الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-201-3
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

وقد تقدم : أن عثمان حينما حوصر ، ناشد طلحة والزبير ، وسعدا ، وأضافت بعض الروايات الإمام عليا «عليه‌السلام» أيضا ، فكان مما قررهم به ، فأقروا : أنه صاحب جيش العسرة ، وأنه اشترى بئر رومة (١).

وعند البلاذري أنه قال : أنشدكما الله هل تعلمان أني جهزت جيش العسرة من مالي؟! (٢).

وفي نص آخر : ألستم تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من حفر بئر رومة فله الجنة ، فحفرتها؟ ألستم تعلمون أنه قال : من جهز جيش العسرة فله الجنة ، فجهزته؟ قال : فصدقوه لما قال (٣).

وقد صرح بأنهما اعترفا له بأن النبي حكم له بأنه شهيد ، وبأنه من أهل الجنة ، مقابل ما بذله في بئر رومة ، ومقابل ما بذله في شراء ما أضيف إلى المسجد.

__________________

(١) راجع : مسند أحمد ج ١ ص ١١٣ و ١٢٠ حديث ٥٥٦ و ٥١٣ ، والإصابة ج ٢ ص ٤٦٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ١٦٧ وحلية الأولياء ج ١ ص ٥٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٦ وسنن الدارقطني ج ٤ ص ٢٠٠ وسنن النسائي في الأحباس باب ٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ٢١٥.

(٢) أنساب الأشراف ج ٦ ص ١٠٦ وراجع : السنن الكبرى ج ٦ ص ١٦٨ والغدير ج ٩ ص ٣٣٢ وسنن النسائي ج ٦ ص ٢٣٥ وكنز العمال ج ١٣ ص ٧٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٣٣٦.

(٣) البخاري كتاب الوصايا (ط دار الفكر سنة ١٤٠١ ه‍) ج ٣ ص ١٩٣ وفتح الباري ج ٨ ص ٤٠٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ١٦٧ وسنن الدارقطني ج ٤ ص ١٢٥.

١٢١

ونقول :

ألف : كيف أقر طلحة والزبير لعثمان بما ذكر ، ثم واصلا حربه ضدهم ، ولم يرتدعا عن محاصرته التي انتهت بقتله؟! .. وكيف وبماذا بررا ذلك للناس ، الذين سمعوا عثمان يقررهما ، وسمعوهما يقران له بذلك؟!

ب : كيف عرف سائر الصحابة : أن الله قد غفر لعثمان ذنوبه ثم يعاملونه هذه المعاملة ويحرضون على قتله ، بل ويشاركون فيه بحجة أنه قد خالف أحكام الله ، وتعدى حدوده؟!

وكيف يقتلون رجلا وعده الله ورسوله بالجنة ، وحكم بغفران كل ذنوبه ، التي سوف يرتكبها .. أو صرح بعدم إضرار أي من ذنوبه به عند الله؟! ..

ج : هل صحيح : أن من يبذل هذا المقدار من المال الذي بذله عثمان يمكنه أن يفعل ما يشاء من الذنوب ، كبيرها ، وصغيرها ، حتى ما توعد الله عليه بالخلود بالنار كقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وما إلى ذلك؟

د : إذا صحت هذه الرواية فينبغي أن لا يتخلف أحد عن المسير إلى تبوك لارتفاع العسرة عن الجميع بما أعطاه عثمان ، فلما ذا يرجع الناس إلى منازلهم يبكون ، لأنهم لم يجدوا عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما يحملهم عليه كما نصت عليه الآيات الآتية؟!

ه : إذا كان ذلك صحيحا ، فلما ذا احتاج إلى مال أبي بكر ، ونصف مال عمر ، وما أعطاه العباس ، وطلحة ، وسعد ، والزبير ، وابن مسلمة ، و.. و.. الخ ..

و : إذا صح ذلك لم يكن معنى للتخفيف عن الذين لا يجدون ، وتصبح الآية الكريمة التي تتحدث عن هؤلاء بلا موضوع ويبطل قوله تعالى :

١٢٢

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) (١).

