد ذكر أن من المحتمل أن لا يريد النصراني في : «إذا باهلكم بأهل بيته فهو صادق» الإشارة إلى قاعدة عامة ، وأن لكل نبي ـ أو كل من باهل ـ بأهل بيته فهو صادق ، لأنهم أغلى ما عنده ، ولا يمكنه التفريط بهم ، بل يكون ذلك للإشارة إلى بعض المأثور عندهم في كتبهم من أن نبي آخر الزمان يباهلهم بأهل بيته الذين هم خير الناس وأفضلهم.

الأمر الثاني : التخطيط .. في خدمة الرسالة :

ولربما يتصور البعض : أن اعتبارنا هذا الوليد اليافع ، وأخاه عليهما الصلاة والسلام ذلك المثل الأعلى ، والنموذج الفذ لصناعة الإسلام وخلاقيته .. نابع عن متابعة غير مسؤولة للعواطف والأحاسيس المتأثرة بتعصب مذهبي ، أثارته لجاجة الخصوم ..

لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما ، فإن ما ذكرناه نابع عن وعي عقائدي

٢٥

سليم ، فرضته الأدلة والبراهين ، التي تؤكد ـ بشكل قاطع ـ على أن الأئمة الأطهار «عليهم‌السلام» كانوا حتى في حال طفولتهم في المستوى الرفيع الذي يؤهلهم لتحمل الأمانة الإلهية ، وقيادة الأمة قيادة حكيمة وواعية ، كما كان الحال بالنسبة لإمامنا الجواد والإمام الهادي عليهما الصلاة والسلام ، وكذلك الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، حيث شاءت الإرادة الإلهية أن يتحملوا مسؤوليات الإمامة في السنين المبكرة من حياتهم. تماما كما كان الحال بالنسبة لنبي الله عيسى «عليه‌السلام» ، الذي قال الله تعالى عنه : (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ..) الآيات» (١).

وكما كان الحال بالنسبة لنبي الله يحيى عليه الصلاة والسلام ، الذي قال الله سبحانه عنه : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (٢).

نعم .. لقد كان الحسنان «عليهما‌السلام» حتى في أيام طفولتهما الأولى في المستوى الرفيع من الكمال الإنساني ، ويملكان كافة المؤهلات التي تجعلهما محلا للعناية الإلهية ، وأهلا للأوسمة الكثيرة التي منحهما إياها الإسلام على لسان نبيه الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وتجعلهما قادرين على تحمل المسؤوليات الجسام ، حتى يصح إشراكهما في الدعوى ، وفي المباهلة لإثباتها .. حسبما أشار إليه العلامة الطباطبائي والمظفر رحمهما‌الله تعالى ، على

__________________

(١) الآيتان ٢٩ و ٣٠ من سورة مريم.

(٢) الآية ١٢ من سورة مريم.

٢٦

اعتبار أن قوله تعالى : (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (١) يراد منه : الكاذبون الذين هم في أحد طرفي المباهلة ، وإذا كانت الدعوى ، والمباهلة عليها هي بين شخص النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبين السيد والعاقب والأهتم ، فكان يجب أن يأتي بلفظ صالح للإنطباق على المفرد والجمع معا ، كأن يقول : (فنجعل لعنة الله على الكاذب) ، أو (على من كان كاذبا) مثلا ..

ولكن الآية أوردت صيغة الجمع ، لتشير إلى وجود جماعة كاذبة ، ولا بد من طلب إهلاكها.

وهذا يعطي : أن الحاضرين للمباهلة شركاء في الدعوى ، فإن الكذب لا يكون إلا فيها .. وعليه .. فعليّ ، وفاطمة ، والحسنان «عليهم‌السلام» شركاء في الدعوى ، وفي الدعوة إلى المباهلة لإثباتها. وهذا من أفضل المناقب التي خص الله بها أهل بيت نبيه (٢).

وتقدم قول الزمخشري : «وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء».

وقال الطبرسي وغيره : «قال ابن أبي علان ـ وهو أحد أئمة المعتزلة ـ : هذا يدل على أن الحسن والحسين كانا مكلفين في تلك الحال ، لأن المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين.

وقال أصحابنا : إن صغر السن ونقصانها عن حد البلوغ لا ينافي كمال

__________________

(١) الآية ٦١ من سورة آل عمران.