ز : إذا صح ذلك فلما ذا تنزل الآية المقرعة واللائمة ، والمتوعدة بالعذاب والعقاب لأولئك الذين لم ينفقوا في سبيل الله ، إذ لا مورد ولا محل لنفقاتهم بعد ما أعطاه عثمان.

إلا إذا كان قد ظهر منهم قبل إنفاق عثمان ما يدل على امتناعهم عن البذل في سبيل الله ، مع قدرتهم على ذلك.

بئر رومة :

إن شراء عثمان لبئر رومة بماله ، ووقفه لها على المسلمين ، حديث باطل لأسباب كثيرة ، كما أن حديث مناشدته لطلحة والزبير ، أو لهما بالإضافة إلى أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، المتضمن لذكر هذا الأمر ، ولأمور باطلة أخرى ، ولتناقضات لا دواء لها ، لا يمكن أن يصح أيضا ، فراجع (٢).

لا توجد أموال بهذا الحجم :

إنه لم يكن لدى الصحابة تلكم المبالغ الهائلة ، التي يدّعى أن عثمان قدّم

__________________

(١) الآيات ٩١ ـ ٩٣ من سورة التوبة.

(٢) الجزء الرابع من هذا الكتاب (الطبعة الرابعة) ص ١٦٣ ـ ١٦٨.

١٢٣

أرقاما منها في جيش العسرة ، لا في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا في عهد أبي بكر.

فقد روي أن أنس بن مالك ، جاء بمال إلى عمر ، بعد موت أبي بكر ، فبايع عمر ، ثم أخبره بأنه قد جاء بأربعة آلاف ، فأعطاه إياها. قال أنس : فكنت أكثر أهل المدينة مالا (١).

عثمان والعدل الإلهي :

إذا كان لعثمان هذا السخاء ، وهذا الاندفاع للعطاء في سبيل الله ، فلما ذا لم يتصدق ولو بدرهم ، في مناسبة آية النجوى ، التي لم يعمل بها سوى علي «عليه‌السلام»؟! (٢).

__________________

(١) حياة الصحابة ج ٢ ص ٢٣٥ وكنز العمال ج ٥ ص ٤٠٥ عن ابن مسعود. وراجع :

تهذيب الكمال للمزي ج ٣ ص ٣٧٢ ، وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٣ ص ٨٥٤.

(٢) المناقب للخوارزمي ص ١٩٦ والرياض النضرة ج ٣ ص ١٨٠ والصواعق المحرقة ص ١٢٩ عن الواقدي ، ونظم درر السمطين ص ٩٠ و ٩١ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٢٧ و ٣٢٦ وجامع البيان ج ٢٨ ص ١٤ و ١٥ وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج ٢٨ ص ٢٤ و ٢٥ وكفاية الطالب ص ١٣٦ و ١٣٧ وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٤٢٨ ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ٤٨٢ وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامش المستدرك) ج ٢ ص ٤٨٢ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٢٦٤ و ٢٦٥ وتأويل الآيات الظاهرة ج ٢ ص ٦٧٣ و ٦٧٥ ولباب التأويل ج ٤ ص ٢٢٤ ومدارك التنزيل (مطبوع بهامش لباب التأويل) ج ٤ ص ٢٢٤ وأسباب النزول ص ٢٣٥ وشواهد التنزيل ج ٢ ص ٢٣١ و ٢٤٠ والدر المنثور ج ٦ ص ١٨٥ عن ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، وعبد الرزاق ، ـ

١٢٤

فمن يبخل بدرهم كيف يعطي هذه الألوف المؤلفة ، ثم يجهز جيشا بأكمله؟! إننا نتوقع أن تنزل في الثناء عليه سورة مثل سورة البقرة ، فضلا عن آية أو آيات ..

كما أن الإمام عليا «عليه‌السلام» حين تصدق بأربعة دراهم سرا وجهرا وليلا ونهارا ، نزلت فيه آية قرآنية (١).

وحين يطعم ثلاثة أقراص شعير لمسكين ويتيم وأسير ، تنزل فيه سورة

__________________

والحاكم وصححه ، وسعيد بن منصور ، وابن راهويه. وفتح القدير ج ٥ ص ١٩١ والتفسير الكبير ج ٢٩ ص ٢٧١ والجامع لأحكام القرآن ج ١٧ ص ٣٠٢ والكشاف ج ٤ ص ٤٩٤ وكشف الغمة ج ١ ص ١٦٨ وإحقاق الحق (قسم الملحقات) ج ٣ ص ١٢٩ و ١٤٠ وج ١٤ ص ٢٠٠ ـ ٢١٧ وج ٢٠ ص ١٨١ ـ ١٩٢ عن بعض من تقدم ، وعن مصادر كثيرة أخرى. وإعلام الورى ص ١٨٨.

(١) الكشاف ج ١ ص ٣١٩ وتفسير المنار ج ٣ ص ٩٢ عن عبد الرزاق ، وابن جرير ، وغيرهما ، والتفسير الكبير ج ٧ ص ٨٣ والجامع لأحكام القرآن ج ٣ ص ٣٤٧ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٣٢٦ عن ابن جرير ، وابن مردويه وابن أبي حاتم ، وفتح القدير ج ١ ص ٢٩٤ عن عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والطبراني ، وابن عساكر وغيرهم ، والدر المنثور ج ١ ص ٣٦٣ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ٥٠ وأسباب النزول ص ٥٠ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٣٤١ عن العياشي ، والفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٠٧ ونظم درر السمطين ص ٩٠ وذخائر العقبى ص ٨٨ والبرهان (تفسير) ج ٤ ص ٤١٢ والمناقب لابن المغازلي ص ٢٨٠ وينابيع المودة ص ٩٢ ، وروضة الواعظين ص ٣٨٣ و ١٠٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٢١.

١٢٥

كاملة ، هي سورة «هل أتى» (١) ..

ويتصدق بخاتم في الصلاة فتنزل فيه آية الولاية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٢)» (٣).

__________________

(١) المناقب للخوارزمي ص ١٨٩ و ١٩٥ ، والرياض النضرة ج ٣ ص ٢٠٨ و ٢٠٩ والتفسير الكبير ج ٣٠ ص ٢٣٤ و ٢٤٤ عن الواحدي ، والزمخشري. وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج ٢٩ ص ١١٢ و ١١٣ والكشاف ج ٤ ص ٦٧٠ ونوادر الأصول ص ٦٤ و ٦٥ والجامع لأحكام القرآن ج ١٩ ص ١٣١ عن النقاش ، والثعلبي ، والقشيري ، وغير واحد من المفسرين. واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٧٢ و ٣٧٤ ومدارك التنزيل للنسفي (مطبوع بهامش تفسير الخازن) ج ٤ ص ٣٣٩ وكشف الغمة ج ١ ص ١٦٩ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٤٦٩ و ٤٧٧ عن أمالي الصدوق ، والقمي ، والطبرسي ، وابن شهرآشوب ، وتأويل الآيات الظاهرة ج ٢ ص ٧٤٩ و ٧٥٢ وتفسير فرات ص ٥٢١ و ٥٢٨ وذخائر العقبى ص ٨٩ وتفسير القمي ج ٢ ص ٣٩٨ و ٣٩٩ والبرهان (تفسير) ج ٤ ص ٤١٢ والوسائل ج ١٦ ص ١٩٠ ، وفرائد السمطين ج ٢ ص ٥٤ و ٥٦ ومجمع البيان ج ١٠ ص ٤٠٤ و ٤٠٥ والمناقب لابن المغازلي ص ٢٧٣ والإصابة ج ٤ ص ٣٧٨ وينابيع المودة ص ٩٣ و ٩٤ وروضة الواعظين ص ١٦٠ و ١٦٣ ونزهة المجالس ج ١ ص ٢١٣ وربيع الأبرار ج ٢ ص ١٤٧ و ٢٤٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٢١ وأسد الغابة ج ٥ ص ٥٣٠ و ٥٣١ والبحار ج ٣٥ ص ٢٣٧ ـ ٢٥٤ وإحقاق الحق ج ٩ ص ١١٠ ـ ١٢٣ وج ٣ ص ١٥٧ ـ ١٧٠ عن مصادر كثيرة.