(٢) راجع : تفسير الميزان ج ٣ ص ٢٢٤ ودلائل الصدق ج ٢ ص ٨٤.

٢٧

العقل ، وإنما جعل بلوغ الحلم حدا لتعلق الأحكام الشرعية» (١).

وقد كان سنهما في تلك الحال سنا لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل.

على أن عندنا يجوز أن يخرق الله العادات للأئمة ، ويخصهم بما لا يشاركهم فيه غيرهم ، فلو صح أن كمال العقل غير معتاد في تلك السن ، لجاز ذلك فيهم : إبانة لهم عمن سواهم ، ودلالة على مكانهم من الله تعالى ، واختصاصهم.

ومما يؤيده من الأخبار قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ابناي هذان إمامان ، قاما ، أو قعدا» (٢).

أضف إلى ما تقدم : أن مما يدل على ما ذكره الطباطبائي والمظفر وغيرهما : نزول سورة هل أتى ، في أهل الكساء ، ومنهم الحسنان «عليهما‌السلام» ، وقد وعدهم الله تعالى جميعا بالجنة.

__________________

(١) ومن الواضح : أنه قد لوحظ في ذلك عامة الناس وغالبهم.

(٢) مجمع البيان ج ٢ ص ٤٥٢ و ٤٥٣ وغنية النزوع للحلبي ص ٢٩٩ والسرائر لابن إدريس ج ٣ ص ١٥٧ وجامع الخلاف والوفاق للقمي ص ٤٠٤ والإرشاد للمفيد ج ٢ ص ٣٠ والفصول المختارة للشريف المرتضى ص ٣٠٣ والمسائل الجارودية للمفيد ص ٣٥ والنكت في مقدمات الأصول للمفيد ص ٤٨ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ١٤١ والبحار ج ١٦ ص ٣٠٧ وجوامع الجامع للطبرسي ج ٣ ص ٧٠ ومجمع البيان للطبرسي ج ٢ ص ٣١١ وإعلام الورى للطبرسي ج ١ ص ٤٠٧ وراجع : المناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٣٦٨. وكلام ابن أبي علان موجود في التبيان أيضا ج ٢ ص ٤٨٥ ، وراجع الإرشاد للمفيد.

وفي البحار للمجلسي بحث حول إيمان علي «عليه‌السلام» ، وهو لم يبلغ الحلم.

٢٨

ويؤيد ذلك أيضا : إشراكهما «عليهما‌السلام» في بيعة الرضوان ، ثم استشهاد الزهراء «عليها‌السلام» بهما في قضية نزاعها مع أبي بكر حول فدك (١) ، إلى غير ذلك من أقوال ومواقف للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منهما في المناسبات المختلفة ..

كما أن ذلك كله ـ كان يتجه نحو إعداد الناس نفسيا ووجدانيا لقبول إمامة الأئمة «عليهم‌السلام» ، حتى وهم صغار السن ، كما كان الحال بالنسبة للأئمة : الجواد والهادي والمهدي «عليهم‌السلام».

الأمر الثالث : سياسات لا بد من مواجهتها :

هذا وقد كان ثمة سياسات ومفاهيم منحرفة ، لا بد من مواجهتها ، والوقوف في وجهها .. ونشير هنا إلى أمرين :

عنصر المرأة :

إن إخراج عنصر المرأة ممثلة بفاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها ، والتي تعتبر النموذج الفذ للمرأة المسلمة ـ في أمر ديني ومصيري كهذا. من شأنه أن يضرب ذلك المفهوم الجاهلي البغيض ، الذي كان لا يرى للمرأة أية قيمة أو شأن يذكر ، بل كانوا يرون فيها مصدر شقاء وبلاء ، ومجلبة للعار ، ومظنة للخيانة ، وقد قدمنا بعض الكلام حول هذا الموضوع في بعض فصول هذا الكتاب ؛ فلم يكن يتصور أحد أن يرى المرأة تشارك في مسألة حساسة وفاصلة ، بل ومقدسة كهذه المسألة ، فضلا عن أن تعتبر

__________________

(١) ستأتي بعض المصادر لذلك إن شاء الله تعالى ..

٢٩

شريكة في الدعوى ، وفي الدعوة لإثباتها ولو بمواجهة أعظم الأخطار.