(٢) الآية ٥٥ من سورة المائدة.

(٣) راجع المصادر التالية : الكشاف ج ١ ص ٦٤٩ ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص ٩٣ عن الطبراني ، وابن جرير ، وأسباب النزول ص ١١٣ وتفسير المنار ج ٦ ص ٤٤٢ ، ـ

١٢٦

فلما ذا أهمل الله نفقات عثمان ، وهي هائلة ، واهتم بذكر نفقات أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، وهي بضعة دراهم ، أو بضعة أقراص من شعير؟!

__________________

وقال : رووا من عدة طرق وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٥٣٣ و ٣٣٧ عن الكافي ، والإحتجاج ، والخصال ، والقمي ، وأمالي الصدوق ، وجامع البيان ج ٦ ص ١٨٦ ، وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج ٦ ص ١٦٧ والتفسير الكبير ج ١٢ ص ٢٦ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٧١ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٣ و ٢٩٤ عن أبي الشيخ وابن مردويه ، والطبراني ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر ، وابن جرير ، وأبي نعيم ، وغيرهم ، وفتح القدير ج ٢ ص ٥٣ عن الخطيب في المتفق والمفترق. وراجع ما عن عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وغيرهم ممن تقدم ذكره. ولباب التأويل للخازن ج ١ ص ٤٧٥ والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ٢٢١ والكافي ج ١ ص ٢٢٨ وشواهد التنزيل ج ١ ص ١٧٣ و ١٨٤ والخصال ج ٢ ص ٥٨٠ وكفاية الطالب ص ٢٢٩ وكنز العمال ج ١٥ ص ١٤٦ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٠٨ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ١٧ ومعرفة علوم الحديث ص ١٠٢ وتذكرة الخواص ص ١٥ والمناقب للخوارزمي ص ١٨٦ و ١٨٧ ونظم درر السمطين ص ٨٦ و ٨٧ والرياض النضرة ج ٣ ص ٢٠٨ وذخائر العقبى ص ١٠٢ عن الواقدي ، وأبي الفرج ابن الجوزي ، والبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٥٨ ونور الأبصار ص ٧٧ وفرائد السمطين ج ١ ص ١٨٨ وتأويل الآيات الظاهرة ج ١ ص ١٥١ ـ ١٥٤ والبحار ج ٣٥ ص ١٨٣ و ٢٠٣ عن مصادر كثيرة ، وربيع الأبرار ج ٢ ص ١٤٨ والمناقب لابن المغازلي ص ٣١٢ و ٣١٣ وروضة الواعظين ص ٩٢ والعمدة لابن بطريق ص ١١٩ و ١٢٥ وإثبات الهداة ج ٢ ص ٤٧ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٢ و ١٠ وكشف الغمة ج ١ ص ١٦٦ و ١٦٧ والأمالي للصدوق ص ١٠٩ و ١١٠ ، والوسائل ج ٦ ص ٣٣٤ و ٣٣٥ وسعد السعود ص ٩٦ والبرهان (تفسير) ج ١ ص ٤٨٠ و ٤٨٥ ومجمع البيان ج ٣ ص ٣١٠ ـ ٣١٢ وإحقاق الحق ج ٢٠ ص ٣ ـ ٢٢ وراجع ج ٣ ص ٥٠٢ ـ ٥١١ وج ٢ ص ٣٩٩ ـ ٤٠٨ عن مصادر كثيرة.

١٢٧

هل كان عثمان من الأجواد؟! :

ولما ذا لا يعدون عثمان من أجواد قريش ، بل من أجواد العرب ، إن لم نقل : إنه من أجواد الدنيا؟!

إلا أن يقال : إن عثمان كان سخيا في سبيل الله ، بخيلا على الناس ، والجواد إنما يقال له : جواد ، إذا كان يجود بماله على الناس!!

من أين لك هذا؟! :

من أين وكيف حصل عثمان على هذه الأموال الطائلة والهائلة ، وهو قد جاء إلى المدينة صفر اليدين؟!

فإن كان ذلك من مال التجارة .. فنحن لم نسمع ولم نقرأ شيئا عن هذه التجارة التي تدرّ عليه هذه الأرباح العظيمة ..

ولما ذا لم يشتغل غير عثمان بهذه التجارات ، ويحصل على تلك الأرباح؟!

أم يعقل أن يكونوا قد اشتغلوا ، وعلى المال حصلوا ، ثم هم به قد بخلوا؟! .. ولما ذا لم ينقل لنا أسماء بعض هؤلاء المشتغلين الأغنياء والبخلاء؟!

وإن كان قد حصل عليها من الغنائم .. فإن غيره لا بد أن يكون قد نال منها مثل ما نال .. فلما ذا تكون العسرة يا ترى؟! بل لما ذا ينال هذه الأموال الهائلة من الغنائم ، ونحن لم نجد له أي مقام محمود أو مشهود في حروب الإسلام؟! ..

وأين هي الغنائم التي حصل عليها أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، فارس الإسلام الأعظم ، ونصيره الأكبر ، أو هل يعقل أن يكون علي «عليه‌السلام» قد بخل بماله .. وجاد به عثمان؟!.

١٢٨

وإن كان عثمان قد حصل على ذلك من سهم المؤلفة قلوبهم فلما ذا لا يصرحون لنا بذلك؟!

وهل من يحصّل المال عن هذه الطريق ، ثم يسخو به في سبيل الله ، يستحق غفران ذنوبه ، ثم يدخله الله الجنة؟!

ولو أنه كان كذلك ، فلما ذا يدخل الجنة بمال حصله من سهم المؤلفة ، ويبقى الناس خالصو الإيمان يكافحون من أجل الجنة ، ويتوسلون بشفاعة الشفعاء ، لغفران ذنوبهم وستر عيوبهم؟!

الإستفاقة المتأخرة :

إذا كانت عند عثمان هذه الأموال الهائلة ، فلما ذا استفاق على الإنفاق في سبيل الله في هذا الوقت المتأخر ، ألم يكن الأجدر به أن يظهر هذه الأموال قبل مناسبة تبوك ، وينفقها على المسلمين أنفسهم ، إذا كانوا في عسرة حقيقية؟! ولما ذا يتركهم يواجهون تلك الشدائد؟! .. ولا يرق له قلب ، ولا يرفّ له جفن؟!

بل لما ذا لم يساعد أقاربه من أهل مكة عند ما أصابهم القحط؟!

هل هذا تعريض بأبي بكر؟! :

لقد زعموا : أن قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) (١). قد نزل في عثمان لإنفاقه في جيش العسرة (٢).

__________________

(١) الآية ٢٦٢ من سورة البقرة.

(٢) التفسير الكبير ج ٧ ص ٤٥ والغدير ج ٨ ص ٥٧ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ١ ـ

١٢٩

ونقول :

ألف : إن هذه الآية في سورة البقرة ، وهي أول سورة نزلت في المدينة في أول الهجرة (١).

وجيش العسرة قد كان في سنة تسع من الهجرة في شهر رجب ..

ب : إذا صح أن أبا بكر قد قدم ماله كله في جيش العسرة ، فإن المناسب هو أن تنزل هذه الآية في حقه ، لا أن تنزل في حق عثمان ..

ج : إن هذه الآية قد صرحت بالقول : بأن المنفقين لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى. فهل هي بصدد التعريض بأبي بكر الذي يقول عنه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ما من أحد أمنّ عليّ في صحبته وذات يده من أبي بكر (٢).