ويرى البعض : أن إخراج الزهراء «عليها‌السلام» للمباهلة ، دون سائر نسائه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، رغم أن الآية قد جاءت عامة ، حيث عبرت ب «نساءنا» ومع أن زوجاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أجلى مصاديق هذا التعبير ـ إن ذلك ـ له مغزى يشبه إلى حد كبير المغزى من إرسال أبي بكر بآيات سورة براءة ، ثم عزله ، استنادا إلى قول جبرئيل : لا يبلّغ عنك إلا أنت أو رجل منك!!.

وهكذا يقال بالنسبة للعموم في قوله : «وأنفسنا» ، ولم يخرج سوى أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، وفي قوله : «وأبناءنا» ولم يخرج سوى الحسنين «عليهما‌السلام». انتهى.

ونقول :

إننا نلاحظ على ما ذكره هذا الأخ الكريم ما يلي :

أولا : إن إطلاق كلامه حول النساء غير مقبول ، فإن بعض نساء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ كأم سلمة ـ لم يكنّ ممن يستحقنّ التعريض بهن .. لأنها كانت من خيرة النساء ، ومن فضلياتهنّ.

إلا أن يقال : إن المقصود هو : أنه ليس أحد منهن أهلا لأن يباهل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» به سوى فاطمة «عليها‌السلام» ، لأنها وحدها المرأة التي بلغت أعلى درجات الكمال حتى استحقت أن تشارك الأنبياء والأوصياء في مثل هذه المهمات الكبرى ..

وثانيا : إن هذا المحقق يريد : أن قوله : «نساءنا» لا يقصد به الزوجات ، وإن كان قد أطلق في القرآن عليهن في بعض الموارد.

٣٠

بل المقصود هو : المرأة المنسوبة إليه ، وبنت الرجل تنسب إليه ، ويطلق عليها : أنها من نسائه.

وعلى هذا نقول :

إن ما ذكره هنا يناقض ما ذكره هو نفسه في موضع آخر حيث قال : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أخرج فاطمة «عليها‌السلام» للمباهلة بعنوان : «المرأة المسلمة من ذوات الأزواج ، من أهل هذه الدعوة ، لا باعتبار أنها من نساء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وإن كان كلامه هذا الأخير ليس في محله ، كما ستأتي الإشارة إليه.

الحسنان أبناء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

إن إخراج الحسنين «عليهما‌السلام» إلى المباهلة بعنوان أنهما أبناء الرسول الأكرم ، محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، مع أنهما ابنا ابنته الصديقة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليها له دلالة هامة ، ومغزى عميق كما سنرى ..

لكننا قبل أن نشير إلى ذلك ، وإلى مغزاه ، لا بد من الإجابة على مناقشة طرحها بعض المحققين (١) ، مفادها :

أن الآية لا تدل على أكثر من أن المطلوب هو إخراج أبناء أصحاب هذه الدعوة الجديدة ، حيث قال : «أبناءنا» ، ولم يقل «أبنائي». وليس في الآية ما يدل على لزوم إخراج ابني صاحب الدعوة نفسه ، فكون الحسنين «عليهما‌السلام» ابنين لبعض أصحاب الدعوة كاف في الصدق .. انتهى.

__________________

(١) هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني «رحمه‌الله» ..

٣١

ونقول :

١ ـ إن الإمام عليا «عليه‌السلام» قد استدل بهذه الآية يوم الشورى على أن الله سبحانه قد جعله نفس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وجعل ابنيه إبنيه ، ونساءه نساءه ..

واحتج بها أيضا الإمام الكاظم «عليه‌السلام» على الرشيد.

واحتج بها أيضا يحيى بن يعمر.

وكذلك سعيد بن جبير على الحجاج ـ كما سيأتي ـ فلم يكن استدلالهم بأمر تعبدي بحت ، وإنما بظهور الآية ، الذي لم يجد الخصم سبيلا إلا التسليم به ، والخضوع له ..

٢ ـ لو كان المراد مطلق أبناء أصحاب الدعوة ، لكان المقصود بأنفسنا مطلق الرجال الذين قبلوا بهذا الدين ، وليس شخص النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقط .. وعليه فقد كان الأنسب أن يقول : «ورجالنا ورجالكم» بدل قوله : «وأنفسنا».