__________________

ص ١٤٢ وتفسير السمرقندي ج ١ ص ٢٠٠ وتفسير الثعلبي ج ٢ ص ٢٥٨ وأسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص ٥٥ وتفسير البغوي ج ١ ص ٢٤٩ وزاد المسير لابن الجوزي ج ١ ص ٢٧٥ وتفسير القرطبي ج ٣ ص ٣٠٦ وتفسير البيضاوي ج ١ ص ٥٦٥.

(١) الجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ١٣٢ وتفسير الخازن ج ١ ص ١٩ وتفسير الشوكاني ج ١ ص ١٦.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٢ ولسان الميزان ج ٢ ص ٢٣ وصحيح البخاري كما في إرشاد الساري ج ٦ ص ٢١٤ و ٢١٥ والجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٦٠٨ و ٦٠٩ وراجع : مجمع الزوائد للهيثمي ج ٩ ص ٤٥ والمعجم الكبير للطبراني ج ١٢ ص ٩٣ وكنز العمال ج ١١ ص ٥٥٤ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٤٧٦ وكنز العمال ج ١١ ص ٥٥٢ و ٥٥٤ وج ١٢ ص ٥٢٣ وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٥٠١.

١٣٠

الإغراء بالمعاصي :

إن حديث : ما يبالي عثمان ما فعل بعد اليوم ، أو نحو ذلك ، فيه إغراء للناس بالمعاصي ، ما دام أنه قد تأكد لدى من قيلت في حقه : أنه غير معاقب على شيء ..

ولا ندري لو أن عثمان زنى بعد هذا العطاء ، أو سرق ، أو قتل ، فهل كان يقام عليه الحد ، أو يقتص منه ، أو لا يفعل به شيء من ذلك؟! ..

إننا لا نعرف السبب في هذه العسرة التي ألّمت بالمسلمين فجأة في سنة تسع ، مع أن التاريخ لم يحدثنا عنها إلا في مناسبة نفقات عثمان ، وإعطاء الأوسمة له!!

العسرة لم ترتفع بما فعل عثمان :

إن ظاهر كلمات عمر بن الخطاب أن العسرة قد بقيت ولم ترتفع بما بذله عثمان ، وغيره ، فقد قال الديار بكري :

وكان العشرة يتعقبون على بعير واحد ، وربما يمص التمرة الواحدة جماعة ، يتناوبونها ، وكانوا يعصرون الفرث ويشربونه من شدة العطش.

وعن عمر بن الخطاب قال : نزلنا منزلا أصابنا فيه عطش ، حتى إن الرجل لينحر بعيرا ، فيعصر فرثه ، ويشربه ، ويجعل ما بقي على كبده. كذا في معالم التنزيل ..

وفي تفسير عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن عقيل ، قال : فخرجوا في قلة من الظهر في حر شديد ، حتى إنهم كانوا ينحرون البعير ، ويشربون ما في كرشه من الماء. فكان ذلك الوقت عسرة في الماء والظهر ، والنفقة ، فسميت

١٣١

غزوة العسرة (١) ..

عثمان يعطي من بيت المال :

وآخر كلمة نقولها هنا : إن التاريخ قد سجل لنا أرقاما هائلة جدا عن عطايا عثمان من بيت مال المسلمين في أيام خلافته ، وكان ذلك من أهم أسباب ثورة الصحابة والمسلمين عليه حتى قتلوه ..

فلعل الذين وضعوا هذه الأفيكة قد أرادوا الإيحاء بأن هذه العطايا إنما كانت من أمواله الشخصية ، لا من بيت المال ..

وعن حجم عطايا عثمان غير المعقولة ، ولا المقبولة ، نقول : لقد ذكر العلامة الأميني قائمة ببعض عطاياه من الدراهم والدنانير ولبضعة أشخاص فقط ، مع أنها لا تكاد تذكر إلى جانب اقطاعاته ، وعطاياه من الأمور العينية ، وكيف لو أضيفت إلى ذلك عطاياه الأخرى طيلة سنوات حكمه؟! ..