أضف إلى ذلك : أن من غير المناسب أن يقصد من الأنفس شخص النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ثم يقصد من الأبناء والنساء أبناء ونساء رجال آخرين ، إذ الظاهر : أن الأبناء والنساء هم لنفس من أرادهم بقوله : «وأنفسنا» ، ولو كان المقصود بأنفسنا شخص النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبأبنائنا أبناء الآخرين ، لكان من قبيل قولنا : «إن لم يكن ما أدعيه صحيحا فليمتني الله ، وليمت ابن فلان» مثلا!! ..

٣ ـ إن كلمات : «أنفسنا» ، و «أبناءنا» ، و «نساءنا» كلها جاءت بصيغة الجمع .. فلماذا اقتصر من الأنفس على اثنين ، وكذلك من الأبناء ، ومن

٣٢

النساء ، على واحدة؟! فإن ذلك إنما يدل على مزيد من الخصوصية لهؤلاء الذين أخرجهم بالذات ..

ولو كان المقصود مجرد النموذج ، فلماذا لم يكتف بواحد واحد من الأنواع الثلاثة؟.

ولو كان المقصود تخصيص جماعة بشرف معين ، للتعبير عن أنهم وحدهم هم الذين بلغوا الذروة في فنائهم بهذه الدعوة ، التي يراد المباهلة من أجلها.

فيصح قولهم : إن هذه الآية تدل على فضيلة لا أعظم منها لأصحاب الكساء. ولا سيما بملاحظة ما تقدم عن العلامتين ـ الطباطبائي والمظفر ـ : من أن هؤلاء شركاء في الدعوى ، وفي الدعوة للمباهلة لإثباتها.

وهكذا يتضح : أن دعوى أن الآية لا تدل على أكثر من الأمر بإخراج نموذج من أبناء من اعتنق هذه الدعوة لا يمكن القبول بها ، ولا الاعتماد عليها بوجه.

عود على بدء :

كانت تلك هي المناقشة التي أحببنا الإشارة إليها ، وكان ذلك هو بعض ما يمكن أن يقال في الإجابة عنها ..

وبعد ذلك .. فإننا نشير إلى أن إخراج الحسنين «عليهما‌السلام» في المباهلة ، يدل دلالة واضحة على أنهما ابنان للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، مع أنهما ابنا ابنته ، فلا مجال لإنكار ذلك ، أو للتشكيك فيه ، حتى إنهم ليعترفون صراحة بأن : في الآية دلالة على أن الحسن والحسين ، وهما ابنا البنت يصح

٣٣

أن يقال : إنهما ابنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لأنه وعد أن يدعو أبناءه ، ثم جاء بهما» (١).

وظاهر الآية : أن كلمة الأبناء قد أريد بها المعنى الحقيقي ، سواء بالنسبة إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والمسلمين ، أو بالنسبة إلى النصارى والكافرين.

وذلك له دلالات هامة ، أشرنا إلى بعضها آنفا ، ونضيف هنا ما يلي :

أولا : إن ذلك يسقط المفهوم الجاهلي البغيض ، القائل : بأن أبناء الأبناء هم الأبناء في الحقيقة ، دون بني البنات ، الأمر الذي ينشأ عنه أن يتعرض جماعات من الناس لكثير من المشاكل النفسية ، والمصاعب الإجتماعية ، والإقتصادية ، وغيرها. تلك المشاكل التي لا مبرر لها ، ولا منطق يساعدها ، إلا منطق الجاهلية الجهلاء ، والعصبية العمياء ..

ولكن مما يؤسف له هو : أن المروجين لهذه المفاهيم العمياء قد أصروا بعده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الأخذ بها إلى حد أنها انعكست حتى على آرائهم الفقهية أيضا ، ومن ذلك جعلهم قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي

__________________

(١) تفسير الرازي ج ٨ ص ٨١ وفتح القدير ج ١ ص ٣٤٧ وتفسير النيسابوري (بهامش تفسير الطبري) ج ٣ ص ٢١٤ والتبيان ج ٢ ص ٤٨٥ عن أبي بكر الرازي (وهو غير الفخر الرازي) ، ومجمع البيان ج ٢ ص ٤٥٢ والغدير ج ٧ ص ١٢٢ عنه ، وعن الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ٤ ص ١٠٤ والسرائر لابن إدريس ج ٣ ص ٢٣٨ والكافي ج ٨ ص ٣١٧ والإحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ٥٨ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ١٤٢ والبحار ج ٤٣ ص ٢٣٢ وج ٩٣ ص ٢٣٩ وتفسير القمي ج ١ ص ٢٠٩.

٣٤

أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (١) مختصا بعقب الأبناء ، دون من عقبته البنات.

قال ابن كثير : «قالوا : إذا أعطى الرجل بنيه ، أو وقف عليهم ، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه ، «أي دون بني بنته» ، واحتجوا بقول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد (٢)

«وقال العيني : هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر ، والفرضيون على دخول أبناء الأبناء في الميراث ، وأن الإنتساب إلى الآباء ، والفقهاء كذلك في الوصية ، وأهل المعاني والبيان في التشبيه» (٣).

ونقل القرطبي : أن الإمام مالك بن أنس هو الذي لا يدخل ولد البنات في الوقف الذي يكون على الولد ، وولد الولد (٤).

ومالك هذا هو الذي كان خلفاء بني العباس يعظمونه ، وقد بلغ من اهتمامهم بأمره : أن أرادوا حمل الناس على العمل بالموطأ بالقوة (٥).

وحينما أخذ المنصور أموال عبد الله بن الحسن ، وباعها ، وجعلها في بيت

__________________

(١) الآية ١١ من سورة النساء.

(٢) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ١٥٥ والغدير ج ٧ ص ١٢١ عنه.

(٣) الغدير : ج ٧ ص ١٢٢ وخزانة الأدب ج ١ ص ٣٠٠ وفي (ط دار الكتب العلمية).

(٤) الغدير : ج ٧ ص ١٢٣ عن تفسير القرطبي ج ٧ ص ٣١.

(٥) جامع بيان العلم ج ١ ص ١٦٠ ، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، المجلد الأول ص ١٦٥ ، وأضواء على السنة المحمدية ص ٢٩٨ عن الانتقاء ص ٤١ وعن الشافعي.

٣٥

مال المدينة «أخذ مالك بن أنس الفقيه رزقه من ذلك المال بعينه اختيارا» (١).

كما أن المنصور كان إذا أراد أن يولي أحدا على المدينة يستشيره أولا (٢).

كما أن محمد بن الحسن الشيباني يقول : إن من أوصى لولد فلان ، وله ابن ، وولد بنت «إن الوصية لولد الابن ، دون ولد البنت» (٣).

نعم .. لقد ألغى الله سبحانه ذلك المفهوم الجاهلي البغيض بنص المباهلة ، ولكن هؤلاء قد احتفظوا به ، حتى حكّموه في آرائهم الفقهية ، وذلك انصياعا للجو السياسي ، وتنفيذا لمآرب الحكام ، الذين كانوا ـ سواء منهم الأمويون أو العباسيون ـ يحاولون تركيز هذا المفهوم وتثبيته ، كما سنرى ..

وثانيا : لقد كان لا بد من تفويت الفرصة على أولئك الحاقدين والمنحرفين ، الذين سوف يستفيدون من ذلك المفهوم الجاهلي لمقاصد سياسية ، فيما يتعلق بموضوع الإمامة والخلافة والزعامة بعد رسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبالذات فيما يختص بشخص هؤلاء الذين أخرجهم عليه وآله الصلاة والسلام للمباهلة ، وكرمهم في حديث الكساء ، وآية التطهير ، وغير ذلك مما لا مجال له هنا ..

وذلك لأن الذين استأثروا بالأمر بعد النبي محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد احتجوا في السقيفة بأنهم : أولياء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعشيرته ،

__________________

(١) أنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج ٣ ص ٨٨.

(٢) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، المجلد الأول ص ٤٩٤ و ٥٠٤ و ٥٠٥ و ٥٠٦ و ٥٠٧ و ١٦٤ و ١٦٥.

(٣) حقائق التأويل ص ١١٥.

٣٦

وبأنهم عترة النبي ، وبأنهم أمسّ برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رحما (١).