والقائمة هي التالية :

لقد أعطى عثمان لسبعة أشخاص فقط هو أحدهم :

مبلغ : أربعة ملايين وثلاث مئة ، وعشرة آلاف دينار.

وأعطى مئة وستة وعشرين مليونا وسبع مئة وسبعين ألف درهم ، لأحد عشر شخصا فقط وكان هو في جملة من أخذ ؛ فكيف بعطاياه طيلة سنوات حكمه؟!

وفي الغدير ج ٨ نصوص تصرح بامتلاكه وامتلاك أتباعه أرقاما هائلة

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٣ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ و ٤٣٦ وفتح الباري ج ٨ ص ٨٤ ، وإمتاع الأسماع ج ٨ ص ٣٩١.

١٣٢

تكاد لا تصدق .. فيمكن الرجوع إلى ذلك الكتاب للاطلاع عليها ..

وفي الختام نقول :

هذا ما أفصحت عنه كتب حرص مؤلفوها على حفظ ماء وجه عثمان ، بعد أن افتضح أمره بإصرار الصحابة والمسلمين على قتله ، وبعد أن كان لا بد لهم من مراعاة الحال في مجتمع يرى الزهد فضيلة ، ويعيش أبناؤه حالات قاسية من الحاجة والفقر ..

فكيف لو أرادوا أن يطلقوا لأقلامهم العنان في بيان الحقائق ، فإن الخطب جلل ، والمصاب أليم ، وإلى الله المشتكى ، وعليه المعول في الشدة والرخاء.

١٣٣
١٣٤

الفصل الثالث :

النفير العام

١٣٥
١٣٦

إعلان المسير ، لما ذا؟! :

وبين «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للناس مقصده ، وإنه يريد بلاد الروم ، وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قلّ أن يخرج في غزوة إلا كنّى عنها وورّى بغيرها إلا ما كان من غزوة تبوك ، فإنه بيّنها للناس ، لبعد الشقة ، وشدة الزمان ، وكثرة العدو الذي يصمد له ، ليتأهب الناس لذلك أهبته ، فأمر الناس بالجهاز ، ودعا من حوله من أحياء العرب للخروج معه ، فأوعب معه بشر كثير ، وبعث إلى مكة ، وإلى سائر القبائل التي فشا فيها الإسلام.

وتخلف عنه آخرون ، فعاتب الله ـ تعالى ـ من تخلف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين ، ووبخهم وبين أمرهم ، فقال سبحانه وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).

ثم قال : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ

__________________

(١) الآيتان ٣٨ و ٣٩ من سورة التوبة.

١٣٧

اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١) إلى آخر الآيات (٢).

وعن كعب بن مالك قال : كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قلّما يريد غزوة يغزوها إلا ورّى بغيرها ، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في قيظ شديد ، واستقبل سفرا بعيدا ، وغزّى وعددا كثيرا ، فجلّى للمسلمين أمرهم ، ليتأهبوا أهبة غزوهم ، وأخبرهم بوجهه الذي يريده (٣).

ونقول :

إن الإعلان بمقصده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غزوة تبوك لم يكن لمجرد بعد الشقة ، وشدة الزمان ، وكثرة العدو ، ليتأهب الناس ، فإنه قد أرسل قبل سنة وشهرين سرية إلى مؤتة ، وهي أبعد من تبوك بكثير ، لأنها تقع في تخوم البلقاء من أرض الشام ، وكانت حشود الأعداء عظيمة ، وهائلة ، والشقة

__________________

(١) الآيتان ٤١ و ٤٢ من سورة التوبة.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٤.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٤ عن ابن أبي شيبة ، والبخاري ، وابن سعد ، وقال في هامشه : أخرجه البخاري (٢٩٤٨) و (ط دار الفكر) ج ٥ ص ١٣٠ ، وصحيح مسلم ج ٨ ص ١٠٦ ومسند أحمد ج ٣ ص ٤٥٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٤٠ وج ٩ ص ٣٤ وص ١٥٠ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٢١٦ وفيض القدير ج ٥ ص ١٢٣ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٤١١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٦٧.