وجاء الأمويون أيضا ، واتّبعوا نفس الخط ، وساروا على نفس الطريق ، وكانت الخطط الجهنمية لهؤلاء وأولئك تتجه نحو تضعيف شأن أهل البيت «عليهم‌السلام» ، وعزلهم عن الساحة ، بل والقضاء عليهم وتصفيتهم بشكل نهائي : إعلاميا وسياسيا ، وإجتماعيا ، ونفسيا ، بل وحتى جسديا ، أيضا ..

وكان رأس الحربة يتجه أولا وبالذات إلى أولئك الذين طهرهم الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه ، وأخرجهم نبيه الأكرم محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليباهل بهم أهل الكفر ، واللجاج والعناد .. حيث إن تصفية هؤلاء على النحو الذي قدمناه هي الأصعب ، والأهم ، وذلك بسبب ما سمعته الأمة من النبي الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبسبب ما عرفته من آيات قرآنية نزلت في حقهم وبيان فضلهم .. فضلا عن كثير من المواقف التي لا يمكن تجاهلها أو على الأقل لا يمكن تشويهها ، أو التعتيم عليها بيسر وسهولة ..

نعم .. لقد كان الأمويون يحاولون إظهار أنفسهم على أنهم هم دون غيرهم أهل بيت النبي محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وذوو قرباه .. وقد أثرت

__________________

(١) راجع : نهاية الإرب ج ٨ ص ١٦٨ وعيون الأخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٣٣ والعقد الفريد ج ٤ ص ٢٥٨ وتاريخ الأمم والملوك للطبري (ط دار المعارف بمصر) ج ٣ ص ٢٢٠ والإمامة والسياسة (ط الحلبي بمصر) ج ١ ص ١٤ و ١٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ٧ و ٨ و ٩ و ١١ والأدب في ظل التشيع ص ٢٤ نقلا عن البيان والتبيين للجاحظ ، والإمام الحسين للعلايلي ص ١٨٦ و ١٩٠ والبحار ج ٢٨ ص ٣٣٥ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٥٧ والإمامة والسياسة لابن قتيبة (تحقيق الشيري) ج ١ ص ٢٤ والشافي للشريف المرتضى ج ٣ ص ١٨٧ وغيرهم.

٣٧

جهودهم في تضليل كثير من الناس حتى ليحلف للسفاح عشرة من قواد أهل الشام ، وأصحاب الرياسة فيها : أنهم ما كانوا يعرفون إلى أن قتل مروان أقرباء للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولا أهل بيت يرثونه غير بني أمية (١).

كما أن أروى بنت عبد المطلب تذكّر معاوية بهذا الأمر ، وتقول له : «ونبينا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هو المنصور ، فوليتم علينا من بعده ، تحتجون بقرابتكم من رسول الله الخ ..» (٢).

ويقول الكميت :

وقالوا : ورثناها ، أبانا وأمنا

ولا ورثتهم ذاك أم ولا أب

وقال إبراهيم بن المهاجر ، الذي كان يسير في الإتجاه العباسي :

أيها الناس اسمعوا أخبركم

عجبا زاد على كل عجب

عجبا من عبد شمس إنهم

فتحوا للناس أبواب الكذب

ورثوا أحمد فيما زعموا

دون عباس بن عبد المطلب

كذبوا والله ما نعلمه

يحرز الميراث إلا من قرب (٣)

__________________

(١) النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٢٨ ومروج الذهب ج ٣ ص ٣٣ والفتوح لابن أعثم ج ٨ ص ١٩٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٥٩ وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج ٣ ص ١٥٩.

(٢) العقد الفريد ج ٢ ص ١٢٠ وراجع : الغدير ج ١٠ ص ١٦٧ والطرائف لابن طاووس ص ٢٨ وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج ٢ ص ٢٤٩.

(٣) مروج الذهب ج ٣ ص ٣٣ والنزاع والتخاصم ص ٢٨.

٣٨

هذا كله .. رغم أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أخرج بني عبد شمس من قرباه ، حينما قسّم خمس بني النضير ، أو خيبر ، فاعترض عليه عثمان ، وجبير بن مطعم ، بأن : قرابة بني أمية وبني هاشم واحدة ، فلم يقبل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك منه. والقصة معروفة ومتواترة (١).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٠٩ و (ط دار المعرفة) ٤٧٦ و ٤٧٧ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣٤١ عن أحمد ، ونيل الأوطار ج ٨ ص ٢٢٨ عن أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأبي داود ، والبرقاني. وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٤٦ و ١٤٥ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٦١ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٩٦ والإصابة ج ١ ص ٢٢٦ وبداية المجتهد ج ١ ص ٤٠٢ والخراج لأبي يوسف ص ٢١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٠ عن البخاري ، ومسند أحمد ج ٤ ص ٨٥ و ٨٣ و ٨١ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ٢٨٤ وتشييد المطاعن ج ٢ ص ٨١٨ و ٨١٩ عن زاد المعاد ، وسنن البيهقي ـ بأسانيد ـ ج ٦ ص ٣٤٠ و ٣٤١ و ٣٤٢ والدر المنثور ج ٣ ص ١٨٦ عن ابن أبي شيبة ، والبحر الرائق ج ٥ ص ٩٨ وتبيين الحقائق ج ٣ ص ٢٥٧ ونصب الراية ج ٣ ص ٤٢٥ و ٤٢٦ عن كثيرين جدا ، فليراجع. ومصابيح السنة ج ٢ ص ٧٠ والبخاري (ط سنة ١٣١١ ه‍) ج ٤ ص ١١١ وج ٦ ص ١٧٤ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ٣١٢ وفتح القدير ج ٢ ص ٣١٠ وتفسير الخازن ج ٢ ص ١٨٥ والنسفي (بهامشه) ج ٢ ص ١٨٦ وتفسير جامع البيان للطبري ج ١٠ ص ٥ والكشاف ج ٢ ص ٢٢١ وسنن النسائي ج ٧ ص ١٣٠ و ١٣١ ومقدمة مرآة العقول ج ١ ص ١١٨ ونقل ذلك بعض المحققين عن المصادر التالية : الأموال لأبي عبيد ص ٤٦١ و ٤٦٢ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ٧ ص ١٢ وفتح الباري ج ٧ ص ١٧٤ وج ٦ ص ١٥٠ وتفسير المنار ج ١٠ ص ٧ وترتيب مسند الشافعي ج ٢ ص ١٢٥ و ١٢٦ وإرشاد الساري ج ٥ ص ٢٠٢ والمحلى ج ٧ ص ٣٢٨.

٣٩

وبعد هذا .. فإن العباسيين قد اتّبعوا نفس هذا الأسلوب أيضا ، فأظهروا أنفسهم على أنهم هم ذوو قربى النبي محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بهدف إضفاء صفة الشرعية على حكمهم وسلطانهم ، حتى لنجد الرشيد يأتي إلى قبر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فيقول : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا ابن عم ، فيتقدم الإمام الكاظم «عليه‌السلام» إلى القبر الشريف ويقول : السلام عليك يا أبه ، فتغير وجه الرشيد ، وتبين الغيظ فيه (١).

هذا .. وقد ربط العباسيون دعوتهم وحبل وصايتهم في البداية بأمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، ونجحوا في الإستفادة من عواطف الناس تجاه ما تعرض له العلويون وأهل البيت «عليهم‌السلام» من ظلم ، واضطهاد ، وآلام ، على يد أسلافهم الأمويين ..

ولكنهم بعد ذلك رأوا : أنهم في مجال التمكين لأنفسهم لا يسعهم الإستمرار بربط دعوتهم بأمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام ، لوجود من هم أمسّ بعلي «عليه‌السلام» رحما منهم ، فاتجهوا نحو التلاعب ببعض

__________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ٢٠ والإرشاد للمفيد ج ٢ ص ٢٣٤ والفصول المختارة للشريف المرتضى ص ٣٦ وكنز الفوائد للكراجكي ص ١٦٦ والإحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ١٦٧ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٤٣٤ والبحار ج ٢٥ ص ٢٤٣ وج ٤٨ ص ١٣٦ وج ٩٣ ص ٢٣٩ وتاريخ بغداد ج ١٣ ص ٣٢ وتهذيب الكمال ج ٢٩ ص ٥٠ وسير أعلام النبلاء ج ٦ ص ٢٧٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ١٢ ص ٤١٨ وإعلام الورى للطبرسي ج ٢ ص ٢٨ والدر النظيم لابن حاتم العاملي ص ٦٥٤ وكشف الغمة للإربلي ج ٣ ص ٢٢.

٤٠