١٣٨

أبعد ، وعدد جيش المسلمين لا يصل إلى عشر عدد الجيش الذي جهزه هو ، حيث لم يكن عدد المسلمين يزيد على ثلاثة آلاف مقاتل بينما الجيش الذي يجهزه الآن إلى تبوك عشرة أضعاف هذا العدد ، وكانت جموع الأعداء التي واجهت تلك السرية الصغيرة تعد بمئات الألوف حسبما تقدم .. بينما هم يدّعون أن قيصر قد جهز للمواجهة في هذه المرة أربعين ألفا فقط.

من أجل ذلك وسواه نقول :

لعل الأصح هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أراد فيما أراد :

١ ـ أن يفضح حقيقة نوايا تلك الطغمة التي تتربص بالإسلام وبالمسلمين شرا ، وهذا ما اشار إليه الشيخ المفيد «رحمه‌الله» حيث قال عن تبوك :

«فأوحى الله تبارك وتعالى اسمه إلى نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أن يسير إليها بنفسه ، ويستنفر الناس للخروج معه ، وأعلمه أنه لا يحتاج فيها إلى حرب ، ولا يمنى بقتال عدو ، وأن الأمور تنقاد له بغير سيف ، وتعبّده بامتحان أصحابه بالخروج معه واختبارهم ، ليتميزوا بذلك ، وتظهر به سرائرهم.

فاستنفرهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى بلاد الروم ، وقد أينعت ثمارهم ، واشتد القيظ عليهم ، فأبطأ أكثرهم عن طاعته ، رغبة في العاجل ، وحرصا على المعيشة وإصلاحها ، وخوفا من شدة القيظ ، وبعد المسافة ، ولقاء العدو ، ثم نهض بعضهم على استثقال للنهوض ، وتخلف آخرون الخ ..» (١).

__________________

(١) الإرشاد ج ١ ص ١٥٤ و ١٥٥ والبحار ج ٢١ ص ٢٠٧ وموسوعة الإمام علي ـ

١٣٩

ونلاحظ هنا أمرين :

أحدهما : قد يقال : إن هذا النص ينافي ما تقدم من أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يقول على المنبر وهو يحث الناس على المسير : «اللهم إن تهلك هذه العصبة لا تعبد في الأرض» .. فإن هذا يشير إلى أن ثمة خطرا حقيقيا كان يتهدد المسلمين آنئذ ، فإذا كان الله قد أخبر نبيه ، بأن الأمور تستقيم له من غير حاجة إلى حرب لم يصح هذا القول منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

الثاني : إذا كانت الأمور تستقيم للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بغير حرب ، فلما ذا يكبد الناس مشقة هذا السفر البعيد ، ويكلفهم مكابدة الأخطار والتفريط بالثمار في أيام القيظ ، وفي الزمان الشديد؟!

ونجيب :

أولا : إن هذا الكلام على المنبر في كل يوم لا يتناقض مع إخبار الله تعالى بأن الأمور سوف تنتهي بلا حرب ، بل هو كلام صادق في نفسه على كل حال.

ثانيا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مكلف بأن يتعامل مع الناس وفق ما تقتضيه ظواهر الأمور. أما ما يعرّفه الله إياه بالوحي ، وبالطرق غير العادية ، فليس له أن يجري في تعامله مع أصحابه على أساسه ، إلا إذا أذن الله تعالى بذلك في بعض الموارد إذا توفرت مبررات الخروج عن هذه القاعدة.

ثالثا : إنه قد يكون نفس مبادرة الناس إلى الإنخراط في هذا الجيش ،

__________________

بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ١ ص ٢٦١ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٤١٥ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٢٧.

١٤٠